ج1.أحكام الجنائز الي اخر{ ما على الحاضرين بعد موته }
بسم الله الرحمن الر حيم
إن الحمد لله ، نحمده
ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله
فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن
إلا وأنتم مسلمون } ، { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق
منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والارحام إن
الله كان عليكم رقيبا} ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح
لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } . أما
بعـــد ، فان أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الامور محدثاتها
، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار . وقد قال الله عزوجل :
{ تبارك الذي بيده الملك وهوعلى كل شئ قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم
أحسن عملا وهو العزيز الغفور} . ( 2 ) . وقال : {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر
والخير فتنة وإلينا ترجعون } ( 3 ) . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
مالي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها " 1 .
ثم إنه " لما كان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز خير الهدي مخالفا لهدي
سائر الامم ، مشتملا على الاحسان للميت ، ومعاملته بما ينفعه في قبره ، ويوم معاده
، وعلى الاحسان إلى أهله وأقاربه ، وعلى إقامة عبودية الحي ، فيها يعامل به ، الميت
، وكان من هديه في لجنائز ، إقامة العبودية للرب تبارك وتعالي على أكمل الاحوال
والاحسان إلى الميت ، وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلها ، ووقوفه ، ووقوف
أصحابه صفوفا يحمدون الله ، ويستغفرون له ويسألونه المغفرة والرحمة ، والتجاوز عنه
، ثم المشي بين يديه إلى أن يودعه حفرته ، ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره ،
سائلين له التثبيت أحوج ما كان إليه . ثم يتعاهده بالزيارة إلى قبره ، والسلام عليه
، والدعاء له ، كما يتعاهد الحي صاحبه في دارلدنيا . فأول ذلك ، تعاهده في مرضه
وتذكيره الآخرة ، وأمرهبالوصية والتوبة ، وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا
الله لتكون آخر كلامه . ثم النهي عن عادة الامم التي لا تؤمن بالبعث والنشور ،
من لطم الخدود ، وشق الثياب ، وحلق الرؤوس ، ورفع الصوت بالندب والنياحة وتوابع ذلك
. وسن الخشوع للميت ، والبكاء الذي لا صوت معه ، وحزن القلب ، وكان يفعل ذلك ،
ويقول : " تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب " . وسن لامته
الحمد والاسترجاع ، والرضى عن الله ، ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين ، وحزن القلب ،
ولذلك كان أرضى الخلق في قضائه وأعظمم له حمدا ، وبكى مع ذلك يوم مات ابنه إبراهيم
، رأفة منه ورحمة للولد ، ورقة عليه ، والقلب ممتلى باالرضى عن الله عزوجل وشكره ،
واللسان مشتغل بذكره وحمده " 2 . ولما كان كثير من الناس اليوم بعيدين كل البعد
عن - هديه الله صلى الله عليه وسلم في العبادات كلها ، ومنها ( ( الجنائز ) ) بسبب
انصرافهم عن دراسة العلم ، ولا سيما علم الحديث والسنة ، وانكبابهم على العلوم
المادية ، والعمل لجمع المال ، فقد طلب مني بعض الاعزاء بمناسبة وفاة إحدى قريباته
يوم الجمعة الواقع في 11 ربيع الآخر سنة 1373هـأن أضع رسالة مختصرة في " آداب
الجنائز في الاسلام " ، ليقوم هو أو غيره بطبعها وتوزيعها على المجتعين للتعزية في
أيامها المعتادة عند هم ، مغتنما فرصة اجتماعهم لتعريفهم بسنة نبهيم حتى يستنوا بها
، ويهتدوا بهديها ويستنيروا بنورها . ومع أنني كنت قد باشرت تأليف بعض المصنفات
الاخرى ، فقد وعدته خيرا ، لما في ذلك من التعاون على إحياء السنة ، وإماتة البدعة
، فسارعت إلى تحقيق رغبته ، جاز طلبته . ولكني ما كدت أشرع في ذلك ، حتى تبين لي أن
الامر أبعد من أن يتحقق بتلك السرعة ، وأوسع من أن يجمع في رسالة توزع على الناس في
مثل تلك المناسبة ، ذلك لان آداب الجنائز وأحكامها كثيرة جدا ، وقسم كبير منها مما
اختلفت فيه أقوال العلماء ، وتضاربت حوله الآراء ، فمنهم من يحرم شيئا ، والآخر
يبيحه ، ومنهم من يوجب شيئا ، والآخر لا يجيزه ، ومنهم من يراه سنة ، وآخر يراه
بدعة ، وهكذا . . . . . . . . كما هو الشأن في كثير من المسائل الاخرى ، في أكثر
أبواب الشريعة ، مصداقا لقول الله تعالى { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك } .
لذلك كان لابد قبل كل شئ من جمع مفردات مسائل ( ( الجنائز ) ) ثم دراستها دراسة
دقيقة ، وتتبع أدلة المختلف عليه منها ، ونقدها على ضوء علمي ( ( أصول الحديث ) )
و( ( أصول الفقه ) ) ، واختيار الراجح منها ، دون أي تحيز لمذهب معين ، أو تأثر
بعادة سيطرت حتى صارت كأنها دين يجب أن يتبع ومما لا يخفى على أهل العلم الذين
مارسوا التأليف أن تحقيق مثل هذا العمل ، يتطلب سعيا حثيثا ، وجهدا بليغا وصبرا
جميلا وزمنا مديدا ، وبعد إنجازه يمكن تأليف الرسالة المطلوبة بصورة تطمئن إليها
النفس وينشرح لها الصدر ، ويعظم بها النفع . لذلك فقد ذكرت للاخ المشار إليه
خلاصة هذا معتذرا ، فقبل عذري جزاء الله خيرا ، ولكنه عاد يطلب مني الشروع في هذا
العمل ، وحضني عليه ، وبالغ فيه راجيا منه خيرا كثيرا . فاستخرت الله تعالى ،
وانكببت على الدراسة ، والمراجعة ، قرابة ثلاثة أشهر ، أعمل فيها ليلا نهارا ، إلا
ما لابد منه من العمل في مهنتي ، والنوم الذي لا غنى عنه لراحة جسمي ، حتى تمكنت من
إعداد هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم . ولقد كان يتطلب من الوقت أكثر مما
قدر له ، لولا أن قسما كبيرا من مسائله وأحاديثه قد كان محققا عندي في بعض تصانيفي
، ولذلك تراني أحيل عليها في بعض المواطن منه . ولقد حاولت أن أستقصي فيه كل ما
له علاقة بموضوعه من المسائل التي لها دليل من الكتاب والسنة ، وأعرضت مما كان
مستنده مجرد الرأي ، لان الموضوع تعبدي محضى ، لا مجال للقياس تذكر عادة في " باب
الجنازة " من عامة كتب الفقه ، مثل الوصية ، وعلامات حسن ( خاتمة ، فيه ، إلا ما لا
بد منه من القياس الجلي . وأوردت في أوله بعض الفصول والمسائل التي لا ونحو ذلك ،
وبعضه قد لا يذكر فيها أصلا ، مثل الفصل ( 5 و8 و9 ) ، والمسألة ( 30 ) ، والفقرة (
ج ود ) من المسألة ( 74 ) والمسألة ( 98 و105 99 و107 و113 و125 ) والفقرة ( 7 ) من
مسألة ( 128 ) مع أهميتها وكثرة ابتلاء الناس بها ، وتواتر الاحاديث فيها ، والفقرة
( 10 ) منها . واستوحيت ترتيبه من الواقع ، فافتتحته بفصل : ( 1 - ما يجب على
المريض ) من الرضى بالقضاء والصبر على القدر وترك تمني الموت وأداء الحقوق .
والوصية والاشهاد عليها . . . ثم : ( 2 - تلقين المحتضر ) وما على من حضره من
التلقين وأمره بالشهادة . ثم ( 3 - ما على الحاضرين بعد موته ) من غمض عينيه .
والدعاء له وتغطيته . والتعجيل بتجهيزه . والمبادرة لقضاء دينه . ثم ( 4 - ما
يجوز للحاضرين وغيرهم ) من كشف وجهه وتقبيله والبكاء عليه . ثم ( 5 - ما يجب
على أقارب الميت ) من الصبر والرضا بالقدر ، والا سترجاع ، وإحداد المرأة على زوجها
. ثم ثم ( 6 - ما يحرم عليهم ) من النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب ، وغير ذلك
كنعيه على المنائر ثم ( 7 - النعي الجائز ) . ثم ( 8 - علامات حسن الخاتمة
) . ثم ( 9 - ثناء الناس على الميت ) . ثم ( 10 - غسل الميت ) . وهكذا إلى
الدفن وزيارة القبور . وختمته بفصل خاص ببدع الجنائز . أستوعبت فيه جميع ما
وقفت عليه من البدع منصوصا عليه في كتاب من كتب أهل العلم قديما وحديثا . عازيا كل
بدعة إلى موضعها من كتبهم . وما لم يعز إليهم . فهو مما يحكم المنهج العلمي في أصول
البدع أنه منها . ولكني لم أر من نص ، منهم عليها . وكثير منها من بدع العصر الحاضر
. وإني لاسأل الله تبارك وتعالى . أن ينفع بهذا الكتاب كل من قرأه . ويكتب لي
أجره . ومثله لمن كان سبب تأليفه . ولمن قام على طبعه . إنه سميع مجيب . دمشق 24
محرم سنة 1388 هـ3 .
محمد ناصر الدين الإلباني
- 1 حديث صحيح ، وهو
مخرج في " تخريج فقه السيرة للغزالي " ( ص 478 الطبعة الرابعة ) ، وفي " الاحاديث
الصحيحة " ( رقم 438 ) ولذلك أوردته في كتابي " صحيح الجامع الصغير وزيادته " يسر
الله تعالى إتمامه بمنه وفضله . 2 من كلام ابن القيم رحمه الله في " الفصل
الاول من الجنائز " من " زاد المعاد " ( 1 / 197 ) وتمامه : " ولما ضاق هذا المشهد
، والجمع بين الامرين على بعض العارفين ، يوم مات ولده ، جعل يضحك فقيل له ، أتضحك
في هذه الحالة ؟ فقال : ان الله تعالى قضى بقضاء ، فأحببت أن أرضى بقضائه . فأشكل
هذا على جماعة من أهل العلم ، فقالوا كيف يبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم
مات إبنه إبراهيم ، وهو أرضي الحلق عن الله ، ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك
فسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول : هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي
هذا العارف ، أعطى العبودية حقها ، فاتسع قلبه للرضى عن الله ورحمة الولد والرقة
عليه ، فحمد الله ورضي عنه في قضائه ، وبكى رحمة ورأفة ، فحملته الرأفة على البكاء
، وعبوديته الله ، ومحبته الله الرضى والحمد . وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع
الامرين ولم يتسع باطنه لشهودهما ، والقيام بهما ، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية
الرحمة والرأفة " . 3 وكان منتظرا صدور الكتاب في 1385 بعد أن سبكت الحروف واعد
للطبع ولكن توقف مطابع المكتب الاسلامي من ذي القعدة 1384 حتى منتصف ربيع الاول
1388 حال دون ذلك . والله على المستعان كل حال . الناشر
|
| |
ما يجب على المريض
1 - على المريض أن يرضى
بقضاء الله ، ويصبر على قدره ، ويحسن الظن بربه ، ذلك خير له ، قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : " عجبا لامر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لاحد إلا للمؤمن
، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . وقال
صلى الله عليه وسلم : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى " . رواهما
مسلم والبيهقي وأحمد . 2 - وينبغي عليه أن يكون بين الخوف والرجاء ، يخاف عقاب
الله على ذنوبه ، ويرجو رحمة ربه ، لحديث أنس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل
على شاب وهو بالموت ، فقال : كيف تجدك ؟ قال : والله يارسول الله إني أرجو الله ،
وإني أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتعان في قلب عبد في
مثل هذا الموطن ، إلا أعطاه الله ما يرجو ، وأمنه مما يخاف " . أخرجه ، الترمذي
وسنده حسن ، وابن ماجه ، وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ( ص 24 / 25 ) وابن
أبي الدنيا كما في " الترغيب " ( 4 / 141 ) . 3 - ومهما اشتد به المرض ، فلا
يجوز له أن يتمنى الموت ، لحديث أم الفض رضي الله عنها : " أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم دخل عليهم ، وعباس عم رسول الله يشتكي ، فتمنى عباس الموت ، فقال له رسول
الله صلى الله عليه وسلم : يا عم لا تتمن الموت ، فانك إن كنت محسنا ، فأن تؤخر
تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك ، وإن كنت مسيئا فأن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك
، فلاتتمن الموت " . أخرجه الحاكم ( 1/339 ) وقال : " صحيح على شرط الشيخين "
ووافقه الذهبي . وإنما هو على شرط البخاري فقط ، وأخرجه الشيخان والبهقي ( 3/377 )
وغيرهم من حديث أنس مرفوعا نحوه ، وفيه : " فإن كان لا بد فاعلا فليقل : الهم
أحيي ما كانت الحياة خيرا لي : وتوفي إذا كانت الوفاة خيرا لي " . 4 - وإذا كان
عليه حقوق فليؤدها إلى ، أصحابها ، إن تيسر له ذلك . وإلا أوصى بذلك ، فقد قال صلى
الله عليه وسلم : " من كانت عنده مظلمة لاخيه من عرضه1 أو ماله ، فليؤدها إليه ،
قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم " إن كان له عمل صالح أخذ منه
، وأعطي صاحبه ، وإن لم يكن له عمل صالح ، أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه " . أخرجه
البخاري والبيهتي ( 3/369 ) وغيرهما . وقال صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما
المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا دراهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي
يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وز كاة ، ويأتي قدشم هذا ، وقذف ، هذا ، وأكل مال هذا
، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا ، من حسناته ، وهذا من حسناته . فإن فنيت
حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " رواه
مسلم ( 8/ 18 ) وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : " من مات وعليه دين ، فليس ثم
دينار ولا درهم ، ولكنها الحسنات والسيئات " . أخرجه الحاكم ( 2/27 ) والسياق له
وابن ماجه وأحمد ( 2/70 - 82 ) من طريقين عن ابن عمر ، والاول صحيح كما قال الحاكم
ووافقه الذهبي ، والثاني حسن كما قال المنذري ( 3/34 ) ، ورواه الطبراني في الكبير
بلفظ : " الدين دينان ، فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ، ومن مات وهو لا
ينوي قضاءه ، فذاك الذي يؤخذ من حسناته ، ليس يومئذ دينار ولا درهم " 2 . وقال
جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " لما حضر أحد ، دعاني أبي من الليل ، فقال : ما
أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب صلى الله عليه وسلم ، وإني لا أترك بعدي
أعز على منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن على دينا فاقض ، واستوص
باخوتك خيرا . فأصبحنا ، فكان أول قتيل . . . . . . " الحديث . أخرجه البخاري .
5 - ولا بد من الاستعجال بمثل هذه الوصية لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما حق
امرئ مسلم يبيت ليلتين ، وله شئ يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " .
قال ابن عمر : " ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
ذلك إلا وعندي وصيتي " . رواه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم . 6 - ويجب أن يوصي
لاقربائه الذين لا يرثون منه ، لقوله تبارك وتعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم
الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين} . ( البقرة
: 180 ) . 7 - وله أن يوصي بالثلث من ماله ، ولا يجوز الزيادة عليه ، بل الافضل
أن ينقض منه لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : " كنت مع رسول الله صلى الله
عليه وسلم في حجة الوداع ، فمرضت مرضا أشفيت منه على الموت ، فعادني رسول الله صلى
الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثي إلا ابنة لي ،
أفأوصي بثلثي مالي ؟ قال : لا . قال : قلت : بشطر مالي ؟ قال : لا . قلت : فثلث
مالي ؟ قال : الثلث ، والثلث كثير ، إنك يا سعد أن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن
تدعهم عالة يتكففون الناس ( وقال بيده ) ، إنك يا سعد لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه
الله تعالى إلا أجرت عليها ، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك . ( قال : فكان بعد
الثلث جائزا ) " . أخرجه أحمد ( 1524 ) والسياق له والشيخان والزيادتان لمسلم
وأصحاب السنن . وقال ابن عباس رضي الله عنه : " وددت أن الناس عضوا من الثلث
إلى الربع في الوصية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الثلث كثير " . أخرجه
أحمد ( 2029 ، 2076 ) والشيخان والبيهقي ( 6/269 ) وغيرهم . 8 - ويشهد على ذلك
رجلين عدلين مسلمين ، فان لم يوجدا فرجلين من غير المسلمين على أن يستوسق منهما عند
الشك بشهادتهما حسبما جاء بيانه ، في قول الله تبارك تعالي{ يا أيها الذين آمنوا
شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اتنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم
إن أنتم ضربتم في الارض فأصابتكم مصيبة الموت ، تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان
بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله ، إنا إذا
لمن الآثمين . فإن عثر على أنهما استحقا إثما3 فآخران يقومان مقامهما من الذين
استحق عليهم الاوليان . فيقسمان بالله لثسهادتنا أحق من شهادتهما ، ما اعتدينا إنا
إذا لمن الظالمين . ذلك أدنى أن يأتوا باالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان
بعد أيمانهم ، والتقوا الله واسمعوا ، والله لا يهدي القوم الفاسقين } . ( المائدة
106 - 108 ) . 9 - وأما الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون من الموصي ، فلا
تجوز ، لأنها منسوخة بآية الميراث ، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم
البيان في خطبته في حجة الوداع فقال : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية
لوارث " 4 أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي ( 6 / 264 ) وأشار لتقويته ، وقد
أصاب ، فإن إسناده حسن ، وله شواهد كثيرة عند البيهقي و" مجمع الزوائد " ( 4 / 212
) " . 10 - ويحرم الاضرار في الوصية ، كأن يوصي بحرمان بعض الورثة من حقهم من
الارث ، أو يفضل بعضهم على بعض فيه ، لقوله تبارك وتعالى : { للرجال نصيب مما ترك
الوالدان والاقربون . . . . مما قل أو كثر نصيبا مفروضا . . } ( 6 - 12 ) وفي
الاخيرة منها : { من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار ، وصية من الله ، والله
عليم حليم } . ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ، من ضار ضاره الله ، ومن شاقه
الله " . أخرجه الدار قطني ( 522 ) والحاكم ( 2/57 - 58 ) عن أبي سعيد الخدري ،
ووافق الذهبي الحاكم : على قوله " صحيح على شرط مسلم " والحق أنه حديث حسن كما قال
النووي في " الاربعين " وابن تيمية في " الفتاوى " ( 3/262 ) لطرقه وشواهده الكثيرة
، وقد ذكرها الحافظ ابن رجب في " شرح الاربعين " ( ص 219 ، 220 ) ثم خرجتها في "
إرواء الغليل " رقم 888 ) 11 - والوصية الجائرة باطلة مردودة ، لقوله صلى الله
عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . أخرجه الشيخان في "
صحيحيهما " وأحمد وغيرهم . ولحديث عمران بن حصين : " أن رجلا أعتق عند موته ستة
رجلة5 فجاء ورثته من الاعراب ، فأخبر وارسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع ، قال
: أو فعل ذلك ؟ قال : لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه ، قال : فأقرع بينهم
فأعتق منهم اثنين ، ورد أربعة في الرق " . أخرجه أحمد ( 4/446 ) ومسلم بنحوه وكذا
الطحاوي والبيهقي وغيرهم . 12 - ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا
الزمان الابتداع في دينهم ، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز ، كان من الواجب أن يوصي
المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة عملا بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا
أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لا يعصون
الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون} ( سورة التحريم : 6 ) . ولذلك كان أصحاب
رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك ، والاثار عنهم بما ذكرنا كثيرة ، فلا بأس
من الاقتصار على بعضها : أ - عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال في مرضه
الذي مات فيه : " ألحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا ، كما صنع برسول الله
صلى الله عليه وسلم " . أخرجه مسلم والبيهقي ( 3/ 407 ) وغيرهما . ب - عن أبي
بردة قال : " أوصى إبو موسى رضي الله عنه حين حضره الموت قال : إذا انطلقتم بجنازتي
فأسرعوا بي المشي ، ولا تتبعوني بمجمر ، ولا تجعلن على لحدي شيئا يحول بيي وبين
التراب ، ولا تجعلن على قبري بناء ، وأشهدكم أني برئ من كل حالقة ، أو سالقة ، أو
خارقة ، قالوا ، سمعت فيه شيئا ؟ قال : نعم ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم "
أخرجه أحمد ( 4/397 ) والبيهقي ( 3/395 ) بهذا التمام ، وابن ماجه بسند حسن . ج
- عن حذيفة قال : " إذا أنا مت فلا تؤذنوا بي أحدا ، فإني أخاف أن يكون نعيا ، وإني
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النعي " . أخرجه الترمذي ( 2/ 129 )
وقال : " حديث حسن " ، ورواه غيره بنحوه وسيأتي في " النعي " وفي الباب آثار أخرى
تأتي في المسألة ( 47 ) . ولما سبق قال النووي رحمه الله تعالى في " الاذكار "
: " ويستحب له استحبابا مؤكدا أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في
الجنائز ، ويؤكد العهد بذلك " .
***********************
1 العرض :
موضع المدح والذم من الانسان سواء كان في نفسه أو من يلزمه أمره " نهاية " . 2
وهو حديث صحيح بما قبله ، وبحديث عائشة التي في آخر المسألة ( 17 ) . 3 أي فإن
اتفق الاطلاع على أن الشاهدين المقسمين استحقا إثما بالكذب والكتمان في الشهادة ،
أو بالخيانة وكتمان شئ من التركة في حالة ائتمانهما عليها فالواجب ، أو فالذي يعمل
لاحقاق الحق هو أن ترد اليمين إلى الورثة بأن يقوم رجلان آخران مقامهما من أولياء
الميت الوارثين له ، الذين استحق ذك الاثم بالاجرام عليهم ، والخيانة لهم . كذا في
" تفسير المنار " ، وراجع تمام البحث فيه ( 7 / 222 ) . 4 فالناسخ إنما هو
القرآن ، والسنة إنما هي مبينة لذلك كما ذكرنا ، وكما هو واضح من خطبته صلى الله
عليه وسلم خلافا لما يظنه كثيرون أن الحديث هو الناسخ ، ثم استغل ذلك بعض المعاصرين
فزعموا أن حديث الاحاد ينسخ القرآن فقد عرفت الجواب ، وهو أن الناسخ إنما هو القرآن
، ولو سلمنا أن الناسخ إنما هو الحديث ، فهو صالح للنسخ اتفاقا ، لان العلماء جميعا
تلقوه بالقبول . على أنه حديث متواتر ، كما يعلم ذلك من وقف على طرقه الكثيرة
المبثوثة في دواوين السنة ومسانيدها . ولعلنا نوفق لا ستخراجها وتحقيق الكلام عليها
في جزء مفرد . ثم جمعت طرقه وخرجتها في " إرواء الغليل " رقم ( 16 ) فجاوزت طرقه
العشرة ، عن ثمانية من الصحابة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها منجبر الضعف . 5
جمع ( رجل ) | |
|
|
|
ما على الحاضرين بعد موته
17 - فإذا قضى وإسلم
الروح ، فعليهم عدة أشياء : أ ، ب - أن يغمضوا عينيه ، وبدعوا له أيضا لحديث أم
سلمة قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة ، وقد شق بصره ،
فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا
على أنفسكم إلا بخير ، فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، ثم قال : اللهم اغفر
لابي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله
يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه " . أخرجه مسلم وأحمد ( 6/297 )
والبيهقي 3/334 ) وغيرهم . ج - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي
الله عنها : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة " .
أخرجه الشيخان في صحيحيهما والبيهقي ( 3/ 385 ) وغيرهم . د - وهذا في غير من
مات محرما ، فإما المحرم ، فإنه لا يغطى رأسه ووجهه لحديث ابن عباس قال : " بينما
رجل واقف بعرفة ، إذ وقع عن راحلته فوقصته ، أو قال : فأقعصته ، فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ( وفي رواية : في ثوبيه ) ولا
تحنطوه ( وفي رواية : ولا تطيبوه ) ، ولا تخمروا رأسه ( ولا وجهه ) ، فإنه يبعث يوم
القيامة ملبيا " . أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " وأبو نعيم في " المستخرج " ( ق
139 - 140 ) والبيهقي ( 3/390 ) وليست الزيادة عند البخاري هـ - أن يعجلوا
بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " أسرعوا
بالجنازة . " الحديث ، وسيأتي بثمامه في الفصل ( 47 ) . وفي الباب حديثان آخران
أصرح من هذا ، ولكنهما ضعيفان ولذلك أعرضنا عنهما1 . و- أن يدفنوه في البلد
الذي مات فيه ، ولا ينقلوه إلى غيره ، لانه ينافي الاسراع المأمور به في حديث أبي
هريرة المتقدم ، ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " لما كان يوم
أحد ، حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن
رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أمي
أبي وخالي عديلين2 ( وفي رواية : عادلتهما ) ( على ناضح ) لتدفنهم تفي البقيع -
فردوا ( وفي رواية قال : فرجعناهما مع القتلى حيث قتلت ) " . أخرجه أصحاب السنن
الاربعة وابن حبان في صحيحه ( 196 - موارد ) والرواية الاخرى له ، وأحمد ( 3/297 -
380 ) والبيهقي ( 4/57 ) بإسناد صحيح ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " والزيادة
لاحمد في رواية يأتي لفظها في المسألة الفصل ( 80 ) . ولذلك قالت عائشة لما مات
أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه : " ما أجد في نفسي ، أو يحزني في نفسي إلا أني
وددت أنه كان دفن في مكانه " 3 أخرجه البيهقي بسند صحيح . ز - أن يبادر بعضهم
لقضاء دينه من ماله ، ولو أتى عليه كله ، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي
عنه إن كان جهد في قضائه ، فإن لم تفعل ، وتطوع بذلك بعضهم جاز ، وفي ذلك أحاديث :
الاول : عن سعد بن الاطول رضي الله عنه : " أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ،
وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، قال : فقال لي النبي صلى الله عليه
وسلم : إن أخاك محبوس بدينه ( فاذهب ) فاقض عنه ( فذهبت فقضيت عنه ، ثم جئت ) قلت :
يارسول الله ، قد قضيت عنه إلا دينار ين ادعتهما امرأة ، وليست لها بينة ، قال
أعطها فإنها محقة ، ( وفي رواية : صادقة ) " . أخرجه ابن ماجه ( 2/ 82 ) وأحمد ( 4/
136 ، 5/7 ) والبيهقي ( 10/ 142 ) وأحد إسناديه صحيح ، والاخر مثل إسناد ابن ماجه ،
وصححه البوصيري في " الزوائد " وسياق الحديث والرواية الثانية للبيهقي وهي
والزيادات لاحمد في رواية . الثاني : عن سمرة بن جندب . " أن النبي صلى الله
عليه وسلم صلى على جنازة ( وفي رواية : صلى الصبح ) فلما انصرف قال : أههنا من آل
فلان أحد ؟ ( فقال رجل : هو ذا ) ، قال : فقام رجل بحر إزاره من مؤخر الناس ( ثلاثا
لا بحيبه أحد ) ، ( فقا له النبي صلى الله عليه وسلم : ما منعك في المرتين الاولين
أن تكون أجبتي ؟ ) أما إني لم أفوه باسمك إلا لخير ، إن فلانا - لرجل منهم - مأسور
بدينه ( عن الجنة ، فان شئتم فافدوه ، وإن فأسلموه إلى عذاب الله ) ، فلو رأيت أهله
ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه ، ( حتى ما أحد يطلبه بشئ ) " 4أخرجه أبو داود (
2/ 84 ) والنسائي ( 2/233 ) والحاكم ( 2/25 ، 26 ) والبهقي ( 6/4/76 ) والطيالسي في
مسنده ( رقم 891 ، 892 ) وكذا أحمد ( 5/11 ، 13 ، 20 ) بعضهم عن الشعبي عن سمرة ،
وبعضهم أدخل بينهما سمعان بن مشنج ، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط . والرواية
الاخرى للمسندين ، والزيادة الاول والثانية للحاكم ، وكذا الثالثة والخامسة ،
وللبيهقي الثانية ، ولاحمد الثالثة والرابعة ، وللطيالسي الخامسة ، وله ولاحمد وأبي
داود السادسة . الثالث عن جابر بن عبد الله قال : " مات رجل ، فغسلناه
وكفناه وحنطناه ، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز ، عند
مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، فجاء معنا ، (
فتخطى ) خطى ، ثم : قال لعل على صاحبكم دينا ؟ قالوا نعم ديناران ، فتخلف ، ( قال :
صلوا على صاحبكم ) ، فقال له رجل منا يقال له إبو قتادة : يا رسول الله هما علي ،
فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هما عليك وفي مالك ، والميت منهما برئ ؟
فقال : نعم ، فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي إبا قتادة يقول
: ( وفي رواية ثم لقيه من الغد فقال : ) ما صنعت الديناران ؟ ( قال : يارسول الله
إنما مات أمس ) حتى كان آخر ذلك ( وفي الرواية الاخرى : ثم لقيه من الغد فقال : ما
فعل الديناران ؟ ) قال : قد فضيتهما يا رسول الله ، قال الان حين بردت عليه جلده "
5 . أخرجه الحاكم ( 2/ 58 ) والسياق له والبيهقي ( 6/74 - 75 ) والطيالسي ( 1673 )
وأحمد ( 3/330 ) بإسناد حسن كما قال الهيثمي ( 3/39 ) وأما الحاكم فقال : " صحيح
الاسناد " ووافقه الذهبي والرواية الاخرى مع الزيادات عندهم جميعا إلا الحاكم ،
إلا الزيادة الثانية فهي للطيالسي وحده .
تنبيهان
1 - أفاد هذا
الحديث أن قضاء أبي قتادة للدين كان بعد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الميت .
وهذا مشكل ، فقد صح عن أبي قتادة نفسه أنه قضاه قبل الصلاة كما سيأتي ذكره في
المسألة ( 55 ) فقرة ( و) ، فان لم تحمل القصة على التعدد فرواية أبي قتادة أصح من
حديث جابر ، لان فيه عبد الله بن محمد عقيل ، وفيه كلام ، وهو حسن الحديث فيما لم
يخلف فيه ، وأما مع المخالفة فليس بحجة ، والله أعلم . 2 - أفادت هذه الاحاديث
أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه ، بولو كان من غير ولده ، وأن القضاء يرفع العذاب
عنه ، فهي من جملة المخصصات لعموم قوله تبارك وتعالى : ( وأن ليس للانسان إلا ما
سعى ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الانسان النقطع عمله إلا من ثلاث . .
" الحديث رواه مسلم والبخاري في الادب المفرد وأحمد ، ولكن القضاء عنه شئ والتصدق
عنه شئ آخر ، فانه أخص من التصدق ، وإلا فالاحاديث التي وردت في التصدق عنه ، إنما
موردها في صدقة الولد عن الوالدين ، وهو من كسبهما بنص الحديث ، فلا يحوز قياس
الغريب عليهما ، لانه قياس مع الفارق مع الفارق كما هو ظاهر ، ولا قياس الصدقة على
القضاء ، لانها أعم منه كما ذكرنا ، ولعلنا نتكلم عن هذه المسألة بشئ من التفصيل في
آخر الكتاب إن شاء الله تعالى . الحديث الرابع : عن جابر أيضا . " أن أباه
استشهد يوم أحد ، وترك ست بنات ، وترك عليه دينا ( ثلاثين وسقا ) ، ( فاشتد الغرماء
في حقوقهم ) ، فلما حضره جداد النخل ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت :
يارسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا ، وإني أحب أن
يراك الغرماء ، قال : اذهب فبيدر كل تمر على حدة ، ففعلت ، ثم دعوت ، ( فغدا علينا
حين أصبح ) ، فلما نظرو إليه أغروا بي تلك الساعة ، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول
أعظمها بيدرا ثلاثا ( ودعا في ثمرها بالبركة ) ، ثم جلس عليه ، ثم قال : ادع أصحابك
، فما زال يكيل لهم ، حتى أدى الله أمانة والدي6 ، وانا والله راض أن يؤدي الله
أمانة والدي ، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة ، فسلمت والله البيادر كلها حتى اني أنظر
إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص تمرة واحدة ، (
فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللمغرب ، فذكرت ذلك له فضحك ، فقال : ائت
أبا بكر وعمر فأخبرهما ، فقالا : لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما
صنع أن سيكون ذلك " . أخرجه البخاري ( 5 /46 ، 171 ، 319 ، 6 /462 ، 46 )
والسياق مع الزيادات له ، ورواه بنحوه أبو داود ( 2/ 15 ) والنسائي ( 2 / 127 ، 128
) والدارمي ( 1 /22 - 25 ) وابن ماجه ( 2/82 - 83 ) والبيهقي ( 6/64 ) وأحمد ( 3/
313 ، 365, 373 ، 391 ، 397 ) مطولا ومختصرا . وفيه عند أحمد زيادات كثيرة ، لم
أوردها خشية الاطالة . الخامس عنه أيضا قال : " كان رسول الله صلى عليه
وسلم يقوم فيخطب ، فيحمد الله ، ويثي عليه بما هو أهل له ، ويقول : من يهده الله
فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد
، وشر الامور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ( وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ،
وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه ، وعلا صوته واشتد غضبه ، كأنه منذر جيش ( يقول )
: صبحكم ومساكم ، من ترك مالا فلورثته ، ومن ترك ضياعا7 أو دينا فعلي ، وإلي ، وأنا
( أ ) ولى ( بـ ) المؤمنين ( وفي رواية : بكل مؤمن من نفسه ) " . أخرجه مسلم ( 3/11
) والنسائي ( 1/234 ) والبيهقي في " السنن " ( 3/ 132 - 214 ) وفي " الاسمائك
والصفات " ( ص 82 ) وأحمد ( 3/ 296 ، 311 ، 338 - 371 ) والسياق له ، وإبو نعيم في
" الحلية " ( 3 / 189 ) ، والزيادة الاولى له ، وللنسائي والبيهقي وإسنادها صحيح
على شرط مسلم ، والزيادة الثانية له وللبيهقي ، والثالثة والرابعة لاحمد ، والرواية
الثانية لمسلم . وفي الباب عن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما ، وسيأتي حديثه في
المسألة ( 55 ) فقره ( و) الحدث الثاني . السادس : عن عائشة رضي الله عنها قالت
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حمل من أمتي دينا ، ثم جهد في قضائه
فمات ولم يقضه فأنا وليه " . أخرجه أحمد ( 6/74 ) وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
وقال المذري ( 3/33 ) : " رواه أحمد بإسناد جيد وأبو يعلى والطبراني في الاوسط "
ونحوه في " المجمع " ( 4/ 132 ) إلا أنه قال : " ورجال أحمد رجال الصحيح " 8
************************
1 أما الحديث الاول فهو عن ابن عمر
مرفوعا ولفظه : " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ، وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ رأسه
بفاتحة البقرة ، رجليه بخاتمتها " . أخرجه الطبراني " المعجم الكبيز " ( 3 /
208 / 2 ) والخلال في " القراءة عند القبود ، " ( ق 25 / 2 ) من طريق يحي بن عبد
الله بن الضحاك البابلي ثنا أيوب بن نهيك الحلبي الزهري - مولى آل سعد بن أبي وقاص
- قال : سمعت عطاء بن أبي رباح المكي قال : سمعت ابن عمر قال : فذكره . قلت : وهذا
سند ضعيف وله علتان : الاول : البابلتي - ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب " .
الثانية : شيخه أيوب بن نهيك ، فانه أشد ضعفا منه ، ضعفه أبو حاتم وغيره ، وقال
الازدي : متروك . وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وساق له الحافظ في " اللسان "
حديثا آخر ظاهر النكاره من طريق يحيى بن عبد الله ثنا أيوب عن مجاهد عن ابن عمر
مرفوعا . ثم قال : " ويحي ضعيف ، لكنه لا يحتمل هذا " ثم قال : فإذا عرفت هذا
فالعجب من الحافظ حيث قال في " الفتح " ( 3 / 143 ) في حديث الطبراني هذا : "
إسناده حسن " ونقله عنه الشوكاني في " نيل الاوطار " ( 3 / 309 ) وقره وأما الهيثمي
فقال " المجمع " ( 3 / 44 ) . " رواه الطبراني في الكبير ، وفيه يحيى بن عبد الله
البابلتي وهو ضعيف " . وفاته أن فيه أيوب بن نهيك وهو شرمنه كما سبق . وأما الحديث
الثاني فهو عن حصين بن وحوح : " أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي صلى الله وسلم
يعوده ، فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت ، فآذنوني به حتى أشهده فأصلي
عليه ، وعجلوه ، فانه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " . أخرجه
أبو داود والبيهقي ( 3 / 386 - 387 ) ، وفيه عروة - ويقال عزرة - ابن سعيد الانصاري
عن أبيه ، وكلاهما مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " . ثم إن الاستدلال بحديث
أبي هريرة على ما ذكرنا إنما هو بناء على أن المراد ب ( أسرعوا ) الاسراع بتجهيزها
، وأما على القول بأن المراد الاسراع بحملها إلى قبرها ، فلا يتم الاستلال به .
وهذا القول هو الذي استظهره القرطبي ثم النووي ، وقوى الحافظ القول الاول بالحديثين
الذين تكلمنا عنهما آنفا ، ولا يخفى ما فيه .
2 أي شددتهما على جنبتي
البعير كا لعديلين .
3 قال النووي في " الاذكار " : " وإذا أوصى بأن ينقل
إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته ، فان النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله
الاكثرون ، وصرح به المحققون " .
4 وله شاهد من حديث ابن عباس ، رواه
الطبراني في " المعجم الكبير " ( ق 156 / 2 ) بسند ضعيف .
5 أي بسبب رفع
العذاب عنه بعد وفاء ديه .
6 أي وصيته إياه بقضاء الدين عنه ، أنطر حديثه
في ذلك في الفصل الاول من المسألة الرابعة .
7 أي عيالا ، قال ابن الاثير :
" وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا ، فسمى العيال يالمصدر كما تقول : من مات وترك فقرا ،
أي فقراء "
8 وعزاه الشوكاني ( 4 / 21 ) لابن ماجه وهم ، فاني لم أجده عنده
بعد مزيد البحث عنه ، ولم يورده النابلسي في " الذخائر " ولو كان عنده لعزاه إليه
المذري ، ولما أورده الهيثمي في " المجمع " كما هو المعروف عند المشتغلين بهذا
العلم الشريف . | |
|
| |
| | |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق