حذف 12. صفحة من مدونتي

12. صفحة تحذفهم با مفتري حسبي الله ونعم الوكيل

Translate

الثلاثاء، 5 مارس 2024

ج1.المسح علي الجوربين {من صفحة رقم 25. الي آخر الصفحة رقم -75-}

 

المسح علي الجوربين

  صفحة رقم -25- بيان أن مرد الأحكام الشرعية هو الكتاب الكريم لأنه أصل الأصول اعلم أن اصل كل حكم شرعي هو الكتاب الكريم لأنه اصل الأصول ومأخذ المآخذ وكلي الكليات فلا يمكن لحكم ما من الأحكام الشرعية إلا وأن يرجع إليه ويصدر منه حتى إن السنة النبوية أصلها كتاب الله تعالى لأنها تفصيل لمجمله وإيضاح لمبهمه وطريق من طرق الاستنباط منه . فكل سنة بحث عن أصلها باحث خبير فإنه يجدها في كتاب الله تعالى مدلولا عليها إما من نص آية أو ظاهرها أو مفهومها أو إشارتها أو عمومها إلى غير ذلك من وجوه الاستنباط التي يعلمها المجتهد ويذكر بعضها في فن الأصول . إذا علمت ذلك فمسألتنا هذه - مسألة المسح على الجوربين - أصلها في الكتاب الكريم إما من عموم المسح في آية الوضوء وإما من عمومات أخر . فأما ( العموم الأول ) فسنده قراءة الجر في قوله تعالى :  

 صفحة رقم -26- { وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم } فإن ظاهرها أن الفرض في الرجلين هو المسح كما روي ذلك عن ابن عباس وأنس وعكرمة والشعبي وقتادة وجعفر الصادق وعلماء سلالته رضي الله عنهم أجمعين . فعلى مذهب هؤلاء الأئمة يكون مفاد الآية وجوب المسح على الرجلين مباشرة أو بما عليها من خف أو جورب أو تساخين ( 1 ) فيظهر كون الآية مأخذا للسنة على هذه القراءة . وأما على قول الجمهور : إن فرض الرجلين هو الغسل وصرف قراءة الجر إلى قراءة النصب - بالأوجه المعروفة في مواضعها - فيكون مأخذ مسح الجوربين من الكتاب العزيز ( عمومات أخر ) في آياته مثل آية { وما أتاكم الرسول فخذوه } وآية { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وآية { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني } وآية { وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول } ونظائرها مما لا يحصى . وقد تعدد وجوه الاستنباط ويترجح بعضها بقوة التفرع والارتباط ولا يخفى وجوه التراجيح على الراسخين والله الموفق والمعين . ( 1 ) خالف الشيعة في هذا فلم يجوزوا المسح على خف ولا جورب ولا تساخين .

  صفحة رقم -27- بيان الأحاديث المرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المسح على الجوربين والنساخين اعلم أن أحاديث هذا الباب منها ما يستفاد جواز المسح على الجوربين من عمومه ومنها ما يستفاد من خصوصه . فمن ( النوع الأول ) وهو ما يستفاد من عمومه وإطلاقه جواز المسح على الجوربين حديث ثوبان رضي الله عنه قال الإمام أحمد رحمه الله في مسنده ( 1 ) : في مسند ثوبان رضي الله عنه : حدثنا يحيى بن سعيد عن ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فأصابهم البرد فلما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم شكوا إليه ما أصابهم من البرد فأمرهم أن يمسحوا على العصائب والتساخين ) رواه أبو داود في ( سننه ) . قال العلامة ابن الأثير في ( النهاية ) : ( العصائب ) هي العمائم لأن الرأس يعصب بها و( التساخين ) كل ما يسخن به القدم من خف وجورب ونحوهما ولا واحد لها من لفظها . أقول : رجال هذا الحديث ثقات مرضيون ما يعلم من مراجعة أسمائهم من كتب الرجال . ومن ( النوع الثاني ) وهو ما ورد نصا في الجوربين ( 1 ) انظر المسند 5/275 وقد طبعه المكتب الإسلامي طباعة أنيقة في ست مجلدات

  صفحة رقم -28- حديثنا المغيرة وأبي موسى . ( فأما حديث المغيرة ) فرواه الإمام أحمد في ( مسنده ) - في مسند الكوفيين - في حديث المغيرة بن شعبة قال : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي قيس عن هزيل ( 1 ) بن شرحبيل عن المغيرة بن شعبة ( أن رسول الله صلى توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ) . ورواه أبو داود في ( سننه ) في ( باب المسح على الجوربين ) . وأخرجه الترمذي وابن ماجه كلاهما في ( باب المسح على الجوربين والنعلين ) . وأما ( حديث أبي موسى ) فوراه ابن ماجه في ( سننه ) قال : حدثنا محمد بن يحيى حدثنا معلى بن منصور وبشر بن آدم حدثنا عيسى بن يونس عن عيسى بن سنان عن الضحاك بن عبد الرحمن بن عرزب ( 2 ) عن أبي موسى الأشعري ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين ) . ذكر ما ورد على هذه الأحاديث الثلاثة من الشبه والجواب عنها الشبهة الأولى : قالوا : في إسناد حديث ثوبان ( الأول ) راشد بن سعد ( 1 ) بالزاي كزبير تابعي أدرك الجاهلية ( قاموس ) . ( 2 ) براء ثم زاي كجعفر تابعي ( قاموس ) . 

  صفحة رقم -29- عن ثوبان وقد قال الخلال في علله : إن أحمد بن حنبل قال : لا ينبغي أن يكون راشد بن سعد سمع من ثوبان لأنه مات قديما ا . ه . أي فيكون معللا بالانقطاع لسقوط راو بين راشد وثوبان . و( الجواب ) أن هذا إنما يأتي على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع . وقد أنكر الإمام مسلم ذلك في مقدمة صحيحه إنكارا شديدا ورأى أنه قول مخترع وأن المتفق عليه أن يكفي للاتصال إمكان اللقاء والسماع ( 1 ) وعليه فالانقطاع في الحديث غير مقطوع به ويرجع الأمر إلى رجال سنده فإذا كان رجاله ثقات كان صحيحا أو حسنا جيدا صالحا للاحتجاج به ولذا أخرجه الإمام أحمد في ( مسنده ) معولا على الاحتجاج به وتبليغه سنة يعمل بها . وخرجه أيضا أبو داود وسكت عليه وما سكت عليه فهو ( 1 ) قلت : وهذا الإمكان متحقق فقد ذكر البخاري أن راشد بن سعد شهد صفين مع معاوية ومن المعلوم أن وقعة صفين كانت سنة ( 36 ) . ووفاة ثوبان سنة ( 54 ) . فقد عاصره ( 18 ) سنة . وإذا تذكرنا أن العلماء وثقوه - دون خلاف يذكر وأنه لم يرم بالتدليس ينتج من ذلك أن الإسناد متصل وأن إعلاله بالانقطاع مردود لأنه قائم على مذهب من يشترط في الاتصال ثبوت السماع . وهو مرجوح كما أشار إليه المؤلف رحمه الله تعالى . ومما يقوي ما ذكرنا أن البخاري أثبت سماع راشد من ثوبان كما تقدم في كلام أحمد شاكر رحمه الله تعالى وذلك دليل قاطع على لقيه إياه لأن البخاري رحمه الله تعالى من القائلين باشتراط ثبوت السماع في الاتصال وأنه لا يكفي فيه المعاصرة فتأمل . صفحة رقم -30- صالح للاستدلال به . إذ لا جرح في رواته ولا علة ظاهرة فيه فاستوفى شروط الحسن . والحسن كالصحيح في الاحتجاج به والعمل بما فيه . وبالجملة فقصارى أمر هذا الحديث أن يكون حسنا وصالحا ويكفي ذلك . على أن مجرد الانقطاع ليس قادحا فقد وقع في مسلم بضعة عشر حديثا منقطعة وإن تبين وصلها من وجه آخر لأن مقطوع الثقة ليس كغيره ولذلك قبل من المراسيل مراسيل الثقات كما تقرر في موضعه ( 1 ) . وتسميتنا لذلك بالحسن جري على قول بعضهم - كما في التدريب - إن الحسن هو الذي فيه ضعف قريب محتمل . وعلى قول البغوي : إن ما في السنن من الحسان فإن هذين القولين متجهان فيما نراه وإن اشتهر تفسير الحسن بغيرهما . قال الإمام النووي في ( التقريب ) : وقد جاء عن أبي داود أن يذكر في ( سننه ) الصحيح وما يشبهه ويقاربه وما ( 1 ) قلت : بعد أن عرفت صحة إسناد الحديث واتصاله فلا أرى من المفيد التوسع في تطريق الاحتمالات البعيدة في سبيل الدفاع عنه فغن المتقرر في علم المصطلح هو أن الحديث المنقطع من أنواع الحديث الضعيف لجهالة الراوي الساقط ولا أعلم أحدا من المصنفين في المصطلح صرح بقبول مراسيل الثقات هكذا مطلقا بل فيه خلاف مشهور مذكور في محله وما ذكره من الأحاديث المنقطعة في ( مسلم ) لا ينفي القدح المذكور ما دام أنه تبين وصلها من وجه آخر وإلا فلولا ذلك لثبت القدح فتأمل

  صفحة رقم -31- كان فيه وهن شديد بينه وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح . ( قال النووي ) : فعلى هذا ما وجدنا في كتابه مطلقا ولم يصححه غيره ولا ضعفه فهو حسن عند أبي داود لأن الصالح للاحتجاج لا يخرج عنهما بل قال ابن رشيد : إنما سكت عليه ( أبو داود ) قد يكون عنده صحيحا وإن لم يكن كذلك عند غيره ( 1 ) ( انظر التدريب ) . وبعد فإن رجال حديث ثوبان كلهم ثقات مرضوين كما يعلم من مراجعة أسمائهم من طبقات الرجال وقد عرفت الجواب عن شبهة الانقطاع فيه فقوي وحسن وصلح للاحتجاج به . والحمد لله . الشبهة الثانية : ( 1 ) قلت : لا شك عند العارفين بهذا العلم الشريف أن في ( أبي داود ) ما إسناده صحيح وإنما ينبغي النظر فيما اشتهر عند المتأخرين أن ما سكت عنه أبو داود فهو صالح للاستدلال به كما تقدم عن المؤلف فاعلم أن قول أبي داود ( . . . . فهو صالح ) كما نقله ( التدريب ) يحتمل أنه يعني أنه صالح للاحتجاج به : وعليه جرى النووي ويحتمل أنه يعني أنه صالح للاستشهاد به لأنه ليس شديد الضعف وهو الذي اختاره أمير المؤمنين في الحديث الحافظ العسقلاني وهو الصواب الذي أراه لأمور كثيرة لا مجال لذكرها الآن ولكن لا بد من لفت النظر إلى قول أبي داود : ( وما كان فيه وهن شديد بينته ) . فإن مفهومه أن ما كان فيه وهن غير شديد لا يبينه أي يسكت عنه فينتج من ذلك أن هذا هو المراد بقوله بعد : ( وما لم يذكر فيه شيئا فهو صالح ) . فتأمل وتحر الصواب ولا تغتر بما اشتهر بين الناس

  صفحة رقم -32- بحث بعضهم بأن الدليل من هذا الحديث أخص من الدعوى لأن الحديث يدل على جواز المسح على التساخين في حالة البرد خاصة لأنه جواب السائل في تلك الحالة . و( الجواب ) أنه تقرر في علم الأصول أن ( اللفظ العام الوارد على سبب خاص يحمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه ) . قال الإمام أبو إسحاق الشيرازي : والدليل عليه هو ( أن الحجة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم دون السبب فوجب أن يعتبره عمومه ) . وحاصل القاعدة في هذا أن ( اللفظ الذي يستقل بنفسه يعتبر حكمه فإن كان خاصا حمل على خصوصه وإن كان عاما حمل على عمومه ولا يخص بالسبب الذي ورد فيه ) . وما يقال في العام يقال في المطلق لاشتراكهما في الأحكام كما تقرر في الأصول وتقرر أيضا أن ( ترك الاستفصال في حكاية الحال ينزل منزلة العموم في المقال ) . ولا يقال : إن الفعل المثبت لا عموم له كما أطلقه الأصوليون لأنه يقال : إن إطلاقهم مقيد بغير نحو أمر أو نهي لأن هذا ليس حكاية لفعله حتى يقال : إنه لم يقع إلا على صفة واحدة بل حكاية لصدور أمر بشيء أو نهي عنه عاما في أقسامه البتة كما اختاره ابن الحاجب وبسطه في المطولات . ثم إن ما ورد من مسحه صلوات الله عليه على الجوربين وهما من التساخين - غير مقيد بحالة  

  صفحة رقم -33- لا أمرا منه ولا فعلا وكذا ما صح من مسحه صلوات الله عليه في الوضوء على عمامته - وهي من العصائب - غير مقيد بحالة دون أخرى وسيأتي مزيد لهذا البحث إن شاء الله . الشبهة الثالثة : في حديث المغيرة ( الثاني ) قالوا : إن فيه شذوذا بيانه أن المروزي قال : إن الإمام أحمد ذكر أبا قيس - أحد رواته فقال : ليس به بأس أنكروا عليه حديثين : حديث المغيرة في المسح فأما ابن مهدي فأبى أن يحدث به وأما وكيع فحدث به . وقال أبو داود في سننه : كان عبد الرحمن بن مهدي لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين ا . ه . قال السندي : فكان يراه ضعيفا شاذا و( الشاذ ) : ما رواه المقبول مخالفا لما هو أولى منه . و( الجواب ) من وجوه : ( الأول ) : أن تضعيفه بما ذكر يعارضه تصحيح الترمذي له فقد قال بعد تخريجه له في سننه : هذا حديث حسن صحيح وهو قول غير واحد من أهل العلم . وتصحيح الترمذي مقدم على تضعيف غيره لأن الترمذي من الطبقة التي تأخرت عن تلك ووقفت على كل ما قيل فيه ورأت أن الحق في تصحيحه وكذا  

 صفحة رقم -34- صححه ابن حبان ( 1 ) وهو ممن استقرأ وسبر أيضا ( 2 ) . ( 1 ) عن الجوهر النقي للمارديني صفحة 74 . ( 2 ) قلت : هذا الوجه من الجواب لا يستقيم إلا لو كان الترمذي وابن حبان من الأئمة المتثبتين في التصحيح مثل الإمام أحمد ومسلم وغيرهما ممن ضعفوا الحديث ففي هذه الحال تصح المعارضة ويسلم الجواب من الاعتراض لتأخر الترمذي عنهم ووقوفه على ما أعلوه به وأنه لا يقدح ولكن لما كان الترمذي ومثله ابن حبان معروفا بالتساهل في التصحيح حتى قال الذهبي في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف وقد نقل عن الترمذي أنه صحح حديثا له مع أنه متهم عند الشافعي وغيره قال الذهبي : ( ولذلك لا يعتمد العلماء على تصحيح الترمذي ) . قلت : فإذا كان الحال ما ذكرنا فالجواب ضعيف ولكن الحديث صحيح الإسناد وما أعلوه به مردود كما بينه المصنف في الجواب الثاني وأحسن منه بيان الشيخ أحمد المتقدم ص 5/10 فقد أجاد كل الإجادة في الرد على الذين أعلوه بالشذوذ والنكارة جزاه الله خيرا . وخلاصة ذلك أن هزيل بن شرحبيل الثقة الذي روى عن المغيرة المسح على الجوربين لا يجوز أن يقال إنه خالف الثقات الذين رووا عنه المسح على الخفين إلا إذا كانت الحادثة واحدة فحينئذ يرد حديث هزيل بالمخالفة والشذوذ لعدم إمكان الأخذ بالروايتين ففي حديث الجماعة عنه : أنه صلى الله عليه وسلم مسح في السفر وليس هذا في حديث هزيل فدل ذلك على أنهما حادثتان مغايرتان وأن الجماعة روت ما لم يرو هزيل وهذا روى ما لم يرو الجماعة فليس من الشذوذ بسبيل ورحم الله الشافعي إذ قال : وليس الحديث الشاذ أن يروي الثقة ما لم يرو الثقات وإنما أن يروي ما يخالف فيه الثقات . انظر ( اختصار علوم الحديث ) للحافظ ابن كثير . ومن الغريب أن الإمام مسلما الذي أعل الحديث بالشذوذ والمخالفة هو نفسه لما أخرج حديث المسح على الخفين في السفر من طريق الجماعة عن المغيرة أخرجه أيضا من طريق أخرى عنه فزاد فيه المسح على العمامة فعلى طريقته في إعلال حديث هزيل بمخالفته للثقات كان ينبغي أن يعل حديث العمامة أيضا بل هو بالإعلال عنده أولى لأنها زيادة في نفس حديث الجماعة أعني في السفر وليس ذلك عن حديث هزيل  

  صفحة رقم -35- ( الثاني ) قال العلامة المحقق علاء الدين المارديني ( 1 ) في رد قول البيهقي ( أبو قيس الأودي وهزيل لا يحتملان مع مخالفتهما الأجلة الذين رووا هذا الخبر عن المغيرة فقالوا : مسح على الخفين ) ما مثاله : هذا الخبر أخرجه أبو داود وسكت عنه وصححه ابن حبان وقال الترمذي حسن صحيح . وأبو قيس عبد الرحمن بن ثروان وثقه ابن معين وقال العجلي ثقة ثبت وهزيل وثقه العجلي وأخرج لهما معا البخاري في صحيحه . ثم إنهما لم يخالفا الناس مخالفة معارضة بل رويا أمرا زائدا على ما رووه بطريق مستقل غير معارض فيحمل على أنهما حديثان ولهذا صحح الحديث كما مر . ا . ه . وهكذا قال شيخ الإسلام منصور الحنبلي في شرح الإقناع : وتكلم بعضهم في الحديث - أي حديث المغيرة - لأن المعروف عن المغيرة ( الخفين ) قال في المبدع : وهذا لا يصلح مانعا لجواز رواية اللفظين فيصح المسح على ما تقدم ( أي الجوربين ) . وكذا قال العلامة ملا علي القاري في شرح المشكاة : ( 1 ) في الجوهر النقي طبع حيد آباد الدكن صفحة 74

  صفحة رقم -36- قيل المعروف من رواية المغيرة المسح على الخفين وأجيب بأنه لا مانع من أن يروي المغيرة اللفظين وقد عضده فعل الصحابة ا . ه . وسيأتي تسميتهم وبلوغ عدتهم ستة عشر صحابيا . و( الثالث ) وهو جوابنا عن دعوى شذوذه علما أن الشذوذ مختلف في معناه وأنه ليس بعلة على الإطلاق ولا بمتفق عليها . توضيحه أن السيوطي قال في التدريب ( 1 ) في شرح قول النووي في حد الصحيح : ( وهو ما اتصل إسناده بالعدول الضابطين من غير شذوذ ولا علة ) ما مثاله : قيل لم يفصح بمراده من الشذوذ هنا وقد ذكر في نوعه ثلاثة أقوال : ( أحدها ) : مخالفة الثقة لأرجح منه و( الثاني ) : تفرد الثقة مطلقا و( الثالث ) : تفرد الراوي مطلقا . قال ورد الأخيران فالظاهر أنه أراد هنا الأول قال شيخ الإسلام : وهو مشكل لأن الإسناد إذا كان متصلا ورواته كلهم عدولا ضابطين فقد انتفت عنه العلل الظاهرة ثم إذا انتفى كونه معلولا فما المانع من الحكم بصحته ؟ فمجرد مخالفة أحد رواته لمن هو أوثق منه أو أكثر عددا لا يستلزم الضعف بل يكون من باب صحيح وأصح . قال : ولم أر مع ذلك من أحد من أئمة الحديث اشتراط نفي الشذوذ المعبر عنه بالمخالفة . وإنما الموجود من تصرفاتهم ( 1 ) صفحة 14 - 15 من ( تدريب الراوي ) . 

  صفحة رقم -37- تقديم بعض ذلك على بعض في الصحة . وقال الإمام النووي في بحث الشاذ : ( فإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرا لم يروه غيره فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه ولم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا ) ا . ه وبه يعلم أن الشذوذ ليس علة قادحة في صحة المروي مطلقا بل هي على هذا التفصيل وإن من كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا . وممن اعترض جعل الشذوذ قادحا في صحة الحديث الإمام ابن دقيق العيد فقد قال العراقي : وأما السلامة من الشذوذ والعلة فقال ابن دقيق العيد في ( الاقتراح ) : ( إن أصحاب الحديث زادوا ذلك في حد الصحيح - قال - وفيه نظر على مقتضى نظر الفقهاء فإن كثيرا من العلل التي يعلل بها المحدثون لا تجري على أصول الفقهاء ) ( 1 ) . وقال ( 1 ) قلت : أهل مكة أدرى بشعابها فالاعتماد إنما هو على المحدثين لأنه علمهم الذي اختصوا به فهم أعرف به من غيرهم وكل علم يرجع فيه إلى ذوي الاختصاص والإتقان فيه والمحدثون اتفقوا على اشتراط السلامة من الشذوذ في الحديث الصحيح كما هو معروف من كتبهم والمتتبع للطرق في دواوين السنة يجد غير قليل من الأحاديث اختلف الرواة الثقات في ضبط متونها اختلافا لا سبيل للأخذ بجميع وجوه الاختلاف فيها بل لا بد من ترجيح بعضها على بعض فالراجح هو المحفوظ والمرجوح هو الشاذ وهو من أنواع الحديث الضعيف وحديث المسح على الجوربين صحيح سالم من الشذوذ كما قدم بيانه لذلك فلا مجال للأخذ بتشكيك من وهم ورمي الحديث بالشذوذ فهو حديث صحيح محفوظ اتفق المحدثون على سلامته .

  صفحة رقم -38- ابن الصلاح : ( وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم وجود هذه الأوصاف فيه ( 1 ) أو لاختلافهم في اشتراط بعضها ) ا . ه . فأفاد أن اشتراط السلامة من الشذوذ ليس بمتفق عليه بل هو مختلف فيه ولذا حد الإمام الخطابي الصحيح بأنه : ما اتصل سنده وعدلت نقلته . قال العراقي : ( فلم يشترط ضبط الراوي ولا السلامة من الشذوذ والعلة ) . وحكي أن مثل هذه الشروط مردها إلى اجتهاد المجتهدين في تحري المأثور ولذلك تفاوتت مسنداتهم ومخرجاتهم بتفاوت شروطهم كما بسطناه في مقدمة كتاب ( حياة البخاري ) . وكل ما يبحث عن تصحيحه باعتبار السند وقواعد المصطلح فذاك من حيث رعاية صحته سندا وأما من حيث تصحيحه باعتبار أمر أجنبي عنه - وهو المسمى بالصحيح لغيره - فذاك نوع آخر على ما سيأتي بيانه . الشبهة الرابعة : قول الإمام النووي في شرح المهذب : واحتج أصحابنا ( 2 ) ( 1 ) وهي العدالة والضبط والسلامة من الشذوذ والعلة . ( 2 ) في الرد على من أباح المسح على الجورب الرقيق ( المتقدم ذلك في عبارته ) . 

  صفحة رقم -39- بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه فلم يجز كالخرقة . قال : والجواب عن حديث المغيرة من أوجه : ( أحدها ) : أنه ضعيف ضعفه الحفاظ وقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري وعبد الرحمن بن مهدي وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني ويحيى بن معين ومسلم بن الحجاج وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث وإن كان الترمذي قال : ( حديث حسن صحيح ) فهؤلاء مقدمون عليه بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة . ( الثاني ) : أنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة وليس في اللفظ عموم يتعلق به . ( الثالث ) : حكاه البيهقي رحمه الله عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة فكأنه قال : مسح على جوربيه المنعلين ا . ه . ( والجواب عن ذلك ) : أما قول الإمام النووي : ( واحتج أصحابنا بأنه لا يمكن متابعة المشي عليه ) فهذا قد يراه المقلد حجة أما المحدث والأصولي فعنده الحجة الكتاب والسنة وما رجع إليهما من بقية الأدلة . وقانون المناظرة يقضي بأن يدفع القوي بالأقوى والحديث بمثله أو بآية لا برأي أو قياس وإلا فيكون ذهابا إلى ما رمى به أهل الرأي ( 1 ) ( 1 ) يعني الحنفية الذي يروون بعض الأحاديث بآرائهم انتصارا منهم لأقوال أئمتهم وتجد بعض الأمثلة على ذلك في كتابي ( أحكام الجنائز وبدعها ) في بحث الصلاة على الميت وغيره . ولا أبرئ غيرهم من مثله كما تراه في تأول أصحاب النووي لهذا الحديث الصحيح وقد أحسن المصنف رحمه الله تعالى في الرد عليهم أثابهم الله تعالى

  صفحة رقم -40- وليس ثمة في الباب آية ترد هذا الحديث ولا حديث يرده لا بل ثمة ما يؤيده من الكتاب والسنة كما مر وهذا هو الحجة المعروفة في الأصول . وأما قوله : ( إنه ضعيف ضعفه الحفاظ ) ثم نقل تضعيفه عمن ذكره فجوابه ما قدمناه قبل - في الوجه الثالث - من درء الشبهة الثالثة من معارضة ذلك بتصحيح من صححه على أن سند تضعيفه هو دعوى شذوذه وقد أوضحنا أن الشذوذ ليس علة مضعفة على إطلاقها بل من كان عدلا ضابطا كان تفرده صحيحا لا سيما وقد عضده ما روي بمعناه من حديث النساخين المتقدم وما قواه من عمل الصحب كما سيأتي ولذا صححه الإمام الترمذي ولا يخفي أن المضعفين له مهما كثروا فإن حجة تضعيفهم شذوذه وقد عرفت ما فيها فليس المقام مقام ترجيح بالكثرة والقلة بل المقام مقام استدلال واحتجاج وانطباق على القواعد المرعية وإلا فإن الكثرة ليست من الحجج والبراهين المعروفة ولذا قال الأصوليون ( 1 ) في بحث خبر الآحاد : إن عمل الأكثر بخلافه - أي بخلاف خبر الآحاد - لا يمنع وجوب العمل ( 1 ) جمع الجوامع في بحث خبر الآحاد

  صفحة رقم -41- به لأن عمل الأكثر ليس بحجة وعللوه بأن الحجة هي الإجماع وعمل الأكثر ليس بإجماع لأن الإجماع اتفاق مجتهدي الأمة بخلاف خبر الواحد فإنه حجة بنفسه . على أنا لو أردنا أن نكاثر من ضعفه لكاثرنا بأضعاف ما عنده فإن المسح على الجوربين أثر عن الصحابة منهم عمر بن الخطاب ( 1 ) وعلي وأبي مسعود والبراء وأنس وأبي أمامة وسهل وعمرو بن حريث وابن عباس وابن عمر وابن أبي وقاص وعمار وبلال وابن أبي أوفى والمغيرة وأبي موسى رضي الله عنهم . ومن التابعين عن قتادة وابن المسيب وابن جريج وعطاء والنخعي والحسن وخلاس وابن جبير ونافع رحمهم الله تعالى . وسيأتي إسناد ذلك إليهم فذهاب هؤلاء الأخيار رضي الله عنهم إلى العمل به مما يعضد صحة حديث المغيرة ويقويه ويصححه بلا ريب لأنه إن لم يكن هو سندهم فغيره مما هو في معناه وهذا لا يتوقف فيه من له أدنى مسكة على أن حديث الجوربين قد تلقاه بالقبول أبو حنيفة والشافعية وأحمد بن حنبل وإسحاق وداود الظاهري وابن حزم وهؤلاء كلهم أئمة الفقه والاجتهاد وجميعهم احتج به في الفقه المدون عنه . وقد عرف في فن مصطلح الحديث ( 2 ) أن الحديث يحكم ( 1 ) كانت في الأصلين ( من الصحابة عن عمر ) ولعل الصواب ما ذكرنا . ( ز ) . ( 2 ) تدريب صفحة 15

  صفحة رقم -42- له بالصحة إذ تلقاه الناس بالقبول ( 1 ) وإن لم يكن له إسناد صحيح ( 2 ) قال أبو الحسن ابن الحصار في تقريب المدارك على موطأ مالك : قد يعلم الفقيه صحة الحديث - إذا لم يكن في سنده كذاب - بموافقة آية من كتاب الله أو بعض أصول الشريعة فيحمله ذلك على قبوله والعمل به ا . ه . ويسمى هذا ( الصحيح لغيره ) والصحيح لغيره نظير الصحيح لذاته في الاحتجاج به والعمل بمقتضاه والأخذ بعمومه وخصوصه وإطلاقه وتقييده . ولمعرفة صحة الحديث من جهة غير السند طرق ومدارك ( 1 ) اعلم أن ( ال ) في قوله ( الناس ) للعهد لا للاستغراق فلا يدخل فيه غير أهل العلم بالحديث فكم من حديث تلقاه الفقهاء أو غيرهم بالقبور وهو منكر مردود عند علماء الحديث مثل حديث معاذ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله قال : فإن لم تجد قال بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم . الحديث . فإنه منكر كما قال إمام الأئمة البخاري رحمه الله تعالى وهو مخرج عندي في ( سلسلة الأحاديث الضعيفة ) . ثم إنه لا يكفي القيد السابق وهو ( أهل الحديث ) بل لا بد أن يضم إليه قيد آخر ألا وهو اتفاقهم عليه كما يشير إليه ما نقله السيوطي في ( التدريب ) ( 1/67 ) عن الإسفرايني أنه قال : ( تعرف صحة الحديث إذا اشتهر عند أمة الحديث بغير نكير منهم ) . ( 2 ) قلت : مفهومه أنه لا بد أن يكون له إسناد ما ولكن لا يجز أن يكون ضعيفا جدا كما يشير إليه كلام أبي الحسن بن الحصار الآتي في الكتاب فالحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا إلا إذا كان له إسناد صالح للاعتبار به . فهو الذي يتقوى بالتلقي . فاحفظ هذا فإنه مهم جدا

  صفحة رقم -43- يدريها الفقيه المجتهد كما قرره ابن الحصار . وبهذا نجيب عما نقول بصحته مما لم يخرجه الإمام البخاري وذلك أن البخاري إنما خرج ما صح من طريق السند ولم يخرج ما صح مطلقا ولذا قال البخاري : ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحالة الطول وكذا قال مسلم : ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ها هنا إنما وضعت ما أجمعوا عليه . ولذا قال النووي في التقريب : ولم يستوعبا الصحيح ولا التزماه ( 1 ) . على أن ظاهر كلامهما أنهما تركا ما صح من جهة السند أيضا الذي هو وجهة المحدث خيفة الطول فأحرى أن يكونا تركا ما صح لغير السند وهو الصحيح لغيره وذلك لأن الصحيح لغيره ليس له قاعدة مطردة وإنما هو أمر يعرفه سديد الرسوخ في الأصول والفروع النهم بدرس الهدى النبوي ومعرفة سر التشريع ودرك حقيقة الفقه في الدين . وقد كان بعض المحققين يسمي هذه الطريقة بطريقة ( قبول الأخبار بالاستدلال ) ليعادل ما بحثه الأصوليون في مسألة ( رد الأخبار بالاستدلال ) كما تراه مبسوطا في المسودة وغيرها من مطولات الأصول . وعبارة المسودة : مما رجح فيه الخبر ويقدم أن يعتضد بعموم كتاب أو سنة أو قياس أو معنى عقلي . ( 1 ) ص 28 تقريب وشرحه التدريب

  صفحة رقم -44- وقد ذهب كثير من أئمة الأصول إلى أن الحديث الملتقى بالقبول يفيد العلم والحديث الذي عضده عمل الصحب وكذا ما اختلفوا فيه بين آخذ به ومؤول وما يوافق آية من كتاب الله تعالى أو قاعدة وأصلا من أصول الدين والمعرفة أو يوافق مشروعا موافقة تصحح المشابهة بينهما ( كما تراه في جمع الجوامع وغيره ومطولات مصطلح الحديث ) . إذا تقرر هذا فحديث الجوربين مما تلقى بالقبول ( 1 ) وعضده عمل الصحب عليهم رضوان الله ووافق آية { وامسحوا برءوسكم وأرجلكم } على قراءة الجر والنصب إذا رجعت إليه ويندرج تحت قاعدة رفع الحرج ويوافق مسح الخف وجميع هذه مما يصحح المروي أيما تصحيح . وبالجملة فقد اجتمع في حديث الجوربين الصحتان معا : صحته من حيث السند كما صرح به الترمذي وابن حبان وكما حققناه من درء الشذوذ المزعوم فيه وصحته من غير السند وهي الأمور التي سردت الآن ومتى صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة . ( 1 ) قلت : قد عرفت مما سبق أن الحديث الملتقى بالقبول لا يكون صحيحا لا بشرطين أحدهما أن يشتهر عند أئمة الحديث بغير نكير منهم : وهذا الحديث وإن كان إسناده صحيحا عندنا فقد أنكره من عرفت من كلام المؤلف والشيخ أحمد شاكر . وحينئذ لا أرى أن يقال : أنه مما تلقى بالقبول . بل منهم من قبله ومنهم من رده . والحق مع الأولين قطعا . والحجة إسناده الثابت . نعم يعضده ويزيده قوة جريان عمل الصحابة عليه كما سيأتي

  صفحة رقم -45- وأما قول النووي : إنه لو صح يحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه جمعا بين الأدلة فمطلوب البيان من جهة الجورب فأين الدليل على اشتراط أن يمكن تتابع المشي عليه فيه ؟ ومعلوم أن الجورب غير الخف ولكل حكمه وإذا أطلق الدليل في الأصول فلا ينصرف إلى الكتاب والسنة وما رجع إليهما ولا تعارض إلا بين دليلين متكافئين وهناك يلتمس الجمع وإلا فإن المدار على الأقوى فالأقوى اتفاقا وليس في الباب إلا إطلاق الجوربين وعموم التساخين في حديثهما . وأما قوله : وليس في اللفظ عموم يتعلق به فيقال فيه : هذا إشارة إلى ما ذكر في الأصول من أن الفعل المثبت لا عموم له فحكايته لا تقتضي العموم لا للأقسام ولا لجهات الوضع ولا للأزمان . إلا أن هذا على مذهب من لم يقل بعموم المشترك ولا بعموم جهات الوضع فأما من ذهب إلى العموم فيهما فقد ذهب إلى العموم فيه . كذلك قيد المحققون دعوى عدم العموم فيه بما إذا لم يوجد في ظاهر اللفظ دليل العموم كلام الاستغراق ( كالجوربين والتساخين ) وإلا فإنه يفيد العموم ودليلهم أن المحكي عنه صلى الله عليه وسلم واقع على صفة معينة فيكون في معنى المشترك فإن رجح بعض الوجوه فذاك وإن ثبت  

  صفحة رقم -46- التساوي فالبعض بفعله والباقي بالقياس عليه . وقد اعترض بأن فعله صلى الله عليه وسلم إنما وقع بحال معين . وأجيب بعدم التسليم لجواز أن تتعدد جهات وقوع الفعل كما أوضحه العلامة الفناري في ( فصول البدائع ) . وأما قوله : إن البيهقي حكى عن النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة وكأنه قال مسح على جوربيه المنعلين فيعني بذلك ما قاله البيهقي في سننه وقد حكى ذلك ثم قال بعده : وقد وجدت لأنس أثرا يدل على ذلك فأسند عنه أنه مسح على جوربين أسفلهما جلود وأعلامها خز . اه . ( 1 ) وتعقبه العلامة علاء الدين المارديني في ( الجوهر النقي ) بقوله : الحديث - أي حديث المغيرة - ورد بعطف النعلين على الجوربين وهو يقتضي المغايرة فلفظه مخالف لهذا التأويل وكون أنس مسح على جوربين منعلين لا يلزم منه أن يكون النبي عليه السلام فعل كذلك فلا يدل فعل أنس على تأويل الحديث بما لا يحتمله لفظه . اه . وقال ابن الهمام في فتح القدير في رد هذا التأويل : إن تخصيص الجواز بوجود النعل حينئذ قصر للدليل - أعني الحديث - والدلالة عن مقتضاه بغير سبب . اه . أي بغير ( 1 ) قلت : وسنده عن البيهقي ( 1/285 ) جيد والتعقب الآتي عن المارديني قوي جدا

  صفحة رقم -47- ما يدعو له لا من لفظه ولا من مقتضاه فإن صريحه أنه صلوات الله عليه مسح على الجوربين وعلى النعلين كلا على انفراده وأيده في النعلين أحاديث كثيرة مخرجة في دواوين السنة : 1 - فروى الإمام أبو داود في سننه عن أوس بن أبي أوس الثقفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه وقدميه . 2 - وأخرج الإمام أحمد في سننه عن أوس بن أبي أوس قال : رأيت أبي يوما توضأ فمسح على النعلين فقلت له : أتمسح عليهما ؟ فقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل . 3 - وأخرج الإمام أحمد أيضا عن أوس قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام إلى الصلاة . 4 - وأخرج الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره عن أوس أيضا قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فتوضأ ومسح على قدميه ( أي على نعليه فيهما ليوافق روايته السالفة ) ( 1 ) . ( 1 ) قلت : وأولى من هذا التأويل أن يقال : على نعليه وقدميه . فانه الموافق للرواية الأولى حرفيا . ثم اعلم أن هذه الأحاديث الثلاثة هي في الحقيقة حديث واحد اختلف الرواة في لفظه والمؤدى واحد وهو جواز المسح على النعلين ولو لم يكن معهما الجوربان . وهو حديث صحيح أخرجه من ذكرهم المصنف وغيرهم كالطيالسي في ( مسنده ( 1113 ) وابن أبي شيبة في ( المصنف ) ( 1/190 ) والبيهقي ( 1/286 - 287 ) وقد تكلمت على إسناده في صحيح أبي داود

  صفحة رقم -48- 5 - وأخرج الطبراني عن عباد بن تميم عن أبيه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ ويمسح على رجليه ( 1 ) 6 - وروى الإمام ابن جرير الطبري في تفسيره عن حذيفة قال : أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال عليها ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه ( 2 ) . 7 - وروى البزار بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه كان يتوضأ ونعلاه في رجليه ويمسح عليهما ويقول : كذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ( أورده الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية ) وقال السيوطي في التدريب ( 3 ) : صحح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الملك بن القطان صاحب كتاب ( الوهم والإيهام ) حديث ابن عمر هذا المخرج في مسند البزار . ( 1 ) قلت : وأخرجه ابن خزيمة أيضا في ( صحيحه ) ( 1/101/202 ) ورجاله ثقات غير شيخ ابن خزيمة أبي زهير عبد المجيد بن إبراهيم المصري فإني لم أجد له ترجمة كما قلت في تعليقي عليه . وأقول الآن : لعل الطبراني رواه من غير طريقه ؟ ولا أطول الآن ( معجمه ) حتى أراجع إسناده فيه . وتأويل الحديث كالذي قبله : أي مسح على نعليه ورجليه . ( 2 ) قلت : ورجاله ثقات ولكنه شاذ فإن الثقات الحفاظ من أصحاب الأعمش رووه بلفظ ( خفيه ) بدل ( نعليه ) كما قال ابن جرير الطبري نفسه ( 10/78 ) وهذا هو المحفوظ المخرج في ( الصحيحين ) وغيرهما وفيما تقدم وما يأتي غنية عنه . ( 3 ) ص 46

  صفحة رقم -49- 8 - وروى البيهقي ( 1 ) بإسناد جيد عن ابن عمر قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ( يعني النعال السبتية ) ويتوضأ فيها ويمسح عليها . نقله الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الهداية . 9 - وروى الشيخان البخاري ومسلم عن عبيد بن جريج عن عبد الله بن عمر أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس النعاس البستية التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأحب أن ألبسها . ومعنى قوله : يتوضأ فيها أنه يمسح عليها كما أوضحته رواية البزار والبيهقي قبل والروايات يفسر بعضها بعضا . وأما قول البخاري : معناه غسل الرجلين في النعلين فرده الحافظ الإسماعيلي كما نقله العيني وذلك لمخالفته لما روي عن ابن عمر نفسه . 10 - وروى الدارمي في مسنده عن عبد خير قال : ( 1 ) قلت : أخرجه في ( سننه الكبرى ) ( 1/287 ) من طريق ابن خزيمة وهذا أخرجه في ( صحيحه ) ( رقم 199 ) وسنده صحيح كما قلت في التعليق عليه وأزيد هنا فأقول : له طريق أخرى عن ابن عمر نحو رواية البزار . أخرجه الطحاوي في ( شرح المعاني ) ( 1/97 ) ورجاله ثقات معروفون غير أحمد بن الحسين اللهبي وله شاهد من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ومسح على نعليه . أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( رقم 783 ) والبيهقي ( 1/286 ) من طريقين عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عنه . وهذا إسناد صحيح غاية وهو على شرط الشيخين .

  صفحة رقم -50- رأيت عليا توضأ ومسح على نعليه فوسع ثم قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما ( 1 ) . 11 - وروى ابن خزيمة من طريق عبد خير عن علي رضي الله عنه أنه دعا بكوز من ماء ثم توضأ وضوءا خفيفا ومسح على نعليه ( 1 ) ثم قال : هكذا وضوء النبي صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث ( 3 ) . وتبعه ابن حبان على ذلك وقال في حديث أوس المتقدم : هذا كان في النفل ( 4 ) . ( 1 ) قلت : في إسناده عند الدارمي ( 1/181 ) أبو إسحاق وهو السبيعي وهو ليس مع اختلاطه وقد رواه عن عبد خير معنعنا وخالفه خالد بن علقمة الهمداني - وهو ثقة - فرواه عن عبد خير بلفظ غسل رجله اليمنى ثلاثا ورجله الشمال ثلاثا . أخرجه أبو داود وغيره . إسناده صحيح وصححه ابن حبان ( رقم 150 - موارد ) وقد خرجته في ( صحيح أبي داود ) . ( 2 ) الأصل : ( رجليه ) والتصحيح من ( صحيح ابن خزيمة ) . ( 3 ) قلت : في إسناده عن ابن خزيمة ( 200 ) متروك لكنه قد توبع كما بينته في التعليق عليه وقد أخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) ( 202 ) وكذا النسائي وابن حبان من طريق أخرى عن علي لكنه قال : ( رجليه ) مكان ( نعليه ) وقد عرفت بأوله ( 152 ) وإسناده صحيح على شرط البخاري وقد أخرجه في ( صحيحه ) - الأتربة - لكنه لم يصرح بالمسح . ( 4 ) قلت : يعني أن هذا الوضوء كان نفلا غير واجب لأنه لم يكن من حدث يدل عليه ما ترجم به ابن خزيمة للحديث فقال : ( باب ذكر الدليل على أنه مسح النبي صلى الله عليه وسلم على النعلين كان في وضوء متطوع به لا في وضوء واجب عليه من حدث يوجب الوضوء ) . قلت : ما ترجم به للحديث واضح لا غبار عليه ولكن قد صح عن علي رضي الله عنه أنه مسح على نعليه في الوضوء الواجب بعد الحدث كما يأتي فيجب حينئذ فهم هذا الحديث أنه للطاهر لا لأنه مسح على النعلين وإنما لأنه توضأ وضوءا خفيفا ويؤيده أن في الطريق الأخرى ( أنه مسح وجهه وذراعه ) فهذا المسح لا يجوز في الفرض قطعا فهو الذي عناه بقوله : هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر . . . وكيف يجوز حمله على المسح على النعلين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجوه عديدة دون تفريق بين النفل والفريضة . بل ثبت ذلك عن راوي الحديث نفسه في الفرض نصا وهو ما أخرجه الطحاوي في ( شرح المعاني ) ( 1/97 ) بسند صحيح عن أبي ظبيان أنه رأى عليا رضي الله عنه بال قائما ثم دعا بماء فتوضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى . وأخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( 783 - 784 ) وابن أبي شيبة أيضا ( 1/190 ) والبيهقي ( 1/288 ) من طرق عن أبي ظبيان وهو الجنبي كما في رواية لعبد الرزاق واسمه حصين بن جندب الكوفي وهو ثقة من رجال الشيخين وقد تابعه غير واحد عن علي مختصرا في ( المصنفين ) . 

  صفحة رقم -51- فهذه الآثار كلها تدل على أن المسح على النعلين إنما كان عليهما دون شيء آخر معهما كجورب . وجميعها يفسر حديث المغيرة بما ذكرناه قبل ولهاذ اتفقوا على عدم اشتراط النعل في الجوربين وجوزوا كونهما ثخينين وإن لم يكونا منعلين كما سيأتي فسقط ما قاله النيسابوري وكذا غيره . الشبهة الخامسة : ما ورد على حديث أبي موسى الأشعري فقد قال أبو داود في سننه : روي عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم  

  صفحة رقم -52- أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي . قال السندي في حواشيه على أبي داود : قوله : ( وليس بالمتصل ) أي لأنه من رواية الضحاك ابن عبد الرحمن عن أبي موسى ولم يثبت سماعه منه . وقوله ( ولا بالقوي ) أي لأنه من رواية عيسى بن سنان عن الضحاك وقد ضعفه أحمد وابن معين وأبو زرعة والنسائي وغيرهم . اه . وقال الحافظ ابن حجر : حديث أبي موسى الذي أشار إليه أبو داود أخرجه ابن ماجه وفي إسناده ضعف وانقطاع كما قال أبو داود ا . ه . و( الجواب ) ما قاله العلامة المحقق علاء الدين المادريني في ( الجوهر النقي في الرد على البيهقي ) من أن التضعيف بعدم ثبوت سماع عيسى ابن سنان من أبي موسى هو على مذهب من يشترط للاتصال ثبوت السماع . قال : ثم هو معارض بما ذكره عبد الغني فإنه قال في الكمال : سمع الضحاك من أبي موسى . قال : وابن سنان وثقه ابن معين وضعفه غيره . وقد أخرج الترمذي في الجنائز حديثا في سنده عيسى بن سنان هذا . وحسنه ا . ه . وقال الذهبي في الميزان : هو - أي ابن سنان - ممن يكتب حديثه . قال : وقواه بعضهم وقال العجلي : لا بأس به . اه . وبالجملة وإن وجد من ضعفه فقد وجد من وثقه ومن الأئمة من لا يترك حديث المضعف حتى يجمعوا على تركه ( 1 ) . ولا يقال إن الجمهور على أن الجرح مقدم على ( 1 ) ( تدريب ) ص 113 .

  صفحة رقم -53- التعديل لأنه مقيد بأن يكون الجرح مفسرا لا مجملا وبأن يبنى على أمر مجزوم به لا بطريق اجتهادي كما قاله الإمام ابن دقيق العيد ونقله عنه السيوطي في التدريب ( 1 ) فالمسألة تحتاج إلى دقة فإنها ليست على إطلاقها كما وهم . ومع ذلك فقد يتأيد الحديث ويعضد بأن يروى من وجه آخر بلفظه أو معناه وقد وجد مروي أبي موسى هذا بلفظه أو معناه وقد وجد مروي أبي موسى هذا بلفظه في حديث المغيرة وبمعناه في حديث ثوبان في التساخين فأصبح من الحسن لغيره وهو كالحسن لذاته وكلاهما يعمل به ويحتج بمقتضاه . ( انظر مطولات المصطلح ) . وبالجملة فمهما أعلت هذه الأحاديث بما أعلت به من انقطاع أو شذوذ فقد تبين بما برهنا عليه أن منها الصحيح لذاته على قول الترمذي كما تقدم ومنها الصحيح لغيره . وقد نبه في الأصول على أن الحديث المعلل - إذا عضده ضعيف أو قول صحابي أو فعله أو قول الأكثر من العلماء أو قياس أو انتشار له من غير نكير أو عمل أهل العصر على وفقه - كان المجموع حجة لأنه يحصل من اجتماع الضعفين قوة مفيدة للظن . انظر جمع الجوامع وشرحه في بحث المرسل . والله يقول الحق وهو يهدي السبيل . ( 1 ) ( تدريب ) ص 113

  صفحة رقم -54- بيان أن الجورب معروف في اللغة والشرع لا سبيل إلى صرفه إلى غير المعروف في ( المصباح ) : والجورب فوعل وهو معرب والجمع جواربة بالهاء وربما حذفت اه فلم يحده لأنه بديهي معروف لكل أحد ولا حد للبديهيات . وفي ( القاموس وشرحه ) : والجورب لفافة الرجل . وفي ( لسان العرب ) مثله . وقال أبو بكر بن العربي : الجورب غشا آن للقدم من صوف يتخذ للدفاء ا ه . وفي ( التوضيح ) للحطاب المالكي : الجورب ما كان على شكل الخف من كتان أو قطن أو غير ذلك . وفي ( الروض المربع ) للبهوتي الحنبلي : الجورب ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد اه . وقال ( العيني ) : الجورب هو الذي يلبسه أهل البلاد الشامية الشديدة البرد وهو يتخذ من غزل الصوف المفتول يلبس في القدم إلى ما فوق الكعب اه . وقال ( الحلبي ) في شرح المنية : الجورب ما يلبس في الرجل لدفع البرد ونحوه مما لا يسمى خفا ولا جرموقا ا . ه . و( الجرموق ) قال الفقهاء هو ( الموق ) وهو كما في القاموس : خف غليظ يلبس فوق الخف . وقال ( ابن سيده ) : والموق ضرب من الخفاف . وقال ( الجوهري ) : الموق خف قصير يلبس فوق الخف وهو فارسي معرب

  صفحة رقم -55- ومثل الجورب لا يحتاج إلى أن يعضد معناه اللغوي والشرعي - المعروف لكل أحد - بنقل العلماء في معناه لأنه من باب توضيح الواضحات ولكن دعانا لهذا ما رأيناه في بعض الكتب من زعم أن الجورب خف يلبس على الخف إلى الكعب للبرد ولصيانة الخف الأسفل من الدرن والغسالة وتقييد آخر له بكونه من جلد وهذا غلط على اللغة والعرف والفقه أيضا لأن هذا المزعوم هو الجرموق لا الجورب . ومن الغريب قول الجزولي من فقهاء المالكية : اختلف في الجورب والجرموق هل هما اسمان لمسمى واحد ؟ وكأن منشأ الاختلاف ما نقل في التوضيح أن الإمام مالكا رضي الله عنه فسر الرجموق بأنه جورب مجلد من تحته ومن فوقه فتوهم منه أن الجورب لا يكون إلا كذلك مع أن الجورب إذا جلد على هذه الصفة وسمي جرموقا لا يلزم منه أن يكون كل جورب جرموقا لأن الجورب يشمل المجلد وغيره . ولوا شموله لما احتيج إلى تقييده إذا أريد به نوع خاص . وبالجملة فاللغة والعرف على أن الجورب هو مطلق ما يلبس في الرجل من غير الجلد منعلا كان أو لا . ومن المقرر أن كل اسم ورد منصوصا عليه في الكتاب أو السنة وعلق عليه حكم من الأحكام فإنه يجب أن لا  

  صفحة رقم -56- يوقع ذلك الحكم إلا على ما اقتضاه ذلك الاسم وأن لا يتعدى به الوضع الشرعي فيه . وبالله التوفيق . ذكر من روي عنه المسح على الجوربين من الصحابة رضي الله عنهم قال الإمام أبو داود في سننه في ( باب المسح على الجوربين ) : ومسح على الجوربين علي ابن أبي طالب وأبو مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس . اه . وزاد ابن سيد الناس في شرح الترمذي : عبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص . وزاد في شرح الإقناع : عمارا وبلالا ( 1 ) وابن أبي أوفى رضي الله عنهم فالجملة أربعة عشر صحابيا . وكذا المغيرة وأبو موسى لروايتيهما المتقدمتين فكان المجموع ستة عشر صحابيا . ( 1 ) قال الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث المهذب : وفي الباب عن بلال أخرجه الطبراني بسندين أحدهما ثقات

  صفحة رقم -57- وقد أسند ابن حزم في المحلى ( 1 ) إلى بعض من سميناهم فعل المسح على الجوربين وعبارته : والمسح على كل ما لبس في الرجلين - مما يحل لباسه مما يبلغ فوق الكعبين ( 2 ) - سنة سواء كانا خفين أو جوربين إذا لبس على وضوء جاز المسح عليه للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن ثم لا يحل له المسح . وبعد أن خرج أحاديث المسح على الجوربين قال : وممن قال بالمسح على الجوربين جماعة من السلف ثم أسند عن كعب بن عبد الله قال : رأيت علي بن أبي طالب كرم الله وجهه فمسح على نعليه وجوربيه . وعن أبي الجلاس ( 3 ) عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه . وعن إسماعيل عن أبيه قال : رأيت البراء بن عازب يمسح على جوربيه ونعليه . وعن إبراهيم بن همام بن الحارث عن ( 1 ) قلت : هذا القيد ( مما يبلغ فوق الكعبين ) لا أعلم له دليلا ثم هو مخالف لقول ابن حزم نفسه في مكان آخر من ( المحلى ) ( 2/103 ) : وسأذكر نصه في الملحق بآخر الرسالة . ( 2 ) انظر الحاشية ( 1 ) . ( 3 ) بضم الجيم وتخفيف اللام

  صفحة رقم -58- أبي مسعود البدري أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه . وعن عاصم الأحول قال : رأيت أنس بن مالك مسح على جوربيه . وعن ابن عمر قال : بال عمر بن الخطاب يوم جمعة ثم توضأ ومسح على الجوربين والنعلين وصلى بالناس الجمعة . وعن أبي وائل عن أبي مسعود أنه مسح على جوربين له من شعر وعن يحيى البكاء قال : سمعت ابن عمر يقول : المسح على الجوربين كالمسح على الخفين ( 1 ) . ( 1 ) قلت : هذه الآثار أخرجها عبد الرزاق في ( المصنف ) ( رقم 745 - 773 - 779 - 781 - 782 ) وابن أبي شيبة أيضا في ( المصنف ( 1/188 ) والبيهقي ( 1/285 ) وكثير من أسانيدها صحيح عنهم . وبعضهم له أكثر من طريق واحد ومن ذلك طريق قتادة عن أنس أنه كان يمسح على الجوربين مثل الخفين وسنده صحيح . رواه عبد الرزاق ( 779 ) وهو عند ابن أبي شيبة ( 1/188 ) مختصرا . وعندهما من طريق يحيى البكاء قال : سمعت ابن عمر يقول : المسح على الجوربين كالمسح على الخفين . وتلقى نافع ذلك عنه فقال : هما بمنزلة الخفين . أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن عنه . وكذلك قال إبراهيم النخعي . أخرجه بسند صحيح عنه . قلت : فبعد ثبوت المسح على الجوربين عن الصحابة رضي الله عنهم : أفلا يجوز لنا أن نقول فيمن رغب عنه ما قاله إبراهيم هذا في مسحهم على الخفين : ( فمن ترك ذلك رغبة عنه فإنما هو من الشيطان ) . رواه ابن أبي شيبة ( 1/180 ) بإسناد صحيح عنه

  صفحة رقم -59- ما روي عن أعلام الصحابة رضوان الله عليهم ومن بعدهم من جواز المسح على الجوربين وإن كان رقيقين قال الإمام النووي في شرح المهذب : وحكى أصحابنا ( الشافعية ) عن عمر وعلي رضي الله عنهما جواز المسح على الجورب وإن كان رقيقا . وحكوه عن أبي يوسف ومحمد وإسحاق وداود ثم قال النووي : واحتج من أباحه - وإن كان رقيقا - بحديث المغيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه . وعن أبي موسى مثله مرفوعا . انتهى كلامه وفيه من الزيادة عن ما قبله التصريح بالجواز عنهم ولو كان رقيقا وإن كان يفهم ذلك من إطلاق المأثور قبل لأن الأصل في المطلق حمله على مطلقه حتى يرد ما يقيده كما أن العام له حكمه حتى يخصصه دليل . وسيأتي إيضاح ذلك مما قاله الإمام ابن حزم عليه الرحمة والرضوان . بيان أن أقوال الصحابة وفتاويهم أولى بالأخذ من غيرها والرد على من زعم رفع ثقته بالمأثور عنهم هذا بحث عظيم يجب على كل من شدا طرفا من العلم  

  صفحة رقم -60- أن يلقي اسمع إليه ذلك لأن كثيرا من الناس إذا ذكر له مذهب صحابي في مسألة ما تراه لا يرفع له رأسا اتكاء على أنه ليس ممن لقن العمل به وربما تطاول فقال : إنه ليس ممن دون مذهبه . ولما كان هذا مما لا يستهان به في الدين إذ مثل هذا القول منكر عند الراسخين . وجب إزاحة اللبس فيه إرشادا للمتقين وذلك لأن الصحابة رضوان الله عليهم في المقام الأسنى والمحل الأعلى في كل علم وعمل وفضل ونبل . قال الإمام ابن القيم رحمه الله في ( أعلام الموقعين ) : كما أن الصحابة سادة الأمة وأئمتها وقادتها فهم سادات المفتين والعلماء قال مجاهد : العلماء أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . ونقل رحمه الله عن الشافعي أنه قال في الصحابة : هم فوقنا في كل علم واجتهاد وورع وعقل وأمر استدرك به علم وآراؤهم لنا أحمد وأولى بنا من رأينا . . . إلخ . إذا علمت هذا تبين لك أن ما جاء في ( جمع الجوامع ) للسبكي من أن في تقليد الصحابي قولين أحدهما المنع لارتفاع الثقة بمذهبه إذ لم يدون وعزو شارحه ذلك لإمام الحرمين الجويني والمحققين ( يعني مقلدة الجويني وأتباعه ) كلام مجمل لا يغتر بظاهره ويؤخذ من كلام غير واحد من الأئمة رده . بل السبكي نفسه رد ذلك وقال : - كما نقله عنه الزركشي وتراه في حواشيه : إن تحقق  

  صفحة رقم -61- ثبوت مذهبه ( أي الصحابي ) جاز تقليده اتفاقا . وقد سئل العز بن عبد السلام ( 1 ) عمن صح عنده مذهب أي بكر أو غيره من علماء الصحابة في شيء فهل يعدل إلى غيره أم لا ؟ فأجاب بأنه إذا صح عن أحد الصحابة مذهب في حكم من الأحكام فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل أوضح من دليله . قال : ولا يجب على المجتهدين تقليد الصحابة في مسائل الخلاف بل لا يحل ذلك في وضوح أدلتهم على أدلة الصحابة . اه . وقال ابن تيمية في بعض فتاويه : وأما أقوال الصحابة فإن انتشرت ولم تنكر في زمانهم فهي حجة عند جماهير العلماء وإن تنازعوا رد ما تنازعوا فيه إلى الله والرسول ولم يكن قول بعضهم حجة مع مخالفة بعضهم له باتفاق العلماء . وإن قال بعضهم قولا ولم يقل بعضهم بخلافه ولم ينتشر فهذا فيه نزاع وجمهور العلماء يحتجون به كأبي حنيفة ومالك وأحمد في المشهور عنه والشافعي في أحد قوله اه . والنصوص في العناية بأقوال الصحابة أوفر من أن تحصر نقول هذا تمهيدا للأقوال المأثورة في المسح على الجوربين في كتاب السنن لأبي داود وغيره فإنها حجة ( 1 ) شرح خليل للحطاب جزء ( 1 ) ص 31

  صفحة رقم -62- في هذا الباب على كل من خالف كيفما كان حالها لأنها - على ما فصله ابن تيمية وقرره الأصوليون - إما منتشرة غير منكورة وما كان كذلك فهو حجة باتفاق وإما أنها قال بها بعضهم ولم ينتشر ما يخافه والجمهور يحتجون بذلك . وقد علم أنه ليس ثم مخالف فينتشر قوله إذ لم يرد عنهم فيه إلا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو عملهم به على ما عرفت من روايات متعددة . ومن الجلي في باب الأحكام أن حكما بلغ عدد رواته والقائلين به والعاملين به ستة عشر لو كانوا من طبقة غير الصحابة لما توقف في قبوله فكيف وكلهم من طبقة الصحابة عليهم رحمة الله ورضوانه . هذا كله على فرض أنه لم يرو في الباب - أي باب المسح على الجوربين - إلا قولهم فقط وإلا فقد قدمنا ما روي فيه من الأحاديث التي هي الحجة في هذا الباب والمرد عند التنازع ( وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل ) . وإنما هذه الجملة ينبغي أن ينتبه لها الذين يأبون إلا التقليد ليعلموا أن من آثر التقليد فالأحرى به تقليد الصحابة لأنهم الأعلم وأجمع الأصوليون على أنه يقدم - في باب التقليد - الأعلم . قال ابن القيم في أعلام الموقعين : فلا يدري ما عذر المقلد في ترجيح أقوال غير الصحابة على أقوالهم فكيف إذا منع الأخذ بقول الصحابة  

  صفحة رقم -63- فكيف إذا صار يرمى بالابتداع من عمل بها ؟ لا جرم أنه أخذ بالمثل المشهور : رمتني بدائها وانسلت اه . وأما شبهة عدم الوثوق بما يؤثر مذهبا للصحابة إذ لم يدون مذهبهم فأوهى من بيت العنكبوت لأن كلامنا فيما نقل عنهم في الكتب الموثوق بها المتداولة في الأيدي من كتب السنة والفقه لا سيما الصحيحان وكتب السنن فقد حفظت من الزيادة والنقص بقوة العناية بها شرحا وضبطا ووفرة النسخ المخطوطة المعلم عليها بسماعات الحفاظ في معظم المكتبات مما لا يوجد نظيره في كتب أئمة الفقه المشهورة مذاهبهم . ولا ريب أن ذلك من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قيض الله لسنته من حفظها كما فعل ذلك بتنزيله الكريم وله الحمد والمنة . على أن المعول عليه منذ انتشر التأليف والتصنيف هو النقل عن الموجود الذي تثق به النفس - سواء كان مقابلا كله على أصله أو لا - ما دام يغلب على الظن صحته ويطمئن له القلب هو المسمى بالوجادة . ولذا اعترض الإمام المقبلي في ( العلم الشامخ ) على تصريحهم بعدم اعتماد الوجادة بأن هذا يناقضه إذ هو - أي قولهم المذكور - وجادة ليس إلا . قال : وأما الوثوق فهو شرط في كل طريق اه . بل على الوجادة المذكورة اعتماد القضاة والمفتين  

  صفحة رقم -64- والمستنبطين إذ يتعذر إسناد كل كتاب إلى مؤلفه وضبطه عنه بالسماع والقراءة في كل الطبقات على أن كتب الحديث وجد فيها من الضبط والتلقي والشرح لها وتعداد نسخها المصححة تفاخرا بقراءتها وتشرفا بسماعها وتلقيها والإجازة لها ما لم يوجد عشر عشره في مؤلفات الأئمة الأربعة ولا غيرهم ولو أريد نسخ كتاب من مؤلفات الأئمة أو طبعه يحول دون الظفر بنسخ كاملة منه ما يحول ( 1 ) ولا يرى غالبا بعد التنقيب أجزاء متفرقة أو نسخة مخرومة مع أن حق مقلدة أئمتها أن ينسخوا منها في كل قرن الألوف وأن يخدموها بالقراءة والإقراء والنشر والشروح . ولقد حرصت مرة على أن أظفر بنسخة مخطوطة من رسالة الإمام الشافعي أو بشرح لها لأقابل بها المطبوعة وأنسخ الشرح فلم أجد لها من أثر في مكتبة من مكاتب القطر الشامي أين هذا من نسخ كتب الصحيحين والسنن المخطوطة التي امتلأت منها مكاتب الدنيا ولا يعيى الظفر بجيداتها على طالب ما . أفليس الوثوق إذن بكتب السنة وما فيها من المرفوع والموقوف ( وهو أقوال الصحب وفتاويهم ) أقوى في النفس من غيرها ؟ اللهم فبلى . ( 1 ) وهذا ما وقع عند طبع كتاب ( الأم ) للشافعي فقد احتاجوا إلى جمع أجزائها من مختلف البلدان . وقس على كتاب الأم أمثاله من مؤلفات الأئمة

  صفحة رقم -65- ومما يؤيد ما قدمناه في الوجادة ما في تدريب الراوي للسيوطي شرح تقريب النواوي في أواخر بحث الصحيح وعبارته ( 1 ) : عن الإمام ابن برهان في الأوسط : ذهب الفقهاء كافة إلى أنه لا يتوقف العمل بالحديث على سماعه بل إذا صح عنده النسخة جاز له العمل بها وإن لم يسمع . وحكى الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني الإجماع على جواز النقل من الكتب المعتمدة وأنه لا يشترط اتصال السند إلى مصنفيها . وقال إلكيا الطبري في تعليقه : من وجد حديثا في كتاب صحيح جاز له أن يرويه ويحتج به . وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في جواب سؤال : وأما الاعتماد على كتب الفقه الصحيحة الموثوق بها فقد اتفق العلماء في هذا العصر على جواز الاعتماد عليها والاستناد إليها لأن الثقة قد حصلت بها كما تحصل بالرواية ولذلك اعتمد الناس على الكتب المشهورة في النحو واللغة والطب وسائر العلوم لحصول الثقة بها وبعد التدليس اه . فتأمل تظاهر أقوال الأئمة على اعتماد ما في كتب ( 1 ) ص 49

  صفحة رقم -66- الفقه وغيرها تعلم أنه إذا وجد فيها نقل عن صحابي أو حكاية مذهب له أنه يوثق به ويعمل بلا ارتياب ويكون أولى من غره في باب التقليد لمن شاءه فافهم ولا تكن أسير التقليد . من روي عنه المسح على الجوربين من التابعين لا يخفى أنه إذا لم يوجد في مسألة ما أثر مرفوع ولا موقوف ووجد للتابعين قول أو فتوى في شأنها كان ذلك مما يعتبر أو يؤثر لا سيما في باب تقليد الأعلم والأفضل عن المقلدة وقد روى محمد بن سعد ( 1 ) أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال للحسن : أرأيت ما تفتي به الناس أشيء سمعته أم رأيك ؟ فقال الحسن : لا والله ما كل ما نفتي به سمعناه ولكن رأينا لهم خير من رأيهم لأنفسهم . اه . ( 2 ) . وقد روي عن التابعين في المسح على الجوربين عدة آثار : أخرج الإمام ابن حزم رضي الله عنه في كتاب المحلى عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال : الجوربان بمنزلة الخفين في المسح . وعن ابن جريج قلت لعطاء : أيمسح على الجوربين ؟ قال : نعم امسحوا عليهما مثل ( 1 ) يعني صاحب ( الطبقات الكبرى ) . ( 2 ) أعلام الموقعين جزء 1 صفحة 75

  صفحة رقم -67- الخفين وعن إبراهيم النخعي أنه كان لا يرى بالمسح على الجوربين بأسا . وعن الفضل بن دكبن قال : سمعت الأعمش - وسئل عن الجوربين : أيمسح عليهما من بات فيهما ؟ قال : نعم . وعن قتادة عن الحسن وخلاس ابن عمرو أنهما كانا يريان الجوربين في المسح بمنزلة الخفين ثم عد من التابعين سعيد بن جبير ونافعا ( 1 ) . ( ثم قال ابن حزم ) : وهو قول سفيان الثوري والحسن ابن حي وأبي يوسف ومحمد بن الحسن وأبي ثور وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وداود بن علي ( الظاهري ) وغيرهم اه . بيان أقوال الفقهاء المشهورين في المسح على الجورين ( مذهب المالكية في المسح على الجوربين ) قال الإمام ابن القاسم في المدونة : كان مالك يقول في الجوربين يكونان على الرجل وأسفلهما جلد مخروز ( 1 ) قلت : أخرجه ابن أبي شيبة ( 1/189 ) عن سعيد بن المسيب وسعيد بن جبير ونافع وإبراهيم وتقدم لفظهما قريبا وعن عطاء قال : ( المسح على الجوربين بمنزلة المسح على الخفين ) . وسنده صحيح

  صفحة رقم -68- وظاهرهما جلد مخروز : إنه يمسح عليهما . ثم رجع فقال : لا يمسح عليهما . قال ابن القاسم : وقوله الأول أحب إلي إذا كان عليهما جلد كما وصفت لك . ا . ه قال ابن يونس : وهو - أي قول مالك الأول - الصواب لأنه إذا كان عليه جلد مخروز يبلغ الكعبين فهذا كالخف ( نقله المواق في التاج والإكليل ) . وفي اختيار ابن القاسم القول الذي رجع عنه إمامه مالك وتصريحه بأنه أحب إليه . وقول ابن يونس إنه الصواب أكبر اعتبار في أن أصحاب الأئمة كانوا يتجافون التقليد البحت ولا يعولون إلا على الدليل ويصبح ذلك مذهبا لهم في الحقيقة . وهكذا كان أمر صاحبي أبي حنيفة معه . وهكذا أصحاب الشافعي فإن المزني كثيرا ما ينفرد بقول عن أستاذه الشافعي . وقد نقل النووي في آخر شرح خطبة المهذب عن إمام الحرمين أن المزني إذا انفرد برأي فهو صاحب مذهب . وقد اختار كثير من أصحاب الشافعي بعض مسائله التي رجع عنها وأفتوا بها بعده . قال إمام الحرمين : المرجوع عنه ليس مذهبا للراجع فإذا علمت الحال القديم ووجدنا أصحابنا أفتوا بهذه المسائل على القديم حملنا ذلك على أنه أداهم اجتهادهم إلى القديم لظهور دليله وهم مجتهدون فأفتوا به اه . فتأمل قوله : ( وهم مجتهدون ) تعلم غلط ما  

  صفحة رقم -69- يهرف به البعض من أنهم مجتهدون في المذهب لا مطلقا فإنهم مجتهدون على الإطلاق وليس كل مجتهد ذا أتباع ومذهب مدون على أنه لو خرج على قواعد الإمام لم يكن مذهبا له . قال الإمام النووي : وقد سبق اختلافهم في أن المخرج هل ينسب إلى الشافعي ؟ والأصح أنه لا ينسب اه . 1 - ما روي عن الإمام الشافعي وأصحابه في المسح على الجوربين قال الإمام الترمذي في سننه ( في باب المسح على الجوربين والنعلين ) ما مثاله : وهو ( أي المسح على الجوربين ) قول غير واحد من أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق قالوا : يمسح على الجوربين وإن لم يكونا منعلين إذا كان ثخينين اه . ومعلوم أن الإمام الترمذي روى عن أصحاب الإمام الشافعي ولذا قال في آخر كتابه ( السنن ) : وما كان فيه من قول الشافعي فأكثره ما أخبرني به الحسن بن محمد الزعفراني عن الشافعي وما كان من الوضوء والصلاة فحدثنا به أبو الوليد المكي عن الشافعي ومنه ما حدثنا أبو إسماعيل قال : حدثنا  

  صفحة رقم -70- يوسف بن يحيى القرشي البويطي عن الشافعي وذكر فيه أشياء عن الربيع عن الشافعي وقد أجاز لنا الربيع ذلك وكتب به إلينا اه . وقال الإمام الشيرازي في المهذب : وإن لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين : أحدهما أن يكون صفيقا لا يشف والثاني أن يكون منعلا قال شارحه النووي : وهكذا قطع به جماعة منهم الشيخ أبو حامد والمحاملي وابن الصباغ وغيرهم . ونقل المزني أنه لا يمسح على الجوربين إلا أن يكونا مجلدي القدمين . ثم قال النووي : والصحيح بل الصواب ما ذكره القاضي أبو الطيب والقفال وجماعات من المحققين أنه إن أمكن متابعة المشي جاز كيف كان وإلا فلا . اه . 2 - مذهب الحنفية في الجوربين قال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع : وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين ( 1 ) يجزيه بلا خلاف عن أصحابنا وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان ( 2 ) الماء لا يجوز المسح عليهما ( 1 ) المجلد هو أن يضع الجلد على أعلاه وأسفله والمنعل هو الذي يوضع على أسفله جلده كالنعل للقدم . اه ( 2 ) - أي يرى ما تحتهما - من بشرة الرجل - من خلالهما

  صفحة رقم -71- بالإجماع ( 1 ) وإن كانا ثخينين ( 2 ) لا يجوز عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف ومحمد يجوز . وروي عن أبي حنيفة أنه رجع إلى قولهما في آخر عمره وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه ثم قال لعواده : فعلت ما كنت أمنع الناس منه . فاستدلوا به على رجوعه . ثم قال : احتج أبو يوسف ومحمد بحديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على الجوربين ولأن الجواز في الخف لرفع الحرج لما يلحقه من المشقة بالنزع وهذا المعنى موجود في الجورب اه . 3 - مذهب الحنابلة في الجوربين في الإقناع وشرحه : ويصح المسح على جورب صفيق من صوف أو غيره وإن كان غير مجلد أو منعل أو ( 1 ) إن كان أراد إجماع أئمة السلف والخلف فباطل فقد نقل الإمام النووي في شرح المذهب جواز المسح على الجوربين وإن كانا رقيقين عن أميري المؤمنين عمر وعلي رضي الله عنه عنهما وإسحاق وداود بل نقل حكايته أيضا عن أبي يوسف ومحمد كما رأيت قبل . ثم هو مذهب الإمام ابن حزم كما سيأتي فكيف يصح دعوى الإجماع ؟ وإن كان أراد إجماع الحنفية فقد يسلم لكن حكاية النووي عن الصاحبين يدفعه أيضا فقد أتضح أن لا إجماع في الباب فاحتفظ بهذا . 2 - حد الثخانة أن يربط على الساق من غير أن يقوم بشيء . اه حدادي

  صفحة رقم -72- كان من خرق وأمكنت متابعة المشي عليه . ثم قال : وحديث المغيرة ( مسح صلى الله عليه وسلم على الجوربين والنعلين ) يدل على أنهما كانا غير منعولين لأنه لو كانا كذلك لم يذكر النعلين لأنه لا يقال : مسح على الخف ونعله ( 1 ) اه . 4 - ما قاله الإمام ابن رشد المالكي رحمه الله في المسح على الجوربين قال رحمه الله في كتابه ( بداية المجتهد ) : واختلفوا في المسح على الجوربين . وسبب اختلافهم اختلافهم في صحة الآثار الواردة عنه عليه الصلاة والسلام أنه مسح على الجوربين والنعلين واختلافهم أيضا هل يقاس على الخف غيره أم هي عبادة لا يقاس عليها ولا يتعدى بها محلها . فمن لم يصح عنده الحديث أو لم يبلغه ولم ير القياس على الخف قصر المسح عليه ومن صح عنده الأثر وجواز القياس على الخف أجاز المسح على الجوربين اه . عادة ابن رشد في كتابه المذكور إيضاح مدارك المجتهدين إلا أن كل مسألة تعددت فيها المدارك وتشعبت ( 1 ) وقد أفتى أستاذنا الشيخ جميل الشطي وهو آخر من تولى الإفتاء من الحنابلة في بلاد الشام . بجواز المسح على الجوارب المستعملة الآن . وقد نشرها في المجلات والجرائد ( زهير ) . 

  صفحة رقم -73- عنها الأقوال فالحق في واحد منها قطعا وهو ما صح برهانه وقوي مدركه . وقد صح البرهان هنا في المسح على الجوربين وقوي مدركه بما نقلناه قبل وننقله بعد ولذا قال الإمام النووي في حديث صوم ست من شوال في مسلم في رده على الإمام مالك في كراهتها ما مثاله : إذا ثبتت السنة لا تترك لترك بعض الناس أو أكثرهم أو كلهم لها . اه . وهكذا يقال في المسح على الجوربين لا يترك بعد ثبوته لخلاف من خالف ولقياس من قاس لأنه لا اجتهاد في مقابلة نص ونبرأ إلى الله من دفع النصوص بالأقيسة والآراء . قال الإمام ابن القيم ( 1 ) من لم يقف مع النصوص فإنه تارة يزيد في النص ما ليس منه ويقول : هذا قياس ومرة ينقص منه بعض ما يقتضيه ويخرجه عن حكمه ويقول : هذا تخصيص ومرة يترك النص جملة ويقول : ليس العمل عليه أو يقول هذا خلاف القياس أو خلاف الأصول . ثم قال : ونحن نرى أنه كلما اشتد توغل الرجل في القياس اشتدت مخالفته للسنن ولا نرى خلاف السنن والآثار إلا عند أصحاب الرأي والقياس فلله كم من سنة صحيحة صريحة قد عطلت به وكم من أثر درس حكمه بسببه فالسنن والآثار عند الآرائيين والقياسيين خاوية ( 1 ) أعلام الموقعين جزء 1 صفحة 299

  صفحة رقم -74- على عروشها معطلة أحكامها معزولة عن سلطانها وولايتها لها الاسم ولغيرها الحكم وإلا فلماذا ترك حديث المسح على الجوربين ( إلى آخر ما قاله وعدده . فانظره ) أي مع أنه ثبت في السنة بل اقتضاه القياس أيضا كما ستراه في كلام ابن تيمية رحمه الله تعالى . مذهب الظاهرية في المسح على الجوربين قال الإمام ابن حزم نور الله مرقده في كتابه ( المحلى ) : اشتراط التجليد لا معنى له لأنه لم يأت به قرآن ولا سنة ولا قياس ولا قول صاحب . والمنع من المسح على الجوربين خطأ لأنه خلاف السنة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلاف الآثار ولم يخص عليه السلام في الأخبار التي ذكرنا خفين من غيرهما . اه . ( 1 ) . يؤيده أن كل المروي في المسح على الجوربين مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه قيد ولا شرط ولا يفهم ذلك لا من منطوقه ولا من مفهومه ولا من إشارته وجلي أن النصوص تحمل على عمومها إلى ورود مخصص وعلى إطلاقها حتى يأتي ما يقيدها ولم يأت هنا مخصص ولا مقيد لا في حديث ولا أثر . هذا ( أولا ) . و( ثانيا ) قدمنا أن الإمام أبا داود روى في سننه عن عدة من الصحابة المسح على الجوربين مطلقا غير مقيد كما قدمناه وهكذا كل من نقل عن الصحابة ( 1 ) كذا في المحلى ( 2/87 ) . 

  صفحة رقم -75- والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين المسح على الجوربين لم يروه بقيد ولا شرط مما يدل على أن تقييده لم يكن معروفا في عصورهم التي هي خير القرون . و( ثالثا ) الجورب بين بنفسه في اللغة والعرف كما نقلنا معناه عن أئمة اللغة والفقه ولم يشرط أحد في مفهومه ومسماه نعلا ولا ثخانة . وإذا كان موضوعه في الفقه واللغة مطلقا فيصدق بالجورب الرقيق والغليظ والمنعل وغيره . والله أعلم . ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في المسح على الجوربين . قال رحمه الله في فتاويه : يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء . ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود . ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتانا أو صوفا كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف فهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قويا بل يجوز المسح

التالي بمشيئة الله ج2.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية

  مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية ( وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه م...