حذف 12. صفحة من مدونتي

12. صفحة تحذفهم با مفتري حسبي الله ونعم الوكيل

Translate

الاثنين، 4 مارس 2024

ج1.الجنائز الي { اخر ثناء الناس على الميت}

 


بسم الله الرحمن الر حيم

 

إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } ، { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساء لون به والارحام إن الله كان عليكم رقيبا} ، { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما } .

أما بعـــد ، فان أصدق الحديث كتاب الله ، وأحسن الهدي هدي محمد ، وشر الامور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .

وقد قال الله عزوجل : { تبارك الذي بيده الملك وهوعلى كل شئ قدير ، الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور} . ( 2 ) . وقال : {كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون } ( 3 ) .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مالي وللدنيا ؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ، ثم راح وتركها " 1 .

ثم إنه " لما كان هديه صلى الله عليه وسلم في الجنائز خير الهدي مخالفا لهدي سائر الامم ، مشتملا على الاحسان للميت ، ومعاملته بما ينفعه في قبره ، ويوم معاده ، وعلى الاحسان إلى أهله وأقاربه ، وعلى إقامة عبودية الحي ، فيها يعامل به ، الميت ، وكان من هديه في لجنائز ، إقامة العبودية للرب تبارك وتعالي على أكمل الاحوال والاحسان إلى الميت ، وتجهيزه إلى الله على أحسن أحواله وأفضلها ، ووقوفه ، ووقوف أصحابه صفوفا يحمدون الله ، ويستغفرون له ويسألونه المغفرة والرحمة ، والتجاوز عنه ، ثم المشي بين يديه إلى أن يودعه حفرته ، ثم يقوم هو وأصحابه بين يديه على قبره ، سائلين له التثبيت أحوج ما كان إليه . ثم يتعاهده بالزيارة إلى قبره ، والسلام عليه ، والدعاء له ، كما يتعاهد الحي صاحبه في دارلدنيا .

فأول ذلك ، تعاهده في مرضه وتذكيره الآخرة ، وأمرهبالوصية والتوبة ، وأمر من حضره بتلقينه شهادة أن لا إله إلا الله لتكون آخر كلامه .

ثم النهي عن عادة الامم التي لا تؤمن بالبعث والنشور ، من لطم الخدود ، وشق الثياب ، وحلق الرؤوس ، ورفع الصوت بالندب والنياحة وتوابع ذلك . وسن الخشوع للميت ، والبكاء الذي لا صوت معه ، وحزن القلب ، وكان يفعل ذلك ، ويقول : " تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا نقول إلا ما يرضي الرب " .

وسن لامته الحمد والاسترجاع ، والرضى عن الله ، ولم يكن ذلك منافيا لدمع العين ، وحزن القلب ، ولذلك كان أرضى الخلق في قضائه وأعظمم له حمدا ، وبكى مع ذلك يوم مات ابنه إبراهيم ، رأفة منه ورحمة للولد ، ورقة عليه ، والقلب ممتلى باالرضى عن الله عزوجل وشكره ، واللسان مشتغل بذكره وحمده " 2 .

ولما كان كثير من الناس اليوم بعيدين كل البعد عن - هديه الله صلى الله عليه وسلم في العبادات كلها ، ومنها ( ( الجنائز ) ) بسبب انصرافهم عن دراسة العلم ، ولا سيما علم الحديث والسنة ، وانكبابهم على العلوم المادية ، والعمل لجمع المال ، فقد طلب مني بعض الاعزاء بمناسبة وفاة إحدى قريباته يوم الجمعة الواقع في 11 ربيع الآخر سنة 1373هـأن أضع رسالة مختصرة في " آداب الجنائز في الاسلام " ، ليقوم هو أو غيره بطبعها وتوزيعها على المجتعين للتعزية في أيامها المعتادة عند هم ، مغتنما فرصة اجتماعهم لتعريفهم بسنة نبهيم حتى يستنوا بها ، ويهتدوا بهديها ويستنيروا بنورها . ومع أنني كنت قد باشرت تأليف بعض المصنفات الاخرى ، فقد وعدته خيرا ، لما في ذلك من التعاون على إحياء السنة ، وإماتة البدعة ، فسارعت إلى تحقيق رغبته ، جاز طلبته . ولكني ما كدت أشرع في ذلك ، حتى تبين لي أن الامر أبعد من أن يتحقق بتلك السرعة ، وأوسع من أن يجمع في رسالة توزع على الناس في مثل تلك المناسبة ، ذلك لان آداب الجنائز وأحكامها كثيرة جدا ، وقسم كبير منها مما اختلفت فيه أقوال العلماء ، وتضاربت حوله الآراء ، فمنهم من يحرم شيئا ، والآخر يبيحه ، ومنهم من يوجب شيئا ، والآخر لا يجيزه ، ومنهم من يراه سنة ، وآخر يراه بدعة ، وهكذا . . . . . . . . كما هو الشأن في كثير من المسائل الاخرى ، في أكثر أبواب الشريعة ، مصداقا لقول الله تعالى { ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك } .

لذلك كان لابد قبل كل شئ من جمع مفردات مسائل ( ( الجنائز ) ) ثم دراستها دراسة دقيقة ، وتتبع أدلة المختلف عليه منها ، ونقدها على ضوء علمي ( ( أصول الحديث ) ) و( ( أصول الفقه ) ) ، واختيار الراجح منها ، دون أي تحيز لمذهب معين ، أو تأثر بعادة سيطرت حتى صارت كأنها دين يجب أن يتبع

ومما لا يخفى على أهل العلم الذين مارسوا التأليف أن تحقيق مثل هذا العمل ، يتطلب سعيا حثيثا ، وجهدا بليغا وصبرا جميلا وزمنا مديدا ، وبعد إنجازه يمكن تأليف الرسالة المطلوبة بصورة تطمئن إليها النفس وينشرح لها الصدر ، ويعظم بها النفع .

لذلك فقد ذكرت للاخ المشار إليه خلاصة هذا معتذرا ، فقبل عذري جزاء الله خيرا ، ولكنه عاد يطلب مني الشروع في هذا العمل ، وحضني عليه ، وبالغ فيه راجيا منه خيرا كثيرا .

فاستخرت الله تعالى ، وانكببت على الدراسة ، والمراجعة ، قرابة ثلاثة أشهر ، أعمل فيها ليلا نهارا ، إلا ما لابد منه من العمل في مهنتي ، والنوم الذي لا غنى عنه لراحة جسمي ، حتى تمكنت من إعداد هذا الكتاب الذي بين يدي القارئ الكريم . ولقد كان يتطلب من الوقت أكثر مما قدر له ، لولا أن قسما كبيرا من مسائله وأحاديثه قد كان محققا عندي في بعض تصانيفي ، ولذلك تراني أحيل عليها في بعض المواطن منه .

ولقد حاولت أن أستقصي فيه كل ما له علاقة بموضوعه من المسائل التي لها دليل من الكتاب والسنة ، وأعرضت مما كان مستنده مجرد الرأي ، لان الموضوع تعبدي محضى ، لا مجال للقياس تذكر عادة في " باب الجنازة " من عامة كتب الفقه ، مثل الوصية ، وعلامات حسن ( خاتمة ، فيه ، إلا ما لا بد منه من القياس الجلي . وأوردت في أوله بعض الفصول والمسائل التي لا ونحو ذلك ، وبعضه قد لا يذكر فيها أصلا ، مثل الفصل ( 5 و8 و9 ) ، والمسألة ( 30 ) ، والفقرة ( ج ود ) من المسألة ( 74 ) والمسألة ( 98 و105 99 و107 و113 و125 ) والفقرة ( 7 ) من مسألة ( 128 ) مع أهميتها وكثرة ابتلاء الناس بها ، وتواتر الاحاديث فيها ، والفقرة ( 10 ) منها . واستوحيت ترتيبه من الواقع ، فافتتحته بفصل :

( 1 - ما يجب على المريض ) من الرضى بالقضاء والصبر على القدر وترك تمني الموت وأداء الحقوق . والوصية والاشهاد عليها . . .

ثم : ( 2 - تلقين المحتضر ) وما على من حضره من التلقين وأمره بالشهادة .

ثم ( 3 - ما على الحاضرين بعد موته ) من غمض عينيه . والدعاء له وتغطيته . والتعجيل بتجهيزه . والمبادرة لقضاء دينه .

ثم ( 4 - ما يجوز للحاضرين وغيرهم ) من كشف وجهه وتقبيله والبكاء عليه .

ثم ( 5 - ما يجب على أقارب الميت ) من الصبر والرضا بالقدر ، والا سترجاع ، وإحداد المرأة على زوجها . ثم

ثم ( 6 - ما يحرم عليهم ) من النياحة وضرب الخدود وشق الجيوب ، وغير ذلك كنعيه على المنائر

ثم ( 7 - النعي الجائز ) .

ثم ( 8 - علامات حسن الخاتمة ) .

ثم ( 9 - ثناء الناس على الميت ) .

ثم ( 10 - غسل الميت ) . وهكذا إلى الدفن وزيارة القبور .

وختمته بفصل خاص ببدع الجنائز . أستوعبت فيه جميع ما وقفت عليه من البدع منصوصا عليه في كتاب من كتب أهل العلم قديما وحديثا . عازيا كل بدعة إلى موضعها من كتبهم . وما لم يعز إليهم . فهو مما يحكم المنهج العلمي في أصول البدع أنه منها . ولكني لم أر من نص ، منهم عليها . وكثير منها من بدع العصر الحاضر .

وإني لاسأل الله تبارك وتعالى . أن ينفع بهذا الكتاب كل من قرأه . ويكتب لي أجره . ومثله لمن كان سبب تأليفه . ولمن قام على طبعه . إنه سميع مجيب . دمشق 24 محرم سنة 1388 هـ3 .

 

محمد ناصر الدين الإلباني

 

- 1 حديث صحيح ، وهو مخرج في " تخريج فقه السيرة للغزالي " ( ص 478 الطبعة الرابعة ) ، وفي " الاحاديث الصحيحة " ( رقم 438 ) ولذلك أوردته في كتابي " صحيح الجامع الصغير وزيادته " يسر الله تعالى إتمامه بمنه وفضله .

2 من كلام ابن القيم رحمه الله في " الفصل الاول من الجنائز " من " زاد المعاد " ( 1 / 197 ) وتمامه : " ولما ضاق هذا المشهد ، والجمع بين الامرين على بعض العارفين ، يوم مات ولده ، جعل يضحك فقيل له ، أتضحك في هذه الحالة ؟ فقال : ان الله تعالى قضى بقضاء ، فأحببت أن أرضى بقضائه . فأشكل هذا على جماعة من أهل العلم ، فقالوا كيف يبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات إبنه إبراهيم ، وهو أرضي الحلق عن الله ، ويبلغ الرضى بهذا العارف إلى أن يضحك فسمعت شيخ الاسلام ابن تيمية يقول : هدي نبينا صلى الله عليه وسلم كان أكمل من هدي هذا العارف ، أعطى العبودية حقها ، فاتسع قلبه للرضى عن الله ورحمة الولد والرقة عليه ، فحمد الله ورضي عنه في قضائه ، وبكى رحمة ورأفة ، فحملته الرأفة على البكاء ، وعبوديته الله ، ومحبته الله الرضى والحمد . وهذا العارف ضاق قلبه عن اجتماع الامرين ولم يتسع باطنه لشهودهما ، والقيام بهما ، فشغلته عبودية الرضى عن عبودية الرحمة والرأفة " .

3 وكان منتظرا صدور الكتاب في 1385 بعد أن سبكت الحروف واعد للطبع ولكن توقف مطابع المكتب الاسلامي من ذي القعدة 1384 حتى منتصف ربيع الاول 1388 حال دون ذلك . والله على المستعان كل حال .

الناشر

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما يجب على المريض

 

1 - على المريض أن يرضى بقضاء الله ، ويصبر على قدره ، ويحسن الظن بربه ، ذلك خير له ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " عجبا لامر المؤمن ، إن أمره كله خير ، وليس ذاك لاحد إلا للمؤمن ، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له " . وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى " . رواهما مسلم والبيهقي وأحمد .

2 - وينبغي عليه أن يكون بين الخوف والرجاء ، يخاف عقاب الله على ذنوبه ، ويرجو رحمة ربه ، لحديث أنس : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو بالموت ، فقال : كيف تجدك ؟ قال : والله يارسول الله إني أرجو الله ، وإني أخاف ذنوبي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجتعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن ، إلا أعطاه الله ما يرجو ، وأمنه مما يخاف " . أخرجه ، الترمذي وسنده حسن ، وابن ماجه ، وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ( ص 24 / 25 ) وابن أبي الدنيا كما في " الترغيب " ( 4 / 141 ) .

3 - ومهما اشتد به المرض ، فلا يجوز له أن يتمنى الموت ، لحديث أم الفض رضي الله عنها : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليهم ، وعباس عم رسول الله يشتكي ، فتمنى عباس الموت ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم لا تتمن الموت ، فانك إن كنت محسنا ، فأن تؤخر تزداد إحسانا إلى إحسانك خير لك ، وإن كنت مسيئا فأن تؤخر فتستعتب من إساءتك خير لك ، فلاتتمن الموت " . أخرجه الحاكم ( 1/339 ) وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي . وإنما هو على شرط البخاري فقط ، وأخرجه الشيخان والبهقي ( 3/377 ) وغيرهم من حديث أنس مرفوعا نحوه ، وفيه :

" فإن كان لا بد فاعلا فليقل : الهم أحيي ما كانت الحياة خيرا لي : وتوفي إذا كانت الوفاة خيرا لي " .

4 - وإذا كان عليه حقوق فليؤدها إلى ، أصحابها ، إن تيسر له ذلك . وإلا أوصى بذلك ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : " من كانت عنده مظلمة لاخيه من عرضه1 أو ماله ، فليؤدها إليه ، قبل أن يأتي يوم القيامة لا يقبل فيه دينار ولا درهم " إن كان له عمل صالح أخذ منه ، وأعطي صاحبه ، وإن لم يكن له عمل صالح ، أخذ من سيئات صاحبه فحملت عليه " . أخرجه البخاري والبيهتي ( 3/369 ) وغيرهما .

وقال صلى الله عليه وسلم : " أتدرون ما المفلس ؟ قالوا : المفلس فينا من لا دراهم له ولا متاع ، فقال : إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وز كاة ، ويأتي قدشم هذا ، وقذف ، هذا ، وأكل مال هذا ، وسفك دم هذا ، وضرب هذا ، فيعطى هذا ، من حسناته ، وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ، ثم طرح في النار " رواه مسلم ( 8/ 18 )

وقال صلى الله عليه وسلم أيضا : " من مات وعليه دين ، فليس ثم دينار ولا درهم ، ولكنها الحسنات والسيئات " . أخرجه الحاكم ( 2/27 ) والسياق له وابن ماجه وأحمد ( 2/70 - 82 ) من طريقين عن ابن عمر ، والاول صحيح كما قال الحاكم ووافقه الذهبي ، والثاني حسن كما قال المنذري ( 3/34 ) ، ورواه الطبراني في الكبير بلفظ :

" الدين دينان ، فمن مات وهو ينوي قضاءه فأنا وليه ، ومن مات وهو لا ينوي قضاءه ، فذاك الذي يؤخذ من حسناته ، ليس يومئذ دينار ولا درهم " 2 .

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " لما حضر أحد ، دعاني أبي من الليل ، فقال : ما أراني إلا مقتولا في أول من يقتل من أصحاب صلى الله عليه وسلم ، وإني لا أترك بعدي أعز على منك غير نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن على دينا فاقض ، واستوص باخوتك خيرا . فأصبحنا ، فكان أول قتيل . . . . . . " الحديث . أخرجه البخاري .

5 - ولا بد من الاستعجال بمثل هذه الوصية لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين ، وله شئ يريد أن يوصي فيه إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه " .

قال ابن عمر : " ما مرت على ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذلك إلا وعندي وصيتي " . رواه الشيخان وأصحاب السنن وغيرهم .

6 - ويجب أن يوصي لاقربائه الذين لا يرثون منه ، لقوله تبارك وتعالى : { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والاقربين بالمعروف حقا على المتقين} . ( البقرة : 180 ) .

7 - وله أن يوصي بالثلث من ماله ، ولا يجوز الزيادة عليه ، بل الافضل أن ينقض منه لحديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال : " كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع ، فمرضت مرضا أشفيت منه على الموت ، فعادني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله إن لي مالا كثيرا ، وليس يرثي إلا ابنة لي ، أفأوصي بثلثي مالي ؟ قال : لا . قال : قلت : بشطر مالي ؟ قال : لا . قلت : فثلث مالي ؟ قال : الثلث ، والثلث كثير ، إنك يا سعد أن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس ( وقال بيده ) ، إنك يا سعد لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت عليها ، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك . ( قال : فكان بعد الثلث جائزا ) " . أخرجه أحمد ( 1524 ) والسياق له والشيخان والزيادتان لمسلم وأصحاب السنن .

وقال ابن عباس رضي الله عنه : " وددت أن الناس عضوا من الثلث إلى الربع في الوصية ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الثلث كثير " . أخرجه أحمد ( 2029 ، 2076 ) والشيخان والبيهقي ( 6/269 ) وغيرهم .

8 - ويشهد على ذلك رجلين عدلين مسلمين ، فان لم يوجدا فرجلين من غير المسلمين على أن يستوسق منهما عند الشك بشهادتهما حسبما جاء بيانه ، في قول الله تبارك تعالي{ يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اتنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الارض فأصابتكم مصيبة الموت ، تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله ، إنا إذا لمن الآثمين . فإن عثر على أنهما استحقا إثما3 فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الاوليان . فيقسمان بالله لثسهادتنا أحق من شهادتهما ، ما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين . ذلك أدنى أن يأتوا باالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ، والتقوا الله واسمعوا ، والله لا يهدي القوم الفاسقين } . ( المائدة 106 - 108 ) .

9 - وأما الوصية للوالدين والأقربين الذين يرثون من الموصي ، فلا تجوز ، لأنها منسوخة بآية الميراث ، وبين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم أتم البيان في خطبته في حجة الوداع فقال : " إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث " 4 أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه والبيهقي ( 6 / 264 ) وأشار لتقويته ، وقد أصاب ، فإن إسناده حسن ، وله شواهد كثيرة عند البيهقي و" مجمع الزوائد " ( 4 / 212 ) " .

10 - ويحرم الاضرار في الوصية ، كأن يوصي بحرمان بعض الورثة من حقهم من الارث ، أو يفضل بعضهم على بعض فيه ، لقوله تبارك وتعالى : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والاقربون . . . . مما قل أو كثر نصيبا مفروضا . . } ( 6 - 12 ) وفي الاخيرة منها : { من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار ، وصية من الله ، والله عليم حليم } . ولقوله صلى الله عليه وسلم : " لا ضرر ، من ضار ضاره الله ، ومن شاقه الله " . أخرجه الدار قطني ( 522 ) والحاكم ( 2/57 - 58 ) عن أبي سعيد الخدري ، ووافق الذهبي الحاكم : على قوله " صحيح على شرط مسلم " والحق أنه حديث حسن كما قال النووي في " الاربعين " وابن تيمية في " الفتاوى " ( 3/262 ) لطرقه وشواهده الكثيرة ، وقد ذكرها الحافظ ابن رجب في " شرح الاربعين " ( ص 219 ، 220 ) ثم خرجتها في " إرواء الغليل " رقم 888 )

11 - والوصية الجائرة باطلة مردودة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " وأحمد وغيرهم . ولحديث عمران بن حصين : " أن رجلا أعتق عند موته ستة رجلة5 فجاء ورثته من الاعراب ، فأخبر وارسول الله صلى الله عليه وسلم بما صنع ، قال : أو فعل ذلك ؟ قال : لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه ، قال : فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين ، ورد أربعة في الرق " . أخرجه أحمد ( 4/446 ) ومسلم بنحوه وكذا الطحاوي والبيهقي وغيرهم .

12 - ولما كان الغالب على كثير من الناس في هذا الزمان الابتداع في دينهم ، ولا سيما فيما يتعلق بالجنائز ، كان من الواجب أن يوصي المسلم بأن يجهز ويدفن على السنة عملا بقوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا ، وقودها الناس والحجارة ، عليها ملائكة غلاظ شداد ، لا يعصون الله ما أمرهم ، ويفعلون ما يؤمرون} ( سورة التحريم : 6 ) .

ولذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصون بذلك ، والاثار عنهم بما ذكرنا كثيرة ، فلا بأس من الاقتصار على بعضها :

أ - عن عامر بن سعد بن أبي وقاص أن أباه قال في مرضه الذي مات فيه : " ألحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا ، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخرجه مسلم والبيهقي ( 3/ 407 ) وغيرهما .

ب - عن أبي بردة قال : " أوصى إبو موسى رضي الله عنه حين حضره الموت قال : إذا انطلقتم بجنازتي فأسرعوا بي المشي ، ولا تتبعوني بمجمر ، ولا تجعلن على لحدي شيئا يحول بيي وبين التراب ، ولا تجعلن على قبري بناء ، وأشهدكم أني برئ من كل حالقة ، أو سالقة ، أو خارقة ، قالوا ، سمعت فيه شيئا ؟ قال : نعم ، من رسول الله صلى الله عليه وسلم " أخرجه أحمد ( 4/397 ) والبيهقي ( 3/395 ) بهذا التمام ، وابن ماجه بسند حسن .

ج - عن حذيفة قال : " إذا أنا مت فلا تؤذنوا بي أحدا ، فإني أخاف أن يكون نعيا ، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهي عن النعي " . أخرجه الترمذي ( 2/ 129 ) وقال : " حديث حسن " ، ورواه غيره بنحوه وسيأتي في " النعي " وفي الباب آثار أخرى تأتي في المسألة ( 47 ) .

ولما سبق قال النووي رحمه الله تعالى في " الاذكار " : " ويستحب له استحبابا مؤكدا أن يوصيهم باجتناب ما جرت العادة به من البدع في الجنائز ، ويؤكد العهد بذلك " .

 

***********************

 

1 العرض : موضع المدح والذم من الانسان سواء كان في نفسه أو من يلزمه أمره " نهاية " .

2 وهو حديث صحيح بما قبله ، وبحديث عائشة التي في آخر المسألة ( 17 ) .

3 أي فإن اتفق الاطلاع على أن الشاهدين المقسمين استحقا إثما بالكذب والكتمان في الشهادة ، أو بالخيانة وكتمان شئ من التركة في حالة ائتمانهما عليها فالواجب ، أو فالذي يعمل لاحقاق الحق هو أن ترد اليمين إلى الورثة بأن يقوم رجلان آخران مقامهما من أولياء الميت الوارثين له ، الذين استحق ذك الاثم بالاجرام عليهم ، والخيانة لهم . كذا في " تفسير المنار " ، وراجع تمام البحث فيه ( 7 / 222 ) .

4 فالناسخ إنما هو القرآن ، والسنة إنما هي مبينة لذلك كما ذكرنا ، وكما هو واضح من خطبته صلى الله عليه وسلم خلافا لما يظنه كثيرون أن الحديث هو الناسخ ، ثم استغل ذلك بعض المعاصرين فزعموا أن حديث الاحاد ينسخ القرآن فقد عرفت الجواب ، وهو أن الناسخ إنما هو القرآن ، ولو سلمنا أن الناسخ إنما هو الحديث ، فهو صالح للنسخ اتفاقا ، لان العلماء جميعا تلقوه بالقبول . على أنه حديث متواتر ، كما يعلم ذلك من وقف على طرقه الكثيرة المبثوثة في دواوين السنة ومسانيدها . ولعلنا نوفق لا ستخراجها وتحقيق الكلام عليها في جزء مفرد . ثم جمعت طرقه وخرجتها في " إرواء الغليل " رقم ( 16 ) فجاوزت طرقه العشرة ، عن ثمانية من الصحابة بعضها صحيح وبعضها حسن وبعضها منجبر الضعف .

5 جمع ( رجل )

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تلقين المحتضر

 

13 - فإذا حضره الموت ، فعلى من عنده أمور :

أ - أن يلقنوه الشهادة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " لقنوا موتا كم لا إله إلا الله ، ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر ، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه ) " . وكان يقول : " من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة " ، وفي حديث آخر : " من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة " . أخرجها مسلم في صحيحه ، والزيادة في الحديث الاول عند ابن حبان ( 719 موارد ) 1

ب ، ج - أن يدعوا له ، ولا يقولوا في حضوره إلا خيرا ، لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا حضرتم المريض أو الميت ، فقولوا خيرا ، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون " أخرجه مسلم والبيهقي ( 3 / 384 ) وغيرهما .

14 - وليس التلقين ذكر الشهادة بحضرة الميت وتسميعها إياه ، بل هو أمره بأن يقولها خلافا لما يظن البعض ، والدليل حديث أنس رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد رجلا من الانصار ، فقال : يا خال قل : لا إله إلا الله ، فقال : أخال أم عم ؟ فقال : بل خال ، فقال : فخير لي أن أقول : لا إله إلا الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : نعم " . أخرجه الامام أحمد ( 3 / 152 ، 154 ، 268 ) بإسناد صحيح على شرط مسلم .

15 - وأما قراءة سورة ( يس ) عنده ، وتو جيهه نحو القبلة فلم يصح فيه حديث ، بل كره سعيد بن المسيب توجيهه إليها ، وقال : " أليس الميت امرأ مسلما ؟ " وعن زرعة بن عبد الرحمن أنه شهد سعيد بن المسيب في مرضه وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن فغشي على سعيد ، فأمر أبو سلمة أن سلمة أن يحول فراشه إلى الكعبة . فأفاق ، فقال : حولتم فراشي ؟ فقالوا نعم ، فنظر إلى أبي سلمة فقال : أراه بعلمك2 ؟ فقال : أنا أمرتهم فأمر سعيد أن يعاد فراشه . إخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 76 ) بسند صحيح عن زرعة .

16 - ولا بأس في أن يحضر المسلم وفاة الكافر ليعرض الاسلام عليه ، رجاء . أن يسلم ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : " كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده ، فقعد عند رأسه ، فقال له : أسلم ، فنظر إلى أبيه وهو عنده ؟ فقال له أطع أبا القاسم صلى الله عليه وسلم فأسلم ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول : الحمد لله الذي أنقذه من النار ، ( فلما مات ، قال : صلوا على صاحبكم ) " . أخرجه البخاري والحاكم والبيهقي وأحمد ( 3/ 175 ، 227 ، 280,260 ) والزيادة له في رواية .

 

1 ولها شاهد من حديث معاذ بن جبل ، وسنده حسن كما بينته في " إرواء الغليل " ( 679 ) وسيأتي لفظه في علامات حسن الخاتمة " المسألة 25 " .

2 الاصل : ( علمك ) ولعل الصواب ما أثبتنا .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما على الحاضرين بعد موته

 

17 - فإذا قضى وإسلم الروح ، فعليهم عدة أشياء :

أ ، ب - أن يغمضوا عينيه ، وبدعوا له أيضا لحديث أم سلمة قالت : " دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة ، وقد شق بصره ، فأغمضه ثم قال : إن الروح إذا قبض تبعه البصر ، فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، فان الملائكة يؤمنون على ما تقولون ، ثم قال : اللهم اغفر لابي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه " . أخرجه مسلم وأحمد ( 6/297 ) والبيهقي 3/334 ) وغيرهم .

ج - أن يغطوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي الله عنها :

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببرد حبرة " . أخرجه الشيخان في صحيحيهما والبيهقي ( 3/ 385 ) وغيرهم .

د - وهذا في غير من مات محرما ، فإما المحرم ، فإنه لا يغطى رأسه ووجهه لحديث ابن عباس قال : " بينما رجل واقف بعرفة ، إذ وقع عن راحلته فوقصته ، أو قال : فأقعصته ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : اغسلوه بماء وسدر ، وكفنوه في ثوبين ( وفي رواية : في ثوبيه ) ولا تحنطوه ( وفي رواية : ولا تطيبوه ) ، ولا تخمروا رأسه ( ولا وجهه ) ، فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا " . أخرجه الشيخان في " صحيحيهما " وأبو نعيم في " المستخرج " ( ق 139 - 140 ) والبيهقي ( 3/390 ) وليست الزيادة عند البخاري

هـ - أن يعجلوا بتجهيزه وإخراجه إذا بان موته ، لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا : " أسرعوا بالجنازة . " الحديث ، وسيأتي بثمامه في الفصل ( 47 ) . وفي الباب حديثان آخران أصرح من هذا ، ولكنهما ضعيفان ولذلك أعرضنا عنهما1 .

و- أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه ، ولا ينقلوه إلى غيره ، لانه ينافي الاسراع المأمور به في حديث أبي هريرة المتقدم ، ونحوه حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " لما كان يوم أحد ، حمل القتلى ليدفنوا بالبقيع ، فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تدفنوا القتلى في مضاجعهم - بعدما حملت أمي أبي وخالي عديلين2 ( وفي رواية : عادلتهما ) ( على ناضح ) لتدفنهم تفي البقيع - فردوا ( وفي رواية قال : فرجعناهما مع القتلى حيث قتلت ) " . أخرجه أصحاب السنن الاربعة وابن حبان في صحيحه ( 196 - موارد ) والرواية الاخرى له ، وأحمد ( 3/297 - 380 ) والبيهقي ( 4/57 ) بإسناد صحيح ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " والزيادة لاحمد في رواية يأتي لفظها في المسألة الفصل ( 80 ) .

ولذلك قالت عائشة لما مات أخ لها بوادي الحبشة فحمل من مكانه : " ما أجد في نفسي ، أو يحزني في نفسي إلا أني وددت أنه كان دفن في مكانه " 3 أخرجه البيهقي بسند صحيح .

ز - أن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله ، ولو أتى عليه كله ، فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه ، فإن لم تفعل ، وتطوع بذلك بعضهم جاز ، وفي ذلك أحاديث :

الاول : عن سعد بن الاطول رضي الله عنه : " أن أخاه مات وترك ثلاثمائة درهم ، وترك عيالا ، قال : فأردت أن أنفقها على عياله ، قال : فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم : إن أخاك محبوس بدينه ( فاذهب ) فاقض عنه ( فذهبت فقضيت عنه ، ثم جئت ) قلت : يارسول الله ، قد قضيت عنه إلا دينار ين ادعتهما امرأة ، وليست لها بينة ، قال أعطها فإنها محقة ، ( وفي رواية : صادقة ) " . أخرجه ابن ماجه ( 2/ 82 ) وأحمد ( 4/ 136 ، 5/7 ) والبيهقي ( 10/ 142 ) وأحد إسناديه صحيح ، والاخر مثل إسناد ابن ماجه ، وصححه البوصيري في " الزوائد " وسياق الحديث والرواية الثانية للبيهقي وهي والزيادات لاحمد في رواية .

الثاني : عن سمرة بن جندب . " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ( وفي رواية : صلى الصبح ) فلما انصرف قال : أههنا من آل فلان أحد ؟ ( فقال رجل : هو ذا ) ، قال : فقام رجل بحر إزاره من مؤخر الناس ( ثلاثا لا بحيبه أحد ) ، ( فقا له النبي صلى الله عليه وسلم : ما منعك في المرتين الاولين أن تكون أجبتي ؟ ) أما إني لم أفوه باسمك إلا لخير ، إن فلانا - لرجل منهم - مأسور بدينه ( عن الجنة ، فان شئتم فافدوه ، وإن فأسلموه إلى عذاب الله ) ، فلو رأيت أهله ومن يتحرون أمره قاموا فقضوا عنه ، ( حتى ما أحد يطلبه بشئ ) " 4أخرجه أبو داود ( 2/ 84 ) والنسائي ( 2/233 ) والحاكم ( 2/25 ، 26 ) والبهقي ( 6/4/76 ) والطيالسي في مسنده ( رقم 891 ، 892 ) وكذا أحمد ( 5/11 ، 13 ، 20 ) بعضهم عن الشعبي عن سمرة ، وبعضهم أدخل بينهما سمعان بن مشنج ، وعلى الوجه الثاني صحيح فقط .

والرواية الاخرى للمسندين ، والزيادة الاول والثانية للحاكم ، وكذا الثالثة والخامسة ، وللبيهقي الثانية ، ولاحمد الثالثة والرابعة ، وللطيالسي الخامسة ، وله ولاحمد وأبي داود السادسة .

الثالث عن جابر بن عبد الله قال :

" مات رجل ، فغسلناه وكفناه وحنطناه ، ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز ، عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه ، فجاء معنا ، ( فتخطى ) خطى ، ثم : قال لعل على صاحبكم دينا ؟ قالوا نعم ديناران ، فتخلف ، ( قال : صلوا على صاحبكم ) ، فقال له رجل منا يقال له إبو قتادة : يا رسول الله هما علي ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : هما عليك وفي مالك ، والميت منهما برئ ؟ فقال : نعم ، فصلى عليه فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لقي إبا قتادة يقول : ( وفي رواية ثم لقيه من الغد فقال : ) ما صنعت الديناران ؟ ( قال : يارسول الله إنما مات أمس ) حتى كان آخر ذلك ( وفي الرواية الاخرى : ثم لقيه من الغد فقال : ما فعل الديناران ؟ ) قال : قد فضيتهما يا رسول الله ، قال الان حين بردت عليه جلده " 5 . أخرجه الحاكم ( 2/ 58 ) والسياق له والبيهقي ( 6/74 - 75 ) والطيالسي ( 1673 ) وأحمد ( 3/330 ) بإسناد حسن كما قال الهيثمي ( 3/39 ) وأما الحاكم فقال : " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي

والرواية الاخرى مع الزيادات عندهم جميعا إلا الحاكم ، إلا الزيادة الثانية فهي للطيالسي وحده .

 

 

تنبيهان

 

1 - أفاد هذا الحديث أن قضاء أبي قتادة للدين كان بعد صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على الميت . وهذا مشكل ، فقد صح عن أبي قتادة نفسه أنه قضاه قبل الصلاة كما سيأتي ذكره في المسألة ( 55 ) فقرة ( و) ، فان لم تحمل القصة على التعدد فرواية أبي قتادة أصح من حديث جابر ، لان فيه عبد الله بن محمد عقيل ، وفيه كلام ، وهو حسن الحديث فيما لم يخلف فيه ، وأما مع المخالفة فليس بحجة ، والله أعلم .

2 - أفادت هذه الاحاديث أن الميت ينتفع بقضاء الدين عنه ، بولو كان من غير ولده ، وأن القضاء يرفع العذاب عنه ، فهي من جملة المخصصات لعموم قوله تبارك وتعالى : ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الانسان النقطع عمله إلا من ثلاث . . " الحديث رواه مسلم والبخاري في الادب المفرد وأحمد ، ولكن القضاء عنه شئ والتصدق عنه شئ آخر ، فانه أخص من التصدق ، وإلا فالاحاديث التي وردت في التصدق عنه ، إنما موردها في صدقة الولد عن الوالدين ، وهو من كسبهما بنص الحديث ، فلا يحوز قياس الغريب عليهما ، لانه قياس مع الفارق مع الفارق كما هو ظاهر ، ولا قياس الصدقة على القضاء ، لانها أعم منه كما ذكرنا ، ولعلنا نتكلم عن هذه المسألة بشئ من التفصيل في آخر الكتاب إن شاء الله تعالى .

الحديث الرابع : عن جابر أيضا .

" أن أباه استشهد يوم أحد ، وترك ست بنات ، وترك عليه دينا ( ثلاثين وسقا ) ، ( فاشتد الغرماء في حقوقهم ) ، فلما حضره جداد النخل ، أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : يارسول الله قد علمت أن والدي استشهد يوم أحد وترك عليه دينا كثيرا ، وإني أحب أن يراك الغرماء ، قال : اذهب فبيدر كل تمر على حدة ، ففعلت ، ثم دعوت ، ( فغدا علينا حين أصبح ) ، فلما نظرو إليه أغروا بي تلك الساعة ، فلما رأى ما يصنعون أطاف حول أعظمها بيدرا ثلاثا ( ودعا في ثمرها بالبركة ) ، ثم جلس عليه ، ثم قال : ادع أصحابك ، فما زال يكيل لهم ، حتى أدى الله أمانة والدي6 ، وانا والله راض أن يؤدي الله أمانة والدي ، ولا أرجع إلى أخواتي بتمرة ، فسلمت والله البيادر كلها حتى اني أنظر إلى البيدر الذي عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه لم ينقص تمرة واحدة ، ( فوافيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللمغرب ، فذكرت ذلك له فضحك ، فقال : ائت أبا بكر وعمر فأخبرهما ، فقالا : لقد علمنا إذ صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع أن سيكون ذلك " .

أخرجه البخاري ( 5 /46 ، 171 ، 319 ، 6 /462 ، 46 ) والسياق مع الزيادات له ، ورواه بنحوه أبو داود ( 2/ 15 ) والنسائي ( 2 / 127 ، 128 ) والدارمي ( 1 /22 - 25 ) وابن ماجه ( 2/82 - 83 ) والبيهقي ( 6/64 ) وأحمد ( 3/ 313 ، 365, 373 ، 391 ، 397 ) مطولا ومختصرا . وفيه عند أحمد زيادات كثيرة ، لم أوردها خشية الاطالة .

الخامس عنه أيضا قال :

" كان رسول الله صلى عليه وسلم يقوم فيخطب ، فيحمد الله ، ويثي عليه بما هو أهل له ، ويقول : من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، إن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد ، وشر الامور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة ( وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) ، وكان إذا ذكر الساعة احمرت عيناه ، وعلا صوته واشتد غضبه ، كأنه منذر جيش ( يقول ) : صبحكم ومساكم ، من ترك مالا فلورثته ، ومن ترك ضياعا7 أو دينا فعلي ، وإلي ، وأنا ( أ ) ولى ( بـ ) المؤمنين ( وفي رواية : بكل مؤمن من نفسه ) " . أخرجه مسلم ( 3/11 ) والنسائي ( 1/234 ) والبيهقي في " السنن " ( 3/ 132 - 214 ) وفي " الاسمائك والصفات " ( ص 82 ) وأحمد ( 3/ 296 ، 311 ، 338 - 371 ) والسياق له ، وإبو نعيم في " الحلية " ( 3 / 189 ) ، والزيادة الاولى له ، وللنسائي والبيهقي وإسنادها صحيح على شرط مسلم ، والزيادة الثانية له وللبيهقي ، والثالثة والرابعة لاحمد ، والرواية الثانية لمسلم .

وفي الباب عن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما ، وسيأتي حديثه في المسألة ( 55 ) فقره ( و) الحدث الثاني .

السادس : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من حمل من أمتي دينا ، ثم جهد في قضائه فمات ولم يقضه فأنا وليه " . أخرجه أحمد ( 6/74 ) وإسناده صحيح على شرط الشيخين . وقال المذري ( 3/33 ) : " رواه أحمد بإسناد جيد وأبو يعلى والطبراني في الاوسط " ونحوه في " المجمع " ( 4/ 132 ) إلا أنه قال : " ورجال أحمد رجال الصحيح " 8

 

************************

 

1 أما الحديث الاول فهو عن ابن عمر مرفوعا ولفظه : " إذا مات أحدكم فلا تحبسوه ، وأسرعوا به إلى قبره ، وليقرأ رأسه بفاتحة البقرة ، رجليه بخاتمتها " .

أخرجه الطبراني " المعجم الكبيز " ( 3 / 208 / 2 ) والخلال في " القراءة عند القبود ، " ( ق 25 / 2 ) من طريق يحي بن عبد الله بن الضحاك البابلي ثنا أيوب بن نهيك الحلبي الزهري - مولى آل سعد بن أبي وقاص - قال : سمعت عطاء بن أبي رباح المكي قال : سمعت ابن عمر قال : فذكره . قلت : وهذا سند ضعيف وله علتان : الاول : البابلتي - ضعيف كما قال الحافظ في " التقريب " . الثانية : شيخه أيوب بن نهيك ، فانه أشد ضعفا منه ، ضعفه أبو حاتم وغيره ، وقال الازدي : متروك . وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وساق له الحافظ في " اللسان " حديثا آخر ظاهر النكاره من طريق يحيى بن عبد الله ثنا أيوب عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعا . ثم قال : " ويحي ضعيف ، لكنه لا يحتمل هذا " ثم قال : فإذا عرفت هذا فالعجب من الحافظ حيث قال في " الفتح " ( 3 / 143 ) في حديث الطبراني هذا : " إسناده حسن " ونقله عنه الشوكاني في " نيل الاوطار " ( 3 / 309 ) وقره وأما الهيثمي فقال " المجمع " ( 3 / 44 ) . " رواه الطبراني في الكبير ، وفيه يحيى بن عبد الله البابلتي وهو ضعيف " . وفاته أن فيه أيوب بن نهيك وهو شرمنه كما سبق . وأما الحديث الثاني فهو عن حصين بن وحوح : " أن طلحة بن البراء مرض ، فأتاه النبي صلى الله وسلم يعوده ، فقال : إني لا أرى طلحة إلا قد حدث به الموت ، فآذنوني به حتى أشهده فأصلي عليه ، وعجلوه ، فانه لا ينبغي لجيفة مسلم أن تحبس بين ظهراني أهله " .

أخرجه أبو داود والبيهقي ( 3 / 386 - 387 ) ، وفيه عروة - ويقال عزرة - ابن سعيد الانصاري عن أبيه ، وكلاهما مجهول كما قال الحافظ في " التقريب " . ثم إن الاستدلال بحديث أبي هريرة على ما ذكرنا إنما هو بناء على أن المراد ب‍ ( أسرعوا ) الاسراع بتجهيزها ، وأما على القول بأن المراد الاسراع بحملها إلى قبرها ، فلا يتم الاستلال به . وهذا القول هو الذي استظهره القرطبي ثم النووي ، وقوى الحافظ القول الاول بالحديثين الذين تكلمنا عنهما آنفا ، ولا يخفى ما فيه .

 

2 أي شددتهما على جنبتي البعير كا لعديلين .

 

3 قال النووي في " الاذكار " : " وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته ، فان النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الاكثرون ، وصرح به المحققون " .

 

4 وله شاهد من حديث ابن عباس ، رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( ق 156 / 2 ) بسند ضعيف .

 

5 أي بسبب رفع العذاب عنه بعد وفاء ديه .

 

6 أي وصيته إياه بقضاء الدين عنه ، أنطر حديثه في ذلك في الفصل الاول من المسألة الرابعة .

 

7 أي عيالا ، قال ابن الاثير : " وأصله مصدر ضاع يضيع ضياعا ، فسمى العيال يالمصدر كما تقول : من مات وترك فقرا ، أي فقراء "

 

8 وعزاه الشوكاني ( 4 / 21 ) لابن ماجه وهم ، فاني لم أجده عنده بعد مزيد البحث عنه ، ولم يورده النابلسي في " الذخائر " ولو كان عنده لعزاه إليه المذري ، ولما أورده الهيثمي في " المجمع " كما هو المعروف عند المشتغلين بهذا العلم الشريف .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما يجوز للحاضرين وغيرهم

 

18 - ويجوز لهم كشف وجه الميت وتقبيله ، والبكاء عليه ثلاثة أيام ، وفي ذلك أحاديث :

الاول : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : " لما قتل أبي ، جعلت أكشف الثوب عن وجهه أبكي ، ونهوني ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ، ( فأمر به النبي صلى الله عليه وسلم فرفع ) ، فجعلت عمي فاطمة تبكي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم تبكين ، أولا تبكين ، مازالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفعتموه " . أخرجه الشيخان والنسائي والبيهقي وأحمد ( 3/298 ) والزيادة لمسلم والنسائي .

الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أقبل أبوبكر رضي الله عنه على فرسه من مسكنه بـ ( السنح ) حتى نزل فدخل على المسجد ، ( وعمر يكلم الناس ) فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها ، فتيمم النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببردة جرة ، فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله ( بين عينيه ) ، ثم بكى فقال : بأبي أنت وأمي يا نبي الله " لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي عليك فقد متها ، وفي رواية : لقد مت الموتة التي لا تموت بعدها " . أخرجه البخاري ( 3 /89 ) والنسائي ( 1 /260 - 261 ) والزيادة له في رواية ، وابن حبان في صحيحه ( 2155 ) والبيهقي ( 3/ 406 ) وغيرهما .

الثالث : عن عائشة أيضا : " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على عثمان بن مظعون وهو ميت ، فكشف في وجهه ، ثم أكب عليه فقبله ، وبكى حتى رأيت الدموع تسيل على وجنتيه " . أخرجه الرمذي ( 2 / 135 ) وصححه والبيهقي وغيرهما ، وله شاهد بإسناد حسن يراجع في " مجمع الزوائد " ( 3 / 20 ) .

الرابع : عن أنس رضى الله عنه قال : " دخلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي سيف - وكان ظئرا1الابراهيم عليه السلام ، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم فقبله وشمه ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يجود بنفسه ، فجعلت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم تذرفان ، فقال له عبد الرحمن بن عوف : وأنت يا رسول الله ؟ فقال : يا ابن عوف إنها رحمة ، ثم أتبعها بأخرى فقال : إن العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون " . أخرجه البخاري ( 3/ 35 ) ومسلم والبيهقي ( 4/69 ) بنحوه .

الخامس : عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ، ثم أتاهم فقال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم . . " الحديث .

رواه أبو داود ( 2/124 ) والنسائي ( 2/292 ) وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وأخرجه أحمد بأتم منه ، وسيأتي لفظه في " التعزية " . إن شاء الله تعالى .

 

*******************

 

1 أي زوج مرضعة إبراهم عليه السلام .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما يجب على أقارب الميت

 

19 - ويجب على أقارب الميت يبلغهم خبرو وفاته أمران :

الاول : الصبر والرضا بالقدر لقوله تعالى : {ولنبلونكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الا موال والانفس والثمرات وبشر الصابرين . الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعو ن . أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة , وأولئك هم المهتدون} . ( البقرة : 155 - 157 )

، ولحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي ، فقال لها : اتقي الله واصبري ، فقالت : إليك عني ، فانك لم تصب بمصيبتي قال : ولم تعرفه فقيل لها : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذها مثل الموت ، فأتت باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تجد عنده بوابين ، فقالت : يا رسول الله إني لم أعرفك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الصبر عند أول الصدمة " أخرجه البخاري ( 3/ 115 - 116 ) ومسلم ( 3/40 - 41 ) والبيهقي ( 4/65 ) والسياق له . والصبر على وفاة الاولاد له أجر . عظيم ، وقد جاء في ذلك أحاديث كثيرة أذكر بعضها :

أولا : " لا يموت لاحد من المسلمين ثلاثة من تالولد فتمسه النار إلا تحلة القسم " . أخرجه الشيخان والبيهقي ( 67/4 ) عن أبي هريرة .

ثانيا : " مامن مسلمين يموت لهما ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخلهم الله وأبويهم الجنة بفضل رحمته ، قال : ويكونون على باب من أبواب الجنة ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة ، فيقولون : حتى يجئ أبوانا ، فيقال لهم : ادخلوا الجنة أنتم وأبوا كم بفضل رحمة الله " . أخرجه النسائي ( 1/ 265 ) والبيهقي ( 4/68 ) وغيرهما عنه ، وسنده صحيح على شرط الشيخين .

ثالثا : " أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا حجابا من النار ، قالت امرأة : واثنان ؟ قال : واثنان " . أخرجه البخاري ( 3/94 ) ومسلم والبيهقي ( 4/67 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .

رابعا : " إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الارض فصبر واحتسب بثواب دون الجنة " . أخرجه النسائي ( 1/ 264 ) عن عبد الله بن عمرو بسند حسن .

الامر الثاني : مما يجب على الاقارب : الاسترجاع ، وهو أن يقول : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) كما جاء في الآية المتقدمة ، ويزيد عليه قوله : " اللهم اجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها " لحديث أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" ما من مسلم تصبه مصيبة فيقول ما أمره الله ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) اللهم اجرني في معيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا أخلف الله له خيرا منها . قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ، أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم إني قلتها ، فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت : أرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له ، فقلت : إن لي بنتا وأنا غيور ، فقال : أما ابنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة " . أخرجه مسلم ( 3/37 ) والبيهقي ( 4/65 ) وأحمد ( 6/309 ) .

20 - ولا ينافي الصبر أن تمتنع المرأة من الزينة كلها ، حدادا على وفاة ولدها أو غيره إذا لم تزد على ثلاثة أيام ، إلا على زوجها ، فتحد أربعة أشهر وعشرا ، لحديث زينب بنت أبي سلمة قالت : " دخلت على أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر ( أن ) تحد على ميت فوق ثلاث ، إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا " ثم دخلت على زينب بنت جحش - حين توفي أخوها فدعت بطيب فمست ، ثم قالت : مالي بالطيب من حاجة ، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول . . " فذكرت الحديث . أخرجه البخاري ( 3 / 114 ، 9 400/400 - 401 ) .

21 - ولكنها إذا لم تحد على غير زوجها ، إرضاء للزوج وقضاء لوطره منها ، فهو أفضل لها ، ويرجى لهما من وراء ذلك خير كثير كما وقع لام سليم وزوجها أبي طلحة الانصاري رضي الله عنهما ، ولا بأس من أن أسوق هنا قصتهما في ذلك - على طولهما - لما فيها من الفوائد والعظات والعبر ، فقال أنس رضي الله عنه : " قال مالك أبو أنس لامرأته أم سليم - وهي أم أنس - : إن هذا الرجل - يعني النبي صلى الله عليه وسلم يحرم الخمر - فانطلق حتى أتى الشام فهلك هناك فجاء أبو طلحة ، فخطب أم سليم ، في كلمها في ذلك ، فقالت : يا أبا طلحة ما مثلك يرد ، ولكنك امرؤ كافر ، وأنا امرأة مسلمة لا يصلح لى أن أتزوجك فقال : ما ذاك دهرك ، قالت : وما دهري قال : الصفراء والبيضاء قالت : فإني لا أربد صفراء ولا بيضاء ، أريد منك الاسلام ، ( فإن تسلم فذاك مهري ، ولا أسألك غيره ) ، قال : فمن لي بذلك ؟ قالت : لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق أبو طلحة يريد النبي صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه ، فلما رآه قال : جاءكم أبو طلحة غرة الاسلام بين عينيه ، فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قالت أم سليم ، فتزوجها على ذالك ، قال ثابت ( وهو البناني أحد رواة القصة عن أنس ) فما بلغنا أن مهرا كان أعظم منه أنها رضيت الاسلام مهرا ، فتزوجها وكانت امرأة مليحة العينين ، فيها صغر ، فكانت معه حتى ولد له بني ، وكان يحبه أبو طلحة حبا شديدا . ومرض الصبي ( مرضا شديدا ) ، وتواضع أبو طلحة لمرضه أو تضعضع له ، ( فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة يتوضأ ، ويأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيصلى معه ، ويكون معه إلى قريب من نصف النهار ، ويجئ يقيل ويأكل ، فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب ، فلم يجئ إلى صلاة العتمة ) فانطلق أبو طلحة عشية إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( وفي رواية : إلى المسجد ) ومات الصبي فقالت أم سليم : لا يتعين إلى أبي طلحة أحد ابنه حتى أكون أنا الذي أنعاه له ، فهيأت الصبي ( فسجت عليه ) ، ووضعته ( في جانب البيت ) ، وجاء أبو طلحة من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل عليها ( ومعه ناس من أهل المسجد من أصحابه ) فقال : كيف ابني ؟ فقالت : يا أبا طلحة ماكان منذ اشتكى أسكن منه الساعة ( وأرجو أن يكون قد استراح ) فأتته بعشائه ( فقربته إليهم فتعشوا ، وخرج القوم ) ، ( قال فقال إلى فراشه فوضع رأسه ) ، ثم قامت فتطيبت ، ( وتصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك ) ، ( ثم جاءت حتى دخلت معه الفراش ، فما هو إلا أن وجد ريح الطيب كان منه ما يكون من الرجل إلي أهله ) ، ( فلما كان آخر الليل ) قالت : يا أبا طلحة أرأيت لو أن قوما أعاروا قوما علية لهم ، فسألو هم إياها أكان لهم أن يمنعو هم ؟ فقال : لا ، قالت فإن الله عزوجل كان أعارك ابنك عارية ، ثم قبضه إليه ، فاحتسب واصبر فغضب ثم قال : تركتني حتى إذا وقعت بما وقعت بما وقعت به نعيت إلي ابني ( فاسترجع ، وحمد الله ) ، ( فلما أصبح اغتسل ) ، ثم غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ( فصلى معه ) فأخبره ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، بارك الله لكما في غابر ليلتكما ، فثقلت منت ذلك الحمل ، وكانت أم سليم تسافر مع النبي صلى الله عليه وسلم ، تخرج إذا خرج ، وتدخل معه إذا دخل ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ولدت فأتوني بالصبي ، ( قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى المدينة من سفر لا يطرقها طروقا ، فدنوا من المدينة ، فضربها المخاض ، واحتبس عليها أبو طلحة ، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو طلحة : يا رب إنك لتعلم أنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج ، وأدخل معه إذا دخل ، وقد احتبست بما ترى ، قال : تقول أم سليم : يا أبا طلحة ما أجد الذي كنت أد فانطلقا قال : وضربها المخاض حين قدموا ) ، فولدت غلاما ، وقالت لابنها أنس : ( يا أنس لا يطعم شيئا حتى تغدوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ( وبعثت معه بتمرات ) ، قال : فبات يبكي ، وبت مجنحا1 عليه ، أكالئه حتى أصبحت ، فغدوت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ) ، ( وعليه بردة ) ، وهو يسم إبلاء أو غنما ( قدمت عليه ) ، فلما نظر إليه ، قال لانس : أولدت بنت ملحان ؟ قال : نعم ، ( فقال : رويدك أفرغ لك ) ، قال : فألقى ما في يده ، فتناول الصبي وقال : ( أمعه شئ ؟ قالوا : نعم ، تمرات ) ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم ( بعض ) التمر ( فمضغهن ، ثم جمع يزاقه ) ، ( ثم فغز فاه ، وأوجره إياه ) ، فجعل يحنك الصبي ، وجعل الصبي يتلمظ : ( يمص بعض حلاوة التمر وريق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على2ريق رسول اللله صلى الله عليه وسلم فقال : انظروا إلى حب الانصار التمر ، ( قال : قلت : يارسول الله سمه ، قال : ) ( فمسح وجهه ) وسماه عبد الله ، ( فما كان في الانصار شاب أفضل منه ) ، قال : فحرج منه رجل3 كثير ، واستشهد عبد الله بفارس ) " . أخرجه الطيالسي ( رقم 2056 ) والسياق له ، ومن طريقه البيهقي ( 4/65 - 66 وابن حبان ( 725 ) وأحمد ( 3/ 105 - 106 ، 181 ، 196 ، 287 ، 290 ) والزيادات كلها له كما سيأتي ، ورواه البخاري ( 3/ 132 - 133 ) ومسلم ( 6/ 174 - 175 ) مختصرا مقتصرا على قصة وفاة الصبي ، وروى النسائي ( 2/ 87 ) قسما من أوله ، والزيادة الاولى له ، والسادسة والثامنة والخامسة عشر والسادسة عشر للبخاري ، والتاسعة عشر والثانية والعشرون لمسلم ، وسائرها لاحمد كما سبق .

وقد عنيت عناية خاصة بجمع روايات هذه القصة وألفاظها ، لما فيها من روعة وجلالة ، وليأخذ القارئ عنها فكرة جامعة صادقة ، وذلك تتم العبرة والفائدة .

 

*********************

 

1 مائلا

2 كذا الاصل ، ولعل حرف ( على ) مقحم من بعض النساخ .

3 جمع راجل ، وهو ضد الفارس .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما يحرم على أقارب الميت

 

22 - لقد حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا كان ولا يزال بعض الناس يرتكبونها إذا مات لهم ميت ، فيجب معرفتها لا جتنابها ، فلا بد من بيانها :

أ - النياحة1 ، وفيها أحاديث كثيرة :

1 . " أربع في أمتي من أمر الجاهلية ، لا يتركونهن : الفخر في الاحساب ، والطعن في الانساب ، والاستسقاء بالنجوم ، والنياحة . وقال : النائحة إذا لم تتب قبل موتها ، تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ، ودرع من جرب " . رواه مسلم ( 3 / 45 ) والبيهقي ( 4/63 ) من حديث أبي مالك الاشعري .

2 . " اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب ، والنايحة على الميت " . رواه مسلم ( 1/58 ) والبيهقي ( 4 / 63 ) وغيرهما من حديث هريرة .

3 . " لما مات ابراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاح أسامة بن زيد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس هذا مني ، وليس بصائح حق ، القلب يحزن ، والعين تدمع ، ولا يغضب الرب " رواه ابن حبان ( 743 ) والحاكم ( 1/ 382 ) عن أبي هريرة بسند حسن .

4 . عن أم عطية قالت : " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مع البيعة ألا ننوح ، فما وفت منا امرأة ( تعني من المبايعات ) إلا خمس ، أم سليم ، أم العلاء ، وابنة أبي سبرة امرأة معاذ ، أو ابنة أبي سبرة ، وامرأة معاذ " . رواه البخاري ( 3/ 137 ) ومسلم ( 3/ 46 ) واللفظ له ، والبيهقي ( 4/ 62 ) وغيرهم .

5 . عن أنس بن مالك : " أن عمر بن الخطاب لما طعن عولت عليه حفصة ، فقال : يا حفصد أما حفصة أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : المعول عليه يعذب ؟ وعول عليه وفي أخرى : ( في قبره ) بما نيح عليه " . أخرجه البخاري ومسلم والسياق له والبيهقي ( 4 / 72 - 73 ) وأحمد ( رقم 268 ، 288 ، 290 ، 315 ، 334 ، 254 ، 386 ) من طرق عن عمر مطولا ومختصرا ، وروى ابن حبان في " صحيحه " ( 741 ) . قصة حفصة فقط .

6 . " إن الميت يعذب ببكاء أهله عليه " وفي رواية : " الميت يعذب في قبره بما نيح عليه " . أخرجه الشيخان وأحمد من حديث ابن عمر ، والرواية الاخرى لمسلم وأحمد ورواه ابن حبان في صحيحه ( 742 ) من حديث عمران بن حصين نحو الرواية الاولى .

7 . " من ينح عليه يعذب بما نيح عليه ( يوم القيامة ) " 2 أخرجه البخاري ( 3 / 126 ) ومسلم ( 3 / 45 ) والبيهقي ( 4 / 72 ) وأحمد ( 4/ 245 ، 252 ، 255 ) .

8 . عن النعمان بن بير قال : " أغمي على عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، فجعلت أخته عمرة تبكي : واجبلاه ، واكذا ، واكذا ، تعدد عليه ، فقال حين أفاق : ما قلت شيئا إلا قيل لي ، كذلك ؟ فلما مات لم تبك عليه " . أخرجه البخاري والبهقي ( 4 / 64 ) .

وفي الباب أحاديث أخرى ، نذكرها في الفقرة الآتية إن شاء الله تعالى

ب ، ج - ضرب الخدود ، وشق الجيوب لقوله صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من تلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ودعى بدعوى الجاهلية " . رواه البخاري ( 3 / 127 - 128 ، 129 ) ومسلم ( 1 / 70 ) وابن الجارود ( 257 ) والبيهقي ( 4 / 63 - 64 ) وغيرهم من حديث ابن مسعود .

د - حلق الشعر ، لحديث أبي بردة بن أبي موسى قال : " وجع أبو موسى وجعا فغشي عليه ، ورأسه في حجر امرأة من أهله ، فصاحت امرأة من أهله ، فلم يستطع أن يرد عليها شيئا ، فلما أفاق قال : إنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فان رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة3 ، والحالقة ، والشاقة " . أخرجه البخاري ( 3/129 ) ومسلم ( 1/70 ) والنسائي ( 1/ 263 ) والبيهقي ( 4 / 64 ) .

هـ - نشر الشعر ، لحديث امرأة من المبايعات قالت : " كان فيما أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المعروف الذي أخذ علينا أن لا نعصيه فيه ، وأن لانخمش وجها ولا ندعو ويلا ، ولا نشق جيبا ، وأن لا ننشر شعرا " . أخرجه إبو داود ( 2 / 59 ) ومن طريقه البيهقي ( 4 / 64 ) بسند صحيح .

و- إعفاء بعض الرجال لحاهم أياما قليلة حزنا على ميتهم ، فإذا مضت عادوا إلى حلقها فهذا الاعفاء في معنى نشر الشعر كما هو ظاهر ، يضاف إلى ذلك أنه بدعة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النا " . رواه النسائي والبيهقي في " الاسماء والصفات " بسند صحيح عن جابر

ر - الاعلان عن موته على رؤوس المنائر ونحوها ، لانه من النعي ، وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه : " كان إذا مات له الميت قال : لا تؤذنوا به أحدا ، إني أخاف أن يكون نعيا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي " . أخرجه الترمذي ( 2/ 129 ) وحسنه ، وابن ماجه ( 1 / 450 ) وأحمد ( 5 / 406 ) والسياق له والبيهقي ( 4 / 74 ) ، وأخرج المرفوع منه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 97 ) وإسناده حسن كما قال الحافظ في " الفتح " .

والنعي لغة : هو الاخبار بموت الميت ، فهو على هذا يشمل كل إخبار ، ولكن قد جاءت أحاديث صحيحة تدل على جواز نوع من الاخبار ، وقيد العلماء بها مطلق النهي ، وقالوا : إن المراد بالنعي الاعلان الذي يشبه ما كان عليه أهل الجاهلية من الصياح على أبواب البيوت والاسواق كما سيأتي ، ولذلك قلت :

 

********************************

 

1 وهو أمر زائد على البكاء . قال ابن ابن العربي : " النوح ما كانت الحاهلية تفعل ، كان النساء يقفن متقابلات يصحن ، ويحثين التراب على روءسهن ويضربن وجوههن " نقله الابي على مسلم .

2 في هذا الحديث بيان أن البكاء المذكور في الحديث الذي قبله ، ليس المراد به مطلق البكاء ، بل بكاء خاص وهو النياحة ، وقد أشار إلى هذا حديث عرم المتقدم في الرواية الثانية وهو قوله : " ببعض بكاء . . . " . ثم إن ظاهر هذا الحديث واللذين قبله مشكل ، لانه يتعارض مع بعض أصول الشريعة وقواعد ها المقررة في مثل قوله تعالى : " ولا تزر وازرد وزر أخرى " ، وقد اختلف العلماء في الجواب عن ذلك على ثمانيد أقوال ، وأقربها إلى الصواب قولان :

الاول : ما ذهب إليه الجمهور ، وهو أن الحديث محمول على من أوصى بالنوح عليه ، أو لم يوص بتركه مع علمه بأن الناس يفعلونه عادة . ولهذا قال عبد الله بن المبارك : " إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئا من ذلك بعد وفاته ، لم يكن عليه شئ " 1 . والعذاب عند هم بمعنى العقاب . والاخر : أن معنى " أي يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن ، وذلك في البرزخ ، وليس يوم القيامة . وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره ، ونصره ابن تيمية وابن القيم وغيرهما . قالوا : " ليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه ، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله : " السفر قطعة من العذاب " ، وليس هذا عقابا على ذنب ، وإنما هو تعذيب وتألم " . 2 . وقد يؤيد هذا قوله في الحديث ( 5 ، 6 ) : " في قبره " . وكنت أميل إلى هذا المذهب برهة من الزمن ، ثم بدا لي أنه ضعيف لمخالفته للحديث السابع الذي قيد العذاب بأنه " يوم القيامة " ، . عندهم بين هذا القيد والقيد الاخر في قوله " في قبره " ، بل يضم أحدهما إلى الاخر ، وينتج أنه يعذب في قبره ، ويوم القيامة . وهذا بين إيشاء الله تعالى .

1 - عمدة القارئ ( 4 / 74 ) .

2 - أنظر كلام ابن تيمية في " مجموعة الرسائل المنيرية " ( 2 / 209 ) وابن القيم في " التهذيب " ( 4 / 290 - 293 ) .

3 هي التي ترفع صوتها عند الفجيعة بالموت

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

النعي الجائز

 

23 - ويجوز إعلان الوفاة إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده من يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه ونحو ذلك ، وفيه أحاديث :

الاول : عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، خرج إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربعا " . أخرجه الشيخان وغيرهما ، وسيأتي ذكره بجميع زياداته من مختلف طرقه في المسألة ( 60 ) الحديث السابع .

الثاني : عن أنس قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " أخذ الرواية زيد فأصيب ، بثم أخذ جعفر فأصيب ، ثم أخذها عبد الله بن رواحة فأصيب - وإن عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم لتذرفان - ثم أخذها خالد بن الوليد من غير إمرة ففتح له " . أخرجه البخاري وترجم له والذي وقبله بقوله : " باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه " .

وقال الحافظ : " وفائدة هذاه الترجمة الاشارة إلى أن النعي ليس ممنوعا كله ، وإنما نهى عما كان أهل الجاهلية يصنعونه ، فكانوا يرسلون من يعلن بخبر موت الميت على أبواب الدور قلت : وإذا كان هذا مسلما ، فالصياح بذلك رؤوس المنائر يكون نعيا من باب أولى ، ولذلك جز منابه في الفقرة التي قبل هذه ، وقد يقترن به أمور أخرى هي في ذاتها محرمات أخر ، مثل أخذ الاجرة على هذا الصياح ومدح الميت بما يعلم أنه ليس كذلك ، كقولهم : " الصلاة على فخر الاماجد المكرمين ، وبقية السلف الكرام الصالحين . . . . . . "

24 - ويستحب للمخبر أن يطلب من الناس أن يستغفروا للميت لحديث أبي قتادة رضي الله عنه قال : " بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيش الامراء عليكم زيد بن حارثة ، فإن أصيب زيد فجعفر بن أبي طالب ، فإن أصيب جعفر فعبد الله بن رواحة الانصاري ، فوثب جعفر فقال : بأبي أنت وأمي يارسول الله ما كنت أرهب أن تستعمل علي زيدا ، قال : امضه فإنك لا تدري أي ذلك خير ، فانطلقوا ، فلبثوا ما شاء الله ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صعد المنبر ، وأمر أن ينادي الصلاة ب جامعة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ناب خير ، أو ثاب خير - شك عبد الرحمن - يعني ابن مهدي ) - ، ألا أخبر كم عن جيشكم هذا الغازي ؟ إنهم انطلقوا فلقوا العدو ، فأصيب زيد شهيدا ، فاستغفروا له - فاستغفر له الناس - ثم أخذ اللواء جعفر بن أبي طالب ، فشد على القوم حتى قتل شهيدا ، أشهد له بالشهادة ، فاستغفروا له ، ثم أخذ اللواء عبد الله بن رواحة ، فأثبت قدميه حتى قتل شهيدا ، فاستغفروا له ، ثم أخذا اللواء خالد بن الوليد - ولم يكن من الامراء ، بهو أمر نفسه - ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبعيه فقال : اللهم هو سيف من سيوفك ، فانصره - فمن يومئذ سمي خالد سيف الله - ثم قال : انفروا فأمدوا إخوانكم ، ولا يتخلفن أحد : فنفر الناس في حر شديد مشاة وركبانا " . أخرجه أحمد ( 5/299 ، 300 - 301 ) وإسناده حسن .

وفي الباب عن أبي هريرة وغيره في قوله صلى الله عليه وسلم لما نعي للناس النجاشي : " استغفروا لاخيكم " وسيأتي في المسألة ( 60 ) ص 87 - 88 1

 

********************

 

1 ومما سبق تعلم أن قول الناس اليوم في بعض البلاد : " الفاتحة على روح فلان " مخالف للسنة المذكورة ، فهو بدعة بلا شك ، لا سيما والقراءة لا تصل إلى الموتى على القول الصحيح كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

علامات حسن الخاتمة

 

25 - ثم إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة . - كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه - فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ، ويا لها من بشارة .

الاولى : نطقه بالشهادة عند الموت وفيه أحاديث .

1 . " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " . أخرجه الحاكم وغيره بسند حسن عن معاذ . وله شاهد من حديث أبي هريرة تقدم في " اللقين " فقرة ( أ ) ص 10

2 . عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : " رأى عمر طلحة بن عبيد الله ثقيلا ، فقال : مالك يا أبا فلان ؟ لعلك ساءتك امرأة عمك يا إبا فلان ؟ قال : لا - ( وأثنى على أبي بكر ) إلا أني سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثا ما منعني أن أسأله عنه إلا القدرة عليه حتى مات ، سمعته يقول : إني لاعلم كلمة لا يقولها عبد عند موته إلا أشرق لها لونه ، ونفس الله عنه كربته ، قال : فقال عمر : إني لاعلم ماهي قال : وما هي ؟ قال : تعلم كلمة أعظم من كلمة أمر بها عمه عند الموت : لا إله الله ؟ قال طلحة : صدقت ، هي والله هي " . أخرجه الامام أحمد ( رقم 1384 ) وإسناده صحيح ، وابن حبان ( 2 ) بنحوه ، والحاكم ( 1 / 350 ، 351 ) والزيادة له ، وقال " صحيح على شرطهما " ووافقه الذهبي .

وفي الباب أحاديث ذكرت في " التلقين " .

الثانية : الموت برشح الحبين ، لحديث بريدة بن الخصيب رضي الله عنه : " أنه كان بخراسان ، فعاد أخا له وهو مريض ، فوجده بالموت ، وإذا هو بعرق جبينه ، فقال : الله أكبر ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : موت المؤمن بعرق الجبين " . أخرجه أحمد ( 5/357 ، 360 ) والسياق له ، والنسائي ( 1/259 ) والترمذي ( 2/128 ) وحسنه ، وابن ماجه ( 1/ 443 - 444 ) وابن حبان ( 730 ) والحاكم ( 1/761 ) والطيالسي ( 808 ) وقال الحاكم : " صحيح عل شرط مسلم " ووافقه الذهبي وفيه نظر لا مجال لذكره هنا ، لا سيما وأن أحد إسنادي النسائي صحيح على شرط البخاري .

وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . رواه الطبراني في " الاوسط " و" الكبير " ورجاله ثقات رجال الصحيح ، كما في " المجمع " ( 2 / 325 ) .

الثالثة : الموت ليلة الجمعة أو نهارها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يموت يوم الجمعة ، أليلة الجمعة ، إلا وقاه الله فتنة القبر " . أخرجه أحمد ( 6582 - 6646 ) من طريقين عن عبد الله بن عمرو ، والترمذي من أحد الوجهين ، وله شواهد عن أنس وجابر بن عبد الله ، وغيرهما ، فالحديث بمجموع طرقه حسن أو صحيح1 .

الرابعة : الاستشهاد في ساحة القتال ، قال الله تعالى : {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ، بل أحياء عند ربهم يرزقون . فرحين بما آتاهم الله من فضله ، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون . يستبشرون بنعمة من الله وفضل ، وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} ( ال عمران : 169 ) .

وفي ذلك أحاديث :

1 . " للشهيد عند الله ست خصال : يغفر له في إول دفعة من دمه ، ويرى مقعده من الجنة ، ويجار من عذاب القبر ، ويأمن الفزع الاكبر ، ويحلى حلية الايمان ، ويزوج من الحور العين ، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه " . أخرجه الترمذي ( 3/17 ) وصححه ، وابن ماجه ( 2/ 184 ) وأحمد ( 131 ) وإسناده صحيح ، ثم أخرجه ( 4/200 ) من حديث عبادة بن الصامت ومن حديث قيس الجذامي ( 4/200 ) وإسنادهما صحيح أيضا .

2 . عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " أن رجلا قال : يارسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة " . رواه النسائي ( 1/289 ) وعنه القاسم السرقسطي في " الحديث " ( 2/165/1 ) وسنده صحيح .

( تنبيه ) : ترجى هذه الشهادة لمن سألها مخلصا من قلبه ولو لم يتيسر له الاستشهاد في المعركة ، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم : " من سأل الله الشهادة بصدق ، بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه " . أخرجه مسلم ( 2/49 ) والبيهقي ( 9/169 ) عن أبي هريرة . وله في " المستدرك " ( 2/ 77 ) شواهد .

الخامسة : الموت غازيا في سبيل الله ، وفيه حديثان :

1 . " ما تعدون الشهيد فيكم ؟ قالوا : يارسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، قال : إن شهداء أمتي إذا لقليل ، قالوا : فمن هم يارسول الله ؟ قال : من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد ومن مات في الطاعون فهو شهيد ، ومن ما في البطن2 فهو شهيد ، والغريق شهيد " . أخرجه مسلم ( 6/51 ) وأحمد ( 2/522 ) عن أبي هريرة . وفي الباب عن عمر عند الحاكم ( 2/109 ) والبيهقي .

2 . " من فصل ( أي خرج ) في سبيل الله فمات أو قتل فهو شهيد ، بأو وقصه فرسه أو بعيره ، أو لدغته هامة ، أو مات على فراشه بأي حتف شاء الله فإنه شهيد وإن له الجنة " . أخرجه أبو داود ( 1/391 ) والحاكم ( 2/ 78 ) والبيهقي ( 9/ 166 ) من حديث أبي مالك الاشعري ، وصححه الحاكم ، وإنما هو حسن فقط .

السادسة : الموت بالطاعون ، وفيه أحاديث :

1 . عن حفصة بنت سيرين : قال لي أنس بن مالك : بم مات يحيى بن أبي عمرة ؟ قلت : بالطاعون ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الطاعون شهادة لكل مسلم " . أخرجه البخاري ( 10 / 156 - 157 ) والطيالسي ( 2113 ) وأحمد ( 3/ 150 ، 2 20 ، 223 ، 258 - 265 ) .

2 . عن عائشة أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الطاعون ؟ فأخبرها نبي الله صلى الله عليه وسلم : " انه كان عذابا يبعثه الله على من يشاء ، فجعله الله رحمة للمؤمنين ، فليس من عبد يقع الطاعون ، فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ماكتب الله له ، إلا كان له مثل أجر الشهيد . أحرجه البخاري ( 10/157 - 158 ) والبيهقي ( 3/376 ) وأحمد ( 6/64 ، 145 ، 252 )

3 . " يأتي الشهداء والتوفون بالطاعون ، فيقول أصحاب الطاعون : نحن شهداء ، فيقال : انظروا فإن كانت جراحهم كجراح الشهداء تسيل دما ريح المسك ، فهم شهداء ، فيجدونهم كذلك " . أخرجه الامام أحمد ( 4 / 185 ) والطبراني في " الكبير " ( مجموع 6 / 55 / 2 ) بسند حسن كما قال الحافظ ( 10 / 159 ) عن عتبة بن عبد السلمي رضي الله عنه .

وله شاهد من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه أخرجه النسائي ( 2/63 ) وأحمد ( 4/ 128 ، 129 ) والطبراني وحسنه الحافظ أيضا ، وهو حسن في الشواهد .

وفي الباب عن أبي هريرة ، وتقدم في " الفقرة الخامسة " الحديث الاول ، ويأتي أيضا في " الثامنة والتاسعة ، وعن عبادة ويأتي في " العاشرة " .

السابعة : الموت بداء البطن ، وفيه حديثان :

1 . " . . . ومن مات في البطن فهو شهيد " . رواه مسلم وغيره ، وتقدم بتمامه في " الخامسة " .

2 . عن عبد الله بن يسار قال : " كنت جالسا وسليمان بن صرد وخالد بن عرفطة ، فذ كروا رجلا توفي ، مات ببطنه ، فإذا هما يشتهيان أن يكونا شهداء جنازته فقال أحمد هما للاخر : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من يقتله بطنه فلن يعذب في قبره " ؟ فقال الاخر : بلى وفي رواية " صدقت " . أخرجه النسائي ( 1 / 289 ) والترمذي ( 2 / 160 ) وحسنه ، وابن حبان في صحيحه ( رقم 728 - موارد ) والطيالسي ( 1288 ) وأحمد ( 4 / 262 ) وسنده صحيح .

الثامنة والتاسعة : الموت بالغرق والهدم ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الشهداء خمسة : المطعون ، والمبطون ، وصاحب الهدم ، والشهيد في سبيل الله " . أخرجه البخاري ( 6 / 33 - 34 ) ومسلم ( 6 / 51 ) والترمذي ( 2 / 159 ) وأحمد ( 2 / 325 ، 533 ) من حديث أبي هريرة .

العاشرة : موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها ، لحديث عبادة بن الصامت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد عبد الله بن رواحة قال : فما تحوز3 له عن فراشه ، فقال : أتدري من شهداء أمتي ؟ قالوا : قتل المسلم شهادة ، قال : إن شهداء أمتي إذا لقليل قتل المسلم شهادة ، والطاعون شهادة والمرأة يقتلها ولدها جمعاء4 شهادة ، ( يجرها ولدها بسرره5 إلى الجنة ) " . أخرجه إحمد ( 4 / 201 - 5 / 323 ) والدارمي ( 2 / 208 ) والطيالسي ( 582 ) وإسناده صحيح .

وله في " المسند " ( 4 / 315 ، 317 ، 328 ) طرق أخرى .

وفي الباب عن صفوان بن إمية عند الدارمي والنسائي ( 1/289 ) وأحمد ( 6/ 465 ) - 466 ) .

وعن عقبه بن عامر 7 عند النسائي ( 2 / 62 - 63 ) .

وعن راشد بن حبيش عند أحمد ( 3 / 289 ) ، ورجاله ثقات ، وقال المذري في " الترغيب " ( 2 / 201 ) : " إسناده وفيه الزيادة وهي في حديث عبادة عند الطيالسي وأحمد .

وعن جابر بن عتبك ويأتي لفطه في الفقرة الاتية :

الحادية عشر ، والثانية عشر : الموت بالحرق ، وذات الجنب6 وفيه أحاديث ، أشهرها عن جابر بن عتيك مرفوعا : " الشهداء سبعة سوى القتل في سبيل الله : المطعون شهيد ، والغرق شهيد ، وصاحب ذات الجنب شهيد ، والحرق شهيد ، والذي يموت تحت الهدم شهيد ، والمرأة تموت بجمع7 شهيدة " . أخرجه مالك ( 1/232 - 233 ) وإبو داود ( 2/26 ) والنسائي ( 1/261 ) وابن ماجه ( 2/ 185 - 186 ) وابن حبان في صحيحه ( 1616 - موارد ) والحاكم ( 1/ 352 ) وأحمد ( 5/446 ) وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي

ولست أشك في صحة متنه ، لان له شواهد كثيرة ، تقدم أكثرها وروي الطبراني من حديث ربيع الانصاري مرفوعا به نحوه دون ذكر الهدم . قال المنذري وتبعه الهيثمي ( 5/ 300 ) : " ورواته مجتج بهم في الصحيح " .

وروى أحمد ( 4/ 15 7 ) من حديث عقبة بن عامر مرفوعا بلفظ : " الميت من ذات الجنب شهيد " .

وسنده حسن في الشواهد ، وقا جاءت هذه الجملد في بعض طرق حديث أبي هريرة المتقدم في " الخامسة " 7 أخرجه أحمد ( 2/441 - 442 ) وفيه محمد بن اسحاق وهو مدلس وقد عنعنه .

الثالثة عشر : الموت بداء السل لقوله صلى الله عليه وسلم : " القتل في سبيل الله شهادة ، والنفساء شهادة ، والحرق8شهادة والغرق شهادة ، والسل شهادة ، والبطن شهادة " . قال في " مجمع الزوائد " ( 2/317 - 301 ) : " رواه الطبراني في الاوسط ، وفيه مندل بن علي ، وفيه كلام كثير وقد وثق " . فقد زاد فيه أحمد في رواية له : " والسل " .

ورجاله موثقون ، وحسنه المنذري كما سبق ، وله شاهد آخر في " المجمع " .

الرابعة عشر : الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه ، وفيه أحاديث :

1 . " من قتل دون ماله ، ( وفي رواية : من أريد ماله بغير حق فقاتل ، فقتل ) فهو شهيد " . أخرجه البخاري ( 5 / 93 ) ومسلم ( 1 / 87 ) وإبو داود ( 2/285 ) والنسائي ( 2/173 ) والترمذي ( 2/ 315 ) وصححه وابن ماجه ( 2 / 123 ) وأحمد ( 16 68 ، 6823 ، 6829 ) كلهم بالرواية الثانية إلا البخاري ومسلم فبالاولى ، وهي رواية للنسائي والترمذي وأحمد ( 6822 ) عن عبد الله بن عمرو .

وفي الباب عن سعيد بن زيد ، ويأتي في الخامسة عشرة :

2 . عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : يارسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك ، قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قاتله ، قال : أرأيت إن قتلني ، قال : فأنت شهيد ، قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار " . أخرجه مسلم ( 1/87 ) ، وأخرجه النسائي ( 2/173 ) وأحمد ( 1/339 - 360 ) من طريق أخرى عنه .

3 . عن مخارق رضي الله عنه . " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الرجل يأتيي فيريد مالي ؟ قال : ذكره بالله ، قال فإن لم يذكر ؟ قال : فاستعن عليه السلطان ، قال : فإن نأى السلطان عني ( وعجل علي ) ؟ قال : قاتل دون ملك حتى تكون من شهداء الاخرة ، إو تمنع مالك " . أخرجه النسائي وأحمد ( 5/294 ، 294 ، 295 ) والزيادة له وسنده صحيح على شرط مسلم .

الخامسة عشر ، والسادسة عشر : الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس ، وفيه حديثان :

1 . " من قتل دون ماله فهو شهيد ، ومنت قتل دون أهله فهو شهيد ، ومن قتل دون دينه فهو شهيد ، بومن قتل دون دمه فهو شهيد " . أخرجه أبو داود ( 2 / 275 ) والنسائي والترمذي ( 2 / 316 ) وصححه ، وأحمد ( 1652 ) 1653 ) عن سعيد بن زيد ، وسنده صحيح .

2 . " من قتل دون مظلمته فهو شهيد " 9 . أخرجه النسائي ( 2 / 173 - 174 ) من حديث سويد بن مقرن ، وأحمد ( 2780 ) من حديث ابن عباس ، وإسناده صحيح إن سلم من الانقطاع بين سعد بن ابراهيم ابن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس ، لكن أحد الطريقين يقوى الاخرى ، وفي الاولى من لم يوثقه غير ابن حبان .

السابعة عشرة : الموت مرابطا في سبيل الله ، ونذكر فيه حديثين :

1 . " رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه ، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله ، وأجري عليه رزقه ، وأمن الفتان " . رواه مسلم ( 6/51 ) والنسائي ( 2/ 62 ) والترمذي ( 3/18 ) والحاكم ( 2/80 ) وأحمد ( 5/440 ، 441 ) من حديث سلمان الفارسي ، ورواه الطبراني وزاد : " وبعث يوم القيامة شهيدا " . لكن في سنده من لم يعرفهم الهيثمي في " مجمعه " ( 5/290 ) ، وسكت عليه المنذري في " ترغيبه " ( 2/150 ) .

2 . " كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطا في سبيل الله ، فإنه ينمى له عمله إلى يوم القيامة ، ويأمن فتنة القبر " . أخرجه إبو داود ( 1 / 391 ) والترمذي ( 3 / 2 ) وصححه ، والحاكم ( 2 / 144 ) وأحمد ( 6 / 20 ) من حديث فضالة بن عبيد ، وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين "

الثامنة عشر : الموت على عمل صالح لقوله صلى الله عليه وسلم " من قال : لا إله إلا الله : " من قال : لا إله إلا الله ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة ، ومن تصدق بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة " أخرجه أحمد ( 5/391 ) عن حذيفة قال : " سندت : النبي صلى الله عليه وآله وإلى صدري فقال " فذكره . وإسناده صحيح ، قال المنذري ( 2/61 ) " لا بأس به " .

 

*******************

 

1 راجع " تحفة الاحوذي "

2 أي بداء البطن وهو الاستسقاء وانتفاخ البطن . وقيل : هو الاسهال ، وقيل : الذي يشتكي بطنه .

3 بالحاء المهملة والواو المشددة ، أي : تنحى .

4 هي التي تموت ، وفي بطنها ولد . انظر كلام " النهاية " في التعليق الاتي قريبا .

5 السرة ما يبقى بعد القطع مما تقطعه القابلة ، والسرر ما تقطعه ، وهو السر بالضم أيضا .

6 هي ورم حار يعرض في الغشاء المستبطن للاضلاع .

7 في " النهاية " : " إي تموت وفي بطنها ولد ، وقيل التي تموت بكرا ، والجمع بالضم بمعنى المجموع ، كذخر بمعنى المذخور ، وكسر الكسائي الجيم ، والمعنى أنها ماتت مع شئ مجموع فيها غير منفصل عنها من حمل أو بكارة " قلت : والمراد هنا الحمل قطعا بدليل الحديث المتقدم في " العاشرة " بلفظ " يقتلها ولدها جمعاء " .

8 بفتحتين ، وكذا ( الغرق ) ب ، كما في " حاشية المسند " ( ق 301 / 1 ) مكتبة شيخ الاسلام في المدينة

9 ) قلت : وهذا بإطلاقه يشمل الانواع الاربعة المذكورة في الحديث الاول وغيرها .

ثناء الناس على الميت

 

26 - والثناء بالخير على الميت من جمع من المسلمين الصادقين ، أقلهم اثنان ، من جيرانه العارفين به من ذوي الصلاح والعلم موجب له الجنهة ، وفيه أحاديث :

1 . عن أنس رضي الله عنه قال : " مر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازة ، فأثنى عليها خيرا ، ( وتتابعت الالسن بالخير ) ، ( فقالوا : كان - ما علمنا - يجب الله ورسوله ) ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت وجبت ، ومر بجنازة فأثني عليها شرا ، ( وتتابعت الالسن لها بالشر ) ، ( فقالوا : بئس المرء كان في دين الله ) ، فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : وجبت وجبت وجبت ، فقال عمر : فدى لك أبي وإمي ، مر بجنازة فأثني عليها شرا ، فقلت : وجبت وجبت وجبت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أثنيتم عليه خيرا وجبت له الجنة ، ومن أثنيتم عليه شرا وجبت له النار ، ( الملائكة شهداء الله في السماء ، و) أنتم شهداء الله في الارض ، أنتم شهداء الله في الارض ، أنتم شهداء الله في الارض ، ( وفي رواية : والمؤمنون شهداء الله في الارض ) ، ( إن الله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر ) " . أخرجه البخاري ( 3/ 177 - 178 ، 5/ 192 - 193 ) ومسلم ( 3/ 53 ) والنسائي ( 1/273 ) والترمذي ( 2/158 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1/ 454 ) والحاكم ( 1 / 377 ) والطيالسي ( 2062 ) وأحمد ( 3 / 179 ، 186 ، 197 ، 211 ، 245 ، 281 ) من طرق عن أنس ، والسياق لمسلم ، والرواية الاخرى لاين ماجه ، ورواية لاحمد والبخاري ، والزيادات كلها إلا التي قبل الاخيرة لا حمد ، وللبخاري وللبخاري الاولى منها ، وللحاكم الاخيرة وصححها ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا . وأخرجه أبو داود ( 2 / 72 ) والنسائي وابن ماجه والطيالسي ( 2388 ) وأحمد ( 2/261 ، 466 ، 470 ، 498 ، 528 ) من طريقين عن أبي هريرة ، والزيادة الاخيرة للنسائي عنه ، وإسنادها صحيح ، والطريق الاخرى إسنادها حسن .

2 . عن أبي الاسود الديلي قال : " أتيت المدينة ، وقد بها مرض ، وهم يموتون موتا ذريعا ، فجلست إلى عمر ابن الخطاب رضي الله عنه ، فمرت جنازة ، فأثنى خيرا ، فقال عمر : وجبت ، وفقلت : ما وجبت يا أمير المؤمنين ؟ قال : قلت كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أيما مسلم شهد له أربعة بخير أدخله الله الجنة ، قلنا : وثلاثة قال : وثلاثة قال : قلنا واثنان ؟ قال : واثنان ، ثم لم نسأله في الواحد " . أخرجه البخاري والنسائي والترمذي وصححه البيهقي ( 4 / 75 ) والطيالسي ( رقم 23 ) وأحمد ( رقم 129 ، 204 ) .

3 . " مامن مسلم يموت فيشهد له أربعة من أهل أبيات جيرانه الاذنيين أنهم لا يعلمون منه إلا خيرا ، إلا قال الله تعالى وتبارك : قد قبلت قولكم ، أو قال : بشهادتكم ، وغفرت له مالا تعلمون " 1 أخرجه أحمد ( 3/ 242 ) والحاكم ( 1/ 378 ) وقال : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي

وله شاهد من حديث أبي هريرة :

أخرجه أحمد ( 2 / 408 ) وفيه شيخ من أهل العلم لم يسم ، والراوي عنه عبد الحميد ابن جعفر الزيادي ولم أجد له ترجمة .

وله شاهد آخر مرسل عن بشر بن كعب .

أخرجه أبو مسلم الكجي كما في " الفتح " ( 3 / 179 ) .

الوفاة عند الكسوف

27 - وإذا اتفق وفاة أحد مع انكساف الشمس أو القمر ، فلا يدل ذلك على شئ ، واعتقاد أنه يدل على عظمة المتوفي من خرافات الجاهلية التي أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه ابراهيم عليه السلام ، وانكسفت الشمس فخطب الناس وحمد الله

وأنثى عليه ، ثم قال : " أما بعد ، أيها الناس ، إن أهل الجاهلية كانوا يقولون إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم ، وإنهما آيتان من آيات الله ، لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ، ولكن يخوف الله به عباده ، فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره . ودعائه واستغفاره ، وإلى الصدقة والعتاقة والصلاة في المساجد حتى تنكشف " . هذا السياق ملتقط من جملة أحاديث سقتها في كتاب لي في " صلاة الكسوف " تكلمت فيه على طرقها وألفاظها ، ثم جمعت في آخره خلاصتها في سياق واحد وهذا القدر منه . وجله في " الصحيحين " " والسنن " .****

1 إعلم أن مجموع هذه الاحاديث الثلاثة يدل هذه الشهادة لا تختص بالصحابة ، بل هي أيضا لمن بعدم من المؤمنين الذين هم على طريقهم في الايمان والعلم والقدق وبهذا جزم الحافظ ابن حجر في " الفتح " فليراجع كلامه من شاء المزيد من اليان . ثم إن تقييد الشهادة بأربع في الحديث الثالث ، الظاهر أنه كان قبل حديث عمر قبله ، ففيه الاكتفاء بشهادة اثنين ، وهو العمدة . هذا ، وأما قول بعض الناس عقب صلاة الجنازة : " ما تشهدون فيه . اشهدوا له بالخير " فيجيبونه بقولهم صالح . أو من أهل الخير ، ونحو ذلك ، فليس هو المراد بالحديث قطعا ، بل هو بدعة قبيحة ، لانه لم يكن من عمل السلف ، ولان الذين يشهدون بذلك لا يعرفون الميت في الغالب ، بل قد يشهدون بخلاف ما يعرفون استجابة لرغبة طالب الشهادة بالخير ، ظنا منهم أن ذلك ينفع الميت ، وجهلا منهم بأن الشهادة النافعة إنما هي التي توافق الواقع في نفس المشهود له ، كما يدل على ذلك قوله في الحديث الاول " إن لله ملائكة تنطق على ألسنة بني آدم بما في المرء من الخير والشر " .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية

  مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية ( وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه م...