حذف 12. صفحة من مدونتي

12. صفحة تحذفهم با مفتري حسبي الله ونعم الوكيل

Translate

الاثنين، 4 مارس 2024

ج1.كتاب الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب المجلد الأول

 

💦💦💦💦


ج1. كتاب الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب
 

المجلد الأول

كتاب الطهارة ( ا )
1 - المياه : ( وأنزلنا من السماء ماء طهورا . لنحيي به بلدة ميتا ونسقيه مما خلقنا أنعاما وأناسي كثيرا ( [ الفرقان : 48 - 49 ] .
طهورية ماء البحر .
طهورية الماء المستعمل فيه عن جابر : جاء رسول الله يعودني وأنا مريض لا أعقل فتوضأ وصب وضوءه علي فعقلت ( دارمي : 1/187 ) ( متفق عليه ) .
وفي حديث صلح الحديبية : ما تنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل فدلك بها وجهه وجلده وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه .
( خ حم ) وفي معناه عن جمع .
حديث حذيفة : ( إن المسلم لا ينجس ) ( خ م ) .
وفيه : أنه كان يغتسل بفضل ميمونة . ( م ) ابن عباس : اغتسل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في جفنة فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتوضأ منه فقالت : يا رسول الله إني كنت جنبا فقال : ( إن الماء لا يجنب ) . صحيح . اختاره ابن تيمية ( 3 ) في ( الاختيارات ) وفي ( مجموعة الرسائل ) ( 2/217 ) ( حم د ن ت : صح - مج مس قط خز ) . والنهي عنه للتنزيه . ( لا يغتسلن أحدكم في الماء الدائم وهو جنب ) ( م ) وذلك للاستخباث . ومثله وأقبح منه البول
( ا ) كتب الشيخ - رحمه الله - في أعلى هذه الصفحة :
( رؤوس أقلام عن المسائل التي سيجري البحث حولها في دروسنا الآتية إن شاء الله تعالى ) .
فيه : ( لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه ) . ( خ ) : ( ثم يغتسل منه ) . 1 ( م وغيره ) : ( ثم يتوضأ منه ) ( ت ) .
وهو طهور لا ينجسه شيء ما لم يتغير بنجاسة واختاره ابن تيمية ( 3 ) وفي ( مجموعة الرسائل ) ( 2/217 ) .
2 - أسآر البهائم :
إذا ولغ الكلب فليرقه . الهرة : إنها ليست بنجس .
3 - تطهير النجاسات : الغائط البول من الآدمي والروث من الخيل والبغال والحمير والدم والمذي .
يكون التطهير غالبا بالماء لتطهير الدماء وما شابهه قالت أسماء بنت أبي بكر : جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إحدانا يصيب ثوبها من دم الحيضة كيف تصنع ؟ فقال : ( تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه ) ( متفق عليه ) . وتطهر الأرض النجسة بالمكاثرة كما في حديث الأعرابي وبالشمس والريح إذا لم يبق أثر النجاسة وهو اختيار الشيخ ( 11 ) . ويطهر الإناء الذي ولغ فيه الكلب بغسله بالماء سبع مرات وتعفيره مرة بالتراب ويطهر ما أصابه المذي وبول الغلام الرضيع بالنضح والرش والأول اختبار الشيخ ( 15 ) دون بول الجارية ويطهر النعل بمسحه بالأرض والإهاب بالدبغ ولو إهاب خنزير وتطهر النجاسة بالاستحالة واختاره شيخ الإسلام ( 14 ) وابن القيم في ( الإغاثة ) .
انظر بطلان الفرق بين القليل والكثير من النجاسة في ( تفسير القرطبي ) ( 8/263 ) وفي ( تفسير ابن ) 2 ( 1/416 ) .
طهارة شعر الميتة وصوفها في ( أحكام القرآن ) للجصاص ( 1/140 - 141 ) وفتاوى السبكي ( 1/139 ) .
4 - الأواني
يحرم استعمال أواني الذهب لقوله : هذان حرامان . . . إلخ وأما الفضة فالعبوا بها لعبا ويحرم الأكل أو الشرب فيها ويجوز استعمال الإناء الذي فيه سلسلة من فضة للحاجة نصا أو ذهب قياسا - مكان الشعب . وأراد الفقهاء بالحاجة هنا أن يحتاج إلى تلك الصورة كما يحتاج إلى التشعيب والشعيرة سواء كان من فضة أو نحاس أو حديد أو غير ذلك وليس مرادهم أن يحتاج إلى كونها من فضة . ( فتاوى شيخ الإسلام ) ( 2/353 ) .
ويستحب تخمير الأواني : ( غطوا الإناء - وزاد في رواية : واذكر اسم الله عليه ولو أن تعرض عليه عودا - وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيه من ذلك الوباء ) ( مسلم والزيادة متفق عليها و( مشكل الآثار ) ( 2/20 - 21 ) .
ويجوز استعمال أواني الكفار فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الوضوء من مزادة مشركة ( أخرجاه ) وقال جابر : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم ) ( د ( 2/148 ) حم ( 3/379 ) بإسناد جيد . لكن إذا كان يغلب عليهم أكل لحم الخنزير ويتظاهرون بذلك فلا يجوز استعمالها إلا أن لا يجد غيرها فحينئذ يجب غسلها قال أبو ثعلبة الخشني : قلت : يا نبي الله إن أرضنا أرض أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف أصنع بآنيتهم وقدورهم ؟ قال : ( إن لم تجدوا غيرها فارخصوها واطبخوا فيها واشربوا ) ( حم 4/194 ) مس ( 1/143 ) وهو صحيح على شرطهما وله طريق آخر عند ( د : 2/148 ) بسند لين .
5 - التخلي
القول عند الدخول والخروج .
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل الخلاء قال : ( اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث ) ( الجماعة ) . وقد ثبت الأمر به عند ( د مج طيا حم مس ) فينبغي الاهتمام به وكان إذا خرج قال : ( غفرانك ) ( الخمسة إلا النسائي ) وهو أصح حديث . ( علل ) ( 1/43 ) .
وكان لا يأتي البراز وهو في السفر حتى يغيب فلا يرى ( مج د ) وربما كان يبعد نحو الميلين ( يعلى طب ) .
وكان يستر للحاجة بالصدف ( كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل ) تارة وبحائش النخل تارة ( الحائش : النخل الملتف المجتمع كأنه لالتفافه يحوش بعضه إلى بعض . نهاية ) . أخرجه مسلم وحم ومج .
وكان يبول عليه الصلاة والسلام وهو وقاعد وأحيانا قائما ( الجماعة ) والقصد أمن الرشاش فبأيهما حصل ذلك وجب .
وكان إذا سلم عليه أحد وهو يبول لا يرد إلا بعد الفراغ . عن المهاجر بن قنفذ أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبول فسلم عليه فلم
يرد عليه حتى توضأ ثم اعتذر إليه فقال إني كرهت أن أذكر الله عزوجل إلا على طهر ( أو طهارة ) ( د ن مج ح . م )
ودليل الجواز كان يذكر الله على كل أحيانه ( د ت مج حم ) .
6 - المناهي :
نهى عن استقبال أو استدبارها حالة التخلي ( م حم ) بدون تفريق وهو اختيار ابن تيمية ( 5 ) . وعن أن يستطيب بيمينه وعن الروثة والرمة ( الخمسة إلا الترمذي ) وعن التخلي في طريق الناس أو في ظلهم ( م د حم ) وفي الموارد ( د مج مس هق عن معاذ وحم عن ابن عباس ) وعن البول في الجحر ( د ن مس هق حم ) وفي الماء الراكد كما سبق وفي الجاري نصا ( طس ) وفي مستحمه ( ن مج ت حم مس ) أو مغتسله ( د ن مس ) وعن الاستنجاء بأقل من ثلاثة أحجار وأن يستنجي بعظم ( م د ت ) وقال : إنه طعام الجن وكذا قال : البعر ( م حم خ ) وعن إصابة البول الثوب وغيره وقال : ( عامة عذاب القبر منه ) وكان يستنجي بالماء تارة ( متفق عليه ) وبالأحجار تارة ( خ ) وفيه سبب نزول قوله تعالى : ( فيه رجال يحبون أن يتطهروا ( [ التوبة/108 ] انظر رقم ( 35 ) من ( صحيح أبي داود ) .
7 - الوضوء
فرضيته : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم ( أي : محدثين ) إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ( [ المائدة/6 ] ( لا يقبل الله صلاة بغير طهور ) ( الجماعة إلا خ ) وكان يتوضأ لكل صلاة ( خ 4 ) وقال : ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء ومع كل وضوء سواك ) رواه أحمد بإسناد صحيح كما في ( المنتقى ) وقد أخرجه أحمد ( 2/258 - 259 ) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة . وهذا سند حسن . انظر ( ترغيب ) ( 99 ) .
وجوب النية .
صفته : السواك التسمية : ( توضؤا باسم الله ) 3 غسل الكفين ثلاثا وهما سنة المضمضة والاستنشاق والاستنثار وهي واجبة وكان يصل بين المضمضة والاستنشاق فيأخذ نصف الغرفة لفمة ونصفها لأنفه وكان يستنشق بيده اليمنى ويستنثر باليسرى . وأمر بالمبالغة في الاستنشاق ( إلا أن تكون صائما ) . غسل الوجه فرض ويستحب تخليل اللحية . غسل اليدين مع المرفقين . وأمر بالتخليل . مسح الرأس كله فرض وصورته أن يمسح يديه بمقدم رأسه ثم يذهب بهما إلى قفاه ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه ويستحب المسح ثلاثا ويكفي مسح بعضه إذا اتجه على العمامة ويكفي المسح عليهما . مسح الأذنين يستحب بماء الرأس . غسل الرجلين فرض حتى يشرع في الساقين وويل للأعقاب من النار ويخلل بخنصر اليمين في الوضوء وفي كل شيء . وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا لبستم وإذا توضأتم فابتدؤا بأيمانكم ) ( د 1/187 ) بسند صحيح وكان يتوضأ مرة مرة ومرتين ومرتين وثلاثا ثلاثا . وقال : ( فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم ) .
يستحب أن يقول بعد الفراغ : ( أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ) ( وراجع مجلة المنار 16/670 فإن له ههنا وهما ) . أو ( سبحانك اللهم وبحمدك أشهدك أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ) .
جواز المعاونة على الوضوء .
الوضوء لمن أراد النوم : ( إذا أتيت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل . . . ) .
الوضوء للجنب إذا أراد أن يعود : ( إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود فليتوضأ ) ( م 4 حم ) .
وإذا أراد أن يأكل ( م حم ) وأحيانا يقتصر على غسل اليدين ( ن حم : صح ) .
ويتأكد ذلك له إذا أراد أن ينام جنبا .
والوضوء عند كل حدث لحديث بريدة بن الحصيب قال : أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فدعا بلالا فقال : ( يا بلالا بم سبقتني إلى الجنة إني دخلت الجنة فسمعت خشخشتك أمامي ) فقال بلال : يا رسول الله ما أذنت قط إلا صليت ركعتين ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لهذا ) . رواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) و( ت مس حم : صح على م ) انظر ( الترغيب ) ( 1 - 99 ) . وقال صلى الله عليه وسلم : ( ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ( مس حم طب : صح ) وانظر ( الفتاوى ) ( 2/424 - 425 ) .
الوضوء قبل الغسل .
الوضوء على من حمل الميت لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ) أخرجه الطيالسي ( 305 ) وأحمد ( 2/454 ) من طريق ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة .
وهذا سند حسن في بعض الأقوال ولم يتفرد به مولى التوأمة المتكلم فيه . فرواه أحمد ( 2/272 ) عن ابن جرير 4 ثني سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة به . وهذا سند صحيح على شرط مسلم .
وخالفه سفيان فقال : عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن إسحاق مولى زائدة عن أبي هريرة به . أخرجه أبو داود ( 2 - 63 ) فأدخل بين أبي صالح وأبي هريرة إسحاق موسى زائدة وهو ثقة من رجال مسلم كما في ( التقريب ) فالإسناد على كل حال شرطه سواء سمعه أبو صالح من أبي هريرة مباشرة أو بواسطة إسحاق هذا .
وله طريق ثالث : رواه أبن أبي ذئب أيضا عن القاسم بن عباس عن عمرو ابن عمير عن أبي هريرة به . أخرجه أبو داود ( 2 - 62 ) وعنه ابن حزم ( 2/23 ) ورجاله رجال الصحيح غير عمرو بن عمير هذا فهو مجهول كما في ( التقريب ) .
وله طريق رابع أخرجه ابن حزم ( 1/250 2/23 ) حماد بن سلمة عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة به . وهذا سند حسن .
وبالجملة فالحديث صحيح لا شك فيه وإن كان قد تكلم فيه .
8 - المسح على الخفين
ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر وصح أنه مسح بعد نزول آية المائدة : ( يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة ( [ المائدة/6 ] وهي على قراءة الخفض مفسرة بالسنة فالمراد المسح على الخفين وإليه مال ابن تيمية في ( الاختيارات ) ( 8 ) .
ويجوز المسح عليهما ولو كانا مخروقين ما دام الاسم عليهما باقيا والمشي فيهما ممكن لإطلاق الشارع وقد فصله شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/257 - 263 ) .
وكان يمسح في السفر والحضر ووقت للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إذا تطهر فلبس خفيه كما في حديث أبي بكرة عند الدار قطني ( 71 ) بسند حسن وتبدأ مدة المسح من الوقت الذي مسح إلى مثله من الغد وهو قول أحمد كما في ( مسائل أبي داود ) ( 10 ) .
ولا تتوقت مدة المسح في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين وعليه يحمل قصة عقبة بن عامر . كذا قاله شيخ الإسلام في ( اختياراته ) ( 9 ) والقصة المشار إليها هي ما أخرجه الدارقطني ( 72 ) من طريق علي بن رباح عن عقبة قال : خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت المدينة يوم الجمعة ودخلت على عمر بن الخطاب - زاد في رواية : وعلي خفان من تلك الخفاف الغلاظ - فقال : متى أولجت خفيك في رجليك ؟ قلت : يوم الجمعة قال : فهل نزعتهما ؟ قلت : لا قال : أصبت السنة . قال الدارقطني : وهو صحيح الإسناد . وقال شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/259 ) : وهو حديث صحيح . وهو كما قالا . وانظر التفصيل في ( الفتاوى ) أيضا ) ( 2/188 - 189 ) .
قلت : والحديث أخرجه في ( المختارة ) ( 1/93 ) بهذا اللفظ . وفي رواية : ( أصبت ) بدون ( السنة ) قال : وهو المحفوظ .
وكان يمسح ظاهر الخفين ويكفي فيه مطلق المسح .
والأفضل في حق كل أحد بحسب قدمه فللابس الخف أن يمسح عليه ولا ينزعهما اقتداء به صلى الله عليه وسلم وأصحابه ولمن قدماه مكشوفتان الغسل ولا يتحرى لبسه ليمسح عليه وكان صلى الله عليه وسلم يغسل قدميه إذا كانا مكشوفتين ويمسح إذا كان لابس الخفين . شيخ الإسلام في ( الاختيارات ) ( 8 ) .
ثم قال : ( 9 ) : ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة وبهذا قال ابن حزم ( 2/80 - 84 و97 ) ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري وإبراهيم النخعي وابن أبي ليلى وداود كما في ( المحلى ) ( 2/94 ) كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور . وقد روى الطحاوي ( 1/58 ) عن شعبة بن عن سلمة بن كهيل عن ظبيان أنه رأى عليا توضأ ومسح على نعليه ثم دخل المسجد فخلع نعليه ثم صلى . وهذا سند صحيح جدا .
9 - المسح على الجوربين
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وهو حديث صحيح ومن أعله فلا حجة له . قال أبو داود بعد أن خرجه : وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي . وقد أخرجه الطحاوي ( 1/58 ) وقال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن أبي طالب وأبو مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس .
والجوربان بمنزلة الخفين في المسح كما قال سعيد بن المسيب وغيرها كما في ( المحلى ) ( 2/86 ) فلهما حكمهما . ولا يشترط فيهما التجليد في أسفلهما ولا أن يثبتا بأنفسهما ولذلك نص أحمد أنه يجوز المسح على الجوربين وإن لم يثبتا بأنفسهما بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما كما نقله شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/262 ) وعليه يجوز المسح على الجوارب الرقيقة إذا كانت مشدودة بسوار من المطاط كما هو المستعمل اليوم . وصرح ابن حزم ( 2/81 ) بجواز ذلك حتى ولو كان من الحرير للمرأة خاصة .
وثبت أيضا أنه عليه الصلاة والسلام كان يمسح على النعلين . رواه أبو داود من حديث المغيرة .
ثم أخرجه أحمد ( 4/9 و10 ) من حديث أوس بن أبي أوس وكذا الطبراني في ( الكبير ) كلاهما من طريق حماد بن سلمة وشريك كلاهما عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس قال :
رأيت أبي يوما توضأ فمسح على النعلين فقلت : أتمسح عليهما ؟ فقال : هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل .
وهذا سند صحيح .
وقد رواه أبو داود من طريق هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه : أخبرني أوس بن أبي أوس الثقفي أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى كظامة قوم فتوضأ ومسح على نعليه وقدميه .
وهذا مخالف للأول سندا ومتنا :
أما الأول فقد جعله من مسند أوس وأدخل بينه وبين يعلى بن عطاء عطاء أبا يعلى .
وأما المتن فقد زاد فيه : وقدميه .
وقد أخرجه أحمد ( 4/8 ) من هذا الوجه دون قوله : ومسح على نعليه وقدميه . والرواية الأولى عندي أصح لاتفاق ثقتين عليها : حماد وشريك ومخالفهما - وهو هشيم - كثير التدليس كما في التقريب وقد عنعنه .
ورواه أحمد ( 1/148 ) والدارمي ( 1/181 ) من حديث علي رضي الله عنه قال - والسياق للأول - : ثنا أبو نعيم : ثنا يونس عن أبي إسحاق عن عبد خير قال : رأيت عليا رضي الله عنه توضأ ومسح على النعلين ثم قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل كما رأيتموني فعلت لرأيت أن باطن القدمين هو أحق بالمسح من ظاهرهما . وهذا إسناد صحيح .
وقد تابعه الأعمش عن أبي إسحاق بلفظ قال : كنت أرى أن باطن القدمين أحق بالمسح من ظاهرهما حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح ظاهرهما . أخرجه أحمد ( 1/114 124 ) .
وكأن بعض الرواة اختصر منه ذكر النعلين فهو محمول على المسح من على النعلين بدليل الرواية الأولى .
وكذلك رواه السدي عن عبد خير بنحوه وفيه : ومسح على نعليه ثم قال : هكذا وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم للطاهر ما لم يحدث .
أخرجه أحمد ( 1/120 ) عن سفيان عنه .
لكن أخرجه أحمد أيضا ( 1/116 ) من طريق شريك عن السدي به بلفظ : ومسح على ظهر قدميه ثم قال : هذا وضوء من لم يحدث ثم قال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ظهر قدميه رأيت أن بطونهما أحق .
فيقال في هذه ما قلناه في الرواية عن أبي إسحاق لا سيما وأن شريكا سيء الحفظ فرواية سفيان عن السدي أصح .
ثم إنه قد تابعه أيضا ابن عبد خير عن أبيه بلفظ : فغسل ظهور قدميه وقال : لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يغسل ظهور قدميه لظننت أن بطونهما أحق بالغسل . أخرجه أحمد أيضا ( 1/124 ) من طريق إسحاق بن إسماعيل : ثنا سفيان عن أبي السوداء عن ابن عبد خير . ثم قال : ثنا إسحاق : ثنا سفيان مرة أخرى قال : رأيت عليا رضي الله عنه توضأ فسمح على ظهورهما . وهذا سند صحيح . وأبو السوداء اسمه عمرو بن عمران وابن عبد خير اسمه المسيب وهما ثقتان . فهذه الروايات كلها تفسرها الرواية الأولى وإلا فهي بظاهرها حجة للشيعة .
وأما الرواية الأخرى عند أحمد أيضا ( 1/139 و144 و159 ) من طريق عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة أنه شهد عليا رضي الله عنه صلى الظهر ثم جلس في الرحبة في حوائج الناس فلما حضر العصر أتى بتور فأخذ حفنة ماء فمسح يديه وذراعيه ووجهه ورأسه ورجليه . . . الحديث فهو محمول على الغسل بدليل أن المسح قد استعمل في هذه الرواية في جميع الأعضاء وذا لا يجوز باتفاق المسلمين قال في ( النهاية ) : والمسح يكون مسحا باليد وغسلا .
وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط البخاري .
هذا وحديث علي رضي الله عنه في المسح على النعلين رواه ابن خزيمة أيضا وأحمد بن عبيد الصفار كما في ( نيل الأوطار ) ( 1/158 ) وفي الباب عن ابن عباس عند ابن حبان والبيهقي كما في ( الاختيارات ) لشيخ الإسلام ( 8 ) وعن أنس عند البيهقي .
قلت : ورواه الدولابي في ( الكنى ) ( 2/96 ) عن هميان بن ثمامة الزماني قال : ثني راشد أبو محمد الحماني قال : رأيت أنس بن مالك توضأ فمسح على نعليه وصلى .
وهميان هذا لم أجد من ذكره وبقية رواته ثقات .
وثبت المسح عليهما عن ابن مسعود وعن عمرو بن حريث . أخرجهما الطبراني في ( الكبير ) وإسناد الأول رجاله موثقون والآخر رجاله ثقات كما في ( المجمع ) .
وذهب إلى جواز المسح عليهما الأوزاعي وكذا ابن حزم في ( المحلى ) ( 2/103 ) فقول شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/266 ) أنه ( لا يجوز المسح عليهما باتفاق المسلمين ) مدفوع بما ذكرنا .
ومن الغريب أنه حمل المسح هنا على الرش فذكر في موضع آخر : ( إن الرجل لها ثلاثة أحوال : الكشف له الغسل وهو أعلى المراتب والستر المسح وحالة متوسطة وهي في النعل فلا هي مما يجوز المسح ولا هي بارزة فيجب الغسل فأعطيت حالة متوسطة وهو الرش وحيث أطلق عليها لفظ المسح في هذا الحال فالمراد به الرش وقد ورد الرش على النعلين والمسح عليهما في ( المسند ) من حديث أوس بن أبي أوس . ورواه ابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس ) كذا في ( الاختيارات ) ( 8 ) .
وليس في شيء من هذه الأحاديث ذكر الرش لا في المسند ولا في غيره من حديث أوس بن أبي أوس ولا من حديث غيره اللهم إلا في حديث آخر عن علي رضي الله عنه أنه قال : يا ابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى - فداك أبي وأمي - . قال : فوضع له إناء فغسل يديه ثم مضمض واستنشق واستنثر ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه وألقم إبهامه ما أقبل من أذنيه قال : ثم عاد في مثل ذلك ثلاثا ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فأفرغها على ناصيته ثم أرسلها تسيل على وجهه ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم يده الأخرى مثل ذلك ثم مسح برأسه وأذنيه من ظهورهما ثم أخذ بكفيه من الماء فصك بهما على قدميه وفيهما النعل ثم قلبها بها ثم على الرجل الأخرى مثل ذلك . قال : فقلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين قلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين . قلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين .
أخرجه الإمام أحمد ( 1/82 - 83 ) عن محمد بن إسحاق : ثني محمد ابن طلحة بن يزيد بن ركانة عن عبيد الله الخولاني عن ابن عباس قال : دخل علي علي بيتي فدعا بوضوء فجئنا بقعب يأخذ المد أو قريبه حتى وضع بين يديه وقد بال فقال : يا ابن عباس . . . إلخ .
وهذا سند جيد .
فهذا الحديث يكاد يكون نصا على ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من الرش على القدم وهي في النعل ولكنه لا يلزم منه إبطال السنة الأخرى وهي المسح على النعلين كالخفين والجوربين بحمل المسح عليهما على الرش كما قال الشيخ رحمه الله لعدم وجود قرينة قاطعة صارفة من الحقيقة إلى المجاز والله أعلم .
ثم وجدت نصا لشيخ الإسلام ذهب فيه إلى المسح على النعلين بشرط مشقة نزعهما فقال في ( الفتاوى ) ( 2/85 ) : ونقل عنه صلى الله عليه وسلم المسح على القدمين في موضع الحاجة مثل أن يكون في قدميه نعلان يشق نزعهما . وقيده في ( الاختيارات ) : إلا بيد أو رجل .
10 - نواقض الوضوء
2 . 1 - البول الغائط : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) ( متفق عليه ) ( لا وضوء إلا من صوت أو ريح ) ( ت : صح مج هق حم ( 2/410 ) .
3 - المذي : فيه الوضوء ( متفق عليه ) .
4 - النوم : كان يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة لكن من غائط وبول ونوم . ( ت : صح ن حم ) وهو مذهب الحسن البصري والمزني وأبي عبيد القاسم بن سلام وابن راهويه وابن المنذر وإليه ذهب ابن حزم ( 1/222 - 231 ) .
5 - أكل لحم الإبل وبه قال أحمد وإسحاق وابن المنذر وابن خزيمة واختاره البيهقي وابن حزم ( 1/241 ) وقال الشافعي : إن صح الحديث قلت به . وقال النووي في مسلم : وهذا المذهب أقوى دليلا وإن كان الجمهور على خلافه . وانتصر له شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) ( 1/57 - 59 ) ومال إليه في ( مجموعة الرسائل ) ( 2/432 ) وبه قال الشوكاني ( 1/175 - 177 ) .
6 - لمس العضو بشهوة .
11 - المتطهر يشك في الحدث .
( إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرج من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا ) ( م ت ) .
12 - ما يستحب الوضوء لأجله
الوضوء لكل صلاة .
الوضوء مما مسته النار . شيخ الإسلام في ( مجموعة الرسائل ) ( 2/231 - 232 ) .
الوضوء لذكر الله تعالى وللقرآن من باب أولى عن المهلب .
الوضوء من القيء : ( مجموعة الرسائل ) ( 2 - 234 ) .
الوضوء عقب كل حدث . انظر ( الترغيب ) ( 1/99 رقم 4 ) .
13 - موجبات الغسل
1 - خروج المني بشهوة : ( إذا حذفت الماء فاغتسل من الجنابة فإذا لم تكن حاذفا فلا تغتسل ) ( حم : 1/107 ) عن جواب التيمي عن يزيد بن شريك - يعني التيمي - عن علي به مرفوعا .
وهذا سند حسن رجاله ثقات غير جواب هذا وهو صدوق رمي بالإرجاء كما في ( التقريب ) .
وفي لفظ له من طريق آخر ( 1/109 ) ود ( 1/32 ) :
( فإذا فضخت الماء فاغتسل ) وسنده جيد .
2 - خروجه في الاحتلام والنساء فيه كالرجال 5 : عن أم سلمة أن أم سليم قالت : يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت ؟ قال : ( نعم إذا رأت الماء ) فقالت أم سلمة : وتحتلم المرأة ؟ فقال : تربت يداك فيما يشبهها ولدها ؟ ) . متفق عليه ) .
وفيه رد على من قال أن ماء المرأة لا يبرز .
3 - مس الختان الختان : إذا قعد بين شعبها الأربع ومس الختان الختان فقد وجب الغسل . ( حم م ت : صح ) وإن لم ينزل ( م حم ) .
وكان الحكم في ابتداء الإسلام : ( الماء من الماء ) ( م ) ثم نسخ . ويؤيده قوله تعالى : ( وإن كنتم جنبا فاطهروا ( [ المائدة 6 ] فإن كلام العرب يقتضي أن الجنابة تطلق بالحقيقة على الجماع وإن لم يكن معه إنزال كما قال الشافعي .
4 - الحيض ( فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي ) ( خ م ) .
5 - النفاس وقد وقع الإجماع من العلماء على أن النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب .
14 - الأغسال الواجبة
1 - الغسل على الكافر الذي أسلم عن قيس بن عاصم قال : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم أريد السلام فأمرني أن أغتسل بماء وسدر ( د ن ت حم : 5/61 ) .
2 - غسل الجمعة على كل محتلم .
3 - غسل ميت المسلمين .
15 - الأغسال المستحبة
1 - الغسل من غسل الميت . فيه ما سبق ( من غسل ميتا فليغتسل ومن حمله فليتوضأ ) .
2 - الغسل من مواراة المشرك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لما توفي أبي أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت : إن عمك قد توفي قال : ( اذهب فواره ) قلت : إنه مات مشركا قال : ( اذهب فواره ولا تحدثن شيئا حتى تأتيني ) ففعلت ثم أتيته فأمرني أن أغتسل . أخرجه الطيالسي ( 19 ) : ثنا شعبة عن أبي إسحاق قال : سمعت ناجية بن كعب يقول : شهدت عليا يقول . . . . فذكره .
وكذلك أخرجه أحمد ( 1/97 ) والنسائي ( 1/41 ) عن شعبة به ببعض اختصار .
وقد تابعه سفيان الثوري عن أبي إسحاق . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والنسائي أيضا ( 1/282 - 283 ) . وهذا إسناد صحيح 6 . وزاد سفيان : فاغتسلت ودعا لي .
وله طريق أخرى أخرجه عبد الله بن أحمد في ( زوائد المسند ) ( 1/103 - 129 ) عن الحسن بن يزيد الأصم قال : سمعت السدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي به وفيه : فاغتسلت ثم أتيته قال : فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم وسودها قال : وكان علي رضي الله عنه إذا غسل الميت اغتسل . وهذا إسناد حسن .
( 3 ) الغسل للإحرام حتى للنفساء وقد قيل : إنه واجب بحقها . قاله الحسن وأهل الظاهر ومنهم ابن حزم ( 7/82 و2/26 ) .
( 4 ) لدخول مكة قال ابن عمر : إن من السنة أن يغتسل إذا أراد أن يحرم وإذا أراد أن يدخل مكة . ( قط مس : صحيح ) وانظر ( التلعيقات الجياد ) .
( 5 ) عقب الجماع : عن أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وسلم طاف ذات يوم على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه قال : فقلت : يا رسول الله ألا تجعله غسلا واحدا ؟ قال : هذا أزكى وأطيب وأطهر ) أخرجه د ( 1/34 ) ومج ( 1/206 ) وحم ( 6/8 - 9 ) عن حماد بن سلمة عن عبد الرحمن بن أبي رافع عن عمته سلمى عنه . وهذا سند حسن .
( 6 ) عقب الإغماء كما في حديث عائشة في مرض النبي صلى الله عليه وسلم .
( 7 ) غسل المستحاضة لكل صلاة . أو لصلاة الظهر والعصر معا غسلا واحدا وكذا لصلاة المغرب والعشاء إذ تؤخر الأولى إلى وقت الأخرى . وغسلا واحدا لصلاة الصبح . راجع تعليقنا على ( المعجم ) ( 2/178 - 179 ) و( المجمع ) أيضا ( 1/280 - 281 ) و( المسند ) ( 6/128 - 129 ) .
16 - صفة الغسل
كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه مرتين أو ثلاثا ثم يفرغ يمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حثيات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه . أخرجاه .
وكان يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر . أخرجاه .
وكان لا يتوضأ بعد الغسل .
ويكفي المرأة أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات ثم تفيض عليها الماء فتطهر ( م ه ) .
17 - قدر الماء في الغسل والوضوء
كان عليه الصلاة والسلام يغتسل بالصاع ويتطهر بالمد ( حم مج م ت : صحيح ) والطحاوي ( 1/322 - 324 ) وقط ( 35 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام :
( يجزئ من الوضوء المد ومن الجنابة الصاع ) حم : ( 3/370 ) ومس : ( 1/161 ) وقال :
( صحيح على شرطهما ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
والأظهر أن الصاع خمسة أرطال وثلث عراقي سواء صاع الطعام والماء وهو قول الجمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة . كذا في ( اختيارات شيخ الإسلام ) .
وقد روى الطحاوي ( 1/324 ) عن علي بن صالح وبشر بن الوليد جميعا عن أبي يوسف قال : قدمت المدينة فأخرج إلي من أثق به صاعا فقال : هذا صاع النبي صلى الله عليه وسلم فقدرته فوجدته خمسة أرطال وثلث . قال الطحاوي : وسمعت ابن أبي عمران يقول : يقال : إن الذي أخرج هذا لأبي يوسف هو مالك بن أنس .
والصاع أربعة أمداد والمد ملئ كفي الإنسان المعتدل إذا ملأهما ومد يده بهما وبه سمي مدا وقد جربت ذلك فوجدته صحيحا . قاله في ( القاموس ) .
وهو يعادل ( 700 ) غرام في تقدير الشيخ بهجة البيطار حفظه الله تعالى .
وكان أحيانا يتوضأ بما هو أقل من ذلك فتوضأ مرة في إناء فيه ماء قدر ثلثي المد ( د : 15 ) صحيح .
والذي يتحصل من مجموع الأحاديث والنصوص أن ( القدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر وسواء كان صاعا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلا أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف . وهكذا الوضوء القدر المجزئ منه ما يحصل به غسل أعضاء الوضوء سواء كان مدا أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في الزيادة إلى حد السرف أو النقصان إلى حد لا يحصل به الواجب ) كذا في ( النيل ) ( 1/219 - 220 ) .
وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( إنه سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء ) ( د : 15 ) وانظر ( نقد التاج ) .
18 - آداب الاغتسال ودخول الحمام
وكان صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل استتر بثوب ففي ( الصحيح ) أن فاطمة ابنته 7 كانت تستر النبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بثوب وهو يغتسل ثم صلى ثماني ركعات . وفيه أيضا أن ميمونة سترته فاغتسل .
ورأى رجلا يغتسل بالبراز ( اسم للفضاء الواسع ) فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال : ( إن الله عز وجل حليم حيي ستير يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر ) ( ن : 70 ) من طريق زهير : ثنا عبد الملك عن عطاء عن يعلى . وهذا سند جيد .
ورواه ( حم : 4/224 ) و( ن ) في رواية مختصرا بلفظ :
( إن الله عز وجل حيي ستير فإذا أراد أحدكم أن يغتسل فليتوار بشيء ) .
ورواه أبو داود ( 2/170 ) باللفظين وقال : الأول أتم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة ينظر بعضهم إلى بعض وكان موسى عليه والسلام يغتسل وحده فقالوا : والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه أدر ( الأدرة : نفخة في الخصية ) قال : فذهب مرة يغتسل فوضع ثوبه على حجر ففر الحجر بثوبه قال : فجمع موسى عليه السلام يقول : ثوبي حجر ثوبي حجر حتى نظر بنو إسرائيل إلى سوأة موسى عليه السلام فقالوا : والله ما بموسى بأس . قال : فأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضربا ) ( متفق عليه ) .
وقال عليه السلام : ( بينما أيوب عليه السلام يغتسل عريانا فخر عليه جراد من ذهب فجعل أيوب يحتثي في ثوبه فناداه ربه تبارك وتعالى : يا أيوب ألم أكن أغنيتك عما ترى ؟ قال : بلى وعزتك ولكن لا غنى بي عن بركتك ) . ( حم خ ن ) .
انظر ( نقد التاج ) رقم ( 60 ) .
ورغب صلى الله عليه وسلم في التستر حتى في الخلوة فقال : ( احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك ) قال : قلت : يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض ؟ قال : ( إذا استطعت أن لا يرينها أحد فلا يرينها ) . قال : قلت : يا رسول الله إذا كان أحد خاليا ؟ قال : ( الله أحق أن يستحيا منه من الناس ) ( د : 2/171 ت : 2/130 ومج : 1/553 والبيهقي 2/225 ) والحاكم ( 4/179 - 180 ) وقال ت : حديث حسن وهو كما قال . وصححه الحاكم ( 4/180 ) كما في ( الفتح ) ( 1/306 ) وعلقه خ .
ورخص صلى الله عليه وسلم للرجال بدخول الحمام بشرط الاستتار ومنع النساء منه مطلقا فقال عليه السلام : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام ) ( ن ت وحسنه ومس : صح ) وفي لفظ : ( ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نسائكم فلا يدخلن الحمام ) ( مس حب : صح ) وانظر ( الترغيب ) ( 1/88 - 90 ) .
ولم يصح استثناء المريضة والنفساء فلا بأس من دخولهما للضرورة مستورة العورة كما في ( الاختيارات ) ( 3/61 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام :
( ما من امرأة تنزع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل ) ( حم حب ) وفي رواية أخرى : ( في غير بيت زوجها ) ( د ت مج مي مس طيا حم ) .
19 - التيمم
ومن لم يجد الماء تيمم مسافرا كان أم غير مسافر قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغآئط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ( [ النساء/43 ] .
وكانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فصلى بالناس فإذا هو برجل معتزل فقال : ( ما منعك أن تصلي ؟ ) قال : أصابتني جنابة ولا ماء قال : ( عليك بالصعيد فإنه يكفيك ) ( متفق عليه ) .
وتيمم عليه الصلاة والسلام في المدينة لرد السلام .
ويتيمم بما على وجه الأرض ترابا كان أو غيره كما تيمم عليه السلام بالحائط . ولعموم قوله : ( وجعلت لي الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا ) . وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما واختاره ابن حزم ( 2/158 - 161 ) .
ويصلي به ما شاء من الصلوات الفرائض والنوافل ما لم يجد الماء :
( إن الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير ) ( د ت : صح حم عن أبي ذر ) وله شاهد من حديث أبي هريرة بإسناد صحيح كما قال ابن القطان . قلت : ورجاله رجال البخاري بلفظ : ( فليتق الله ويمسه بشرته ) انظر الزيلعي ( 1/148 - 150 ) . وهو قول ابن المسيب والحسن البصري والزهري وأبو جعفر الباقر ويزيد بن هارون . ( المحلى ) ( 2/128 ) .
فإذا وجد الماء فإنه لا يعيد ما صلى وهو مذهب الأربعة قال أبو سعيد : خرج رجلان في سفر فحضرت الصلاة وليس معهما ماء فتيمما صعيدا طيبا فصليا ثم وجدا الماء في الوقت فأعاد أحدهما الوضوء والصلاة ولم يعد الآخر ثم أتيا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا ذلك له فقال للذي لم يعد : ( أصبت السنة وأجزأتك صلاتك ) وقال للذي توضأ وأعاد : ( لك الأجر مرتين ) ( د ن ) وغيرهما انظر ( نقد التاج ) .
ولا يبطله إلا ما يبطل الوضوء من النواقض وإلا وجدان الماء لحديث أبي ذر وأبي هر المتقدمين ولقوله - في حديث الذي اعتزل الصلاة وراءه وهو جنب وقد مر قريبا - : وكان آخر ذلك أن أعطى صلى الله عليه وسلم الذي أصابته الجنابة إناء من ماء وقال : ( أذهب فأفرغه عليك ) .
ويتيمم الجنب للجرح مع وجود الماء : الوليد بن عبيد الله بن أبي رياح أن عطاء حدثه عن ابن عباس أن رجلا أجنب في شتاء فسأل فأمر بالغسل فاغتسل فمات فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما لهم قتلوه قتلهم الله - ثلاثا - قد جعل الله الصعيد أو التيمم طهورا ) . أخرجه الحاكم ( 1/165 ) وابن خزيمة وابن حبان وقال الأول صحيح . ووافقه الذهبي وهو عجيب منه فإنه قد ذكر في ( ميزانه ) أن الوليد هذا ضعفه الدارقطني
ولكنه قد توبع عليه فقد أخرجه أبو داود ( 1/56 ) وابن ماجه ( 202 ) والدارمي ( 192 ) والحاكم أيضا ( 1/178 ) من طريق الأوزاعي أنه بلغه عن عطاء بن أبي رباح به نحوه وفيه أن الرجل أصابته جراحه وفيه آخره : آلم يكن شفاء العي السؤال ؟
وفي رواية للحاكم عن بشر بن بكر : ثني الأوزاعي : ثنا عطاء به . وهذا لو ثبت لكان صحيحا ولكن علته أن الأوزاعي لم يسمعه من عطاء إنما سمعه من إسماعيل بن مسلم عن عطاء .
قلت : وإسماعيل هذا ضعيف ولكن يقويه متابعة الوليد له كما سبق وكذا تابعه الزبير بن خريق ولكن خالفه في الإسناد فقال : عن عطاء عن جابر به أتم منه . أبو داود ( 56 ) والدارقطني ( 69 ) وقال : لم يروه عن عطاء عن جابر غير الزبير بن خريق وليس بالقوي وصححه ابن السكن كما في ( النيل ) ( 224 ) .
وبالجملة فالحديث قوي ثابت بهذه المتابعات .
ويتيمم لخوف البرد : عن عمرو بن العاص قال احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ ) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله يقول : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن اله كان بكم رحيما ( [ النساء/29 ] فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئا . أخرجه أبو داود وغيره مقطوعا وموصولا وكلاهما صحيح وقواه الحافظ في ( الفتح ) وتكلمنا عليه مفصلا في ( نقد التاج ) رقم ( 45 ) .
وإذا لم يكف الماء للوضوء وللغسل يستعمله في غسل أعضاءه الأول فالأول ثم يتيمم للباقي لقوله : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) ( متفق عليه ) وهو مذهب ابن حزم ( 2/137 ) .
20 - صفة التيمم
عن عمار قال : أجنبت فلم أصب الماء فتمعكت في الصعيد وصليت فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنما كان يكفيك هكذا ) وضرب النبي صلى الله عليه وسلم بكفيه الأرض ونفخ فيهما ثم مسح بهما وجهه وكفيه . ( متفق عليه ) .
وهو ضربة للوجه والكفين . وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما .
وهو ضربة للوجه والكفين . وبه قال أحمد وإسحاق وغيرهما .
وأما استيعابهما بالمسح فلا دليل عليه . ( المحلى ) ( 2/156 - 158 ) .
21 - الحيض
هو الدم الأسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة فمتى ظهر من المرأة صارت حائضا .
عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق ) . ( د : 45 و50 ن : 66 قط : 76 مس : 174 ) وابن حزم ( 2/164 ) عن ابن أبي عدي : ثنا محمد بن عمرو : ثنا ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها .
وهذا سند حسن وقد حسنه ابن العربي في ( العارضة ) وقال الحاكم : ( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي . وليس كما قالا .
ثم أخرجه الحاكم ( 1/174 ) عن سهيل بن أبي صالح عن الزهري عن عروة بن الزبير عن أسماء بنت عميس قالت : قلت : يا رسول الله إن فاطمة بنت أبي حبيش استحاضت منذ كذا وكذا فلم تصل . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فسبحان الله هذا من الشيطان لتجلس في مركن فإذا رأت صفرة فوق الماء فتغتسل للظهر والعصر غسلا واحدا وتغتسل للمغرب والعشاء غسلا واحدا وتغتسل للفجر وتتوضأ فيما بين ذلك ) . وقال :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي . وهو كما قالا .
ورواه د ( 48 ) وقط ( 79 ) وطحا ( 60 - 61 ) .
فهذا الحديث يفيد أن الصفرة ليست دم حيض لقوله : ( دم الحيض أسود يعرف ) . وهو مذهب ابن حزم وجمهور الظاهرية كما قال في ( المحلى ) ( 2/168 ) .
وأما الحمرة والصفرة بعد الطهر فلا يعد شيئا وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وغيرهم .
عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أن أم حبيبة بنت جحش ختنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت عبد الرحمن بن عوف استحيضت سبع سنين فاستفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن هذه ليست بالحيضة ولكن هذا عرق فاغتسلي وصلي ) . قالت عائشة : فكانت تغتسل في مركن في حجرة أختها زينب بنت جحش حتى تعلو حمرة الدم الماء . ( م : 181 د 44 ن : 655 مج : 215 - 216 مي : 196 - 198 199 و200 ) وحم ( 6 - 83 و187 ) ورواه : م ( 181 - 182 ) ن ( 65 ) د ( 43 ) .
وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف معه بعض نسائه وهي مستحاضة ترى الدم فربما وضعت الطست تحتها من الدم وزعم أن عائشة رأت ماء العصفر فقالت : كان هذا شيء كانت فلانة تجده . ( خ : 26 مي : 217 وفي لفظ
ل خ : 327 و4/226 ) : اعتكفت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة مستحاضة من أزواجه فكانت ترى الحمرة والصفرة فربما وضعنا الطست تحتها وهي تصلي .
وعن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت : كنا لا نعد الكدرة والصفرة شيئا . ( خ : 338 د : 50 ن : 66 مي : 214 مجج : 222 مس : 174 ) ثم أخرجه د مي : 215 مج : 222 ومس من طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن أم الهذيل عنها بزيادة : بعد الطهر شيئا وقال : مس :
( صحيح على شرطهما ) .
وأم الهذيل هي حفصة بنت سيرين وكذا قال الذهبي وإنما هو على شرط مسلم من أجل حماد بن سلمة والأول هو على شرطهما واستدراكه على البخاري لا معنى له .
وروى الدارمي عن ابن سيرين قال : لم يكونوا يرون في الكدرة والسفرة بأسا .
1 - فإذا كان دم الحيض أسود يعرف فكل من رأته من النسائء وميزته فهي حائض وإلا فمستحاضة .
2 - إلا التي لا تميز دمها بسبب كثرته واستدامته فعليها أن ترجع إلى عادتها وأيامها المعرفة من الحيض .
3 - وإذا لم تعرف أيام الحيض ولم تميز الدم فعليها أن ترجع إلى الغالب من عادة النساء في ذلك .
يدل للأول حديث فاطمة بنت أبي حبيش المتقدم .
وللثاني حديث أم حبيبة عند أحمد وقد مر قريبا وهو من حديث عائشة .
وقد روته - أيضا - أم سلمة عند أحمد ( 6 - 322 - 323 و320 و393 ) وأبو داود ( 42 ) ن ( 65 ) مي ( 199 ) مج ( 215 ) قط ( 76 ) عن سليمان بن يسار عنها . وهو معلول بالانقاطاع بيته وبينها فقد رواه د وغيره عنه أن رجلا أخبره عنها .
لكن له طريق أخرى في ( المسند ) ( 6/304 ) : ثنا سريج : ثنا عبد اله - يعني ابن عمر_ عن سالم أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنها . وهذا سند حسن بما قبله .
ويدل للثالث حديث حمنة بنت جحش قالت : كنت أستحاض حيضة شديدة كثيرة فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أستفتيه وأخبره فوجدته في بيت أختي زينب بنت جحش قالت : قلت : يا رسول الله إني أستحاض حيضة كثيرة شديدة فما ترى فيها ؟ قد منعتني الصلاة والصيام . فقال : ( أنعت لك الكرسف ( أي : القطن ) فإنه يذهب الدم . قالت : هو أكثر من ذلك . قال : ( فاتخذي ثوبا ) . قالت : هو أكثر من ذلك . قال : ( فتلجمي ) . قالت : إنما أثج ثجا ( الثج : السيلان ) فقال : سآمرك بأمرين أيهما فعلت فقد أجزأ عنك من الآخر فإن قويت عليهما فأنت أعلم ) . فقال : لها : ( إنما هذه ركضة من ركضات الشيطان فتحيضي ( أي : اجعلي نفسك حائضا ) ستة ايام أو سبعة في علم الله ثم اغتسلي حتى إذا رأيت أنك قد طهرت واستنقيت فصلي أربعا وعشرين ليلة أو ثلاثا وعشرين ليلة وأيامها فصومي فإن ذلك مجزيك وكذلك فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء وكما يطهرن لميقات حيضهن وطهرهن . وإن قويت أن تؤخري الظهر وتعجلي العصر فتغتسلين ثم تصلين الظهر والعصر جميعا ثم تؤخري المغرب وتعجلي العشاء ثم تغتسلين وتجمعين بين الصلاتين فافعلي وتغتسلين مع الفجر وتصلين فكذلك فافعلي وصلي وصومي إن قدرت على ذلك ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وهذا أعجب الأمرين إلي ) رواه أصحاب السنن إلا النسائي وغيرهم وهو مخرج في التعليق على ( المعجم ) ( ص 179/ج 2 ) وهو حديث حسن .
وما ذكرناه من الأحوال الثلاثة قال به أحمد وإسحاق ففي الترمذي ( 1/227 ) : وقال أحمد وإسحاق في المستحاضة : إذا كانت تعرف حيضها بإقبال الدم وإدباره وإقباله أن يكون أسود وإدباره أن يتغير إلى لاصفرة فالحكم لها على حديث فاطمة بنت أبي حبيش وإن كانت المستحاضة لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها أيام معروفة قبل أن تستحاض فإنها تدع الصلاة أيام أقرائها ثم تغتسل وتتوضأ لكل صلاة وتصلي وإذا استمر بها الدم ولم يكن لها ايام معروفة ولم تعرف الحيض بإقبال الدم وإدباره فالحكم لها على حديث حمنة بنت جحش . وكذلك قال أبو عبيد ) .
ولا بد للمستحاضة من أن تتوضأ لكل صلاة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة :
أن فاطمة بنت أبي حبيش أتت النبي فقالت : إني أحيض الشهر والشهرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن ذلك ليس بحيض وإنما ذلك عرق فإذا أقبل الحيض فدعي الصلاة وإذا أدبر فاغتسلي لطهرك ثم توضئي عند كل صلاة ) .
طحا ( 61 ) عن أبي حنيفة عنه . وخ ( 1/264 - 265 ) وت ( 1/217 - 219 ) قط ( 76 ) عن أبي معاوية عنه وقال ت : حسن صحيح وحب كما في ( نصب الراية ) ( 203 ) عن أبي حمزة عنه .
ورواه م ( 180 ) د ( 44 ) ن ( 64 ) مج ( 214 ) مي ( 198 ) طحا ( 62 ) قط ( 76 ) حم ( 4/84 ) من طرق عن هشام به دون قوله : ( ثم توضئي عند كل صلاة ) وهو رواية ( خ ت ) ولذلك تكلم في هذه الزيادة بعضهم بأنها مدرجة ورد ذلك الحافظ في ( الفتح ) وقد جاءت من طريق أخرى عن عروة ابن الزبير عند مج ( 215 ) وطحا ( 61 ) وقط ( 78 ) وحم ( 6/42 و204 و262 ) عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن عروة . زاد ابن ماجه : ابن الزبير به نحوه بلفظ :
( وتوضئي لكل صلاة إن قطر الدم على الحصير ) ورجاله رجال الشيخين ولكن أعل بالانقطاع بين حبيب وعروة . وله طريق أخرى عن فاطمة عن عثمان بن سعد الكاتب عن عبد الله بن أبي مليكة قال : حدثتني فاطمة بنت أبي حبيش قالت : أتيت عائشة . . . الحديث . وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال لعائشة :
( مري فاطمة بنت أبي حبيش فلتمسك كل شهر عدد أيام أقرائها ثم تغتسل وتحتشي وتستثفر وتنظف ثم تطهر عند كل صلاة وتصلي ) . . . الحديث أخرجه حم ( 6/464 ) وقط ( 80 ) ومس ( 175 ) وقال :
( حديث صحيح ) .
وعثمان بن سعد الكاتب بصري ثقة غزير الحديث يجمع حديثه . قلت : وضعفه غير الحاكم . وفي ( التقريب ) أنه ضعيف . وفي الباب أحاديث أخرى تراجع في ( نصب الراية ) .
وقد ذهب إلى وضوء المستحاضة لكل صلاة : الشافعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم وقال ابو حنيفة وصاحباه : تتوضأ لوقت كل صلاة . وهذا مجاز حذف يحتاج إلى دليل . ولذلك رده الشوكاني ( 240 ) تبعا للحافظ .
ويحرم وطء الحائض في الفرج ويجوز التمتع بها فيما سوى ذلك . عن أنس بن مالك : أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يواكلوها ولم يجامعوها في البيوت فسأل أصحاب النبي النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل اله عز وجل : ( ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض ( . . إلى آخر الآية . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اصنعوا كل شيء إلا النكاح ) وفي لفظ : ( إلا الجماع ) . رواه الجماعة إلا البخاري .
وقال عليه الصلاة والسلام :
( من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) . رواه أهل ( السنن ) بإسناد صحيح كما بيناه في ( نقد التاج ) رقم ( 64 ) .
وتحريم إتيان الحائض مجمع عليه .
وقد ذهب إلى الحديث أحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وإسحاق وغيرهم أن إتيان المرأة في غير المذكور جائز ويكره ذلك لمن يخشى عليه أن يقع في المحرم سدا للذريعة .
وعلى من أتاها أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار على التخيير : عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار . رواه أصحاب السنن بسند صحيح وقد أطال في تحقيق الكلام على أسانيده وتصحيح بعضها على متنه العلامة أحمد محمد شاكر في التعليق على الترمذي ( 1/246 - 254 ) .
ولا تصلي ولا تصوم : قال عليه الصلاة والسلام للنساء :
( أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل ؟ ) قلن بلى . قال : ( فذلكن من نقصان عقلها أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم ) ؟ قلن : بلى . قال : فذلكن من نقصان دينها ) . رواه البخاري .
وتقضي الصوم دون الصلاة : عن معاذة رضي الله عنه قالت : سألت عائشة فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت :
كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة . روااه الجماعة .
ولا تطوف بالبيت . قال عليه الصلاة والسلام :
( الحائض تقضي المناشسك كلها إلى الطواف بالبيت ) .
رواه أحمد ( 6/137 ) عن عائشة و( 1/364 ) عن ابن عباس وأحدهما يقوي الآخر لا سيما وأن معناه في ( الصحيحين ) عنها .
ويحضرن مصلى العيد يكبرن مع الناس ويعتزلن الصلاة . عن أم عطية قالت :
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن في الفطر والاضحى العواتق والحيض وذوات الدور فأما الحيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير ودعوة المسلمين قلت : يا رسول الله إحدانا لا يكون لها جلباب . قال : ( لتلبسها أختها من جلبابها ) وفي رواية : كنا نؤمرر بالخروج في العيدين والمخبأة والبكر قالت : الحيض يخرجن فيكن خلف الناس يكبرن مع الناس . م ( 3/20 - 21 ) وراجع خ في العيدين وغيره .
ولها أن تدخل المسجد : عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ناوليني الخمرة من المسجد ) ن فقلت : إني حائض ؟ فقال : تناوليها فإن الحيضة ليست في يدك ) . ( م 168 ) د ( 41 ) ن ( 1/52 - 53 و68 ) وت ( 1/241 ) وصححه ومي ( 248 ) مج ( 218 ) وحم ( 6/45 و101 و106 و110 و111 و114 و173 و179 و208 و214 و229 و245 ) من طرق عنها وفي الباب عن أبي هريرة عند م ن حم ( 2/428 6/214 ) وأم سلمة عند ن حم ( 6/331 و334 ) وابن عمر عند حم ( 2/70 و86 ) وأنس عند البزار وأبي بكرة عند الطبراني في ( الكبير ) . مجمع ( 1/283 ) .
وقد أجاز لها ذلك ابن حزم ( 2/184 - 187 ) وحكاه عن المزني وداود وغيرهما .
ويجوز مواكلتها : عن عائشة قالت : كنت أشرب وأنا حائض فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع في . رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي وهو في ( المسند ( 6/62 و64 و127 و192 و210 و214 ) وفي الدارمي ( 1/246 ) .
وقال عبد الله بن سعد : سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مواكلة الحائض ؟ قال : واكلها . ت ( 1/240 ) مي ( 248 ) وحم ( 4/342 و5/293 ) عن عبد الرحمن ابن مهدي : ثنا معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن حرام بن معاوية عنه . وقال الترمذي : حديث حسن . وهو كما قال .
ثم أخرجه الدارمي ( 1/249 ) من طريق الهيثم بن حميد : ثنا اللعاء بن الحارث به بلفظ : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بعض أهلي لحائض وإنا لمتعشون إن شاء الله جميعا ) .
ولا يجوز إتيانها إلا بعد أن تصير مستحاضة وتغتسل فلا بد من الغسل لقوله تعالى : ( ولا تقربوهن حتى يطهرن ( والطهر بانقطاع الحيض ) فإذا تطهرن ( أي : اغتسلن ) فأتوهن من حيث أمركم الله ( [ البقر/222 ] وهذا مذهب الجمهور . وانظر الدارمي ( 249 - 251 ) و( نيل المرام ) لصديق حسن خان .
وأما المستحاضة فلم يرد في خصوصها شيء من السنة عنه صلى الله عليه وسلم فيما علمنا . وقد اختلف العلماء في إتيانها والجمهور على جواز ذلك وهو الحق لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولأن في المنع من ذلك ضرا على الزوج فيما إذا كانت الاستحاضة مستديمة كما جرى لأم حبيبة بنت جحش كما سبق . وما أحسن ما روى الدارمي ( 207 ) بإسناد صحيح عن سالم الأفطس قال :
سئل سعيد بن جبير : أتجامع المستحاضة ؟ فقال : الصلاة أعظم من الجماع .
وروي مثله عن بكر بن عبد الله المزني بسند صحيح أيضا .
وأقل الحيض دفعة فإذا رأت المرأة الدم الأسود من فرجها أمسكت عن الصلاة والصوم . . . فإن - رأت - أثر الدم الأحمر . . . فقد طهرت . ( المحلى ) ( 2/191 ) .
22 - النفاس
أكثره أربعون يوما قالت أم سلمة : كانت النفساء تجلس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين يوما وكنا نطلي وجوهنا بالورس ( بت أصفر يصبغ به ) من الكلف ( حمرة كدرة تعلو الوجه ) . د ( 50 ) ت ( 254 ) مي ( 229 ) مج ( 223 ) قط ( 82 ) مس ( 175 ) حم ( 4/300 303 304 309 ) من طرق عن علي بن عبد ال'لى عن أبي سهل البصري عن مسة عنه .
ثم أخرجه د مس عن يونس بن رافع عن كثير بن زياد أبي سهل قال : حدثتني مسنة الأزدية قالت :
حججت فدخلت على أم سلمة فقلت : يا أ/ المؤمنين إن سمرة بن جندب يأمر النساء يقضين صلاة الحيض فقالت : لا يقضين كانت المرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تقعد في النفاس أربعين ليلة لا يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء صلاة النفاس .
وقال الترمذي : ( حديث غريب ) . وأما الحاكم فقال :
( صحيح ) . ووافقه الذهبي .
وهو مردود بقوله في ترجمة مسنة الأزدية هذه من ( الميزان ) - وقد ساق لها هذا الحديث - : ( قال الدارقطني : لا يحتج بها ) .
قلت : لا يعرف لها إلا هذا الحديث . وقال الحافظ عنها في ( التقريب ) :
( إنها مقبولة ) .
لكن الحديث له شواهد كثيرة لا ينزل بها عن مرتبة الحسن لغيره :
فمنها ما روى أبو بلال الأشعري : ثنا أبو شهاب عن هشام بن حسان عن الحسن عن عثمان بن أبي العاص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( وقت للنفساء في نفاسهن أربعين يوما ) .
أخرجه قط ( 81 ) ومس ( 176 ) وقال : إن سلم من أبي بلال فإنه مرسل صحيح فإن الحسن لم يسمع من عثمان . وقال قط : أبو بلال الأشعري هذا ضعيف .
ومنها عن عائشة نحوه عند الدارقطني من طريق أبي بلال المذكور : ثنا حبان عن عطاء عن عبد الله بن أبي مليكة عنها . وقال : أبو بلال ضعيف وعطاء هو ابن عجلان متروك الحديث .
ومنها عن جابر قال :
وقت رسول الله صلى الله عليه وسلم للنفساء أربعين يوما .
رواه الطبراني في ( الأوسط ) وفيه أشعث بن سوار وثقه ابن معين واختلف في الاحتجاج به كما في ( المجمع ) ( 281 ) وفي ( التقريب ) : هو ضعيف .
وفي الباب أحاديث أخرى سيأتي قريبا ذكرها وقد وجدت لها شاهدا قويا موقوفا أخرجه الدارمي ( 1/229 و230 ) من طريق أبي عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن ابن عباس قال :
تنتظر النفساء أربعين يوما أو نحوها .
وهذا سند صحيح على شرط الستة وكذلك أخرجه البيهقي ( 1/341 ) .
فإن رأت الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي . وفيه أحاديث يقوي بعضها بعضا :
( 1 ) عن أنس قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت للنفساء أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك . مج ( 224 ) قط ( 81 ) عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن سلام بن سلم عن حميد عنه . وقال قط : لم يروه عن حميد غير سلام هذا وهو سلام الطويل وهو ضعيف الحيدث . وأما قول صاحب ( الزوائد ) أن إسناده صحيح ورجاله ثقات وهذا خطأ منشأه عدم تتبع من خرج الحديث فراجع لذلك التلعيق على ( المحلى ) ( 2/206 ) وقد أخرجه ابن حزم .
( 2 ) عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( تنتظر النفساء أربعين ليلة فإن رأت الطهر قبل ذلك فهي طاهر وإن جاوزت الأربعين فهي بمنزلة المستحاضة تغتسل وتصلي فإن غلبها الدم توضأت لكل صلاة ) قط ( 81 ) مس ( 176 ) من طريق عمرو بن الحصين : ثنا محمد بن عبد الله بن علاثةعن عبدة بن أبي لبابة عن عبد الله بن باباه عنه . وقال قط : عمرو بن الحصين وابن علاثة ضعيفان متروكان . .
( 3 ) عن معاذ بن جبل مرفوعا :
( إذا مضى للنفساء سبع ثم رأت الطهر فلتغتسل ولتصل ) .
قط ( 82 ) عن عبد السلام بن محمد الحمصي ولقبه سليم : ثنا بقية بن الوليد : أنا علي بن علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه به . قال سليم : فلقيت علي بن علي عن الأسود عن عبادة بن نسي عن عبد الرحمن بن غنم عنه مثله .
الأسود هو ابن ثعلبة شامي .
قلت : ورواه الحاكم ( 1/176 ) من هذا الوجه لكنه قال : ثنا بقية بن الوليد : أخبرني الأسود بن ثعلبة به .
فلا أدري أهكذا الرواية عنده أم سقط من نستختنا ذكر علي بن علي . ثم ليس عنده الإسناد الثاني ثم قال :
( وقد استشهد مسلم ببقية بن الوليد وأما الأسود بن ثعلبة فإنه شامي معروف ) .
كذا قال ووافقه الذهبي مع أنه يقول في ترجمته من ( الميزان ) :
( لا يعرف ) قاله ابن المديني . وفي ( التقريب ) :
( مجهول ) .
قال الشوكاني ( 1/247 ) :
( والأدلة الدالة على أن أكثر النفاس أربعون يوما متعاضدة بالسنة إلى حد الصلاحية والاعتبار فالمصير إليها متعين فالواجب على النفساء وقوف أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك كما دلت على ذلك الأحاديث السابقة ) .
وقال الترمذي ( 258 ) :
( وقد اجمع أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والتابعين ومن بعدهم على أن النفساء تدع الصلاة أربعين يوما إلا أن ترى الطهر قبل ذلك فإنها تغتسل وتصلي . فإذا رأت الدم بعد الاربعين فإن أكثر أهل العلم قالوا : لا تدع الصلاة بعد الأربعين وهو قول أكثر الفقهاء وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) .
قلت : وما ذكره عن الشافعي هو قول له وإلا فالمشهور المذكور في كتب أصحابه أن أكثر النفاس ستون يوما . وحكاه الترمذي عن عطاء بن أبي رباح والشعبي .
واختلفوا في أقل النفاس على أقوال أقربها إلى الصواب أنه لا حد لأقله لقوله فيما سبق : فإن رأت الطهر قبل ذلك . وهو قول الشافعي ومحمد وهو اختيار شيخ الإسلام ( 16 ) من ( الاختبارات ) وابن حزم ( 2/203 ) .
واعلم أن النفاس كالحيض في جميع ما يحل ويحرم ويكره ويندب وقد نقل الإجماع في ذلك الشوكاني ( 248 ) عن ( البحر ) . وقد أجمعوا أن الحائض لا تصلي فكذلك النفساء .
2 - كتاب الصلاة
1 - هي أحد الأركان الخمسة : ( بني الإسلام على خمس ) . . . الحديث ( متفق عليه ) . وفيه حديث : لا أزيد عليهن ولا أنقص .
2 - وفرضت أولا خمسين ثم جعلت خمسا : أنس بن مالك : فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم الصلوات ليلة أسري به خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسين . ت ( 1/417 ) وصححه وحم ( 3/161 ) : ثنا عبد الرزاق : نا معمر عن الزهري قال : أخبرني أنس بن مالك به . وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وهو عندهما طرف من حديث الإسراء الطويل بنحوه .
3 - ويجوز لولاة الأمر أن يقبلوا إسلام الكافر ولولم يرض بإقامة كل الصلوات الخمس : نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم :
أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم على أنه لا يصلي إلا صلاتين فقبل ذلك منه . حم ( 5/24 - 25 و363 ) من طريق شعبة عن قتادة عنه .
وهذا سند صحيح على شرط مسلم . وفيه أحاديث .
4 - وفرضت أولا ركعتين ركعتين إلا المغرب ثم زيدت في الحضر إلا الصبح وتركت على ما هي عليه في السفر قالت عائشة :
قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة زاد مع كل ركعتين ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار وصلاة الفجر لطول قراءتهما قال : وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى . حم ( 6/241 و265 ) عن داود بن أبي هند عن الشعبي عنها . وهذا بسند صحيح على شرط مسلم . وله عنده ( 6/272 ) طريق أخرى عنها بنحوه وسنده حسن . وأصله في البخاري ومسلم مختصرا دون ذكر الصبح والمغرب . ولا يعارض هذا حديث ابن عباس قال : فرض الله الصلاة على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم في الحضر أربعا وفي السفر ركعتين وفي الخوف ركعة . مسلم ( 2/143 ) وغيره فإن هذا إخبار عن ما استقر عليه الأمر .
5 - وتاركها يخشى عليه الكفر لقوله عليه الصلاة والسلام :
( بين الرجل وبين الكفر تلك الصلاة ) م . زاد هبة الله الطبري :
( فإذا تركها فقد أشرك ) . قال المنذري :
( إسناده صحيح ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) ( حم ن ت : صح مس : صح ) وراجع ( نقد التاج ) .
ولذلك كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . ( ت ) عن عبد الله بن شقيق العقيلي التابعي به . ووصله الحاكم بذكر أبي هريرة فيه . وهو صحيح الإسناد ولذا يحشر يوم القيامة مع كبار المشركين قال عليه الصلاة والسلام : ( من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاه وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف ) ( مي حم طب حب في ( صحيحه ) .
وسنده حسن .
ولكن كفره ليس من النوع الذي لا يمكن أن يغفره الله وأن يدخله الجنة بل ذلك جائز قال صلى الله عليه وسلم : ( خمس صلوات كتبهن الله على العباد فمن جاءه بهن ولم يضيع منهن شيئا استخفافا بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة ) . ( مالك د ن مي مج حم بسند صحيح ) .
واعلم أنه قد جاءت أحاديث كثيرة فيها نسبة الكفر إلى من أتى ذنبا من الذنوب الكبار بل في بعضها أنه كفر وأنه كافر فقال صلى الله عليه وسلم : ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) وقال : ( ليس من رجل ادعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ) و( اثنتان في الناس هما بهم كفر : الطعن في النسب والنياحة على الميت ) و( لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ) و( أيما عبد أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم ) و( من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه ) . وكل هذه الأحاديث في ( الصحيح ) . فإذا علمنا أن الكفر درجات وأن منه ما لا يخلد صاحبه في النار فلا ملجئ حينئذ إلى التأويل من سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم كافرا سميناه كافرا ولا نزيد على هذا المقدار . وراجع لهذا الشوكاني ( 1/254 - 260 ) .
6 - وتاركها يقتل :
( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا . . . ) الحديث ( متفق عليه ) ( سيكون عليكم أمراء فتعرفون وتنكرون فمن أنكر فقد برئ عنقه ومن كره فقد سلم ولكن من رضي وتابع ) فقالوا : ألا نقاتلهم ؟ قال : ( لا ما صلوا ) ( م ) . ( أليس يصلي ؟ ) قال : بلى ولا صلاة له . قال عليه السلام : ( أولئك الذين نهاني الله عن قتلهم ) مالك ( 1/185 ) مرسلا بسند صحيح ووصله الشافعي وأحمد في ( مسنديهما ) .
وله شاهد من حديث أنس في البراني وأبي يعلى والبزار في ( المجمع ) ( 1/296 ) وآخر عن أبي هريرة ( د 2/305 ) .
7 - ولا تجب الصلاة على الصبي حتى يبلغ :
( رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يحتلم وعن المجنون حتى يعقل ) ( د ن ت مي مج مس حم 6/100 - 0101 و101 ) وهو بمجموع طرقه وشواهده صحيح ويراجع في ( نصب الراية ) ( 4/161 - 165 ) و( التلخيص ) ( 2/95 - 96 ) و( مفتاح كنوز السنة ) ( ص 152 ) .
8 - ولكن يجب على ولي الأمر أن يأمره بالصلاة إذا بلغ السبع سنين وأن يضربه إذا بلغ العاشرة :
( مروا صبيانكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر سنين وفرقوا بينهم في المضاجع ) وهو حديث حسن أو صحيح بطريقيه . انظر ( نقد التاج ) ( رقم 80 ) وبه قال الشافعية : مجموع ( 2/11 ) وإليه ذهب الشوكاني ( 1/260 ) .
9 - ولا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر - وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد كما في ( المجموع ) ( 2/6 - 7 ) وهو مذهب ابن حزم ( 2/233 - 234 ) واختاره شيخ الإسلام ( 19 ) .
10 - وكذا المغمى عليه لا قضاء عليه وهو مذهب من ذكر ورواه ابن حزم عن ابن عمر وطاوس والهري والحسن البصري وابن سيرين وعاصم بن بهدلة .
11 - وكذا الكافر إذا أسلم لا قضاء عليه : لقوله صلى الله عليه وسلم :
( الإسلام يجب ما قبله ) . حم ( 4 : 198 - 199 و204 و205 ) من طرق عن عمرو بن العاص .
12 - وأما النائم فيقضي ما فاته من الصلوات في حالة نومه :
( إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول : ( أقم الصلاة لذكري ( ) ( م ) .
1 - الظهر 8
أول صلاة الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر . وهذا قطعة من حديث لأبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ( إن للصلاة أولا وآخرا وإن أول وقت صلاة الظهر حين تزول الشمس وآخر وقتها حين يدخل وقت العصر وإن أول وقت صلاة العصر حين يدخل وقتها وإن آخر وقتها حين تصفر الشمس وإن أول وقت المغرب حين تغرب الشمس وإن آخر وقتها حين يغيب الأفق وإن أول وقت العشاء الآخرة حين يغيب الأفق وإن آخر وقتها حين ينتصف الليل وإن أول وقت الفجر حين يطلع الفجر وإن آخر وقتها حين تطلع الشمس ) .
أخرجه الترمذي ( 1/283 - 284 ) والطحاوي ( 1/89 و93 ) والدارقطني ( 97 ) والبيهقي ( 1/375 - 376 ) وأحمد ( 2/232 ) وابن حزم في ( المحلى ) ( 3/168 ) كلهم من طريق محمد بن فضيل عن الأعمش عن أبي صالح عنه وهذا سند صحيح على شرط الشيخين وقد صححه ابن حزم وقد أعله البخاري وغيره بأن الصواب أنه مرسل ورد ذلك ابن حزم وغيره فأصاب ولا سيما أن له شاهدا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وقت الصلوات فقال : ( وقت صلاة الفجر ما لم يطلع قرن الشمس الأول ووقت صلاة الظهر إذا زالت المشس عن بطن السماء ما لم يحضر العصر ووقت صلاة العصر ما لم تصفر الشمس ويسقط قرنها الاول ووقت صلاة المغرب إذا غابت الشمس ما لم يسقط الشفق ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل ) .
رواه مسلم ( 2/105 ) واللفظ له وأبو داود ( 1/64 ) ون ( 90 - 91 ) والطحاوي ( 90 و93 ) وأحمد ( 2/210 و213 و223 ) عن قتادة عن أبي أيوب عنه . ورواه ابن حزم ( 3/166 ) والطيالسي ( 297 ) .
ويستحب تأخيرها في الحر : عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان الحر أبرد بالصلاة وإذا كان البرد عجل . ن ( 87 ) : أخبرنا عبيد الله بن سعيد قال : ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم قال : ثنا خالد بن دينار أبو خلدة قال : سمعت أ : نس بن مالك به . وهذا سند صحيح على شرط البخاري .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم ) ( الجماعة ) . وهو قول ابن المبارك وأحمد وإسحاق .
وسواء ذلك لمن قصد المسجد البعيد عنه أو القريب منه لحديث أبي ذر في الإبراد في السفر وهم مجتمعون . انظر الترمذي ( 296 ) .
2 - العصر
وأول وقت صلاة العصر حين يصير ظل كل شيء مثله : عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل فقال : قم فصله فصلى الظهر حين زالت الشمس ثم جاءه العصر فقال : قم فصله : فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثله أو قال : صار ظله مثله ثم جاءه المغرب فقال : قم فصله فصلى حين وجبت الشمس ثم جاءه العشاء فقال : قم فصله فصلى حين غاب الشفق ثم جاءه الفجر فقال : قم فصله فصلى حين برق الفجر أو قال : حين سطع الفجر ثم جاءه من الغد للظهر فقال : قم فصله فصلى الظهر حين صار ظل كل شيء مثله ثم جاءه للعصر فقال : قم فصله فصلى العصر حين صار ظل كل شيء مثليه ثم جاءه للمغرب ( المغرب ) وقتا واحدا لم يزل عنه ثم جاءه للعشاء ( العشاء ) حين ذهب نصف الليل أو قال : ثلث الليل فصلى العشاء ثم جاءه للفجر حين أسفر جدا فقال : قم فصله فصلى الفجر ثم قال : ما بين هذين وقت .
أخرجه أحمد ( 3/330 - 331 ) واللفظ له والنسائي ( 91 - 92 ) والترمذي ( 1/281 ) والحاكم ( 195 - 196 ) والدارقطني ( 95 ) كلهم من كريق عبد الله ابن المبارك : أخبرنا حسين بن علي بن حسين : أخبرني وهب بن كيسان عنه وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) . وقال الحاكم :
( صحيح مشهور ) ووافقه الذهبي .
وهو كما قالوا .
وله طريق أخرى عن جابر أخرجه أحمد أيضا ( 3/351 ) والنسائي ( 88 ) والطحاوي ( 88 ) من طريق عبد الله بن الحارث : ثني ثور بن يزيد عن سليمان ابن موسى عن عطاء بن أبي رباح عنه وهذا سند جيد .
وتابعه برد بن سنان وعبد الكريم بن أبي المخارق كلاهما عن عطاء . أخره الدارقطني والحاكم .
وهذا القول هو مذهب الجمهور ورواية أبي حنيفة في الطحاوي ( 95 ) .
وآخر وقتها حين تصفر الشمس ويسقط قرنها الأول كما في حديث أبي هريرة وابن عمرو السابقين ولما يدل على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) ( متفق عليه ) وهو مذهب الجمهور كما في ( النيل ) ( 2/267 ) وممن قال بذلك أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن رحمهم اله كما في الطحاوي ( 90 ) . وأما قول الشوكاني : وقال أبو حنيفة : آخره الاصفرار فلعله رواية عن أبي حنيفة .
ولكن لا يجوز تأخيرها إلى الاصفرار قبل الغروب إلا لعذر قال عليه الصلاة والسلام : ( تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقرها أربعا لا يذكر الله إلا قليلا ) ( رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) وقد نقل الترمذي ( 300 ) القول بكراهة تأخيرها عن عبد الله بن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وهو قول ابن حزم ( 3/164 ) .
وهي الصلاة الوسطى . قال عليه السلام يوم الأحزاب : ( ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس ) ( متفق عليه ) ولمسلم وأحمد وأبي داود : ( شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ) وفي معناه أحاديث كثيرة صحيحة وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم قاله الترمذي ( 1/342 ) .
3 - المغرب
وأول وقت المغرب حين تغرب الشمس وآخر وقتها حين يغيب الشفق وهو قطعة من حديث أبي هريرة وحديث ابن عمرو أيضا وقد تقدما في أول الفصل .
والحكم الأول متفق عليه والآخر مختلف فيه فقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه ليس لصلاة المغرب إلا وقت واحد وذهبوا إلى حديث جبريل عليه السلام المتقدم وفيه أنه صلى المغرب في اليومين حين وجبت الشمس وقتا واحدا . وهو قول ابن المبارك والشافعي .
لكن الأحاديث الصحيحة تقتضي امتداد وقت المغرب إلى ذهاب الشفق وهو قول للشافعي في القديم والجديد . وصححه جمع من الشافعية واختاره النووي وانتصر له فراجع كلامه في ( المجموع ) ( 3/29 - 33 ) وحديث جبريل إنما يدل على وقت الفضيلة والإختيار كما دل هو أيضا على ذلك بخصوص صلاة العصر .
والشفق هو الحمرة لقوله عليه السلام : ( ووقت المغرب ما لم يسقط ثور الشفق ) . أخرجه مسلم ( 2/104 ) في رواية من حديث ابن عمرو المتقدم وهو عند أبي داود بلفظ : فور الشفق . وهو بمعنى ثور أي ثورانه . قال النووي في ( المجموع ) ( 3/36 ) : ( وهذه صفة الأحمر لا الأبيض ) وقد رواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) مصرحا بذلك فقال : ثنا عمار بن خالد : ثنا محمد بن يزيد - هو الواسطي - عن شعبة عن قتاجة عن أبي أيوب عن عبد الله بن عمرو رفعه :
( وقت صلاة المغرب إلى أن تذهب حمرة الشفق . . . . ) الحديث وهذا إسناد جيد إلا أن ابن خزيمة قال بعد أن ساقه : إن صحت هذه اللفظة تفرد بها محمد بن يزيد وإنما قال أصحاب شعبة فيه : نور الشفق مكان حمرة الشفق . قال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/28 ) : ( قلت : محمد بن يزيد صدوق ) وقال : في التقريب ) : ( ثقة ثبت عابد ) .
وقد ذهب إلى أن الشفق الحمرة جمهور الفقهاء وأهل اللغة وهو قول الصاحبين وقد رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر كما في ( تهذيب الأسماء ) ( 2/165 ) ورواه الدارقطني ( 100 ) مرفوعا وأعلوه . ثم رواه عن عبادة ابن الصامت وشداد بن أوس معا وعن أبي هريرة موقوفا .
وقال أبو حنيفة والمزني وطائفة من الفقهاء وأهل اللغة : المراد الأبيض وهو بعد الأحمر قال في ( شرح مسلم ) : ( والأول هو الراجح ) . وإليه ذهب ابن حزم ( 3/192 - 194 ) .
ويستحب المبادرة إلى صلاة المغرب والتعجيل بها قبل اشتباك النجوم لقوله عليه الصلاة والسلام :
( لا تزال أمتي بخير - أو على الفطرة - ما لم يؤخروا المغرب حتى تشتبك النجوم ) .
وهو حديث صحيح بطرقه وقد ذكرت كثيرا منها في التعليق على الطبراني رقم ( 365 ) . وقد صححه الحاكم والذهبي .
ولا ينافي ذلك صلاة الركعتين قبل المغرب لثبوتهما عنه صلى الله عليه وسلم قولا وإقرارا قال عليه السلام : بين كل أذانين صلاة بين كل أذانين صلاة ) ثم قال في الثالثة : ( لمن شاء ) ( الجماعة ) وابن نصر ( 26 ) .
وفي رواية : ( صلوا قبل المغرب ركعتين ) ثم قال : صلوا قبل المغرب ركعتين ) ثم قال عند الثالثة : ( لمن شاء ) كراهة أن يتخذها الناس سنة . ( حم خ دن قط ) .
وقال أنس : كان المؤذن إذا أذن قام ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يبتدرون السواري حتى يخرج النبي وهم كذلك يصلون ركعتين قبل المغرب لم يكن بين الأذان والإقامة شيء . وفي رواية : إلا قليل ( حم خ ابن نصر ) .
وفي رواية : فقيل له : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاهما ؟ قال : كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا . ( م د قط : 100 ) وله شاهد من حديث عقبة عند ( خ حم قط ابن نصر ) .
وأما ما أخرجه أبو داود وحده ( 202 ) من طريق شعبة عن أبي شعيب عن طاوس قال : سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب فقال : ما رأيت أحدا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما . فهو مع كونه نافيا - وقد علم أن المثبت مقدم على النافي - لا يقاوم في الصحة ما تقدم فإن أبا شعيب هذا اسمه شعيب وليس بالمشهور كثيرا وقد قال فيه أبو زرعة : ( لا بأس به ) .
وكذا في ( التقريب ) وقد سكت على الحديث في ( التلخيص ) ( 4/8 ) وفي ( الدراية ) ( 119 ) وأ/ا النووي فقال في ( المجموع ) ( 4/8 ) :
( إن إسناده حسن ) . واله أعلم .
ثم إني بعد كتابة ما تقدم رجعت إلى ( المحلى ) لابن حزم فإذا به يقول ( 2/254 ) - وقد ذكر حديث ابن عمر هذا - :
( إنه لا يصح لأنه عن أبي شعيب أو شعيب ولا ندري من هو ) .
ذلك وأما إذا وضع العشاء وكانت نفسه تتوق إليه فعليه أن يبدأ به ولو أدى ذلك إلى تأخير الصلاة قال عليه الصلاة والسلام :
( إذا قدم العشاء فابدؤوا به قبل صلاة المغرب ولا تعجلوا عن عشائكم ) ( متفق عليه ) .
وكذلك الشأن في كل صلاة . قال عليه السلام :
( إذا أقيمت الصلاة وحضر العشاء فابدؤوا بالعشاء ) . وقال :
( لا صلاة بحضرة الطعام ) ( م ) .
وكان ابن عمر يوضع له الطعام وتقام الصلاة فلا يأتيها حتى يفرغ وإنه ليسمع قراءة الإمام .
ويتأكد ذلك للصائم لقوله عليه الصلاة والسلام :
( لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر ) ( متفق عليه ) .
ولا يجوز تسميتها بالعشاء لقوله عليه السلام :
( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتتكم المغرب ) قال : ( والأعراب تقول : هي العشاء ) .
أخرجه البخاري في ( الصلاة : باب من كره أن يقال للمغرب : العشاء ) . وأحمد ( 5/55 ) . وعزاه في ( المنتتقى ) لمسلم أيضا حيث قال :
( متفق عليه ) .
وهو وهم فليس هو في مسلم وقد اقتصر في عزوه إلى البخاري صاحب ( المشارق ) وكذا النووي في ( المجموع ) ( 3/29 ) .
قال السندي : كأن المراد فيه وفي مثله النهي عن إكثار إطلاق لغة الأعراب بحث تغلب لغة الأعراب على الاسم الشرعي فيقل إطلاق الاسم الشرعي بين الناس ويكثر إطلاق اسم الأعراب فلا ينافي إطلاق اسم العشاء على قلة ولهذا ورد مثل هذا النهي في إطلاق اسم العتمة على العشاء ثم جاء إطلاق اسم العتمة على العشاء في الشرع على قلة والله أعلم .
4 - العشاء
أول وقتها حين يغيب الشفق وهو الأحمر - كما سبق - ومن حجة من قال ذلك ما قاله ابن سيد الناس في شرح الترمذي : وقد علم كل من له علم بالمطالع والمغارب أن البياض لا يغيب إلا عند ثلث الليل الأول بيقين وهو الذي حد عليه الصلاة والسلام خروج أكثر الوقت به فصح يقينا أن وقتها داخل قبل ثلث الليل الأول بيقين فقد ثبت من النص أنه داخل قبل مغيب الشفق الذي هو البياض فتبين بذلك يقينا أن الوقت دخل بالشفق الذي هو الحمرة ) نقله الشوكاني ( 2/9 ) . وقد سبق ابن حزم إلى هذا المعنى في ( المحلى ) ( 2/193 ) ابن سيد الناس وكأنه أخذه عنه .
وهذا مذهب الجمهور .
وآخر وقتها حين ينتصف الليل كما في حديث أبي هريرة وابن عمرو المتقدمين . وهو مذهب ابن حزم ( 2/164 ) وقد رواه عن عمر رضي الله عنه بلفظ : ( وصل صلاة العشاء من العشاء إلى نصف الليل أي حين تبيت ) ( رسمه في الأصل بدون إعجام . كذا في ( المحلى ) وأقول : الصواب : شئت فقد ذكره ابن حزم من طريق الحجاج بن منهال : ثنا يزيد بن هارون : ثنا محمد بن سيرين عن المهاجر أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى به . وقد رواه الطحاوي ( 1/94 ) من طريق أبي عمر الحوضي - واسمه حفص بن عمر - قال : ثنا يزيد بن هارون به بلفظ : أي حين شئت .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين والمهاجر هذا هو أبو الحسن كما صرح ابن حزم ( 190 ) .
ولهذا الأثر طريق آخر أخرجه مالك ( 1/25 ) من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى بلفظ :
( وأن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل فإن أردت فإلى شطر الليل ولا تكن من الغافلين ) .
وهذا سند صحيح غاية .
وأما ما رواه الطحاوي من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عن نافع بن جبير قال : كتب عمر إلى أبي موسى : ( وصل العشاء أي الليل شئت ولا تغفلها ) فمخالف لما سبق وعلة هذه الرواية الانقطاع بين حبيب ونافع فإن حبيبا وإن كان ثقة فقد كان كثير الإرسال والتدليس كما في ( التقريب ) وأنت ترى أنه قد عنعن ولم يصرح بالتحديث فلا يحتج بروايته هذه لا سيما وقد خالفت ما رواه الثقات .
وهذا المذهب روي عن مالك القول به كما في ( بداية المجتهد ) ( 75 ) وهو قول أبي سعيد الإصطخري قال :
( إذا ذهب ثلث الليل أو نصفه فاتت الصلاة وتكون قضاء ) .
ذكره في ( المهذب ) . وهو ظاهر قول الإمام الشافعي في باب استقبال القبلة : ( إذا مضى ثلث الليل فلا أراها إلا فائتة ) قال النووي في ( شرح المهذب ) ( 3/40 ) :
( فمن أصحابنا من وافق الإصطخري لظاهر هذا النص وتأوله الجمهور ) .
وقلت : ومن حجة الشافعي في قوله بالثلث حديث عائشة قالت :
أعتم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة بالعتمة فناداه عمر رضي الله عنه : نام النساء والصبيان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( ما ينتظرها غيركم ) ولم يكن يصلي يومئذ إلا بالمدينة ثم قال :
( صلوها فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل ) .
أخرجه النسائي من طريق ابن حمير قال : ثنا ابن أبي عيلة عن الزهري عن عروة عنها .
وهذا سند جيد رجاله ثقات إلا ابن حمير واسمه محمد تكلم فيه بعضهم مع أنه من رجال البخاري وقد أخرجه في ( صحيحه ) من طريق صالح بن كيسان : أخبرني ابن شهاب به نحوه إلا أنه قال بدل قوله : ثم قال : صلوها . . . إلخ قال : وكانوا يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق إلى ثلث الليل الأول .
لكن قد ثبت تحديد وقت صلاة العشاء إلى نصف ( الليل ) في الحديثين السابقين وهي زيادة يجب قبولها كما لا يخفى وقد جاءت أحاديث أخرى في ذلك منها حديث أنس قال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء إلى نصف الليل ثم صلى ثم قال : ( قد صلى الناس وناموا أما إنكم في صلاة ما انتظرتموها ) خ حم ( 3/200 ) والطحاوي ( 94 ) كلاهما عن حميد الطويل عنه . وأخرجه النسائي ( 93 ) من هذا الوجه بلفظ : ( إلى قريب من شطر الليل ) . وهو رواية لأحمد ( 3/189 ) .
وله طرق أخرى منها عن ثابت عنه بلفظ : ( إلى شطر الليل ) أو ( كاد يذهب شطر الليل ) . أخرجه مسلم ( 2/116 ) وأحمد ( 267 ) وليس عنده : ( إلى شطر الليل ) بل قال : ( حتى كاد يذهب شطر الليل ) .
ومنها عن قرة بن خالد عن قتادة عن أنس بلفظ :
( حتى كان قريب من نصف الليل ) .
أخرجه مسلم أيضا والطيالسي ( 267 ) وقال : ( حتى مضى شطر الليل ) وهذا اللفظ شاذ مخالف لسائر الروايات .
ومنها عن أبي هريرة مرفوعا :
( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يؤخروا العشاء إلى ثلث الليل أو نصفه ) .
أخرجه ت وصححه مج ( 234 ) حم ( 250 - 433 ) عن عبيد الله بن عمر عن سعيد المقبري عنه . ورجاله رجال الشيخين .
ورواه الحاكم ( 1/146 ) من طريق أخرى عن سعيد بلفظ : ( إلى نصف الليل ) بدون شك .
ورواه أحمد من طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ : ( إلى ثلث الليل ) بدون شك .
ولذلك رواه من وجه آخر عن سعيد عن عطاء مولى صفية عن أبي هريرة فقد اضطرب في هذه اللفظة . انظر التعليق على الترمذي .
ومنها حديث أبي سعيد الخدري قال : صلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العتمة فلم يخرج حتى مضى نحو من شطر الليل فقال : ( خذوا مقاعدكم ) فأخذنا مقاعدنا فقال : ( إن الناس قد صلوا وأخذوا مضاجعهم وإنكم لن تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ولولا ضعف الضعيف وسقم السقيم لأخرت هذه الصلاة إلى شطر الليل ) . أخرجه د ( 69 ) واللفظ له ون ( 92 ) ومج ( 234 - 235 ) وحم ( 3/5 ) من طريق داود بن أبي هند عن أبي نضرة عنه . وهذا سند صحيح كما قال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/29 ) .
قلت : وهو على شرط مسلم .
هذا ولم نجد لمن ذهب - وهم الجمهور - إلى أن وقت العشاء يمتد إلى صلاة الفجر إلا حديثين وليسا بنص في ذلك :
الأول : عن أبي قتادة مرفوعا : ( ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى ) . احتج به على ما ذكرنا بعض أهل الظاهر من المتقدمين . والشوكاني المحقق من المتأخرين ( 1/10 ) ورد ذلك ابن حزم ردا قويا فقال ( 3/178 ) : هذا لا يدل على ما قالوه أصلا وهم مجمعون معنا بلا خلاف من أحد من الأئمة أن وقت صلاة الفجر لا يمتد إلى وقت صلاة الظهر فصح أن هذا الخبر لا يدل على اتصال وقت كل صلاة بوقت التي بعدها وإنما فيه معصية من أخر صلاة إلى وقت غيرها فقط سواء اتصل آخر وقتها بأول الثانية لها أم لم يتصل وليس فيه أنه لا يكون مفرطا أيضا من أخرها إلى خروج وقتها وإن لم يدخل وقت أخرى ولا أنه يكون مفرطا بل هو مسكوت عنه في هذا الخبر ولكن بيانه في سائر الأخبار التي فيها نص على خروج وقت كل صلاة والضرورة توجب أن من تعدى بكل عمل وقته الذي حده الله تعالى لذلك العمل فقد تعدى حدود الله وقال تعالى : ( ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون ( .
والحديث الثاني عن عائشة قالت : أعتم النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل وحتى نام أهل المسجد ثم خرج فصلى فقال : ( إنه لوقتها لولا أن أشق على أمتي ) . مسلم ( 2/116 ) ن ( 93 ) مي ( 1/276 ) والطحاوي ( 94 ) من طريق ابن جريج قال : أخبرني المغيرة بن حكيم عن أم كلثوم بنت أبي بكر أنها أخبرته عنها .
فظاهر الحديث أنه صلاها بعد مضي نصف الليل الأول ولكن الحديث مؤول .
قال النووي : ( والمراد بعامة الليل كثير منه وليس المراد أكثره ولا بد من هذا التأويل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنه لوقتها ) ولا يجوز أن المراد بهذا القول ما بعد نصف الليل لأنه لم يقل أحد من العلماء أن تأخيرها إلى ما بعد نصف الليل أفضل ) .
قلت : وقد يدل لهذا التأويل أن الحديث قد جاء في البخاري ومسلم والنسائي والدارمي والمسند ( 6/43 و215 و272 ) من طرق عن الزهري عن عروة عن عائشة وليس فيه قوله : ( حتى ذهب عامة الليل ) وإنما فيه : ( حتى ناداه عمر بن الخطاب : قد نام النساء والصبيان ) . وذلك إنما يكون عادة قبل نصف الليل . ويقوي ذلك أن الحديث هذا رواه ابن عباس أتم منه فقال : أخر النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ذات ليلة حتى ذهب من الليل فقام عمر رضي الله عنه فنادى : الصلاة يا رسول الله رقد النساء والولدان . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والماء يقطر من رأسه وهو يقول : ( إنه الوقت لولا أن أشق على أمتي ) . أخرجه النسائي ( 92 ) والدارمي ( 276 ) من طريق سفيان عن عمرو عن عطاء عنه وعن ابن جرير عن عطاء عنه .
وهذان إسنادان صحيحان على شرط الشيخين .
وقد رواه مسلم ( 117 ) وأحمد ( 1/366 ) عن ابن جريج به وفيه التصريح بسماع ابن جريج من عطاء .
فهذه الرواية تدل على أن حديث عائشة برواية أم كلثوم عنها وحديثها برواية عروة عنها إنما هو حديث واحد اختصره بعض الرواة وهي تدل دلالة ظاهرة على أن قوله فيها : ( إنه الوقت ) يريد به الوقت الذي نام فيه النساء والولدان وذلك قبل نصف الليل عادة كما قلنا فرجع الحيث إلى أن المراد بعامة الليل كثير منه لا أكثره كما قال النووي وهو من دقة فهمه رحمه الله . وإن كان لا بد من الأخذ بظاهر حديث أم كلثوم عنها فهذا إنما يدل على أنه صلاها في ابتداء النصف الثاني ولذلك قال ابن حزم ( 3/184 ) :
( إذا ذهب نصف الليل فقد ذهب عامة الليل ) وعلى هذا بنى قوله في أول الفصل ( 3/164 ) : ( ثم يتمادى وقت صلاة العتمة إلى انقضاء نصف الليل الأول وابتداء نصف الثاني فمن كبر لها في أول النصف الثاني من الليل فقد أدرك صلاة العتمة بلا كراهة ولا ضرورة فإذا زاد على ذلك فقد خرج وقت الدخول في صلاة العتمة ) . وأما أنه يدل على امتداد الوقت إلى صلاة الفجر كما زعم الطحاوي فليس فيه أدنى دلالة على ذلك . وهو قول للشافعي كما ذكر الشوكاني ( 2/10 ) .
والليل ينتهي بطلوع الفجر الصادق وهو مذهب الشافعية وكافة العلماء وراجع ( المجموع ) ( 3/10 ) .
وكان صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر العشاء . ( رواه الجماعة ) .
زاد أحمد ( 4/424 و425 ) : إلى ثلث الليل . وسنده صحيح على شرطهما .
ويحض على ذلك فيقول : ( أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم ) . أبو داود ( 69 ) وحم ( 5/237 ) من طريق حريز بن عثمان : ثنا راشد بن سعد عن عاصم بن حميد السكوني - وكان من أصحاب معاذ بن جبل - أنه سمع معاذ بن جبل يقول : رقبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء فاحتبس حتى ظننا أن لن يخرج والقائل منا يقول : قد صلى ولن يخرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكره . زاد أبو داود : فإنا لكذلك حتى خرج النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له كما قالو . فقال لهم . . . الحديث . وهذا إسناد جيد .
وفي هذا الانتظار نزل قوله تعالى : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب . . . والله عليم بالمتقين ( [ آل عمران/113 - 115 ] قال ابن مسعود رضي الله عنه : أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم خرج إلى المسجد فإذا الناس ينتظرون الصلاة قال : ( أما إنه ليس من أهل هذه الأديان أحد يذكر الله هذه الساعة غيركم ) قال : وأنزل هؤلاء الآيات : ( ليسوا سواء من أهل الكتاب . . . ( حتى بلغ : ( وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين ( .
أخرجه أحمد ( 1/394 ) عن شيبان عن عاصم عن زر عنه . وهذا سند حسن .
وكان لا يعزم عليهم بذلك لما فيه من المشقة كما سبق .
ومع ذلك فكان عليه السلام يراعي أحوال المجتمعين قلة وكثرة فقد كان أحيانا يؤخرها وأحيانا يعجل إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطأوا أخر . ( خ م حم : 3/369 ) وطيا ( 124 ) عن أبي برزة .
وقالت عائشة : ما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل العشاء ولا سمر بعدها . مج ( 238 ) طيا ( 201 ) حم ( 6/264 ) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن يعلى الطائفي عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها . وهذا سند حسن ورجاله رجال سملم . وقال صاحب ( الزوائد ) : إنه صحيح .
وله طريق أخرى عند ابن نصر قال : ثنا محمود بن آدم : ثنا يحيى بن سليم : ثنا هشام بن عروة قال : سمعت أبي يقول : انصرفت بعد العشاء الآخرة فسمعت كلامي عائشة رضي الله عنها خالتي ونحن في حجرة بيننا وبينا سقف فقالت : يا عروة أو يا عرية ما هذا السمر ؟ إني ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نائما قبل هذه الصلاة ولا متحدثا بعدها إما نائما فيسلم أو مصليا فيغنم . وهذا إسناد محسن أيضا ورجاله رجال البخاري .
وقال ابن مسعود :
جدب 9 لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء يعني : زجرنا .
أخرجه ابن ماجه ( 238 ) وأحمد ( 1/388 - 389 410 ) من طرق ثلاثة عن عطاء بن السائب عن شقيق بن سلمة عنه . ورجاله رجال البخاري لكن عطاء كان قد اختلط .
قال الترمذي : وقد كره أكثر أهل العلم النوم قبل صلاة العشاء والحديث بعدها ورخص في ذلك بعضهم وقال عبد الله بن المبارك : أكثر الأحاديث الكراهية .
والذي يظهر من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الباب كراهة السمر والسهر إلا فيما فيه صالح المتكلم أو صالح المسلمين وفي ذلك أحاديث :
( 1 ) عن عمر بن الخطاب قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر مع أبي بكر في الأامر من أمور المسلمين وأنا معهما .
أخرجه الترمذي ( 1/315 ) وابن نصر ( 46 ) والطحاوي ( 391 ) من طريق أبي معاوية عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه . وهذا سند صحيح على شرطهما واقتصر الترمذي على تحسينه وهو قصور كما بينه المعلق عليه .
وقد رواه أحمد ( 1/25 - 26 ) بإسنادين عن عمر فقال ثنا أبو معاوية : ثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال : جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه وهو بعرفة قال : [ أبو ] معاوية : وحدثنا الأعمش عن خيثمة عن قيس بن مروان أ ه أتى عمر رضي الله عنه . . . . فذكر الحديث مطولا .
فللأعمش في الحديث إسنادان والأول صحيح كما ذكرنا وكذلك الآخر صحيح ورجاله رجال الشيخين غير قيس بن مروان أبي قيس وهو صدوق كما في ( التقريب ) .
( 2 ) عن ابن عباس أنه قال : رقدت في بيت ميمونة ليلة كان النبي صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالليل قال : فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رقد .
رواه مسلم ( 2/182 ) وابن نصر ( 46 ) .
( 3 ) عن أنس رضي الله عنه أن أسيد بن حضير ورجلا آخر من الأنصار تحدثا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة في حاجة لهما حتى ذهب من الليلة ساعة والليلة شديدة الظلمة ثم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم ينقلبان وبيد كل واحد عصاة فأضاءت عصا أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه فمشى كل واحد منهما في ضوئه حتى بلغ أهله .
رواه ابن نصر عن عبد الرزاق : أنا معمر عن ثابت عنه . وهذا سند صحيح على شرط الستة .
ويدل لما ذكرنا من الجمع : ما رواه أبو سعيد مولى الأنصار قال : كان عمر لا يدع سامرا بعد العشاء يقول : ارجعوا لعل الله يرزقكم صلاة أو تهجدا فانتهى إلينا وأنا قاعد مع ابن مسعود وأبي بن كعب وأبي ذر فقال : ما يقعدكم ؟ قلنا : أردنا أن نذكر الله فقعد معهم .
أخرجه الطحاوي ( 2/391 ) من طريق سليمان بن شعيب : ثنا عبد الرحمن ابن زياد قال : ثنا شعبة عن الجريري قال : سمعت أبا نضرة يحدث عن أبي سعيد به . وأبو سعيد هذا وعبد الرحمن بن زياد لم أعرفهما ويحتمل أن يكون عبد الرحمن هذا هو ابن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف الحديث .
ويكره تسمية العشاء بالعتمة . قال عليه الصلاة والسلام : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم : العشاء فإنها في كتاب الله العشاء وإنها تعتم بحلاب الإبل ) . ( م 118 ) ود ( 2/312 ) ون ( 93 - 94 ) مج ( 239 ) حم ( 2/10 و19 و49 و144 ) عن عبد الله بن أبي لبيد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن ابن عمر .
وفي رواية لأحمد : ( إنما يدعونها العتمة لإعتامهم بالإبل ) . وسندها صحيح على شرط مسلم .
وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه من طريق عبد الرحمن ابن حرملة عن سعيد بن الميب عنه . وإسناده جيد وقال في ( الزوائد ) : صحيح .
وله طريق أخرى عنه أخرجه وهو وأحمد ( 2/433 438 ) عن محمد بن عجلان : ثني سعيد - يعني المقبري - عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا . وسنده حسن أيضا .
ولا بأس من ذلك نادرا لثبوته عنه صلى الله عليه وسلم : ( ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا ) خ م ( 2 - 31 ) ن ( 93 ) حم ( 2/278 و303 و374 و533 ) مالك ( 1/87 - 88 ) كلهم عنه عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا به في حديثه .
زاد أحمد في رواية عن عبد الرزاق عن مالك : فقلت لمالك : إما يكره أن نقول : العتمة ؟ قال : هكذا قال الذي حدثني .
وثبت ذلك عن بعض الصحابة كجابر بن سمرة عند مسلم ( 118 ) وأحمد ( 5/89 و105 ) وغيرهما وجابر بن عبد الله عند أحمد ( 3/348 ) وغيره .
قال ابن القيم ( 2/12 ) بعد أن ذكر حديث ابن عمر ثم حديث أبي هريرة هذا :
( فقيل : هذا ناسخ للمنع وقيل بالعكس والصواب خلاف القولين فإن العلم بالتاريخ متعذر ولا تعارض بين الحديثين فإنه لم ينه عن إطلاق اسم العتمة بالكلية وإنما نهى عن أن يهجر اسم العشاء وهو الاسم الذي سماها الله به في كتابه . ويغلب عليها اسم العتمة فإذا سميت العشاء وأطلق عليها أحيانا العتمة فلا بأس والله أعلم .
وهذا محافظة منه صلى الله عليه وسلم على الأسماء التي سمى الله بها العبادات فلا يهجر ويؤثر عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ونشأ بسبب هذا من الفساد ما الله به عليم ) .
5 - الفجر
1 - أول وقتها حين يطلع الفجر كما سبق في حديث أبي هريرة .
2 - و( إن الفجر ليس الذي يقول هكذا ( وجمع أصابعه ثم نكسها إلى الأرض ) ولكن الذي يقول هكذا ( ووضع المسبحة على المسبحة ومد يديه ) . مسلم ( 3/129 ) وخ وزاد : عن يمينه وشماله .
3 - وكان صلى الله عليه وسلم يصليها بغلس . ( متفق عليه عن جابر ) .
4 - ولم يدخل بها في الإسفار إلا مرة واحدة قال أبو مسعود الأنصاري في حديث له : وصلى الصبح مرة بغلس ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها كانت صلاته بعد ذلك الغلس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر .
رواه أبو داود ( 65 ) وطحا ( 104 ) والدارقطني ( 93 ) وابن حبان في ( صحيحه ) كما في نصب الراية ( 240 ) من طريق أسامة بن زيد الليثي أن ابن شهاب أخبره عن عروة : سمعت بشير بن أبي مسعود يقول : سمعت أبا مسعود به . وهذا إسناد حسن كما قال النووي ( 3/52 ) وقال الخطابي :
( هو صحيح الإسناد ) .
وأما ما أخرجه أحمد ( 2/135 - 136 ) من طريق أبي شعبة الطحان جار الأعمش عن أبي الربيع قال : كنت مع ابن عمر . . . فقلت له : إني أصلي معك الصبح ثم ألتفت فلا أرى وجه جليسي ثم أحيانا تسفر قال : كذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأحببت أن أصليها كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها . فضعيف لا يقاومه وعلته أبو الربيع هذا قال الدارقطني :
( مجهول )
على أنه قد عارضه عن ابن عمر ما هو أقوى منه سندا فقال نهيك بن يريم : ثنا مغيث بن سمي قال : صليت مع عبد الله بن الزبير الصبح بغلس فلما سلم أقبلت على ابن عمر فقلت : ما هذه الصلاة . قال : هذه صلاتنا كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر فلما طعن عمر أسفر بها عثمان .
أخرجه ابن ماجه ( 229 - 230 ) والطحاوي ( 104 ) عنه .
وهذا سند صحيح كما في ( الزوائد ) وفي ( المجموع ) ( 3/53 ) قال الترمذي في ( كتاب العلل ) :
قال البخاري : هذا حديث حسن ) .
5 - وكان أحيانا يخرج منها في الغلس كما قالت عائشة : كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حتى يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس .
خ م ( 2/119 ) ن ( 94 ) /ي ( 277 ) ابن ماجه ( 669 ) طيا ( 206 ) حم ( 6/33 و37 و248 ) والطحاوي ( 104 ) عن الزهري عن عروة عن عائشة به .
وله طريقان آخران عنها :
( 1 ) مالك ( 21 ) عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عنها . وقد رواه مسلم وأبو داود ( 69 ) ون ت ( 287 ) وقال : حسن صحيح والطحاوي وأحمد ( 1/178 - 179 ) كلهم عن مالك به .
( 2 ) عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم بن محمد عنها أخرجه الطحاوي وأحمد ( 6/258 - 259 ) .
وله شاهد من حديث قيلة عند طبا ( 230 ) طحا ( 105 ) وعن حرملة العنبري عنده وكذا الطيالسي ( 167 ) .
6 - وأحيانا يخرج منها في الإسفار حين يعرف الرجل وجه جليسه كما قال أبو برزة الأسلمي : وكان صلى الله عليه وسلم ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف الرجل جليسه . خ م ( 119 - 120 ) د ( 66 ) ن ( 92 ) طحا ( 105 ) طيا ( 124 ) حم ( 4/420 و423 و424 و425 ) عن سيار بن سلامة عنه .
7 - وهذا الإسفار هو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام : ( أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر ) أي : اخرجوا منها في وقت الإسفار وذلك بإطالة القراءة فيها . وهذا التأويل لا بد منه ليتفق قوله صلى الله عليه وسلم هذا مع فعله الذي واظب عليه من الدخول فيها في وقت الغلس كما سبق وهو الذي رجحه الحافظ ابن القيم في ( إعلام الموقعين ) . وسبقه إلى ذلك الإمام الطحاوي من الحنفية وأطال في تقرير ذلك ( 1/104 - 109 ) وقال :
( إنه قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ) .
وإن كان ما نقله عن الأئمة الثلاثة مخالفا لما هو المشهور عنهم في كتب المذهب من استحباب الابتداء بالإسفار وقد مال إلى هذا الجمع أيضا من متأخري الأحناف العلامة أبو الحسنات اللكنوي في ( التعليق للمجد ) ( 42 - 44 ) .
وأما الحديث المذكور فحديث صحيح لكنه اختلف في لفظه فرواه باللفظ المذكور الترمذي ( 289 ) والدارمي ( 277 ت ) والطحاوي ( 106 ) والطيالسي ( 129 ) كلهم عن محمد بن إسحاق عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود ابن لبيد عن رافع بن خديج به .
وهذا سند حسن لولا عنعنة محمد بن إسحاق فإنه مدلس فيحتمل أنه سمعه بواسطة عن عاصم ويأتي ما يؤيد هذا الاحتمال .
ورواه أبو داود ( 69 ) وابن ماجه ( 230 ) وأحمد ( 4/140 ) كلهم عن سفيان ابن عيينة عن ابن عجلان عن عاصم به بلفظ : أصبحوا . بدل : أسفروا .
وكذلك رواه ابن إسحاق عن ابن عجلان فقال أحمد ( 3/465 ) : ثنا يزيد قال : أنا محمد بن إسحاق قال : أنبأنا ابن عجلان به .
وخالفهما عن ابن عجلان أبو خالد الأحمر فرواه عنه بلفظ : ( أسفروا ) . أخرجه عنه أحمد ( 4/142 ) وكذا يحيى بن سعيد عند النسائي وسفيان الثوري عند الطحاوي ( 105 ) وكذا الدارمي إلا أن هذا قال : ( نوروا ) .
وقد توبع عليه ابن عجلان فرواه زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر لكن اختلف عليه فيه سندا ومتنا .
أما السند فرواه أبو غسان : ثني زيد بن أسلم عن عاصم بن عمر عن محمود عن لبيد عن رجال من قومه من الأنصار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره .
أخرجه النسائي .
ورواه الليث بن سعد واسباط بن محمد أما الأول فقال : ثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عاصم بن رجال من قومه من الأنصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الطحاوي ( 106 )
وأما الآخر فقال : ثنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن محمود بن لبيد عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . أخرجه أحمد ( 4/243 ) .
فأسقط الأول من السند محمود بن لبيد شيخ عاصم بن عمر وأسقط الآخر عاصم بن عمر شيخ زيد بن أسلم .
وأما المتن فقال أبو غسان : ( ما أسفرتم بالفجر ) وقال الليث : ( أصبحوا بالصبح فكلما أصبحتم بها ) وقال أسباط : ( أسفروا ) .
وقد تابع هشاما عن زيد : حفص بن ميسرة مثل رواية الليث سندا ومتنا . رواه الطحاوي ( 105 - 106 ) .
وقد رواه عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن محمود بن لبيد الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أسفروا . . . ) الحديث .
وهذا اختلاف آخر لكن عبد الرحمن بن زيد ضعيف .
ورواه شعبة عن أبي داود عن زيد بن أسقط عن محمود بن لبيد عن رافع ابن خديج مرفوعا به .
وأبو داود هذا هو نفيع الأعمى وهو متروك وقد كذبه ابن معين . وفيه اختلاف آخر على زيد بن أسلم ذكره في ( نصب الراية ) ( 1/236 ) فراجعه فيه .
وبالجملة فهذا اضطراب شديد في الحديث والصواب من حيث الإسناد رواية ابن عجلان عن عاصم بن عمر عن محمود بن لبيد عن رافع بن خديج وذلك لأمرين : لاتصالها ولموافقة رواية أبي غسان عن زيد بن أسلم لها متنا وسندا إلا ما فيها من إبهام من رواتها من الصحابة عنه صلى الله عليه وسلم وليست بمخالفة فادحة كما لا يخفى وإسنادها صحيح كما في ( نصب الراية ) ( 238 ) .
وللحديث شواهد كثيرة لا تخلو أسانيدها من مقال وقد خرجها الزيلعي وكذا الهيثمي في ( المجمع ) ( 1/315 - 317 ) فليراجعها من شاء وكلها بلفظ : ( أسفروا ) وبعضها : ( نوروا ) . فهي في الجملة مؤيدة للفظ الذي رجحناه من حديث رافع وهو : أسفروا . ولكن قد علمت بما سلف أنه ليس المعنى : أسفروا ابتداء بل انتهاء إلا أنه يعكر على هذا المعنى ما خرجه ابن أبي حاتم في ( العلل ) ( 1/139 و143 - 144 ) والطيالسي ( 129 ) وابن أبي شيبة وإسحاق بن راهوية في مسانيده والطبراني في ( معجمه ) من طريق إسماعيل بن إبراهيم المديني عن هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج عن رافع بن خديج قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبلال :
( أسفر بصلاة الصبح حتى يرى القوم مواقع نبلهم ) .
وهذا سند رجاله ثقات لكن ما أرى أن هرير بن عبد الرحمن هذا سمعه من جده رافع فإنما يروي عن أبيه عبد الرحمن وقد ذكر الحافظ في ( التقريب ) أنه من الطبقة الخامسة يعني الطبقة الصغرى من التابعين الذين رأوا الواحد والاثنين من الصحابة ولم يثبت لبعضهم السماع من الصحابة كالأعمش .
وعليه فالظاهر أن الحديث منقطع ولو صح لأمكن تأويله بمثل ما سبق في حديث رافع فيكون قوله : حتى يرى القوم مواقع نبلهم يعني : حين الفراغ منها لا الابتداء .
وما أخرجه البخاري ( 3/427 ) م ( 4/76 ) د ( 1/305 ) ن ( 2/47 ) حم ( 1/426 و434 ) من حديث ابن مسعود قال : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة إلا لميقاتها إلا صلاتين : صلاة المغرب والعشاء بجمع وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها .
وفي رواية للبخاري ( 3/467 ) وأحمد ( 418 و449 ) عن عبد الرحمن بن يزيد قال : خرجت مع عبد الله رضي الله عنه إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى الصلاتين كل صلاة وحدها بأذان وإقامة والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر قائل يقول : طلع الفجر . وقائل يقول : لم يطلع الفجر . ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان المغرب والعشاء فلا يقدم الناس جمعا حتى يعتموا وصلاة الفجر هذه الساعة ) .
فهذه الرواية تبين أن قوله في الرواية الأولى : وصلى الفجر يومئذ قبل ميقاتها ليس على ظاهره لقوله في هذه : ثم صلى الفجر حين طلع الفجر .
وهذا كقول جابر في حديثه الطويل : وصلى الفجر حين تبين له الفجر .
أخرجه مسلم وغيره .
فالمراد إذن أنه صلى الفجر قبل ميقاتها المعتاد أي : إنه غلس تغليسا شديدا يخالف التغليس المعتاد إلى حد أن بعضهم كان يشك بطلوع الفجر .
ولذلك قال الحافظ في ( الفتح ) ( 3/413 ) :
( ولا حجة فيه لمن منع التغليس بصلاة الفجر لأنه ثبت عن عائشة وغيرها كما تقدم التغليس بها بل المراد هنا أنه كان إذا أتاه المؤذن بطلوع الفجر صلى ركعتي الفجر في بيته ثم خرج فصلى الصبح مع ذلك بغلس وأما بمزدلفة فكان الناس مجتمعين والفجر نصب أعينهم فبادروا بالصلاة أول ما بزغ حتى إن بعضهم كان لم يتبين له طلوعه كما في الرواية الثانية ) .
1 - وإذا كان من عادة الأئمة أن يؤخروا الصلاة عن وقتها المختار فعلى المسلم أن يصليها في الوقت في بيته ثم يصليها معهم متى صلوها وتكون له نافلة هذا الثانية .
قال أبو ذر رضي الله عنه : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( كيف أنت إذا كانت عليك أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها أو يميتون الصلاة عن وقتها ) قال : قلت : فما تأمرني ؟ قال :
( صل الصلاة لوقتها فإ أدركتها معهم فصل فإنها لك نافلة ) .
م ( 2/120 ) د ( 70 - 71 ) ت ( 1/232 ) مي ( 279 ) طحا ( 1/263 ) طيا ( 60 ) حم ( 5/149 و163 و169 ) متن طرق عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عنه والسياق لمسلم .
ثم لأبي داود وليس عند الآخرين قوله : ( أو يميتون الصلاة ) وهي شك من بعض الرواة عندهما والظاهر أنه حماد بن زيد فإن كل من رواه عن أبي عمران قال : ( يؤخرون الصلاة ) بدون شك . هذا وزاد أحمد في رواية من طريق صالح بن رستم عنه بعد قوله : ( صل الصلاة لوقتها ) : وربما قال : ( في رحلك ) .
وصالح هذا من رجال مسلم لكن تكلم فيه بعضهم وقال في ( التقريب ) :
( إنه صدوق كثير الخطأ ) .
وقد وجدت لهذه الزيادة شاهدا من حديث ابن مسعود كما يأتي .
ثم الحديث له طرق أخرى عن عبد الله بن الصامت :
فرواه م ن ( 138 ) مي طحا طيا ( 61 ) حم ( 5/168 ) من طريق شعبة عن بديل قال : سمعت أبا العالية يحدث عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - وضرب فخذي - : كيف أنت إذا بقيت في قوم يؤخرون الصلاة عن وقتها ) قال : فقال : ما تأمر ؟ قال : ( صل الصلاة لوقتها ثم اذهب لحاجتك فإن أقيمت الصلاة وأنت في المسجد فصل ) .
ثم أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) ( 138 و139 ) ومسلم وحم ( 147 و160 و168 ) عن أيوب عن أبي العلاية به . ونحوه بلفظ : ( فإن أدركت الصلاة معهم فصل ولا تقل : إني قد صليت فلا أصلي ) .
ثم أخرجه أيضا ( 5/159 مسند ) من طريق أبي نعامة عن عبد الله بن الصامت فزيادة : ( فصل معهم فإنها زيادة خير ) .
وللحديث شواهد :
( 1 ) عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنها ستكون عليكم بعدي أمراء يشغلهم أشياء عن الصلاة لوقتها حتى يذهب وقتها فصلوا الصلاة لوقتها ) فقال رجل : يا رسول الله أصلي معهم ؟ قال : ( نعم إن شئت ) . د ( 71 ) حم ( 315 ) عن جرير وسفيان الثوري كلاهما عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي يساف عن أبي المثنى الحمصى عن أبي أبي ابن امرأة عبادة بن الصامت عنه .
ثم أخرجه أحمد ( 5/314 - 315 و6/7 ) من طريق شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى ابن امرأة عبادة بن الصامت عنه .
ثم أخرجه أحمد ( 5/314 - 315 و6/7 ) نم طريق شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن أبي المثنى عن أبي أبي ابن امرأة عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم به بلفظ : ( فصلوا الصلاة لوقتها ثم اجعلوا صلاتكم معهم تطوعا ) . فجعله من مسند أبي أبي لا من مسند عبادة بن الصامت .
وكذلك أخرجه أحمد أيضا ( 315 ) من طريق يعمر - يعني : ابن بشر - : أنا عبد الله : أنا سفيان عن منصور به بلفظ : قال : كنا جلوسا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال . . . الحديث . ثم قال أحمد : وهذا الصواب يعني أنه من مسند أبي أبي من مسند عبادة .
وأبو أبي هذا صحابي صلى إلى القبلتين اسمه عبد الله . ورجال إسناده ثقات رجال مسلم غير أبي المثنى هذا واسمه ضمضم الأملوكي وثقه ابن حبان كما في الخلاصة وقال في ( التقريب ) : ( وثقه العجلي ) . ولم يزد على ذلك فالإسناد حسن أو قابل للتحسين والله أعلم .
( 2 ) عن ابن مسعود وله طريقان :
الأول : عن عبد الرحمن بن سايط عن عمرو بن ميمون ال دي عنه مرفوعا بلفظ :
( كيف بكم إذا أتت عليكم أمراء يصلون الصلاة لغير ميقاتها ) . قلت : فما تأمرني إن أدركني ذلك يا رسول الله ؟ قال :
( صل الصلاة لميقاتها واجعل صلاتك معهم سبحة ) .
أخرجه أبو داود عن الويد : ثنا الأوزاعي : ثني حسان بن عطية عن عبد الرحمن بن سابط به .
وهذا سند صحيح إذا سلم من تدليس الوليد - وهو ابن مسلم - فإنه كان يدلس تدليس التسوية ورجاله كلهم رجال مسلم .
الثانية عن زر عنه رضي الله عنه بلفظ :
( لعلكم ستدركون أقواما يصلون صلاة لغير وقتها فإذا أدركتموهم فصلوا في بيوتكم في الوقت الذي تعرفون ثم صلوا معهم واجعلوها سبحة ) .
رواه حم ( 1/379 ) عن أبي بكر : ثنا عاصم عن زر به وهذا سند حسن .
وله طريق ثالث موقوفا عليه بلفظ : ( إنها ستكون أئمة يؤخرون الصلاة عن مواقيتها فإذا فعلوا ذلك فلا تنتظروهم بها واجعلوا الصلاة معهم سبحة ) .
رواه أحمد ( 1/455 و459 ) عن محمد بن إسحاق قال : وثني عبد الرحمن ابن الأسود بن يزيد النخعي عن أبيه عنه .
وهذا سند حسن أيضا .
وقد تابعه هارون بن عنترة عن عبد الرحمن بن الأسود دون قوله : ( واجعلوا . . . ) إلخ .
رواه النسائي ( 128 - 129 ) وأحمد أيضا ( 1/424 ) .
وهذا إسناد صحيح .
ثم رواه أحمد ( 1/405 ) من طريق شعبة عن عبد الرحمن بن عابس قال : ثنا رجل من همدان من أصحاب عبد الله عنه .
ورجاله رجال الشيخين غير الهمداني فإنه لم يسم .
وقد وقعت لابن مسعود رضي الله عنه قصة في هذا الصدد لا بأس من ذكرها للفائدة وهي : ( أن الوليد بن عقبة أخر الصلاة مرة فقام عبد الله بن مسعود فثوب بالصلاة فصلى بالناس فأرسل إليه الوليد : ما حملك على ما صنعت ؟ أجاءك أمر من أمير المؤمنين فيما فعلت أم ابتدعت ؟ قال : لم يأتي من أمير المؤمنين ولم أبتدع ولكن أبى الله عز وجل علينا ورسوله أن ننتظرك بصلاتنا وأنت بحاجتك ) .
أخرجها الإمام أحمد ( 1/450 ) : ثنا إبراهيم بن خالد : ثنا رباح عن معمر عن عبد الله بن عثمان عن القاسم عن أبيه أن الوليد بن عقبة . . . إلخ .
وهذا سند صحيح رجاله رجلا الصحيح غير إبراهيم بن خالد وهو الصنعاني وهو ثقة . وغير رباح وهو ابن زيد القرشي الصنعاني وهو ثقة فاضل كما في ( التقريب ) وعبد الله بن عثمان هو ابن خثيم والقاسم هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود وقال في ( المجمع ) ( 1/324 ) بعد أن ساقه : ( رواه أحمد والطبراني في الكبير ورجاله ثقات ) .
( 3 ) عن شداد بن أوس مرفوعا : ( سيكون من بعدي أئمة يميتون الصلاة عن مواقيتها فصلوا الصلاة لوقتها واجعلوا صلاتكم معهم سبحة ) .
أخرجه أحمد ( 4/124 ) من طريق ابن عياش عن راشد بن داود عن أبي أسماء الرحبي عنه .
وهذا إسناد شامي حسن . وقال في ا ( المجمع ) ( 1/325 ) : رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط وفيه راشد بن داود ضعفه الدارقطني ووثقه ابن معين ودحيم وابن حبان .
( 4 ) عن عامر بن ربيعة مرفوعا نحوه . أخرجه أحمد ( 3/445 و446 ) عن عاصم بن عبيد الله قال : أخبرني عبد بن عامر بن ربيعة عن أبيه عامر ابن ربيعة .
وفي الباب عن عبد الله بن عمرو وأنس بن مالك عند الطبراني وغيره . انظر ( المجمع ) .
( فائدة ) : ذكر النووي في ( شرح مسلم ) وفي المجموع ( 3/48 ) أن المراد بقوله في هذه الأحاديث : ( يؤخرون الصلاة عن وقتها ) أي : عن وقتها المختار لا عن جميع وقتها فإن المنقول عن الأمراء المتقدمين والمتأخرين إنما هو تأخيرها عن وقتها المختار ولم يؤخرها أحمد منهم عن جميع 10 وقتها فوجب حمل هذه الأخبار على ما هو الواقع . ومعنى صل الصلاة لوقتها أي لأول وقتها . ثم قال : وفيه أن الإمام إذا أخرها عن أول وقتها يستحب للمأموم أن يصليها في أول الوقت منفردا ثم يصليها مع الإمام فيجمع فيصلي أول الوقت والجماعة فلو أراد الاقتصار على أحدهما فهل الأفضل الاقتصار على فعلها منفردا في أول الوقت أم الاقتصار على فعلها جماعة في آخر الوقت ؟
فيه خلاف مشهور قال : والمختار استحباب الانتظار إن لم يفحش التأخير .
وقال شيخ الإسلام في ( الاختيارات ) ( ص 19 ) : ( وجمهور العلماء يرون تقديم الصلاة أفضل إلا إذا كان في التأخير مصلحة راجحة مثل المتيمم يؤخر ليصلي آخر الوقت بوضوء والمنفرد يؤخر حتى يصلي آخر الوقت مع جماعة ) .
قلت والصواب : الذي تدل عليه الأحاديث ما ذكره النووي واختاره من استحباب الانتظار إذا لم يفحش التأخير .
ولا ينافي ما سبق قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصلوا صلاة في يوم مرتين ) . لأنه إنما أراد به أن يصليهما كلتيهما على وجه الفرض كما قال ابن عبد البر . أو يكون من العام المخصوص بهذه الأحاديث وأمثالها ويأتي بعضها في محالها . وهذا أولى عندي مما قاله ابن عبد البر لأنه يلزم منه جواز إعادة كل صلاة صلاها مع الجماعة أن يصليها مرة أخرى منفردا متنفلا بها وما أعتقد أن عالما يعتقد ذلك .
والحديث هذا أخرجه أبو داود ( 95 ) والنسائي ( 138 ) والدارقطني ( 159 و160 ) والطحاوي ( 1/187 ) وأحمد ( 2/19 و41 ) من طريق حسين بن ذكوان أخبرني عمرو بن شعيب : أخبرني سليمان مولى ميمونة قال : أتيت على ابن عمر ذات يوم وهو جالس بالبلاط والناس في صلاة العصر فقلت : أبا عبد الرحمن الناس في الصلاة ؟ قال : إني قد صليت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تصلى صلاة مكتوبة في يوم مرتين ) . والسياق للدارقطني وإسناده صحيح وقد رواه ابن خزيمة وابن حبان كما في ( التلخيص ) ( 4/298 ) .
2 - ومن أدرك ركعة من الصلاةقبل خروج وقتها فقد أدرك الصلاة في الوقت وعليه أن يتمها .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة [ كلها ) .
أخرجه البخاري ومسلم ( 102 ) ومالك ( 1/28 ) وعنه محمد ( 100 ) وكذا أبو داود ( 175 ) والنسائي ( 95 ) والترمذي ( 2/403 ) وصححه والدارمي ( 277 ) وابن ماجه ( 346 ) وحم ( 2/241 و271 و280 و375 ) من طرق عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا به . والزيادة رواية لمسلم والنسائي وأحمد .
وله عنده طريق أخرى أخرجها ( 2/265 ) من طريق ابن إسحاق عن يزيد ابن أبي حبيب عن عراك بن مالك عنه .
ورجاله ثقات لكن ابن إسحاق مدلس وقد عنعنه .
وقد أخرجه الخطيب البغدادي في ( تاريخه ) ( 3/69 ) من طرق عن الزهري به وزاد : قال معمر : قال الزهري : فنرى أن الجمعة من الصلاة .
قلت : وهذا يدل على أن كل من قال عن الزهري في هذا الحديث : ( من أدرك من صلاة الجمعة ركعة فقد أدرك ) كما رواه النسائي ( 1/210 ) عن سفيان عنه إنما هو رواية بالمعنى لأن الجمعة من الصلاة المطلقة في رواية الجمهور . وقد أعلوا كل الروايات عن أبي هريرة وعن ابن عمر أيضا التي فيها ذكر الجمعة كما بينته في التعليق على الطبراني رقم ( 555 ) .
3 - وسواء في ذلك صلاة العصر وصلاة الفجر .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر ) .
أخرجه مالك ( 1/22 - 23 ) وعنه خ م ( 2/102 ) ن ( 90 ) ت ( 1/253 ) مي ( 277 ) طحا ( 1/90 ) حم ( 2/462 ) كلهم عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة مرفوعا به .
وتابعه عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن زيد بن أسلم به .
أخرجه ابن ماجه ( 1/237 ) .
وتابعه أيضا زهير بن محمد ولكنه جعل أبا صالح مكان عطاء .
أخرجه الطسالسي ( 313 ) ولفظه : ( فلم تفته ) بدل قوله : ( فقد أدرك ) .
وكذلك رواه أبو سلمة عن أبي هريرة .
أخرجه أحمد ( 2/254 ) عن علي بن المباك عن يحيى بن أبي كثير عنه وسنده صحيح على شرط الستة .
ومن هذا الوجه أخرجه الطحاوي ( 232 ) بلفظ : ( فقد تمت صلاته ) .
وهو في البخاري من طريق شيبان عن يحيى بلفظ : ( فليتم صلاته ) .
وفي مسلم ( 103 ) وابن ماجه ( 238 ) والمسند ( 254 و260 ) عن الزهري و( المسند ) ( 348 ) عن محمد بن عمرو كلاهما عن أبي سلمة بمثل حديث مالك .
وحديث أبي صالح أخرجه الطيالسي أيضا ( 318 ) وأحمد ( 459 ) والطحاوي ( 90 ) عن سهيل بن أبي صالح عنه مثله .
وحديث الأعرج أخرجه النسائي ( 94 ) وأحمد ( 399 و474 ) من طريقين عنه مثله إلا أنه قال : ( سجدة ) بدل : ( ركعة ) .
وكذلك أبو سلمة في رواية البخاري فقط .
فهذه خمسة طرق لحديث أبي هريرة هذا وكلها صحيحة .
وله عنه طرق أخرى :
فرواه مسلم وأبو داود ( 68 ) وأحمد ( 2/282 ) عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس عنه مثل حديث مالك .
وروى الطحاوي ( 232 ) والدارقطني ( 147 ) وأحمد ( 2/236 - 489 ) عن قتادة عن خلاس عن أبي رافع عنه مرفوعا : بلفظ : ( من صلى من صلاة الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس ثم طلعت فليصل إليها أخرى ) .
وفي رواية للدارقطني وأحمد ( 490 ) من طريق همام قال : سئل قتادة عن رجل صلى ركعة من صلاة الصبح ثم طلعت الشمس ( وفي رواية لأحمد : ثم طلع قرن الشمس فقال : ثني خلاس عن أبي رافع أن أبا هريرة حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يتم صلاته ) .
وهذا سند صحيح على شرطهما .
ولقتادة فيه إسنادان آخران عن أبي هريرة :
( 1 ) عن النضر بن أنس عن بشير بن نهيك عنه به .
أخرجه الدارقطني وحم ( 2/306 و347 و521 ) عن همام عنه . وهذا سند صحيح أيضا كالذي قبله .
( 2 ) عن عذرة بن تميم عنه .
قط عن معاذ بن هشام : ثني أبي عن قتادة عنه .
وعذرة هذا لم أجد من ذكره .
ثم وجدت الحاكم أخرجه ( 274 ) عن قتادة بإسناديه الأولين وقال : كلا الإسنادين صحيحان على شرطهما . ووافقه الذهبي .
وللحديث شاهد من رواية عائشة رضي الله عنها .
م ( 102 - 103 ) ن ( 94 ) مج ( 237 - 238 ) طحا ( 90 ) حم ( 6/78 ) عن الزهري أ عروة بن الزبير حدثه عنها مثل حديث مالك . إلا أن مسلما وأحمد قالا : ( سجدة ) بدل : ( ركعة ) .
قال الخطابي : : المراد بالسجدة الركعة بركوعها وسجودها والركعة إنما يكون تمامها سجودها فسميت على هذا سجدة .
وهذه الأحاديث تدل على أن من أدرك ركعة قبل خروج الوقت أنها صحيحة ولو وقعت الركعة الثانية في وقت النهي كصلاة الفجر والعصر وهو مذهب الجمهور . وخالف في بعض ذلك أبو حنيفة فقال : من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته . واحتج له الطحاوي بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وزعم هذا المحتج أنها ناسخة لحديث عائشة وحديث أبي هريرة الذي قبله وهي دعوى تحتاج إلى دليل .
والحق أن أحاديث النهي عامة تشمل كل صلاة خلا ما استثناه الشارع فيكون مخصصا لهذه الأحاديث . ومن هذا القبيل حديث أبي هريرة هذا فإنه خاص وهو مقدم على العام كما تقرر في الاصول .
ثم إن مفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت وإليه ذهب الجمهور كما في ( نيل الأوطار ) . وراجع تمام هذا البحث فيه ( 2/19 - 20 ) .
4 - وهذا الحكم إنما هو بخصوص المتعمد لتأخير الصلاة إلى هذا الوقت الضيق وإلا فالنائم والناسي لا تفوته الصلاة أبدا ولو خرج وقتها كله ما دام غافلا عنها أو ناسيا لها فوقتها بالنسبة إليهما حين التذكر .
قال عليه الصلاة والسلام في سفره الذي ناموا فيه حتى طلعت الشمس :
( إنكم كنتم أمواتا فرد الله إليكم أرواحكم فمن نام عن صلاة فليصلها إذا استيقظ ومن نسي صلاة فليصل إذا ذكر ) .
ورواه أبو يعلى والطبراني في ( الكبير ) من حديث أبي جحيفة . ورجاله ثقات كما في ( المعجم ) .
وللحديث شواهد كثيرة منها :
عن أبي قتادة قال : ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم نومهم عن الصلاة فقال : ( إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط في اليقظة فإذا نسي أحدكم صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها ) .
أخرجه النسائي ( 100 - 101 ) ت ( 334 ) مج ( 236 - 237 ) عن حماد ابن زيد عن ثابت البناني عن عبد الله بن رباح الأنصاري عنه . وقال الترمذي : ( حسن صحيح ) .
قلت : وهو على شرط مسلم وقد أخرجه في ( صحيحه ) ( 2/138 - 139 ) والبيهقي ( 2/216 ) من طريق سليمان بن المغيرة : ثنا ثابت به مطولا نحوه بلفظ : ( أما إنه ليس في النوم تفريط إنما التفريط على من لم يصل الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى فمن فعل ذلك فليصلها حين ينتبه لها ) الحديث .
وهذا القدر رواه النسائي ( 101 ) أيضا وأبو داود ( 73 ) من هذا الوجه ورواه أبو داود ( 72 ) والطحاوي ( 233 ) وأحمد ( 5/298 ) عن حماد بن سلمة عن ثابت به مطولا .
وكذلك رواه مطولا قتادة عن عبد الله بن أبي رباح به قال : فقلت : يا رسول الله هلكنا فاتتنا الصلاة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لم تهلكوا ولم تفتكم الصلاة إنما تفوت اليقظان ولا تفوت النائم ) الحديث .
أخرجه أحمد ( 5/302 ) : ثنا محمد بن جعفر : ثنا شعبة عن قتادة به . وهذا سند صيحح على شرط مسلم أيضا لولا عنعنة قتادة .
ومنها : عن أنس مرفوعا بلفظ : ( إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله يقول : ( أقم الصلاة لذكري ( [ طه/ 14 ] ) .
م ( 2/142 ) عن المثنى عن قتادة عنه .
ورواه سعيد - وهو ابن أبي عروبة_ عن قتادة به بلفظ : ( من نسي صلاة أو نام عنها . . . ) والباقي مثله .
رواه الدارمي ( 280 ) : أخبرنا سعيد به بلفظ : ( فإن كفارتها أن يصليها إذا ذكرها ) .
وهذا اللفظ تماما رواه شعبة عن قتادة .
أخرجه أحمد ( 3/282 ) .
ورواه حجاج الأحول عند النسائي ( 100 ) وابن ماجه ( 235 ) وأحمد ( 267 ) وهشام عند الأخير ( 216 ) كلاهما عن قتادة عن أنس أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يرقد عن الصلاة أو يغفل عنها قال : ( ليصلها إذا ذكرها ) .
وهو في البخاري ومسلم أيضا ود ( 73 ) وطحا والبيهقي ( 2/218 ) وحم ( 269 ) من طريق همام عن قتادة بلفظ : ( من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) قال قتادة : ( وأقم الصلاة لذكري ( [ طه/14 ] .
رواه أبو عوانة عن قتادة مختصرا دون قوله : ( لا كفارة لها . . . ) إلخ .
أخرجه مسلم ون ( 100 ) ت ( 335 - 336 ) ومج وطحا والبيهقي من طرق عنه .
هذا وقد صرح قتادة بسماعه من أنس في رواية للبخاري وأحمد .
ومنها : عن أبي هرية مرفوعا :
( من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها فإن الله قال : ( أقم الصلاة لذكري ( [ طه /14 ] ) .
م ( 138 ) د ( 71 - 72 ) ن ( 101 ) عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد ابن المسيب عنه . وهو عند م د مطول فيه قصة نومهم عن صلاة الصبح . وكذلك أخرجها البيهقي ( 2/217 ) .
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري قال :
جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ونحن عنده فقالت : يا رسول الله إن زوجي صفوان بن المعطل يضربني إذا صليت ويفطرني إذا صمت ولا يصلي صلاة الفجر حتى تطلع الشمس . قال : وصفوان عنده . قال : فسأله عما قالت فقال : يا رسول الله أما قولها : يضربني إذا صليت فإنها تقرأ بسورتين وقد نهيتها . قال : فقال :
( لو كانت سورة واحدة لكفت الناس ) .
وأما قولها : يفطرني فإنها تنطلق فتصوم وأنا رجل شاب فلا أصبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ :
( لا تصوم امرأة إلا بإذن زوجها ) .
وأما قولها : إني لا أصلي حتى تطلع الشمس فإنا أهل بيت قد عرف لنا ذاك لا نكاد نستيقظ حتى تطلع الشمس . قال :
( فإذا استيقظت فصل ) .
أخرجه د ( 1/385 ) مس ( 1/436 ) طحا في ( المشكل ) ( 2/424 ) حم ( 3/80 ) من طريق جرير عن الأعمش عن أبي صالح عنه . وقال مس : ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي . وهو كما قالا وقال الحافظ في ( الإصابة ) :
( إسناده صحيح ) .
ثم أخرجه حم 03/85 ) نم طريق أبي بكر - وهو ابن أبي عياش - عن الأعمش به نحوه بلفظ : ( فإني ثقيل الرأس وأنا من أهل بيت يعرفون بذاك بثقل الرؤوس . قال : ( فإذا قمت فصل ) . وهو على شرط خ .
5 - وسوءا كان الاستيقاظ والتذكر عند طلوع الشمس أو عند غروبها فعليه أن يصليها في هذا الوقت فإنه وقتها لقوله عليه الصلاة والسلام فيما سبق :
( فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) .
وهو مذهب الجمهور من العلماء . قال الترمذي ( 1/335 ) :
( وقد اختلف أهل العلم في الرجل ينام عن الصلاة أو ينساها فيستيقظ أو يذكر وهو في غير وقت صلاة عند طلوع الشمس أو عند غروبها فقال بعضهم : يصليها إذا استيقظ أو ذكر وإن كان عند طلوع الشمس أو عند غروبها وهو قول أحمد وإسحاق والشافعي ومالك - وقال بعضهم : لا يصلي حتى تطلع الشمس أو تغرب ) .
قلت : وهو مذهب علماءنا الحنفية صرح به محمد في ( الموطأ ) ( 125 ) قال :
( وهو قول أبي حنيفة رحمه الله ) .
قال المعلق عليه أبو الحسنات اللكنوي رحمه الله :
( قد أيده جماعة من أصحابنا منهم العيني وغيره بما ورد في حديث التعريس أنه صلى الله عليه وسلم ارتحل من ذلك الموضع وصلى بعد ذلك ولم يكن ذلك إلا لأنه كان وقت الطلوع وفيه نظر :
أما أولا فلأنه قد ورد تعليل الاختيار صريحا بأنه موضع غفلة وموضع حضور الشيطان فلا يعدل عنه .
وأما ثانيا فلأنه ورد في رواية مالك وغره : حتى ضربتهم الشمس . وفي بعض روايات البخاري : لم يستيقظ حتى وجد حر الشمس . وذلك لا يمكن إلا بعد الطلوع بزمان وبعد ذهاب وقت الكراهة ) .
وهذا تعقب جيد قوي من أبي الحسنات المصنف القوي وأمثاله قليل في أصحاب المذاهب من المتأخرين فرحمه الله تعالى وجزاه خيرا .
والتعليل الذي ذكره ورد في ( صحيح مسلم ) ( 2/138 ) والنسائي ( 1/102 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( ليأخذ كل رجل برأس راحلته فإن هذا منزل حضرنا به الشيطان ) .
قال : ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة .
أخرجاه من طريق يحيى بن سعيد : ثنا يزيد بن كيسان : ثنا أبو حازم عنه .
وله طريق أخرى أخرجها د ( 72 ) عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة في هذا الخبر قال :
( تحولوا عن مكانكم الذي أصابتكم فيه الغفلة ) . قال :
فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى .
وسنده صحيح على شرطهما .
وله طريق ثالث بلفظ : ( هذا منزل به شيطان ) . طحا ( 234 ) .
6 - ويصليها كما كان يصليها كل يوم بأذان وإقامة ويجهر فيها إن كانت جهرية ويصلي معها السنة .
قال أبو قتادة في حديثه الطويل في نومهم عن صلاة الصبح :
ثم أذن بلال بالصلاة فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم صلى الغداة فصنع كما يصنع كل يوم .
أخرجه مسلم من طريق سليمان بن المغيرة كما سبق .
ونحوه حديث أبي هريرة : فأمر بلالا فأذن وأقام وصلى .
وفي رواية : فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة . وقد تقدمنا قريبا .
وفي الباب عن ذي مخمر الحبشي - وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - في هذه القصة : فأمر بلالا فأذن ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فصلى الركعتين قبل الصبح وهو غير عجل ثم أمره فأقام الصلاة فصلى وهو على غير عجل فقال له قائل : يا نبي الله أفرطنا ؟ قال :
( لا قبض الله عز وجل أرواحنا وقد ردها إلينا وقد صلينا ) .
أخرجه حم ( 4/90 - 91 ) ود ( 73 ) دون قوله : فقال له قائل . . . إلخ . من طريق حريز بن عثمان : ثني يزيد بن صبح - وقيل : ابن صليح - عنه .
وهذا إسناد حسن .
وعن ابن مسعود قال :
أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من يكلؤنا ؟ ) فقال بلال : أنا فناموا حتى طلعت الشمس فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( افعلوا كما كنتم تفعلون ) . قال : ففعلنا . قال : ( فكذلك فافعلوا لمن نام أو نسي ) .
د ( 73 - 74 ) وطحا ( 269 - 270 ) من طريق جامع بن شداد عن عبد الرحمن بن علقمة عنه . وهذا سند صحيح .
7 - وأما من أخرج صلاة عن وقتها متعمدا غير قاصد للجمع فلا يشرع له قضاؤها ولا يعذر عليه أبدا لأنه كان الناسي للصلاة أو النائم عنها - وهما معذوران شرعا - ليس عليهما إلا الإتيان بها فورا حين التذكر - وهو وقتها - فأين الوقت بالنسبة إلى المتعمد ؟
لقوله عليه الصلاة والسلام : ( من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ) فما فات لا سبيل إلى إدراكه البتة ولو أمكن أن يدرك لما سمي فائتا . انظر ( الصلاة ) لابن القيم .
وهو مذهب داود الظاهري وكذا ابن حزم وقد أطال في تقرير ذلك بما لم يسبق إليه وقال : وممن قال بقولنا في هذا عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وسعد ابن أبي وقاص وسلمان ( صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ) وابن مسعود والقاسم بن محمد بن أبي بكر وبديل العقيلي ومحمد بن سيرين ومطرف بن عبد الله وعمر بن عبد العزيز وغيرهم . وبه قال الحسن البصري : إذا ترك الرجل صلاة واحدة متعمدا فإنه لا يقضيها . ( الصلاة ) ( 107 ) .
ثم قال : ما نعلم لمن ذكرنا من الصحابة رضي الله عنه مخالفا منهم . راجع ( المحلى ) ( 2/235 - 244 ) .
واختار هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في ( الاختيارات ) ( ص 19 ) :
( وتارك الصلاة عمدا لا يشرع له قضاؤها ولا تصح منه بل يكثر من التطوع وكذا الصوم وهو قول طائفة من السلف كأبي عبد الرحمن صاحب الشافعي وداود وأتباعه وليس في الأدلة ما يخالف هذا بل يوافقه وأمره عليه السلام المجامع بالقضاء ضعيف لعدول البخاري ومسلم عنه ) .
ومال إليه الشوكاني فقال في قوله عليه الصلاة والسلام : ( من نسي صلاة . . . ) الحديث :
( تمسك بدليل الخطاب من قال : إن العامد لا يقضي الصلاة لأن انتفاء الشرط يستلزم انتفاء المشروط فيلزم منه أن من لم ينس لا يصلي وإلى ذلك ذهب داود وابن حزم وبعض اصحاب الشافعي وحكاه في ( البحر ) عن ابني الهادي والأستاذ ورواية عن القاسم والناصر قال ابن تيمية ( شيخ الإسلام ) : والمنازعون لهم ليس لهم حجة قط يرد إليها عند التنازع وأكثرهم يقولون : لا يجب القضاء إلا بأمر جديد وليس معهم هنا أمر ونحن لا ننازع في وجوب القضاء فقط بل تنازع في قبول القضاء منه وصحة الصلاة في غير وقتها ) . وأطال البحث في ذلك وأختار ما ذكره داود ومن معه . والأمر كما ذكره فإني لم أقف مع البحث الشديد للموجبين للقضاء على العامد - وهم من عدا من ذكرنا - على دليل ينفق في سوق المناظرة ويصلح للتعويل عليه في مثل هذا الأصل العظيم إلا حديث : ( فدين الله أحق أن يقضى ) باعتبار ما يقتضيه اسم الجنس المضاف من العموم ولكنهم لم يرفعوا إليه رأسا وأنهض ما جاءوا به في هذا المقام قولهم : إن الأحاديث الواردة بوجوب القضاء على الناسي يستفاد من مفهوم خطابها وجوب القضاء على العامد لأنها من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى فتدل بفحوى الخطاب وقياس الأولى على المطلوب . وهذا مردود لأن القائل بأن العامد لا يقضي لم يرد أنه أخف حالا من الناسي بل بإن المانع من وجوب القضاء على العامد أنه لا يسقط الإثم عنه فلا فائدة فيه فيكون إتبانه مع عدم النص عبثا بخلاف الناسي والنائم فقد أمرهما الشارع بذلك وصرح بأن القضاء لا كفارة لهما سواه . اه .
وأما الحديث الذي احتج به للقائلين بالقضاء : ( فدين الله أحق أن يقضى ) . فلم يجب عنه بشيء مطلقا ولذلك قال : ( عن المقام من المضايق ) ولام من قال : إن باب القضاء ركب على غير أساس ليس فيه كتاب ولا سنة ونسبه من أجل ذلك إلى التفريط لعجزه عن الإجابة عن الحديث المشار إليه وقد سبقه إلى هذا الاستدلال ابن عبد البر . وقد أجاب عنه ابن القيم رحمه الله في رسالة ( الصلاة ) بما لا يدع مجالا للشك مطلقا أن الحديث لا يدل لذلك .
وخلاصته أن الحديث إنما قاله صلى الله عليه وسلم في حق المعذروين لا المفرط ونحن نقول إن مثل هذا الدين يقبل القضاء وأيضا فهذا إنما قاله عليه السلام في النذر المطلق الذي ليس له وقت محدود الطرفين وفي الحج الذي لا يفوت وقته إلا بنفاد العمر . راجع ( ص 109 - 110 ) من الرسالة المذكورة وقد بسط القول في النزاع حول هذا المسألة وأطال بما لا مزيد عليه وذكر أدلة الفريقين تحقيقا وتعقيبا بما لا يوجد في كتاب فراجعه ( 85 - 122 ) .
8 - ولو نسي صلاتين فأكثر يصليهما على الترتيب ثم يصلي الصلاة الحاضرة كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق وقد شغل عنهن بالحرب .
قال أبو سعيد الخدري رضي الله عنه :
حبسنا يوم الخندق حتى ذ هب هوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله تعالى : ( وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا ( [ الأحزاب/25 ] فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام فصلى الظهر وأحسن كما كان يصليها في وقتها ثم أقام للعصر فصلاها كذلك ثم أقام للمغرب فصلاها كذلك ثم أقام للعشاء فصلاها كذلك وذلك قبل أن ينزل في صلاة الخوف : ( فإن خفتم فرجالا أو ركبانا ( [ البقرة/239 ] .
أخرجه ن ( 107 ) وعنه ابن حزم ( 3/124 ) مي ( 358 ) والشافعي في ( الأم ) ( 1/75 ) والطحاوي ( 190 ) والبيهقي ( 1/402 ) والطيالسي ( 295 ) وحم ( 3/25 و49 و67 - 68 ) من طرق عن ابن أبي ذئب عن المقبري عن عبد الرحمن ابن أبي سعيد الخدري عن أبيه به . والسياق لأحمد .
وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم .
وأخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحيهما ) وصححه ابن الشكن كما في ( التلخيص ) ( 3/149 ) وقال ابن سيد الناس :
( وهذا إسناد صحيح جليل ) كما في ( النيل ) ( 2/26 )
وله شاهد من حديث ابن مسعود أخرجه ن ( 102 و107 ) ت ( 1/337 ) طيا ( 44 ) حم ( 1/375 و423 ) والطبراني في ( الكبير ) والبيهقي ( 2/219 - 220 ) من طريق أبي الزبير عن نافع بن جبير بن مطعم عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عنه نحوه . وسيأتي لفظه في المسألة الثامنة في الأذان .
وهذا سند منقطع وقال الترمذي :
( ليس بإسناده بأس إلا أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله ) .
وله شاهد إلا أبا عبيدة لم يسمع من عبد الله ) .
وله شاهد آخر مختصر من حديث جابر متفق عليه وأخرجه البيهقي .
وقد اختلف العلماء في وجوب الترتيب بين الفوائت فنفاه الشافعية وقالوا : إنه يستحب . وبه قال طاوس والحسن البصري ومحمد بن الحسن وأبو ثور وداود .
وقال أبو حنيفة ومالك : يجب ما لم تزد الفوائت على صلوات يوم وليلة فقالا : فإن كان في حاضرة فذكر في أثنائها أن عليه فائتة بطلت الحاضرة ويجب تقديم الفائتة ثم يصلي الحاضرة .
وقال زفر وأحمد : الترتيب واجب قلت الفوائت أم كثرت . قال أحمد : ولو نسي الفوائت صحت الصلوات التي يصلي بعدها قال أحمد وإسحاق : ولو ذكر فائتة وهو في حاضرة تمم التي هو فيها ثم قضى الفائتة . ثم يجب إعادة الحاضرة .
واحتج لهم بحديث عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام ) .
وهذا حديث ضعيف ضعف موسى بن هارون الحمال ( بالحاء ) الحافظ وقال أبو زرعة الرازي ثم البيهقي : ( الصحيح أنه موقوف ) كذا في ( المجموع ) ( 3/70 - 71 ) ثم قال :
( واحتج أصحابنا بأحاديث ضعيفة أيضا والمعتمد في المسألة أنها ديون عليه فلا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر وليس لهم دليل ظاهر ولأن من صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أمر بها فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر والله أعلم ) .
6 - الأذان
1 - كانوا قبل ذلك ينادي بعضهم بعضا إذا حان وقت الصلاة وذلك بإشارة من عمر رضي الله عنه وأمره صلى الله عليه وسلم بذلك .
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما :
كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون فيتحينون الصلوات وليس ينادي بها أحد فتكلموا يوما في ذلك فقال بعضهم : اتخذوا ناقوسا مثل ناقوس النصارى وقال بعضهم : قرنا مثل قرن اليهود فقال عمر : أو لا تبعثون رجلا ينادي بالصلاة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يا بلال قم فناد بالصلاة ) .
خ م ن ت وقال : حسن صحيح قط ( 88 ) حم ( 2/148 ) ابن جريج أخبرني نافع عنه .
قال في ( المجموع ) ( 3/76 ) :
( هذا النداء دعاء إلى الصلاة غير الأذان كان قبل شرعة الأذان ) .
وقال معاذ بن جبل رضي الله عنه : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال . . فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وهو يصلي سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ثم إن الله أنزل عليه : ( قد نرى تقلب وجهك في السماء . . . . ( الآية [ البقرة/144 ] قال : فوجهه الله إلى مكة قال : فهذا حول .
قال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نقسوا أو كادوا ينقسون قال : ثم إن رجلا من الأنصار يقال له : عبد الله بن زيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ولو قلت : إني لم أكن نائما لصدقت إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن أن لا إله إلا الله مثنى مثنى حتى فرغ من الأذان ثم أمهل ساعة قال : ثم قال مثل الذي قال غير أنه يزيد في ذلك : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( علمها بلالا فليؤذن بها ) فكان بلال أول من أذن بها .
قال : وجاء عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان . الحديث .
أخرجه أحمد ( 5/246 ) وأبو داود ( 82 ) عن المسعودي : ثني عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلة عنه .
وروى قطعة منه مما يتعلق بالصيام الحاكم ( 2/224 ) من هذا الوجه وقال : ( صحيح ) . ووافقه الذهبي .
قلت : المسعودي كان قد اختلط لكن قد تابعه شعبة عن عمرو 11 نحوه . أخرجه أبو داود أيضا 083 ) ويأتي لفظه في المسألة ( 13 ) فهو بهذه المتابعة صحيح .
قوله : نقسوا . في النهاية : النقس : الضرب بالناقوس وهي خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها والنصارى يعلمون بها أوقات صلاتهم .
2 - ثم شرع الأذان بتعليم الملك لعبد الله بن زيد بن عبد ربه إياه في الرؤيا وبقوله عليه السلام : ( إنها لرؤيا حق إن شاء الله ) .
قال عبد الله بن زيد : لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس ليضرب به للناس في الجمع للصلاة طاف بي وأنا نائم رجل يحمل ناقوسا في يده فقلت له : يا عبد الله أتبيع الناقوس ؟ فقال : ما تصنع به . قال : فقلت : ندعو به إلى الصلاة قال : أفلا أدلك على ما هو خير من ذلك ؟ قال : فقلت : بلى قال : تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . ثم استأخر غير بعيد ثم قال : تقول إذا أقيمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال :
( إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك ) .
قال : فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به قال : فسمع بذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه يقول : والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي أري . قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فلله الحمد ) .
أخرجه أبو داود ( 81 ) والدارمي ( 268 - 269 ) وابن ماجه ( 239 - 240 ) والترمذي مختصرا ( 359 ) وأحمد ( 4/43 ) والسياق له وعنه الدارقطني ( 89 ) وابن خزيمة وابن حبان كما في ( الفتح ) ( 2/61 - 62 ) من طريق محمد بن إسحاق قال : ثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد بن عبد الله ابن زيد بن عبد ربه قال : ثني عبد الله بن زيد به .
وهذا إسناد جيد وقال الترمذي :
( حسن صحيح ) . وقال النووي في ( المجموع ) ( 3/76 ) :
( إسناده صحيح ) وفي ( التلخيص ) ( 3/161 ) :
( وقد صححه البخاري فيما حكاه الترمذي في ( العلل ) عنه وقال محمد ابن يحيى الذهلي : ليس في أخبار عبد الله بن زيد أصح من حديث محمد ابن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي يعني هذا لأن محمدا قد سمع من أبيه عبد الله . وقال ابن خزيمة في ( صحيحه ) : هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه عبد الله . وقال ابن خزيمة في ( صحيحه ) : هذا حديث صحيح ثابت من جهة النقل لأن محمدا سمع من أبيه وابن إسحاق سمع من التيمي وليس هذا مما دلسه ) .
ولابن إسحاق فيه إسناد آخر أخرجه أحمد ( 4/42 - 43 ) عنه قال : وذكر محمد بن مسلم الزهري عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه قال : لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يضرب بالناقوس يجمع للصلاة الناس وهو له كاره لموافقة النصارى طاف بي من الليل طائف وأنا نائم رجل عليه ثوبان أخضران وفي يده ناقوس يحمله قال : فقلت له : يا عبد الله أتبيع الناقوس . . . الحديث نحوه . وزاد في آخره : فكان بلال مولى أبي بكر يؤذن بذلك ويدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الصلاة قال : فجاء فدعاه ذات غداة إلى الفجر فقيل له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائم قال : فصرخ بلال بأعلى صوته : الصلاة خير من النوم قال سعيد بن المسيب : فأدخلت هذه الكلمة في التأذين إلى صلاة الفجر .
وهذا سند جيد أيضا وابن إسحاق وإن كان لم يصرح بسماعه من الزهري فقد تابعه عليه جمع . قال الحاكم ( 3/336 ) :
( وحديث الزهري عن سعيد بن المسيب مشهور رواه يونس بن يزيد ومعمر ابن راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم ) .
قال الشوكاني ( 2/31 ) :
( ومتابعة هؤلاء لمحمد بن إسحاق عن الزهري ترفع احتمال التدليس الذي يحتمله عنعنة ابن إسحاق ) .
وللحديث شاهد من حديث أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار قال : اهتم النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة كيف يجمع الناس لها فقيل له : انصب راية عند حضور الصلاة فإذا رأوها أذن بعضهم بعضا فلم يعجبه ذلك قال : فذكر له القنع يعني الشبور وفي رواية : شبور اليهود فلم يعجبه ذلك وقال : ( هو من أمر اليهود ) قال : فذكر له الناقوس فقال : ( هو من أمر النصارى ) . فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأري الأذان في منامه قال : فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال له : يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان . قال : وكان عمر قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوما قال : ثم أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : ( ما منعك أن تخبرني ؟ ) فقال : سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله بن زيد فافعله ) قال : فأذن بلال .
أخرجه أبو داود ( 80 - 81 ) عن هشيم بن أبي بشر عنه .
وهذا سند صحيح كما قال الحافظ في ( الفتح ) ( 2/64 ) .
3 - وهو فرض كفاية :
قال عليه الصلاة والسلام لمالك بن الحويرث : [ 116 ]
( ارجعوا إلى أهليكم فأقيموا فيهم وعلموهم ومروهم وصلوا كما رأيتموني أصلي فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكبركم ) .
وعن عمرو بن سلمة الجرمي عن أبيه وكان وافد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : ( صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا صلاة كذا في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن لكم أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآنا ) .
أخرجهما البخاري ( 2/87 و89 و239 و10/359 و13/198 - 199 ) ومسلم ( 1/134 ) والنسائي ( 2/105 ) وقط ( 101 ) والدارمي ( 1/286 ) وأحمد ( 3/436 و5/53 ) من طريق أبي قلابة عن مالك بن الحويرث والطحاوي في ( المشكل ) ( 2/296 ) .
وقال عليه الصلاة والسلام : ( ما من ثلاثة في قرية لا يؤذن ولا تقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإن الذئب يأكل القاصية ) .
أخرجه أحمد ( 5/196 و6/446 ) من طريق وكيع : ثني زائدة بن قدامة : ثني السائب بن حبيش الكلاعي عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : قال لي أبو الدرداء : أين مسكنك ؟ قال : قلت : في قرية دون حمص قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : . . . . فذكره .
وهذا سند حسن .
وقد رواه د ن مس دون ذكر التأذين . انظر تعليقنا على ( الترغيب ) ( 1/156 ) . وله في ( المسند ) ( 6/445 - 446 ) طريق آخر .
ولو لم يكن إلا استحلال رسول الله صلى الله عليه وسلم دماء من لم يسمع عندهم أذانا وأموالهم وسبيهم لكفى في وجوب فرض ذلك كما قال ابن حزم ( 3/125 ) وهو يشير بذلك إلى حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غزا قوما لم يغز بنا ليلا حتى يصبح فإن سمع أذانا كف عنهم وإن لم يسمع أذانا أغار عليهم .
خ في الأذان وحم ( 3/159 و206 و236 و237 ) من طرق عن حميد عنه . ورواه مسلم ( 2/3 - 4 ) والترمذي ( 1 - 305 طبع بولاق ) وصححه والدارمي ( 2/217 ) والطيالسي ( 271 ) وحم ( 3/132 و229 ) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس به وزادوا إلا الدارمي والطيالسي : فاستمع ذات يوم فسمع رجلا يقول : الله أ كبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( على الفطرة ) فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : ( خرجت من النار ) . وزاد مسلم : فنظروا فإذا هو راعي معزى .
وله شاهد من قوله عليه الصلاة والسلام بلفظ : ( إذا رأيتم مسجدا أو مناديا فلا تقتلوا أحدا ) .
أخرجه الترمذي ( 1/292 طبع بولاق ) وأحمد ( 3/448 ) من طريق ابن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن ابن عصام المزني عن أبيه - وكانت له صحبة - قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشا أو سرية يقول لهم . . . فذكره . وقال الترمذي : ( حديث حسن ) .
كذا قال . وابن عصام لا يعرف حاله كما في ( التقريب ) .
والقول بفرضيته - كما ذكرنا - هو قول أحمد ووجه للشافعية وبه قال داود الظاهري وأصحابه وزاد عليهم ابن حزم ( 3/122 - 125 ) فجعله شرطا لصحة الصلاة لا تصح إلا به وهو غير ظاهر . وقد سئل ابن تيمية عن الأذان : هل هو فرض أم سنة ؟ فأجاب بقوله : ( الصحيح أن الأذان فرض على الكفاية فليس لأهل مدينة ولا قرية أن يدعوا الأذان والإقامة وهذا هو المشهور من مذهب أحمد وغيره وقد أطلق طوائف من العلماء أنه سنة ثم من هؤلاء من يقول إذا اتفق أهل بلد على تركه قوتلوا والنزاع مع هؤلاء قريب من النزاع اللفظي فإن كثيرا من العلماء يطلق القول بالسنة على ما يذم تاركه شرعا ويعاقب تاركه شرعا . وأما من زعم أنه سنة لا إثم على تاركه ولا عقوبة فهذا القول خطأ فإن الأذان هو شعار دار الإسلام الذي ثبت في ( الصحيح ) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلق استحلال أهل الدار بتركه ) . ثم ذكر حديث أنس وحديث أبي الدرداء ثم قال : ( وقد قال تعالى : ( استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون ( [ المجادلة/ 19 ] ) ( الفتاوى ) ( 1/67 - 68 ) و( 4/20 ) وانظر ( المجموع ) ( 3/82 ) .
4 - وقد جاء في صفته ثلاثة أنواع :
الأول : ألفاظه تسع عشرة كلمة : الله 1 أكبر الله 2 أكبر الله 3 أكبر الله 4 أكبر ( أربع مرات ) أشهد 5 أن لا إله إلا الله أشهد 6 أن لا إله إلا الله أشهد 7 أن محمدا رسول الله أشهد 8 أن محمدا رسول الله ( يخفض بهما صوته مرتين . ثم يرفع صوته فيعود ويقول - وهو الترجيع - ) أشهد 9 أن لا إله إلا الله أشهد 10 أن لا إله إلا الله أشهد 11 أن محمدا رسول الله أشهد 12 أن محمدا رسول الله حي 13 على الصلاة حي 14 على الصلاة حي 15 على الفلاح حي 16 على الفلاح الله 17 أكبر الله 18 أكبر لا إله 19 إلا الله .
وهو من حديث أبي محذورة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة .
أخرجه أبو داود ( 82 ) والنسائي ( 103 ) والترمذي ( 367 ) والدارمي ( 271 ) وابن ماجه ( 242 - 243 ) والطحاوي ( 1/78 ) والدارقطني ( 87 و88 ) وابن حزم ( 3/150 ) والطيالسي ( 193 ) وأحمد ( 3/409 و6/401 ) كلهم من طريق همام : ثنا عامر الأحول : ثني مكحول : أن عبد الله بن محيرز حدثه عنه به .
وزاد أبو داود وابن ماجه والدارقطني والطحاوي وأحمد وابن حزم فذكروا ألفاظ الأذان . ومن الغريب أن أحدا منهم عدا قط وابن حزم وطحا لم يبلغوا بألفاظه التسع عشرة كلمة كما هو نص الحديث فأبو داود لم يذكر الترجيع فكلماته سبع عشرة وابن ماجه لم يذكر شهادة أن لا إله إلا الله في الترجيع إلا مرة واحدة فكلماته ثمان عشرة وأحمد لم يذكر التكبير في أوله إلا مرتين فكلماته سبع عشرة أيضا . ثم قال الترمذي : ( هذا حديث حسن صحيح ) .
وهو على شرط مسلم وقد أخرجه في ( صحيحه ) كما يأتي قريبا ورواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) ولفظه : ( فعلمه الأذان والإقامة مثنى مثنى ) .
وكذلك رواه ابن حبان في ( صحيحه ) قال في ( الإمام ) : وهذا السند على شرط الصحيح وهمام بن يحيى احتج به الشيخان وعامر بن عبد الواحد احتج به مسلم كما في ( نصب الراية ) ( 1/268 ) وقال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/164 ) : ( وتكلم البيهقي عليه بأوجه من التضعيف رده ابن دقيق العيد في لإمام وصحح الحديث ) .
ثم أخرج الحديث الدارمي : أخبرنا سعيد بن عامر عن همام به بلفظ : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان ) .
قلت : فذكره بتسع عشرة كلمة ثم قال : والإقامة مثنى مثنى . وسنده صحيح أيضا على شرط مسلم وقد أخرجه في ( صحيحه ) ( 2/3 ) من طريق معاذ بن هشام : ثني أبي عن عامرالأحول به : أن نبي الله صلى الله عليه وسلم علمه هذا الأذان : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله لا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود فيقول : أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله . . . والباقي مثله .
هكذا وقع في ( صحيح مسلم ) : الله أكبر الله أكبر مرتين فقط .
وقد أخرجه النسائي ( 1/103 ) : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم قال : أنبأنا معاذ بن هشام به إلا أنه ذكر التكبير في أوله : أربعا .
وإسحاق هذا هو أحد شيخي مسلم في هذا الحديث والآخر هو أبو غسان المسمعي مالك بن عبد الواحد ولعله هو الذي رواه بتثنية التكبير دون إسحاق فقد رواه بالتربيع كما في النسائي .
وكذلك رواه أبو نعيم في ( المستخرج ) والبيهقي من طريق إسحاق بن إبراهيم عن معاذ بن هشام بسنده وفيه تربيع التكبير .
وكذلك أخرجه أبو عوانة في ( مستخرجه ) من طريق علي بن المديني عن معاذ .
ولذلك قال ابن القطان : ( الصحيح في هذا تربيع التكبير وبه يصح كون الأذان تسع عشرة كلمة وقد قيد بذلك في نفس الحديث . قال : وقد يقع في بعض روايات مسلم بتربيع التكبير وهي التي ينبغي أن تعد في الصحيح ) . انتهى من ( التلخيص ) ( 3/160 ) .
وللحديث طريق أخرى عن ابن محيريز . رواه ابن جريج قال : ثني عبد العزيز ابن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره - وكان يتيما في حجر أبي محذورة حين جهزه إلى الشام - قال : قلت لأبي محذورة : إني خارج إلى الشام وأخشى أن أسأل عن تأذينك . فأخبرني أن أبا محذورة قال له : خرجت في نفر فكنا ببعض طريق حنين مقفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من حنين فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض الطريق فأذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعنا صوت المؤذن ونحن عنه متنكبون فظللنا نحكيه ونهزأ به فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصوت فأرسل إلينا حتى وقفنا بين يديه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيكم سمعت صوته قد ارتفع ) فأشار القوم إلي وصدقوا فأرسلهم كلهم وحبسني فقال : ( قم فأذن بالصلاة ) فقمت فألقى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم التأذين هو بنفسه قال : ( قل : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ) ثم قال : ( ارجع فامدد صوتك ) ثم قال : ( قل : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ) . ثم دعاني حين قضيت التاذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة فقلت : يا رسول الله مرني بالتأذين بمكة فقال : ( قد أمرتك به ) فقدمت على عتاب بن أسيد عامل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأذنت معه بالصلاة عن أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
النسائي ( 103 - 104 ) والسياق له وعنه ابن حزم ( 3/151 ) وابن ماجه ( 241 - 242 ) والطحاوي ( 78 ) والدارقطني ( 86 ) حم ( 3/409 ) وزادا إلا النسائي في آخره : وأخبرني ذلك من أدركت من أهلي ممن أدرك أبا محذورة على نحو ما أخبرني عبد الله بن محيريز . ورواه أبو داود ( 82 - 83 ) مختصرا مقتصرا على إلقاء التأذين عليه فقط . وكلهم ساقوه بتربيع التكبير في أوله إلا الطحاوي وأحمد فوقع عندهم بتثنيته فقط .
وكذلك رواه نافع بن عمر الجمحي عن عبد الملك بن أبي محذورة أخبره عن عبد الله بن محيريز الجمحي عن أبي محذورة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه الأذان يقول : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله . . . ثم ذكر مثل أذان حديث ابن جريج عن عبد العزيز بن عبد الملك ومعناه .
أخرجه أبو داود ( 83 ) .
وعبد العزيز بن عبد الملك وأبوه مقبولان كما في ( التقريب ) فالإسناد حسن فإن الظاهر أن كلا منهما رواه ابن محيريز .
ورواه الدارقطني ( 89 ) من طريق الشافعي : قال : وأدركت إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة يؤذن كما حكى ابن محيريز وسمعته يحدث عن أبيه عن ابن محيريز عن أبي محذورة عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى ما حكى ابن جريج وسمعته يقيم : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الفلاح قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
ولابن جريج فيه إسناد آخر عن أبي محذورة قال : ثني عثمان بن السائب مولاهم عن أبيه السائب مولى أبي محذورة وعن أم عبد الملك بن أبي محذورة أنهما سمعاه من أبي محذورة قال أبو محذورة : خرجت في عشرة فتيان مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أبغض الناس إلينا فأذنوا فقمنا نؤذن نستهزئ بهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ائتوني بهؤلاء الفتيان ) فقال : ( أذنوا ) فأذنوا فكنت أحدهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( نعم هذا الذي سمعت صوته اذهب فأذن لأهل مكة ) فمسح على ناصيته وقال : ( قل : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا اله ( مرتين ) أشهد أن محمدا رسول الله ( مرتين ) ثم ارجع فاشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) وأشهد أن محمدا رسول الله ( مرتين ) حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح ( مرتين ) الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم . وإذا أقمت فقلها مرتين : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة . أسمعت ؟ ) . قال : وكان أبو محذورة لا يجز ناصيته ولا يفرقها لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح عليها .
أخرجه أحمد ( 3/408 ) والسياق له وأبو داود ( 82 ) والنسائي ( 104 ) والطحاوي ( 78 ) و( 80 - 82 ) والدارقطني ( 86 ) عنه . إلا أن الطحاوي ذكر التكبير في أوله مرتين فقط لا اربعا وهو رواية لأحمد .
وإسناده مقبول . وأخرجه الفاكهي في ( تاريخ مكة ) ( ص 12 - 13 ) مع التربيع .
وله عن أبي محذورة طريق ثالث رواه الحارث بن عبيد عن محمد بن عبد الملك عن أبي محذورة عن أبيه عن جده قال :
قلت : يا رسول الله علمني سنة الأذان . قال : فمسح مقدم رأسي وقال :
( تقول : الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر ترفع بها صوتك ثم تقول : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بالشهادة : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله حي على الصلاة حي على الصلاة حي على الفلاح حي على الفلاح الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ) .
أخرجه أبو داود ( 81 - 82 ) وأحمد ( 3/408 - 409 ) إلا أنه ذكر التكبير مرتين في أوله . وإسناده مقبول أيضا .
وأخرجه الترمذي ( 1/366 ) واللفظ له والنسائي ( 103 ) من طريق بشر ابن معاذ : ثنا إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال : أخبرني أبي وجدي جميعا عن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا قال إبراهيم : مثل أذاننا قال بشر : فقلت له : أعد علي فوصف الأذان بالترجيع .
وهذا سند حسن وقال الترمذي ( حديث أبي محذورة في الأذان حديث صحيح وقد روي عنه من غير وجه ) .
وأخرجه الدارقطني ( 87 ) عن الحميدي : ثنا أبو إسماعيل إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة قال : سمعت جدي عبد الملك بن أبي محذورة يحدث عن أبيه أبي محذورة به نحوه .
وهذا الأذان هو أذان أهل مكة وهو قول الشافعي كما قال الترمذي واختاره ابن حزم ( 3/150 ) .
والنوع الثاني ألفاظه سبع عشرة وهو مثل الأول إلا أن التكبير في أوله مرتين لا أربعا وهو رواية لمسلم وغيره كمالك في ( المدونة ) ( 1/57 - 58 ) من حديث أبي محذورة ولكنها رواية مرجوحة كما سبق إلا أن لها شواهد تدل على أن لها أصلا في السنة منها عن سعد القرظ مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن بلالا كان يؤذن مثنى ويتشهد مضعفا يستقبل القبلة فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) أشهد أن محمدا رسول الله ( مرتين ) ثم يرجع فيقول : أشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) أشهد أن محمدا رسول الله ( مرتين ) حي على الصلاة ( مرتين ) حي على الفلاح ( مرتين ) الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله . . . الحديث .
أخرجه الطبراني في الصغير ( 240 - 241 ) عن هشام بن عمار : ثنا عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد القرظ : ثني أبي عن جدي عن أبيه سعد .
وهذا سند ضعيف فيه ضعف وجهالة كما بينته في تعليقي على ( المعجم ) . ويشهد له حديث ابن عمر رضي الله عنه قال : كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة واحدة غير أن المؤذن كان إذا قال : قد قامت الصلاة قال : قد قامت الصلاة ( مرتين ) .
أخرجه أحمد ( 2/85 و87 ) واللفظ له والطيالسي ( 160 ) وأبو داود ( 85 ) والنسائي ( 103 ) والدارقطني ( 88 ) والحاكم ( 1/197 و198 ) والطحاوي ( 1/79 و80 ) والدارمي ( 1/270 ) من طريق شعبة عن أبي جعفر المؤذن : سمعت أبا المثنى يحدث عنه به .
وهذا سند حسن وقال النووي ( 3/95 ) : إنه إسناد صحيح وكذا قال الحاكم ووافقه الذهبي .
ورواه ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحهما ) كما في ( نصب الراية ) ( 1/262 ) .
وله عند الدارقطني طريق أخرى رواه من طريق سعيد بن المغيرة الصياد : ثنا عيسى بن يونس عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر به دون قوله : غير أن . . . إلخ . قال ابن الجوزي :
( وهذا إسناد صحيح سعيد بن المغيرة وثقه ابن حبان وغيره ) .
قلت : وممن وثقه أبو حاتم كما في ( التلخيص ) ( 3/159 ) ولذا قال في ( التقريب ) :
( إنه ثقة ) .
وله شاهد من حديث سلمة بن الأكوع رواه الطبراني في ( الكبير ) وإسناده حسن كما في ( المجمع ) ( 1/331 ) .
ومن حديث بلال أنه كان يثني الأذان .
قط ( 89 ) بسند صحيح وقد أمر به في ( الصحيحين ) .
وهذا الأذان هو أذان أهل المدينة وبه قال مالك في ( المدونة ) ( 1/57 ) .
والنوع الثالث ألفاظه خمس عشرة وهو مثل الأول إلا أنه لا ترجيع فيه على حديث عبد الله بن زيد بن عبد ربه . وقد تقدم . وهذا أذان الكوفيين .
وبه قال أبو حنيفة وسفيان الثوري كما في ( المجموع ) ( 3/93 ) .
5 - ولا يشرع الزيادة على الأذان إلا في موضعين منه :
الأول : في الاذان الأول من الصبح خاصة فيقول بعد قوله : حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ( مرتين ) .
وفيه أحاديث :
الأول : عن أبي محذورة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه في الأذان الأول من الصبح : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم .
أخرجه الطحاوي ( 1/82 ) عن ابن جريج قال : أخبرني عثمان بن السائب عن أم عبد الملك بن أبي محذورة عنه . وقد مضى مطولا بلفظ : ( وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ) .
وله طريق أخرى أخرجه النسائي ( 1/106 ) وأحمد ( 3/408 ) من طريق سفيان عن أبي جفعر عن أبي سلمان عن أبي محذورة قال : كنت أؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت أقول في أذان الفجر الأول : حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله .
وأبو جعفر هذا مجهول كما في ( الخلاصة ) قال : وقيل : إنه أبو جعفر الفراء وقد وثقه أبو داود ولعله من أجل هذا القيل صححه ابن حزم كما في ( التلخيص ) ( 3/172 ) . وقال الزركشي في ( تخريج أحاديث الرافعي ) :
( قال ابن حزم : وإسناده صحيح ) كما في ( سبل السلام ) ( 1/167 ) .
قلت : ولم أجد الآن تصحيح ابن حزم هذا والحديث في كتابه ( المحلى ) وإنما أورد فيه ( 3/151 ) من طريق وكيع عن سفيان الثوري عن أبي جعفر المؤذن عن أبي سليمان عن أبي محذورة أنه كان إذا بلغ : حي على الفلاح في الفجر قال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ) ولم يصرح بتصحيحه .
قال الشوكاني ( 2/32 ) :
( وصححه أيضا ابن خزيمة ورواه بقي بن مخلد ) .
قلت : فيه ملاحظتان :
الأولى : أن قوله : ( خزيمة ) أخشى أن يكون تصحف عليه والصواب : ( حزم ) كما نقلناه عن ( التلخيص ) والزركشي .
والثانية : أن قوله : ( ورواه بقي بن مخلد ) مفاده أنه رواه من الوجه الذي رواه النسائي وليس كذلك بل رواه من طريق أخرى فقال - كما في ( التلخيص ) ( 3/172 ) - : ثنا يحيى بن عبد الحميد : ثنا أبو بكر بن عياش : ثني عبد العزيز بن رفيع : سمعت أبا محذورة قال : كنت غلاما صبيا فاذنت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر يوم حنين فلما انتهيت إلى : حي على الفلاح قال : ( ألحق فيها : الصلاة خير من النوم ) .
قلت وقد أخرجه الطحاوي ( 1/82 ) من طريق خالد بن يزيد : ثنا أبو بكر بن عياش به نحوه . وهذا سند جيد .
الحديث الثاني عن ابن عمر رضي الله عنهما قال :
كان في الأذان الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم .
أخرجه الطحاوي ( 1/82 ) من طريق سفيان عن محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر به .
وهذا سند حسن كما قال الحافظ في ( التلخيص ) ( 3/169 ) وقد عزاه إلى السراج والطبراني والبيهقي من حديث ابن عجلان .
الحديث الثالث : عن أنس قال :
من السنة إذا قال المؤذن في أذان الفجر : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم الصلاة خير من النوم ( مرتين ) .
أخرجه الدارقطني ( 90 ) من طريق أبي أسامة : ثنا ابن عون عن محمد عنه .
ورواه ابن خزيمة أيضا في ( صحيحه ) والبيهقي في ( سننه ) ( 1/423 ) وقال :
( إسناده صحيح ) .
ثم أخرجه الدارقطني والطحاوي أيضا ( 1/82 ) من طريق هشيم عن ابن عون به بلفظ : كان التثويب في صلاة الغداة إذا قال المؤذن : حي على الفلاح قال : الصلاة خير من النوم ( مرتين ) .
وهذا اللفظ رواه ابن السكن وصححه كما في ( التلخيص ) ( 3/148 ) .
وفي الباب أحاديث أخرى في أسانيدها ضعف فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إلى ( نصب الراية ) و( التلخيص ) .
واعلم أنه لم يرد في شيء من الروايات - فيما علمنا - التصريح بأن هذا القول : ( الصلاة خير من النوم ) كان في الأذان الثاني للصبح بل الأحاديث على قسمين : منها ما هو صريح بأنه في الأذان الأول كالحديث الأول والثاني . ومنها ما هو مطلق ليس فيه التقييد بالأول أو الثاني كالحديث الثالث وغيره من الأحاديث التي لم تصح أسانيدها فتحمل هذه على الأحاديث المقيدة كما في القواعد المقررة وعلى هذا فليس ( الصلاة خير من النوم ) من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم . وانظر تمام هذا الكلام في ( سبل السلام ) 0167 - 168 ) .
( تنبيه ) : عقد الطحاوي ( 1/81 - 82 ) بابا في قول المؤذن في أذان الصبح : الصلاة خير من النوم . ثم ذكر أن قوما كرهوا ذلك وخالفهم آخرون فاستحبوا ذلك قاك ( وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله ) . وهذا مخالف لما نص عليه الإمام محمد في ( موطأه ) حيث قال : ( 84 ) ( الصلاة خير من النوم يكون ذلك في نداء الصبح بعد الفراغ من النداء ولا يجب أن يزاد في النداء ما لم يكن فيه ) فهذا صريح في أنه لا يستحب أن يقال ذلك في أذان الصبح كما عقد له الطحاوي بل بعده . والله أعلم .
والموضع الثاني : إذا كان برد شديد أو مطر فإنه يزيد بعد قوله : حي على الفلاح أو بعد الفراغ من الأذان : صلوا في الرحال . أو يقول : ومن قعد فلا حرج عليه .
وفي ذلك أحاديث :
( 1 ) عن ابن عباس رواه عنه عبد الله بن الحارث قال :
خطبنا ابن عباس في يوم ردغ ( مطر ) فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره أن ينادي : الصلاة في الرحال فنظر القوم بعضهم إلى بعض فقال : فعل هذا من هو خير منه وإنها عزمة .
خ ( 2/77 و78 ) وم ( 2/148 ) وابن حزم ( 3/142 ) من طرق عنه .
ورواه أبو داود بلفظ :
أن ابن عباس قال لمؤذنه في يوم مطير : إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حي على الصلاة قل : صلوا في بيوتكم فكأن الناس استنكروا ذلك فقال : قد فعل هذا من هو خير مني إن الجمعة عزمة وإني كرهت أن أخرجكم فتمشون في الطين والمطر .
وهو رواية للبخاري ( 2/307 ) وكذا مسلم ورواه بنحوه ابن ماجه ( 300 ) .
( 2 ) عن ابن عمر رواه عنه نافع قال :
أذن ابن عمر في ليلة باردة بضجنان ( جبل بناحية مكة ) ثم قال : صلوا في رحالكم فأخبرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن ثم يقول على إثره : ( ألا صلوا في الرحال ) في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر .
أخرجه خ ( 2/89 - 90 ) وم ( 2/147 ) ود ( 1/167 ) وحم ( 2/53 ) من طريق عبيد الله بن عمر عنه .
ورواه مالك ( 1/94 ) وعنه محمد ( 126 ) وكذا النسائي ( 107 ) والدارمي ( 292 ) ومسلم وأبو داود أيضا ( 2 - 4 و10 ) من طرق أخرى عن نافع نحوه .
( 3 ) عن عمرو بن أوس قال :
أنبأنا رجل من ثقيف أنه سمع منادي النبي صلى الله عليه وسلم - يعني في ليلة مطيرة في السفر - يقول : حي على الصلاة حي على الفلاح صلوا في رحالكم .
أخرجه النسائي ( 106 - 107 ) وأحمد ( 5/373 ) عن عمرو بن دينار عنه .
وهذا سند صحيح وعمرو بن أوس تابعي كبير .
( 4 ) عن نعيم بن النحام قال :
سمعت مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة باردة وأنا في لحافي فتمنيت أن يقول : صلوا في رحالكم فلما بلغ حي على الفلاح قال : صلوا في رحالكم ثم سألته عنها فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد أمره بذلك .
أخرجه أحمد ( 4/320 ) : ثنا عبد الرزاق : أنا معمر عن عبيد بن عمير عن شيخ سماه عنه .
وهذا سند رجاله رجال الستة غير الشيخ الذي لم يسم .
وله طريق أخرى عنه بلفظ آخر وهو :
( 5 ) عن نعيم أيضا قال :
نودي بالصبح في يوم بارد وأنا في مرط امرأتي فقلت : ليت المنادي قال : من قعد فلا حرج عليه فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم في آخر أذانه : ومن قعد فلا حرج عليه .
أخرجه أحمد أيضا ( 5/320 ) من طريق إسماعيل بن عياش قال : ثني يحيى بن سعيد قال : أخبرني محمد بن يحيى بن حبان عنه .
ورواه الطبراني في ( الكبير ) إلا أنه قال :
( فلما قال : الصلاة خير من النوم قال : ومن قعد فلا حرج عليه ) .
وإسماعيل بن عياش ضعيف في الحجازيين وروايته هذه عنهم .
لكن رواه الطبراني من طريق آخر رجاله رجال ( الصحيح ) كما قال في ( المجمع ) ( 2/47 ) وقد ذكره الحافظ في ( الفتح ) ( 2/78 ) بنحو رواية ( الكبير ) وقال :
( رواه عبد الرزاق وغيره بإسناد صحيح ) .
وبعد كتابة هذا رجعت إلى ( المستدرك ) فرأيته قد أخرج الحديث في ( 3/259 ) من طريق عبد الرزاق : أنا ابن جريج عن نافع عن عبد الله بن عمر عن نعيم النحام به نحوه . وقال :
( صحيح ) ووافقه الذهبي .
قلت : وهو كما قالا إلا أن فيه عنعنة ابن جريج وهو مدلس .
( تنبيه ) : الرواية الثانية من الحديث الأول تدل على أن المؤذن يحذف الحيعلتين ويجعل مكانه : الصلاة في الرحال . وقد ذهب إلى ذلك بعض المحدثين فقد بوب عليه ابن خزيمة وتبعه ابن حبان ثم المحب الطبري : حذف حي على الصلاة في يوم المطر . وهو الذي يقتضيه الحديث لولا أنه غير ظاهر فروي رفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثبت رفعه كان المؤذن مخيرا بين حذفها لهذا الحديث وبين إثباتها للأحاديث الأخرى . والله أعلم .
( 6 ) عن أبي هريرة قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة باردة أو مطيرة أمر المؤذن فأذن الأذان الأول فإذا فرغ نادى : الصلاة في الرحال أو في رحالكم .
رواه أبو أحمد بن عدي كما في ( طرح التثريب في شرح التقريب ) ( 1/319 ) للحافظ العراقي ولم يتكلم على إسناده بشيء .
6 - ومن السنة أن يؤذن للصبح مرتين : إحداهما بعد طلوع الفجر كما هو في سائر الأوقات والأخرى قبل ذلك بزمن يسير ليستيقظ النائم وينام المتهجد لحظة ليصبح نشيطا أو يتسحر من أراد الصيام .
وفي ذلك أحاديث :
الأول : عن ابن عمر وله عنه طرق :
( 1 ) عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى تسمعوا أذان ابن أم مكتوم ) .
أخرجه خ ( 2/79 ) وم ( 3/128 - 129 ) ون ( 105 ) وت ( 2/392 ) والدارمي ( 1/270 ) والطحاوي ( 1/82 ) والطيالسي ( 250 ) وأحمد ( 2/9 ) .
( 2 ) عن عبد الله بن دينار عنه به .
أخرجه مالك ( 1/95 ) وعنه محمد ( 176 - 177 ) وخ ( 2/81 ) وكذا ن ( 105 ) وطحا ( 1/82 ) وحم ( 2/64 ) كلهم عن مالك عنه به .
وأخرجه حم ( 2/62 و73 و79 ) والطحاوي أيضا من طرق عن عبد الله بن دينار به .
( 3 ) عن عبيد الله بن عمر عن نافع عنه .
أخرجه خ ( 2/83 و4/109 - 110 ) وم ( 3/129 ) مي ( 1/270 ) حم ( 2/57 ) من طرق عنه وزاد مسلم : ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا .
الثاني : عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا مثل رواية عبيد الله بن عمر عند مسلم .
أخرجه الشيخان ون ( 105 ) والدارمي ( 270 ) والطحاوي ( 82 ) وأحمد ( 6/44 و54 ) من طريق عبيد الله بن عمر : ثنا القاسم عنها .
وله طريق أخرى عنها مع تغاير في اللفظ والمعنى وسنذكره قريبا .
الثالث : عن أنيسة بنت خبيب رضي الله عنها قالت :
كان بلال وابن أم مكتوم يؤذنان للنبي صلى الله عليه وسلم فقال صلى الله عليه وسلم :
( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتم ) فكنا نحبس ابن أم مكتوم عن الأذان فنقول : كما أنت حتى نتسحر ولم يكن بين أذانيهما إلا أن ينزل هذا ويصعد هذا .
أخرجه الطياسلي ( 231 ) : ثنا شعبة عن خبيب بن عبد الرحيم ثتني عمتي أنيسة به .
وهذا سند صحيح على شرطهما .
وقد خرجه أحمد ( 6/433 ) والطحاوي ( 1/ - 82 - 83 ) من طرق عنه شعبة به بلفظ : بلال أو ابن أم مكتوم . هكذا على الشك في الموضعين .
وهو رواية لشعبة أيضا من رواية عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر .
أخرجه الطحاوي .
ثم أخرجه النسائي ( 2/105 ) والطحاوي أيضا وأحمد والطبراني من طريق هشيم عن منصور بن زاذان عن خبيب به جازما بالثاني بلفظ :
( إذا أذن ابن أم مكتوم فكلوا واشربوا وإذا أذن بلال فلا تأكلوا ولا تشربوا ) . والسياق لأحمد وزاد/ :
إن كانت المرأة ليبقى عليها من سحورها فتقول لبلال : أمهل حتى أفرغ من سحوري .
وسنده صحيح أيضا كالأول .
وكذا أخرجه ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبان من طرق عن شعبة .
قال الحافظ ( 2/81 ) :
( وادعى ابن عبد البر وجماعة من الأئمة بأنه مقلوب وأن الصواب حديث الباب وقد كنت أميل إلى ذلك إلى أن رأيت الحديث في ( صحيح ابن خزيمة ) من طريقين آخرين عن عائشة وفي بعض ألفاظه ما يبعد وقوع الوهم فيه وهو قوله : إذا أذن عمرو فإنه ضرير البصر فلا يغرنكم وإذا أذن بلال فلا يطعمن أحد ) . وأخرجه أحمد ) .
قلت : هو في ( المسند ) ( 6/185 ) هكذا : ثنا إسماعيل بن عمر قال : ثنا يونس بن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد قال :
قلت لعائشة أم المؤمنين : أي ساعة توترين ؟ لعلها قالت : ما أوتر حتى يؤذنون وما يؤذنون حتى يطلع الفجر قالت : وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان : بلال وعمرو بن أم مكتوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا أذن عمرو فكلوا واشربوا فإنه رجل ضرير البصر وإذا أذن بلال فارفعوا أيديكم فإن بلالا لا يؤذن - كذا قال - حتى يصبح ) .
وهذا سند رجاله كلهم رجال مسلم إلا أنه منقطع بين يونس بن أبي إسحاق والأسود بن يزيد فإن بين وفاتيهما ( 84 ) سنة ولعل يونس رواه عن أبيه عن الأسود فسقط من الطابع أو الراوي ذكر أبيه ويؤيد ذلك أن الأسود بن يزيد يروي عنه أبو إسحاق هذا . والله أعلم . ثم ذكر الحافظ وجه الجمع بين هذه الرواية وما يخالفها كما سبق فراجعه .
الرابع : عن ابن مسعود عنه صلى الله عليه وسلم قال :
( لا يمنعن أحدكم أو أحدا منكم أذان بلال من سحوره فإنه يؤذن أو ينادي بليل ليرجع قائمكم ولينبه نائمكم وليس أن يقول الفجر أو الصبح ) وقال بأصابعه ورفعها إلى فوق وطأطأ إلى أسفل حتى يقول هكذا . وقال الراوي : بسبابتيه : إحداهما فوق الأخرى ثم مدها عن يمينه وشماله .
خ ( 2/82 - 83 ) م ( 3/129 ) د ( 1/369 ) ن ( 1/105 و305 ) وابن ماجه ( 1/518 - 519 ) والطجحاوي ( 1/83 ) وأحمد ( 1/386 ) من طريق سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عنه به والسياق للبخاري . وقال الحافظ :
( معناه : يرد القائم - أي المتهجد - إلى راحته ليقوم إلى صلاة الصبح نشيطا أو يكون له حاجة إلى الصيام فيتسحر ويوقظ النائم ليتأهب لها بالغسل ونحوه ) .
7 - ويؤذن للجمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تأخير أذانا واحدا كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرفة ومزدلفة .
فيه حديث جابر الطويل في صفة حجه صلى الله عليه وسلم قال فيه : فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس . . . . أذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ولم يصل بينهما شيئا ثم ركب . . . . حتى أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما . . . . الحديث .
أخرجه بطوله مسلم ( 4/39 - 43 ) وأصحاب السنن وغيرهم وأخرج هذا القدر منه النسائي ( 1/107 ) والطحاوي ( 1/411 ) الصلاة بمزدلفة .
وهذا مذهب أبي حنيفة وأصحابه وهو قول الشافعي وإليه ذهب ابن حزم ( 7/125 - 129 ) قال : وصح عن عمر رضي الله عنه الجمع بينهما بأذانين وإقامتين .
قلت : أخرجه الطحاوي ( 1/409 ) عن الأسود :
أنه صلى مع عمر بن الخطاب صلاتين مرتين بجمع كل صلاة بأذان وإقامة والعشاء بينهما .
وإسناده صحيح كما قال الحافظ ( 3/413 ) .
وصح ذلك أيضا عن ابن مسعود .
أخرجه البخاري ( 3/492 ) وابن حزم ( 7/127 ) بنحو رواية عمر وروي عن علي رضي الله عنه وهو قول محمد بن علي بن الحسن وذكره عن أهل بيته وبه يقول مالك . قال ابن حزم :
( ولا حجة في هذا القول من خبر عن النبي صلى الله عليه وسلم 12 ولا حجة في قول عمر وابن مسعود وعلي في ذلك لأنه قد خالفهم غيرهم من الصحابة ) قال :
( وقد روي مثل قولنا عن ابن عمر وسالم ابنه وعطاء ) .
8 - وكذلك يوذن للفائتة المشروعة وإن كثرت أذانا واحدا كما فعل صلى الله عليه وسلم .
فيه أحاديث :
الأول : عن أبي قتادة في نومهم عن صلاة الصبح وفيه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بلالا بالأذان لها .
أخرجه مسلم وقد سبق قبيل الأذان في المسألة ( 6 ) .
الثاني : عن أبي هريرة مثله . وقد سبق - أيضا - هناك .
الثالث : عن ابن مسعود : أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله فأمر بلالا فأذن ثم أقام فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر ثم أقام فصلى المغرب ثم أقام فصلى العشاء .
أخرجه الترمذي وغيره وقد سبق الكلام عليه في المسألة ( 8 ) قبيل الأذان .
9 - ويشرع الأذان لمن يصلي وحده فإنه إذا أذن في أرض قفر صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه .
وفيه أحاديث :
الأول : عن أنس :
أنه صلى الله عليه وسلم استمع ذات يوم فسمع رجلا يقول : الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( على الفطرة ) . فقال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : ( خرجت من النار ) فنظروا فإذا هو راعي معزى .
أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة ( 3 ) من الأذان . ورواه بنحوه ابن خزيمة في ( صحيحه ) كما في ( الترغيب ) ( 1/110 ) ولفظه أتم عن أنس رضي الله عنه قال : سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا وهو في مسير له يقول : الله أكبر الله أكبر فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم : ( علىالفطرة ) . فقال أشهد أن لا إله إلا الله . قال : ( خرج من النار ) .
فاستبق القوم إلى الرجل فإذا راعي غنم حضرته الصلاة فقام يؤذن .
الثاني : عن عبد الله بن ربيعة الأسلمي قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فسمع مؤذنا يقول : أشهد أن لا إله إلا الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أشهد أن لا إله إلا الله ) قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال النبي صلى الله عليه وسلم :
( أشهد أني محمد رسول الله ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( تجدونه راعي غنم أو عازبا عن أهله ) .
اخرجه أحمد ( 4/336 ) واللفظ له والنسائي ( 1/108 ) وزاد : ( فنظروا فإذا هو راعي غنم ) . وهو من طريق شعبة عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .
وقد رواه الحكم بن عبد الملك عن عمار بن محمد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل قال . . . فذكره بنحوه .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) ( 159 ) وأحمد ( 5/248 ) .
والحكم هذا ضعيف اتفاقا .
وله في ( المسند ) شاهد من حديث ابن مسعود بإسناد صحيح على شرط الستة ذكرته في التعليق على الطبراني .
الثالث : عن قبلة بن عامر مرفوعا :
( يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية ( قطعة مرتفعة في رأس الجبل ) بجبل يؤذن بالصلاة ويصلي فيقول الله عز وجل : انظروا إلى عبدي هذا ويؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني فقد غفرت لعبدي وأدخلته الجنة ) .
أخرجه أبو داود ( 1/188 ) والنسائي ( 1/108 ) والبيهقي ( 1/405 ) وأحمد ( 4/157 و158 ) من طريق أبي عشانة عنه .
وأبو عشانة - بضم المهملة - واسمه حي بن يؤمن وهو ثقة كما في ( التقريب ) فهو حديث صحيح .
الرابع : عن سلمان مرفوعا :
( إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكان وإن أذن وأقام صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه ) .
أخرجه عبد الرزاق وأبو بكر بن أبي شيبة عن معتمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن أبي عثمان النهدي عنه به .
وهذا سند صحيح على شرط الستة .
وأخرجه البيهقي ( 1/405 ) مرفوعا وموقوفا ورجح الموقوف . ولا يخفى أن له حكم المرفوع لا سيما وأن له شاهدا ذكره في ( التلخيص ) ( 3/145 ) وانظر ( الترغيب ) ( 11/153 ) .
وقد ذهب إلى العمل بهذه الأحاديث الشافعي وأصحابه فقالوا بأنه يشرع الأذان للمنفرد سواء كان في صحراء أو في بلد قال الشافعي في ( الأم ) :
( وأذان الرجل في بيته وإقامته كهما في غير بيته سواء سمع المؤذنين حوله أم لا ) . كذا في ( المجموع ) ( 3/85 - 86 ) . وقال في ( شرح مسلم ) :
( وهذا هو الصحيح المشهور في مذهبنا ومذهب غيرنا أن الأذان مشروع للمنفرد ) .
قلت : وهو مذهب الحنفية أيضا .
10 - ويجب على المؤذن أن يكون محتسبا في أذانه لا يطلب عليه أجرا .
قال تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } [ البينة/5 ] .
وقال عثمان بن أبي العاص : إن من آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا .
أخرجه الترمذي ( 1/409 - 410 ) وابن ماجه ( 1/244 ) وابن حزم ( 3/145 ) من طريق أشعث بن عبد الملك الحمراني عن الحسن عنه . وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
قلت : ورجاله كلهم ثقات إلا أن الحسن مدلس لكنه توبع عليه فقال حماد بن سلمة : أخبرنا سعيد الجريري عن أبي العلاء عن مطرف عن مطرف بن عبد الله عن عثمان بن أبي العاص قال : قلت : يا رسول الله اجعلني إمام قومي قال :
( أنت إمامهم واقتد بأضعفهم واتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرا ) .
أخرجه أبو داود ( 1/8 ) والنسائي ( 109 ) والطحاوي 02/270 ) والحاكم ( 1/199 و217 ) من طرق عنه . وقال الحاكم :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
ثم قال الترمذي :
( العمل على هذا عند أهل العلم كرهوا أن يأخذ المؤذن على الأذان أجرا واستحبوا للمؤذن أن يحتسب في أذانه ) .
وبعضهم ذهب إلى أن ذلك لا يجوز وهو مذهب ابن حزم ( 3/145 - 146 ) قال : ( وهو قول أبي حنيفة وغيره ) وهو وجه للشافعية وبه قطع الشيخ أبو حامد والقفال وغيرهما وصححه المحاملي والبغوي وغيرهم كما في ( المجموع ) ( 3/127 ) قال : ( وبه قال الأوزاعي وأبو حنيفة وأحمد وابن المنذر ) . وقد مال إلى هذا الشوكاني في ( نيل الأوطار ) فراجعه ( 2/49 - 50 ) .
ويؤيد ما ذهب إليه هؤلاء ما رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان الضبعي عن يحيى البكاء قال : رأيت ابن عمر يقول لرجل : إني لأبغضك في الله ثم قال لأصحابه : إنه يتغنى في أذانه ويأخذ عليه أجرا .
ذكره ابن حزم وقال الشوكاني : وقد أخرج ابن حبان عن يحيى البكاء ( وفي الأصل : البكالي وهو تصحيف ) قال : سمعت رجلا قال لابن عمر : إني لأحبك في الله فقال له ابن عمر : إني لأبغضك في الله فقال : سبحان الله أحبك في الله وتبغضيني في الله قال : نعم إنك تسأل على أذانك أجرا .
قلت : وقد أخرج الطحاوي نحوه من طريق حماد بن سلمة عن يحيى البكاء .
ثم قال ابن حزم : ( ولا يعرف لابن عمر في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ) .
قلت : لكن في ثبوت هذا الأثر عن ابن عمر نظر لأن مداره على يحيى البكاء وهو ضعيف كما في ( التقريب ) وقد ضعفه غير ما واحد من الأئمة كالنسائي والدارقطني وقال ابن حبان : ( يروي المعضلات عن الثقات لا يجوز الاحتجاج به ) . ذكره الذهبي في ( الميزان ) ثم ساق له هذا الأثر عن ابن عمر .
ثم الظاهر أن ابن حبان إنما أخرج أثره هذا في كتابه ( الضعفاء ) لا في ( صحيحه ) كما يوهم صنيع الشوكاني والله أعلم .
11 - وأما إن جاءه شيء من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه .
وفيه أحاديث :
الأول : عن خالد بن عدي الجهني قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من بلغه معروف عن أخيه من غير مسألة ولا إشراف نفس فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله عز وجل إليه ) .
أخرجه أحمد ( 5/320 - 321 ) : ثنا عبد الله بن يزيد : ثنا سعيد بن أبي أيوب : ثني أبو الأسود عن بكير بن عبد الله بن بسر بن سعيد عنه .
وهذا سند صحيح كما قال المنذري ( 2/16 ) .
قلت : ورجاله رجال الستة .
ورواه أبو يعلى والطبراني في ( الكبير ) إلا أنهما قالا : ( من أخيه ) . كما في ( المجمع ) ( 3/100 ) وابن حبان في ( صحيحه ) والحاكم وقال :
( صحيح الإسناد ) .
الثاني عن أبي هريرة مرفوعا :
( من عرض له شيء من غير أن يسأله فليقبله فإنما هو رزق ساقه الله إليه ) .
أخرجه أحمد أيضا ( 2/323 و490 ) والطيالسي ( 325 ) نحوه من طريق همام : أنا قتادة عن عبد الملك عنه .
وهذا رجاله رجال الستة أيضا غير عبد الملك هذا فإنه لم يعين عندي الآن وقد جعله الهيثمي من رجال الصحيح حيث قال :
( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) .
فلعله عبد الملك بن عمير أو عبد الملك بن أبي سليمان . والله أعلم . وقال المنذري : ( ورواته محتج بهم في الصحيح ) .
الثالث : عن عائشة مرفوعا :
( يا عائشة من أعطاك عطاء بغير مسألة فاقبليه فإنما هو رزق عرضه الله لك ) .
أخرجه أحمد من طريق ليث ( وهو ابن سعد ) عن يزيد بن الهاد عن عمرو عن المطلب بن حنطب أن عبد الله بن عامر بعث إلى عائشة بنفقة وكسوة فقالت للرسول : إني يا بني لا أقبل من أحد شيئا فلما خرج قالت : ردوه علي فردوه فقالت : إني ذكرت شيئا قاله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : . . . فذكرته .
ورجاله رجال الستة غير المطلب هذا وهو المطلب بن عبد الله بن المطلب ابن حنطب نسب إلى جده الأعلى وهو صدوق كثير التدليس والإرسال كما في ( التقريب ) . وقال الهيثمي :
( ورجاله ثقات إلا أن المطلب بن عبد الله مدلس واختلف في سماعه من عائشة ) .
وعمرو هو ابن دينار وقال المنذري :
( رواه أحمد والبيهقي ورواة أحمد ثقات ) ثم قال :
( فإن كان المطلب سمع من عائشة فالإسناد متصل وإلا فالرسول إليها لم يسم . والله أعلم ) .
الرابع : عن أبي الدرداء قال :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إعطاء السلطان قال :
( ما أتاك الله منه من غير مسألة ولا إشراف فخذه وتموله ) .
أخرجه أحمد : ثنا أبو معاوية : ثنا هشام بن حسان القردوسي عن قيس بن سعد عن رجل حدثه عنه به وزاد :
قال : وقال الحسن رحمه الله : لا بأس بها ما لم ترحل إليها أو تشرف لها . ورجاله رجال مسلم غير الرجل الذي لم يسم .
الخامس : عن عائذ بن عمرو مرفوعا : ( من عرض له شيء من هذا الرزق من غير مسألة ولا إشراف فليوسع به في رزقه فإن كان عنه غنيا فليوجهه إلى من هو أحوج إليه منه ) .
أخرجه أحمد من طرق عن أبي الأشهب عن عامر الأحول قال : قال عائذ بن عمرو . . . فذكره .
ورجاله رجال الصحيح إلا أنه منقطع . وعامر هذا هو عامر بن عبد الواحد الأحول ولم يدرك عائذ بن عمرو كما قال الحافظ في ( التقريب ) - ومنه تعلم أن قول المنذري : ( إسناد أحمد جيد قوي ) غير جيد - . وقال شيخه في ( المجمع ) :
( رواه أحمد والطبراني في ( الكبير ) وقال : ( من عرض عليه من هذا الرزق شيء ) وأسقط أحمد ( شيء ) ورجال أحمد رجال الصحيح ) .
قلت : وفيه قصور واضح لأنه لم ينبه على علة الانقطاع . وأيضا فإن لفظة ( شيء ) ثابتة عند أحمد في جميع الروايات هذا وعقب الحديث عبد الله بن الإمام أحمد بقوله : سألت أبي : ما الإشراف ؟ قال : تقول في نفسك : سيبعث إلي فلان سيصلني فلان .
السادس : عن عمر بن الخطاب بمعنى الحديث الرابع وسيأتي في الزكاة إن شاء الله تعالى . وراجع : البخاري ومسلم وأبا داود والنسائي والدارمي والطحاوي وأحمد .
وفي الباب عن أبي محذورة في حديث الأذان قال :
ثم دعاني عليه السلام حين قضيت التأذين فأعطاني صرة فيها شيء من فضة . وقد مضى في المسألة ( 4 ) من الأذان وفيه عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة وهو غير معروف الحال كما قال الحافظ في ( التلخيص ) فالاحتجاج بهذا الحديث في هذا الباب على جواز أخذ الأجرة مطلقا ليس بجيد أولا : لما علمت من ضعفه وثانيا : لأنه ليس في طلب الأجرة بل فيه الإعطاء بدون طلب وهذا جائز كما أفادته الأحاديث التي قبله . وراجع الشوكاني .
12 - وينبغي أن يؤذن من هو أحسن صوتا وأندى .
فيه حديثان :
الأول : عن عبد الله بن زيد في حديث الأذان قال : فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال : ( إنها لرؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك ) الحديث . وسنده جيد كما تقدم في المسألة الأولى .
الثاني : عن أبي محذورة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر نحوا من عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان . . . الحديث وهو صحيح وقد سبق في المسألة الرابعة .
ورواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) كما في ( بلوغ المرام ) و( التلخيص ) وأخرجه النسائي من طريق أخرى بلفظ : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قد سمعت في هؤلاء تأذين إنسان حسن الصوت ) فأرسل إلينا . . . الحديث وسنده مقبول .
وقد أخرجه أحمد وغيره بنحوه وسبق هناك وصححه ابن السكن كما في ( التلخيص ) .
13 - ويستحب له أمور :
( 1 ) أن يؤذن على طهارة :
والدليل عليه قوله عليه السلام :
( إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهر أو قال : على طهارة ) .
وقد سبق في الطهارة . وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في ( التلخيص ) .
وروى البيهقي والدارقطني في ( الأفراد ) وأبو الشيخ في ( الأذان ) من حديث عبد الجبار بن وائل عن أبيه قال : حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم .
قال في ( التلخيص ) :
( وإسناده حسن إلا أن فيه انقطاعا لأن عبد الجبار ثبت عنه في ( صحيح مسلم ) أنه قال : كنت غلاما لا أعقل صلاة أبي ونقل النووي اتفاق أئمة الحديث على أنه لم يسمع من أبيه ) .
وأما حديث : ( لا يؤذن إلا متوضئ ) فضعيف لا يصح .
أخرجه الترمذي من طريق معاوية بن يحيى الصدفي عن الزهري عن أبي هريرة مرفوعا به .
ومعاوية هذا ضعف كما قال الحافظ . والزهري لم يسمع من أبي هريرة كما قال الترمذي .
ثم أخرجه من طريق يونس عن ابن شهاب به قال : قال أبو هريرة : لا ينادي بالصلاة إلا متوضئ . وقال :
( هذا أصح من الحديث الأول ) .
قلت : فهو لا يصح مرفوعا ولا موقوفا لوجود الانقطاع في الطريقين .
ثم قال الترمذي : واختلف أهل العلم في الأذان على غير وضوء فكرهه بعض أهل العلم وبه يقول الشافعي وإسحاق ورخص في ذلك بعض أهل العلم وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد .
( 2 ) وأن يقف قائما :
وفيه أحاديث :
الأول : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال :
أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال قال : ثنا أصحابنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لقد أعجبني أن تكون صلاة المسلمين - أو قال : المؤمنين - واحدة . . . ) فذكر الحديث فجاء رجل من الأنصار فقال : يا رسول الله إني لما رجعت لما رأيت من اهتمامك رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قام مثلها إلا أنه يقول : قد قامت الصلاة ولولا أن تقول الناس إني كنت يقظان غير نائم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لقد أراك الله خيرا فمر بلالا فليؤذن ) .
قال : فقال عمر : أما إني قد رأيت مثل الذي رأي ولكني لما سبقت استحييت .
أخرجه أبو داود من طريق شعبة عن عمرو بن مرة : سمعت أبن أبي ليلى به .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة .
وقد أخرجه الطحاوي من طريق زيد بن أبي أنيسة عن عمرو بن مرة به نحوه .
وأخرجه ابن أبي شيبة في ( مصنفه ) كما في ( نصب الراية ) : فقال : ثنا وكيع : ثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله . . . الحديث نحوه إلا أنه قال : فقام على حائط .
أخرجه الطحاوي وابن حزم عن وكيع به مختصرا . وقال ابن حزم :
( وهذا إسناد في غاية الصحة ) .
وكذلك رواه ابن خزيمة والبيهقي عن وكيع .
وهذه الرواية تبين ما أبهم في رواية شعبة وهو أن قوله : أصحابنا إنما أراد به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا صححها ابن حزم وابن دقيق العيد أيضا كما في ( التلخيص ) و( نصب الراية ) . وهي ترد قول من أعل الحديث بالانقطاع أو الإرسال لظاهر بعض الروايات عن ابن أبي ليلى فقد رواه المسعودي عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ بن جبل نحوه . وقد سبق في المسألة الأولى ويأتي قريبا .
وكذلك رواه أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به .
رواه أحمد والدارقطني بلفظ : نزل على جذم حائط .
وأخرجه الطحاوي من طريق عبد الله بن داود عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عبد الله بن زيد به . فأسقط من السند ذكر معاذ أو أحد من الصحابة .
وأخرج الدارقطني نحوه من طريق أخرى عن عمرو وقال : ( وابن أبي ليلى لا يثبت سماعه من عبد الله بن زيد وقال الأعمش والمسعودي : عن عمرو بن خالد بن مرة عن ابن أبي ليلى عن معاذ بن جبل ولا يثبت والصواب ما رواه الثوري وشعبة عن عمرو بن مرة وحصين بن عبد الرحمن عن ابن أبي ليلى مرسلا ) .
كذا قال وقد علمت أن رواية وكيع عن الأعمش متصلة صحيحة الإسناد ولعل الدارقطني لم يقف عليها والذي نقطع به أن ابن أبي ليلى قد سمع هذا الحديث عن جمع من الصحابة لم يسمهم فكان أحيانا يسنده إليهم وأحيانا يسنده إلى صاحب القصة وهو عبد الله بن زيد وأحيانا إلى بعض رواتها من الصحابة كمعاذ وكان يفعل ذلك وإن لم يسمعها منهما باعتبار أنه سمعها مسندا إليهما فلا يضر هذا الإرسال حينئذ كما لا يخفى ومن شاء زيادة تحقيق في ذلك فليراجع تعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على كتاب ( أصول الأحكام ) لابن حزم .
الحديث الثاني : عن وائل بن حجر قال :
حق وسنة أن لا يؤذن الرجل إلا وهو طاهر ولا يؤذن إلا وهو قائم وقد مضى قريبا .
قال ابن المنذر : ( أجمع أهل العلم أن القيام في الأذان من السنة ) . وراجع ( الفتح ) .
( 3 ) على مكان عال :
وفيه أحاديث :
الأول : حديث عبد الله بن زيد في أذان الملك قال : فقام على المسجد فأذن . وفي رواية على حائط وفي أخرى جذم حائط . وقد سبق ذكرها قريبا . ( والجذم ) بالكسر والفتح : الأصل : أراد بقية حائط .
الثاني : عن امرأة من بني النجار قالت :
كان بيتي من أطول بيت حول المسجد وكان بلال يؤذن عليه الفجر فيأتي بسحر فيجلس على البيت ينظر إلى الفجر فإذا رأه تمطى ثم قال : اللهم إني أحمد . . . الحديث .
أخرجه أبو داود عن محمد بن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة بن الزبير عنها .
وهذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن إسحاق مدلس ولذلك قال النووي : ( إسناده ضعيف ) . وأما قول الحافظ في ( الفتح ) :
( وإسناده حسن ) .
فغير حسن ولو سكت عليه كما فعل في ( التلخيص ) لكان أحسن .
لكني وجدت له طريقا أخرى فقال ابن سعد في ( الطبقات ) : أخبرنا محمد بن عمر : ثني معاذ بن محمد عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة قال : أخبرني من سمع النوار أم زيد بن ثابت تقول :
كان بيتي أطول بيت حول المسجد فكان بلال يؤذن فوقه من أول ما أذن إلى أن بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجده فكان يؤذن بعد على ظهر المسجد وقد رفع له شيء فوق ظهره .
ومحمد بن عمر هو الواقدي : ضعيف .
الثالث : عن ابن عمر قال : كان ابن أم مكتوم يؤذن فوق البيت .
أخرجه أبو الشيخ عن عبد الله بن نافع عن أبيه عنه .
ذكره الزيلعي والعسقلاني وسكتا عليه .
وعبد بن نافع هذا ضعيف كما في ( التقريب ) .
ويشهد لمعاني الحديث حديث ابن عمر رضي الله عنه :
كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذنان : بلال وابن أم مكتوم الأعمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) .
قال : ولم يكن بينهما إلا أن ينزل هذا ويرقى هذا . ( متفق عليه ) واللفظ لمسلم .
وأخرجاه أيضا من حديث عائشة وقد سبق تخريجه في المسألة ( 6 ) .
الرابع : عن أي برزة الأسلمي قال :
من السنة الأذان في المنارة والإقامة في المسجد .
أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن سعيد الجريري عن عبد الله بن شقيق عنه .
وهو في ( سنن سعيد بن منصور ) مثله .
وسكت عليه الحافظان المذكوران آنفا فإن كان السند إلى سعيد سلم من علة فهو إسناد صحيح .
ثم رأيت البيهقي أخرجه في ( سننه ) من طريق خالد بن عمرو قال : ( ثنا سفيان عن الجريري به ) وقال :
( وهذا حديث منكر لم يروه غير خالد بن عمرو وهو ضعيف منكر الحديث ) .
الخامس : عن عقبة بن رافع مرفوعا :
( يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة . . . ) . الحديث .
وقد مضى في المسألة التاسعة . فإن ( الشظية ) قطعة مرتفعة في رأس الجبل . وفيه إشارة إلى استحباب الأذان على المكان المرتفع ولو كان على الجبل .
( 4 ) ويستقبل القبلة :
وفيه حديثان :
الأول : حديث عبد الله بن زيد في نزول الملك بالأذان قال :
بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران فاستقبل القبلة فقال : الله أكبر الله أكبر . . . الحديث .
وقد مضى في المسألة الأولى وهو من رواية المسعودي عن عمر بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن معاذ والمسعودي كان اختلط إلا أنه قد توبع على هذه الجملة .
قال إسحاق في ( مسنده ) على ما في ( التلخيص ) : ثنا أبو معاوية عن الأعمش عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : جاء عبد الله بن زيد فقال : يا رسول الله إني رأيت رجلا نزل من السماء فقام على جذم حائط فاستقبل القبلة . . . فذكر الحديث .
الثاني : عن سعد القرط مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أن بلالا كان يؤذن مثنى مثنى ويتشهد مضعفا يستقبل القبلة فيقول . . . فذكره .
أخرجه الطبراني وسنده ضعيف كما سبق في النوع الثاني من الأذان .
وأخرجه الحاكم بلفظ : وإن بلالا كان إذا كبر بالأذان استقبل القبلة . . . الحديث .
وسكت عليه هو والذهبي .
( 5 ) ويرفع صوته :
( فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة ) و( له أجر من صلى معه ) .
وهذا من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . رواه عنه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري : أن أبا سعيد الخدري قال له : إني أراك تحب الغنم والبادية فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء فإنه لا يسمع . . . الحديث . قال أبو سعيد : سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم . متفق عليه . وقد خرجته في ( التعليق الرغيب ) .
وللحديث شواهد من حديث ابن عمر بإسناد صحيح وأبي هريرة بسند حسن والبراء بن عازب بإسناد صحيح وقد خرجتها هناك ولفظ حديث البراء : ( والمؤذن يغفر له مدى صوته وصدقه من سمعه من رطب ويابس وله أجر من صلى معه ) .
( 6 ) ويجعل أصبعيه في أذنيه :
وفيه أحاديث :
الأول : عن أبي جحيفة قال :
رأيت بلالا يؤذن ويدور وأتتبع فاه ههنا وههنا وأصبعاه في أذنيه . . . الحديث .
أخرجه أحمد قال : ثنا عبد الرزاق : أنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه .
وأخرجه الحاكم عن أحمد والترمذي عن محمود بن غيلان : ثنا عبد الرزاق به .
ثم رواه من طريق إبراهيم بن عتبة عن الثوري ومالك بن مغول عن عون ابن أبي جحيفة بنحوه . وقال :
( قد اتفق الشيخان على إخراج حديث مالك بن مغول وعمر بن زائدة عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه في ذكر نزوله صلى الله عليه وسلم الأبطح غير أنهما لم يذكرا فيه إدخال الأصبع في الأذنين والاستدارة في الأذان وهو صحيح على شرطهما وهما سنتان مسنونتان ) . ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
وذلك يدل على أن عبد الرزاق لم يتفرد بذكر الأصبعين والاستدارة فيه بل تابعه على ذلك كله الحسين بن جعفر وهو الحسين بن منصور بن جعفر النيسابوري وهو ثقة فقيه وإبراهيم بن عتبة كذا في الأصل والصواب : عيينة بمهملة ثم مثناة تحتية ثم نون وهو أخو سفيان بن عيينة وهو صدوق يهم كما في ( التقريب ) .
وتابعه - أيضا - مؤمل بن إسماعيل عن سفيان . أخرجه أبو عوانة في ( صحيحه ) نحوه كما في ( نصب الراية ) و( الفتح ) وكذا رواه ابن خزيمة كما في ( التلخيص ) قال : ورواه أبو نعيم في ( مستخرجه ) وعنده : ( رأى بلالا يؤذن ويدور وأصبعاه في أذنيه ) وكذا رواه البزار .
وكذلك لم يتفرد به الثوري عن عون بل تابعه مالك بن مغول كما سبق في رواية الحاكم وهو ثقة ثبت . وقد أخرج حديثه هذا مسلم لكن ليس فيه وضع الأصبعين .
وتابعه أيضا حجاج بن أرطأة عند ابن ماجه والدارمي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وغيرهم .
وإدريس الأودي أخرجه الطبراني وحماد وهشيم جميعا عن عون به . أخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتاب الأذان كما في ( نصب الراية ) و( التلخيص ) .
وبالجملة فالحديث بهاتين الزيادتين صحيح وقد قال الترمذي بعد أن خرجه : ( إنه حديث حسن صحيح ) .
والمراد بالاستدارة فيه : الاستدارة بالرأس فقط لا بسائر الجسد كذلك جاء مفسرا في ( الصحيحين ) وغيرهما ويأتي قريبا .
الحديث الثاني : عن عبد الله الهوزني : قال :
قلت لبلال : كيف كانت نفقة النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكر الحديث وفيه قال بلال : فجعلت أصبعي في أذني فأذنت .
ذكره الحافظ في ( الفتح ) وقال : ( إنه من أصح شواهد الحديث الأول ) . وقال : ( رواه أبو داود وابن حبان من طريق أبي سلام الدمشقي أن عبد الله الهوزني حدثه به ) .
قلت : الحديث في ( سنن أبي داود لكن لم يسق الحديث بتمامه بل قال في موضع منه : فذكر الحديث . وفي آخره : وقص الحديث . إشارة إلى اختصاره ولذا فليس فيه قول بلال : ( فجعلت . . . إلخ ) .
فالظاهر أنه من جملة المختصر عنده وسنده هكذا : ثنا أبو توبة الربيع بن نافع : ثنا معاوية - يعني ابن سلام - عن زيد أنه سمع أبا سلام : ثني عبد الله الهوزني به .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم سوى عبدالله الهوزني وهو ابن لحي وهو ثقة مخضرم .
الثالث : عن سعد القرظ :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا أن يجعل أصبعيه في أذنيه قال : ( إنه أرفع لصوتك ) .
أخرجه ابن ماجه والطبراني في ( الصغير ) من طريق عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد : ثني أبي عن أبيه عن جده .
وأخرجه الحاكم بإسقاط سعد من السند .
وهذا سند ضعيف فيه ضعف وجهالة وقد سبق له حديث آخر بهذا السند في النوع الثاني من الأذان .
وبه أخرجه الطبراني في ( الكبير ) بلفظ : ( إذا أذنت فاجعل أصبعيك في أذنيك فإنه أرفع لصوتك ) .
الرابع : عن عبد الله بن زيد في حديث رؤيا الملك قال :
لما كان الليل قبل الفجر غشيني نعاس فرأيت رجلا عليه ثوبان أخضران وأنا بين النائم واليقظان فقام على سطح المسجد فجعل أصبعيه في أذنيه ونادى . . . الحديث بطوله .
أخرجه أبو الشيخ في كتاب الأذان عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الرحمن ابن أبي ليلى عنه كما في ( التلخيص ) و( نصب الراية ) وقال :
( ويزيد بن أبي زياد متكلم فيه ) .
وعبد الرحمن عن عبد الله بن زيد تقدم قول من قال : ( فيه انقطاع ) .
هذا وقد قال الترمذي بعد أن ساق الحديث الأول : ( وعليه العمل عند أهل العلم يستحبون للرجل أن يدخل المؤذن أصبعيه في أذنيه في الأذان . وقال بعض أهل العلم : وفي الإقامة أيضا يدخل أصبعيه في أذنيه وهو قول الأوزاعي ) .
وفي ( الفتح ) : ( قال العلماء : في ذلك فائدتان : إحداهما : أنه قد يكون أرفع لصوته ثانيهما : أنه علامة للمؤذن ليعرف من رآه على بعد أو كان به صمم أنه يؤذن ) .
( تنبيه ) : لم يرد تعيين الأصبع التي يستحب وضعها وجزم النووي أنها المسبحة وإطلاق الأصبع مجاز عن الأنملة .
( 7 ) ويلتفت يمينا برأسه عند قوله : حي على الصلاة وشمالا عند قوله : حي على الفلاح ولا يستدير .
وفي حديث أبي جحيفة قال :
أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بمكة وهو بالأبطح في قبة له حمراء من أدم وقال : فخرج بلال بوضوئه فمن نائل وناضح قال : فخرج النبي صلى الله عليه وسلم عليه حلة حمراء كأني أنظر إلى بياض ساقيه قال : فتوضأ وأذن بلال قال : فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا يقول يمينا وشمالا يقول : حي على الصلاة حي على الفلاح . . . الحديث .
أخرجه مسلم من طريق وكيع : ثنا سفيان : ثنا عون بن أبي جحيفة عن أبيه .
وبهذا السند أخرجه أحمد نحوه .
وأخرجه أبو داود من طريق قيس بن الربيع ووكيع عن سفيان جميعا بلفظ :
فلما بلغ حي على الصلاة حي على الفلاح لوى عنقه يمينا وشمالا ولم يستدر . . . الحديث .
وإسناده صحيح كما قال النووي :
ورواه النسائي عن وكيع أيضا مختصرا بلفظ : فأذن فجعل يقول في أذانه هكذا ينحرف يمينا وشمالا .
والبخاري والدارمي عن محمد بن يوسف : ثنا سفيان به بلفظ : أنه رأى بلالا يؤذن فجعلت أتتبع فاه ههنا وههنا بالأذان .
وكذا رواه النسائي أيضا عن إسحاق الأزرق عن سفيان .
قال النووي :
( مذهبنا أنه يستحب الالتفات في الحيعلة يمينا وشمالا ولا يدور ولا يستدبر القبلة سواء كان على الأرض أو على منارة وبه قال النخعي والثوري والأوزاعي وأبو ثور وهو رواية عن أحمد وقال ابن سيرين : يكره الالتفات وقال مالك : لا يدور ولا يلتفت إلا أن يريد إسماع الناس وقال أبو حنيفة وإسحاق وأحمد في رواية : يلتفت ولا يدور إلا أن يكون على منارة فيدور .
واحتج لمن قال يدور بحديث الحجاج بن أرطأة عن عوف بن أبي جحيفة عن أبي جحيفة قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم بالأبطح فخرج بلال فأذن فاستدار في أذانه .
رواه ابن ماجه والبيهقي .
واحتج أصحابنا بالحديث الصحيح السابق أنه لم يستدر وأما حديث الحجاج فجوابه من أوجه : أحدها : أنه ضعيف لأن الحجاج ضعيف ومدلس والضعيف لا يحتج به والمدلس إذا قال : عن لا يحتج به لو كان عدلا ضابطا والجواب الثاني : أنه مخالف لرواية الثقات عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه فوجب رده الثالث : أن الاستدارة تحمل على الالتفات جمعا بين الروايات ) .
وأقول : هذا الجواب الأخير هو الذي يجب المصير إليه أما الأول والثاني فضعيف لثبوت الاستدارة من طرق وقد سبق بيانها قريبا .
واختلف : هل يستدير في الحيعلتين الأوليين مرة وفي الثانية مرة أو يقول : حي على الصلاة عن يمينه ثم حي على الفلاح عن شماله وكذا الأخرى ؟
قال ابن دقيق العيد : ( ويرجح الثاني لأنه يكون لكل جهة نصيب منهما ) . قال : ( والأول أقرب إلى لفظ الحديث ) كما في ( الفتح ) .
قلت : ويؤيد الأول حديث سعد القرظ في أذان بلال : ثم ينحرف عن يمينه فيقول : حي على الصلاة مرتين ثم ينحرف عن يساره فيقول : حي على الفلاح مرتين ثم يستقبل القبلة فيقول : الله أكبر . . . الحديث . وفيه ضعف وقد مضى في المسألة الرابعة .
( 8 ) وأن يكون أذانه أول الوقت كما كان يفعل بلال :
كان يؤذن إذا زالت الشمس لا يخرم ثم لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم قال : فإذا خرج أقام حين يراه .
أخرجه مسلم وأحمد واللفظ له 13 من طريق زهير عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة قال . . . فذكره .
وهو في ( المسند ) و( سنن أبي داود ) وغيرهما من طرق أخرى عن سماك مختصرا ولعله يأتي في الإقامة .
قوله : لا يخرم أي : لا يترك شيئا من ألفاظه كذا في ( النيل ) .
وهذا المعنى محتمل ولكن الأرجح عندي أن المعنى لا يخرم : أن لا ينقص ولا يؤخر عن الوقت وهو وقت زوال الشمس والدليل على هذا الشطر الثاني من الحديث فإنه يقول : إن بلالا كان يؤخر الإقامة حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم . وقد وجدت بعد ذلك ما يؤيد هذا من الرواية وهو ما رواه الطيالسي : ثنا قيس عن سماك بن حرب عن جابر قال :
كان بلال يؤذن حين تدحض الشمس وربما أخر الإقامة قليلا وربما عجلها قليلا فأما الأذان فكان لا يخرم عن الوقت .
فهذا نص فيما رجحنا والله أعلم .
والحديث فيه المحافظة على الأذان عند دخول وقت الظهر بدون تقديم ولا تأخير وهكذا سائر الصلوات إلا الفجر كما تقدم .
14 - وعلى من يسمع النداء أمور :
أولا : أن يقول مثلما يقول المؤذن :
وفيه أحاديث :
الأول : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا سمعتم النداء فقولوا مثل ما يقول المؤذن ) .
أخرجه مالك وعنه البخاري وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وعنه ابن السني والترمذي وابن ماجه والطحاوي وأحمد والخطيب كلهم عن مالك عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عنه .
ورواية الطحاوي عن ابن وهب قال : أخبرني مالك ويونس عن ابن شهاب به .
وكذا أخرج أبو عوانة كما في ( الفتح ) .
وكذلك أخرجه أحمد في روايةمن طريق عثمان بن عمر : أنا مالك ويونس ين يزيد عن الزهري .
ومن هذه الطريق أخرجه الدارمي والطحاوي أيضا لكنهما لم يذكرا مالكا في السند وكذا رواه الطيالسي عن ابن المبارك عن يونس وحده .
وقد خالف مالكا ويونس بن يزيد عباد بن إسحاق أو عبد الرحمن بن إسحاق فرواه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا نحوه .
أخرجه ابن ماجه والطحاوي وذكره الترمذي معلقا وقال : ورواية مالك أصح وكذا قال أحمد بن صالح وأبو حاتم وأبو داود كما في ( الفتح ) .
الثاني : عن معاوية مرفوعا :
( إذا سمعتم المؤذن يؤذن فقولوا مثل مقالته أو كما قال ) .
أخرجه الطحاوي من طريق محمد بن عمرو الليثي عن أبيه عن جده قال : كنا عند معاوية فأذن المؤذن فقال معاوية : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول . . . فذكره .
ورجاله ثقات غير عمرو هذا وهو ابن علقمة بن وقاص وثقه ابن حبان وصحح خبره كما في ( الخلاصة ) وفي ( التقريب ) أنه مقبول .
ومن هذا الطريق أخرجه أحمد لكن جعله من فعله صلى الله عليه وسلم لا من قوله .
وكذلك هو في ( الصحيح ) من طريق آخر ويأتي قريبا إن شاء الله تعالى .
الثالث : عن معاذ بن أنس الجهني رفعه :
( إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة فقولوا كما يقول ) .
أخرجه أحمد عن ابن لهيعة عن زبان عن سهل بن معاذ عن أبيه .
وهذا سند لا بأس به في الشواهد .
ورواه الطبراني في ( الكبير ) كما في ( المجمع ) .
الرابع : عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا :
( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول . . . ) الحديث وسيأتي رواه مسلم وغيره .
ورواه بنحوه أبو داود وغيره ويأتي .
الخامس : عن أم حبيبة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان عندها في يومها وليلتها فسمع المؤذن قال كما يقول المؤذن .
أخرجه ابن ماجه والطحاوي وأحمد واللفظ له من طريق أبي المليح بن أسامة قال : أخبرني عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان : ثتني عمتي أم حبيبة به .
وهذا سند رجاله رجال الشيخين غير عبد الله بن عتبة قال الذهبي :
( لا يكاد يعرف تفرد عنه أبو المليح ) . وفي ( التقريب ) :
( هو مقبول ) .
ومنه تعلم أن قول صاحب ( الزوائد ) : ( إسناده صحيح ) غير صحيح . وقوله 14 : ( عبد الله بن عتبة روى له النسائي وأخرج له ابن خزيمة في ( صحيحه ) فهو عنده ثقة وباقي رجاله ثقات ) لا يبرر تصحيحه للحديث لأن للصحة شروطا مقررة في مصطلح الحديث وقد يشذ بعض الأئمة عن بعضها منها العدالة فلا بد أن يعرف الراوي بها حتى يصح حديثه عند الجمهور بينما ابن خزيمة وأضرابه يكتفون منه بأن لا يعرف بجرح وهذا لا يكفي عند المحققين من المحدثين .
وكذلك سكوت الحافظ في ( الفتح ) لا ينبغي أن يسكت عنه وقد عزاه إلى النسائي بزيادة : ( حتى يسكت ) . وهي عند الطحاوي أيضا وكذا أحمد في رواية له ورواه الحاكم وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يتعقبه الذهبي بشيء وهو وهم واضح . ولم يروه النسائي في ( سننه ) والظاهر أنه في كتابه ( عمل اليوم والليلة ) .
السادس : في ( المستدرك ) وابن السني .
( وكان صلى الله عليه وسلم يقول :
( من قال مثل ما قال هذا ( يعني المؤذن يقينا دخل الجنة ) .
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فذكره .
أخرجه النسائي والحاكم له من طريق ابن وهب عن عمرو ابن الحارث أن بكير بن الأشج حدث أن علي بن خالد الزرقي حدثه أنه سمع أبا هريرة به . وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
وليس كما قالا فإن النضر هذا وثقه ابن حبان فقط ولذلك اقتصر الحافظ على قوله في ( التقريب ) :
( إنه مقبول ) .
ورواه أحمد ولفظه أتم وهو : كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتلعات اليمن فقام بلال ينادي فلما سكت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من قال مثل ما قال هذا - يقينا - دخل الجنة ) .
وله شاهد من حديث أنس أخرجه أبو يعلى قال الهيثمي :
( فيه يزيد الرقاشي ضعفه شعبة وغيره ووثقة ابن عدي وابن معين في رواية ) .
وشاهد آخر من حديث عمر رضي الله عنه عند مسلم وغيره ويأتي قريبا .
( ويجوز بل يستحب أن يقول أحيانا : لا حول ولا قوة إلا بالله مكان ( حي على الصلاة حي على الفلاح ) .
وفيه أحاديث :
الأول : عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ثم قال : أشهد أن محمدا رسول الله فقال : أشهد أن محمد رسول الله ثم قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال : الله أكبر الله أكبر قال : الله أكبر الله أكبر ثم قال : لا إله إلا الله قال : لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة ) .

أخرجه مسلم وأبو داود والطحاوي عن إسماعيل بن جعفر عن عمارة بن غزية عن خبيب بن عبد الرحمن بن إسحاق عن حفص ابن عاصم بن عمر بن الخطاب عن أبيه عن جده عمر .
الحديث الثاني : عن معاوية بن أبي سفيان وله عنه طرق :
1 - عن علقمة بن وقاص أن معاوية سمع المؤذن قال : الله أكبر الله أكبر فقال معاوية : الله أكبر الله أكبر فقال المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله فقال معاوية : أشهد أن لا إله إلا الله فقال المؤذن : أشهد أن محمدا رسول الله فقال معاوية : أشهد أن محمدا رسول الله فقال المؤذن : حي على الصلاة فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله فقال : حي على الفلاح فقال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله فقال : الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله ثم قال : هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه الدارمي والطحاوي من طريق سعيد بن عامر : ثنا محمد بن عمرو عن أبيه عن جده به .
وقد أخرجه أحمد وابن خزيمة أيضا - كما في ( الفتح ) - من طريق يحيى القطان عن محمد بن عمرو به إلا أنه قال : فقال : الله أكبر فقال : الله أكبر فقال : لا إله إلا الله فقال : لا إله إلا الله . ففصل التهليلة عن التكبيرتين .
وهذا سند فيه جهالة من أجل عمرو هذا وهو ابن علقمة بن أبي وقاص - كما سبق ذكره قريبا - إلا أنه قد توبع عليه فقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن يحيى أن عيسى بن عمر أخبره عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن علقمة ابن وقاص قال : إني عند معاوية إذ أذن مؤذنه فقال معاوية كما قال المؤذن حتى إذا قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله . فلما قال : حي على الفلاح قال : لا حول ولا قوة إلا بالله وقال بعد ذلك ما قال المؤذن ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مثل ذلك .
أخرجه النسائي وعنه ابن حزم والطحاوي وأحمد وابن خزيمة أيضا . ثم أخرجه الطحاوي من طريق ابن وهب قال : ثني داود بن عبد الرحمن عن عمرو بن يحيى عن عبد الله بن علقمة به فأسقط من بينهما عيسى بن عمر . ورجال هذا الإسناد ثقات غير عبد الله بن علقمة وحاله كحال أخيه عمرو وقد سبق .
2 - عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثيرة عن محمد بن إبراهيم ابن الحارث عن عيسى بن طلحة قال :
دخلت على معاوية فنادى المنادي فقال : الله أكبر الله أكبر فقال : معاوية : الله أكبر الله أكبر قال : أشهد أن لا إله إلا الله قال : وأنا أشهد أن لا إله إلا الله قال : أشهد أن محمدا رسول الله قال : وأنا أشهد أن محمدا رسول الله .
قال يحيى : وأخبرني بعض أصحابنا أنه لما قال : حي على الصلاة قال : لا حول ولا قوة إلا بالله ثم قال معاوية : سمعت نبيكم يقول هكذا .
أخرجه البخاري والدارمي وأحمد .
وله طريق آخر لكنه مختصر أخرجه أحمد والنسائي عن مجمع بن يحيى الأنصاري قال :
كنت إلى جنب أبي أمامة بن سهل وهو مستقبل المؤذن وكبر المؤن اثنتين فكبر أبو أمامة اثنتين وشهد أن لا إله إلا الله اثنتين فشهد أبو أمامة اثنتين وشهد المؤذن أن محمدا رسول الله اثنتين وشهد أبو أمامة اثنتين ثم التفت إلي فقال : ثني معاوية بن أبي سفيان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . . .
وهذا سند صحيح .
ثم أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عن أبي صالح عن معاوية به نحوه .
وهذا سند جيد .
ورواه ابن السني بزيادة غريبة ( 32 ) من طريق أبي داود سليمان بن يوسف :
ثنا عبد الله بن وافد عن نصير بن طريف عن عاصم بن بهدلة به بلفظ قال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال : حي على الفلاح قال : ( اللهم اجعلنا مفلحين ) .
وهذا سند ضعيف سليمان بن يوسف هذا لم أعرفه الآن وشيخه عبد الله بن وافد - كذا في الأصل بالفاء - ولعله واقد بالقاف وفي الرواة بهذا الاسم والنسبة أربعة ولعل هذا هو الحراني أبو قتادة وهو متروك كما في ( التقريب ) ونصير بن طريف لم أجده وفي رجال ( الميزان ) نصر بن مطرف كوفي فيه جهالة ثم قال : بل هو النضر بالضاد المعجمة ثم ذكره هنا وفيمن اسمه النضر وحكى تضعيفه عن جماعة من الحفاظ .
الحديث الثالث : عن أبي رافع رضي الله عنه قال :
كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال مثل ما يقول وإذا قال : حي على الصلاة حي على الفلاح قال : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) .
أخرجه ابن السني والطحاوي وأحمد من طريق شريك عن عاصم بن عبيد عن علي بن الحسين عنه .
وهذا سند ضعيف .
واعلم أن العلماء اختلفوا هنا في موضعين :
الاول : في حكم إجابة المؤذن فذهب قوم من السلف وغيرهم إلى وجوب ذلك على السامع عملا بظاهر الأمر الذي يقتضي الوجوب وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن رجب كما في ( الفتح ) . وخالفهم آخرون فقالوا : ذلك على الاستحباب لا على الوجوب حكى ذلك كله الطحاوي في ( شرح المعاني ) . وفي ( شرح مسلم ) : ( الصحيح الذي عليه الجمهور أنه مندوب ) . وبهذا قال الشافعية وبعض علمائنا الحنفية .
قال الحافظ :
( واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال : ( على الفطرة ) فلما تشهد قال : ( خرج من النار ) . قال : فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يكون نفسه في عموم من خوطب بذلك ) .
قلت : ولعل من حجة الجمهور ما في ( الموطأ ) أن الصحابة كانوا إذا أخذ المؤذن بالأذان يوم الجمعة أخذوا هم في الكلام فإنه يبعد جدا أن تكون الإجابة واجبة فينصرف الصحابة مع ذلك منها إلى الكلام فراجع ( الموطأ ) .
ومثله ما رواه ابن سعد عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال :
رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يتحدث إلى الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار .
وسنده صحيح على شرط الشيخين .
والموضع الثاني : اختلفوا في الإجابة كيف تكون على أربعة مذاهب :
( 1 ) أن يقول مثل قول المؤذن حتى في الحيعلتين وهو مذهب بعض السلف كما في ( شرح المعاني ) ( 86 ) عملا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( فقولوا مثل ما يقول ) .
( 2 ) أن يقول مثل قوله إلا في الحيعلتين فيقول مكانهما : ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) وهذا مذهب الجمهور الشافعية وغيرهم عملا بحديث عمر ومعاوية المفصل .
( 3 ) أن يجمع بين الحيعلة والحوقلة . وهو مذهب بعض المتأخرين من الحنفية كابن الهمام وغيره وهو وجه عند الحنابلة قال الحافظ :
( وحكى بعض المتأخرين عن بعض أهل الأصول أن الخاص والعام إذا أمكن الجمع بينهما وجب إعمالهما ) قال : ( فلم لا يقال : يستحب للسامع أن يجمع بين الحيعلتين والحوقلة وهو وجه عند الحنابلة ) .
( 4 ) أن يحوقل تارة ويحيعل تارة . وبه قال ابن حزم وبعض المحققين من متأخري الحنفية . وهو الحق إن شاء الله تعالى لأن فيه إعمالا للحديثين العام والخاص كلا في حدود معناهما وأما الجمع بينهما - كما في المذهب الثالث - ففيه تركيب معنى لا يقول به كل من الخاص والعام كما لا يخفى . وكذلك قال ابن المنذر :
( يحتمل أن يكون ذلك من الاختلاف المباح فيقول تارة كذا وتارة كذا ) .
وهذا التنويع له أمثلة كثيرة في الشرع كأدعية الاستفتاح وغيرها كما سيأتي بيان ذلك هناك وتقدم مثله في أنواع الأذان .
قال الشيخ محمد أنور الكشميري في ( فيض الباري ) : ( فالسنة عندي أن يجيب تارة بالحيعلة وتارة بالحوقلة وما يتوهم أن الحيعلة في جواب الحيعلة يشبه الاستهزاء فليس بشيء لأنه في جملة الكلمات كذلك إن أراد بها الاستهزاء - والعياذ بالله - وإلا فهي كلمات خير أريد بها الشركة في العمل لينال بها الأجر فإنها نحو تلاف لما فاته من الأذان فلا بد أن يعمل بعمله ليشترك في أجره ) . وقال في الحاشية بعد أن ذكر كلام ابن الهمام في ( الجمع ) :
( وبالجملة كنت أقوم إلى نحو خمس عشرة سنة على ما حققه ابن الهمام رحمه الله فأجمع بينهما في جواب الأذان ثم تحقق لدي أن مراد الشرع هو التخيير دون الجمع وهو السنة في باب الأذكار وليس الجمع إلا رأي ابن الهمام والشيخ الأكبر ) .
( ويجيب أحيانا حين يسمع المؤذن [ يتشهد ] بقوله : ( وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله رضيت بالله ربا وبمحمد رسولا وبالإسلام دينا ) فإنه من قال ذلك غفر له ذنبه ) .
هو من حديث سعد بن أبي وقاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من قال حين يسمع المؤذن ) فذكره وقال في آخره : ( غفر له ذنبه ) .
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وعنه ابن السني والحاكم وأحمد كلهم من طريق قتيبة بن سعيد : ثنا الليث عن الحكيم بن عبد الله بن قيس عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عنه . وقال الترمذي : ( حديث حسن صحيح ) . وقال الحاكم :
( صحيح ) ووافقه الذهبي .
وهو كما قالا لكنهما وهما في الاستدراك على مسلم وقد أخرجه بالسند ذاته .
ثم أخرجه مسلم وابن ماجه أيضا والطحاوي وأحمد من طرق أخرى عن الليث به .
ثم أخرجه الطحاوي من طريق عبيد الله بن المغيرة عن الحكيم بن عبد الله ابن قيس . . . فذكره مثله بإسناده وزاد أنه قال : ( من قال حين يسمع المؤذن يتشهد ) . وإسناده هكذا : ثنا روح بن الفرج قال : ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال : ثني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن المغير ة .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات مترجم لهم في ( تهذيب التهذيب ) وفيه هذه الزيادة التي تعين متى يقال هذا الدعاء وهو حين يتشهد المؤذن . وهي زيادة عزيزة قلما توجد في كتاب فتشبث بها .
وقد قال السندي في حاشيته على ابن ماجه : قوله : ( من قال حين يسمع الأذان ) الظاهر حين يفرغ من سماع أذانه وإلا فالجمع بينه وبين مثل ما يقول المؤذن حالة الأذان مشكل ) .
قلت : قد عينت تلك الزيادة متى يقول ذلك وأنه قبل الفراغ من الأذان . وظاهر الحديث أن ذلك يكفيه عن متابعة المؤذن فيما يقول لا سيما على قول من يقول : إن المتابعة غير واجبة وهو قول الجمهور وحينئذ فلا ضرورة إلى الجمع وعليه فلا إشكال . والله أعلم بحقيقة الحال .
ويشهد لهذا الظاهر ويقويه ظاهر حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا : ( ما من مسلم يقول إذا سمع النداء فيكبر المنادي فيكبر ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيشهد على ذلك ثم يقول : اللهم أعط محمدا الوسيلة . . . ) الحديث وسنده صحيح كما سيأتي إن شاء الله تعالى .
( ويجوز له أن يقتصر أحيانا على قوله : ( وأنا وأنا ) بدل قول المؤذن : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله ) كذلك كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
هو من حديث عائشة رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال : ( وأنا وأنا ) .
أخرجه أبو داود والحاكم من طريق هشام بن عروة عن أبيها عنها . وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
قلت : وهو على شرط مسلم فإنه أخرجه من طريق سهل بن عثمان العسكري : ثنا حفص بن غياث عن هشام به .
وسهل هذا من شيوخ مسلم وباقي رجاله رجال الستة .
وأما أبو داود فأخرجه عن إبراهيم بن مهدي : ثنا علي بن مسهر عن هشام .
وإبراهيم هذا وثقه أبو حاتم وبقية رجاله رجال الشيخين .
ورواه ابن حبان في ( صحيحه ) كما في ( الترغيب ) وبوب عليه : ( باب إباحة الاقتصار عند سماع الأذان على : وأنا وأنا ) . ذكره في ( فيض القدير ) وقال : ( أي يقول عند شهادة أن لا إله إلا الله : وأنا . وعند أشهد أن محمدا رسول الله : وأنا ) .
وللحديث شاهد من رواية عبد الله بن سلام في ( المجمع ) .
( ثانيا : إذا فرغ من الإجابة يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه من صلى عليه صلاة صلى الله عليه بها عشرا ) .
وفيه حديث عبد الله بن عمرو بن العاص : أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) .
مسلم وأبو داود والنسائي وعنه ابن السني والترمذي والطحاوي وأحمد من طرق عن كعب بن علقمة سمع عبد الرحمن بن جبير أنه سمع عبد الله بن عمرو . وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
( وصيغ الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم كثيرة جمعتها في كتاب الصلاة بثلاث صيغ نذكر هنا أخصرها وأجمعها وهي :
( اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما صليت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد ) .
أخرجه الطحاوي وغيره كما سيأتي وسنده صحيح .
وكم أحسن صنعا الحافظ ابن السني رحمه الله حيث عقد بابا خاصا بعد باب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند الأذان الذي ساقه من حديث ابن عمرو هذا فقال : ( باب كيف الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) ثم ساق سنده إلى كعب بن عجرة قال : قلت : يا رسول الله صلى الله عليك هذا السلام عليك قد علمناه فكيف الصلاة عليك ؟ قال : ( قولوا : اللهم صل على محمد . . . ) الحديث .
أخرجه الستة وغيرهم وسيأتي في الصلاة .
فقد أشار ابن السني بذلك إلى أنه ينبغي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان بالوارد عنه صلى الله عليه وسلم مما عمله أمته . وإن كان يكفي في ذلك مطلق الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم فإنما الكلام في الأفضل الذي غفل عنه أكثر الناس في هذا المقام .
( ثالثا : أن يسأل له صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة عليه الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله قال صلى الله عليه وسلم : ( وأرجو أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة ) .
فيه حديث عبد الله بن عمرو عند مسلم وغيره وقد مضى فيما قبل .
وفي الباب أحاديث أخرى :
( 1 ) عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( سلوا الله لي الوسيلة ) قالوا : يا رسول الله وما الوسيلة ؟ قال : ( أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو ) .
أخرجه الترمذي عن سفيان عن الليث - وهو ابن أبي سليم - : ثني كعب : ثني أبو هريرة . وقال : ( هذا حديث غريب إسناده ليس بالقوي وكعب ليس هو بمعروف ولا نعلم أحدا روى عنه غير ليث بن أبي سليم ) .
ومن هذا الوجه رواه أحمد كما في ابن كثير و( حادي الأرواح ) بفظ : ( إذا صليتم علي فسلوا الله لي الوسيلة . . . ) والباقي مثله .
( 2 ) عن أبي سعيد الخدري مرفوعا :
( الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة ) .
أخرجه أحمد من طريق ابن لهيعة عن موسى بن وردان عنه وكذلك رواه الطبراني في ( الأوسط ) وزاد في آخره : ( على خلقه ) . كما في ( المجمع ) .
وهذا سند لا بأس به في الشواهد والمتابعات وقد رواه ابن مردويه بإسنادين عن عمارة بن غزية عن موسى بن وردان به وفيه الزيادة .
وعمارة بن غزية لا بأس به كما في ( التقريب ) وهذه متابعة قوية لابن لهيعة تدل على أنه قد حفظ الحديث فهو إسناد جيد .
( 3 ) عن ابن عباس مرفوعا :
( سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ) .
أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) وسنده هكذا : أنا أحمد بن علي الأبار : ثنا لاوليد بن عبد الملك الحراني : ثنا موسى بن أعين عن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عنه .
وهذا سند جيد إن شاء الله تعالى . أحمد بن علي الأبار وثقه الدارقطني وقال الخطيب :
( كان ثقة حافظا متقنا حسن المذهب مات سنة ( 290 ) وله ترجمة في ( تاريخه ) .
وبقية رجال إسناده رجال الشيخين غير الوليد بن عبد الملك الحراني قال الهيثمي :
( وقد ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وقال : مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات قلت : وهذا من روايته عن موسى بن أعين وهو ثقة ) .
قلت : والوليد هذا روى له الطبراني حديثا آخر في ( المعجم الصغير ) وسمى جده مسرح - كمحمد - يروي أيضا عن مخلد بن يزيد وعنه ابن أخيه أحمد بن خالد بن مسرح الحراني .
ثم الحديث قال الطبراني بعد أن ساقه :
( لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين ) . وتعقبه الحافظ ابن كثير فقال :
( كذا قال وقد رواه ابن مردويه : ثنا محمد بن علي بن دحيم : ثنا أحمد ابن حازم : ثنا عبيد الله بن موسى : ثنا موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو ابن عطاء فذكر بإسناده نحوه ) .
( فائدة ) : ( لما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية وأعظمهم له محبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله وهي أعلى درجة في الجنة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء زلفى من الله وزيادة الإيمان وأيضا فإن الله سبحانه قدرها له بأسباب منها دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى صلوات الله وسلامه عليه ) كذا في ( حادي الأرواح ) لابن القيم رحمه الله .
( وقد علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاء الوسيلة فلا يعدل عنه كما لا يزاد فيه ولا ينقص فقال صلى الله عليه وسلم : ( من قال حين يسمع النداء : ( اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته ) حلت له شفاعتي يوم القيامة ) .
وهو من حديث جابر بن عبدالله الأنصاري رضي الله عنه .
أخرجه البخاري وفي ( التفسير ) 15 وأحمد قالا : ثنا علي بن عياش : ثنا شعيب بن أبي حمزة عن محمد بن المنكدر عنه .
وأخرجه أبو داود عن أحمد والترمذي والنسائي وعنه ابن السني وابن ماجه والبيهقي والطبراني في ( الصغير ) كلهم من طرق عن علي بن عياش به . والزيادة عند البيهقي وهي مما ثبت للكشميهني في ( صحيح البخاري ) كما قال السخاوي وظني أنها شاذة .
ورواه الطحاوي فجعله من فعله عليه الصلاة والسلام فقال :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن قال : ( اللهم . . إلخ ) .
وسنده هكذا : ثنا عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي قال : ثنا علي بن عياش به . وهذا كما ترى إسناده إسناد البخاري غير عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي وهو أبو زرعة الثقة الحافظ فالإسناد صحيح ولكن الرواية شاذة .
وقد جاء في هذه الرواية : ( المقام المحمود ) بالتعريف وهي رواية النسائي والطبراني والبيهقي وهي في ( صحيح ابن خزيمة ) وابن حبان أيضا كما في ( الفتح ) قال : ( وفيه تعقب على من أنكر ذلك كالنووي ) .
لكن الصحيح التنكير لثبوتها في ( صحيح البخاري ) ولموافقتها للفظ القرآن : { عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا } [ الإسراء/79 ] ولوجوه أخرى ذكرها المحقق ابن القيم في ( بدائع الفوائد ) فأبدع فليراجعه من شاء .
( تنبيه ) : قد اشتهر على الألسنة زيادة ( الدرجة الرفيعة ) في هذا الدعاء وهي زيادة لا اصل لها في شيء من الأصول المفيدة وقد قال الحفاظ السخاوي في ( المقاصد الحسنة ) :
( لم أره في شيء من الروايات ) وقال شيخه الحافظ العسقلاني في ( التلخيص ) :
( وليس في شيء من طرقه ذكر : الدرجة الرفيعة ) .
نعم ذكرت هذه الزيادة في رواية ابن السني ولكنني أقطع بأنها مدرجة من بعض النساخ لأنها لو كانت ثابتة في النسخ الصحيحة من ابن السني لما خفيت على مثل هذين الحافظين : العسقلاني والسخاوي ويؤيد ذلك ان ابن السني رواها من طريق النسائي كما سبق وليست هذه الزيادة في ( سننه ) فثبت أنها مدرجة . كما أنه قد جاء ذكرها في كتب بعض الحفاظ المحققين فوقعت في كتاب ( التوسل والوسيلة ) لشيخ الإسلام ابن تيمية وفي كتاب ( حادي الأرواح ) لابن القيم عزاها الأول إلى البخاري والآخر إلى ( الصحيحين ) وهذا وهم مضاعف فالحديث لم يروه مسلم مطلقا كما صرح بذلك في ( المنتقى ) وكذا الحافظ في ( الفتح ) .
( وقال أيضا : ( ما من مسلم يقول إذا سمع النداء فيكبر المؤذن فيكبر ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فيشهد على ذلك ثم يقول : اللهم أعط محمدا الوسيلة [ والفضيلة ] واجعل في الأعلين درجته وفي المصطفين محبته وفي المقربين ذكره إلا وجبت له الشفاعة [ مني ] يوم القيامة ) .
وهو حديث صحيح يرويه قيس بن مسلم عنه طارق بن شهاب عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا به .
أخرجه الطحاوي : ثنا محمد بن النعمان السقطي : ثنا يحيى بن يحيى النيسابوري قال : ثنا أبو عمر البزاز عن قيس بن مسلم به . إلا أنه قال داره . بدل : ( ذكره ) ولعلها محرفة من بعض النساخ .
وهذا سند جيد محمد بن النعمان هو ابن بشير المقدسي قال في ( التقريب ) :
( ثقة من شيوخ أبي عوانة والطحاوي ) .
وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الستة غير أبي عمر البزار وهو دينار بن عمر الأسدي الكوفي وهو صالح الحديث كما في ( التقريب ) ويحتمل أن يكون هو حفص بن سليمان الأسدي الكوفي فإنه يكنى أيضا بأبي عمر البزار وهو متروك الحديث مع إمامته في القراءة فإن كان هو هذا فالسند ضعيف وأيهما كان فإنه لم يتفرد به فقد رواه أبو كريب : ثنا عثمان بن سعيد : ثنا عمر أبو حفص عن قيس بن مسلم به .
أخرجه ابن السني والطبراني في ( معجمه الكبير ) قال : ثنا محمد ابن عبد الله الحضرمي . وقال الأول : أخبرنا محمد بن جرير . ثم اتفقا : ثنا أبو كريب به .
والزيادة الأولى عند الطبراني والأخرى عند ابن السني وهي عند الطحاوي أيضا بلفظ : ( إلا وجبت له شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ) . وعند ابن السني أيضا : ( واجعل في العليين ) بدل : ( واجعله في الأعلين ) . وفي الطحاوي : ( واجعل في الأعلين ) .
وهذا سند جيد أيضا .
وأبو حفص هذا هو عمر بن عبد الرحمن بن قيس الأبار الكوفي نزيل بغداد صدوق وكان يحفظ كما في ( التقريب ) وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الستة غير عثمان بن سعيد وهو الكوفي الزيات الطبيب قال أبو حاتم وتبعه الحافظ في ( التقريب ) :
( لا بأس به ) .
والحديث أورده الهيثمي في ( المجمع ) برواية الطبراني في ( الكبير ) وقال : ( ورجاله موثقون ) .
وأورد بعضه الحافظ في ( الفتح ) من رواية الطحاوي وسكت عليه . وبالجملة فالحديث صالح للعمل به .
( فيقول تارة هذا وتارة هذا ) .
( تنبيه ) : وأما حديث أم سلمة قالت : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول عند أذان المغرب : ( اللهم هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعاتك فاغفر لي ) فلا يثبت إسناده .
أخرجه أبو داود والحاكم وابن السني عن عبد الله ابن الوليد العدني : ثنا القاسم بن معن المسعودي عن أبي كثير مولى أم سلمة عنها . وقال الحاكم :
( صحيح ) ووافقه الذهبي .
وأقره الحافظ في ( التلخيص ) وليس بجيد فإن أبا كثير هذا مجهول لا يعرف كما يأتي عن الترمذي .
وقد أخرجه من طريق حفصة بنت أبي كثير عن أبيها أبي كثير به نحوه وقال :
( هذا حديث غريب إنما نعرفه من هذا الوجه وحفصة بنت أبي كثير لا نعرفها ولا أباها ) وقال النووي في ( المجموع ) :
( رواه أبو داود والترمذي وفي إسناده مجهول ) .
( رابعا : أن يسأل بعد ذلك ما شاء من أمور الدنيا والآخرة فإنه يعطاه قال رجل : يا رسول الله إن المؤذنين يفضلوننا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قل كما يقولون فإذا انتهيت فسل تعط ) .
وهو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
أخرجه أبو داود وأحمد من طريق حي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عنه .
وهذا سند حسن وقد حسن هذا الإسناد المنذري في ( الترغيب ) مرارا وكذا الهيثمي وصححه الحاكم في غير ما حديث ووافقه الذهبي . وقد أشار في ترجمة حي بن عبد الله من ( الميزان ) إلى أنه صحيح الحديث . والحق أنه حسن الحديث فإنه قد تكلم فيه بعضهم كما ذكر هو في ( الميزان ) وغيره في غيره .
والحديث قال في ( الترغيب ) :
( رواه أبو داود والنسائي وابن حبان في صحيحه ) .
وكذلك عزاه للنسائي الحافظ في ( التلخيص وليس هو في ( سننه الصغرى ) ولم يعزه النابلسي في ( الذخائر ) إليه فالظاهر أنه في ( سنننه الكبرى ) أو في ( عمل اليوم والليلة ) له وهو أقرب والله أعلم .
وللحديث شاهد من رواية أبي أمامة رضي الله عنه مرفوعا بلفظ : ( إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء فمن نزل به كرب أو شدة فليتحين المنادي فإذا كبر كبر وإذا تشهد تشهد وإذا قال : حي على الصلاة قال : حي على الصلاة وإذا قال : حي على الفلاح قال : حي على الفلاح ثم يقول : اللهم رب هذه الدعوة الصادقة المستجابة المستجاب لها دعوة الحق وكلمة التقوى أحينا عليها وأمتنا عليه وابعثنا عليها واجعلنا من خيار أهلها أحياء وأمواتا . ثم يسأل حاجته ) .
أخرجه الحاكم وابن السني من طريق الوليد ابن مسلم عن عفير بن معدان ( وقال ابن السني : عن أبي عائذ ) عن سليم ابن عامر عنه . وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) .
وتعقبه المنذري بأن عفير بن معدان هذا واه والذهبي فقال :
( إنه واه جدا )
وقال في ( التقريب ) :
( إنه ضعيف ) .
( وكان صلى الله عليه وسلم يقول : ثنتان لا تردان - أو قل ما تردان - : الدعاء عندالنداء وعند البأس حين يلحم بعضها بعضا ) .
وهو من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه .
أخرجه أبو داود والدارمي والحاكم من طريق موسى بن يعقوب الزمعي : ثني أبو حازم بن دينار : أخبرني سهل ابن سعد به . وقال الحاكم : ( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
كذا قالا وموسى بن يعقوب الزمعي : صدوق سيئ الحفظ كما في ( التقريب ) ولكنه لم يتفرد به كما يأتي فالحديث قوي .
وزاد أبو داود والحاكم في رواية : قال موسى بن يعقوب : وحدثني رزق بن سعيد بن عبد الرحمن المدني عن أبي حازم به قال : ووقت المطر .
ورزق هذامجهول كما في ( التقريب ) فلا تغتر بقول الشوكاني في ( تحفة الذاكرين ) بعد أن ذكر الحديث بهذه الزيادة عند أبي داود :
( وأخرجه أيضا الطبراني في ( الكبير ) وابن مردويه والحاكم وهو حديث صحيح ) .
نعم قد جاءت هذه الزيادة في أحاديث أخرى فانظر تعليقنا على ( الترغيب ) .
ثم الحديث رواه ابن حبان وابن خزيمة في ( صحيحيهما ) كما في ( الترغيب ) و( التلخيص ) . ورواه مالك في ( الموطأ ) وعنه البخاري في ( الأدب المفرد ) عن أبي حازم به موقوفا على سهل بلفظ : ( ساعتان تفتح لهما أبواب السماء وقل داع ترد عليه دعوته : حضرة النداء للصلاة والصف في سبيل الله ) .
قال ابن عبد البر : ( هذا الحديث موقوف في ( الموطأ ) عند جماعة الرواة ومثله لا يقال من جهة الرأي وقد رواه أيوب بن سويد ومحمد بن مخلد وإسماعيل بن عمرو عن مالك مرفوعا وروي من طرق متعددة عن أبي حازم عن سهل بن سعد مرفوعا ) .
( وعند وقت الإجابة من الأذان إلى الإقامة فادعوا ) .
وهو من حديث أنس رضي الله عنه وله عنه طرق :
1 - عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عنه .
أخرجه أحمد وابن السني .
ثم أخرجه أحمد من طريق إسماعيل بن عمر قال : ثنا يونس : ثنا بريد بن أبي مريم به .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الصحيح غير بريد ( بضم الباء الموحدة وفتح الراء المهملة ) ابن أبي مريم وهو ثقة اتفاقا . 16
2 - عن سفيان بن عيينة عن زيد العمي عن أبي إياس معاوية بن قرة عنه به دون قوله : ( فادعوا ) .
أخرجه أبو داود وعنه البيهقي والترمذي وأحمد من طرق عنه . وقال الترمذي : ( حديث حسن صحيح ) .
قلت : هو صحيح من الطريق الأولى أما هذا فضعيف لضعف زيد العمي .
ثم أخرجه الترمذي من طريق يحيى بن النعمان : ثنا سفيان به . وزاد :
قالوا : فماذا نقول يا رسول الله ؟ قال :
( سلوا الله العافية في الدنيا والآخرة ) .
وهذه الزيادة ضعيفة من وجهين : أولا : لأنها من هذه الطريقة الضعيفة وثانيا : لأنه تفرد بها عن سفيان يحيى بن اليمان خلافا لجميع الثقات الذين رووه عن سفيان بدون هذه الزيادة .
ويحيى بن اليمان وإن كان من رجال مسلم فإنه موصوف بسوء الحفظ وفي ( التقريب ) :
( صدوق عابد يخطئ كثيرا وقد تغير ) .
3 - عن إبراهيم بن الحسن العلاف : ثنا سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس .
أخرجه الخطيب من طريقين عن إبراهيم به .
وإبراهيم هذا لم أعرفه وشيخه سلام قال أحمد : حسن الحديث وضعفه غيره .
4 - عن الفضل بن المختار عن حميد الطويل عنه بلفظ : ( الدعاء مستجاب ما بين النداء ) .
كذا أخرجه الحاكم شاهدا لحديث سهل بن سعد المتقدم وسكت عليه وهو الذهبي .
والفضل هذا متروك .
( تنبيه ) : قال الشوكاني : وقد عين ما يدعى به صلى الله عليه وسلم لما قال : ( الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد ) قالوا : فما نقول يا رسول الله ؟ قال : ( سلوا الله العفو والعافية في الدنيا والآخرة ) . قال ابن القيم :
( هو حديث صحيح ) .
قلت : نعم أصل الحديث صحيح وأما هذه الزيادة فضعيفة فلا يقال حينئذ أنه عليه الصلاة والسلام قد عين ما يدعى به في هذا المقام . فتنبه ولا تكن من الغافلين .
7 - الإقامة :
1 - وهي فرض كفاية كالأذان إذا كانوا جماعة في الحضر والسفر لقوله عليه السلام :
( إذا أنتما خرجتما فأذنا ثم أقيما ثم ليؤمكما أكبركما ) .
وهذا الحديث أخرجه البخاري وفي ( الأدب المفرد ) ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وابن ماجه وأحمد من طريق أبي قلابة عن مالك ابن الحويرث واللفظ للبخاري ولفظ الآخرين سوى النسائي والترمذي : ( إذا حضرت الصلاة فأذنا . . . ) إلخ . وهو لفظ البخاري وزاد أبو داود : وكنا يومئذ متقاربين في العلم .
وهو من طريق مسلمة بن محمد عن خالد الحذاء عنه .
ومسلمة هذا لين الحديث كما في ( التقريب ) .
لكن رواه أبو داود وأحمد من طريق إسماعيل بن علية عن خالد قال : قلت : لأبي قلابة : فأين القرآن - وقال أحمد : القراءة - قال : إنهما كانا متقاربين .
ورواه مسلم عن حفص عن خالد قال : وكانا متقاربين .
ورواه مسلم عن حفص عن خالد قال : وكانا متقاربين في القراءة .
ولفظ الآخرين : ( إذا سافرتما فأذنا ) وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
وقد تقدم مطولا في المسألة الثالثة من الأذان .
وفيه دليل على فرضية الإقامة كالأذان فرضا كفائيا إذا قام به أحدهما سقط عن الآخر وليس المراد من الحديث ظاهره وهو أن يؤذن كل منهما ويقيم كما بينه الحافظ في ( الفتح ) بل المراد : من أحب منكما أن يؤذن فليؤذن ومن أحب أن يقيم فليقم وذلك لاستوائهما في الفضل ولا يعتبر في الأذان السن بخلاف الإمامة ويدل على هذا المعنى قوله في رواية للحديث : ( فليؤذن لكم أحدكم ) كما سبق في الأذان .
وقد اختلف العلماء في حكم الإقامة :
قال ابن رشد في ( البداية ) :
( فهي عن فقهاء الأمصار في حق الأعيان والجماعات سنة مؤكدة أكثر من الأذان وهي عند أهل الظاهر فرض ولا أدري هل هي فرض عندهم على الإطلاق أو فرض من فروض الصلاة والفرق بينهما على أن على القول الأول لا تبطل الصلاة بتركها وعلى الثاني تبطل . وقال ابن كنانة من أصحاب مالك : من تركها عامدا بطلت صلاته ) . قال : ( وظاهر حديث مالك بن الحويرث يوجب كونها فرضا إما في الجماعة وإما على المنفرد ) .
قلت : وهذا هو الحق أنها فرض في الجماعة لا على المنفرد لأن الحديث لم يرد عليه .
ثم إن أهل الظاهر مختلفون في كونها فرضا مطلقا أو فرضا من فروض الصلاة كما ذكره النووي عن المحاملي ثم ذكر النووي أن داود قال : ( هي فرض صلاة الجماعة وليس بشرط لصحتها ) .
قلت : وأما ابن حزم فصرح بكونها شرطا لصحة الصلاة كالأذان وسلفه في ذلك : عطاء والأوزاعي فإنهما قالا : إن نسي الإقامة أعاد الصلاة . وهذا غير ظاهر والصحيح - كما قال شيخ الإسلام في ( الاختيارات ) - أنها فرض كفاية وهو ظاهر مذهب أحمد وغيره .
وقال ابن المنذر : هي فرض في حق الجماعة في الحضر والسفر .
قال ابن حزم :
( ومن قال بوجوب الأذان والإقامة فرضا أبو سليمان وأصحابه وما نعلم لمن لم ير ذلك فرضا حجة أصلا ) .
وهو كما قال رحمه الله ثم قال :
( ولا يلزم المنفرد أذان ولا إقامة فإن أذن وأقام فحسن لأن النص لم يرد بإيجاب الأذان إلا على الاثنين فصاعدا ) .
( 2 - وأما المنفرد فهي مستحبة في حقه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا كان الرجل بأرض قي فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكاه . . . ) الحديث ) .
وقد مضى في المسألة التاسعة من الأذان .
وقد عقد النسائي لهذه المسألة بابا خاصا فقال : ( الإقامة لمن يصلي وحده ) ثم ساق بإسناده حديث المسيء صلاته فقال : أخبرنا علي بن حجر قال : أنبأنا إسماعيل قال : ثنا يحيى بن علي بن يحيى بن خلاد بن رفاعة بن رافع الزرقي عن أبيه عن جده عن رفاعة بن رافع : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في صف الصلاة . . . الحديث .
هكذا قال فلم يسق الحديث بتمامه إنما أحال عليه وليس بجيد فإن المعروف عند المحدثين أن الإحالة في الحديث إنما تكون بعد أن يسوق من الحديث القدر الذي فيه موضع الشاهد والترجمة منه ثم يحيل على باقيه فلا أدري ما الذي حمل النسائي على هذا الاختصار الذي لا يؤدي الفائدة المبتغاة من هذا الباب .
وقد أخرج الحديث الترمذي في ( سننه ) بهذا السند عن هذا الشيخ ولفظه :
بينما هو جالس في المسجد يوما - قال رفاعة : ونحن معه - إذ جاءه رجل كالبدوي فصلى فأخف صلاته ثم انصرف فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعليك فارجع فصل فإنك لم تصل . . . ) الحديث وفيه : فقال الرجل في آخر ذلك : فأرني وعلمني فإنما أنا بشر أصيب وأخطأ فقال : ( أجل إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله ثم تشهد وأقم فإن كان معك قرآن فاقرأ . . . ) الحديث .
أخرجه أبو داود من عباد بن موسى الختلي : ثنا إسماعيل ابن جعفر به . وزاد بعد قوله : ( وأقم ) : ( ثم كبر ) .
ورواه الطحاوي والحاكم من طرق أخرى عن إسماعيل به إلا أنهما لم يسوقا لفظه .
فإذا وقفت على سياق الحديث ولفظه أو بعضه علمت أن النسائي أشار بإيراده الحديث مختصرا أن فيه ذكره أمره صلى الله عليه وسلم المنفرد بالإقامة ولكن في ثبوت ذلك في الحديث نظر ولو ثبت ذلك لكانت الإقامة واجبة في حق المنفرد لأمره صلى الله عليه وسلم له بها ولكنها لا تثبت لأنه تفرد بها يحيى بن علي بن يحيى وهو غير موثق بل هو مجهول فقد ذكر الذهبي في ( الميزان ) وساق له هذا الحديث ثم قال :
( قال ابن القطان : لا يعرف إلا بهذا الخبر روى عنه إسماعيل بن جعفر وما علمت فيه ضعفا قلت : لكن فيه جهالة ) .
هذا كلام الذهبي فالرجل إذن مجهول لا يعرف فمثله لا يثبت حديثه وقول الترمذي بعد أن ساقه : ( حديث حسن ) إنما يعني به أصل الحديث لا كل ما ورد فيه من الألفاظ ويدلك على ذلك أن الحديث رواه جمع من الثقات عن علي بن يحيى والد يحيى بن علي بن يحيى فلم يذكر أحد منهم الإقامة في الحديث وهم داود بن قيس ومحمد بن عجلان ومحمد بن عمرو وإسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ومحمد بن إسحاق خمستهم عن علي بن يحيى لم يذكر أحد منهم الإقامة كما ذكرنا وسيأتي تخريج طرقهم هذه في كتاب الصلاة : استقبال القبلة .
ثم وجدت حديث يحيى بن علي بن يحيى هذا في ( مسند الطيالسي ) : ثنا إسماعيل بن جعفر المدني قال : ثني يحيى بن علي بن خلاد به إلا أنه لم يذكر الإقامة فاتفقت روايته مع رواية الثقات فدل ذلك كله على عدم ثبوت هذه الزيادة في الحديث فلا يغتر أحد بورودها في الحديث مع تحسين الترمذي له ولا بسكوت الحافظ ابن حجر عليها في ( فتح الباري ) وهذا تحقيق لا تراه - فيما أظن - في كتاب والله تعالى هو الملهم للصواب .
3 - وقد جاء في صفتها نوعان :
الأول : سبع عشرة كلمة : الله أكبر 1 الله أكبر 2 الله أكبر 3 الله أكبر 4 أشهد أن لا إله إلا اله 5 أشهد أن لا إله لا الله 6 أشهد أن محمدا رسول الله 7 أشهد أن محمدا رسول الله 8 حي على الصلاة 9 حي على الصلاة 10 حي على الفلاح 11 حي على الفلاح 12 قد قامت الصلاة 13 قد قامت الصلاة 14 الله أكبر 15 الله أكبر 16 لا إله إلا الله 17 ) .
وفيه أحاديث :
الأول : عن أبي محذورة : أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه الأذان تسع عشرة كلمة والإقامة سبع عشرة كلمة وفيه رواية ابن خزيمة في ( صحيحه ) : فعلمه الأذان والإقامة مثنى مثنى .
وهو حديث صحيح وقد سبق تخريجه في المسألة الرابعة من الأذان زاد الدارقطني في آخره :
( لا يعود من ذلك الموضع ) .
قلت : يعني لا يرجع في الإقامة .
الحديث الثاني : عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : ثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن زيد الأنصاري جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلا قام وعليه بردان أخضران فقام على حائط فأذن مثنى مثنى وأقام مثنى مثنى .
وإسناده في غاية الصحة كما سبق في المسالة ( 13 ) وهو من طريق الأعمش عن عمرو بن مرة عنه .
ورواه أبو داود من طريق شعبة عن عمرو به نحوه . وقد سبق هناك .
وأخرجه الترمذي والدارقطني عن ابن أبي ليلى عن عمرو بن مرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن زيد قال : ( كان أذان رسول الله صلى الله عليه وسلم شفعا شفعا في الأذان والإقامة ) . وأعله الترمذي بقوله :
( وعبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من عبد الله بن زيد ) .
قلت : لكن الرواية الأولى تبين أنه سمعها من بعض الصحابة فلا يضر إرساله للحديث أحيانا وقد سبق زيادة تحقيق في الحديث في المسألة المشار إليها آنفا .
ثم قال الترمذي :
( وقال بعض أهل العلم : الأذان مثنى مثنى والإقامة مثنى مثنى وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك وأهل الكوفة ) .
قلت : وقد أغرب ابن حزم فذهب إلى تثنية الإقامة منسوخ بحديث أنس الآتي : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة ) . ولا داعي لدعوى النسخ ما دام ممكنا الجمعة بين التثنية والإفراد بأن يحمل هذا على بعض الأحيان وهذا في بعضها .
كما أغرب أيضا الحنفية والشافعية فقد احتج الأولون على تثنية الإقامة بحديث أبي محذورة مع أن فيه الترجيح في الأذان ولم يقولوا به وعكس ذلك الشافعية فأخذوا بما جاء فيه من الترجيع وتركوا ما فيه من تثنية الإقامة ولذلك قال النووي :
( وقد اتفقنا نحن وأصحاب أبي حنيفة على أن حديث أبي محذورة هذا لا يعمل بظاهره لأن فيه الترجيع وتثنية الإقامة وهم لا يقولون بالترجيع ونحن لا نقول بتثنية الإقامة فلا بد لنا ولهم من تأويله فكان الأخذ بالإفراد أولى لأنه الموافق لباقي الروايات والأحاديث الصحيحة كحديث أنس وغيره ) .
قلت : ولم يذكر النووي وجه تأويل الحديث عندهم وهو غير قابل للتأويل لأن فيه التنصيص على أن كلمات الإقامة سبع عشرة كلمة بينما هي عندهم إحدى عشرة كلمة كما يأتي .
نعم ذكرى النووي وغيره عن البيهقي أنه أعل الحديث بأن مسلما رواه في ( صحيحه ) كما سبق بدون ذكر الإقامة وبوجوه أخرى ذكرها في ( نصب الراية ) لا تخدج في صحة الحديث مطلقا .
وقد رد عليه ابن دقيق العيد بما فيه الكفاية وذهب إلى أن الحديث صحيح فراجع الزيلعي .
والحق أن كلا من الطائفتين الحنفية والشافعية قد تعصب لمذهبه ورد من الحق ما أخذ به مخالفة والعدل الأخذ بما أخذا به من الحق جميعا مما ثبت في الحديث .
فهذا الحق ليس به خفاء فدعني عن بنيات الطريق
ثم روى البيهقي عن ابن خزيمة قال :
( الترجيع في الأذان مع تثنية الإقامة من جنس الاختلاف المباح فيباح أن يرجع في الأذان وثني الإقامة ويباح أن يثني الأذان ويفرد الإقامة لأن الأمرين صحا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأما تثنية الأذان بلا ترجيع وتثنية الإقامة فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ) .
قلت : وفيما قاله ابن خزيمة نظر لأن الحديث الثاني - وهو حديث عبد الله ابن زيد الأنصاري في الرؤيا - فيه تثنية الإقامة وليس فيه الترجيع اتفاقا ولذلك ذهب ابن حزم إلى منسوخية التثنية لأنها متقدمة عن الإفراد كما سبق فكيف يقال : إن تثنية الأذان بلا ترجيع مع تثنية الإقامة لم تثبت عنه صلى الله عليه وسلم ؟ مع أن ابن خزيمة ممن روى ذلك كما سبق في الأذان
نعم يشكل على هذا أن حديث الرؤيا رواه ابن إسحاق من حديث عبد الله بن زيد مباشرة وليس فيه تثنية الإقامة كلها بل كلماتها إحدى عشرة كلمة كما سبق في المسألة الثانية من الأذان ويأتي بعد هذا فلا بد حينئذ من المصير إلى ترجيع إحدى الروايتين على الأولى من حيث الإسناد لأن الحديث واحد . والراجح عندي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلة لمجيئها من طرق صحيحة عنه .
وأما رواية ابن إسحاق فإنها رواية فردة لم يتابع عليها في هذا الخصوص وإن كان اصل الحديث صحيحا ثابتا وتوبع عليه كما تقدم هناك فإنما الكلام فيما خالف فيه من هو أحفظ منه وقد قال الحافظ الذهبي في خاتمة ترجمة ابن إسحاق من ( الميزان ) :
( فالذي يظهر لي أن ابن إسحاق حسن الحديث صالح الحال صدوق وما انفرد به ففيه نكارة فإن في حفظه شيئا وقد احتج به أئمة فالله أعلم وقد استشهد به مسلم بخمسة أحاديث لابن إسحاق ذكرها في صحيحه ) .
هذا ما ظهر في هذا المقام ولم أر أحدا سبقني إليه والله أعلم .
( النوع الثاني : إحدى عشرة كلمة : الله أكبر 1 الله أكبر 2 أشهد أن لا إله إلا الله 3 أشهد أن محمدا رسول الله 4 حي على الصلاة 5 حي على الفلاح 6 قد قامت الصلاة 7 قد قامت الصلاة 8 الله أكبر 9 الله أكبر 10 لا إله إلا الله 11 ) .
وفيه أحاديث :
الأول : عن عبد الله بن زيد بن عبد ربه في حديث الرؤيا قال : ثم استأخر - يعني الملك - غير بعيد ثم قال : تقول إذا أقيمت الصلاة : الله أكبر الله أكبر . . . إلخ .
رواه ابن إسحاق قال : ثني محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي عن محمد ابن عبد الله بن زيد عن أبيه به . وفيه ما سبق ذكره قريبا ولكن يشهد له .
الحديث الثاني : عن ابن عمر قال : كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى والإقامة مرة مرة : إلا أنك تقول : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة .
وهو حديث حسن رواه أصحاب السنن وغيرهم كما تقدم في النوع الثاني من الأذان وهذا لفظ النسائي .
الحديث الثالث : عن أنس بن مالك رضي الله عنه وله عنه طرق :
1 - عن أبي قلابة عنه قال 17 : أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والطحاوي والدارقطني والحاكم والطيالسي وأحمد والخطيب بعضهم عن خالد الحذاء وبعضهم عن أيوب كلاهما عن أبي قلابة به .
ولفظ النسائي والحاكم من طريق أيوب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بلالا . وهو رواية للدارقطني عن النسائي . وقال الحاكم :
( صحيح على شرطهما ولم يخرجاه بهذه السياقة ) .
وزاد أيوب أيضا في آخره : إلا الإقامة .
وهي في ( الصحيحين ) وغيرهما .
وزعم بعضهم أن هذه الزيادة مدرجة من بعض الرواة ليس من أصل الحديث .
ورد ذلك بأن عبد الرزاق رواه معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس قال : كان بلال يثني الأذان ويوتر الإقامة إلا قوله : قد قامت الصلاة .
رواه الدارقطني وابن حزم من طرق عن عبد الرزاق . قال الحافظ :
( وأخرجه أبو عوانة في ( صحيحه ) والسراج في ( مسنده ) وكذا هو في ( مصنف عبد الرزاق ) والإسماعيلي من هذا الوجه ويقول : قد قامت الصلاة مرتين . والأصل أن ما كان في الخبر فهو منه حتى يقوم دليل على خلافه ولا دليل ) .
الطريق الثاني : عن قتادة عن أنس باللفظ الأول .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) قال : ثنا موسى بن محمد بن محمد بن كثير السريني : ثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي : ثنا شعبة عنه .
وشيخ الطبراني لم أعرفه وبقية رجاله رجال الستة غير عبد الملك هذا فمن رجال البخاري وغيره وقد تفرد به كما قال الطبراني .
وقد اختار هذه الإقامة ابن حزم وبه قال عمر بن الخطاب وابنه وأنس والحسن البصري ومكحول والزهري والأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور ويحيى بن يحيى وداود وابن المنذر وغيرهم . قال البغوي : ( وهو قول أكثر العلماء ) كما في ( المجموع ) .
واحتج لهم بهذه الأحاديث الثلاثة أما حديث عبد الله بن زيد فقد علمت ما فيه وأما حديث ابن عمر وأنس فظاهرهما يدل على أن الإقامة تسع كلمات لا إحدى عشرة كلمة .
وقد أجابوا عنهما محمولان على التغليب . وقال النووي في ( شرح مسلم ) :
( فإن قيل : قد قلتم إن المختار الذي عليه الجمهور أن الإقامة أحدى عشرة كلمة منها الله أكبر الله أكبر أولا وآخرا وهذا تثنية فالجواب أن هذا وإن كان صورة تثنية فهو بالنسبة إلى الأذان إفراد ولهذا قال أصحابنا : يستحب للمؤذن أن يقول كل تكبيرتين بنفس واحد فيقول في أول الأذان : الله أكبر الله أكبر بنفس واحد ثم يقول : الله أكبر الله أكبر بنفس واحد ) . قال الحافظ :
( وهذا إنما يتأتى في أول الأذان لا في التكبير الذي في آخره وعلى ما قال النووي ينبغي للمؤذن أن يفرد كل تكبيرة من اللتين في آخره بنفس ) .
هذا وذهب مالك كما في ( المدونة ) إلى أن الإقامة عشرة كلمات فلم يثن لفظ : ( قد قامت الصلاة ) وهو قول قديم للشافعي كما قال النووي .
ولم أجد لهذا القول سندا من الروايات بل كلها على خلافه لأنها تقول بتثنية الإقامة ولعل من أخذ به عمل أهل المدينة وعلى هذا يدل كلام ابن حزم ثم رأيت مالكا صرح بذلك في ( الموطأ ) .
ولم أجد أيضا من ذهب إلى الأخذ بظاهر حديث ابن عمر وأنس المقتضي لكون الإقامة تسع كلمات بإيتارها كلها إلا لفظ الإقامة فإن وجد من أخذ به من السلف قلنا به وإلا اضطررنا إلى القول بتأويلهما - كما سبق - على ما فيه من التكلف . والله أعلم .
( 4 - وعلى من يسمع الإقامة مثل ما على من يسمع الأذان من الإجابة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له كما سبق بيانه في المسألة ( 14 ) من الأذان وذلك لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول . . . ) الحديث ولأن الإقامة آذان لغة وكذلك شرعا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( بين كل آذانين صلاة ) يعني أذانا وإقامة ) .
قال الحافظ في شرح الحديث : أي أذان وإقامة . قال :
( وتوارد الشراح على أن هذا من باب التغليب كقولهم : القمرين للشمس والقمر ويحتمل أن يكون أطلق على الإقامة أذان لأنها إعلام بحضور فعل الصلاة كما أن الأذان إعلام بدخول الوقت ولا مانع من حمل قوله : ( أذانين ) على ظاهره ) . وعلى هذا جرى الإمام ابن حزم فإنه فهم من قوله عليه السلام : ( فإذا حضرت الصالة فليؤذن لكم أحدكم . . . ) الحديث وقد مضى فهم منه أن الإقامة داخلة في هذا الأمر بدليل الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه فقال بعد أن ذكر الحديث المتقدم :
( فصح بهذا وجوب الأذان ولا بد . . . . ودخلت الإقامة في هذا الأمر كما ثنا عبد الله بن ربيع ) ثم ساق إسناده إلى عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( بين كل أذانين صلاة لمن شاء ) .
وقد اتفق الشافعية على استحباب متابعة المقيم فيقول مثل ما يقول إلا في الحيعلة فإنه يقول الحوقلة بدلها كما هو قولهم في الأذان . والصواب أنه يقول تارة الحيعلة وتارة الحوقلة كما سبق في الأذان مسألة ( 14 ) . وكذلك استثنوا من المتابعة قوله : قد قامت الصلاة فيقول مكانها : أقامها الله وأدامها لحديث ورد في ذلك وهو ضعيف كما يأتي قريبا .
ولكني لم أجد الآن من صرح باستحباب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له عقب الإقامة أيضا غير ابن القيم فإنه قال في ( جلاء الأفهام ) :
( الموطن السادس من مواطن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم : بعد إجابة المؤذن وعند الإقامة ) ثم ساق من حديث مسلم المتقدم : ( إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي . . . ) الحديث . ثم قال :
( وقال الحسن بن عرفة : ثني محمد بن يزيد الواسطي عن العوام بن حوشب : ثنا منصور بن زاذان عن الحسن قال : من قال مثل ما يقول المؤذن فإذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة قال : اللهم رب هذه الدعوة الصادقة والصلاة القائمة صل على محمد عبد ورسولك وأبلغه درجة الوسيلة في الجنة دخل في شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ) .
وقال يوسف بن أسباط : بلغني أن الرجل إذا أقيمت الصلاة فليم يقل : اللهم رب هذه الدعوة المستمعة المستجاب لها صل على محمد وعلى آل محمد وزوجنا من الحور العين قلن الحور العين : ما أزهدك فينا ) .
قلت : ففي هذين الأثرين إثبات الصلاة عى النبي صلى الله عليه وسلم عقب الإقامة نصا وذلك ما افاده حديث مسلم بعمومه .
( وإجابة المقيم كإجابة المؤذن سواء إلا أنه يقول مثل قول المقيم : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة لعموم قوله : فقولوا مثل ما يقول ) .
هذا هو الذي يقتضيه عموم هذا الحديث وأما حديث أبي أمامة أو بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن بلالا أخذ في الإقامة فلما أن قال : قد قامت الصلاة قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أقامها الله وأدامها ) وقال في سائر الإقامة كنحو حديث عمر رضي الله عنه في الأذان .
فهو حديث ضعيف اتفاقا وإن زعم صاحب كتاب ( التاج الجامع للأصول ) :
( إن إسناده صالح ) فإنما ذلك منه تقليد لقول أبي داود المشهور : ( إن كل حديث سكت عليه في سننه فهو صالح ) .
وقد علم كل باحث مدقق أن قول أبي داود هذا ليس على عمومه وأنه تعقب في كثير من الأحاديث التي سكت عليها بل إن النووي ليقول في بعض الأحاديث : ( إنما سكت عليه أبو داود لظهور ضعفه ) .
ولئن صح تعليل النووي هذا فإنه يجوز لنا أن نقول في هذا الحديث : إنما سكت عليه أبو داود لظهور ضعفه وذلك أنه أخرجه في ( سننه ) وكذا ابن السني في ( عمل اليوم والليلة ) كلاهما من طريق محمد ابن ثابت العبدي : ثني رجل من أهل الشام عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة أو عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم به . وليس عند ابن السني : ( وقال في سائر . . . ) إلخ . قال النووي في ( المجموع ) :
( وهو حديث ضعيف لأن الرجل مجهول ومحمد بن ثابت العبدي ضعيف باتفاق وشهر مختلف في عدالته ) وقال الحافظ في ( التلخيص ) :
( وهو حديث ضعيف ) ثم قال النووي :
( لكن الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال باتفاق العلماء وهذا من ذاك ) .
قلت : هذا الحديث الضعيف معارض لعموم الحديث الصحيح : ( فقولوا مثل ما يقول ) . فمثله لا يجوز العمل به عند من يقول بجواز العمل بالحديث الضعيف . ومن الغريب أن يتمسك به الشافعية على ضعفه ويتركوا العمل بعموم الحديث الصحيح
ثم عن ما ذكره من الاتفاق على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ليس كذلك فإن من العلماء من لا يعمل بالحديث الضعيف مطلقا لا في الأحكام ولا في الفضائل وقد حكى ذلك ابن سيد الناس في ( عيون الأثر ) عن يحيى بن معين ونسبه في ( فتح المغيب ) لأبي بكر بن العربي . قال العلامة جمال الدين القاسمي في ( قواعد التحديث في مصطلح الحديث ) :
( والظاهر أن مذهب البخاري ومسلم ذلك أيضا يدل عليه شرط البخاري في ( صحيحه ) وتشنيع الإمام مسلم على رواة الضعيف المتفق على ضعفه كما أسلفنا . وهذا مذهب ابن حزم رحمه الله أيضا حيث قال في ( الملل والنحل ) . راجع كلامه فيه . وفي ( المحلى ) أيضا . ويضاف هنا الشروط التي ذكرها الحافظ ابن حجر في ( تبين العجب فيما ورد في فضل رجب ) .
والذي أعتقده وأدين الله به أن الحق في هذه المسألة مع العلماء الذين ذهبوا إلى ترك العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال وذلك لأمور :
أولا : أن الحديث الضعيف لا يفيد إلا الظن اتفاقا والعمل بالظن لا يجوز لقوله تعالى : { إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا } [ النجم/28 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إياكم والظن فإنه أكذب الحديث ) .
ثانيا : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا باجتناب الرواية عنه إلا ما علمنا صحته عنه فقال : ( اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم ) ومن المعلوم أن رواية الحديث إنما هي وسيلة للعمل بما ثبت فيه فإذا كان عليه الصلاة والسلام ينهانا عن رواية ما لم يثبت عنه فمن باب أولى أن ينهى عن العمل به . وهذا بين واضح .
ثالثا : أن فيما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم غنية عما لم يثبت كما هو الأمر في هذه المسألة فإن هذا الحديث الصحيح بعمومه يغني عن الحديث الضعيف .
( 5 - يفصل بين الأذان والإقامة )
لحديث عبد الله بن زيد في رؤيا الملك من رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الصحابة عنه قال :
( إني رأيت رجلا كأن عليه ثوبين أخضرين فقام على المسجد فأذن ثم قعد قعدة ثم قال فقال مثلها إلا أن يقول قد قامت الصلاة . . . ) الحديث .
وإسناده صحيح كما سبق في المسألة ( 13 ) من الأذان .
وفي رواية ابن إسحاق بسنده عنه بلفظ :
ثم استأخر غير كثير ثم قال مثل ما قال وجعلها وترا إلا أنه قال : قد قامت الصلاة .
رواه أصحاب السنن وغيرهم واللفظ للدارمي وقد سبق في المسألة ( 2 ) في الأذان .
( بمقدار ما يصلي المصلي ركعتين على الأقل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( بين كل أذانين صلاة ) .
وهذا الحديث هو من رواية عبد الله بن مغفل وقد مضى في ( المواقيت ) ويقتضي تأخير الإقامة حتى يصلي من شاء ركعتين ولو قبل صلاة المغرب كما سبق فلو باشر الإقامة قبل أن يتمكن المصلي من صلاة الركعتين لكان سببا في تفويته إدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام وإلا فسيضطر أن يباشر صلاة الركعتين حين شروع المؤذن بالأذان وفي ذلك تفويت سنن كثيرة كالإجابة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة كما سبق وهذا كله خلاف قوله تعالى : { وتعاونوا على البر والتقوى } [ المائدة/2 ] وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) رواه مسلم .
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فاتفق الشافعية على استحباب هذه القعدة قدر ما تجتمع الجماعة إلا في صلاة المغرب فإنه لا يؤخرها لضيق وقتها ولأن الناس في العادة يجتمعون لها قبل وقتها ومن تأخر عن التقدم لا يتأخر عن أول الصلاة ولكن يستحب أن يفصل بين أذانها وإقامتها فصلا يسيرا بقعدة أوسكوت أو نحوهما . قال النووي في ( المجموع ) :
( هذا مذهبنا لا خلاف فيه عندنا وبه قال أحمد وأبو يوسف ومحمد وهو رواة عن أبي حنفية . وقال مالك وأبو حنيفة في المشهور عنه : لا يقعد بينهما ) .
وقد أشار البخاري وتبعه البيهقي إلى المعنى الذي ذكرته حيث قال : ( باب كم بين الأذان والإقامة ) ثم أورد حديث ابن مغفل المذكور .
وأما حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لبلال :
( أجعل بين أذانك وإقامتك قدر ما يفرغ الآكل من أكله والشارب من شرابه والمعتصر إذا دخل لقضاء حاجته ) فهو ضعيف .
أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي عن طريق يحيى بن مسلم عن الحسن وعطاء عن جابر مرفوعا به .
ويحيى بن مسلم هو البصري قال أبو زرعة عنه :
( لا أدري من هو ) وقال الذهبي في ( الميزان ) :
( مجهول تفرد عنه عبد المنع بن نعيم ) .
كذا قال وهو عند الترمذي من طريق عبد المنعم هذا قال : ثنا يحيى بن مسلم به . وقال :
( لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث عبد المنعم وهو إسناد مجهول ) .
وأما الحاكم فأخرجه من طريق عبد المنعم بن نعيم الرياحي : ثنا عمرو بن فائد الأسواري : ثنا يحيى بن مسلم به . وقال الحاكم :
( ليس في إسناده مطعون فيه غير عمرو بن فائد والباقون شيوخ البصرة ) . قال الذهبي :
( قلت : قال الدارقطني : عمرو بن فائد متروك ) .
قلت وعبد المنعم بن نعيم الرياحي في إسناد الحاكم هو عبد المنعم بن نعيم نفسه في إسناد الترمذي غير أني لم أجده في شيء من الكتب التي عندي منسوبا إلى ( رياح ) بالمثناة ) أو بالموحدة التحتية بل ذكروا أنه أسواري وهو متروك أيضا كما في ( التقريب ) فإذا كان الأمر كما ذكرته فيكون عبد المنعم اضطرب فيه فمرة يرويه عن يحيى بن مسلم مباشرة ومرة يرويه عنه بواسطة عمرو بن فائد فهو إسناد مسلسل بالضعفاء فيتعجب من قول الحاكم : ( ليس في إسناده مطعون غير عمرو ) ومن سكوت الذهبي على قوله هذا وأما البيهقي فقال :
( ففي إسناده نظر ) .
( تنبيه ) : ذكر الأستاذ الفاضل الشيخ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي أن يحيى بن مسلم هذا ( هو يحيى البكاء بفتح الموحدة وتشديد الكاف وهو ضعيف أيضا ) ثم ذكر أقوال الأئمة فيه .
وهذا وهم منه فليس يحيى هذا بالبكاء بل هو راو آخر متأخر الطبقة عن الذي قاله وهو مجهول كما سبق عند الذهبي وغيره بينما ذاك معروف بالضعف ليس بمجهول ولو كان الأمر كما قال الأستاذ المذكور لما كان لقول الترمذي : ( وهو إسناد مجهول ) معنى إذ جميع رواته معروفون بل هو أشار بقوله هذا إلى أن بعضهم مجهول وليس فيهم من هو كذلك غير يحيى بن مسلم البصري . قال في ( التقريب ) :
( يحيى بن مسلم البصري مجهول من السادسة ) ثم قال :
( يحيى بن مسلم أو ابن سليم مصغرا . . . المعروف بيحيى البكاء ضعيف من الرابعة ) .
ثم إن الحديث قال الحافظ في ( الفتح ) :
( إسناده ضعيف وله شاهد من حديث أبي هريرة ومن حديث سلمان أخرجهما أبو الشيخ ومن حديث أبي بن كعب أخرجه عبد الله بن أحمد في ( زيادات المسند ) وكلها واهية ) .
قال الصنعاني :
( إلا أنه يقويهما المعنى الذي شرع له الأذان فإنه نداء لغير الحاضرين ليحضروا للصلاة فلا بد من تقدير وقت يتسع للذاهب للصلاة وحضورها وإلا لضاعت فائدة النداء وقد ترجم البخاري ( باب كم بين الأذان والإقامة ) ولكن لم يثبت التقدير ) .
لكنه قد أشار إلى ذلك بإيراده الحديث المذكور في صدر البحث . وحديث أبي بن كعب في ( المسند ) .
واستدل بعضهم للفصل بين الاذان والإقامة بحديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين فإذا قضي النداء أقبل حتى إذا ثوب بالصلاة أدبر حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه فيقول له : اذكر كذا واذكر كذا . . . ) الحديث .
متفق عليه وسيأتي إن شاء الله تعالى .
قال الحافظ العراقي في ( شرح التقريب ) :
( وفيه دليل على أنه كان في زمنه عليه السلام يفصل بين الأذان والإقامة بزمن وذلك دليل على أنه لا يشترط في تحصيل فضيلة إيقاع الصلاة في أول وقتها انطباق أولها على أول الوقت إذ لو كان كذلك لما واظبوا على ترك هذه الفضيلة وهذا هو الصحيح المعروف وقيل : لا يحصل ذلك إلا بأن ينطبق أول التكبير على أول الوقت وهو شاذ وهذا الحديث يدل على خلافه ) .
( 6 - وإذا أخذ المؤذن بالإقامة فلا يشرع أحد في شيء من النوافل ولو كانت سنة الفجر بل عليه أن يدخل في الصلاة المكتوبة التي أقيمت لقوله عليه السلام : ( إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت ) .
وهذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه .
أخرجه بهذا اللفظ الإمام أحمد : ثنا حسن : ثنا ابن لهيعة :
ثنا عياش بن عباس القتباني عن أبي تميم الزهري عنه .
وهذا سند صحيح رجاله رجال مسلم غير ابن لهيعة وهو ثقة وإنما يخشى من سوء حفظه وهذا قد توبع عليه فدل على أنه قد حفظه .
وأخرجه الطحاوي فقال : ثنا فهد قال : ثنا أبو صالح قال : ثني الليث عن عبد الله بن عياش بن عباس القتباني عن أبي عن أبي سلمة عن أبي هريرة به .
وهذا سند صحيح أيضا رجاله رجال الصحيح غير فهد هذا وهو ابن سليمان بن يحيى قال ابن يونس :
( كان ثقة ثبتا ) . ذكره في ( كشف الأستار عن رجال معاني الأثار ) لرشد الله شاه السندهي .
هذا وقد اختلفا على عياش بن عباس فقال ابن لهيعة : عنه عن أبي تميم وقال ابنه عبد الله : عنه عن أبي سلمة . ولعل هذا أصح فإن عبد الله أحسن حالا من ابن لهيعة وهو صدوق يغلط وأخرج له مسلم في الشواهد كما في ( التقريب ) وقد ذكر هذه الطريق عن أبي سلمة الترمذي معلقا .
وللحديث طرق أخرى بلفظ آخر رواه مسلم وأبو داود وعنه ابن حزم والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والطبراني في ( الصغير ) والطحاوي أيضا والبيهقي وأحمد والخطيب في ( تاريخه ) من طرق عن عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عنه مرفوعا بلفظ : ( فلا صلاة إلا المكتوبة ) . وزاد البيهقي في رواية : قيل : يا رسول الله ولا ركعتي الفجر ؟ قال : ( ولا ركعتي الفجر ) .
أخرجها من طريق أبي أحمد بن عدي الحافظ : ثنا محمد بن إسماعيل المروزي : ثنا أحمد بن سيار : ثنا يحيى بن نصر بن حاجب المروزي : ثنا مسلم ابن خالد الزنجي عن عمرو بن دينار به . قال أبو أحمد :
( لا أعلم ذكر هذه الزيادة في متنه غير يحيى بن نصر عن مسلم بن خالد عن عمرو ) . قال البيهقي :
( ونصر بن حاجب المروزي ليس بالقوي وابنه يحيى كذلك ) .
قلت : ولكن هذه الزيادة صحيحة المعنى وإن كانت ضعيفة المبنى فقد جاءت أحاديث كثيرة صحيحة صريحة في النهي عن ركعتي الفجر إذا أقيمت الصلاة وسيأتي بيان ذلك في محلة إن شاء الله تعالى .
وقد وجدت للحديث طريقا ثالثا أخرجه الخطيب من طريق احمد بن بشار الصيرفي : ثنا أبو حفص العبدي : ينا أيوب عن أبي قلابة عن سليمان بن بشار عن أبي هريرة مرفوعا به .
وأحمد هذا روى عن جمع وروى عنه جماعة وترجمه الخطيب وساق له هذا الحديث ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا .
وأبو حفص العبدي لم أعرفه إلا أن يكون هو عمر بن حفص العبدي أو حفص لكن هذا متقدم الطبقة يروي عن ثابت فإن كان هو هذا فهو واه كما قال الذهبي .
وسليمان بن بشار لم أجده وفي الرواة من هذه الطبقة سليمان بن بشر من رجال أحمد في ( التعجيل ) وثقة ابن حبان .
والحديث دليل على أنه لا يجوز الدخول في النافلة لمن سمع الإقامة سواء في ذلك سنة الفجر أو غيرها وهو مذهب جمهور العلماء قال الترمذي :
( والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إذا أقيمت الصلاة أن لا يصلي الرجل إلا المكتوبة وبه يقول سفيان الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق ) .
ولعله يأتي زيادة بسط لهذه المسالة في الموضع المشار إليه آنفا .
( 7 - ولا تقام الصلاة إلا إذا خرج الإمام إلى المسجد ) .
لحديث جابر بن سمرة : كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن ثم يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه .
أخرجه أبو داود والترمذي وأحمد من طريق إسرائيل قال : أخبرني سماك أنه سمع جابر بن سمرة به . وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
قلت : وهو على شرط مسلم وقد أخرجه في ( صحيحه ) من طريق أخرى عن سماك وسبق لفظه في الآذان في المسألة ( 13 ) .
( 8 - ولا يقوم الناس إلا إذا رأوه خرج ولو أقيمت الصلاة قبل ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني [ قد خرجت ] [ وعليكم السكينة ] ) ] .
هذا الحديث من رواية أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي والبيهقي وأحمد من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن عبدالله بن أبي قتادة عن أبيه .
والزيادة الأولى هي رواية الترمذي وهي رواية لمسلم وأبي داود والنسائي والبيهقي من طريق معمر عن يحيى وقال أبو داود :
( لم يذكر : قد خرجت إلا معمر ) .
قلت : بلى قد ذكرها غيره فرواه الوليد بن مسلم عن شيبان عن يحيى بهذه الزيادة .
أخرجه مسلم وقد قال البيهقي بعد أن ساقه من طريق معمر :
( وكذلك رواه الوليد بن مسلم عن شيبان عن يحيى : حتى تروني قد خرجت .
وكذلك قاله الحجاج الصواف عن يحيى من رواية محمد بن بشار عن يحيى بن سعيد عنه . ورواه سفيان بن عيينة عن معمر وأبو نعيم عن شيبان وعبيد الله ابن سعيد عن يحيى القطان عن الحجاج دون قوله : قد خرجت .
وأما الذي يرويه بعض المتفقهة في هذا الحديث : ( حتى تروني قائما في الصف ) فلم يبلغنا .
وبالجملة فهذه الزيادة ذكرها بعضهم ولم يذكرها آخرون ومن ذكرها ثقات وهي زيادة علم يجب قبولها لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم .
وأما الزيادة الثانية فرواها علي بن المبارك وشيبان جميعا عن يحيى بن أبي كثير .
أخرجه أحمد ورواه البخاري مفرقا ورواها أيضا معاوية بن سلام فيما ذكره أبو داود معلقا ووصله الإسماعيلي من طريق الوليد بن مسلم عن معاوية بن سلام وشيبان جميعا عن يحيى كما قال أبو داود على ما في ( الفتح ) .
وللحديث شاهدان من حديث أنس وجابر بن سمرة :
أما الأول : فأخرجه الطيالسي : ثنا جرير بن حازم عن ثابت عنه باللفظ المذكور دون الزيادتين .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة لكن الترمذي قال :
( إنه غير محفوظ ) .
ونسب الوهم فيه إلى جرير هذا ونقل ذلك عن البخاري . فالله أعلم .
وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني في ( الصغير ) قال : ثنا أحمد ابن حمدون الموصلي : ثنا صالح بن عبد الصمد الأسدي الموصلي : ثنا القاسم ابن يزيد الجرمي عن إسرائيل عن سماك بن حرب عنه مرفوعا به . وقال :
( لم يروه عن سماك إلا إسرائيل ولا عن إسرائيل إلا القاسم بن يزيد الجرمي تفرد به صالح بن عبد الصمد ) .
قلت : وصالح هذا لم أجد له ترجمة .
وأما شيخه القاسم بن يزيد الجرمي - بفتح الجيم - فثقة كما في ( التقريب ) .
وباقي رجاله رجاله مسلم .
وأنا أظن أن صالحا هذا قد وهم في روايته لهذا الحديث بهذا المتن فقد رواه جمع من الثقات عن إسرائيل بإسناده هذا عن جابر قال : كان مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤذن ثم يمهل فلا يقيم حتى إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج أقام الصلاة حين يراه . وقد سبق في المسألة الرابعة .
فهذا هو أصل حديث جابر بن سمرة فاختلط على صالح هذا أو غيره بحديث أبي قتادة المذكور فرواه بهذا الإسناد . هذا ما ظهر لي في هذا المقام .
وأما الهيثمي فقد قال في ( المجمع ) :
( رواه الطبراني في ( الأوسط ) و( الصغير ) وإسناده حسن ) . كذا قال والله أعلم .
وفي الحديث دليل على أن الناس لا يقومون إلى الصلاة حتى يروا الإمام في المسجد وقد أخذ به جمهور العلماء كما يأتي . قال الترمذي بعد أن ساق الحديث :
( وقد كره قوم من أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن ينتظر الناس الإمام وهم قيام وقال بعضهم : إذا كان الإمام في المسجد فأقيمت الصلاة فإنما يقومون إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة وهو قول ابن المبارك ) .
قلت : وهو قول أحمد أيضا فقال أبو داود في ( مسائله ) : ( قلت لأحمد : متى يقوم الناس إلى الصلاة ؟ قال : إذا قال - يعني المؤذن - :
قد قامت الصلاة . قال : قلت : فإن كان الإمام لم يأت بعد قال : لا يقومون حتى يروه ) .
وذلك هو المروي عن أنس قال البيهقي :
( وروينا عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه إذا قيل : قد قامت الصلاة وثب وقام . وعن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنه كان يفعل ذلك . وهو قول عطاء والحسن ) .
قال الحافظ :
( وذهب الأكثرون إلى أنه إذا كان الإمام معهم في المسجد لم يقوموا حتى تفرغ الإقامة وعن أنس أنه كان يقوم إذا قال المؤذن : قد قامت الصلاة رواه ابن المنذر وغيره وكذا رواه سعيد بن منصور من طريق أبي إسحاق عن أصحاب عبد الله . وعن سعيد بن المسيب قال : إذا قال المؤذن : الله أكبر وجب القيام وإذا قال : حي على الصلاة عدلت الصفوف وإذا قال لا إله إلا الله كبر الإمام . وعن أبي حنيفة : يقومون إذا قال : حي على الفلاح فإذا قال : قد قامت الصلاة كبر الإمام .
وأما إذا لم يكن الإمام في المسجد فذهب الجمهور إلى أنهم لا يقومون حتى يروه . وخالف من ذكرنا على التفصيل الذي شرحنا وحديث الباب حجة عليهم وفيه جواز الإقامة والإمام في منزله إذا كان يسمعها وتقدم إذنه بذلك . قال القرطبي : ( ظاهر الحديث أن الصلاة كانت تقام قبل أن يخرج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته وهو معارض لحديث جابر بن سمرة أن بلالا كان لا يقيم حتى يخرج النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه مسلم 18 .
ويجمع بينهما بأن بلالا كان يراقب خروج النبي صلى الله عليه وسلم فأول ما يراه يشرع في الإقامة قبل أن يراه غالب الناس ثم إذا رأوه قاموا فلا يقوم في مقامه حتى تعتدل صفوفهم ) .
قلت : ويشهد له ما رواه عبد الرزاق عن ابن جريج عن ابن شهاب : أن الناس كانوا ساعة يقول المؤذن : الله أكبر يقومون إلى الصلاة فلا يأتي النبي صلى الله عليه وسلم مقامه حتى تعتدل الصفوف . وأما حديث أبي هريرة الآتي قريبا بلفظ : أقيمت الصلاة فسوى الناس صفوفهم فخرج النبي صلى الله عليه وسلم . ولفظه في ( مستخرج أبي نعيم ) : فصف الناس صفوفهم ثم خرج علينا . ولفظه عند مسلم : أقيمت الصلاة فقمنا فعدلنا الصفوف قبل أن يخرج إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فأتى فقام مقامه . . . الحديث . وعنه في رواية أبي داود : أن الصلاة كانت تقام لرسول الله صلى الله عليه وسلم فيأخذ الناس مقامهم قبل أن يجيء النبي صلى الله عليه وسلم 19 فيجمع بينه وبين حديث أبي قتادة بأن ذلك ربما وقع لبيان الجواز وبأن صنيعهم في حديث أبي هريرة كان سبب النهي عن ذلك في حديث أبي قتادة وأنهم كانوا يقومون ساعة تقام الصلاة ولو لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فنهاهم عن ذلك لاحتمال أن يقع له شغل يبطئ فيه عن الخروج فيشق عليهم انتظاره . ولا يرد هذا حديث أنس الآتي أنه قام في مقامه طويلا في حاجة بعض القوم لاحتمال أن يكون ذلك وقع نادرا أو فعله لبيان الجواز ) .
( 9 - وإذا سمع إقامة الصلاة فلا يسرع إليها بل يمشي وعليه السكينة والوقار كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها [ وأنتم ] تسعون و[ لكن ] ائتوها [ وأنتم ] تمشون وعليكم السكينة [ والوقار ] فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا [ فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة ] ) .
وهذا الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه وله عنه طرق بألفاظ متقاربة :
( 1 ) و( 2 ) عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وابن ماجه وكذا الترمذي والطحاوي والبيهقي وأحمد من طرق عنه كلهم بهذا اللفظ إلا أحمد فلفظه :
( إذا سمعتم الإقامة فامشوا ولا تسرعوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) . وهو لفظ ا لبخاري وفيه الزيادة الرابعة .
وأخرجه من الطريق الأولى : النسائي والدارمي والطحاوي وأحمد عن سفيان بن عيينة والطحاوي وأحمد عن يزيد بن الهاد والترمذي وأحمد أيضا عن معمر ثلاثتهم عن الزهري عن سعيد بن المسيب وحده .
وفيه عند النسائي وأحمد عن سفيان الزيادة الأولى .
وعند أحمد عن معمر الزيادة الثانية .
ثم أخرجه من الطريق الثانية : الترمذي عن معمر والطيالسي عن ابن أبي ذئب وأحمد عن عقيل والطحاوي عن يزيد بن الهاد أربعتهم عن الزهري قال : أخبرني أبو سلمة بن عبد الرحمن به . وفي حديث معمر الزيادات الأولى والثانية والثالثة .
ثم أخرجه الطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طريق أخرى عن أبي سلمة به نحوه .
وفيه عند أحمد في رواية الزيادة الرابعة . وفي لفظ له :
( إذا سمع أحدكم الإقامة فليأت . . . ) الحديث بنحوه .
( 3 ) عن معمر عن همام عن أبي هريرة .
أخرجه مسلم وأحمد بنحوه .
( 4 ) عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عنه .
أخرجه مسلم والطحاوي وأحمد أيضا وفيه الزيادة الثانية والرابعة .
وقد تابعه عوف عن محمد .
أخرجه أحمد بسند صحيح على شرط الستة وأيوب عن محمد أخرجه الطحاوي .
( 5 ) و( 6 ) عن عبد الرحمن بن يعقوب وإسحاق بن عبد الله : أنهما سمعا أبا هريرة يقول . . . . فذكره نحوه مرفوعا وفيه الزيادة الأخيرة .
أخرجه مالك وعنه أحمد والطحاوي عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عنهما .
ثم أخرجه الطحاوي وأحمد من طريق مالك أيضا عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه وحده .
وكذلك أخرجه مسلم عن إسماعيل بن جعفر : أخبرني العلاء عن أبيه به .
( 7 ) عن عوف عن الحسن - وهو البصري - قال : بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره مثل حديث ابن سيرين .
أخرجه أحمد .
وبالجملة فالحديث متواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه . وقد وجدت له شاهدا من حديث أنس رضي الله عنه مرفوعا بلفظ :
( إذا جاء أحدكم وقد أقيمت الصلاة فليمش على هينته فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه ) .
أخرجه أحمد : ثنا علي بن عاصم عن حميد عنه وخالد عن محمد عن أبي هريرة به .
ثم قد أخرجه هو وأبو داود وأبو عوانة والطحاوي من طرق أخرى عن حميد بنحو وفيه قصة ستأتي في ( الاستفتاح ) رقم ( 8 ) .
والسند الصحيح على شرط مسلم وقد أخرجها بدون هذه الجملة كما سيأتي هناك .
وله شاهد آخر من حديث أبي قتادة بنحوه ولعله يأتي .
ثم أوردناه فيما يأتي من ( أحكام المساجد ) فقرة ( 3 ) من الآداب .
وفي الحديث الندب الأكيد إلى إتيان الصلاة بسكينة ووقار والنهي عن إتيانها سعيا سواء في صلاة الجمعة وغيرها سواء خاف فوت تكبيرة الإحرام أم لا كذا في ( شرح مسلم ) للنووي .
قال الترمذي :
( وقد اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة . ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا : العمل على حديث أبي هريرة . وقال إسحاق : إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشي ) .
قلت : الصواب كراهة الإسراع خاف فوت التكبيرة أو لا لعموم الحديث وهو مذهب الشافعية وحكاه ابن المنذر عن زيد بن ثابت وأنس وأحمد وأبي ثور واختاره ابن المنذر وحكاه العبدري عن أكثر العلماء كما في ( المجموع ) وذكر فيه قولا لبعض الشافعية - وهو أبو إسحاق - مثل قول إسحاق الذي نقله الترمذي فقال النووي :
( وهو ضعيف جدا منابذ للسنة الصحيحة ) .
قال العلماء : والحكمة في إتيانها بسكينة والنهي عن السعي : أن الذاهب إلى صلاة عامد في تحصيلها ومتوصل إليها فينبغي أن يكون متأدبا بآدابها وعلى أكمل الأحوال وهذا معنى قوله في رواية مالك وغيره :
( فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة ) .
وقوله : ( إذا أقيمت الصلاة ) إنما ذكر الإقامة للتنبيه بها على ما سواها لأنه إذا نهى عن إتيانها سعيا في حال الإقامة مع خوفه فوت بعضها فقبل الإقامة أولى وأكد ذلك بيان العلة فقال : ( فإن أحدكم في صلاة ما كان يعمد إلى الصلاة ) . وهذا يتناول جميع أوقات الإتيان إلى الصلاة وأكد ذلك تأكيدا آخر قال : ( فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) . فحصل فيه تنبيه وتأكيد لئلا يتوهم متوهم أن النهي إنما هو لمن لم يخف فوت بعض الصلاة فصرح بالنهي وإن فات من الصلاة ما فات وبين ما يفعل فيما فاته .
وقد اختلف العلماء فيما فات من الصلاة : هل هي أول صلاته أو آخرها ؟
والحق الأول كما سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء الله تعالى .
( تنبيه ) : وأما قوله تعالى : { فاسعوا إلى ذكر الله } [ الجمعة/9 ] فليس المراد منه السعي المنهي عنه في الحديث بل هو بمعنى المضي والذهاب قال النووي :
( يقال سعيت في كذا أو إلى كذا : إذا ذهبت إليه وعملت فيه ومنه قوله تعالى : { وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } [ النجم /39 ] ومثل قوله تعالى : { وإذا تولى سعى في الأرض } [ البقرة/205 ] وقوله : { وأما من جاءك يسعى } [ عبس/8 ] ) .
( 10 - ويجوز الفصل بين الإقامة والصلاة بكلام لمصلحة - كالأمر بتسوية الصفوف كما سياتي - أو لحاجة فقد ( كانت الصلاة تقام فيكلم النبي صلى الله عليه وسلم الرجل في حاجته تكون له فيقوم بينه وبين القبلة فما يزال قائما يكلمه - قال الراوي - : فربما رأيت بعض القوم لينعس من طول قيام النبي صلى الله عليه وسلم له ) [ ثم صلى ] ) .
هو من حديث أنس رضي الله عنه وله عنه ثلاثة طرق :
الأول : عن ثابت عنه .
أخرجه أحمد : ثنا عبد الرزاق : أنا معمر عن الزهري عن ثابت به .
وهذا سند صحيح على شرطهما .
وكذلك أخرجه الترمذي عن عبد الرزاق به وقال :
( حسن صحيح ) .
وأخرجه مسلم وأبو داود وأحمد عن حماد بن سلمة عن ثابت به نحوه . وفيه الزيادة .
ثم أخرجه أحمد من طريق عمارة بن زاذان : ثنا ثابت به نحوه أيضا بلفظ :
( فيقوم معه حتى تخفق عامتهم رؤوسهم ) .
وسنده على شرط مسلم .
وأخرجه البخاري من طريق حميد قال : سألت ثابتا البناني عن الرجل يتكلم بعدما تقام الصلاة فحدثني عن أنس بن مالك قال : أقيمت الصلاة فعرض للنبي صلى الله عليه وسلم رجل فحبسه بعدما أقيمت الصلاة .
الثاني : عن عبد العزيز بن صهيب عنه قال : أقيمت الصلاة والنبي صلى الله عليه وسلم يناجي رجلا في جانب المسجد فما قام إلى الصلاة حتى نام القوم .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي وأحمد من طرق عنه .
الثالث : عن حميد عنه .
أخرجه أحمد من طرق عنه بلفظ : أقام بلال الصلاة فعرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل قال : فأقامه حتى نعس بعض القوم ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بالناس .
وأخرجه ابن حبان من طريق هشيم عنه .
وإسناد أحمد صحيح ثلاثي . لكن تقدم أن البخاري رواه من طريق حميد عن ثابت عنه وهي من رواية عبد الأعلى عنه . وهنا رواه عن أنس مباشرة بدون الواسطة لكن قال الحافظ :
( لم أقف في شيء من طرقه على تصريح بسماعه له من أنس وهو مدلس فالظاهر أن رواية عبد الأعلى هي المتصلة ) قال الحافظ :
( وفيه [ أي الحديث ] جواز الفصل بين الإقامة والإحرام إذا كان لحاجة أما إذا كان لغير حاجة فهو مكروه واستدل به للرد على من أطلق من الحنفية أن المؤذن إذا قال : قد قامت الصلاة وجب على الإمام التكبير ) .
وفي ( المجموع ) :
( مذهبنا ومذهب الجمهور من أهل الحجاز وغيرهم : جواز الكلام بعد إقامة الصلاة قبل الإحرام لكن الأولى تركه إلا لحاجة وكرهه أبو حنيفة وغيره من الكوفيين سواء طال الكلام أو قصر ولا تعاد الإقامة لذلك ودليلنا هذه الأحاديث الصحيحة ) .
وإلى هذا ذهب ابن حزم في ( المحلى ) ثم قال :
( ولا دليل يوجب إعادة الإقامة أصلا ولا خلاف بين أحد من الأئمة في أن من تكلم بين الإقامة والصلاة أو أحدث فإنه يتوضأ ولا تعاد الإقامة لذلك ويكلف من فرق بين قليل العمل وكثيره وقليل الكلام وكثيره أن يأتي على صحة قوله بدليل ثم على حد القليل من ذلك من الكثير ولا سبيل له إلى ذلك أصلا ) .
وهو يشير بذلك إلى الرد على بعض علمائنا الحنفية وقد اعترف الشيخ الكشميري بأن ضبط القليل والكثير عسير .
وبعد كتابة ما تقدم وجدت للحديث طريقا رابعا وفيه فوائد لا توجد في الطرق الأخرى أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) باب سخاوة النفس قال : ثنا ابن أبي الأسود قال : ثنا عبد الملك بن عمرو قال : ثنا سحامة بن عبد الرحمن بن الأصم قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كان النبي صلى الله عليه وسلم رحيما وكان لا يأتيه أحد إلا وعده وأنجز له إن كانت عنده وأقيمت الصلاة وجاءه أعرابي فاخذ بثوبه فقال : إنما بقي من حاجتي يسيرة وأخاف أنساها فقام معه حتى فرغ من حاجته ثم أقبل فصلى .
وهذا سند محتمل للتحسين رجاله رجال البخاري في ( صحيحه ) غير سحامة - بفتح المهملتين والثانية مثقلة - وثقه ابن حبان وروى عنه وكيع أيضا وفي ( التقريب ) أنه :
( مقبول ) .
وأنت ترى أن الرجل صاحب القصة لم يسم في هذه الطريق كالطرق الأخرى غاية الامر أنه وصف في هذه بأنه أعرابي . فقول الشيخ الكشميري في ( فيض الباري ) :
( وأما الرجل فلم يدركه الشارحان من هو وقد وجدت اسمه وهو مذكور في ( الأدب المفرد ) للبخاري ) ليس بصواب كما هو ظاهر .
( 11 - ويقيم من جمع بين الصلاتين جمع تقديم أو تاخير إقامة لكل صلاة كذلك فعل رسول الله في غزوة الخندق وفي عرفة ومزدلفة ) .
وفيه أحاديث :
الأول : عن جابر في حديثه الطويل في الحج :
أنه عليه الصلاة والسلام أقام لصلاة الظهر ثم أقام لصلاة العصر وذلك بعرفة ثم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين .
وقد سبق في المسألة السابعة من الأذان .
الثاني : عن أسامة بن زيد أنه قال :
دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفه فنزل الشعب فبال ثم توضأ ولم يسبغ الوضوء فقلت له : الصلاة . فقال : ( الصلاة أمامك ) فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل إنسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يصل بينهما .
أخرجه البخاري من طريق مالك وهذا في ( الموطأ ) ومسلم وأبي داود والدارمي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي وأحمد من طريق كريب مولى ابن عباس عنه .
الثالث : عن ابن عمر رضي الله عنه قال :
جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب العشاء بجمع كل واحدة منها بإقامة ولم يسبح بينهما ولا على إثر كل واحدة منهما .
أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي والدارمي والطحاوي والبيهقي وأحمد عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سالم بن عبد الله عنه .
ورواه مالك عن الزهري به مختصرا : صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا .
وعنه أحمد ومسلم .
وقد جاء هذا الحديث عن ابن عمر من طرق أخرى بلفظ : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين بإقامة واحدة .
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي والترمذي والطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق عن سعيد بن جبير عنه به .
ثم أخرجه أبو داود والترمذي والطحاوي والطيالسي واحمد من طريق أبي إسحاق : سمعت عبد الله بن مالك قال : صليت مع ابن عمر بجمع فأقام فصلى المغرب ثلاثا ثم صلى العشاء ركعتين بإقامة واحدة قال : فسأله خالد بن مالك فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثل هذا في هذا المكان .
وعبد الله بن مالك هذا هو ابن الحارث قال في ( التقريب ) :
( مقبول ) .
فقد اختلف على ابن عمر ففي هاتين الروايتين أنه صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بإقامة واحدة وفي رواية سالم بن عبد الله أنه صلاهما بإقامة واحدة لكل واحدة منهما . وهذه الراية مقدمة على رواية ابن جبير وابن مالك لأن معها زيادة علم وزيادة الثقة مقبولة وأيضا فإنها موافقة لرواية أسامة بن زيد وجابر بن عبد الله المتفقتين على إقامتين فتكون رواية ابن عمر الموافقة لهما أولى بالقبول والاعتماد . وقد ذهب إلى هذا النووي في ( شرح مسلم ) وسبقه إلى ذلك ابن حزم فرجح رواية سالم على خلافها .
وقد ذهب إلى هذا الحكم - أنه يقيم لكل صلاة في الجمع جمع تقديم أو تأخير - ابن حزم وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي خلافا لأبي حنيفة وصاحبيه وذلك أنهم كانوا يذهبون في الجمع بين الصلاتين إلى أن يجعلوا ذلك بأذان وإقامة واحدة ويحتجون في ذلك بالرواية الثانية عن ابن عمر صرح بذلك كله الطحاوي في شرحه وقوى ما اختاره بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ثم قال :
( والذي رويناه عن جابر من هذا أحب إلينا لما شهد له من النظر ) .
قال النووي في ( شرح مسلم ) :
( وهذا هو الصحيح من مذهبنا : أنه يستحب الأذان للأولى منهما ويقيم لكل واحدة إقامة فيصليهما بأذان وإقامتين ويتأول حديث ( إقامة واحدة ) أن كل صلاة لها إقامة ولا بد من هذا الجمع بينه وبين الرواية الأولى ( يعني : من حديث ابن عمر ) وبينه أيضا وبين رواية جابر ) .
قلت : ومن الغريب أن علماءنا أخذوا بحديث جابر في الجمع في عرفة بأذان واحد وإقامتين وتركوه في الجمع في مزدلفة بأذان وإقامتين وهذا من عجائب الفقه فلا جرم أن خالفهم الإمام الطحاوي وتبعه الشيخ ابن الهمام ثم أبو الحسنات اللكنوي في ( التعليق الممجد ) فأصابوا .

( 12 - وكذلك يقيم لكل صلاة من الفوائت المشروعة إقامة واحدة كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق ) .
وفي الباب عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي من الليل حتى كفينا وذلك قول الله تعالى : { وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا } [ الأحزاب/25 ]
فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا فأمره فأقام فصلى الظهر . . . . ثم اقام للعصر فصلاها كذلك ثم أقام للمغرب فصلاها كذلك ثم أقام للعشاء فصلاها كذلك . . . الحديث .
وهو صحيح الإسناد وقد سبق تخريجه فيما قبل الأذان المسألة ( 8 ) وذكرنا هناك شاهدا من حديث ابن مسعود وسقنا لفظه في الأذان مسألة ( 8 ) نحو حديث أبي سعيد هذا وزاد فيه البيهقي في رواية :
( يتابع بعضها بعضا بإقامة إقامة ) .
وقد ذهب إلى هذا الشافعية فقالوا : إذا أراد قضاء فوائت دفعة واحدة أقام لكل واحدة بلا خلاف عندهم كما في ( المجموع ) .
( 13 - وإذا انصرف من الصلاة وخرج من المسجد وقد نسي ركعة أو غيرها مما لا تتم الصلاة إلا به وأراد أن يعود لإتمامها فعليه أن يعيد الإقامة فقد ( صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما فسلم وانصرف وقد بقي من الصلاة ركعة فأدركه رجل فقال : نسيت من الصلاة ركعة فرجع فدخل المسجد وأمر بلالا فأقام الصلاة فصلى بالناس ركعة ) .
وهذا من حديث معاوية من حديج - بمهملة وجيم مصغرا - أخرجه أحمد : ثنا حجاج قال : ثنا ليث قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب أن سويد بن قيس أخبره عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوما . . . إلخ وزاد في آخره : فأخبرت بذلك الناس فقالوا : أتعرف الرجل ؟ قلت : لا إلا أن أراه فمر بي فقلت : هو هذا فقالوا : طلحة بن عبيد الله .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير سويد بن قيس وهو ثقة كما في ( التقريب ) .
وأخرجه أبوداود والنسائي عن قتيبة بن سعيد .
والطحاوي عن شعيب بن الليث والبيهقي عن يحيى ابن بكير ثلاثتهم عن الليث به .
وأخرجه الحاكم وعنه البيهقي من طريق وهب بن جرير بن حازم :
ثنا أبي قال : سمعت يحيى بن أيوب يحديث عن يزيد بن أبي حبيب به . وقال :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
وهو كما قالا .
وأخرجه ابن خزيمة أيضا كما في ( الفتح ) وبوب له النسائي : باب ( الإقامة لمن نسي ركعة من صلاة ) .
8 - وجوب ستر العورة وحدها
( 1 - هي فرض من فروض الصلاة بالكتاب والسنة أما الكتاب فقوله تعالى : { يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد } [ الأعراف : 31 ] . والمراد : ستر العورة بدليل سبب النزول . قال ابن عباس : كانوا [ في الجاهلية ] يطوفون عراة : الرجال بالنهار والنساء بالليل وكانت المرأة [ تطوف بالبيت وهي عريانة ] [ تخرج صدرها وما هناك ] [ فتقول : من يعيرني تطوفا تجعله على فرجها و] تقول :
اليوم يبدو بعضه أو كله وما بدا منه فلا أحله
فقال الله : { خذوا زينتكم عند كل مسجد } )
وهذا الحديث أخرجه مسلم والنسائي وابن جرير في ( تفسيره ) والحاكم وعنه البيهقي من طرق عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن مسلم البطين عن سعيد بن جبير عنه به . والسياق لابن جرير والزيادة الأولى للحاكم والثانية لمسلم والنسائي والرابعة للبيهقي في رواية والرابعة لمسلم أيضا .
وقال هشام بن عروة عن أبيه : كانت العرب تطوف بالبيت عراة إلا الحمس - والحمس قريش وما ولدت - كانوا يطوفون عراة إلا أن تعطيهم الحمس ثيابا فيعطي الرجال الرجال والنساء النساء .
أخرجه مسلم .
وفي طوفهم هذا نزل أيضا قوله تعالى : { وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آبائنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون } [ الأعراف/28 ] . قاله مجاهد كما في ( تفسير ابن كثير ) فسمى الله تعالى طوافهم عراة : فاحشة . وهو قول أكثر المفسرين كما قال القرطبي وهو مشهور عن ابن عباس كما في ( المجموع ) .
هذا وقولنا والمراد ستر العورة متفق عليه بين العلماء كما نقله ابن حزم
في ( المحلى ) وأقره الحافظ في ( الفتح ) .
( وأما السنة فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( احفظ عورتك إلا من زوجك أو ما ما ملكت يمينك ) وقوله : ( لا تمشوا عراة ) .
الحديث الأول سبق بتمامه مخرجا في ( آداب الاغتسال ) .
والحديث الثاني هو من رواية المسور بن مخرمة رضي الله عنه قال :
أقبلت بحجر أحمله ثقيل وعلي إزار خفيف قال : فانحل إزاري ومعي الحجر لم أستطع أن أضعه حتى بلغت به إلى موضعه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ارجع إلى ثوبك فخذه ولا تمشوا عراة ) .
أخرجه مسلم .
ومن طريقه ابن حزم وأبو داود والبيهقي من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن عثمان بن حكيم عن أبي أمامة بن سهل عنه .
وفي الباب عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره فقال له العباس عمه : يا ابن أخي لو حللت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة قال : فحله فجعله على منكبيه فسقط مغشيا عليه فما رؤي بعد ذلك عريانا صلى الله عليه وسلم .
أخرجه البخاري ومسلم .
ومن طريقه ابن حزم والبيهقي وأحمد من طريق زكريا بن إسحاق : ثنا عمرو بن دينار عنه .
ثم أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن جريج قال : أخبرني عمرو بن دينار به نحوه بلفظ :
( فخر إلى الأرض وطمحت عيناه إلى السماء ثم قال فقال : إزاري إزاري فشد عليه إزاره ) .
وكذلك أخرجه البيهقي وابن حزم .
وله شاهد من حديث أبي الطفيل وذكر بناء الكعبة في الجاهلية قال :
فهدمتها قريش وجعلوا يبنونها بحجارة الوادي تحملها قريش على رقابها فرفعوها في السماء عشرين ذراعا فبينا النبي صلى الله عليه وسلم يحمل حجارة من أجياد وعليه نمرة فضاقت عليه النمرة فذهب يضع النمرة على عاتقه فيرى عورته من صغر النمرة فنودي : يا محمد خمر عورتك . فلم ير عريانا بعد ذلك .
هكذا أخرجه أحمد : ثنا عبد الرزاق : أنا معمر عن ابن خثيم عنه .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم رجال مسلم .
وقد أورده الحافظ في ( الفتح ) مطولا وقال : أخرجه عبد الرزاق . ومن طريقه الحاكم والطبراني . وهو في ( المستدرك ) وصححه ووافقه الذهبي .
وهذه الأحاديث - وكذا الآية - فيها دليل على وجوب ستر العورة في الصلاة وخارجها :
أما وجوب سترها خارج الصلاة فمتفق عليه وقد نقل الاتفاق هذا ابن رشد في ( البداية ) ونقل النووي في ( المجموع ) الإجماع عليه .
وأما وجوب سترها في الصلاة فمختلف فيه فالجمهور على وجوب ذلك وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وداود وابن حزم . قال في ( البداية ) :
( وظاهر مذهب مالك أنها من سنن الصلاة ) .
وإلى هذا ذهب إسماعيل القاضي كما في ( تفسير القرطبي ) وهذا مذهب ضعيف ترده تلك الأوامر الصريحة بستر العورة والصلاة أحق بذلك كما لا يخفى .
هذا ومما ذكرنا تعلم أن قول ابن حزم في مراتب الإجماع : ( واتفقوا أن ستر العورة فيها لمن قدر على ثوب مباح لباسه له فرض ) ليس بصواب نقل الاتفاق هذا .
ثم إن الذين ذهبوا إلى وجوبها في الصلاة جعلو ذلك شرطا من شروط صحة الصلاة فمن صلى عاريا فصلاته باطلة عندهم . قال النووي :
( وقال بعض أصحاب مالك : ستر العورة واجب وليس بشرط فإن صلى مشكوفها صحت صلاته سواء تعمد أو سها ) .
قلت : وهذا هو الحق إن ذلك واجب غير شرط فإن الشرطية تتطلب دليلا زائدا على مجرد الأمر ولم نجد لمن قال بالشرطية أي دليل اللهم إلا ما ذكره النووي حيث قال :
( دليلنا أنه ثبت وجوب الستر بحديث عائشة : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) . . ويأتي . قال :
( ولا فرق بين الرجل والمرأة بالاتفاق ) .
وهذا الحديث كما ترى خاص بالنساء لكن النووي قاس عليهن الرجال وهو قياس فاسد الاعتبار لوجود الفرق الواضح بين عورة الرجل وعورة المرأة كما لا يخفى .
وقد أجاد في هذا الصدد الشوكاني في ( النيل ) فإنه بعد أن ذكر ما احتج به الجمهور في إثبات الشرطية من الأحاديث السابقة قال :
( ويجاب عن هذه الأدلة بأن غايتها إفادة الوجوب وأما الشرطية التي يؤثر عدمها في عدم المشروط فلا تصلح للاستدلال بها عليها لأن الشرط حكم وضعي شرعي لا يثبت بمجرد الأوامر نعم يمكن الاستدلال للشرطية بحديث الباب ( يعني حديث عائشة ) لكن لا يصفو الاستدلال بذلك عن شوب كدر لأنه أولا يقال : نحن نمنع أن نفي القبول يدل على الشرطية لأنه قد نفى القبول عن صلاة الآبق ومن في جوفه الخمر ومن يأتي عرافا مع ثبوت الصحة بالإجماع .
وثانيا : بأن غاية ذلك أن الستر شرط لصحة صلاة المرأة وهو أخص من الدعوى وإلحاق الرجال بالنساء لا يصح ههنا لوجود الفارق وهو ما في تكشف المرأة من الفتنة وهذا معنى لا يوجد في عورة الرجل .
وثالثا : بحديث سهل بن سعد عند الشيخين وأبي داود والنسائي بلفظ : كان الرجال يصلون مع النبي صلى الله عليه وسلم عاقدين أزرهم على أعتاقهم كهيئة الصبيان ويقال للنساء : لا ترفعن رؤوسكن حتى تستوي الرجال جلوسا . زاد أبو داود : من ضيق الأزر . وهذا يدل على عدم وجوب الستر فضلا عن شرطيته .
ورابعا : بحديث عمرو بن سلمة وفيه : فكنت أؤمهم وعلي بردة مفتوقة فكنت إذا سجدت تقلصت عني وفي رواية : خرجت استي فقالت امرأة من الحي : ألا تغطوا عنا است قارئكم . . . الحديث أخرجه البخاري وأبو داود والنسائي .
فالحق أن ستر العورة في الصلاة واجب فقط كسائر الحالات لا شرط يقتضي تركه عدم الصحة . وقد احتج القائلون بعدم الشرطية على مطلوبهم بحجج فقهية واهية منها قولهم : لو كان الستر شرطا في الصلاة لاختص بها ولافتقر إلى النية والأول منقوض بالإيمان فهو شرط في الصلاة ولا يختص بها والثاني باستقبال القبلة فإنه غير مفتقر إلى النية والثالث بالعجز عن القراءة والتسبيح فإنه يصلي ساكتا ) انتهى كلامه رحمه الله .
( 2 - وهي من الرجل السوأتان فقط وعليهما تنصب الأدلة السابقة ) .
وكون السوأتين من العورة متفق عليه بين العلماء كما في ( مراتب الإجماع ) لابن حزم . في المجموع :
( قال أهل اللغة : سميت العورة لقبح ظهورها ولغض البصر عنها مأخوذة من العور وهو النقص والعيب والقبح ومنه عور العين والكلمة العوراء : القبيحة ) .
ومما لا شك فيه أن هذا المعنى لا يتحقق إلا في السوأتين فقط وأما غيرهما من الفخذ والسرة والركبة فلا يتحقق هذا المعنى فيها بوضوح ولذلك اختلف فيها العلماء والحق ما ذكرنا لما يأتي .
( وأما الفخذ والركبة والسرة فليست من العورة المحرمة لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعمد كشفها في مناسبات شتى بمحضر من الناس ولو كانت عورة محرمة لما كشفها . قالت عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مضطجعا في بيته كاشفا عن فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس النبي صلى الله عليه وسلم يسوي ثيابه فدخل فتحدث فلما خرج قالت له عائشة : دخل أبو بكر فلم تجلس ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك فقال : ( ألا أستحيي ممن تستحيي منه الملائكة ) .
وهذا حديث صحيح .
أخرجه هكذا الطحاوي في ( مشكل الآثار ) : ثنا يوسف بن يزيد : ثنا حجاج بن إبراهيم : ثنا إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار وسليمان بن يسار وأبي سلمة بن عبد الرحمن عنها .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات أفاضل .
وقد أخرجه مسلم في ( صحيحه ) والبيهقي وكذا البخاري في ( الأدب المفرد ) من طرق عن إسماعيل بن جعفر به نحوه وفيه :
( كاشفا عن فخذيه أو ساقيه ) هكذا على الشك .
والصواب عندي رواية الطحاوي التي لا شك فيها وذلك لأمور :
أولا : أن الشك ليس بعلم فلا يعارض ما جزم به الثقة .
وثانيا وثالثا : أن له طريقا أخرى وشواهد من رواية الطحاوي .
أما الطريق فقال أحمد : ثنا مروان قال : أنا عبيد الله بن سيار قال : سمعت عائشة بنت طلحة تذكر عن عائشة أم المؤمنين : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان جالسا كاشفا عن فخذيه فاستأذن أبو بكر فأذن له . . . الحديث نحوه .
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال الستة غير عبيد الله بن سيار قال الحسيني : ( مجهول ) كما في ( التعجيل ) .
وقد رمز الحسيني إلى أنه روى هذا الحديث في ( مسند أحمد ) فقال الحافظ ابن حجر : ما رأيته في مسند عائشة رضي الله عنها من مسند أحمد ) .
كذا قال . وهو في ( المسند ) كما قال الحسيني وقد عينا لك الصفحة منه . والحديث أشار إليه الحافظ في ( الفتح ) وسكت عليه كما سيأتي عنه .
وأما الشواهد فهي ثلاثة :
الأول : عن حفصة بنت عمر رضي الله عنه قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم جالسا قد وضع ثوبه بين فخذيه فجاء أبو بكر فاستأذن فاذن له . . . الحديث .
أخرجه أحمد والطحاوي في ( شرح المعاني ) وفي ( المشكل ) والبيهقي من طريق ابن جريج قال : أخبرني أبو خالد عن عبد الله بن أبي سعيد المديني قال : ثتني حفصة به .
ثم أخرجه أحمد والبيهقي من طريق شيبان عن أبي اليعفور عن عبد الله ابن أبي سعيد المزني به .
وأخرجه البخاري أيضا في ( التاريخ ) من الطريقين عن عبد الله هذا .
ورجاله ثقات غير عبد الله بن أبي سعيد قال الحسيني :
( لا يدرى من هو ) .
قال الحافظ في ( التعجيل ) بعد أن ذكر الحديث من الطريقين عنه :
( وتلخص من هذا أن لعبد الله بن أبي سعيد راويين ولم يجرح ولم يأت بمتن منكر فهو على قاعدة ثقات ابن حبان لكن لم أر ذكره في النسخة التي عندي ) - يعني من ثقات ابن حبان - .
وبالجملة : فهو إسناد لا بأس به في الشواهد . وقد سكت عليه الحافظ في ( الفتح ) حيث قال بعد أن ساق حديث عائشة برواية مسلم :
( وهو عند أحمد بلفظ : ( كاشفا عن فخذيه ) من غير تردد وله من حديث حفصة مثله . وأخرجه الطحاوي والبيهقي ) .
وقال شيخه الهيثمي في ( المجمع ) :
( رواه أحمد والطبراني في ( الكبير ) و( الأوسط ) وأبو يعلى باختصار كثير وإسناده حسن ) .
الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطا من حوائط الأنصار فإذا بير في الحائط فجلس على رأسها ودلى رجليه وبعض فخذه مكشوف وأمرني أن أجلس على الباب فلم ألبث أن جاء أبو بكر فأعلمته فقال : ائذن له وبشره بالجنة . . . الحديث نحوه .
أخرجه الطحاوي في ( المشكل ) : ثنا فهد بن سليمان : ثنا أحمد بن عبد الله بن يونس : ثنا أبو معاوية : ثني عمرو بن مسلم صاحب المقصورة عن أنس به وقال في آخره :
فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم غطى فخذه قالوا : لم يا رسول الله غطيت فخذك حين جاء عثمان فقال : ( إني لأستحيي ممن تستحيي منه الملائكة ) .
وهذا إسناد رجاله كلهم ثقات غير عمرو بن مسلم هذا أورده في ( تهذيب التهذيب ) وذكره أنه روى عنه أبو معاوية الضرير وابو علقمة الفروي ثم لم يحك فيه جرحا ولا تعديلا .
الثالث : عن أبي سعيد الخدري قال : وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأسواق وبلال معه فدلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه فجاء أبو بكر يستأذن فقال : يا بلال ائذن له وبشره بالجنة . . . الحديث نحوه . وفيه أن كلا مسسن أبي بكر وعمر وعثمان دلى رجليه في البئر وكشف عن فخذيه .
أخرجه الطبراني في ( الأوسط ) ورجاله موثقون كما في ( المجمع ) وقال في مكان آخر منه :
( ورجاله رجال الصحيح غير شيخ الطبراني علي بن سعيد وهو حسن الحديث ) .
وله شاهد رابع من حديث ابن عباس أخرجه الطبراني والبزار ولكن في إسنادهما النضر أبو عمرو وهو متروك كما قال الهيثمي .
( وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا خيبر فصلينا عندها صلاة الغداة بغلس فركب نبي الله صلى الله عليه وسلم وركب أبو طلحة وأنا رديف أبي طلحة فأجرى نبي الله صلى الله عليه وسلم في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم حسر الإزار عن فخذه حتى إني لأنظر إلى بياض فخذ النبي صلى الله عليه وسلم . . . . الحديث ) .
أخرجه البخاري وعنه ابن حزام ومسلم والبيهقي وأحمد عن إسماعيل بن علية قال : ثنا عبد العزيز بن صهيب عنه به والسياق للبخاري .
وقال الآخرون : وانحسر بدل : حسر .
وكذلك رواه الطبراني كما في ( الفتح ) ورواه النسائي باختصار ذكر الحسر .
وقد ذهب إلى هذه المسألة - أن العورة السوأتان فقط - الظاهرية وهو رواية عن أحمد ومالك كما في ( الفتح ) عن النووي وذكره في ( شرح مسلم ) عن أصحاب مالك . وبه قال أبو سعيد الإصطخري من الشافعية واختاره السيوطي كما يأتي . قال ابن حزم .
( وهو قول ابن أبي ذئب وسفيان الثوري وأبي سليمان وبه نأخذ ) قال :
( وهو قول جمهور السلف ) .
ثم روى عن جبير بن الحويرث قال : رأيت أبا بكر الصديق واقفا على قزح يقول : يا أيها الناس أصبحوا وإني لأنظر إلى فخذه قد انكشف .
ورواه البخاري عن موسى بن أنس بن مالك فذكر يوم اليمامة فقال : أتى أنس إلى ثابت بن قيس بن الشماس وقد حسر عن فخذيه وهو يتحنط - يعني من الحنوط للموت - .
وقال عطاء بن السائب : دخلت على أبي جعفر - هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - وهو محموم وقد كشف عن فخذيه . . . . وذكر الخبر .
ومن الحجة لهؤلاء حديث عائشة وحديث أنس هذا والاستدلال بالأول ظاهر لأن فيه أنه عليه السلام كشف عن فخذيه قصدا وأما حديث أنس فوجه الاستدلال به ظاهر أيضا على رواية البخاري : ثم حسر الإزار . فإن مفاده أنه فعل ذلك أيضا عمدا إلا أن يخرج على هذا رواية الآخرين : وانحسر الإزار فإن ظاهرهما أن الإزار انحسر بنفسه لكن قال الحافظ :
( يمكن الاستدلال على أن الفخذ ليست بعورة من جهة استمراره على ذلك لأنه وإن جاز وقوعه من غير قصد لكن لو كانت عورة لم يقر على ذلك لمكان عصمته صلى الله عليه وسلم ولو فرض أن ذلك وقع لبيان التشريع لغير المختار لكان ممكنا لكن فيه نظر من جهة أنه كان يتعين حينئذ البيان عقبه كما في قضية السهو في الصلاة وسياقه عند أبي عوانة والجوزقي من طريق عبد الوارث عن عبد العزيز ظاهر في استمرار ذلك ولفظه : فأجرى رسول الله في زقاق خيبر وإن ركبتي لتمس فخذ نبي الله صلى الله عليه وسلم وإني لأرى بياض فخذيه ) . قال :
( وظاهر قول أنس هذا أن المس كان بدون الحائل ومس العورة بدون الحائل لا يجوز ) 20 . وقال ابن حزم :
( فصح أن الفخذ ليس عورة ولو كانت عورة لما كشفها الله عز وجل عن رسوله صلى الله عليه وسلم المطهر المعصوم من الناس في حالة النبوة والرسالة ولا أراها أنس ابن مالك ولا غيره وهو تعالى قد عصمه من كشف العورة في حال الصبا وقبل النبوة ) .
ثم روى من طريق مسلم حديث جابر المتقدم الذي فيه : فما رئي بعد ذلك عريانا .
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن الفخذ عورة واحتجوا بحديث : ( الفخذ عورة ) وأجابوا عن حديث عائشة بما في رواية مسلم من التردد بين كون المكشوف هو الفخذ أو الساق فقال في ( المجموع ) :
( لا دلالة فيه على أن الفخذ ليس بعورة لأنه مشكوك في المكشوف ) .
قلت : قد بينا أن سائر الروايات في هذه القصة تقطع بأن المكشوف هو الفخذ فيجب حمل رواية مسلم عليها .
ثم قال النووي :
( قال أصحابنا : لو صح الجزم بكشف الفخذ تأولناه على أن المراد كشف بعض ثيابه لا كلها قالوا : ولأنها قضية عين فلا عموم لها ولا حجة فيها ) .
قلت : الحجة فيها من حيث أن ذلك العمل هو من نبينا صلى الله عليه وسلم الذي هو أسوتنا وقدوتنا في كل شيء إلا ما استثناه الدليل لقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } [ الأحزاب /21 ] ولا يصح دليل التخصيص كما يأتي فيبقى دليل الاقتداء به صلى الله عليه وسلم في هذا الخصوص عاما شاملا لأمته فيثبت المطلوب .
وأما تأويل ذلك بأنه كشف بعض ثيابه . فلا يغني فتيلا لأن فيه التسليم بأنه كشف عن بعض فخذه فإن كان عورة فكيف يجوز الكشف عن بعضها وإذا كان مراد النووي من ذلك أنه يجوز الكشف عن البعض دون الكل فهو خالف مذهبه حيث قال :
( فإن انكشف شيء من عورة المصلي لم تصح صلاته سواء أكثر المنكشف أم قل ولو كان أدنى جزء وسواء هذا في الرجل والمرأة . . . ) إلخ .
وأجابوا عن حديث أنس بأن الإزار انكشف بنفسه عن فخذه عليه السلام دون قصده كما تفيده رواية مسلم : انحسر . لكن الحديث يفيد جواز الكشف من وجهة أخرى وهي استمراره صلى الله عليه وسلم على الكشف كما سبق عن الحافظ وكذلك قول أنس : وإني لأرى بياض فخذيه . يدل على أنه لم يكن من المحرم عندهم النظر إلى الفخذ وإلا لما نظر إليه أنس رضي الله عنه وإذ الأمر كذلك فيدل على أنه ليس بعورة وهو المطلوب .
فثبت بما ذكرنا أن كل ما أوردوه على الحديثين غير وارد عند التحقيق .
على أنه قد جاءت أحاديث أخرى في الباب لكنها دونهما في الدلالة على المطلوب فمنها حديث أبي العالية البراء قال : إن عبد الله بن الصامت ضرب فخذي وقال : إني سألت أبا ذر فضرب فخذي كما ضرب فخذك وقال : إني سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سألتني فضرب فخذي كما ضرب فخذك وقال :
( صل الصلاة لوقتها فإن أدركتك الصلاة معهم فصل ولا تقل : إني قد صليت فلا أصلي ) .
أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) ومسلم وعنه ابن حزم وقال : فلو كانت الفخذ عورة لما مسها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي ذر اصلا بيده المقدسة ولو كانت الفخذ عند أبي ذر عورة لما ضرب عليها بيده وكذلك عبدالله بن الصامت وأبي العالية - كذا - وما يستحل مسلم أن يضرب بيده على ذكر إنسان على الثياب ولا على حلقة دبر الإنسان على الثياب ولا بدن امرأة أجنبية على الثياب البتة وقد منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من القود من الكسعة وهي ضرب الإليتين على الثياب بباطن القدم وقال : ( دعوها فإنها منتنة ) .
ومنها حديث زيد بن ثابت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله } [ النساء/95 ] قال : فجاءه ابن أم مكتوم وهو يملها علي فقال : يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت - وكان رجلا أعمى - فأنزل الله تبارك وتعالى على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفخذه على فخذي فثقلت علي حتى خفت أن ترض فخذي ثم سري عنه فأنزل الله عز وجل : { غير أولي الضرر } .
أخرجه البخاري والنسائي والترمذي وقال : ( حسن صحيح ) وأحمد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال : ثني سهل بن سعد عن مروان بن الحكم عنه .
وكذا رواه الطحاوي في ( المشكل ) عن صالح .
وتابعه عن ابن شهاب : عبد الرحمن بن إسحاق .
أخرجه النسائي والطبري كما في ( الفتح ) .
وخالفهما معمر فقال : عن الزهري عن قبيضة بن ذؤيب عن زيد بن ثابت أخرجه أحمد .
ولعل الزهري له فيه إسنادان . والله أعلم .
وللحديث طريق أخرى عنه . رواه أبو داود والطحاوي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وأحمد عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن زيد بن ثابت به .
وقد علق البخاري هذا الحديث في باب ما يذكر في الفخذ كما علق فيه حديث أنس السابق الذكر مشيرا بذلك إلى أن الفخذ ليس بعورة ولذلك قال الشيخ محمد أنور الكشميري في ( فيض الباري ) :
( والذي يظهر من صنيع المصنف رضي الله عنه أنه مال إلى مذهب مالك رضي الله عنه وحمل ما ذهب إليه الحنفية على الاحتياط ) .
وأما حديث : ( الفخذ عورة ) . فحديث ضعيف أشار إلى ضعفه البخاري في ( صحيحه ) فقال : ويذكر عن ابن عباس وجرهد ومحمد بن جحش عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( الفخذ عورة ) .
ولابد هنا من أن نتكلم بتوسع على علل هذا الحديث ليتحقق القارئ من أنه لا يقوى على معارضة تلك الأحاديث المفيدة بأن الفخذ ليس بعورة فنقول :
أولا : حديث ابن عباس : رواه أبو يحيى القتات عن مجاهد عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الفخذ عورة ) .
وعلته أبو يحيى هذا واسمه على الأشهر : دينار وهو ضعيف كما قال ابن حزم في ( الملحى ) والحافظ في ( الفتح ) .
أخرجه الترمذي والطحاوي في ( شرح المعاني ) والحاكم والبيهقي وأحمد كلهم عنه .
ثانيا : حديث جرهد :
وعلته الجهالة والاضطراب المؤدي إلى عدم الثقة به فقد أخرج أبو داود والطحاوي في ( المشكل ) والبيهقي والطيالسي وأحمد كلهم عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن ابن جرهد عن أبيه عن جرهد .
ورواه الدرامي والطحاوي في ( شرح المعاني ) عن مالك عن أبي النضر عن زرعة بن عبد الرحمن عن أبيه مرفوعا به . فجعله من مسند عبد الرحمن بن جرهد .
وأخرجه الترمذي والحاكم وأحمد من طريق سفيان ابن عيينة عن أبي النضر عن زرعة بن مسلم بن جرهد عن جده عن جرهد .
وأخرجه الدارقطني عن سفيان به إلا أنه زاد فيه فقال : عن زرعة ابن مسلم عن أبيه عن جده .
فقد اختلف فيه على سفيان كما اختلف على مالك واختلف هذان فمالك يقول : زرعة بن عبد الرحمن بن جرهد وسفيان يقول : زرعة بن مسلم ابن جرهد .
وخالفهم أبو الزناد فقال : عن عمه زرعة بن عبد الله بن جرهد عن جده جرهد . فسماه زرعة بن عبد الله .
أخرجه الطحاوي في ( المشكل ) وفي ( الشرح ) عن . . . . . 21 عنه .
ورواه الترمذي وأحمد عن معمر فقال : عن أبي الزناد : أخبرني ابن جرهد عن أبيه به .
وفي رواية لأحمد والدارقطني عن سفيان عن أبي الزناد 22 .
ورواه عبد الله بن محمد بن عقيل عن عبد الله بن جرهد عن أبيه .
أخرجه الترمذي والطحاوي فيها وأحمد عن الحسن بن صالح عنه وزاد الطحاوي في رواية له فقال : عن عبد الله بن مسلم بن جرهد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال . . . . فذكره . فجعله من مسند مسلم بن جرهد .
فهذا اضطراب شديد لا يهتدى الباحث بسببه إلى ترجيح رواية على أخرى وهو موجب ضعف الحديث لإشعاره بأنه لم يضبط كما ذكر العلماء في ( مصطلح الحديث ) وقد قال الحافظ في ( شرح البخاري ) :
( وضعفه المصنف في ( التاريخ ) للاضطراب في إسناده وقد ذكرت كثيرا من طرقه في ( تغليق التعليق ) .
قلت : وكذلك ضعفه ابن القطان ففي ( نصب الراية ) للزيلعي قال ابن القطان :
( وحديث جرهد له علتان : الاضطراب المؤدي لسقوط الثقة به وذلك أنهم مختلفون فيه فمنهم من يقول زرعة بن عبد الرحمن ومنهم من يقول زرعة بن عبد الله ومنهم من يقول : زرعة بن مسلم . ثم من هؤلاء من يقول : عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول : عن أبيه عن جرهد عن النبي صلى الله عليه وسلم ومنهم من يقول : زرعة عن آل جرهد عن جرهد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والعلة الثانية : أن زرعة وأباه غير معروفي الحال ولا مشهوري الرواية ) .
ومنه تعلم أن قول الحاكم :
( إنه حديث صحيح الإسناد )
غير صحيح وإن وافقه الذهبي .
ثالثا حديث محمد بن جحش .
رواه أبو كثير مولى محمد بن عبد الله بن جحش مرفوعا به .
وعلته أبو كثير هذا فإنه مجهول كما قال ابن حزم وقال الحافظ :
( لم أجد فيه تصريحا بتعديل ) .
أخرجه الطحاوي في ( الشرح ) وفي ( المشكل ) والحاكم والبيهقي وأحمد والبخاري أيضا في ( التاريخ ) كما في ( الفتح ) .
ومن العجيب قول البيهقي - بعد أن ساق هذه الأحاديث الثلاثة بأسانيدها - :
( وهذه أسانيد صحيحة يحتج بها ) .
مع أنه لا يخفى على المبتدئ في هذا العلم - فضلا عن مثل البيهقي - أنه لا يصح شيء منها كما بينا ولذلك تعقبه ابن التركماني في ( الجوهر النقي ) بنحو ما ذكرنا من العلل ثم قال :
( وذكر ابن الصلاح أن الثلاثة متقاعدة عن الصحة ) .
رابعا : حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
رواه ابن جريج عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم بن ضمرة عنه .
أخرجه ابن ماجه في الجنائز باب ما جاء في غسل الميت من ( سننه ) - عن بشر بن آدم والحاكم عن الحارث بن أسامة والبيهقي عن محمد بن سعد العوفي ثلاثتهم عن روح بن عبادة . والطحاوي في ( شرح الآثار ) وفي ( المشكل ) عن يحيى بن سعيد والدارقطني عن عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد ثلاثتهم عن ابن جريج به .
وعلة هذا الإسناد الانقطاع بين ابن جريج وحبيب بن أبي ثابت من جهة وبين حبيب هذا وعاصم بن ضمرة من جهة أخرى .
وابن جريج وابن أبي ثابت معروفان بالتدليس على جلالة قدرهما .
وقد صرح ابن جريج في رواية عنه بأنه سمعه بالواسطة عن ابن أبي ثابت . فرواه أبو داود ومن طريقه البيهقي عن حجاج عن ابن جريج قال : أخبرت عن حبيب بن أبي ثابت عن عاصم به .
ولذلك قال أبو حاتم في ( العلل ) :
( ابن جريج لم يسمع هذا الحديث من حبيب إنما هو من حديث عمرو ابن خالد الواسطي ولا يثبت لحبيب رواية عن عاصم ) .
وكذا قال ابن معين كما في ( التلخيص ) أن حبيبا لم يسمعه من عاصم وابن بينهما رجلا ليس بثقة .
وبين البزار أن الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي .
قلت : وكأنه من أجل ذلك قال أبو داود بعد ( أن ) ساق الحديث :
( وهذا الحديث فيه نكارة ) . ثم قال الحافظ :
( وقع في زيادات المسند وفي الدارقطني ومسند الهيثم بن كليب تصريح ابن جريج بإخبار حبيب له وهو وهم في نقدي وقد تكلمت عليه في الإملاء على أحاديث مختصر ابن الحاجب ) .
قلت : ونحن نبين ما أشار إليه الحافظ من الوهم فنقول : قد أخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور بن راشد : نا روح ابن عبادة : ثنا أبن جريج : أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم به .
وهذه رواية شاذة فقد خالف أحمد بن منصور جميع من رواه من الثقات عن روح بن عبادة فقالوا كلهم : عن رواح : نا ابن جريج عن حبيب كما سبق . فلم يصرحوا بالسماع ورواية هؤلاء مقدمة على رواية أحمد بن منصور هذه الشاذة لا سيما وأن هذا ليس بالمعروف بالحفظ والضبط في الرواية وغاية ما قيل فيه : إنه صدوق كما في ( تاريخ بغداد ) عن أبي حاتم والصدوق قد يخطئ .
وأخرجه عبد الله بن الإمام أحمد في مسند أبيه فقال : ثني عبيد الله بن عمر القواريري : ثني يزيد أبو خالد البيسري القرشي : ثنا ابن جريج : أخبرني حبيب بن أبي ثابت عن عاصم به .
وهذا إسناد ضعيف عن ابن جريج فإن أبا خالد هذا قال ابن حزم :
( ولا يدرى من هو ) وقال الحافظ في ( التعجيل ) :
( إنه مجهول ) .
وأما قول الذهبي في ( الميزان ) :
( أورده الذهبي ابن عدي ومشاه فقال : ليس هو بمنكر الحديث ) فليس بتوثيق صريح .
ويدل على أن الحافظ نقل في ( اللسان ) قول الذهبي هذا مع أنه قال في ( التعجيل ) : ( إنه مجهول ) كما سبق . فلا تعارض بين القولين إذن .
هذا ولو سلمنا أن تصريح ابن جريج بسماعه من حبيب ثابت فلا يثبت بذلك الحديث فإنه لا تزال فيه العلة الأخرى قائمة وهي الانقطاع أيضا بين حبيب وعاصم كما سبق نقله عن الحافظين ابن معين وأبي حاتم وسواء صح كون الواسطة بينهما هو عمرو بن خالد الواسطي أو لم يصح فالحديث منقطع لا يصح لجهالة الواسطة بينهما .
وأما اعتراض الأستاذ أحمد محمد شاكر في تعليقه على المسند بأنه قد ثبت اللقاء بينهما ( فانى لنا أن نزعم أنه لم يسمع هذا الحديث منه ) فإنما يصح فيما لو لم يكن حبيب بن أبي ثابت مدلسا أما وهو معروف بالتدليس فلا يكتفى حينئذ بالمعاصرة وثبوت اللقاء بل لا بد من تصريح المدلس بسماعه من الذي روى عنه لتكون روايته صحيحة مقبولة . وهذا أمر متفق عليه بين العلماء ولا يخفى ذلك على الأستاذ المشار إليه فلا أدري كيف ذهب هناك إلى تصحيح الاتصال بمجرد المعاصرة مع علمه بأنه يشترط في ذلك أن لا يكون الراوي مدلسا ( راجع مقدمة صحيح مسلم فلعله لم يستحضر حين الكتابة كون حبيب هذا مدلسا وقد قال الحافظ في ( التقريب ) إنه :
( ثقة فقيه جليل وكان كثير الإرسال والتدليس ) .
فثبت بما ذكرنا صواب قول من أعل الحديث بالانقطاع وأنه ضعيف غير صالح للاحتجاج به فضلا عن معارضته لتلك الأحاديث الصحيحة السابقة في ( الصحيحين ) وغيرهما .
( تنبيه ) : إنما نصصنا على الباب الذي أخرج فيه ابن ماجه الحديث من ( سننه ) على خلاف عادتنا فيما نكتب من التخريج : لأني رأيت الأستاذ السابق الذكر يقول في تخريج الحديث :
( ونسبه في ( المنتقى ) و( ذخائر المواريث ) والمنذري فيما نقل شارح أبي داود وابن حجر في التلخيص إلى ابن ماجه بل عين صاحب ( الذخائر ) أنه في كتاب الجنائز منه ولم أجده بعد طول البحث )
هذا وفي الباب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . ويأتي قريبا .
( وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه أو ركبتيه فلما دخل عثمان غطاها ) .
أخرجه البخاري والطبراني والبيهقي من طريق سليمان ابن حرب : ثنا حماد بن زيد : ثني علي بن الحكم وعاصم الأحول : أنهما سمعا أبا عثمان يحدث عن أبي موسى به .
وفي الباب أحاديث أخرى :
منها عن أبي الدرداء قال : كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه حتى أبدى عن ركبتيه فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أما صاحبكم فقد غامر ) فسلم وقال : يا رسول الله إنه كان بيني وبين ابن الخطاب شيء فأسرعت إليه ثم ندمت فسألته أن يغفر لي فأبى علي فأقبلت إليك فقال : : ( يغفر الله لك يا أبا بكر ( ثلاثا ) ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر فسأل : أثم أبو بكر ؟ فقالوا : لا . فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه فجعل وجه النبي صلى الله عليه وسلم يتمعر حتى اشفق أبو بكر فجثا على ركبتيه فقال : يا رسول الله والله أنا كنت أظلم ( مرتين ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله بعثني إليكم فقلتم : كذبت وقال أبو بكر : صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي صاحبي ؟ ( مرتين ) فما أوذي بعدها .
أخرجه البخاري والطحاوي في ( المشكل ) عنه .
ومنها عن عمرو بن الشريد عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم تبع رجلا من ثقيف حتى هرول في أثره حتى أخذ ثوبه فقال : ( ارفع إزارك ) قال فكشف الرجل عن ركبتيه فقال : يا رسول الله إني أحنف ( الحنف : إقبال القدم بأصابعها على القدم الأخرى ) ( وتصطك ركبتاي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل خلق الله عز وجل حسن ) قال : ولم ير ذلك الرجل إلا وإزاره إلى أنصاف ساقيه حتى مات .
أخرجه أحمد قال : ثنا روح : ثنا زكريا بن إسحاق : ثنا إبراهيم بن ميسرة : أنه سمع عمرو بن الشريد به .
وأخرجه الطحاوي في ( المشكل ) : ثنا أبو أمية : ثنا روح بن عبادة به .
وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين .
( فائدة ) : واسم الرجل صاحب الإزار عمرو بن زرارة كما في رواية للطبراني من حديث أبي أمامة . رواه بأسانيد عنه ورجال أحدها ثقات كما في ( المجمع ) .
ورواه أحمد عن عمرو هذا نفسه لكن سماه عمرو بن فلان الأنصاري .
وإسناده صحيح رجاله رجال الستة غير الوليد بن سلمان وهو ثقة كما في ( التقريب ) وقال الهيثمي :
( ورجاله ثقات ) .
وفي الباب عن علي بن أبي طالب أن حمزة رضي الله عنه صعد النظر إلى ركبتي النبي صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر إلى سرته ويأتي بتمامه قريبا إن شاء الله تعالى .
وفي هذه الأحاديث : أن الركبة ليست بعورة وذلك لأمرين :
الأول : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كشفها بدون ضرورة .
وقول الشوكاني : ( إن الاحتجاج بالحديث أن الركبة ليست بعورة لا يتم لأن الكشف كان لعذر الدخول في الماء وأيضا تغطيتها من عثمان مشعر بأنها عورة وإن أمكن تعليل التغطية بغير ذلك فغاية الأمر الاحتمال ) مردود .
أما أولا : فلأن الحديث ينص على أنه عليه الصلاة والسلام كان قاعدا في مكان فيه ماء فكشف عن ركبتيه . وهذا معناه أنه صلى الله عليه وسلم كان جالسا مدليا رجليه في الماء وعليه فأي عذر في الكشف عن الركبتين فيما لو كانتا من العورة أليس كان باستطاعة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكتفي بإدلاء الساقين دون الكشف عن العورة ؟
ويدلك على المعنى الذي ذهبت إليه أن الإمام أحمد أخرج الحديث من طريق أخرى عن أبي موسى : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في حائط بالمدينة على قف البئر ( أي : الدكة التي تجعل حولها ) مدليا رجليه فدق الباب أبو بكر . . . الحديث .
ورواه مسلم نحوه من طريق ثالثة بلفظ : وتوسط قفها وكشف عن ساقيه ودلاهما في البئر .
ولا تعارض بين هذه الرواية وبين رواية البخاري المصرح بالكشف عن الركبة لأنها تتضمن الزيادة من ثقة وهي مقبولة اتفاقا كما أنه لا تعارض بين رواية البخاري هذه وبين رواية عائشة وغيرها المصرحة بالكشف عن الفخذ للسبب نفسه وهذا على اعتبار أن القصة واحدة وأما إذا كانت متعددة فلا إشكال .
وأما ثانيا : فلأن تغطيتها عن عثمان إنما هي معاملة منه صلى الله عليه وسلم خاصة به رضي الله عنه لشدة حيائه كما غطى صلى الله عليه وسلم منه فخذيه كما سبق وذلك لا يدل مطلقا على أنه إنما غطاها لأنها عورة كيف ذلك وقد كشفها عليه الصلاة والسلام أمام غير عثمان كما هو صريح حديث عائشة وغيرها وكما هو الظاهر من حديث أبي موسى هذا فإنه يروي القصة شاهد عيان أعني أنه عليه السلام لم يغطها من أبي موسى كما غطاها من عثمان . هذا ما ظهر من التعقيب على كلام الشوكاني .
ولو افترضنا أن كلامه صحيح فالدليل على أن الركبة ليست بعورة هو الأمر الثاني : وهو كشف أبي بكر عن ركبتيه وكذلك عمرو بن زرارة بحضرته عليه السلام ولم ينكر عليهما ولو كان عورة لأنكر ذلك صلى الله عليه وسلم كما أنكر على جرهد الاسلمي حين مر عليه وقد انكشف فخذه فقال : صلى الله عليه وسلم : ( غط فخذك فإن الفخذ عورة ) لو صح الحديث ولم يصح كما سبق بيانه ذلك مفصلا فدل سكوته عليه السلام على ذلك أن الركبة ليست بعورة ولذلك قال الحافظ في شرح حديث أبي الدرداء :
( وفيه أن الركبة ليست عورة ) .
وهناك دليل ثالث : وهو أن حمزة رضي الله عنه صعد النظر إلى ركبة النبي صلى الله عليه وسلم . ففيه - علاوة عن كشفه عليه السلام - نظر غيره إلى ركبته ولو كانت عورة لما أطلق حمزة ولا غيره على النظر إليها كما قال ابن حزم مثله في السرة على ما يأتي .
فالحق أن هذه قائمة علىأن الركبة ليست بعورة وبهذا قال الشافعي قال النووي :
( وهو المشهور من مذهبنا وبه قال مالك وطائفة ورواية عن أحمد وقال أبو حنيفة وعطاء : إنها عورة ) .
وهذا قول ضعيف مخالف لتلك الأحاديث الصحيحة .
وقد عارضها الطحاوي بما أخرجه في ( المشكل ) قال : ثنا علي ابن أبي شيبة : ثنا يزيد بن هارون : ثنا حماد بن سلمة عن حكيم الأثرم عن أبي تميمة الهجيمي : سمعت أبا موسى الأشعري يقول :
لا أعرفن أحدا نظر من جارية إلا ما فوق سرتها وأسفل من ركبتها لا أعرفن أحدا فعله إلا عاقبته 23 .
قال أبو جعفر :
( فجاز بما قد ذكرنا أن يضاد بهذا الحديث الأحاديث التي ذكرناها قبله المخالفة له ) .
وأشار بقوله : ( بما قد ذكرنا ) إلى كلامه الذي قدم به لهذا الحديث وهو قوله :
( ووجدنا أبا موسى الأشعري قد روي عنه من كلامه كلام قد خلطه بوعيد لمن خالفه ممن لا يجوز أن يكون قاله رأيا لأن الوعيد لا يكون فيما قد قيل بالرأي مما قد يجوز لغير قائله أن يقول بخلاف ما قد خالف هذا المعنى ) .
وهذا كما ترى فإنه يزعم أن الحديث وإن كان موقوفا فله حكم المرفوع لما فيه من الوعيد الذي لا يقال - بزعمه - بالرأي المجرد . وهذا غير لازم في الأحكام بل يجوز الوعيد على أمر وصل إليه المرء باجتهاده وإن كان قد يحتمل أن يكون فيه مخطئا .
وبالجملة فالاحتجاج بهذا الحديث على أن الركبة عورة لا يصح لأمور :
أولا : أنه موقوف .
ثانيا : أنه معارض لما هو أصح منه .
ثالثا : أنه وارد في الأمة فهو أخص من الدعوة . وقد اختلفوا في عورة الأمة على أقوال كثيرة ربما يأتي ذكرها أصحها دليلا أنها كالحرة لا فرق بينهما .
وإن صنيع الطحاوي هذا في قياس الرجل الحر وغيره على الأمة في أن الركبة عورة يشبه تماما قياس النووي الرجل أيضا على المرأة في بطلان صلاة مكشوف العورة وقد سبق الرد عليه بما فيه كفاية .
ولعله لم يعرج صاحب ( الهداية ) وغيره من الفقهاء على حديث أبي موسى لما فيه من الأمور التي ذكرنا وإنما احتجوا بحديث : ( الركبة عورة ) . وهذا لو صح لكان دليلا واضحا لهم ولكنه لا يصح بل هو متفق على ضعفه فقد أخرجه الدارقطني من طريق النضر بن منصور الفزاري : أنا أبو الجنوب - واسمه عقبة بن علقمة - قال : سمعت عليا رضي الله عنه يقول . . . فذكر مرفوعا . قال الزيلعي في ( نصب الراية ) :
( قال شيخنا الذهبي في ( ميزانه ) : النضر بن منصور واه قال ابن حبان : لا يحتج به . وعقبة بن علقمة هذا ضعفه الدارقطني وأبو حاتم الرازي وأعاده المصنف في ( الكراهية ) عن أبي هريرة ولم نجده عنه . وفي ( الإمام ) قال أبو حاتم الرازي : عقبة ضعيف الحديث والنضر بن منصور مجهول ) .
وقال الزيلعي أيضا في تخريج أحاديث الكراهية .
( قلت : غريب من حديث أبي هريرة وتقدم من حديث علي عند الدارقطني وفيه ضعف ) .
وقد فاتنا أن نتكلم على إسناد حديث أبي موسى فنقول : إن رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح غير علي بن شيبة وحكيم الأثرم .
أما الأول فهو علي بن شيبة بن الصلت بن عصفور أبو الحسن السدوسي مولاهم وهو أو يعقوب بن شيبة بصري سكن بغداد مدة ثم انتقل إلى مصر فسكنها روى عنه عبد العزيز بن أحمد الغافقي وغيره من المصريين أحاديث مستقيمة توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين . كذا في تاريخ بغداد بتصرف .
وأما الآخر فقال النسائي :
( ليس به بأس ) وذكره ابن حبان في ( الثقات ) وفي ( التقريب ) :
( فيه لين ) .
( وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في حديث له يقول فيه : فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلى سرته . . . الحديث ) .
أخرجه البخاري ومسلم وعنه ابن حزم والطحاوي في ( المشكل ) يونس عن الزهري قال : أخبرني علي بن الحسين أن حسين بن علي عليهما السلام : أخبره أن عليا قال :
كانت لي شارف من نصيبي من المغنم يوم بدر وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطاني شارفا من الخمس فلما أردت أن أبتني بفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم واعدت رجلا صواغا من بني قينقاع أن يرتحل معي فنأتي بإذخر أردت أن أبيعه الصواغين وأستعين به في وليمة عرس فبينا أنا أجمع لشارفي متاعا من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي مناختان إلى جنب حجرة رجل من الأنصار رجعت حين جمعت ما جمعت فإذا شارفاي قد أجبت أسنمتهما وبقرت خواصرهما وأخذ من أكبادهما فلم أملك عيني حين رأيت ذلك المنظر منهما فقلت : من فعل هذا ؟ فقال : فعل حمزة بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار فانطلقت حتى أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده زيد بن حارثة فعرف النبي صلى الله عليه وسلم في وجهي الذي لقيت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : مالك ؟ فقلت : يا رسول الله ما رأيت كاليوم قط عدا حمزة على ناقتي فأجب أسنمتهما وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بردائه فارتدى ثم انطلق يمشي واتبعته أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستاذن فأذنوا لهم فإذا هم شرب فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يلوم حمزة فيما فعل فإذا حمزة قد ثمل محمرة عيناه فنظر حمزة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم صعد النظر فنظر إلى ركبتيه ثم صعد النظر فنظر إلى سرته ثم صعد النظر فنظر إلى وجهه ثم قال حمزة : هل أنتم إلا عبيد لأبي فعرف فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قد ثمل فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى وخرجنا معه .
وهذا لفظ البخاري .
والحديث واضح الدلالة على أن السرة ليست بعورة ذلك لأن الرسول كشفها ولأن غيره نظره إليها . قال ابن حزم :
( فلو كانت السرة عورة لما أطلق الله حمزة ولا غيره على النظر إليها ) .
وقد ذهب إلى أن السرة ليست بعورة : أبو حنيفة والشافعي وهو المشهور من مذهب أصحابه . وقد حكى بعضهم الإجماع على ذلك . وفيه نظر .
وفي الباب أحاديث أخرى :
منها عن عمير بن إسحاق قال :
كنت مع الحسين بن علي فلقيه أبو هريرة فقال : ادن مني حتى أقبل منك حيث رأيت رسول الله يقبله منك فرفع ثوبه فقبل سرته .
أخرجه الطحاوي في ( المشكل ) من طريق عثمان بن عمر والبيهقي عن يحيى بن يحيى : أنبأ أزهر السمان وأحمد عن إسماعيل وعن محمد بن أبي عدي وابن أبي شيبة في ( مسنده ) ومن طريقه ابن حبان في ( صحيحه ) كما في نصب الراية ) عن شريك أربعتهم عن ابن عوف عنه به والسياق للأول منهم .
وخالف في لفظه إسماعيل فرواه بلفظ :
اكشف عن بطنك حتى أقبل حيث رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل منه قال : فكشف عن بطنه فقبله .
ولعله لا اختلاف بين رواية إسماعيل هذه وبين رواية الآخرين لأن هذه مجملة والأخرى مفصلة والمفصل يقضي على المجمل ويشير إلى ذلك رواية إسماعيل : رأيت رسول الله يقبل منه . فقد بينت الرواية الأخرى أن موضع التقبيل هي السرة .
وإسنادالحديث حسن رجاله ثقات رجال الستة غير عمير هذا قال في ( الميزان ) : وثق ما حدث عنه سوى ابن عوف وقال يحيى بن معين :
( لا يساوي حديثه شيئا لكن يكتب حديثه ) .
هذه رواية عباس عنه وأما عثمان فروى عن يحيى أنه ثقة . قال النسائي وغيره :
( ليس به بأس ) . روى عن المقداد بن الأسود وعمرو بن العاص وجماعة .
هذا وخولف فيه يحيى بن يحيى عن أزهر فرواه الخضر بن أبان الهاشمي : ثنا أزهر بن سعد السمان : ثنا ابن عون عن محمد عن أبي هريرة نحو رواية إسماعيل .
أخرجه الحاكم : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب : ثنا الخضر ابن أبان الهاشمي به . وقال : ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي .
وهذا مما يتعجب منه فإن الخضر بن أبان مع كونه ليس من شيوخ الشيخين ولا من رجالهما فهو ضعيف ضعفه الحاكم والذهبي كلاهما فقد قال في ترجمته من ( الميزان ) :
( ضعفه الحاكم وغيره وهو كوفي من موالي بني هاشم وسمع أزهر السمان . . . وتكلم فيه الدارقطني ) .
فالصواب رواية يحيى بن يحيى عن أزهر عن ابن عوف عن عمير كما هي رواية الجمهور عن ابن عون .
ويحيى هذا هو النيسابوري ثقة حافظ .
إلا أنه قد تابع الخضر بن أبان عن أزهر بن سعد السمان عن ابن عون عن محمد أبو سلمة - وهو موسى بن إسماعيل - قال : ثنا حماد بن سلمة : أنبأ ابن عون عن محمد - هو ابن سيرين - به لفظ : فقبل سرته .
أخرجه البيهقي ثم قال : كذا قال عن حماد وقال غيره عن حماد وعن ابن عون عن أبي محمد وهو عمبر بن إسحاق .
ومنها عن أبي محذورة في حديث الأذان :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على ناصية أبي محذورة ثم أمرها على وجهه ثم بين ثدييه ثم على يده ثم بلغت يد رسول الله إلى سرة أبي محذورة .
أخرجه الطحاوي في ( المشكل ) وكذا ابن ماجه والدارقطني وأحمد من طريق ابن جريج : أخبرني عبد العزيز بن عبد الملك بن أبي محذورة أن عبد الله بن محيريز أخبره عنه . وقد أخرجوه مطولا وكذا النسائي إلا أنه ليس عنده محل الشاهد منه وقد سبق لفظه في المسألة الرابعة من الأذان .
وعبد العزيز هذا مقبول .
( ملاحظة : إن الشيخ رحمه الله تراجع عن اختياره المذكور في شأن العورة . راجع مثلا تمام المنة . . . . )
( 3 - غير أنه ينبغي له في الصلاة قدر زائد على ستر العورة لعموم قوله تعالى : { خذوا زينتكم عند كل مسجد }
قال شيخ الإسلام في الاختيارات ( 4/24 )
( والله تعالى أمر بقدر زائد على ستر العورة في الصلاة فقال ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) فعلق الأمر باسم الزينة لا بستر العورة إيذانا بأن العبد ينبغي له أن يلبس أزين ثيابه وأجملها في الصلاة ) .
قال تلميذه الحافظ ابن كثير في تفسير الآية المذكورة :
( ولهذه الآية وما ورد في معناها من السنة يستحب التجمل عند الصلاة ولا سيما يوم الجمعة ويوم العيد والطيب لأنه من الزينة والسواك لأنه من تمام ذلك . ومن أفضل اللباس البياض . ثم ذكر الحديث الوارد في الأمر بالبياض من الثياب ولعله يأتي ) ثم قال :
( وروى الطبراني بسند صحيح عن قتادة عن محمد بن سيرين أن تميما الداري اشترى رداء بألف وكان يصلي فيه ) .
( وقد أكد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وبينه فنهى أن يصلي الرجل في سراويل وليس عليه رداء ) .
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والطحاوي والحاكم وعنه البيهقي عن أبي المنيب عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال :
( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي الرجل في لحاف لا يتوشح به ونهى أن يصلي الرجل في سراويل . . . ) إلخ .
وهذا إسناد حسن وأما قول الحاكم - وكذا الذهبي - إنه :
( صحيح على شرط الشيخين ) .
فمن أوهامهما فإن أبا المنيب هذا - واسمه عبيد الله بن عبد الله العتكي - ليس من رجال الشيخين ثم هو متكلم فيه قال الذهبي في ( الميزان ) :
( وثقه ابن معين وغيره قال البخاري : عنده مناكير فأخذ أبو حاتم ينكر على البخاري لذكره أبا المنيب في الضعفاء وقال : هو صالح الحديث وقال ابن حبان : ينفرد عن الثقات بالمقلوبات وقال النسائي : ضعيف . قال ابن عدي : وعندي لا بأس به ) .
قلت : ويتلخص عندي من مجموع أقوالهم فيه أنه حسن الحديث ما لم ينكر أو يخالف وفي التقريب أنه : ( صدوق يخطئ ) .
( الرداء ) : قال في ( النهاية ) :
( هو الثوب أو البرد الذي يضعه الإنسان على عاتقيه وبين كتفيه فوق ثيابه ) .
وفي ( المنجد ) :
( الرداء : ما يلبس فوق الثياب كالعباءة والجبة ) .
( وذلك لما فيه من ترك التزين المأمور به كما قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم فليلبس ثوبيه فإن الله أحق أن يتزين له . . . ) الحديث ) .
وتمام الحديث : ( فإن لم يكن له ثوبان فليتزر إذا صلى ولا يشتمل أحدكم في صلاته اشتمال اليهود ) .
وهو من حديث ابن عمر رضي الله عنه .
أخرجه الطحاوي في ( شرح المعاني ) من طريق حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة عن نافع عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . .
وأخرجه البيهقي من طريق أنس بن عياش عن موسى به إلا أنه قال : ولا يرى نافع إلا أنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . . فذكره .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الستة .
ثم أخرجه الطحاوي وأحمد من طريق ابن جريج قال : أخبرني نافع أن ابن عمر كساه وهو غلام فدخل المسجد فوجده يصلي موشحا فقال : أليس لك ثوبان قال : بلى قال : أرأيت لو استعنت بك وراء الدار أكنت لابسهما ؟ قال : نعم قال : فالله أحق أن تزين له أم الناس ؟ قال نافع : بل الله فأخبره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن عمر رضي الله عنه - قال نافع : قد استيقنت أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال :
( لا يشتمل أحدكم في الصلاة اشتمال اليهود من كان له ثوبان فليتزر وليرتد ومن لم يكن له ثوبان فليتزر ثم ليصل ) .
ثم رواه من طريق عبد الله بن عبد الوهاب الحجبي قال : ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن نافع . . . فذكر بإسناده مثله سواء .
قلت : وكذلك أخرجه البيهقي من طريق يوسف بن يعقوب القاضي : ثنا سليمان بن حرب : ثنا حماد بن زيد به دون قوله : قال نافع : قال استيقنت أنه عن أحدهما وما أراه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وكذا رواه أبو داود : ثنا سليمان بن حرب به بدون القصة . وقال النووي في ( المجموع ) :
( إسناده صحيح ) وكذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الاقتضاء ) .
ثم أخرجه البيهقي من طريق أبي الربيع : ثنا حماد بن زيد به بلفظ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال : قال عمر وأكثر ظني أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأخرجه أحمد عن ابن إسحاق : ثني نافعا به نحوه موقوفا وفيه : قال نافع : ولو قلت لك أنه أسند ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجوت أن لا أكون كذبت . وهذا سند جيد .
وهذا يبين أن التردد الواقع في رفعه ووقفه إنما هو من نافع نفسه ولكنه في الوقت نفسه يترجح عنده أن يكون مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكأنه لذلك جزم بعض الرواة عنه برفعه كما في الرواية الأولى عن حفص بن ميسرة عن موسى بن عقبة .
وكذلك جزم برفعه عن نافع توبة العنبري بلفظ : ( إذا صلى أحدكم فليأتزر وليرتد ) .
أخرجه الطحاوي والبيهقي من طريق عبيد الله بن معاذ قال : ثني أبي قال : ثني شعبة عن توبة العنبري به .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .
( فإن لم يكن له إلا في ثوب واحد فعليه أن يستر به منكبيه أيضا بأن يخالف بين طرفي الثوب لقوله عليه الصلاة والسلام :
( إذا صلى أحدكم في ثوب واحد فليخالف بين طرفيه ( على عاتقيه ) وفي لفظ :
( لايصلي أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء ) هذا الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه وله عنه ثلاثة طرق :
الأولى : عن يحيى بن أبي كثير عن عكرمة عنه باللفظ الأول .
أخرجه البخاري وأبو داود والبيهقي وأحمد واللفظ له من طرق عن يحيى . والزيادة عند الجميع خلا البخاري وهي في ( مستخرج الإسماعيلي ) وأبي نعيم كما في ( فتح الباري ) .
الثانية : عن عبد الله بن عياش عن ابن هرمز عنه .
أخرجه الطحاوي .
الثالثة : عن أبي الزناد عن الأعرج عنه باللفظ الثاني .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وكذا النسائي والدارمي والطحاوي والبيهقي من طرق عنه . ولفظ الدارمي والبيهقي : ( لا يصلين ) : زيادة نون التأكيد .
وكذلك أخرجه الشافعي في ( الأم ) من طريق مالك وكذا رواه الداقطني في ( غرائب مالك ) عن عبد الوهاب بن عطاء عنه كما في ( الفتح ) .
( وصورة المخالفة المذكورة أن يأخذ طرف ثوبه تحت يده اليمنى ويضعه على كتفه اليسرى ويأخذ الطرف الآخر تحت يده اليسرى ويضعه على كتفه اليمنى ثم يعقدهما على صدره ) .
ذكره في تنوير الحوالك شرح موطأ مالك ) عن الباجي دون العقد . وأما العقد فذكره النووي عن ابن السكيت . ثم قال الباجي :
( وهذا نوع من الاشتمال يسمى التوشيخ ويسمى الاضطباع وهو مباح في الصلاة وغيرها لأنه لا يمكن إخراج يده للسجود وغيره دون كشف عورته ) .
( وهذا إذا كان الثوب واسعا وأما إذا كان ضيقا فيكفيه أن يأتزر به بأن يشده على وسطه لقوله عليه السلام : ( إذا صليت وعليك ثوب واحد فإن كان واسعا فالتحف به وإن كان ضيقا فاتزر به ) .
وهذا الحديث من رواية جابر رضي الله عنه وله عنه أربعة طرق :
الأولى : عن فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث قال :
دخلنا على جابر بن عبد الله وهو يصلي في ثوب واحد ملتفا به ورداؤه قريب لو تناوله بلغه فلما سلم سألناه عن ذلك فقال : إنما أفعل هذا ليراني الحمقى أمثالكم فيفشوا على جابر رخصة رخصها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال جابر :
خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فجئته ليلة وهو يصلي في ثوب واحد وعلي ثوب واحد فاشتملت به ثم قمت إلى جنبه قال :
( جابر ما هذا الاشتمال ؟ إذا صليت . . . ) الحديث .
أخرجه البخاري والبيهقي وأحمد والسياق له . وفي رواية الآخرين التعريف بأنه عليه السلام قال ذلك بعد الانصراف من الصلاة .
الثانية : عن حاتم بن إسماعيل عن يعقوب بن مجاهد بن أبي حزرة عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال :
أتينا جابر بن عبد الله في مسجده وهو يصلي . . . . فذكره نحوه . ولفظ المرفوع :
( إذا كان واسعا فخالف بين طرفيه وإذا كان ضيقا فاشدده على حقوك ) .
أخرجه مسلم في حديثه الطويل وأبو داود والحاكم والبيهقي وقال الحاكم :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي .
فوهما في الاستدراك على مسلم .
الثالثة : عن شرحبيل بن سعد :
أنه دخل على جابر وهو يصلي . . . الحديث نحوه .
أخرجه أحمد والطحاوي في ( شرح المعاني ) المرفوع منه فقط ورجاله ثقات رجال الشيخين غير شرحبيل هذا وهو صدوق لكنه اختلط بآخره كما في ( التقريب ) .
الرابعة : عن ابن جريج قال : قال أبو الزبير : قال جابر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( من صلى في ثوب واحد فليتعطف به ) .
أخرجه أحمد والطحاوي أيضا .
ورجاله كلهم رجال مسلم غير أن ابن جريج وأبا الزبير مدلسان .
والحديث نص واضح في وجوب الالتحاف إذا كان الثوب واسعا وعليه يحمل حديث أبي هريرة المطلق ويؤيد الوجوب نهيه عليه السلام عن ترك ذلك والنهي يفيد التحريم . وقد ذهب إلى هذا الذي ذكرنا جماعة من السلف رضي الله عنهم ومنهم الإمام أحمد والمشهور عنه أنه لو صلى مشكوف العاتق مع القدرة على السترة لم تصح صلاته فجعله شرطا وهو مذهب ابن حزم في ( المحلى ) .
وفي رواية عن أحمد : أنه تصح صلاته ولكنه يأثم بتركه . وهوالحق إن شاء الله .
وذهب الجمهور - مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم - إلى أن النهي للتنزيه والأمر للاستحباب فلو صلى في ثوب واحد ساتر لعورته ليس على عاتقه منه شيئ صحت صلاته مع الكراهة سواء قدر على شيء يجعله على عاتقه أم لا . قال النووي في ( شرح مسلم ) :
( وحجة الجمهور . . . ) وفي ( المجموع ) :
( دليلنا حديث جابر في قوله صلى الله عليه وسلم : ( فاتزر به ) هكذا احتج به الشافعي في ( الأم ) واحتج به الأصحاب وغيرهم والله أعلم ) .
قلت : وهذا ما لا ينقضي العجب منه فإن أمره عليه السلام بالاتزار إنما هو إذا كان الثوب ضيقا كما هو منطوق الحديث بينما الجمهور يقولون بالاتزار ولو كان الثوب واسعا فكيف جاز للنووي ومن سبقه الأخذ بمجرد الأمر بالاتزار بدون التفات إلىالشرط الذي قيده به النبي صلى الله عليه وسلم .
فالحق أن الحديث دليل قاطع لمذهب أحمد وغيره وهو التفريق ين الثوب الواسع والضيق فيجب الالتحاف في الأول دون الآخر وإلى هذا مال البخاري كما يدل عليه تصرفه في ( صحيحه ) كما في ( الفتح ) للحافظ ثم قال :
( وهو اختيار ابن المنذر وتقي الدين السبكي من الشافعية ) .
وإليه مال المحقق الشوكاني .
وأما بطلان الصلاة بترك الالتحاف فغير ظاهر من الحديث . والله أعلم .
وهنا مسألة وهي : هل يجب على من كان عليه إزار ضيق لا يمكنه الالتحاف به أن يلبس أوسع منه أو يلبس رداء فوقه إذا كان عنده يستر به القسم الأعلى من بدنه ؟
الظاهر عندي : نعم يجب عليه ذلك خلافا لابن حزم حيث قال في ( المحلى ) :
( فإن كان ضيقا اتزر به وأجزأه كان معه ثياب غيره أو لم يكن ) .
قلت : وهذا جمود منه على ظاهر الحديث بدون أن يلاحظ المعنى المقصود منه وهو ستر البدن وقد أكد عليه السلام هذا المعنى بنهيه أن يصلي الرجل في سراويل ليس عليه رداء كما سبق . والله أعلم .
وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب الواحد فإنما صلى ملتحفا به كا صرح بذلك جمع من الصحابة منهم عمرو بن أبي سلمة وأم هانئ وجابر بن عبد الله عند الشيخين وغيرهم وأبو سعيد الخدري عند مسلم وأنس عندالطحاوي وكيسان عند ابن ماجه وغير هؤلاء كثير وقد خرجت أحاديثهم في كتابنا : ( صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
وقد استدل بهذه الأحاديث على جواز الصلاة في الثوب الواحد قال النووي :
( لا خلاف في ذلك إلا ما حكي عن ابن مسعود رضي الله عنه فيه ولا أعلم صحته ) .
قلت : وكأنه يشير إلى ما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال :
لا تصلين في ثوب واحد وإن كان أوسع ما بين السماء والأرض .
أورده الحافظ في ( الفتح ) وسكت عليه .
ولعل قول ابن مسعود هذا محمول على ما إذا كان عنده ثوب آخر بدليل حديثه الآخر وهو ما أخرجه عبد الله بن أحمد في ( زوائد المسند ) من طريقين عن أبي مسعود الجريري عن أبي نضرة بن بقية قال : قال أبي بن كعب :
الصلاة في الثوب الواحد سنة كنا نفعله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يعاب علينا فقال ابن مسعود :
إنما كان ذاك إذا كان في الثياب قلة فأما إذا وسع الله فالصلاة في الثوبين أزكى .
ورجاله ثقات رجال مسلم . لكن قال في ( مجمع الزوائد ) :
( وأبو نضرة لم يسمع من أبي ولا من ابن مسعود ) .
قلت : قد وصله البيهقي من طريق يزيد بن هارون : أنبأ داود عن أبي نضرة عن أبي سعيد قال :
اختلف أبي بن كعب وابن مسعود في الصلاة في الثوب واحد . . الحديث بنحوه .
وهذا سند صحيح .
قال البيهقي :
( وهذا يدل على أن الذي أمر به ابن مسعود في الصلاة في ثوبين استحباب لا إيجاب ) .
وكون الصلاة في الثوبين أزكى وأفضل مجمع عليه كما ذكره النووي في ( شرح مسلم ) . ويدل لذلك الأمر بالارتداء والاتزار كما سبق .
وبالجملة فحمل الاتفاق الذي ادعاه النووي إنما هو في الثوب الواحد الذي يمكن به ستر أعلى البدن وإلا فقد علمت مذهب أحمد وغيره في وجوب الستر . والله أعلم .
( 4 - هذا ويجب على من صلى في قميص له جيب واسع وليس ثمة غيره أن يزره ولو بشوكة خشية أن يرى عورته منه . . . قال سلمة بن الأكوع : قلت : يا رسول الله إني أكون في الصيد فاصلي وليس علي إلا قميص واحد ؟ قال : ( فزره وإن لم تجد إلا شوكة ) . وفي لفظ : ( زره ولو بشوكة ) .
أخرجه الإمام أحمد : ثنا هاشم بن القاسم قال : ثنا عطاف عن موسى بن إبراهيم بن أبي ربيعة قال : سمعت سلمة بن الأكوع قال . . . فذكره .
ثم أخرجه أحمد عن حماد بن خالد والنسائي عن قتيبة كلاهما عن عطاف بن خالد به .
وقد توبع مع عطاف عليه .
أخرجه أبو داود والطحاوي والحاكم والبيهقي من طريق عبد العزيز بن محمد الدراوردي : ثنا موسى بن إبراهيم به باللفظ الثاني .
وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحيهما ) كما في ( الفتح ) و( التهذيب ) .
وأخرجه الشافعي في ( الأم ) من الطريقين فقال : أخبرنا العطاف بن خالد وعبد العزيز بن محمد الدراوردي عن موسى به .
وهذا سند حسن كما قال النووي في ( المجموع ) فقد رواه ثقتان عن موسى بن إبراهيم وقد قال فيه ابن المديني :
( وسط ) .
وذكره ابن حبان في الثقات . وقال الحاكم :
( حديث صحيح ) ووافقه الذهبي .
وأما البخاري فقال في ( صحيحه ) :
( في إسناده نظر ) .
والسبب في ذلك أن البخاري رواه في ( تاريخه ) من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه عن موسى بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة . فزاد في الإسناد رجلا . قال الحافظ :
( فاحتمل أن يكون من المزيد في متصل الأسانيد أو يكون التصريح في رواية عطاف وهما فهذا وجه النظر في إسناده . وأما من صححه فاعتمد رواية الدراوردي وجعل رواية عطاف شاهدة لاتصالها ) .
قلت : وقد صرح موسى بن إبراهيم بسماعه من سلمة في رواية الدراوردي أيضا عنه عند الحاكم . بخلاف رواية الطحاوي فإنها عنده عن الدراوردي عن موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة .
وموسى بن محمد هذا هو موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي أبو محمد المدني وهو غير موسى بن إبراهيم فهو موسى بن إبراهيم ذاك ضعيف ) .
فرواه الطحاوي رواية شاذة رواها من طريق ابن أبي قبيلة عن الدراوردي .
وابن أبي قبيلة هذا لم أعرفه الآن .
وله شاهد مرسل ومنطقع قال البيهقي بعد أن ساق الحديث :
( وروى عبد الله بن المبارك عن ابن جريج قال : حدثت عن يحيى بن أبي كثير أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل في قميص محلولة أزراره مخالفة أن يرى فرجه إذا ركع حتى يزره ) قال يحيى : ( إذا لم يكن عليه إزار ) . قال البيهقي :
( وهذا وإن كان منقطعا فهو موافق للموصول قبله ) .
وفي معناه حديث أبي هريرة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلي الرجل حتى يحتزم .
أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد عن شعبة عن يزيد بن خمير قال : سمعت مولى لقريش يقول : سمعت أبا هريرة يحدث معاوية به .
وهذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير مولى قريش فلم يسم .
( تنبيه ) : عزا صاحب ( المنتقى ) حديث أبي هريرة هذا إلى أحمد وأبي داود فقال شارحه الشوكاني :
( هذا الحديث وقع البحث عنه في ( سنن أبي داود ) و( مسند أحمد ) والجامع الكبير ) و( مجمع الزوائد ) فلم يوجد بهذا اللفظ فينظر في نسبة المصنف له إلى أحمد وأبي داود ) .
قلت : وهذا عجيب منه فهو في ( المسند ) في ثلاثة مواضع منه كما بينا لك أرقام الصفحات فكيف لم يقف عليه مع بحثه عنه فيه ؟ وأما أبو داود فهو معذور في عدم عثوره عليه عنده لأنه رواه في مكان غير مظنون وجوده فيه وهو كتاب البيوع وهو قطعة من حديث عنده .
وفي الحديث دلالة على أنه لا يجوز للمصلي أن يتساهل في سترة العورة بل عليه أن يحتاط لئلا يراها أو يراها غيره منه .
واختلف العلماء في المصلي يصلي في قميص واسع الجيب بحيث يرى عورته منه فذهب الشافعي وأصحابه إلى أن الصلاة باطلة لا تجزئه وهو نص الإمام في ( الأم ) وعند أبي حنيفة ومالك : تصح صلاته كما لو رآها غيره من أسفل ذيله . ذكره في ( المجموع ) .
( 5 - وأما المرأة فكلها عورة إلا وجهها وكفيها .
وأما كونها عورة فلقوله تعالى : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن } إلى قوله : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } الآية [ 31 سورة النور ] ) .
قال ابن حزم في ( المحلى ) :
( فأمرهن الله تعالى بالضرب بالخمار على الجيوب وهذا نص على ستر العورة والعنق والصدر وفيه نص على إباحة كشف الوجه لا يمكن غير ذلك . وقوله تعالى : { ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن } نص على أن الرجلين والساقين مما يخفى ولا يحل إبداؤه ) .
وفي قوله : وفيه نص على إباحة كشف الوجه ) نظر لأن العلماء اختلفوا في المراد من قوله تعالى : { إلا ما ظهر منها } . قال الحافظ ابن كثير :
( أي : لا يظهرن شيئا من الزينة للأجانب إلا ما لا يمكن إخفاؤه . قال ابن مسعود : كالرداء والثياب . يعني على ما كان يتعاطاه نساء العرب من المقنعة التي تجلل ثيابها وما يبدو من أسافل الثياب فلا حرج عليها فيه لأن هذا لا يمكنها إخفاؤها ونظيره في زي النساء ما يظهر من إزارها وما لا يمكن إخفاؤه وقال بقول ابن مسعود : الحسن وابن سيرين وأبو الجوزاء وإبراهيم النخعي وغيرهم . وقال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس : { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : وجهها وكفيها والخاتم . وروي عن ابن عمر وعطاء وعكرمة وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء والضحاك وإبراهيم النخعي وغيرهم نحو ذلك . وهذا يحتمل أن يكون تفسيرا للزينة التي نهين عن إبدائها كما قال أبو إسحاق السبيعي عن أبي الأحوص عن عبد الله قال في قوله : { ولا يبدين زينتهن } : الزينة : القرط والدملوج والخلخال والقلادة . قال الحافظ : ويحتمل أن ابن عباس ومن تابعه أرادوا تفسير ما ظهر منها بالوجه والكفين وهذا هو المشهور عند الجمهور ويستأنس له بالحديث الذي رواه أبو داود في ( سننه ) : ثنا يعقوب بن كعب الأنطاكي ومؤمل بن الفضل الحراني قالا : ثنا الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن خالد بن دريك عن عائشة رضي الله عنها : أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال : ( يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا ) - وأشار إلى وجهه وكفيه - . لكن قال أبو داود وأبو حاتم : هو مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة رضي الله عنها ) .
قلت : وكل هذه الآثار والأقوال أو جلها ذكرها ابن جريج بأسانيدها في ( التفسير ) ثم اختار قول ابن عباس ومن تابعه فقال :
( وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من عنى بذلك الوجه والكفين ويدخل في ذلك - إن كان كذلك - الكحل والخاتم والسوار والخضاب . وإنما قلنا : ذلك أولى الأقوال لإجماع الجميع أن على كل مصل أن يستر عورته في صلاته وأن للمرأة أن تكشف وجهها وكفيها في صلاتها وأن عليها أن تستر ما عدا ذلك من بدنها إلا ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أباح لها أن تبدي من ذراعها إلى قدر النصف . فإذ كان كذلك من جميعهم إجماعا كان معلوما بذلك أن لها أن تبدي من بدنها ما لم يكن عورة كما ذلك للرجال لأن ما لم يكن عورة فغير حرام إظهاره وإذا كان لها إظهار ذلك كان معلوما أنه مما استنثاه الله تعالى ذكره بقوله : { إلا ما ظهر منها } لأن كل ذلك ظاهر منها ) .
ومال إلى هذا القول القرطبي أيضا فإنه ذكر في ( تفسيره ) قول ابن عطية :
( ويظهر لي بحكم ألفاظ الآية أن المرأة مأمورة بألا تبدي وأن تجتهد في الإخفاء لكل ما هو زينة ووقع الاستثناء فيما يظهر بحكم ضرورة حركة فيما لا بد منه أو إصلاح شأن ونحو ذلك ف ( ما ظهر ) على هذا الوجه مما تؤدي إليه الضرورة في النساء فهو المعفو عنه ) . فقال القرطبي :
( قلت : هذا قول حسن إلا أنه لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورهما عادة وعبادة وذلك في الصلاة والحج فيصلح أن يكون الاستثناء راجعا إليهما يدل على ذلك ما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها . . . ) ثم ذكر الحديث السابق عند ابن كثير . ثم قال :
( فهذا أقوى في جانب الاحتياط ولمراعاة فساد الناس فلا تبدي المرأة من زينتها إلا ما ظهر من وجهها وكفيها ) .
واعلم أن العلماء اتفقوا كما في ( مراتب الإجماع ) على أن شعر الحرة وجسمها - حاشا وجهها ويدها - عورة . واختلفوا في الوجه اليدين حتى أظفارهما : أعورة هي أم لا ؟
وقد ظهر لك من تفسير الآية الكريمة أنها تدل دلالة دقيقة على أن الوجه والكفين منها ليس بعورة وذلك ما دلت عليه السنة كما يأتي .
( وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المراة عورة ) .
وهو من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وتمامه : ( فإذا خرجت استشرفها الشيطان ) .
أخرجه الترمذي من طريق همام عن قتادة عن مورق عن أبي الأحوص عنه . وقال :
( حديث حسن ) . وفي نسخة :
( حسن صحيح )24 .
قلت : وهذا سند صحيح على شرط مسلم . قال المناوي في ( فيض القدير ) :
( ورواه عنه باللفظ المذكور الطبراني وزاد : ( وإنها أقرب ما تكون من الله وهي في قعر بيتها ) قال الهيثمي : رجاله موثقون . ورواه أيضا ابن حبان عنه ) .
قلت : وبالزيادة المذكورة أخرجه الخطيب في ( تاريخه ) من طريق المعتمر بن سليمان قال : سمعت أبي يحدث عن قتادة عن أبي الأحوص به فاسقط من الإسناد مورقا .
( وأما أن وجهها وكفيها ليسا بعورة فلقوله في الآية السابقة : { إلا ما ظهر منها } على قول ابن عباس وغيره : إن المراد الوجه والكفان . ويشهد لذلك من السنة :
( 1 ) عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم حسناء من أحسن الناس [ قال ابن عباس : لا والله ما رأيت مثلها قط ] فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه [ وجافى يديه ] فأنزل الله تعالى : { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } [ الحجر/24 ] .
أما قول ابن عباس فرواه ابن جرير كما سبق . وروى نحوه الطحاوي في ( شرح المعاني ) والبيهقي في ( سننه ) عن سعيد بن جبير عنه .
ثم رواه البيهقي من طريق عكرمة عنه ثم قال : وروينا عن أنس بن مالك مثل هذا .
ثم روى بإسناد عن عقبة بن الاصم عن عطاء بن أبي رباح عن عائشة رضي الله عنه قالت : { ما ظهر منها } : الوجه والكفان .
لكن عقبة بن الأصم ضعيف .
ثم قال البيهقي : وروينا عن ابن عمر أنه قال : الزينة الظاهرة : الوجه والكفان . وروينا معناه عن عطاء بن أبي رباح وسعيد بن جبير وهو قول الأوزاعي .
وقال ابن حزم :
( وقد روينا عن ابن عباس في { ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها } قال : الكف والخاتم والوجه . وعن ابن عمر : الوجه والكفان . وعن أنس : الكف والخاتم . وكل هذا عنهم في غاية الصحة وكذلك أيضا عن عائشة وغيرها من التابعين ) .
ثم روى البيهقي حديث عائشة مرفوعا :
( إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلا هذا وهذا - وأشار إلى قول البيهقي :
( مع هذا المرسل قول من مضى من الصحابة رضي الله عنهم في بيان ما أباح الله من الزينة الظاهرة فصار القول بذلك قويا ) والله تعالى أعلم .
وأما حديث ابن عباس فهو حديث جيد . رواه نوح بن قيس الحداني عن عمرو بن مالك النكري عن أبي الجوزاء عنه .
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير عمرو بن مالك وهو ثقة كما قال في ( الميزان ) .
أخرجه النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم والطيالسي وأحمد وابن جرير في ( تفسيره ) والطبري في ( الكبير ) من طرق عنه . والزيادة والأول عند ابن جرير والأخرى عن الحاكم وقال :
( صحيح الإسناد ) . وقال عمرو بن علي :
( لم يتكلم أحد في نوح بن قيس الطاحي بحجة ) .
قال الذهبي في ( التلخيص ) :
( قلت : هو صدوق خرج له مسلم ) وأما الترمذي فأعله بقوله :
( وروى جعفر بن سليمان هذا الحديث عن عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء نحوه ولم يذكر فيه عن ابن عباس وهذا أشبه أن يكون أصح من حديث نوح ) .
قلت : رواية جعفر هذه أخرجها ابن جرير من طريق عبد الرزاق عنه مسندة عن أبي الجوزاء قال في قول الله : { ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين } . قال المستقدمين منكم في الصلاة والمستأخرين .
قلت : وهذه الرواية المرسلة والموقوفة لا تعلل عندي الرواية الاولى الموصولة المرفوعة لأن مع راويها زيادة علم وقبولها واجب كما تقرر في المصطلح . وأيضا فإن الرواية المرسلة لفظها يدل على أنها رواية مستقلة عن الرواية المرفوعة لأنها مختصرة جدا .
والظاهر أن أبا الجوزاء كان إذا روى الحديث مرفوعا رواه بتمامه في سبب نزول الآية وإذا ذكر الآية مفسرا لها رواه مختصرا غير رافعه ولا مسنده إلى ابن عباس وإن كان هو في الأصل قد أخذه عنه . فظهر بهذا أن الرواية المرسلة لا تعل الرواية الموصولة . والله أعلم .
وأما قول الحافظ ابن كثير في ( تفسيره ) :
( وهذا الحديث فيه نكارة شديدة ) فغير مسلم لأن ذلك البعض الذي كان ينظر من تحت إبطه جاز أن يكون من المنافقين أو من جهلة الأعراب وهذا واضح لا يخفى فلا نكارة ولا إشكال ولذلك لم نر أحدا ممن خرج الحديث أو ذكره وصفه بالنكارة الشديدة حتى ولا الحافظ الذهبي المعروف بنقده الدقيق للمتون بل صححه كما علمت وهو الذي يقول فيه ابن كثير في ( تاريخه ) وقد ذكر وفاته سنة :
( وقد ختم به شيوخ الحديث وحفاظه رحمه الله ) .
والحديث دليل على أن النساء كن يصلين وراء النبي صلى الله عليه وسلم مكشوفات الوجوه ويشهد لذلك حديث عائشة رضي الله عنها : كن نساء المؤمنات يشهدن مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر متلفعات بمروطهن ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس .
أخرجه الشيخان وغيرهما وقد مضى في المواقيت رقم ( 5 ) من الفجر . فإن مفهومه أنهن يعرفن لو لم يكن الغلس ولا يعرفن عادة إلا من الوجوه .
ففيه دليل على أن وجه المرأة ليس بعورة في الصلاة وهو إجماع كما يفيده كلام ابن جرير السابق في تفسير الآية وإذا كان الأمر كذلك فوجهها ليس بعورة خارجها من باب أولى لأن العلماء متفقون على أن الصلاة يطلب فيها ما لا يطلب خارجها فإذا ثبت في الشرع جواز أمر ما داخلها كان ذلك دليلا على جوازه خارجها كما لا يخفى على أنه قد جاء الدليل الصريح على أنه ليس بعورة خارج الصلاة أيضا وهو قولنا :
( 2 ) عن جابر بن عبد الله قال : شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن فقال : ( تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم ) فقامت امراة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت : لم يا رسول الله ؟ قال :
( لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير ) .
قال : فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن ) .
وهذا حديث صحيح أخرجه مسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طرق عن عبدالملك بن أبي سليمان قال : ثنا عطاء عنه .
قوله : ( سطة ) . كذا هو عند مسلم ورواية الباقين : ( سفلة ) . ولعل تلك الرواية محرفة أو مصحفة من هذه . قال النووي في ( شرح مسلم ) :
( هكذا هو في النسخ ( سطة ) بكسر السين وفتح الطاء المخففة وفي بعض النسخ : واسطة النساء . قال القاضي : معناه من خيارهن والوسط العدل والخيار قال : وزعم حذاق شيوخنا أن هذا الحرف مغير في كتاب مسلم وأن صوابه : من سفلة النساء . وكذا رواه ابن أبي شيبة في ( مسنده ) والنسائي في ( سننه ) . وفي رواية لابن أبي شيبة : امرأة ليست من عليه النساء . وهذا ضد التفسير الأول ويعضده قوله بعده : سفعاء الخدين . هذا كلام القاضي . وهذا الذي أدعوه من تغيير الكلمة غير مقبول بل هي صحيحة وليس المراد بها من خيار النساء كما فسره هو بل المراد امرأة من وسط النساء جالسة في وسطهن . قال الجواهي وغيره من أهل اللغة : يقال : وسطت القوم أسطهم وسطأ وسطة أي : توسطتهم .
قوله : ( سفعاء الخدين ) بفتح السني المهملة أي : فيها تغير وسواد ) ا . ه كلام النووي .
وهذا الحديث يدل على أن النساء كن يحضرن الصلاة مكشوفات الوجوه ولذلك استطاع الرواي أن يصف بعضهن بأنها سفعاء الخدين .
( 3 ) وعن ابن عباس أن امرأة من خثعم استفتت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع [ يوم النحر ] والفضل بن عباس رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث فأخذ الفضل بن عباس يلتفت إليها وكانت امرأة حسناء [ وتنظر إليه ] فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الفضل فحول وجهه من الشق الآخر . زاد غيره : فقال له العباس : يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال : رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما ) .
الحديث أخرجه أحمد والنسائي وعنه ابن حزم من طريق صالح بن كيسان عن ابن شهاب أن سليمان بن يسار أخبره أن ابن عباس أخبره به .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .
وقد أخرجه البخاري من طريق شعيب عن الزهري به نحوه وفيه الزيادة الأولى .
وكذلك أخرجه البيهقي . ورواه مالك في ( الموطأ ) عن ابن شهاب به نحوه وفيه الزيادة الثانية .
وهو عند البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي أيضا وكذا أحمد كلهم عن مالك به .
ثم رواه النسائي وابن ماجه وأحمد من طرق أخرى عن الزهري نحوه وفيه الزيادة الأولى .
وأما الزيادة الأخيرة فمن طريق غير ابن عباس فهي من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه .
أخرجه الترمذي وأحمد وابنه عبد الله في ( زوائد المسند ) من طرق عن عبد الرحمن بن الحارث عن ابن عياش بن أبي ربيعة عن زيد بن علي بن حسين بن علي عن أبيه علي ابن حسين عن عبيد الله بن رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه في حديث له في صفة الحج .
وهذا سند جيد رجاله ثقات وقال الترمذي :
( حسن صحيح ) .
والحديث فيه دلالة واضحة على أن الوجه من المرأة ليس بعورة لأنه ( لو كان الوجه عورة يلزم ستره لما أقرها عليه السلام على كشفه بحضرة الناس ولأمرها أن تسبل عليه من فوق ولو كان وجهها مغطى ما عرف ابن عباس أحسناء هي أم شوهاء ) قاله بن حزم .
فثبت بذلك كله أن وجهها ليس بعورة لا في الصلاة ولا خارجها وهو قول أكثر العلماء في ( بداية المجتهد ) وهو مذهب الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم كما في ( المجموع ) . واحتج بذلك بعض الفقهاء بالنظر أيضا وهو أن الحاجة تدعو إلى إبراز الوجه للبيع والشراء وإلى إبراز الكف للأخذ والعطاء فلم يجعل ذلك عورة .
( 4 ) عن عائشة رضي الله عنها :
أن هند بنت عتبة قالت : يا نبي الله بايعني ؟ [ فنظر إلى يدها ف ] قال :
( لا أبايعك حتى تغيري كفيك كأنهما كفا سبع ) .
وهذا حديث حسن أخرجه أبو داود في ( السنن ) : ثنا مسلم بن إبراهيم : ثتني غبطة بنت عمرو المجاشيعة قالت : ثتني عمتي أم الحسن عن جدتها عنها .
وهذا سند مسلسل بالمجهولات من النساء لكن قال الذهبي في ( الميزان ) :
( فضل في النسوة المجهولات : وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ) .
وله طريق آخر وشواهد يتقوى بها قال ابن أبي حاتم كما في ( تفسير ابن كثير ) : ثنا نصر بن علي : ثتني أم عطية بنت سليمان : ثتني عمتي عن جدتي عن عائشة قالت :
جاءت هند بنت عتبة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبايعه فنظر إلى يدها فقال : ( اذهبي فغيري يدك ) فذهبت فغيرتها بحناء ثم جاءت فقال : ( أبايعك على أن لا تشركي بالله شيئا ) فبايعته وفي يدها سواران من ذهب فقالت ما تقول في هذين السوراين ؟ فقال : ( جزئين من نار جهنم ) .
سكت عليه ابن كثير وسنده كالذي قبله وأورده الهيثمي في ( المجمع ) بأتم منه ثم قال : ( رواه أبو يعلى وفيه من لم أعرفهن ) .
ومن شواهده :
( 1 ) عن ابن عباس أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تبايعه فقالت ولم تكن مختضبة فلم يبايعها حتى اختضبت .
رواه البزار وفيه ليث بن أبي سليم وهو مدلس وبقية رجاله ثقات كما في ( المجمع ) .
( 2 ) عن مسلم بن عبد الرحمن قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يبايع النساء عام الفتح على الصفا فجاءت امراة كأن يدها رجل فابى أن يبايعها حتى ذهبت فغيرت يدها بصفرة . قال الهيثمي :
( رواه الطبراني والبزار وفيه سميسة بنت نبهان ولم أعرفها وبقية رجاله ثقات ) .
قلت : كذا في الاصل ( سميسة ) بالسين المهملة ولعله بالمعجمة كما في ( الاستيعاب ) و( الإصابة ) لكن وقع فيه بتقديم السين المهملة على المثناة التحتية والظاهر أنه تحريف أيضا .
والحديث قال الحافظ :
( رواه أبو علي بن السكن والبخاري أيضا والطبراني من طريق عباد بن
كثير الرملي عن شمسية بنت نبهان عن مولاها مسلم بن عبدالرحمن به ) . ثم قال :
( قال ابن حبان : ما أرى حديثها محفوظا ) .
( 3 ) عن محمد بن إسحاق عن ابن ضمرة بن سعيد عن جدته عن امرأة من نسائهم وكانت قد صلت القبلتين مع النبي صلى الله عليه وسلم قالت : دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( اختضبي تترك إحداكن الخضاب حتى تكون يدها كيد الرجل ) قالت : فما تركت الخضاب حتى لقيت الله تعالى وإن كانت لتختضب وهي بنت ثمانين .
أخرجه أحمد : ثنا يزيد بن هارون : أنا محمد بن إسحاق به . قال الهيثمي :
( رواه أحمد وفيه من لم أعرفهم وابن إسحاق وهو مدلس ) .
قلت : ابن ضمرة بن سعيد أورده في ( التعجيل ) ثم قال :
( كذا وقع في نسخة وفي النسخ المعتمدة : محمد بن إسحاق عن ضمرة ابن سعيد ليس فيه ( ابن ) وهو الصواب ) .
قلت : وعليه فليس فيه من لا يعرف غير جدة ضمرة بن سعيد فإنها لم تسم وأما هو - أعني ضمرة بن سعيد - فثقة من رجال مسلم .
( 4 ) عن السوداء قالت : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم لأبايعه فقال : ( اذهبي فاختضبي ثم تعالي حتى أبايعك ) . قال الهيثمي : ( رواه الطبراني في ( الأوسط ) و( الكبير ) وفيه من لم أعرفه ) .
قلت : ورواه ابن سعد في ( الطبقات ) عن شيخيه عبد العزيز بن الخطاب وإسماعيل بن أبان الوراق كلاهما عن نائلة الكوفية مولاة أبي العيزار عن أم عاصم عنها .
ونائلة هذه لم أجد من ذكرها وأم عاصم لعلها مولاة سلمة بن المحبق وهي مقبولة كما في ( التقريب ) .
( 5 ) عن عائشة قالت : مدت امرأة من وراء الستار بيدها كتابا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم يده وقال : ( ما أدري أيد رجل أو يد امرأة ) فقالت : بل امرأة فقال : ( لو كنت امرأة غيرت أظفارك بالحناء ) .
أخرجه أبو داود والنسائي وأحمد والبيهقي من طريق مطيع بن ميمون العنبري يكنى أبا سعيد قال : حدثتني صفية بنت عصمة عنها .
وهذا سند لين .
ففي هذه الأحاديث دلالة ظاهرة على أن كف المرأة ليس بعورة لأنه عليه السلام نظر إليه وأمر بخضبه ليكون ذلك فارقا من الفوارق بين الرجل والمراة وفي ذلك إقرار منه صلى الله عليه وسلم لكشفه من المرأة .
وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنه قيل له : أشهدت العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم ولولا مكاني من الصغر ما شهدته حتى أتى العلم الذي عند دار كثير بن الصلت فصلى ثم خطب ثم أتى النساء ومعه بلال فوعظهن وذكرهن وأمرهن بالصدقة فرأيتهن يهوين بأيديهن يقفنه في ثوب بلال ثم انطلق هو وبلال إلى بيته .
أخرجه البخاري ومن طريقه ابن حزم وأبو داود وعنه البيهقي والنسائي من طريق سفيان الثوري قال : ثني عبد الرحمن بن عابس عنه .
ولم يورد ابن حزم في الباب غيره قال :
( فهذا ابن عباس بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى أيديهن فصح أن اليد من المرأة والوجه ليسا عورة وما عداهما ففرض عليها ستره ) .
( 6 - وإن صلت المرأة بغير خمار يغطي رأسها فصلاتها غير مقبولة لقوله عليه السلام : ( لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ) .
الحديث صحيح أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه والحاكم والبيهقي وأحمد عن حماد بن سلمة وابن حزم في ( المحلى ) عن حماد بن زيد كلاهما عن قتادة عن ابن سيرين عن صفية بنت الحارث عن عائشة مرفوعا به . وقال الترمذي :
( حديث حسن ) والحاكم :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
ورواه أيضا ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحيهما ) وإسحاق بن راهويه كما في ( نصب الراية ) وعزاه للطيالسي أيضا في ( مسنده ) ولم أجده فيه والله أعلم .
وأعل بعضهم الحديث بأنه روي عن ابن سيرين عن عائشة بدون ذكر صفية بينهما فهو منقطع .
رواه أحمد .
وعن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره .
رواه الحاكم والبيهقي فهو مرسل . وليس يخفى أن هذا ليس يقدح في رواية من رواه موصولا لأن ثقة وقد جاء بزيادة وهي مقبولة كما تقرر في المصطلح .
وللحديث شاهد من حديث أبي قتادة بلفظ :
( لا يقبل الله من امرأة صلاة حتى تواري زينتها ولا من جارية بلغت المحيض حتى تختمر ) .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) وفي ( الأوسط ) أيضا .
وفي إسناده من لا يعرف .
والحائض في الحديث : من بلغت سن المحيض لا من هي ملابسة للحيض فإنها ممنوعة من الصلاة وهو مبين في رواية ابن خزيمة بلفظ :
( لا يقبل الله صلاة امرأة قد حاضت إلا بخمار ) . قال الترمذي : ( والعمل عليه عند أهل العلم أن المرأة إذا أدركت فصلت وشيء من شعرها مكشوف لا تجوز صلاتها وهو قول الشافعي قال : لا تجوز صلاة المرأة وشيء من جسدها مكشوف قال الشافعي : وقد قيل : إن كان ظهر قدميها مشكوفا فصلاتها جائزة ) .
( 7 - ولا يجوز أن تكون ثيابها - خمارا كان أو جوربا أو غير ذلك - سخيفا أو شفافا يحكى ما تحته ويصفه لقوله صلى الله عليه وسلم :
( سيكون في آخر أمتي نساء كاسيات عاريات على رؤسهن كأسنمة البخت العنوهن فإنهن ملعونات ) . زاد في حديث آخر :
( لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها لتوجد من مسيرة كذا وكذا ) .
الحديث الأول رواه الطبراني في ( الصغير ) عن ابن عمرو بإسناد حسن والآخر عند مسلم وغيره عن أبي هريرة . وهما مخرجان في ( المصنف ) لذا فلا حاجة إلى تخريجهما هنا .
والحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم وتنبآته الصادقة التي نبأه الله بها حتى ترى ما فيه منطبقا تمام الانطباق على أكثر نساء أهل زماننا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
( فإذا خشيت شيئا مما ذكرت فلتجعل تحت الثياب غلالة كما قال صلى الله عليه وسلم وعلل ذلك في نفس الحديث بقوله : ( فإني أخاف أن تصف حجم عظامها ) .
الحديث إسناده حسن وهو من روياة أسامة بن زيد قال : كساني رسول الله صلى الله عليه وسلم قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي فقال : ( ما لك لم تلبس القبطية ؟ ) قلت : كسوتها امرأتي فقال : ( مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها ) .
أخرجه أحمد والبيهقي من طريق عبد الله بن محمد ابن عقيل عن محمد بن أسامة بن زيد عنه .
والحديث أورده في ( المجمع ) وقال :
( رواه أحمد والطبراني وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف ) .
قلت : وله شاهد من حديث دحية نفسه .
أخرجه البيهقي من طريق يحيى بن أيوب : ثني موسى بن جبير أن عباس ابن عبد الله بن عباس بن عبد المطلب حدثه عن خالد بن يزيد بن معاوية عن دحية بن خليفة به نحوه . وفيه أن دحية نفسه الذي أعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم القبطية وقال له عليه السلام :
( اجعل صديعها قميصا وأعط صاحبتك صديعا تختمر به ) فلما ولى دعاه قال :
( مرها تجعل تحته شيئا لئلا يصف ) ولعلها قصة أخرى ثم قال البيهقي :
( وقال بعضهم : عباس بن عبيد الله ) قال البخاري : ( من قال : ابن عبيد الله أكثر ) وذكر فيمن قال ابن عبيد الله : يحيى بن أيوب وابن جريج . قال البيهقي :
( ورواه عبد الله بن لهيعة عن موسى بن جبير أن عبيد الله بن عباس حدثه ) .
قلت : حديث ابن لهيعة أخرجه في ( سننه ) وقال عقبه
( رواه يحيى بن أيوب فقال عباس بن عبيد الله بن عباس ) .
وهو الصواب كما قال الحافظ في ( التقريب ) قال :
( وهو مقبول والراوي عنه موسى بن جبير مستور ) .
فالحديث بهذا الإسناد ضعيف لكنه يتقوى بما قبله . والله أعلم .
وقد رواه الحاكم أيضا وصححه وأعله الذهبي بالانقطاع .
( 8 - ويجوز لها بل يجب عليها أن تطيل ذيلها شبرا من الكعبين أو شبرين لا تزيد عليه وذلك سترا لأقدامهن لقوله عليه الصلاة والسلام :
( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) فقالت أم سلمة : فكيف يصنعن النساء بذيولهن ؟ قال :
( يرخين شبرا ) فقالت : إذن تنكشف أقدامهن قال :
( فيرخينه ذراعا لا يزدن عليه ) .
الحديث أخرجه النسائي والترمذي عن عبد الرزاق قال : ثنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به 25 . وقال الترمذي :
( هذا حديث حسن صحيح ) .
وهو كما قال ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه قد اختلف فيه على نافع فرواه معمر عن أيوب عنه هكذا .
وتابعه العمري عن نافع عن ابن عمر :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للنساء أن يرخين شبرا . . . الحديث نحوه .
أخرجه أحمد .
ورواه يحيى بن أبي كثير عن نافع عن أم سلمة :
أنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذيول النساء . . . الحديث .
أخرجه النسائي . ثم أخرجه عن أيوب بن موسى عن نافع عن صفية عن أم سلمة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر في الإزار ما ذكر قالت أم سلمة . . . الحديث .
وتابعه أبو بكر بن نافع عن أبيه عن صفية بنت أبي عبيد أنها أخبرته به .
أخرجه مالك ومن طريقه أبو داود .
وتابعه محمد بن إسحاق عن نافع به .
أخرجه الدارمي والبيهقي وأحمد .
ثم أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه وأحمد من طرق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة به .
وفي رواية لأحمد عن يحيى عن عبيد الله : أخبرني نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة ) .
قال : وأخبرني سليمان بن يسار أن أم سلمة ذكرت النساء . . . الحديث .
فهذه أربعة أوجه من الاختلاف على نافع :
1 - عنه عن ابن عمر مباشرة .
2 - عنه عن أم سلمة مباشرة .
3 - عنه عنها بواسطة صفية بنت أبي عبيد .
4 - عنه عنها بواسطة سليمان بن يسار .
والراجح عندي من هذه الروايات الأخيرتان .
أما الأولى منهما فلاتفاق ثلاثة من الثقات عليها وهم أيوب بن موسى وأبو بكر بن نافع ومحمد بن إسحاق .
وأما الأخرى فراويها عن نافع عبيد الله بن عمر وهو ثقة ثبت قدمه أحمد بن صالح عن مالك في نافع كما قال الحافظ في ( التقريب ) فهو بأن يقدم على أيوب أحرى وأولى لا سيما وأن روايته مفصلة حيث صرح بأن الحديث الأول : من جر ثوبه . . . إلخ هو من رواية نافع عن ابن عمر وأما الحديث الآخر فصرح بأنه من رواته نافع عن سليمان بن يسار عنه ورواية أيوب مجملة ليس فيها هذا التفصيل ومتابعة العمري له لا تنهض به لأنه ضعيف الحفظ - وهو عبد الله بن عمر المكبر - لا سيما وقد خالفه أخوه عبيد الله المصغر الثقة الثبت ثم وجدت ما يدل على أن رواية أيوب قد وردت مفصلة أيضا فقال الإمام أحمد : ثنا إسماعيل : أنا أيوب عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الذي يجر ثوبه . . . ) الحديث قال نافع :
( فأنبئت أن أم سلمة قالت . . . الحديث قال نافع :
فأنبئت أن أم سلمة قالت . . . الحديث .
فهذا إسماعيل - وهو ابن إبراهيم بن علية الثقة الحافظ - يبين أيضا أن رواية أيوب مثل رواية عبيد الله من حيث التفصيل غير أن هذا قد سمى الواسطة التي أبهمها أيوب وهي زيادة مقبولة حتما .
والذي يظهر أن هذه الروايات كلها صحيحة وأن نافعا كان تارة يرسل الحديث وتارة يوصله وأن له فيه شيخين : سليمان بن يسار وهو ثقة فاضل أحد الفقهاء السبعة واحتج به الشيخان وصفية بنت أبي عبيد وهي ثقة من رواة مسلم وهي زوج ابن عمر رضي الله عنه .
وللحديث طريق أخرى عن ابن عمر أخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد عن زيد العمي عن أبي الصديق الناجي عن ابن عمر قال : رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمهات المؤمنين في الذيل شبرا ثم استزدنه فزادهن شبرا فكن يرسلن إلينا فنذرع لهن ذراعا .
ورجاله ثقات رجال مسلم غير زيد العمي وهو ضعيف كما في ( التقريب ) فإن صحت هذه الرواية عن ابن عمر فلعله أخذها عن زوجه صفية بنت أبي عبيد التي روت الحديث عن أم سلمة كما سبق آنفا قال الحافظ في ( الفتح ) :
( وأفادت هذه الرواية قدر الذراع المأذون فيه وأنه شبران بشبر اليد المعتدلة ) .
وله شاهد من حديث أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر فاطمة أو أم سلمة رضي الله عنهما أن تجر الذيل ذراعها .
أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن أبي المهزم عنه .
وخالفه حبيب المعلم فرواه عن أبي المهزم عن أبي هريرة عن عائشة نحوه .
أخرجه ابن ماجه أيضا وكذا أحمد .
وأبو المهزم متفق على تضعيفه كما في ( الزوائد ) وقال الحافظ في ( التقريب ) :
( متروك ) ( 1 ) .
( 1 ) ولحماد فيه إسناد آخر أخرجه الترمذي ( 1/323 ) عنه عن علي بن زيد عن أم الحسن عن أم سلمة نحوه . وقال : رواه بعضهم عن حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحين عن أبيه عن أم سلمة .
قلت : وعلي بن زيد هو ابن جدعان ضعيف .
والحديث يدل على وجوب ستر قدمي المرأة وهو مذهب الشافعي وغيره .
واعلم أنه لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة لعدم وجود دليل الفرق نعم جاءت بعض الأحاديث في الفرق لكنها ضعيفة الأسانيد لا تقوم بها حجة وقد بين ضعفها الحافظ ابن حجر في ( التلخيص ) فليراجعها من شاء . وما أحسن ما قال ابن حزم رحمه الله :
( وأما الفرق بين الحرة والأمة فدين الله تعالى واحد والخلقة والطبيعة واحدة فكل ذلك في الحرائر والإماء سواء حتى يأتي نص في الفرق بينهما في شيء فيوقف عنده ) ثم قال :
( وما اختلف اثنان من أهل الإسلام في أن تحريم الزنا بالحرة كتحريم الأمة وأن الحد على الزاني بالحرة كالحد على الزاني بالأمة ولا فرق وأن تعرض الحرة في التحريم كتعرض الأمة ولا فرق ولهذا وشبهه وجب أن لا يقبل قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بأن يسنده إليه عليه السلام ) .
9 - طهارة البدن والثوب والمكان للصلاة
( 1 - ويجب تطهير البدن من كل نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : ( عامة عذاب القبر من البول فتنزهوا من البول ) وقوله : ( فإذا أقبلت الحيضة فدعى الصلاة وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي ) .
الحديث الأول حسن كما قال النووي في ( المجموع ) وهو من حديث ابن عباس عند الدارقطني وقال : ( لا بأس به ) .
وله طريقان ذكرناهما في ( التعليق الرغيب ) .
والحديث الثاني صحيح متفق عليه وقد مضى .
وفي الباب أحاديث الاستنجاء .
وقد يقال : إن الحديث الأول خاص بالبول والثاني بدماء النساء . ولا يخفى أن قياس النجاسات الأخرى عليهما قياس صحيح بجامع اشتراكها في علة النجاسة فيجب التنزه من كل نجاسة وغسلها إذا أصابت البدن . وقد قال الخطابي :
( إن جميع النجاسات بمثابة الدم لا فرق بينه وبينها إجماعا ) كما نقله في ( الفتح ) .
( 2 - ولذلك يجب تطهير الثياب من كل نجاسة لقوله تعالى : { وثيابك فطهر } [ المدثر/4 ] ) .
أي : اغسلها بالماء . قال ابن زيد :
( كان المشركون لا يتطهرون فأمره الله أن يتطهر وأن يطهر ثيابه ) .
وفي الآية أقوال أخرى أوردها ابن كثير وغيره والقول المذكور هو الأظهر وهو الذي رجحه النووي في ( المجموع ) تبعا للبيهقي واختاره ابن جرير وكذا ابن حزم في ( المحلى ) وقال : ( ومن ادعى أن المراد بذلك القلب فقد خص الآية بدعواه بلا برهان والأصل في اللغة التي بها نزل القرآن : أن الثياب هي الملبوسة والمتوطأة ولا ينقل عن ذلك إلى القلب والعرض إلا بدليل ) .
وذهب ابن كثير إلى أن الآية قد تشمل الأقوال التي ذكرها وفيها هذا القول الذي رده ابن حزم أي طهارة القلب قال :
( فإن العرب تطلق الثياب عليه ) .
وابن حزم لم ينكر هذا وإنما أنكر تخصيص الآية بالقلب .
وقد ذهب إلى ما ذهب إليه ابن كثير وابن القيم ولعلهما أخذاه من شيخهما ابن تيمية رحمه الله . فقال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) - بعد أن ساق الأقوال المشار إليها - :
( قلت : الآية تعم هذا كله - وتدل عليه بطريق التنبيه واللزوم إن لم تتناول ذلك لفظا فإن المأمور به إن كان طهارة القلب فطهارة الثوب وطيب مكسبه تكميل لذلك فإن خبث الملبس يكسب القلب هيئة خبيثة كما أن خبث المطعم يكسبه ذلك ولذلك حرم لبس جلود النمور والسباع بنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك في عدة أحاديث صحاح لا معارض لها لما تكسب القلب من الهيئة المشابهة لتلك الحيوانات فإن الملابسة الظاهرة تسري إلى الباطن ولذلك حرم لبس الحرير والذهب على الذكور لما يكتسب القلب من الهيئة التي تكون لمن ذلك لبسه من النساء وأهل الفخر والخيلاء . والمقصود أن طهارة الثوب وكونه من مكسب طيب هو من تمام طهارة القلب وكمالها فإن كان المأمور به ذلك فهو وسيلة مقصودة لغيرها والمقصود لنفسه أولى أن يكون مأمورا به وإن كان مأمورا به طهارة القلب وتزكية النفس فلا يتم إلا بذلك فتبين دلالة القرآن على هذا وهذا ) .
( وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ثم تصلي فيه ) .
هو من حديث أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت :
سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : أرأيت إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . الحديث .
أخرجه مالك وعنه البخاري ومسلم وأبو داود عن هاشم بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عنها .
وأخرجه البخاري أيضا ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه والدارمي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد والطيالسي عن هشام ومحمد بن إسحاق عن فاطمة به نحوه .
وله شاهد من حديث أم قيس بنت محصن أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يصيب الثوب ؟ قال : ( حديه بضلع واغسليه بماء وسدر ) .
أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن سفيان قال : ثني ثابت الحداد عن عدي بن دينار عنها .
وهذا سند حسن رجاله ثقات غير ثابت وهو ابن هرمز صدوق يهم كما في ( التقريب ) .
والحديث يدل على وجوب تطهير الثياب من النجاسات وهو وإن كان واردا في الدم فسائر النجاسات بمثابته لا فرق بينها في القياس كما قال الخطابي في ( المعالم ) وفي الباب الأمر بغسل الثوب من بول الجارية وقد مضى في أول الكتاب .
( وسأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم : أصلي في الثوب الذي آتي فيه أهلي ؟ قال : ( نعم إلا أن ترى فيه شيئا فتغسله ) .
هو من حديث جابر بن سمرة قال : سأل . . . إلخ .
أخرجه أحمد وابن ماجه عن عبيد الله بن عمر وعن عبد الملك بن عمير عنه . قال في ( الزوائد ) :
( هذا إسناد صحيح ورجاله ثقات ) .
قلت : ورجاله رجال الشيخين .
وفي الباب عن معاوية أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامع فيه ؟ قالت : نعم إذا لم يكن فيه أذى .
أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن قيس عن معاوية بن حديج عنه .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات وصححه ابن خزيمة وابن حبان كما في ( الفتح ) .
ورواه محمد بن أبي سفيان عن أخته أم حبيبة بلفظ : قالت : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وعلي وعليه ثوب واحد فيه كان ما كان ) .
أخرجه أحمد من طريق معاوية بن صالح قال : ثنا ضمرة بن حبيب عنه .
ورجاله ثقات غير محمد بن أبي سفيان فقال الحافظ في ( التقريب ) :
( مقبول وقيل : الصواب : عنبسة بن أبي سفيان ) .
قلت : وجزم بذلك الخزرجي في ( الخلاصة ) فإذا صح ذلك فالإسناد صحيح لأن عنبسة بن أبي سفيان ثقة من رجال مسلم .
وعن عائشة قالت :
كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه ثم يعود فإن أصابه مني شيء فعل مثل ذلك ولم يعده وصلى فيه ) .
أخرجه أبو داود والنسائي والدارمي عن يحيى بن سعيد القطان : ثني جابر بن صبح قال : سمعت خلاس بن عمرو قال : سمعت عائشة به .
وهذا سند صحيح متصل بالسماع رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير جابر بن صبح - بضم المهملة وسكون الموحدة - وثقه ابن معين وفي ( التقريب ) أنه صدوق .
ورواه أحمد من طريق أخرى مختصرا بلفظ :
( كان يصلي في الثوب الذي يجامع فيه ) .
رواه من طريق برد بن سنان عن سليمان بن موسى عنها ورجاله ثقات لكنه منقطع بين سليمان وعائشة وبين وفاتيهما ستون سنة فأكثر .
وفي هذه الأحاديث والأحاديث المتقدمة في المسألة الأولى دلالة وجوب تطهير البدن والثياب من النجاسة وقد اختلف العلماء في ذلك فذهب الشافعية إلى أن إزالتها شرط لصحة الصلاة قال النووي في ( المجموع ) :
( وبه قال أبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء من السلف والخلف وعن مالك في إزالة النجاسة ثلاث روايات :
أصحها وأشهرها أنه إن صلى عالما بها لم تصح صلاته وإن كان جاهلا أو ناسيا صحت وهو قول قديم عن الشافعي .
والثانية : لا تصح الصلاة علم أو جهل أو نسي .
والثالثة : تصح الصلاة مع النجاسة وإن كان عالما متعمدا وإزالتها سنة ونقل أصحابنا عن ابن عباس وسعيد بن جبير نحوه ) .
ثم احتج النووي لما ذهب إليه الجمهور بالآية السابقة الذكر وبالأوامر الواردة في الأحاديث المتقدمة ولا يخفى أن غاية ما تفيده هذه الأوامر هو الوجوب والوجوب لا يستلزم الشرطية لأن كون الشيء شرطا حكم شرعي وضعي لا يثبت إلا بتصريح الشارع بأنه شرط أو بتعليق الفعل به بأداة الشرط أو ينفي الفعل بدونه 26 نفيا متوجها إلى الصحة لا إلى الكمال أو بنفي الثمرة ولا يثبت بمجرد الأمر به كما قال الشوكاني رحمه الله . فالحق أن إزالة النجاسة ليست شرطا لصحة الصلاة وهو قول الشافعي في القديم وإنما هي واجبة لهذه الأوامر يأثم مخالفها فمن صلى وعلى بدنه أو ثوبه نجاسة كان تاركا لواجب وأما إن صلاته باطلة كما هو شأن فقدان شرط الصحة فلا لما عرفت . ويدل لذلك حديث أبي سعيد الآتي .
( 3 - ومن علم وهو يصلي بأنه يحمل نجسا فعليه أن يزيله ويستمر في صلاته ويبني على ما كان قد صلى قبل الإزالة وصلاته صحيحة فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ذات يوم فلما كان في بعض صلاته خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى الناس ذلك خلعوا نعالهم فلما قضى صلاته قال : ( ما بالكم ألقيتم نعالكم ؟ ) قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا - أو قال أذى وفي رواية : خبثا - فألقيتهما . فإذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر في نعليه فإن رأى فيهما قذرا - أو قال : أذى وفي رواية : خبثا - فليمسحها وليصل فيهما ) .
هو من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم . . . إلخ .
أخرجه أبو داود والدارمي والحاكم والبيهقي وكذا الطحاوي في ( شرح المعاني ) والطيالسي وأحمد والسياق له والرواية الأخرى في الموضعين هي رواية له ورواية غيره أخرجوه كلهم عن حماد بن سلمة إلا أبا داود فعن حماد بن زيد كلاهما عن أبي نعامة السعدي عن أبي نضرة عنه . وقال الحاكم :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي وابن الوزير في ( الروض الباسم ) وهو كما قالوا وصححه النووي أيضا في ( المجموع ) وأخرجه ابن خزيمة أيضا وابن حبان وأما البيهقي فقد ضعفه أو حاول تضعيفه بقوله :
( حماد بن سلمة عن أبي نعامة عن أبي نضرة كل واحد منهم مختلف في عدالته ) .
كذا قال وثلاثتهم ثقات احتج بهم مسلم ووثقهم الحافظ في ( التقريب ) .
وقد رد على البيهقي قوله هذا ابن التركماني في ( الجوهر النقي ) وأطال في ذلك وأحسن ثم إن حماد بن سلمة لم يتفرد به بل تابعه ابن زيد كما سبق على أن البيهقي نفسه روى له شاهدا من حديث أنس وقال :
( وإسناده لا بأس به ) .
أخرجه من طريق الحاكم - وهو في ( المستدرك ) - موسى ابن إسماعيل وإبراهيم بن الحجاج قالا : ثنا عبد الله بن المثنى عن ثمامة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يخلع نعليه في الصلاة إلا مرة فخلع الناس فقال ( مالكم ؟ ) قالوا : خلعت فخلعنا فقال :

( إن جبريل عليه السلام أخبرني أن فيهما قذرا ) .
قال البيهقي :
( تفرد به عبد الله بن المثنى ) .
قلت : وهو من رجال البخاري وكذلك ثمامة فهو صحيح على شرطه 27 وإن كان ابن المثنى قد تكلم فيه من قبل حفظه حتى قال في ( التقريب ) :
( صدوق كثير الغلط ) .
قلت : فحديثه في الشواهد لا بأس به وقد أورده الهيثمي في ( المجمع ) وقال :
( رواه الطبراني في ( الأوسط ) ورجاله رجال الصحيح ورواه البزار باختصار ) .
وله شاهد آخر مرسل أخرجه أبو داود : ثنا موسى - يعني ابن إسماعيل - : ثنا أبان : ثنا قتادة : ثني بكر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا قال : فيهما خبث وفي الموضعين : ( خبث ) .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين .
وله شواهد أخرى موصولة في أسانيدها ضعف فليراجعها من شاء في ( التلخيص ) .
وبالجملة فالحديث بهذه الشواهد صحيح حجة لا شبهة فيه وقد صححه من عرفت من الأئمة .
والحديث دليل واضح لما احتججنا له وفي الباب عن عائشة وسيأتي في خاتمة الكلام على المسألة الرابعة . وقد قال الخطابي في ( المعالم :
( قلت : فيه من الفقه أن من صلى وفي ثوبه نجاسة لم يعلم بها فإن صلاته مجزية ولا إعادة عليه ) .
وإلى هذا ذهب الشافعي في القديم كما قال البيهقي وعليه يدل عمل ابن عمر رضي الله عنه فقد روى البيهقي عن يزيد بن هارون : أنبأ محمد بن مطرف عن زيد بن مسلم قال : رأيت ابن عمر يصلي في ردائه وفيه دم فأتاه نافع فنزع عنه ردائه وألقى عليه رداءه ومضى في صلاته .
وعن عبد الرزاق : أنبأ معمر عن الزهري عن سالم أن ابن عمر بينما هو يصلي رأى في ثوبه دما فانصرف فأشار إليهم فجاؤوه بماء فغسله ثم أتم ما بقي على ما مضى من صلاته ولم يعد .
قلت : وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فقد قال في ( باب اجتناب النجاسة ) من الاختيارات العلمية ) :
( ومن صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فلا إعادة عليه وقاله طائفة من العلماء لأن من كان مقصوده اجتناب المحظور إذا فعله مخطئا أو ناسيا فلا تبطل العبادة به ) .
وقال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) :
( ومن ذلك - يعني مما سهل فيه النبي صلى الله عليه وسلم وشدد فيها الموسوسون - ما أفتى به عبد الله بن عمر وعطاء بن أبي رباح وسعيد بن المسيب وطاوس وسالم ومجاهد والشعبي وإبراهيم النخعي والزهري ويحيى بن سعيد الأنصاري والحكم والأوزاعي ومالك وإسحاق بن راهويه وأبو ثور والإمام أحمد في أصح الروايتين وغيرهم : أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة لم يكن عالما بها أو كان يعلمها لكنه نسيها أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها أن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه ) .
ونسب النووي القول بذلك إلى جمهور العلماء ثم قال في ( المجموع ) :
( قال ابن المنذر : وبه أقول وهو مذهب ربيعة ومالك وهو قوي في الدليل وهو المختار ) .
وإذا صح ما ذهبنا إليه فالحديث دليل على أن إزالة النجاسة ليس شرطا لصحة الصلاة لأنه عليه الصلاة والسلام بنى على ما كان صلى قبل الخلع
فلو كانت شرطا لاستأنف الصلاة لأن الشرط يؤثر عدمه في عدم المشروط كما تقرر في الأصول قال الشوكاني :
( والحديث استدل به القائلون بأن إزالة النجاسة من شروط صحة الصلاة وهو كما عرفناك عليهم لا لهم لأن استمراره على الصلاة التي صلاها قبل خلع النعل وعدم استئنافه لها يدل على عدم كون الطهارة شرطا وأجاب الجمهور عن هذا بأن المراد بالقذر هو الشيء المستقذر كالمخاط والبصاق ونحوهما ولا يلزم من القذر أن يكون نجسا وبأنه يمكن أن يكون دما يسيرا معفوا عنه وإخبار جبريل له بذلك لئلا تتلوث ثيابه بشيء مستقذر . ويرد هذا الجواب بما قاله في ( البارع ) في تفسيره قوله تعالى : { أو جاء أحد منكم من الغائط } [ المائدة/6 ] أنه كنى بالغائط عن القذر وقول الأزهري : النجس القذر الخارج من بدن الإنسان . فجعله المستقذر غير نجس أو نجس معفو عنه تحكم وإخبار جبريل في حالة الصلاة بالقذر الظاهر أنه لما فيها من النجاسة التي يجب تجنبها في الصلاة لا لمخافة التلوث لأنه لو كان لذلك لأخبره قبل الدخول في الصلاة لأن القعود حال لبسهما مظنة للتلوث بما فيها على أن هذا الجواب لا يمكن مثله في رواية الخبث المذكورة في الباب للاتفاق بين أئمة اللغة وغيرهم أن الأخبثين هما البول والغائط ) .
وقال ابن القيم رحمه الله في ( إغاثة اللهفان ) بعد أن ساق الحديث :
( وتأويل ذلك على ما يستقذر من مخاط أو نحوه من الطاهرات لا يصح لو جوه :
أحدها : أن ذلك لا يسمى خبثا .
الثاني : أن ذلك لا يؤمر بمسحه عند الصلاة فإنه لا يبطلها .
الثالث : أنه لا تخلع النعل في الصلاة فإنه عمل لغير حاجة فأقل أحواله الكراهة .
الرابع : أن الدارقطني روى في ( سننه ) في حديث الخلع من رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما دم حلمة ) والحلم كبار القراد ) .
( 4 - وتجوز الصلاة في أحوال :
الأول : في الثياب التي هي مظنة النجاسة كثياب الحائض والمربية والمرضع والصبي فقد ( كان عليه الصلاة والسلام يصلي من الليل وعائشة إلى جانبه وهي حائض وعليها مرط وعليه بعضه ) و( كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب فإذا ركع وسجد وضعها وإذا قام حملها [ فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على عاتقه حتى قضى صلاته يفعل ذلك بها ] .
الحديث الأول هو من رواية عائشة رضي الله عنه بلفظ : ( وأنا ) بالضمير المتكلم بدل : ( وعائشة ) و( وهي ) وبلفظ : ( وعلي ) بدل : وعليها .
أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طريق عبيد الله ابن عبد الله بن عتبة عنها .
وله طريق أخرى مختصرا بلفظ : كان نبي الله يصلي وإن بعض مرطي عليه .
أخرجه الحاكم وأحمد عن قتادة عن كثيرة بن أبي كثير عن أب عياض عنها . وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
وهو كما قالا ورجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير كثير بن أبي كثير وهو مولى عبد الرحمن بن سمرة وقد وثقه العجلي وروى عنه أيوب أيضا .
ورواه أبو يعلى عنها بلفظ : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي فوجد القر فقال :
( يا عائشة أرخي علي مرطك ) قالت : إني حائض قال :
( إن حيضتك ليست في يدك ) . قال الهيثمي :
( وإسناده حسن ) .
وله شاهد من حديث ميمونة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى وعليه مرط وعلى بعض أزواجه منه وهي حائض وهو يصلي وهو عليه .
أخرجه أبو داود وأبو عوانة وعنه البيهقي وابن ماجه وأحمد من طريق سفيان بن عيينة عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عنها . واللفظ لأبي داود ولأحمد نحوه وقال ابن ماجه : ( بعضه عليه وعليها بعضه ) ورواه البيهقي من طريق الشافعي عن سفيان بلفظ : ( بعضه علي وبعضه عليه ) وإسناده صحيح على شرط الشيخين وهو عند البخاري ومسلم وأحمد من طرق أخرى عن الشيباني بلفظ : كان يصلي وأنا حذاءه وأنا حائض وربما أصابني ثوبه إذا سجد .
وللحديث شاهد آخر من رواية حذيفة بن اليمان قال :
بت بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وعليه طرف اللحاف وعلى عائشة طرفه وهي حائض لا تصلي .
أخرجه أحمد : ثنا أبو نعيم : ثنا يونس عن الوليد بن العيزار قال : قا ل حذيفة . قال الهيثمي :
( رواه أحمد ورجاله ثقات )
قلت : وكلهم من رجال الشيخين لكنه ظاهر الانقطاع فقد أخرجه أحمد أيضا : ثنا وكيع عن يونس عن العيزار بن حريث عن حذيفة به مختصرا . فهذا سند صحيح رجاله رجال مسلم إن كان يونس سمعه من العيزار ولعله سمعه من ابنه الوليد بن العيزار كما في الرواية الأولى . والله أعلم .
( المرط ) : بكسر الميم وسكون الراء قال في ( المعالم ) : ( ثوب يلبسه الرجال والنساء يكون إزارا ويكون رداء وقد يتخذ من صوف ويتخذ من خز وغيره ) .
والحديث الآخر هو من رواية عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود وكذا مالك والنسائي والدارمي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق عنه . وما بين المعكوفتين زيادة في رواية لأبي داود والنسائي وأحمد وهي صحيحة الإسناد على شرط الشيخين .
وقد أخرجه مسلم إلا أنه لم يسق لفظه . وفي رواية له :
رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يؤم الناس وفي أخرى له ولأبي داود : يصلي للناس . وفي أخرى لأبي داود أنها الظهر أو العصر .
ووردت نحو هذه القصة عن أبي بكرة :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي : فإذا سجد وثب الحسن على ظهره وعلى عنقه فيرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رفعا رفيقا لئلا يصرع قال : فعل ذلك غير مرة . . . الحديث .
أخرجه الطيالسي وأحمد عن مبارك ابن فضالة عن الحسن : أخبرني أبو بكرة .
وهذا سند حسن .
ولهما طريق أخرى من حديث أبي هريرة بنحوها عند أحمد والطبراني في ترجمة الحسن بن علي من ( المعجم الكبير ) والحاكم من طريق كامل بن العلاء عن أبي صالح عن أبي هريرة .
كذا قالا ورجاله رجال مسلم غير أبي صالح هذا وليس هو ذكوان بل هو مولى ضباعة وثقه ابن حبان وفي ( التقريب ) :
( لين الحديث ) .
وقد أورد الحديث الهيثمي في ( المجمع ) وقال :
( رواه أحمد والبزار باختصار ورجال أحمد ثقات ) .
وللحسن والحسين قصة أخرى لعلها تأتي في السجود إن شاء الله تعالى .
والحديث قال ابن القيم في ( الإغاثة ) : ( دليل على جواز الصلاة في ثياب المربية والمرضع والحائض والصبي ما لم يتحقق نجاستها ) وقال النووي في ( شرح مسلم ) :
( فيه دليل لصحة صلاة من حمل آدميا أو حيوانا طاهرا من طير وشاة وغيرهما وأن ثياب الصبيان وأجسادهم طاهرة حتى تتحقق نجاستها . . . إلخ ) ثم قال :
( وهو يدل لمذهب الشافعي رحمه الله ومن وافقه أنه يجوز حمل الصبي والصبية وغيرهما من الحيوان الطاهر في صلاة الفرض والنفل ويجوز ذلك للإمام والمأموم والمنفرد وحمله أصحاب مالك رضي الله عنه على النافلة ومنعوا جواز ذلك في الفريضة . وهذا التأويل فاسد لأن قوله : ( يؤم الناس ) صريح أو كالصريح في أنه كان في الفريضة . وادعى بعض المالكية أنه منسوخ وبعضهم أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعضهم أنه كان لضرورة . وكل هذه الدعاوى باطلة مردودة فإنه لا دليل عليها ولا ضرورة إليها بل الحديث صحيح صريح في جواز ذلك وليس فيه ما يخالف قواعد الشرع لأن الآدمي طاهر وما في جوفه من النجاسة معفو عنه لكونه في معدته وثياب الأطفال وأجسادهم على الطهارة ودلائل الشرع متظاهرة على هذا والأفعال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت ) ثم قال :
( فالصواب الذي لا معدل عنه : أن الحديث كان لبيان الجواز والتنبيه على هذه الفوائد فهو جائز لنا وشرع مستمر للمسلمين إلى يوم الدين ) .
هذا وقد يعارض ما تقدم حديث عائشة أيضا قالت : كان لا يصلي في لحف نسائه .
أخرجه أبو داود والترمذي والبيهقي من طريق أشعث بن عبد الملك عن محمد بن سيرين عن عبد الله بن شقيق عنها . وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
قلت : ورجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير أشعث هذا وهو ثقة ففيه كما في ( التقريب ) .
ثم رواه أبو داود عن حماد عن هشام عن ابن سيرين عن عائشة وهذا منقطع . قال حماد :
( وسمعت سعيد بن أبي صدقة قال : سألت محمدا عنه فلم يحدثني وقال : سمعته منذ زمان ولا أدري ممن سمعت ولا أدري أسمعته من ثبت أو لا فسلوا عنه ) .
قلت : وكذلك رواه سلمة بن علقمة عن ابن سيرين لم يذكر شقيق في إسناده .
أخرجه البيهقي وأخرجه أحمد أيضا عنه عن ابن سيرين قال :
نبئت أن عائشة قالت . . .
ورواه قتادة عن ابن سيرين :
أن النبي صلى الله عليه وسلم كره الصلاة في ملاحف النساء .
أخرجه أحمد : ثنا عفان قال : ثنا همام قال : ثنا قتادة به .
ورجاله ثقات رجال الستة لكنه مرسل فهو ضعيف لا سيما بهذا اللفظ الشاذ ولعله رواية بالمعنى وليس هذا المعنى صحيحا لأن امتناعه عليه الصلاة والسلام من أمر لا يدل على كراهته لا سيما إذا ثبت أنه فعله مرارا كما تقدم في تلك الأحاديث عن عائشة وميمونة وحذيفة وهي مثبتة وحديث عائشة ناف والمثبت مقد على النافي عند التعارض وعدم إمكان الجمع ولعل الجمع هنا ممكن بأن يقال : إن عائشة في حديثها هذا إنما نفت استمرار الرسول عليه الصلاة والسلام على الصلاة في لحف نسائه لما يدل عليه صيغة : ( كان ) وكان لا ينفي أنه كان يفعل ذلك أحيانا ويقوي هذا الجمع أن عائشة نفسها قد روت فعله لذلك كما في الحديث الأول من هذا الفصل وأصرح منه ما سبق في المسألة الثانية عنها أيضا بلفظ :
كنت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم نبيت في الشعار الواحد وأنا طامث حائض فإن أصابه مني شيء غسل مكانه ولم يعده وصلى فيه . . . الحديث . فإن مفهومه أنه كان يصلي في الشعار إن لم يصبه منها شيء .
و( الشعار ) : هو الثوب الذي يستشعره الإنسان أي : يجعله مما يلي بدنه والدثار : ما يلبسه فوق الثياب وهو اللحاف .
وأصرح من هذا كله حديثها الآخر قالت :
كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلينا شعارنا وقد ألقينا فوقه كساء فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الكساء فلبسه ثم خرج فصلى الغداة ثم جلس فقال : رجل : يا رسول الله هذه لمعة من دم فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما يليها فبعث بها إلى مصرورة في يد الغلام فقال : ( اغسلي هذه وأجفيها ثم أرسلي بها إلي ) فدعوت بقصتي فغسلتها ثم أجففتها فأحرتها إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصف النهار وهي عليه ) .
لكنه من رواية أم يونس بنت شداد قالت : حدثتني حماتي أم جحدر العامرية عنها . ولا يعرف حالهما كما في ( التقريب ) وقد قال الذهبي في ( الميزان ) :
( وما علمت في النساء من اتهمت ولا من تركوها ) .
والحديث أخرجه أبو داود فهو صريح في صلاته عليه السلام في الكساء الذي كان ملتحفا به هو زوجه حتى تبين له أن فيه لمعة الدم فأمر بغلسه ولم يعد الصلاة من أجله لأنه لو أعادها لنقلت إلينا فهو - لو صح - دليل آخر على أن إزالة النجاسة ليس شرطا لصحة الصلاة وهو الحق إن شاء الله تعالى كما سبق بيانه .
وبالجملة فحديث عائشة الذي نحن في صدد الكلام عليه ليس المراد منه نفي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في لحف النساء وثيابهن مطلقا بل المراد نفي دوامه عليه الصلاة والسلام على ذلك هذا ما يفيده مجموع الأحاديث الواردة في هذا الموضوع وطريقة الجمع بينها . والله أعلم .
( الثاني : على مركوب قد أصابته نجاسة لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمار وهو متوجه إلى خيبر [ تطوعا ] ) .
الحديث صحيح الإسناد . وقد أخرجه مالك وعنه مسلم وأبو داود والنسائي والبيهقي وأحمد كلهم عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر أنه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار . . . إلخ .
وقد توبع عليه مالك فأخرجه أحمد عن الثوري وعن حماد بن سلمة وعن زائدة ثلاثتهم عن عمرو بن يحيى به والزيادة التي بين المربعين للثوري .
وقد أعل هذا الحديث بتفرد عمرو بن يحيى بذكر الحمار فيه كما قال ابن عبدالبر لأن المعروف الثابت في ( الصحيحين ) وغيرهما عن ابن عمر وغيره الصلاة على البعير وهذا ليس بعلة قادحة عندي لأن عمرو بن يحيى ثقة كما قال النووي والذهبي والعسقلاني في ( التقريب ) وقد روى أمرا جائز الوقوع فوجب الأخذ به ورواية غيره من الثقات بلفظ البعير لا ينافيه ولا يعارضه لا احتمال أن الرسول عليه الصلاة والسلام ركب على هذا مرة وعلى هذا أخرى وقد فصلت القول في صحة الحديث ودفع علته في ( التعليقات الجياد على زاد المعاد ) فليراجع .
وللحديث شاهد من حديث أنس بن مالك :
أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على حمار وهو راكب إلى خيبر والقبلة خلفه .
أخرجه النسائي عن محمد بن عجلان عن يحيى بن سعيد عنه .
وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات غير ابن عجلان ففيه كلام وهو حسن الحديث .
والحديث عزاه الحافظ في ( الفتح ) للسراج فقط ثم قال :
( إسناده حسن ) .
قلت : إلا أن النسائي قال بعد أن ساقه :
( الصواب موقوف على أنس ) .
قلت : أخرجه كذلك موقوفا مالك عن يحيى بن سعيد قال :
رأيت أنس بن مالك في السفر وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع وجهه على شيء ) .
وأخرجه البخاري ومسلم والبيهقي وأحمد من طريق أخرى عن أنس بن سيرين قال :
استقبلنا انسا حين قدم من الشام فلقيناه بعين التمر فرأيته يصلي على حمار ووجهه من ذا الجانب - يعني عن يسار القبلة - فقلت : رأيتك تصلي لغير القبلة ؟ فقال :
لولا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله لم أفعله .
وبوب له البخاري ( باب صلاة التطوع على الحمار ) . قال ابن رشيد :
( مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون طاهرة الفضلات بل الباب في المركوبات واحد بشرط أن لا يماس النجاسة . وقال ابن دقيق العيد : يؤخذ من هذا الحديث طهارة عرق الحمار لأن ملامسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق ) كذا في ( الفتح ) لابن حجر ثم قال :
( وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما مضى أن من صلى على موضع فيه نجاسة لا يباشر بشيء منه أن صلاته صحيحة لأن الدابة لا تخلو من نجاسة ولو على منفذها ) .
والحديث ترجم له أبو البركات مجد الدين ابن تيمية في ( المنتقى ) ب ( باب من صلى على مركوب نجس أو قد أصابته نجاسة ) وساق فيه حديث ابن عمر وحديث أنس . فقال الشوكاني في ( شرحه ) :
( واستدل المصنف بالحديثين على جواز الصلاة على المركوب النجس والمركوب الذي أصابته نجاسة وهو لا يتم إلا على القول بأن الحمار نجس عين نعم يصح الاستدلال به على جواز الصلاة على ما فيه نجاسة لأن الحمار لا ينفك عن التلوث بها ) .
والحديث فيه دليل أيضا على جواز صلاة التطوع على الراحلة وهو متفق عليه وسيأتي البحث في محله .
( الثالث : في النعلين فقد صلى فيهما النبي صلى الله عليه وسلم وتواتر ذلك عنه لكنه يجب النظر فيهما قبل الشروع في الصلاة فإن رأى خبثا دلكهما بالأرض ثم صلى فيهما ) .
اعلم أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في النعلين قد رواه عنه جمع من الصحابة وقد ذكرت أحاديث من ثبت إسناده إليه منهم في كتابنا الكبير في ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) وهم أنس بن مالك وأبو هريرة وعائشة وابن مسعود وعبد الله بن الشيخر وعبد الله بن عمرو وأوس بن أبي أوس . ولذلك صرح الإمام الطحاوي بأن :
( الآثار متواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من صلاته في نعليه ) .
وقد ساق الكثير منها بأسانيدها ونحن نذكر هنا حديثا واحدا منها ونحيل في سائرها على كتابنا المشار إليه .
قال سعيد بن يزيد الأزدي : سألت أنس بن مالك : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في النعلين ؟ قال : نعم .
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي والدارمي والطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد قال الترمذي :
( حديث أنس حسن صحيح والعمل على هذا عند أهل العلم ) . قال العلامة الأستاذ أحمد محمد شاكر في تعليقه على الترمذي :
( نعم لا نعلم خلافا بين أهل العلم في جواز الصلاة في النعال في المسجد وغير المسجد ولكن انظر إلى شأن العامة من المسلمين الآن حتى من ينتسب إلى العلم : كيف ينكرون علىمن يصلي في نعليه ؟ ولم يؤمر بخلعهما عند الصلاة إنما أمر أن ينظر فيهما فإن كان فيهما أذى دلكهما بالأرض وذلك طهورهما ولم تؤمر فيهما بغير ذلك ) .
وقال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان من مكائد الشيطان ) ما ملخصه :
( ومما لا تطيب به قلوب الموسوسين : الصلاة في النعال وهي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا منه وأمرا ) . ثم ذكر حديث أنس وحديث شداد بن أوس الآتي قريبا ثم قال :
( وقيل للإمام أحمد : أيصلي الرجل في نعليه ؟ فقال : إي والله . وترى أهل الوسواس إذا بلي أحدهما بصلاة الجنازة في نعليه قام على عقبيهما كأنه واقف على الجمر حتى لا يصلي فيهما ) .
( والصلاة فيهما تخيير لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا صلى أحدكم فليلبس نعليه أو ليجعلهما بين رجليه ولا يؤذ بهما غيره ) .
هو من حديث أبي هريرة رضي الله عنه .
أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي من طريق الأوزاعي : ثنا محمد بن الوليد عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عنه .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .
ثم أخرجه الحاكم من طريق عياض بن عبد الله القرشي عن سعيد عن أبي هريرة فلم يقل : ( عن أبيه ) وقال :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي وهو كما قالا وقال العراقي :
( رواه أبو داود بسند صحيح وضعفه المنذري وليس بجيد ) .
قلت : ولعل تضعيف المنذري له إنما هو لأجل هذا الاختلاف على سعيد وهو اختلاف لا يضر إن شاء الله تعالى كما بينته في ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) .
( لكن يستحب الصلاة فيهما أحيانا مخالفة لليهود ومن تنطع مثلهم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم ) .
الحديث صحيح الإسناد أخرجه أبو داود والحاكم وعنه البيهقي عن قتبية بن سعيد : ثنا مروان بن معاوية الفزاري عن هلال بن ميمون الرملي عن يعلى بن شداد بن أوس عن أبيه مرفوعا به . وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) . ووافقه الذهبي .
قلت : ورجاله كلهم ثقات وأخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) أيضا ولا مطعن في إسناده كما قال الشوكاني ونقل المناوي في ( شرح الجامع ) عن الزين العراقي أنه قال :
( إسناده حسن ) .
وله شاهد من حديث أنس ذكرته في ( صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ) .
والحديث دليل لما ذكرنا من استحباب الصلاة في النعلين وإنما منعنا من الجزم بالوجوب حديث أبي هريرة الذي قبله وكذلك بعض الأحاديث المشار إليها قريبا مثل حديث عبد الله بن عمرو قال :
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حافيا ومنتعلا .
أخرجه أبو داود وعنه البيهقي وابن ماجه والطحاوي وأحمد عن عمرو بن سعيب عن أبيه عن جده .
وهذا سند حسن أو صحيح على الخلاف المشهور فيه ومثله حديث أبي هريرة وعائشة فصلاته صلى الله عليه وسلم حافيا أحيانا دليل على عدم الوجوب قال الشوكاني : ( ويجمع بين أحاديث الباب بجعل حديث أبي هريرة وما بعده صارفا للأوامر المذكورة المعللة بالمخالفة لأهل الكتاب من الوجوب إلى الندب لأن التخيير والتفويض إلى المشيئة بعد تلك الأوامر لا ينافي الاستحباب كما في حديث : ( بين كل أذانين صلاة لمن شاء ) وهذا أعدل المذاهب وأقواها عندي ) . وقال الحافظ العراقي :
( وحكمة الصلاة في النعلين مخالفة أهل الكتاب كما تقرر وخشية أن يتأذى أحد بنعليه إذا خلعهما مع ما في لبسهما من حفظهما من سارق أو دابة تنجس نعله ) . نقهل المناوي في ( فيض القدير ) .
( 5 - ويجب أيضا طهارة المكان لقوله صلى الله عليه وسلم للأعرابي الذي بال في المسجد :
( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من القذر والبول والخلاء ) فأمر رجلا فجاء بدلو من ماء فشنه عليه ) .
الحديث صحيح أخرجه مسلم والبيهقي وأحمد من طريق عكرمة بن عمار : ثنا إسحاق بن أبي طلحة : ثني أنس بن مالك - وهو عم إسحاق - قال :
بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه مه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( لا تزرموه دعوه ) فتركوه حتى بال ثم إن رسول الله دعاه فقال له . . . الحديث . وتمامه : ( إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن ) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فأمر رجلا من القوم فجاء بدلو من ماء فشنه عليه .
والسياق لمسلم وليس فيه : ( والخلاء ) وإنما هو عند أحمد والبيهقي في رواية له .
وله شاهد من حديث أبي هريرة قال :
دخل أعرابي المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس فقال : ( اللهم اغفر لي ولمحمد ولا تغفر لأحد معنا ) فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : ( لقد احتظرت واسعا ) ثم ولى حتى إذا كان في ناحية المسجد فشج يبول فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :
( إنما بني هذا البيت لذكر الله والصلاة وإنه لا يبال فيه ) ثم دعا بسجل من ماء فأفرغه عليه قال : يقول الأعرابي بعد أن فقه : فقام النبي صلى الله عليه وسلم إلي - بأبي هو وأمي - فلم يسب ولم يؤنب ولم يضرب .
أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه .
وهذا إسناد حسن .
ورواه أبن حبان أيضا كما في ( الفتح ) .
والحديثين في ( الصحيحين ) وغيرهما عن أنس وأبي هريرة مختصرا ليس فيه موضع الشاهد منه وقد مضى .
والحديث دليل لما ذكرنا من وجوب طهارة المكان قال شيخ الإسلام في ( الاختيارات ) :
( وطهارة البقعة يستدل عليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الأعرابي : ( إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من البول والعذرة ) وأمره بصب الماء على البول . فقد أمر عليه السلام بتطهير مكان الصلاة والأمر يفيد الوجوب ) .
ويدل لذلك أيضا حديث جابر وهو :
( وقوله : ( وجعلت لي الأرض [ طيبة ] طهورا ومسجدا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركته ) .
هو قطعة من حديث جابر بلفظ :
( أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة ) .
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وأحمد عنه والسياق للبخاري والجملة المذكورة أعلاه لأحمد وما بين المربعين زيادة لمسلم والدارمي وهي ثابتة في حديث أنس أيضا بلفظ :
( جعلت لي كل أرض طيبة مسجدا وطهورا ) .
رواه ابن المنذر وابن الجارود بإسناد صحيح كما في ( الفتح ) وصححه العراقي أيضا كما في ( النيل ) حيث قال :
( وهو ثابت بزيادة ( طيبة ) من رواية أنس عند ابن السراج في ( مسنده ) قال العراقي : بإسناد صحيح ) ثم قال الشوكاني :
( وهي تدل على أن المراد بالأرض المذكورة في الحديث الأرض الطاهرة المباحة لأن المتنجسة ليست بطيبة لغة والمغصوبة ليست بطيبة شرعا ) .
فمفهوم الحديث أنه يجب اجتناب الأرض الخبيثة في الصلاة لكنه لا يدل هو ولا حديث الأعرابي قبله على شرطية طهارة المكان فالقول فيه كالقول في شرطية طهارة البدن والثوب وقد سبق تفضيل القول فيهما ولم أجد لمن قال بالشرطية دليلا صحيحا سوى ما تقدم هناك .
وأما حديث ابن عمر بلفظ : نهى أن يصلى في ستة مواطن . . . الحديث . الذي احتج به الرافعي وصاحب ( المهذب ) على الشرطية فضعيف لا يجوز الاحتجاج به كما بينه النووي والعسقلاني وتكلمنا عليه في ( نقد التاج ) . ولذلك قال النووي بعد أن تكلم على الحديث :
( ودليل الشرطية ما سبق في أول الباب وأما الحديث المذكور هنا فلا يصح الاحتجاج به ومما يحتج به حديث بول الأعرابي في المسجد وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صبوا عليه ذنوبا من ماء ) رواه البخاري ومسلم ) .
قلت : هذا لا يفيد الشرطية وإنما يفيد الوجوب كما سبق . ومثله ما أشار إليه مما سبق فكل ذلك أوامر لا تفيد إلا الوجوب وقد نقلنا كلام النووي الذي أشار إليه في خاتمة المسألة الثانية وبينا هناك ما فيه الكفاية فراجعه .
( 6 - ولا تجوز الصلاة في أماكن عشرة :
الأول : المقبرة وهي الموضع الذي دفن فيه إنسان واحد فأكثر لقوله عليه الصلاة والسلام :
( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) .
وسواء في ذلك أكان القبر قبلته أو عن يمينه أو عن يساره أو خلفه لكن استقباله بالصلاة أشد لقوله صلى الله عليه وسلم :
( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) وقوله :
( إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ومن يتخذ القبور مساجد ) .
الحديث الأول هو من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي وابن حزم وأحمد عن عبد الواحد بن زياد والترمذي والدارمي والحاكم أيضا والبيهقي عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي وابن ماجه والبيهقي وابن حزم وأحمد عن حماد بن سلمة ثلاثتهم عن عمرو بن يحيى الأنصاري عن أبيه عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به .
ثم أخرجه أحمد من طريق محمد بن إسحاق عن عمرو به بلفظ :
( كل الأرض مسجد وطهور إلا المقبرة والحمام ) .
فزاد ابن إسحاق فيه : ( وطهور ) وهي زيادة شاذة ضعيفة . والحديث بدونها صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي .
وأما الترمذي والبيهقي فأعلاه بأن الثوري رواه عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا بدون ذكر أبي سعيد .
أخرجه هكذا ابن ماجه والبيهقي وأحمد عن يزيد بن هارون عن الثوري . وهذا إعلال عجيب بعد اتفاق أولئك الثقات الأربعة على وصله والوصل زيادة يجب قبولها على أن الثوري قد وصله في بعض الروايات فقال الدارقطني في ( العلل ) كما في ( التلخيص ) : ثنا جعفر بن محمد المؤذن - ثقة - : ثنا السري بن يحيى : ثنا أبو نعيم وقبيصة : ثنا سفيان عن عمرو بن يحيى عن أبيه عن أبي سعيد موصولا . وقال :
( المرسل المحفوظ ) .
كذا قال ولئن صح ذلك في خصوص رواية الثوري فلا يصح في رواية الآخرين ولذلك قال صاحب ( الإمام ) :
( حاصل ما علل به الإرسال وإذا كان الواصل له ثقة فهو مقبول ) . قال الحافظ :
( وأفحش ابن دحية فقال في كتاب ( التنوير ) له : هذا لا يصح من طريق من الطرق . كذا قال : فليم يصب ) . وقال في ( الفتح ) :
( ورجاله ثقات لكن اختلف في وصله وإرساله وحكم مع ذلك بصحته الحاكم وابن حبان ) .
ولذلك قوى الحديث ابن حزم ورد على من أعله بالإرسال .
وللحديث طريق أخرى عن يحيى الأنصاري هو في منجى عن كل هذا الاختلاف .
أخرجه الحاكم وعنه البيهقي من طريق عمارة بن غزية عن يحيى بن عمارة الأنصاري عن أبي سعيد الخدري مرفوعا به .
وهذا سند صحيح على شرط مسلم . ثم قال الحافظ :
( قلت : وله شواهد منها حديث عبد الله بن عمر مرفوعا : نهى عن الصلاة في المقبرة . أخرجه ابن حبان ومنها حديث علي إن حبي نهاني أن أصلي في المقبرة . أخرجه أبو داود ) .
قلت : وحديث علي سيأتي الكلام عليه إن شاء الله قريبا ومن شواهده أيضا حديث أنس :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور . قال الهيثمي :
( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ) .
وبعد كتابة ما تقدم رايت المناوي في ( فيض القدير ) نقل عن ابن حبان أنه صحح الحديث . وعن ابن تيمية أنه قال : ( اسانيده جيدة ومن تكلم فيه ما استوفى طرقه ) ثم رأيته في ( الاقتضاء ) لشيخ الإسلام .
والحديث الثاني هو من رواية عائشة وابن عباس معا قالا :
لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك . . . فذكره .
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والدارمي وأحمد من طريق عبيد الله بن عبيد الله بن عتبة عنها وزاد أحمد في رواية له : يحرم ذلك على أمته . وفيه ابن إسحاق وقد عنعنه .
وله طريق أخرى عنها وحدها بلفظ ( لعن الله ) والباقي مثله وزاد :
قالت : فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا .
أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن عروة عنها .
وله طريق ثالث عند أحمد عن سعيد بن المسيب عنها .
وإسناده صحيح على شرط الستة .
وله شاهد من حديث أبي هريرة مثل حديث عائشة .
أخرجه مسلم من طريق يزيد بن الأصم عنه .
وهو عند البخاري ومسلم أيضا وأبي داود وأحمد ومحمد في ( موطأه ) كلهم عن مالك عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ
( قاتل الله . . . ) .
وتابعه عن الزهري يونس عند مسلم وجماعة من الثقات عند أحمد .
وتابع الزهري عن سعيد قتادة .
أخرجه ابن أبي شيبة في ( المصنف ) .
وله طريق ثالث عن أبي هريرة بلفظ :
( اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) .
أخرجه أحمد : ثنا سفيان عن حمزة بن المغيرة عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عنه .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير حمزة بن المغيرة وهو المخزومي وهو ثقة بلا خلاف .
وعزاه الهيثمي لأبي يعلى فقط وقال :
( وفيه إسحاق بن أبي إسرائيل وفيه كلام لوقفه في القرآن وبقية رجاله ثقات ) .
قلت : هو في نفسه ثقة وقد وثقه ابن معين وأحمد وغيرهما والكلام المذكور لا يضره من حيث الرواية على أن الهيثمي قد ذهل عن كون الحديث في ( المسند ) من غير هذه الطريق كما رأيت فسبحان من لا يسهو ولا ينسى .
وللحديث شواهد أخرى أوردتها وخرجتها في ( التعليقات الجياد ) من كتاب الجنائز فلا نطيل بذكرها هنا .
والحديث الثالث هو من حديث ابن مسعود رضي الله عنه .
أخرجه أحمد وابن أبي شيبة في ( المصنف ) من طريق عاصم بن أبي النجود عن شقيق عنه .
وهذا سند حسن رجاله رجال الشيخين غير أنهما أخرجا لابن أبي النجود مقرونا بآخر وهو حسن الحديث . والحديث قال الهيثمي :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) وإسناده حسن ) .
وذهل عن كونه في ( المسند ) . وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية في كثير من كتبه - ك ( منهاج السنة ) - لابن حبان في ( صحيحه ) وكذلك عزاه في ( اقتصاء الصراط المستقيم ) وقال :
( إسناده جيد ) .
قلت : وقد وجدت للحديث طريقا آخر أخرجه أحمد أيضا : ثنا عفان : ثنا قيس : أنا الأعمش عن إبراهيم عن عبيدة السلماني عن عبد الله ابن مسعود مرفوعا بلفظ : ( إن من البيان سحرا وشرار الناس الذين تدركهم الساعة أحياء والذي يتخذون قبورهم مساجد ) .
وهذا سند حسن أيضا رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير قيس وهو ابن الربيع وهو حسن الحديث لا سيما في المتابعات فالحديث بمجموع الطريقين صحيح عندي . والله أعلم
واعلم أن الاستدلال بالحديث على ما ذكرنا إنما هو على أحد القولين في تفسيره وهو أن المراد بالاتخاذ : استقبال القبر . قال البيضاوي :
( لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور أنبيائهم تعظيما لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في الصلاة نحوها واتخذوها أوثانا - لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم ومنع المسلمين عن مثل ذلك ) .
والحديث معناه عندنا أعم مما ذكره البيضاوي كما سيأتي بيانه قريبا إن شاء الله .
ومن عجائب الفهم المصادم للقصد من حديث النبي صلى الله عليه وسلم _ إن لم نقل للنص منه - قول البيضاوي في تمام كلامه وهو :
( وأما من اتخذ مسجدا بجوار صالح أو صلى في مقبرة وقصد به الاستظهار بروحه أو وصول أثر من آثار عبادته إليه لا التعظيم له والتوجه نحوه فلا حرج عليه ) .
كذا قال ولا يخفى ما فيه من أثار الوثنية والضلال والمعصوم من عصمه الله ولذلك تعقبه العلماء فقال المناوي بعد أن نقل كلامه هذا :
( لكن في خبر الشيخين كراهة بناء المسجد على القبور مطلقا والمراد قبور المسلمين خشية أن يعبد فيها القبور لقرينة خبر : اللهم لا تجعل قبري وثنا بثعيد ) .
وقد نص الإمام محمد تلميذ أبي حنيفة على كراهة اتخاذ المسجد عند القبر كما يأتي نصه في ذلك والتعبير ب ( عند ) أعم من قوله : ( فوق ) أو ( على ) كما لا يخفى فمن بنى مسجدا بجوار صالح فقد بنى عنده وعليه فكلام محمد رحمه الله رد على البيضاوي في رأيه هذا المبتدع ورد عليه الصنعاني أيضا في ( سبل السلام ) فقال :
( قوله : لا لتعظيم له يقال : اتخاذ المساجد بقربه وقصد التبرك به تعظيم له ثم أحاديث النهي مطلقة ولا دليل على التعليل بما ذكر والظاهر أن العلة سد الذريعة والبعد عن التشبه بعبدة الأوثان الذين يعظمون الجمادات التي لا تنفع ولا تضر ولما في إنفاق المال في ذلك من العبث والتبذير الخالي عن النفع بالكلية ) قال :
( ومفاسد ما يبنى على القبور من المشاهد والقباب لا تحصر ) .
والحديث الأول يفيد تحريم الصلاة في المقبرة على ا لتفصيل المذكور لعموم الحديث ولأن النهي أصله التحريم . وذهب بعضهم إلى بطلان الصلاة فيها وهو محتمل والله أعلم وقد ذهب إلى هذا ابن حزم في ( الملحى ) ورواه عن أحمد أنه قال : ( من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا ) . ثم قال :
( وكره الصلاة إلى القبر وفي المقبرة وعلى القبر : أبو حنيفة والأوزاعي وسفيان ولم ير مالك بذلك بأسا واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء ) قال ابن حزم :
( وهذا عجب ناهيك به أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه فلا يجيزون أن تصلى صلاة الجنازة على من قد دفن ثم يستبيحون - بما ليس فيه منه أثر ولا إشارة - مخالفة السنن الثابتة ) . قال :
( وكل هذه الآثار حق فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا إلا صلاة الجنازة فإنها تصلى في المقبرة وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم . نحرم ما نهى عنه ونعد من القرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل فأمره ونهيه حق وفعله حق وما عدا ذلك فباطل والحمد لله رب العالمين ) .
وقال الشوكاني بعد أن حكى مذاهب العلماء في المسألة :
( وأحاديث النهي المتواترة كما قال ذلك الإمام ( ابن حزم ) لا تقصر عن الدلالة على التحريم الذي هو المعنى الحقيقي له وقد تقرر في الأصول أن النهي يدل على فساد المنهي عنه فيكون الحق التحريم والبطلان لأن الفساد الذي يقتضيه النهي هو المرادف للبطلان من غير فرق بين الصلاة على القبر وبين المقابر وكل ما صدق عليه لفظ المقبرة ) .
وقال شيخ الإسلام في ( الاختيارات ) : ( ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها والنهي عن ذلك هو سد لذريعة الشرك وذكر طائفة من أصحابنا أن المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور وهو الصواب والمقبرة كل ما قبر فيه لا أنه جمع قبر وقال أصحابنا : وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه . فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه وذكر الآمدي وغيره أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر وذكر بعضهم : هذا منصوص أحمد ) .
وقد اختلفوا في علة النهي عن الصلاة في المقبرة فقيل : النجاسة وقيل : التشبه بأهل الكتاب وسدا لذريعة الشرك كما سبق في كلام شيخ الإسلام وغيره . وهو الظاهر من مجموع الأحاديث الواردة في هذا الباب وقد مضى البعض ويأتي بعضها وعليه جرى علماؤنا المتأخرون من الحنفية فقال ابن عابدين في ( حاشيته ) :
( واختلف في علته ( يعني : الكراهة ) فقيل : لأن فيها عظام الموتى وصديدهم وهو نجس وفيه نظر 28 وقيل : لأن أصل عبادة الأصنام اتخاذ قبور الصالحين مساجد وقيل : لأنه تشبه باليهود وعليه مشى في الحاشية ) .
وهذا القيل الأخير هو الذي اعتمده الطحطاوي في ( حاشيته على مراقي الفلاح ) ونص كلامه :
( قوله : وفي المقبرة بتثليث الباء لأنه تشبه باليهود والنصارى قال صلى الله عليه وسلم : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه ويستثنى مقابر الأنبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقا منبوشة أو لا بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة لأنهم أحياء في قبورهم ألا ترى أن مرقد إسماعيل عليه السلام في الحجر تحت الميزاب وأن بين الحجر الأسود وزمزم قبر سبعين نبيا ثم إن ذلك المسجد أفضل مكان يتحرى للصلاة بخلاف مقابر غيرهم . أفاده في ( شرح المشكاة ) .
هذا كله كلام الطحطاوي وهو كلام مدخول يناقض بعضه بعضا فإنه إذا كان يصرح ويعلل الكراهة بالتشبه باليهود والنصارى - وهم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم مساجد - فكيف يستثني قبور الأنبياء وإنما يتحقق التشبه بالكفار بالصلاة فيها ؟
نعم ربما كان يصح هذا الاستثناء فيما لو كانت علة الكراهة هي النجاسة وذلك لطهارة قبورهم عليهم السلام ومع ذلك فلا يصح هذا الاستثناء مطلقا بعد لعنه عليه الصلاة والسلام من كان يتخذ قبور الأنبياء مساجد ونهيه أمته عن ذلك كما يأتي .
وأنا أخشى أن يكون الطحطاوي قد أتي في هذا التناقض الصريح من جهة التقليد الذي كثيرا ما لا يدع صاحبه يفكر فيما يكتب أو يقول فهو فيما يظهر نقل التعليل الصحيح عن بعض العلماء الذين لا يتصور أن يقولوا بالاستثناء ثم نقل الاستثناء عن بعض من يقول بالعلة الأخرى وهي النجاسة وهو منقول عنهم ويدل على هذا قوله : ( منبوشة أو لا ) فإن هذا إنما يصح أن يقال على أساس القول بهذه العلة المرجوحة وعليها يتفرع القول بالفرق بين المقبرة المنبوشة وغير المنبوشة في غير مقابر الأنبياء فإن لم يكن هذا الذي ذهبنا إليه حقا فما معنى هذا القول ههنا ؟ وما معنى الاستثناء المصادم للنص ؟
قد يقال : إن النص ليس معناه عند الطحطاوي على العموم بل معناه الاستقبال كما سبق ذكره عن البيضاوي ويدل على ذلك قوله بعد الاستثناء : ( بعد أن لا يكون القبر جهة القبلة ) فهو بهذا القيد لم يصادم النص حسب فهمه .
فأقول : لكن يشكل عليه قوله : ( وسواء كانت فوقه أو خلفه . . . ) إلخ .
قال ذلك عن الحديث بما يشعر أنه عنده على عمومه ثم ما هو الفرق المعقول ين المنع من ذلك كله في قبور غير الأنبياء وإباحته في قبورهم مع القيد المذكور مع العلم بأن الخطر على العقيدة من الصلاة عندها مطلقا أعظم من الصلاة عند غيرها ؟
وبعد كتابة ما تقدم رجعت إلى شرح ( المشكاة ) المسمى : ( مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ) للشيخ علي القاري فتبين لي أن الطحطاوي نقل جل كلامه ولكنه أساء في النقل وقدم وأخر بحيث أخل بالمعنى ولزم منه ما أشرنا إليه من المحاذير وتبين منه أيضا وتحقق أن الاستثناء إنما نقله عن بعض من ذهب إلى التعليل بالنجاسة وعليها جاء التفصيل الذي ذكره الطحطاوي في قوله : ( وسواء . . . ) إلخ وهو نقله من كلام ابن حجر - يعني الهيتمي - ونص كلامه في ذلك :
( أشار الشارح إلى استشكال الصلاة عند قبر إسماعيل عليه السلام بأنها تكره في المقبرة . وأجاب بأن محلها مقبرة منبوشة لنجاستها وكله غفلة عن قولهم : يستثنى مقابر الأنبياء فلا يكره الصلاة فيها مطلقا لأنهم أحياء في قبورهم وعلى التنزل فجوابه غير صحيح لتصريحهم بكراهة الصلاة في مقبرة غير الأنبياء وإن لم تنبش لأنه محاذ للنجاسة ومحاذاتها في الصلاة مكروهة سواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه ) ا . ه ما في ( المرقاة ) .
وأما ما احتج به الطحطاوي تبعا لشرح ( المشكاة ) من أفضلية الصلاة عند قبر إسماعيل عليه السلام وقبر السبعين نبيا فقد أجاب عنه القاري نفسه في الشرح المذكور بقوله :
( وفيه أن صورة قبر إسماعيل وغيره مندرسة فلا يصلح للاستدلال به ) .
ونحن نقول : هب أنها غير مندرسة فذلك لا يدل على أن فضيلة الصلاة إنما هو من أجلها . ألا ترى أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة فيه بألف صلاة مما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام كما صح عنه صلى الله عليه وسلم ؟ ومن المعلوم أنه قال ذلك قبل أن يدفن عليه السلام في الحجرة الشريفة وقبل أن تضم هذه إلى المسجد النبوي فهل يلزم من وجود القبر الشريف الآن فيه أن يقال : إن فضيلة الصلاة فيه من أجل القبر الشريف ؟ كلا لا يقول ذلك إلا الجهال من العوام فكذلك لا يلزم من فضيلة الصلاة عند قبر إسماعيل وغيره أن ذلك من أجل القبور وكيف يكون وقد نهى عليه السلام عن اتخاذها مساجد ولعن من فعل ذلك ؟ وهذا كله يقال على تسليم ثبوت تلك القبور في ذلك المكان وليس بثابت عند المحدثين قال الشيخ علي القاري في ( الموضوعات ) :
( قال العلامة الشيخ محمد بن الجزري : لا يصح تعيين قبر نبي غير نبينا عليه الصلاة والسلام نعم سيدنا إبراهيم عليه السلام في تلك القرية لا بخصوص تلك البقعة . انتهى ) .
قلت : وقد حكى شيخ الإسلام في ( الاقتضاء ) نحوه من غير واحد من أهل العلم ثم ذكر :
( إن المسلمين قد أجمعوا ما علموه بالاضطرار من دين رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن الصلاة عند القبر - أي قبر كان - لا فضل فيها لذلك ولا للصلاة في تلك البقعة مزية خير أصلا بل مزية شر ) وقال قبل ذلك بصفحة :
( واعلم أن من الفقهاء من اعتقد أن سبب كراهة الصلاة في المقبرة ليس إلا لكونها مظنة النجاسة لما يختلط بالتراب من صديد الموتى وبنى على هذا الاعتقاد الفرق بين المقبرة الجديدة والعتيقة وبين أن يكون بينه وبين التراب حائل أو لا يكون ونجاسة الأرض مانعة من الصلاة عليها سواء كانت مقبرة أو لم تكن لكن المقصود الأكبر بالنهي عن الصلاة عند القبور ليس هو هذا فإنه قد بين أن اليهود والنصارى كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا ) . ثم قال :
( وروي عنه أنه قال : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . ) ثم ذكر حديث عائشة وغيره مما تقدم وحديث جندب الآتي : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) ثم قال :
( فهذا كله يبين لك أن السبب ليس هو مظنة النجاسة وإنما هو مظنة اتخاذها أوثانا كما قال الشافعي رضي الله عنه : وأكره أن يعظم مخلوق حتى يجعل قبره مسجدا مخافة الفتنة عليه وعلى من بعده من الناس . وقد ذكر هذا المعنى أبو بكر الأثرم في ( ناسخ الحديث ومنسوخه ) وغيره من أصحاب أحمد وسائر العلماء فإن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو الرجل الصالح لم يكن ينبش والقبر الواحد لا نجاسة عليه وقد نبه هو صلى الله عليه وسلم على العلة بقول : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) وبقوله : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد فلا تتخذوها مساجد ) وأولئك إنما كانوا يتخذون قبورا لا نجاسة عندها ولأنه قد روى مسلم في ( صحيحه ) عن أبي مرثد الغنوي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها ) . ولأنه صلى الله عليه وسلم قال : ( كانوا إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك التصاوير أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) فجمع بين التماثيل والقبور .
وأيضا فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك ) .
وقال فيما بعد وقد ذكر العلة الأولى :
( وهذه العلة في صحتها نزاع لاختلاف العلماء في نجاسة تراب القبور وهي من مسائل الاستحالة وأكثر العلماء المسلمين يقولون : إن النجاسة تطهر بالاستحالة وهو مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر وأحد القولين في مذهب مالك وأحمد وقد ثبت في ( الصحيح ) أن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم كان حائطا لبني النجار وكان فيه قبور من قبور المشركين ونخل وخرب فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنخيل فقطعت وبالخرب فسويت وبالقبور فنبشت وجعل النخل في صف القبلة فلو كان تراب القبور نجسا لكان تراب قبور المشركين نجسا ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم بنقل ذلك التراب فإنه لا بد أن يختلط ذلك التراب بغيره ) .
ثم ذكر العلة الثانية ثم قال :
( وهذه العلة صحيحة باتفاقهم والمعللون بالأولى - كالشافعي وغيره - عللوا بهذه أيضا وكرهوا ذلك لما فيه من الفتنة وكلك الأئمة من أصحاب أحمد ومالك كأبي بكر الأثرم صاحب أحمد وغيره علل بهذه الثانية أيضا وإن كان منهم من قد يعلل بالأولى وقد قال تعالى : { وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا } [ نوح/23 - 24 ] ذكر ابن عباس وغيره من السلف أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم وصوروا تماثيلهم ثم طال عليهم الأمد فعبدوهم . وقد ذكر هذا البخاري في ( صحيحه ) وأهل التفسير كابن جرير وغيره ) .
( الثاني : المساجد المبنية على القبور لما في الصلاة فيها من التشبه باليهود والنصارى وقد قال صلى الله عليه وسلم فيهم :
( إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور فأولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) وقال :
( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك ) .
الحديث الأول هو من حديث عائشة رضي الله عنها أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم فقال . . . فذكره .
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وأحمد وابن شيبة في ( المصنف ) .
والحديث الثاني هو من رواية جندب بن عبد البجلي قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول : ( إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا . ألا وإن من كان قبلكم . . . الحديث .
تفرد بإخراجه مسلم دون الستة وقد نسبه الشوكاني للنسائي أيضا وكأنه يعني ( سننه الكبرى ) وإلا فإني لم أجده في ( الصغرى ) له ولم ينسبه في ( الذخائر ) إلا لمسلم .
وفي الباب عن عائشة وابن عباس معا وعن أبي هريرة وعن ابن مسعود وقد مضت أحاديثهم قريبا وعن ابن عباس أيضا بلفظ :
( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) .
أخرجه الأربعة إلا ابن ماجه والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد وهو بهذا اللفظ ضعيف إلا الجملة الأولى منه فهي صحيحة لمجيئها من طريق أخرى عن أبي هريرة وحسان بن ثابت وقد فصلت القول في ذلك في ( التعليقات الجياد ) بما لا يوجد في كتاب والحمد لله .
واعلم أن الحديث الأول يفيد تحريم بناء المساجد على القبور وذلك يستلزم تحريم الصلاة فيها من باب أولى لأنه - كما لا يخفى - من قبيل النهي عن الوسيلة - وهو البناء - لكي لا تتحقق الغاية - وهي العبادة في هذا البناء الذي أقيم على معصية الله تعالى - لما يترتب من وراء ذلك من المفاسد الاعتقادية كما هو الواقع .
وأما الحديث الثاني فهو أعم من الأول لأنه بلفظه يشمل الوسيلة والغاية فاتخاذ المكان مسجدا معناه الصلاة فيه 29 ومعناه البناء عليه من أجل الصلاة والسجود فيه فكل منهما مستلزم للآخر كما أفاده المناوي في ( الفيض ) ومن المعلوم بالبداهة أن اليهود والنصارى الملعونين إنما بنوا تلك المساجد للصلاة فيها فمن صلى في مسجد فيه قبر ولو لم يقصد القبر فقد شابه أولئك المغضوب عليهم والضالين وقد نهينا عن التشبه بهم في نصوص عامة وخاصة ولذلك قال العلامة ابن الملك - وهو من علمائنا الحنفية - في شرح حديث ابن عباس المذكور آنفا :
( إنما حرم اتخاذ المساجد عليها لأن في الصلاة فيها استنانا بسنة اليهود ) . نقله الشيخ علي القاري في ( المرقاة ) .
يضاف إلى ما تقدم أن الصلاة في المساجد المبنية على القبور قد تفضي بصاحبها أو بمن يقتدي به من العوام والجهال إلى تخصيص الميت ببعض العبادات الخاصة بالله تعالى كالاستغاثة والسجود كما هو واقع في أكثر المساجد المبنية على القبور وهو مشاهد فنهى عن ذلك سدا للذريعة فهو كالنهي عن الصلاة في الأوقات الثلاثة المكروهة تحريما بل المفسدة في تلك المساجد أوضح وأظهر منها في هذه الأوقات كما يشهد به الواقع .
وهذا كله فيمن لم يقصد الصلاة في تلك المساجد وأما قصدها لأجل صاحب القبر متبركا به معتقدا أن الصلاة عنده أفضل من الصلاة في المساجد المجردة عن القبور فهو عين المشاقة والمحادة لله ولرسوله وهذه الصلاة حقيق بها قول من قال ببطلانها كما يأتي عن بعض العلماء .
وإن مما يتعجب منه المؤمن البصير في دينه تهاون أكثر الفقهاء بهذه المسألة الخطيرة حيث إنهم لم يتعرضوا لها بذكر صريح في كتبهم وفتاويهم فيما علمت . ولذلك كان من العسير إقناع المقلدين بها على وضوح الحجة فيها وأنى لهم أن يأخذوا بها وهم أو أكثرهم يقدمون قول الإمام - بل قول بعض أتباعه ولو من المتأخرين - على قول الله تعالى وقول رسوله صلى الله عليه وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ولذلك سأعنى بصورة خاصة بنقل بعض أقوال العلماء المحققين حول هذه المسألة ليعلم الواقف على كتابنا هذا أننا لم نأت بشيء من عندنا بدعة في الدين ولم نسئ فهم أحاديث سيد المرسلين بل هو الحق من ربك فلا تكونن من الممترين .
وقد اعتنى بهذه المسألة عناية خاصة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وجزاه عن المسلمين خيرا فقلما ترى كتابا له لا يتعرض فيه لهذه المسألة بإسهاب أو اختصار ولذلك فسأنقل عنه ما يناسب المقام من أقواله وفتاويه مع بعض اختصار وتلخيص .
قال رحمه الله في ( القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة ) :
( واتخاذ المكان مسجدا هو أن يتخذ للصلوات الخمس وغيرها كما تبنى المساجد لذلك والمكان المتخذ مسجدا إنما يقصد فيه عبادة الله ودعاؤه لا دعاء المخلوقين فحرم صلى الله عليه وسلم أن تتخذ قبورهم مساجد بقصد الصلاة فيها كما تقصد المساجد وإن كان القاصد لذلك إنما يقصد عبادة الله وحده لأن ذلك ذريعة إلى أن يقصد المسجد لأجل صاحب القبر ودعائه والدعاء به والدعاء عنده فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ هذا المكان لعبادة الله وحده لئلا يتخذ ذلك ذريعة ينهى عنه كما نهى عن الصلاة في الأوقات الثلاثة لما في ذلك من المفسدة الراجحة وهو التشبه بالمشركين الذي يفضي إلى الشرك وليس في قصد الصلاة في تلك الأوقات ولهذا تنازع العلماء في ذوات الأسباب فسوغها كثير منهم في هذه الأوقات وهو أظهر قولي العلماء لأن النهي إذا كان لسد الذريعة أبيح للمصلحة الراجحة وفعل ذوات الأسباب يحتاج إليه في هذه الأوقات ويفوت إذا لم يفعل فيها فتفوت مصلحتها فأبيحت لما فيها من المصلحة الراجحة بخلاف ما لا سبب له فإنه يمكن فعله في غير هذه الأوقات فلا تفوت بالنهي عنه مصلحة راجحة وفيه مفسدة توجب النهي عنه فإذا كان نهيه عن الصلاة في هذه الأوقات لسد ذريعة الشرك لئلا يفضي ذلك إلى السجود للشمس ودعائها وسؤالها كما يفعله أهل دعوة الشمس والقمر والكواكب الذي يدعونها ويسألونها كان معلوما أن دعوة الشمس والسجود لها هو محرم في نفسه أعظم تحريما من الصلاة التي نهى عنها لئلا يفضي ذلك إلى دعاء الكواكب . كذلك لما نهى عن اتخاذ قبور الأنبياء والصالحين مساجد فنهى عن قصدها للصلاة عندها لئلا يفضي ذلك إلى دعائهم والسجود لهم - كان دعاؤهم والسجود لهم أعظم تحريما من اتخاذ قبورهم مساجد ) . وقال في ( الاقتضاء ) :
( فهذه المساجد المبنية على قبور الأنبياء والصالحين والملوك وغيرهم يتعين إزالتها بهدم أو بغيره وهذا ما لا أعلم فيه خلافا بين العلماء المعروفين وتكره الصلاة فيها من غير خلاف أعلمه ولا تصح عندنا في ظاهر المذهب لأجل النهي واللعن الوارد في ذلك ولأحاديث أخرى وليس في هذه المسألة خلاف لكون المدفون فيها واحدا وإنما اختلف أصحابنا في المقبرة المجردة عن مسجد هل حددها ثلاثة أقبر أو ينهى عن الصلاة عن القبر الفذ وإن لم يكن عنده قبر آخر ؟ على وجهين ( قلت : ورجح شيخ الإسلام في كتاب آخر النهي ولو عند القبر الواحد وقد سبق ذلك ثم قال : ) وقد كانت البينة التي على قبر إبراهيم عليه السلام مسدودة لا يدخل إليها إلى حدود المائة الرابعة فقيل : إن بعض النسوة المتصلات بالخلفاء رأت في ذلك مناما فنقبت لذلك وقيل : إن النصارى لما استولوا على هذه ا لنواحي نقبوا ذلك ثم ترك مسجدا بعد الفتوح المتأخرة وكان أهل الفضل من شيوخنا لا يصلون في مجموع تلك البنية وينهون أصحابهم عن الصلاة فيها اتباعا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتقاء لمعصيته كما تقدم ) . ثم قال فيه :
( فإن نهيه عن اتخاذ القبور مساجد يتضمن النهي عن بناء المساجد عليها وعن قصد الصلاة عندها وكلاهما منهي عنه باتفاق العلماء فإنهم قد نهو عن بناء المساجد على القبور بل صرحوا بتحريم ذلك كما دل عليه النص واتفقوا أيضا على أنه لا يشرع قصد الصلاة والدعاء عند القبور ولم يقل أحد من المسلمين : إن الصلاة عندها والدعاء عندها أفضل منه في المساجد الخالية عن القبور بل اتفق علماء المسلمين على أن الصلاة والدعاء في المساجد التي لم تبن على القبور أفضل من الصلاة والدعاء في المساجد التي بنيت على القبور بل الصلاة والدعاء في هذه منهي عنه مكروه باتفاقهم وقد صرح كثير منهم بتحريم ذلك بل وبإبطال الصلاة فيها وإن كان في هذا نزاع والمقصود هنا أن هذا ليس بواجب ولا مستحب باتفاقهم بل هو مكروه باتفاقهم ) . وقال في ( الجواب الباهر في زوار المقابر ) :
( والصلاة في المساجد المبنية على القبور منهي عنها مطلقا بخلاف مسجده صلى الله عليه وسلم فإن الصلاة فيه بألف صلاة فإنه أسس على التقوى وكانت حرمته في حياته صلى الله عليه وسلم وحياة خلفائه الراشدين قبل دخول الحجرة فيه ) . ثم قال :
( ومن اعتقد أنه قبل القبر لم تكن فيه فضيلة وإنما حدثت له الفضيلة في خلافة الوليد لما أدخلت الحجرة فيه فهو جاهل مفرط في الجهل أو كافر مكذب لما جاء به عليه السلام مستحق للقتل ) .
وقد أفتى رحمه الله مرارا بكراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور فقد جاء في الفتاوى له ما نصه :
( مسألة : في المسجد إذا كان فيه قبر والناس يجتمعون فيه لصلاة الجماعة فهل تجوز الصلاة فيه أم لا ؟ وهل يمهد القبر أم لا ؟
( 1 ) رسالة جامعة لما تفرق في كتبه الكثيرة مما يتعلق بهذا الموضوع وهي من مخطوطات المكتبة الظاهرية تحت رقم ( 129 ) مجموع . وما نقلناه منها في الورقة ( 22 و55 ) .
الجواب : اتفق الأئمة على أنه لا يبنى مسجد على قبر لأن من قال : ( إن من كان قبلكم كانوا يتخذون القبور مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) . وأنه لا يجوز دفن ميت في مسجد فإن كان المسجد قبل الدفن غير : إما بتسوية القبر وإما بنبشه إن كان جديدا فإن كان المسجد بني بعد القبر فإما أن يزال المسجد وإما أن يزال صورة القبر فالمسجد المبني على القبر لا يصلى فيه فرض ولا نفل فإنه منهي عنه . والله أعلم ) .
وله فتوى أخرى نحو هذه انظرها - إن شئت - في الجزء الثاني صفحة ( 192 ) 30 .
وقال الشيخ محمد يحيى الكاندهلوي الهندي الحنفي في كتابه ( الكوكب الدري على جامع الترمذي ) ما نصه :
( وأما اتخاذ المساجد عليها فإنما فيه من الشبه باليهود في اتخاذهم مساجد على قبور أنبيائهم وكبرائهم ولما فيه من تعظيم الميت وشبه بعبدة الأصنام لو كان القبر في جانب القبلة . وكراهة كونه في جانب القبلة أكثر من كراهة كونه يمينا أو يسارا وإن كان خلف المصلي فهو أخف كراهة من كل ذلك لكن لا يخلو عن كراهة ) .
وقد ذكر الحافظ في ( الفتح ) والعيني في ( العمدة ) :
( أن القبر في المسجد إذا كان في جهة القبلة فإنه تزداد الكراهة ) .
وهذا هو الحق في المسألة حسب التفصيل الذي ذكره الهندي ومرجع ذلك إلى التشبه باليهود والنصارى في صلاتهم في المساجد المبنية على القبور والمشابهة حاصله في كل الصور التي قد ذكرها كما لا يخفى وهذا لمن لا يقصد الصلاة فيها وأما القاصد فاسمع ما نقله الفقيه ابن حجر الهيتمي في كتابه ( الزواجر ) :
( قال بعض الحنابلة : قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بها عين المحادة لله ورسوله وابتداع دين لم يأذن به الله للنهي عنها ثم إجماعا فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك : الصلاة عندها واتخاذها مساجد وبناؤهها عليها والقول بالكراهة محمول على غير ذلك إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ويجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لأنها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه نهى عن ذلك وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة ) .
هذا وقد أفادت الأحاديث السابقة تحريم بناء المساجد على القبور أيضا وهي مسألة أخرى تكلمنا عليها في ( التعليقات الجياد ) وذكرنا فيه أقوال العلماء في النهي عن ذلك ولعلنا نذكرها في ( أحكام المساجد ) من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى .
( الثالث : معاطن الإبل ومباركها لقوله صلى الله عليه وسلم :
( إذا حضرت الصلاة فلم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ) وعلل ذلك في حديث آخر بقوله :
( فإنها خلقت من الشياطين [ ألا ترون عيونها وهبابها إذا نفرت ) ] ) .
الحديث الأول هو من حديث أبي هريرة .
أخرجه الدارمي واللفظ له وابن ماجه والطحاوي والبيهقي وأحمد وابن حزم من طرق عن هاشم بن حسان عن محمد بن سيرين عنه .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين .
وأخرجه الترمذي من طريق أبي بكر بن عياش عن هشام به مختصرا بلفظ :
( صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل ) .
وهو لفظ لأحمد .
ثم أخرجه الترمذي من طريق أبي بكر بن عياش أيضا عن أبي حصين عن أبي صالح عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله أو بنحوه . وقال : ( حديث غريب . ورواه إسرائيل عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة موقوفا ولم يرفعه ) .
قلت : وقد ورد من الطريق الأولى أيضا موقوفا .
أخرجه الإمام أحمد من طريق أيوب السختياني عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة أنه قال . . . فذكره مثل لفظ أبي بكر تماما إلا أنه قال :
( أو مبارك الإبل ) .
وسنده صحيح أيضا على شرطهما . لكن هشام بن حسان ثقة من أثبت الناس في ابن سيرين كما في ( التقريب ) وقد رواه عنه مرفوعا والرفع زيادة يجب قبولها كما تقرر في المصطلح ومثله يقال في الطريق الأخرى عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هر فقد رواه إسرائيل موقوفا وأبو بكر بن عياش مرفوعا وكلاهما ثقة لكن أبا بكر لما كبر ساء حفظه فذلك يمنعنا من ترجيح روايته على رواية إسرائيل وإن كان الحديث صحيحا مرفوعا من الطريق الأولى وإنما الكلام في الطريق الأخرى .
وللحديث شواهد منها : عن عقبة بن عامر .
أخرجه أحمد عن يحيى بن أبي عمرو الشيباني - كذا في الأصل والصواب : السيباني بالسين المهملة - عن أبيه عنه مرفوعا مثل حديث أبي هريرة الموقوف .
وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات غير أبي عمرو السيباني وقد وثقه ابن حبان ويعقوب بن سفيان وفي ( التقريب ) :
( مقبول ) .
ورواه الطبراني أيضا في ( الكبير ) كما في ( المجمع ) .
ومنها : عن أسيد بن حضير .
أخرجه أحمد أيضا عن حماد بن سلمة : أنبأنا الحجاج بن أرطأة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبيه عنه به إلا أنه قال : ( مبارك ) .
والحجاج مدلس وقد عنعنه .
ومن طريق رواه الطبراني في ( الأوسط ) كما في ( المجمع ) واقتصر هو والشوكاني في عزوه إليه وهو قصور .
وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي ليلى لم أعرفه ولم يورد الحافظ في ( التعجيل ) مع أنه على شرطه .
وقد رواه عباد بن العوام عن الحجاج قال : ثنا عبد الله بن عبد الله مولى بنى هاشم - وكان ثقة وكان الحكم يأخذ عنه - عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به .
ولعل هذا الصواب . وهو إسناد حسن صرح فيه الحجاج بالتحديث .
أخرجه الطحاوي .
ورواة عبيدة بن حميد الضبي عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن ذي الغرة قال : عرض أعرابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسير فقال : يا رسول الله تدركنا الصلاة ونحن في أعطان الإبل فنصلي فيها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ) فقال : أنتوضأ من لحومها ؟ قال : ( نعم ) قال : أفنصلي في مرابض الغنم ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( نعم ) قال : أفنتوضأ من لحومها ؟ قال : ( لا ) .
أخرجه عبد الله بن أحمد في ( زوائد المسند ) قال : ثنا عمرو بن محمد بن بكر الناقد : ثنا عبيد بن حميد عن عبيد الضبي عن عبد الله بن عبد الله - يعني قاضي الري - به .
كذا وقع في الأصل : عن عبيدة الضبي . والظاهر أن قوله : عن عبيدة . زيادة من قلم بعض النساخ ووقع في موضع آخر من ( المسند ) هكذا على الصواب لكن فيه تحريفات أخرى فقال عبد الله بن أحمد : ثنا أبي : ثنا عمرو بن محمد الناقد قال : ثنا عبيدة بن حميد الضبي عن عبيد الله - كذا - ابن عبد الله به .
فقوله : ثنا أبي زيادة أيضا لا معنى لها فإن الناقد يروي عنه عبد الله بن أحمد مباشرة كما في الرواية الأولى وما أعلم أن أحمد يروي عنه . والله أعلم .
وبالجملة فإسناد هذا الحديث صحيح رجاله رجال البخاري غير عبد الله ابن عبد الله وهو الرازي مولى بني هاشم وهو ثقة . والظاهر أن له إسنادين عن شيخه ابن أبي ليلى .
وله عنه إسناد ثالث فقال الإمام أحمد : ثنا عبد الرزاق : أنا سفيان عن الأعمش عن عبد الله بن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل : أنصلي في أعطان الإبل ؟ قال : ( لا ) قال : أنصلي في مرابض الغنم ؟ قال : ( نعم ) قال : أفنتوضأ من لحوم الإبل ؟ قال : ( نعم ) قال : أنتوضأ من لحوم الغنم ؟ قال : ( لا ) . قال عبد الله بن أحمد :
( عبد الله بن عبد الله رازي وكان قاضي الري وكانت جدته مولاة لعلي أو جارية ) قال عبد الله :
( قال أبي : ورواه عنه آدم وسعيد بن مسروق وكان ثقة ) .
قلت : وبقية رجاله ثقات رجال الشيخين فالإسناد صحيح أيضا .
وأخرجه الطحاوي عن عبد الله بن إدريس عن الأعمش به . وقد ورد عنه بزيادة فيه ويأتي قريبا .
ومنها : عن سبرة بن معد نحو حديث أبي هريرة بلفظ : ( مراح ) بدل : ( أعطان ) .
أخرجه ابن ماجه والدارقطني والبيهقي وأحمد من طريق عبد الله بن الربيع بن سبرة بن معبد الجهني : أخبرني أبي عن أبيه مرفوعا .
وهذا سند حسن وهو على شرط مسلم إلا أن عبد الملك هذا فيه كلام وقد وثقه العجلي .
ومنها : عن عبد الله بن مغفل المزني وهو : الحديث الثاني : أخرجه ابن ماجه والطحاوي والبيهقي وأحمد وكذا الطيالسي والروياني في ( مسنده ) من طرق عن الحسن البصري عنه ( 1 ) وقال في ( الزوائد ) :
( إسناده صحيح ) .
وهو كما قال إلا أن الحسن البصري مدلس . لكن في ( المسند ) ما يشعر بأنه سمعه من عبد الله بن مغفل فقد ساق بهذا الإسناد ثلاثة أحاديث هذا آخرها واولها حديث : ( لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها . . . ) الحديث .
ثم رواه في مكان آخر عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال . . . فذكره . وفيه :
فقال له رجل : يا أبا سعيد ممن سمعت هذا ؟ قال : فقال : حدثنيه - وحلف - عبد الله بن مغفل عن النبي صلى الله عليه وسلم منذ كذا وكذا ولقد حدثنا في ذلك المجلس .
فهذا يفيد بأنه سمع منه أحاديث أخرى في ذلك المجلس فالظاهر أن هذا منها . والله أعلم
والحديث روى منه النسائي النهي عن الصلاة في أعطان الإبل .
( 1 ) مرفوعا : بلفظ : ( صلوا في مرابض الغنم ولا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الشياطين ) . وقال النووي ( 3/160 ) : ( إسناده حسن ) . وهذا قصور ولا أدري ما منعه من تصحيحه ؟ فإن كان هو ما أشرنا إليه من التدليس فذلك إن ثبت هنا يمنع الحكم عليه بالحسن فتأمل .
وأما الزيادة التي بين المربعين فهي رواية لأحمد من طريق ابن إسحاق : ثني عبيد الله بن طلحة بن عبيد الله بن كريز الخزاعي عن الحسن به بلفظ :
( لا تصلوا في عطن الإبل فإنها من الجن خلقت ألا ترون . . . ) إلخ . وزاد :
( وصلوا في مراح الغنم فإنها هي أقرب من الرحمة ) . وفي ( المجمع ) :
( رواه أحمد والطبراني في ( الكبير ) ورجال أحمد ثقات وقد صرح ابن إسحاق بقوله : ثني ) .
قلت : فالإسناد حسن وعبيد الله بن طلحة وإن لم يوثقه غير ابن حبان فقد روى عنه ثقتان : أحدهما صفوان بن سليم والآخر حماد بن زيد . وفي ( التقريب ) أنه :
( مقبول ) . وأما قول الشوكاني :
( إسناده صحيح ) .
فغير صحيح .
وقد رواه البيهقي من طريق الشافعي : أنبأ إبراهيم بن محمد عن عبد الله ابن طلحة به نحوه .
وللحديث شاهد من حديث البراء بن عازب قال :
سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مبارك الإبل ؟ فقال : ( لا تصلوا في مبارك الإبل فإنها من الشياطين ) .
وسئل عن الصلاة في مرابض الغنم ؟ فقال :
( صلوا فيها فإنها بركة ) .
أخرجه أبو داود والبيهقي وأحمد من طريق أبي معاوية : ثنا الأعمش عن عبد الله عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عنه .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير عبد الله بن عبد الله وهو ثقة . وقد رواه غير هؤلاء مختصرا كما سبق قريبا .
( المعاطن ) : جمع معطن بفتح الميم وكسر الطاء و( الأعطان ) جمع عطن بفتح العين والطاء المهملتين قال الأزهري :
( العطن هو الموضع الذي تنحى إليه الإبل إذا شربت الشربة الأولى فتبرك فيه ثم يملأ لها الحوض ثانيا فتعود من عطنها إلى الحوض لتعل وتشرب الشربة الثانية وهو العلل ) قال :
( ولا تعطن الإبل عن الماء إلا في حمارة القيظ - بتخفيف الميم وتشديد الراء - ) قال :
( وموضعها الذي تترك فيه على الماء يسمى عطنا ومعطنا ) . نقله النووي في ( المجموع ) .
ف ( المعطن ) موضع خاص لبروك الجمل وعليه ف ( المبرك ) أعم قال ابن حزم : ( وكل عطن فهو مبرك وليس كل مبرك عطنا لأن العطن هو الموضع الذي تناخ فيه عند ورودها الماء فقط والمبرك أعم لأنه الموضع المتخذ لبروكها على كل حال ) .
والحديثان وما في معناها يدلان على تحريم الصلاة في مبارك الإبل وهو مذهب ابن حزم وروى عن أحمد أنه قال :
( من صلى في عطن إبل أعاد أبدا ) .
وسئل مالك عمن لم يجد إلا عطن إبل قال :
( لا يصلي فيه ) قيل : فإن بسط عليه ثوبا ؟ قال :
( لا أيضا ) .
وقال الترمذي بعد أن ساق حديث أبي هريرة :
( وعليه العمل عند أصحابنا وبه يقول أحمد وإسحاق ) .
قال الشوكاني :
( وذهب الجمهور إلى حمل النهي على الكراهة مع عدم النجاسة وعلى التحريم مع وجودها وهذا إنما يتم على القول بأن علة النهي هي النجاسة وذلك متوقف على نجاسة أبوال الإبل وأزبالها وقد عرفت ما قدمنا فيه ولو سملنا أن النجاسة فيه لم يصح جعلها علة لأن العلة لو كانت النجاسة لما افترق الحال بين أعطانها وبين مرابض الغنم إذ لا قائل بالفرق بين أرواث كل من الجنسين وأبوالها كما قال العراقي . وأيضا قد قيل : إن حكمه النهي ما فيها من النفور فربما نفرت وهو في الصلاة فتؤدي إلى قطعها أو أذى يحصل له منها أو تشوش الخاطر الملهي عن الخشوع في الصلاة وبهذا علل النهي أصحاب الشافعي وأصحاب مالك وعلى هذا فيقرق بين كون الإبل في معاطنها وبين غيبتها عنها إذ يؤمن نفورها حينئذ . ويرشد إلى صحة هذا حديث ابن مغفل عند أحمد بإسناد صحيح بلفظ : ( لا تصلوا في أعطان الإبل فإنها خلقت من الجن ألا ترون إلى عيونها وهيئتها إذا نفرت ) .
قلت : ويعكر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى البعير كما سيأتي في محله إن شاء الله تعالى فهذا يدل على أن النهي ليس هو لاحتمال النفور لأن هذا محتمل أيضا في هذه الصورة الجائزة اتفاقا ولذلك فإني أرى أن النهي إنما هو بخصوص المكان المعطن والمبرك - سواء كانت فيه إبل أو لا - وقت الصلاة . وكلام ابن حزم يدل على هذا قال رحمه الله :
( لا تجوز الصلاة البتة في الموضع المتخذ لبروك جمل واحد فصاعدا ولا في المتخذ عطنا لبعير واحد فصاعدا والصلاة إلى البعير جائزة وعليه فإن انقطع أن تأوي الإبل إلى ذلك المكان حتى يسقط عنه اسم عطن جازت الصلاة فيه ) .
فالحديث لا يفيد التفريق الذي مال إليه الشوكاني . والله تعالى أعلم .
ثم ذكر الشوكاني أقوالا أخرى في بيان العلة وكلها واهية لا برهان عليها ثم قال : ( إذا عرفت هذا الاختلاف في العلة تبين لك أن الحق الوقوف على مقتضى النهي وهو التحريم كما ذهب إليه أحمد والظاهرية . وأما الأمر بالصلاة في مرابض الغنم فأمر إباحة ليس للوجوب اتفاقا ) .
وسيأتي بيان هذا في محله إن شاء الله تعالى .
( الرابع : الحمام للحديث السابق ) .
وهو قوله عليه الصلاة والسلام : ( الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) . وحكم الصلاة في الحمام كهو في المقبرة - أعني : التحريم - لظاهر الحديث وهو مذهب أحمد وابن حزم بل ذهبا إلى بطلان الصلاة فيه وقال في ( النيل ) :
( وقال أبو ثور : لا يصلى في حمام على ظاهر الحديث . وإلى ذلك ذهبت الظاهرية وروي عن ابن عباس أنه قال : لا يصلين إلى حش ولا في حمام ولا في مقبرة . قال ابن حزم : ما نعلم لابن عباس في هذا مخالفا في الصحابة وروينا مثل ذلك عن نافع بن جبير بن مطعم وإبراهيم النخعي وخيثمة والعلاء بن زياد عن أبيه . قال ابن حزم : ولا تحل الصلاة في حمام سواء في ذلك مبدأ بابه على جميع حدوده ولا على سطحه وسقف مستوقده وأعالي حيطانه خربا كان أو قائما فإن سقط من بنائه شيء يسقط عنه اسم حمام جازت الصلاة في أرضه حينئذ . انتهى . وذهب الجمهور إلى صحة الصلاة في الحمام مع الطهارة وتكون مكروهة وتمسكوا بعمومات نحو حديث : ( أينما أدركت الصلاة فصل ) وحملوا النهي على حمام متنجس والحق ما قاله الأولون لأن أحاديث المقبرة والحمام مخصصة لذلك العموم ) .
وقد اختلفوا في حكمة النهي عن الصلاة في الحمام فقيل : لأنه تكثر فيه النجاسات وقيل : لأنه مأوى الشياطين قال النووي :
( وهو الأصح ) . والله أعلم .
( الخامس : كل موضع يأوي إليه الشيطان كأماكن الفسق والفجور وكالكنائس والبيع ونحو ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم حين نزلوا في سفرهم وناموا عن صلاة الصبح :
( ليأخذ كل رجل برأس رحلته فإن هذا منزل حضرنا فيه الشيطان ) فلم يصل فيه ) .
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه قال : عرسنا مع نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم نستيقظ حتى طلعت الشمس فقال النبي صلى الله عليه وسلم . . . فذكره . قال : ففعلنا ثم دعا بالماء فتوضأ ثم سجد سجدتين ثم أقيمت الصلاة فصلى الغداة .
أخرجه مسلم والبيهقي .
وقد روى هذه القصة مفصلا أبو قتادة وغيره من الصحابة لكن ليس فيها موضع الشاهد منه وقد تقدمت في ( المواقيت ) .
قال النووي في ( المجموع ) :
( الصلاة في مأوى الشيطان مكروهة بالاتفاق وذلك مثل مواضع الخمر والحانة ومواضع المكوس ونحوها من المعاصي الفاحشة والكنائس والبيع والحشوش ونحو ذلك فإن صلى في شيء من ذلك ولم يماس نجاسة بدنه ولا ثوبه صحت صلاته مع الكراهة ) ثم قال :
( واعلم أن بطون الأودية لا تكره فيها الصلاة كما لا تكره في غيرها وأما قول الغزالي : تكره الصلاة في بطن الوادي . فباطل أنكروه عليه وإنما كره الشافعي رحمه الله الصلاة في الوداي الذي نام فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة لا في كل واد وقد قال بعض العلماء : لا تكره الصلاة في ذلك الوادي أيضاح لأنا لا نتحقق بقاء ذلك الشيطان والله أعلم . ويستحب أن لا يصلي في موضع حضره فيه الشيطان لهذا الحديث ) .
قلت : الحديث بظاهره يفيد ما هو أعلى من الاستحباب - أعني الوجوب - لأمره عليه الصلاة والسلام إياهم بالخروج فإذا كان هناك من يقول به فهو قولنا والله أعلم . وقال :
( وتكره الصلاة في الكنيسة والبيعة حكاه ابن المنذر عن عمر بن الخطاب وابن عباس ومالك رضي الله عنه ) .
وقد روى البخاري تعليقا عن عمر أنه قال :
إنا لا ندخل كنائسكم من أجل التماثيل التي فيها والصور . وكان ابن عباس يصلي في البيعة إلا بيعة فيها تماثيل . وهذا أوصله البغوي في ( الجعديات ) وزاد فيه : فإن كان فيها تماثيل خرج فصلى في المطر .
وأما قول عمر فوصله عبد الرزاق من طريق أسلم مولى عمر قال : لما قدم الشام صنع له رجل من النصارى طعاما - وكان من عظمائهم - وقال : أحب أن تجيئني وتكرمني فقاله له عمر : إنا لا ندخل كنائسكم من أجل الصور التي فيها - يعني التماثيل - . اه من ( الفتح ) .
ثم حكى النووي عن بعض العلماء الترخيص في الصلاة في الكنيسة والبيعة ولعل ذلك فيما إذا كانت خالية عن الصور والتماثيل كما يفيده أثر ابن عباس وإلا فهو على إطلاقه بعيد عن الصواب لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صوره كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى محا ما فيها من الصور ثم هي بمنزلة المسجد المبني على القبر كما قال شيخ الإسلام في ( الفتاوى ) للحديث السابق : ( إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك فقد صلى الصحابة في الكنيسة والله أعلم وقال في ( الاختيارات ) :
( والمذهب الذي عليه عامة الأصحاب كراهة دخول الكنيسة المصورة فالصلاة فيها وفي كل مكان فيه تصاوير أشد كراهة وهذا هو الصواب الذي لا ريب فيه ولا شك ) .
( السادس : الأرض المغصوبة لأن اللبث فيها يحرم في غير الصلاة فلأن يحرم في الصلاة أولى وقد قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا . . . } [ النور/27 - 28 ] ) .
فنهى الله سبحانه المؤمنين عن مجرد الدخول بدون إذن وحرم ذلك عليهم فتحريم غصب الدار أو الأرض واللبث فيها أولى وتحريم الصلاة فيها أولى وأولى ولذلك كانت الصلاة في الأرض المغصوبة حراما بالإجماع كما نقله النووي . وإنما اختلفوا في صحة الصلاة فيها فالجمهور على أنها صحيحة وقال أحمد وابن حزم في ( المحلى ) و( الأحكام في أصول الأحكام ) .
( إنها باطلة ) .
والأقرب إلى الصواب ما ذهب إليه الجمهور لأن المنع لا يختص بالصلاة فلا يمنع صحتها . والله تعالى أعلم .
( السابع : مسجد الضرار الذي بقرب قباء وكل مسجد بني ضرارا وتفريقا بين المسلمين لقوله تعالى : { والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل } إلى قوله : { لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه } [ التوبة/107 - 108 ] ) .
قال علماء التفسير ما ملخصه :
( إن بني عمرو بن عوف اتخذوا مسجد قباء وطلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم . فصلى فيه عليه الصلاة والسلام فحسدهم إخوانهم بنو غنم بن عوف وقالوا : نبني مسجدا ونبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يأتينا فيصلي لنا كما صلى في مسجد إخواننا ويصلي فيه أبو عامر إذا قدم من الشام 31 . فأتوه صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز إلى تبوك فقالوا : يا رسول الله قد بنينا مسجدا لذي الحاجة والعلة والليلة المطيرة ونحب أن تصلي لنا فيه وتدعو بالبركة - وغنما أرادوا بذلك الاحتجاج بصلاته فيه على تقريره وإثباته فعصمه الله من الصلاة فيه - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إني على سفر وحال شغل فلو قدمنا لأتيناكم وصلينا لكم إن شاء الله ) فلما انصرف من تبوك أتوه وقد فرغوا منه وصلوا فيه الجمعة والسبت والأحد فدعا بقميصه ليلبسه ويأتيهم فنزل عليه القرآن بخبر مسجد الضرار فدعا النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة فقال : ( انطلقوا إلى هذا المسجد الظالم أهله فاهدموه وأحرقوه ) فخرجوا مسرعين فأحرقوا المسجد وهدموه ) .
وفي الآية دلالة على أنه لا تجوز الصلاة في مسجد الضرار وما في معناه من المساجد وقد ذهب إلى هذا المالكية وغيرهم ونص ابن حزم في ( المحلى ) بقوله تعالى في الآية : { لا تقم فيه أبدا } قال :
( فصح أنه ليس موضع صلاة ) .
قلت : والآية وإن كانت خاصة في مسجد الضرار فليس هو مقصودا بذاته كما لا يخفى بل المقصود الأوصاف التي وصف بها من الضرار والتفريق فكل مسجد وجدت فيه هذه الأوصاف أو بعضها كان له حكم مسجد الضرار ولذلك قال القرطبي في ( تفسيره ) :
( قال علماؤنا : وكل مسجد بني ضرارا أو رياء وسمعة فهو في حكم مسجد الضرار لا تجوز الصلاة فيه ) . وقال أيضا :
( قال علماؤنا : لا يجوز أن يبنى مسجد إلى جنب مسجد ويجب هدمه والمنع من بنائه لئلا ينصرف أهل المسجد الأول فيبقى شاغرا إلا أن تكون المحلة كبيرة فلا يكفي أهلها مسجد واحد فيبنى حينئذ . وكذلك قالوا : لا ينبغي أن يبنى في المصر الواحد جامعان وثلاثة ويجب منع الثاني ومن صلى فيه الجمعة لم تجزه وقد أحرق النبي صلى الله عليه وسلم مسجد الضرار وهدمه . وأسند الطبري عن شقيق أنه جاء ليصلي في مسجدبني غاضرة فوجد الصلاة قد فاتته فقيل له : إن مسجد بني فلان لم يصل فيه بعد فقال : لا أحب أن أصلي فيه لأنه بني على ضرار ) .
( الثامن : مواضع الخسف والعذاب فإنه لا يجوز دخولها مطلقا إلا مع البكاء والخوف من الله تعالى لقوله عليه الصلاة والسلام [ لما مر بالحجر ] : ( لا تدخلوا البيوت على هؤلاء القوم الذي عذبوا [ أصحاب الحجر ] إلا أن تكونوا باكين فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم فإني أخاف أن يصيبكم مثل ما أصابهم ) [ ثم قنع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه [ بردائه وهو على الرحل ] وأسرع السير حتى أجاز الوادي ] ) .
الحديث هو من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنه وله عنه ثلاثة طرق :
الأول : عن عبد الله بن دينار واللفظ المرفوع من كلامه عليه السلام هو له .
أخرجه البخاري ومسلم وأحمد - والسياق له - في رواية والبيهقي من طرق عنه . وبعض أسانيده عند أحمد ثلاثي .
وفي رواية للبخاري من طريق سليمان - وهو ابن بلال - عن عبد الله بن دينار بلفظ :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل الحجر في غزوة تبوك أمرهم أن لا يشربوا من بئرها ولا يستقوا منها فقالوا : قد عجنا منها واستقينا . فأمرهم أن يطرحوا ذلك العجين وهرقوا ذلك الماء .
الثاني : عن نافع بلفظ :
نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس عام تبوك نزل بهم الحجر عند بيوت ثمود فاستسقى الناس من الآبار التي كان يشرب منها ثمود فعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهرقوا وعلفوا العجين الإبل ثم ارتحل بهم حتى نزل بهم على البئر التي كان تشرب منها الناقة ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا قال : ( إني أخشى أن يصيبكم مثل ما أصابهم فلا تدخلوا عليهم ) .
أخرجه أحمد : ثنا عبد الصمد : ثنا صخر - يعني ابن جويرية - عنه .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين . وقد أخرجاه من طريق عبيد الله عن نافع به نحوه دون قولهم : ونهاهم . . . إلخ . وقال البخاري :
( تابعه أسامة عن نافع ) .
الثالث : عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر به نحو حديث ابن دينار .
أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي وأحمد من طريق الزهري عنه . وفيه الزيادة الأولى عند الجميع والأخرى عند البخاري والبيهقي إلا قوله : ( بردائه وهو على الرحل ) في رواية لأحمد وكذا البخاري في رواية .
ففي الحديث النهي عن الدخول في أماكن المعذبين والمقام بها إلا باكيا قال البيهقي :
( فدخل في ذلك المقام للصلاة وغيرها ) .
وقد جاء في ذلك حديث صريح إلا أنه متكلم فيه أخرجه أبو داود وعنه البيهقي من طريقين ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي عن أبي صالح الغفاري :
أن عليا رضي الله عنه مر ببابل وهو يسير فجاءه المؤذن يؤذن بصلاة العصر فلما برز فيها أمر المؤذن فأقام الصلاة فلما فرغ قال :
إن حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أصلي في المقبرة ونهاني أن أصلي في ارض بابل فإنها ملعونة .
ثم أخرجه عنهما أيضا عن الحجاج بن شداد عن أبي صالح الغفاري به بمعناه . قال الخطابي :
( في إسناد هذا الحديث مقال ) وقال الحافظ في ( الفتح ) :
( في إسناده ضعف ) .
قلت : ولعل علته الانقطاع بين أبي صالح - واسمه سعيد بن عبد الرحمن - وبين علي رضي الله عنه . فقد قال ابن يونس :
( روايته عن علي مرسلة ) .
ورجاله موثقون .
وقد ورد موقوفا على علي فقال البخاري :
( ويذكر أن عليا رضي الله عنه كره الصلاة بخسف بابل ) . وقال الحافظ :
( وهذا الأثر رواه ابن أبي شيبة من طريق عبد الله بن أبي الملح - وهو بضم الميم وكسر المهملة وتشديد اللام - قال : كنا مع علي فمررنا على الخسف الذي ببابل فلم يصل حتى أجازه أي : تعداه ومن طريق أخرى عن علي قال : ما كنت لأصلي في أرض خسف الله بها ) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( الاقتضاء ) بعد أن ساق حديث علي المرفوع من طريق أبي داود : ( وقد روى الإمام أحمد في رواية ابنه عبد الله بإسناد أوضح من هذا عن علي رضي الله عنه نحو من هذا : أنه كره الصلاة بأرض بابل وأرض الخسف أو نحو ذلك . وكره الإمام أحمد الصلاة في هذه الأمكنة اتباعا لعلي رضي الله عنه وقوله : نهاني أن أصلي في أرض بابل فإنها ملعونة . يقضي أن لا يصلي في أرض ملعونة والحديث المشهور في الحجر يوافق هذا فإنه إذا كان قد نهى عن الدخول إلى أرض العذاب دخل في ذلك الصلاة وغيرها ويوافق ذلك قوله سبحانه عن مسجد الضرار : { لا تقم فيه أبدا } فإنه كان من أمكنة العذاب قال سبحانه : { أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم } [ التوبة/109 ] وقد روي أنه لما هدم خرج منه دخان ) .
والرواية التي عزاها لأحمد لعلها في مسائل عبد الله عنه أو غيرها فإني لم أجدها في ( المسند ) ثم قال شيخ الإسلام في ( الاختيارات ) :
( ومقتضى كلام الآمدي وأبي الوفاء بن عقيل أنه لا تصح الصلاة في أرض الخسف وهو قوي ونص أحمد : لا يصلي فيها ) .
وأقول : إننا لم نجد دليلا على بطلان الصلاة وحديث النهي عن دخول أرض العذاب ليس خاصا بالصلاة حتى يقال بأنها باطلة فيها . وكذلك حديث علي لو صح لا يدل على البطلان ولذلك قال البيهقي بعد أن ساقه :
( وهذا النهي عن الصلاة فيها - إن ثبت مرفوعا - ليس لمعنى يرجع إلى الصلاة فلو صلى فيها لم يعد وإنما هو - والله أعلم - كما ثنا . . . ) ثم ساق حديث ابن عمر من طريق ابن دينار وفيه الإشارة إلى علة النهي وهو قوله عليه الصلاة والسلام :
( فإني أخاف أن يصيبكم مثل ما أصابهم ) .
نعم ظاهر النهي يفيد تحريم الصلاة فيها لكن قال الخطابي في ( المعالم ) :
( ولا أعلم أحدا من العلماء حرم الصلاة في أرض بابل ) .
( التاسع : المكان المرتفع يقف فيه الإمام وهو أعلى من مكان المأمومين فلا يجوز له أن يصلي فيه فقد ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم الإمام فوق شيء والناس خلفه - يعني : أسفل منه - ) .
الحديث من رواية أبي مسعود البدري قال : ( نهى . . . . ) إلخ .
أخرجه الدارقطني من طريق زياد بن عبدالله بن الطفل عن الأعمش عن إبرايم عن همام عنه . وقال :
( لم يروه غير زياد الكباء ولم يروه غير همام فيما نعلم ) .
قلت : ومن هذا الوجه أخرجه الحاكم أيضا أتم منه عن همام قال : صلى حذيفة بالناس بالمدائن فتقدم فوق دكان فأخذ أبو مسعود بمجامع ثيابه فمده فرجع فلما قضى الصلاة قال له أبو مسعود : ألم تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نهى أن يقوم الإمام فوق ويبقى الناس خلفه ؟ قال : فلم ترني أجبتك حين مددتني ؟ .
وإسناده حسن ورجاله ثقات .
وفي زيادة بن عبد الله كلام من جهة حفظه وهو صالح كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه وقد ذكر له هذا الحديث . وقد قال في ( التقريب ) :
( صدوق ثبت في المغازي وفي حديثه عن غير ابن إسحاق لين ) .
قلت : لكنه لم يتفرد به فقد أخرجه أبو داود والحاكم أيضا من طريق يعلى بن عبيد : ثنا الأعمش به نحو رواية الحاكم الأولى إلا أنه قال :
ألم تعلم أنهم كانوا ينهون عن ذلك ؟
وهذا له حكم المرفوع كما تقرر في المصطلح فهو بمعنى رواية زياد في الصريحة في الرفع ثم قال الحاكم :
( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي .
وهو كما قالا وصححه ابن خزيمة أيضا وابن حبان كما في ( التلخيص ) وكذلك صححه النووي في ( المجموع ) وعزاه للشافعي والبيهقي أيضا .
ثم أخرجه أبو داود من طريق أخرى بنحوه بلفظ :
( إذا أم الرجل القوم فلا يقم في مكان أرفع من مقامهم ) .
وفيه أن الإمام كان عمار بن ياسر والذي جبذه حذيفة . قال الحافظ :
( لكن فيه مجهول والأول أقوى ) .
والحديث دليل على تحريم وقوف الإمام في المكان المرتفع وقد اختلف العلماء في ذلك فقال النووي رحمه الله في ( المجموع ) :
( قال أصحابنا : يكره أن يكون موضع الإمام أو المأموم أعلى من موضع الآخر فإن احتيج إليه لتعليمهم أفعال الصلاة أو ليبلغ المأموم القوم تكبيرات الإمام ونحو ذلك استحب الارتفاع لتحصيل هذا المقصود . هذا مذهبنا وهو رواية عن أبي حنيفة وعنه رواية أنه يكره الارتفاع مطلقا وبه قال مالك والأوزاعي وحكى الشيخ أبو حامد عن الأوزاعي أنه قال : تبطل الصلاة ) .
قلت : ولعل مستنده في ذلك أن النهي الوارد خاص بالصلاة وذلك يفيد البطلان والله أعلم . وكان اللائق أن يكون هذا القول مذهبا لابن حزم ولكنه - على العكس من ذلك - ذهب إلى جوازه محتجا بحديث سهل بن سعد الآتي ولا دليل فيه كما يأتي بيان ذلك وضعف حديث ابن مسعود المذكور حيث قال :
( وهو خبر ساقط انفرد به زياد بن عبد الله البكائي وهو ضعيف ) . كذا قال وليس هو بهذه المنزلة في الضعف بحيث يقطع بضعفه ثم هو لم يتفرد به كما سبق بيانه .
هذا وقد روى الطبري في ( الكبير ) عن عبد الله بن مسعود أنه كره أن يؤمهم على المكان المرتفع . قال في ( المجمع ) :
( ورجاله رجال الصحيح ) .
وقد ذهب بعضهم إلى أن المنهي عنه إنما هو إذا كان ارتفاع المكان قدر قامة وزيادة بشرط أن يكون في المسجد وعكس ذلك جائز عندهم ولا دليل على هذا التفصيل في السنة إنما هو مجرد رأي بل كل مكان يصح أن يقال فيه لغة وعرفا : إنه أرفع من مكان المؤتمين فهو منهي عنه .
ولذلك قال الشوكاني بعد أن حكى أقوال العلماء في الفرق المشار إليه :
( والحاصل من الأدلة منع ارتفاع الإمام على المؤتمين من غير فرق بين المسجد وغيره وبين القامة ودونها وفوقها لقول ابن مسعود : إنهم كانوا ينهون عن ذلك وقول ابن مسعود : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . ) الحديث ) ثم قال :
( وأما ارتفاع المؤتم فإن كان مفرطا بحيث يكون فوق ثلاثمائة ذراع على وجه لا يمكن المؤتم العلم بأفعال الإمام فهو ممنوع للإجماع من غير فرق بين المسجد وغيره وإن كان دون ذلك المقدار فالأصل الجواز حتى يقوم دليل المنع ويعضد هذا الأصل فعل أبي هريرة المذكور ولم ينكر عليه ) .
قلت : أثر أبي هريرة المشار إليه علقه البخاري في ( صحيحه ) ووصله ابن أبي شيبة من طريق صالح مولى التوأمة قال : صليت مع أبي هريرة فوق المسجد بصلاة الإمام . قال الحافظ : ( وصالح فيه ضعف لكنه رواه سعيد بن منصور من وجه آخر عن أبي هريرة فاعتضد ) .
وأخرجه أيضا الشافعي والبيهقي كما في ( النيل ) .
وأقول أيضا : المؤتم إذا كان يصلي في مكان مرتفع فإما أن يكون ذلك لضرورة كضيق المكان أو غير ذلك وإما أن يكون لغير ضرورة فإن كان الأول فلا كلام فالضرورات تبيح المحظورات وإن كان الآخر وترتب منه قطع الصفوف والانفراد عن الصف - كما يفعله كثير من الناس المؤذنين وغيرهم والذين يصلون على السدة وأمامهم فراغ يتسع لصفوف كثير - فهو ممنوع غير جائز كما سيأتي بيانه في تسوية الصفوف إن شاء الله فإطلاق الشوكاني الجواز مع العلم بأنه غالبا يقترن مع الأمر المذكور ما أشرنا إليه من المحذور لا يخفى ما فيه ما فيه فتأمل .
( غير أنه يستثنى من ذلك ما إذا ما إذا كان الوقوف في هذا المكان لتظهر أفعال الإمام وحركاته في الصلاة للمؤتمين ليتعلموا ذلك منه فإنه جائز بل مستحب لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى مرة على المنبر ( فكبر وكبر الناس وراءه وعلا على المنبر [ ثم ركع وهو عليه ] ثم رفع فنزل القهقرى حتى سجد في أصل المنبر ثم عاد حتى فرغ من صلاته ثم أقبل على الناس فقال : يا أيها الناس إني إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ) .
هو من حديث سهل بن سعد قال : ( صحيح ) أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى امرأة : انظري غلامك النجار يعمل لي أعوادا أكلم الناس عليها فعمل هذه الثلاثة درجات ثم أمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت هذا الموضع فهي من طرفاء الغابة ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قام عليه فكبر . . . الحديث .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه والدارمي وأحمد عنه والسياق لمسلم والزيادة التي بين القوسين للبخاري وغيره .
والحديث واضح الدلالة لما ذكرنا لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي ) . وقد استدل لذلك الشافعية وغيرهم .
وأما الاستدلال به على جواز ارتفاع مكان مطلقا كما استدل به الدارمي فقال بعد أن ساق الحديث :
( في ذلك رخصة للإمام أن يكون أرفع من أصحابه ) .
وكما صنع ابن حزم حيث قال :
( لا بيان أبين من هذا في جواز صلاة الإمام في مكان أرفع من مكان المأمومين ) .
وحكى البخاري عن شيخه علي بن عبد الله المديني عن أحمد بن حنبل أنه قال : ( فلا بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا الحديث ) .
فهذا استدلال غريب من هؤلاء الأئمة لا يكاد عجبي ينتهي منه فكيف يستدلون به على الجواز مطلقا مع أنه مقيد بالتعليم بنص منه عليه الصلاة والسلام ؟ وهل هذا إلا كمن يستدل به على جواز الصعود على المنبر والنزول منه في أثناء الصلاة مطلقا بدون قصد التعليم ؟ وهل يقول بهذا عاقل ؟ فسبحان من خص الأنبياء وحدهم بالعصمة . ولذلك قال الحافظ في ( الفتح ) :
( وفيه جواز اختلاف موقف الإمام والمأموم في العلو والسفل وقد صرح بذلك المصنف في حكاية عن شيخه علي بن المديني عن أحمد بن حنبل ولابن دقيق العيد في ذلك بحث فإنه قال : من أراد أن يستدل به على جواز الارتفاع من غير قصد التعليم لم يستقم لأن اللفظ لا يتناوله ولانفراد الأصل بوصف معتبر تقتضي المناسبة اعتباره فلا بد منه ) .
فرحم الله ابن دقيق العيد فلقد كان دقيق النظر في الاستدلال منصفا في البحث لا تأخذه في الله لومة لائم .
( العاشر : المكان بين السواري يصف فيه المؤتمون . قال عبد الحميد بن محمود :
( حسن صحيح ) صلينا خلف أمير من الأمراء فأضطرنا الناس فصلينا بين الساريتين [ فجعل أنس بن مالك يتأخر ] فلما صلينا قال أنس : كنا نتقي هذا على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ) .
الحديث أخرجه أبو داود والنسائي والترمذي والحاكم وأحمد عن سفيان الثوري عن يحيى بن هاني بن عروة المرادي عن عبد الحميد به . والسياق للترمذي وقال :
( حديث حسن صحيح ) .
وما بين القوسين للنسائي وللحاكم المعنى وقال :
( صحيح ) . ووافقه الذهبي .
وهو كما قالا . وصححه الحافظ أيضا في ( الفتح ) .
وله شاهد من حديث هارون بن مسلم عن قتادة بن معاوية بن قرة عن أبيه قال : ( صحيح الإسناد ) ( كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونطرد عنها طردا ) .
أخرجه ابن ماجه والحاكم والطيالسي وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
وهو عندي حسن فإن رجاله كلهم ثقات غير هارون بن مسلم فقال أبو حاتم :
( مجهول ) .
وذكره ابن حبان في ( الثقات ) وفي ( التقريب ) أنه :
( مستور ) . وقال الذهبي في الميزان بعد أن ذكر قول أبي حاتم إنه مجهول : ( قلت : روى عنه أبو داود والطيالسي وسلم بن قتيبة وعمر بن سنان ) .
قلت : فأشار بهذا إلى أنه معروف برواية هؤلاء الثقات عنه غير أن عمر ابن سنان لم أجد له ترجمة . وقد قال الشوكاني بعد أن تكلم عليه وعلى حديث أنس الذي قبله :
( ويشهد له ما أخرجه الحاكم وصححه من حديث أنس بلفظ :
( كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ونطرد عنها وقال : لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف ) . ) .
قلت : وهو بهذا اللفظ غريب ولم أجده في ( المستدرك ) وقد أورده فيه من حديثه في موضعين كما سبقت الإشارة إلى ذلك بغير هذا اللفظ ثم إن كلام الشوكاني يفيد أنه حديث آخر غير حديث أنس الذي تكلم عليه سابقا . والله أعلم .
ثم قال الشوكاني :
( والحديثان المذكوران في الباب يدلان على كراهة الصلاة بين السواري وظاهر حديث معاوية بن قرة عن أبيه وحديث أنس الذي ذكره الحاكم أن ذلك محرم والعلة في الكراهة ما قاله أبو بكر ابن العربي من أن ذلك إما لانقطاع الصف أو لأنه موضع جمع النعال . قال ابن سيد الناس : والأول أشبه لأن الثاني محدث . قال القرطبي : روي أن سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين . وقد ذهب إلى كراهة الصلاة بين السواري بعض أهل العلم . قال الترمذي : وكره قوم من أهل العلم أن يصف بين السواري وبه قال أحمد وإسحاق وقد رخص قوم من أهل العلم في ذلك . انتهى .
وبالكراهة قال النخعي وروى سعيد بن منصور في ( سننه ) النهي عن ذلك عن ابن مسعود وابن عباس وحذيفة . قال ابن سيد الناس : ولا يعرف لهم مخالف في الصحابة . ورخص فيه أبو حنيفة ومالك والشافعي وابن المنذر قياسا على الإمام والمنفرد . قال ابن العربي : ولا خلاف في جوازه عند الضيق وأما عنده السعة فهو مكروه للجماعة فأما الواحد فلا بأس به وقد صلى صلى الله عليه وسلم في الكعبة بين سواريها . انتهى . وفيه أن حديث أنس المذكور في الباب إنما وردفي حال الضيق لقوله : فاضطرنا الناس . ويمكن أن يقال : إن الضرورة المشار إليها في الحديث لم تبلغ قدر الضرورة التي يرتفع الحرج معها . وحديث قرة ليس فيه إلا ذكر النهي عن الصف بين السواري ولم يقل : كنا ننهى عن الصلاة بين السواري ففيه دليل على التفرقة بين الجماعة والمنفرد ولكن حديث أنس الذي ذكره الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة فيحمل المطلق على المقيد ويدل على ذلك صلاته صلى الله عليه وسلم بين الساريتين فيكون النهي على هذا مختصا بصلاة المؤتمين بين السواري دون صلاة الإمام والمنفرد وهذا احسن ما يقال . وما تقدم من قياس المؤتمين على الإمام والمنفرد فاسد الاعتبار لمصادمته لأحاديث الباب ) ا . ه كلام الشوكاني ببعض اختصار .
وهو حق كله لا غبار عليه غير أن قوله : ( إن حديث أنس عند الحاكم فيه النهي عن مطلق الصلاة ) ليس بظاهر عندي أنه مطلق بل هو مقيد بصلاة الجماعة كحديث معاوية بن قرة بدليل قوله : ( لا تصلوا بين الأساطين وأتموا الصفوف ) فهذا عندي كالتفسير للنهي المذكور قبله والله أعلم . فإذا صح هذا وصح حديث أنس بهذه الزيادة فيكون فيها الإشارة إلى علة النهي وهي قطع الصفوف ولذلك أمر بإتمامها في الحديث نفسه والله أعلم .
وقد صرح الإمام أحمد بهذا فقال أبو داود في ( مسائله ) :
( سمعت أحمد سئل عن الصلاة بين الأساطين ؟ قال : إنما كره لأنه يقطع الصف فإذا تباعد بينهما فأرجو ) .
ولذلك أقول : إنه ينبغي لمن أراد أن يبني مسجدا أو جامعا أن يأمر المهندس بأن يضع له خارطة تكون فيه السواري قليلة ما أمكن تقليلا للمفسدة التي تترتب على وجودها في المساجد من قطع الصفوف وتضييق المكان على المصلين وإنه لمن الممكن اليوم بناء المسجد بدون أية سارية بواسطة الشمنتو والحديد ( الباطون ) إذا لم يكن المسجد واسعا جدا وقد بنيت في دمشق عدة مساجد على هذه المثال كمسجد ( لالا باشا ) في شارع بغداد وجامع المرابط في المهاجرين وغيرهما فالصفوف فيهما متصلة كلها حاشا الصفوف الأمامية فإنها مقطوعة مع الأسف بسبب هذه البدعة التي عمت جميع المساجد تقريبا وأعني بذلك المنبر العالي الطويل ذا الدرجات الكثيرة فهو على كونه بدعة مخالفة لهديه عليه الصلاة والسلام في منبره ذي الثلاث درجات وعلى ما فيه من الزخرفة والنقوش والإسراف وتضييع المال 32 - فهو بمنزلة السارية في قطع الصفوف بل إنه أضر منها لأنه يقطع صفوفا كثيرة على نسبة طوله فيجب على العلماء أن يبينوا ذلك وأن يدعوا في دروسهم ومواعظهم إلى إزالة هذه المنابر والرجوع بها إلى ما كان عليه منبره عليه الصلاة والسلام . وعلى من كان بيدهم الأمر تنفيذ ذلك تخليصا للمصلين من مفاسده .
وإن من مفاسده التي لا توجد في السواري أنه يؤدي في بعض الأحيان إلى فساد الصلاة وبطلانها كما شاهدناه مرارا فكثيرا ما يتفق أن الإمام يسهو عن التشهد الأول ويكبر قائما إلى الركعة الثالثة ويتابعه من وراءه وأما الذين وراء المنبر من الجهة اليمنى فلا علم عندهم بما طرأ على الإمام من السهو فيظنون أنه كبر على الصواب فيجلسون للتشهد بينا الإمام قائم فإذا ما كبر لركوع كبر هؤلاء للقيام فلا ينتبهون لما هم فيه من المخالفة وعدم المتابعة إلا حين يرفع الإمام رأسه من الركوع قائلا ( سمع الله لمن حمده ) وهنا تبدأ الرواية المضحكة المبكية فإنك ترى رجلا منهم يقطع الصلاة ويجدد البناء وآخر يحاول بزعمه إدراك الإمام ومتابعته فيقوم من التشهد ثم يقف لحظة ثم يركع ثم يرفع ثم يدرك الإمام في السجود أو فيما بعد ذلك .
وقد يقع ما هو أغرب من ذلك فإنه قد يتفق أحيانا أن يفتح بعضهم على الإمام إذا هم بالقيام قبل التشهد إلى الثالثة ساهيا بقوله : ( سبحان الله ) فيسمع من وراء المنبر فيعلمون أن الإمام سها ولكنهم يجهلون ما صار إليه الإمام : أرجع إلى التشهد فيظلوا هم قاعدين أم كان قد استتم قائما لا يجوز له حينئذ الرجوع إلى التشهد فيبقى قائما فيقومون معه ولذلك تراهم في حيص بيص فبعضهم قاعد وبعضهم قائم وآخر قعد ثم قام ورابع على عكسه قام ثم قعد ظنا منه أن الإمام كذلك فعل كل هذه المهازل نتجت من مخالفة هديه عليه الصلاة والسلام في منبره فعسى أن يتنبه لهذا ولاة أمور المساجد فيقوموا بما يلزم عليهم من الإصلاح فيها : و{ إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [ ق/37 ] .
ولذلك ذهب بعض العلماء من السلف إلى أن الصف الأول المقطوع بالمنبر ليس هو الصف بل هو الصف المتصل بين يدي المنبر قال الغزالي في ( الإحياء ) :
( ولا يغفل في طلب الصف الأول عن ثلاثة أمور ( فذكر الأول والثاني منها ثم قال : ) وثالثها : أن المنبر يقطع بعض الصفوف وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر وما على طرفيه مقطوع وكان الثوري يقول : الصف الأول هو الخارج بين يدي المنبر . وهو متجه لأنه متصل ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه ولا يبعد أن يقال : الأقرب إلى القبلة هو الصف الأول ولا يراعى هذا المعنى ) .
وبهذا جزم النووي في ( المجموع ) حيث قال :
( واعلم أن المراد بالصف الأول الذي يلي الإمام سواء تخلله منبر ومقصورة وأعمدة وغيرها أم لا ) .
وأيا ما كان فالصلاة وراء المنبر لا تخلو عن كراهة لتعرض الصلاة فيه للفساد والبطلان فإما أن يصلي في الصف الذي في الجهة الأخرى من المنبر حيث لا تخفى عليه حركات الإمام وإما أن يصلي في الصف الآخر وكذلك نفعل نحن إن شاء الله فلا نصلي بين السواري بل نتأخر عنها أو نتقدم كما فعل أنس بن مالك ولا فرق عندنا بين ذلك وبين الصلاة وراء المنبر لأن العلة واحدة ولأن في هذه الصلاة من التعرض لفسادها ما ليس في الصلاة بين السواري كما سبق . والله تعالى أعم .
( 7 - وما سوى هذه المواضع العشر فالصلاة فيها جائزة بدون أدنى كراهة وقد جاء النص على بعضها فوجب بيانها وهي :
أولا : المكان الذي أصابته نجاسة ثم ذهب أثرها بالجفاف فقد ( كانت الكلاب تبول وتقبل وتدبر في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا يرشون شيئا من ذلك ) مع العلم بأنهم كانوا يقومون فيه للصلاة وغيرها ) .
الحديث من رواية ابن عمر رضي الله عنه .
أخرجه البخاري وأبو داود والسياق له والبيهقي من طريق يونس عن ابن شهاب : ثنى حمزة بن عبد الله بن عمر قال : قال ابن عمر : كنت أبيت في المسجد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت فتى شابا عزبا وكانت الكلاب . . . الحديث .
وهو عند البخاري معلق حيث قال : وقال أحمد بن شبيب : ثنا أبي عن يونس به . وليس في بعض النسخ لفظة : تبول .
لكن عند البيهقي موصولا عن أحمد بن شبيب هذا .
وقد تابعه عن الزهري صالح بن أبي الخضر لكنه خالفه في الإسناد فقال : عن الزهري عن سالم بن عبد الله عن أبيه به .
أخرجه أحمد .
وصالح بن أبي الأخضر ضعيف من قبل حفظه لا سيما إذا خالف الثقة كما هنا .
والحديث استدل به أبو داود على ما ذكرنا حيث قال :
( باب في طهور الأرض إذا يبست ) . ثم ذكر الحديث .
قال ابن القيم رحمه الله في ( الإغاثة ) :
( وقد نص أحمد على حبل الغسال أنه ينشر عليه الثوب النجس ثم تجففه الشمس فينشر عليه الثوب الطاهر فقال : لا بأس به . وهذا كقول أبي حنيفة : إن الأرض النجسة يطهرها الريح والشمس . وهو وجه لأصحاب أحمد حتى إنه يجوز التيمم بها وحديث ابن عمر رضي الله عنه كالنص في ذلك ) .
قلت : فذكره ثم قال :
( وهذا لا يتوجه إلا على القول بطهارة الأرض بالريح والشمس ) .
وقال الشيخ علي القاري في ( الموضوعات ) بعد أن ذكر الحديث :
( فلولا اعتبار أنها تطهر بالجفاف كان ذلك بقية لها بوصف النجاسة مع العلم بأنهم يقومون عليها في الصلاة ألبتة لصغر المسجد وكثرة المصلين فيكون هذا بمنزلة الإجماع في مقام تحقيق النزاع ) .
وقد سبق زيادة بسط للمسألة في تطهير النجاسات .
( ثانيا : مرابض الغنم فقد ( سئل عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في مرابض الغنم ؟ فقالوا : صلوا فيها فإنها بركة ) .
الحديث صحيح الإسناد وهو من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه وقد تقدم بتمامه مع الكلام عليه تخريجا وتصحيحا في النهي عن الصلاة في مرابض الإبل .
( وفي حديث آخر : ( وصلوا في مراح الغنم فإنها هي أقرب إلى الرحمة ) .
وهذا من حديث عبد الله بن مغفل . أخرجه أحمد بسند حسن كما تقدم هناك .
( وقال عليه الصلاة والسلام : ( صلوا في مراح الغنم وامسحوا رغامها فإنها من دواب الجنة ) .
وهذا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه وله عنه ثلاثة طرق :
الأول : عن يعقوب بن كاسب : ثنا ابن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عنه مرفوعا به .
أخرجه البيهقي .
وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات غير أن يعقوب بن كاسب - وهو ابن حميد - وكثير بن زيد فيهما بعض الكلام من قبل حفظهما ولكن ذلك لا ينزل حديثهما عن رتبة الحسن لا سيما إذا لم يتفردا به . وقد قال في ( التقريب ) :
( كثير بن زيد صدوق يخطئ ويعقوب بن حميد بن كاسب وقد نسب لجده صدوق ربما وهم ) .
الطريق الثاني : رواه مسلم بن إبراهيم عن سعيد بن محمد الزهري ( وفي النسخة : الجوهري ) عن ابن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
ذكره البيهقي هكذا معلقا وهؤلاء كلهم ثقات رجال الستة غير سعيد ابن محمد أو الزهري أو الجوهري فلم أجد له ترجمة .
الثالث : عن إبراهيم بن عيينة قال : سمعت أبا حيان يذكر عن أبي زرعة أن ابن عمرو بن جرير عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ :
( إن الغنم من دواب الجنة فامسحوا رغامها وصلوا في مرابضها ) .
أخرجه البيهقي .
وهذا إسناد حسن أيضا رجاله ثقات غير إبراهيم بن عيينة وهو صدوق يهم كما في ( التقريب ) غير أن راوي هذا الحديث عنه سختويه بن مازيار لم أجد من ترجمه .
والحديث أورده في ( المجمع ) بلفظ :
( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في مرابض الغنم ؟ قال : امسح رغامها وصل في مراحها فإنها من دواب الجنة ) .
رواه البزار . وفيه عبد الله بن جعفر بن نجيح وهو ضعيف وقال أحمد بن عدي :
( يكتب حديثه ولا يحتج به ) .
قلت : لكنه يتقوى بما قبله من الطرق فالحديث بها صحيح ولا يضره أنه جاء موقوفا كما قال البيهقي :
( ورواه حميد بن مالك عن أبي هريرة موقوفا عليه وقيل : مرفوعا والموقوف أصح ) .
فإن الرفع زيادة يجب قبولها لا سيما أن الموقوف في معنى المرفوع ههنا لأنه لا يقال بمجرد الرأي لأنه لا يجوز لأحد أن يقول : دابة كذا من دواب الجنة . إلا بنص من المعصوم كما هو ظاهر لا يخفى .
هذا وفي الصلاة في مرابض الغنم أحاديث أخرى سبق ذكرها فيما تقدمت الإشارة إليه .
قال ابن القيم في ( إغاثة اللهفان ) :
( ومن ذلك أن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة حيث كان وفي أي مكان اتفق سوى ما نهى عنه ) قال :
( وكان يصلي في مرابض الغنم وأمر بذلك ولم يشترط حائلا . قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على إباحة الصلاة في مرابض الغنم إلا الشافعي فإنه قال : أكره ذلك إلا إذا كان سليما من أبعارها ) .
ثم ذكر ابن القيم حديث أبي هريرة وابن مغفل وأشار إلى بعض ما أشرنا إليه ثم قال :
( فأين هذا الهدي من فعل من لا يصلي إلا على سجادة تفرش فوق البساط فوق الحصير ويضع عليها المنديل ولا يمشي على الحصير ولا على البساط بلى يمشي عليها نقرا كالعصفور ؟ فما أحق هؤلاء بقول ابن مسعود : لأنتم أهدى من أصحاب محمد أو أنتم على شعبة من ضلالة ) ا . ه باختصار .
واعلم أن الأمر بالصلاة في مرابض الغنم في هذه الأحاديث إنما هو للإباحة لا للوجوب . قال العراقي :
( اتفاقا وإنما نبه صلى الله عليه وسلم على ذلك لئلا يظن أن حكمها حكم الإبل أو أنه أخرج على جواب السائل حين سأله عن الأمرين فأجاب في الإبل بالمنع وفي الغنم بالإذن وأما الترغيب المذكور في الأحاديث بلفظ : ( فإنها بركة ) فهو إنما ذكر لقصد تبعيدها عن حكم الإبل كما وصف أصحاب الإبل بالغلظ والقسوة ووصف أصحاب الغنم بالسكينة ) ذكره الشوكاني .
وإنما قلنا بجواز الصلاة في غير المواضع التي سبق ذكرها لعدم ورود النهي عنها أو لعدم صحته كالصلاة في قارعة الطريق وفوق ظهر الكعبة وفي بطن الوادي ونحوها ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل حيث أدركتها ) فهذا عام يجب التمسك به في كل مكان إلا ما خص منه مما سبق ذكره . وبالله تعالى التوفيق .
( ثالثا : جوف الكعبة تطوعا فإن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة يوم الفتح ( صلى في [ جوف ] الكعبة [ ركعتين ] بين الساريتين [ وبينه وبين القبلة ثلاثة أذرع ] ) .
ثم إن الحديث وإن كان ورد في النافلة فالظاهر أن الفريضة مثلها في هذا الجواز لاستواء أحكام الفرائض والنوافل وجوبا وتحريما وإباحة إلا ما استثناه الشارع ولا استثناء هنا ) .
الحديث هو من رواية ابن عمر رضي الله عنه .
أخرجه البخاري ومسلم ومالك وأبو داود والنسائي والترمذي والدارمي وابن ماجه والطحاوي والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق كثيرة مطولا ومختصرا عن نافع عنه قال :
قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح فنزل بفناء الكعبة وأرسل إلى عثمان بن طلحة فجاء بالمفتاح ففتح الباب قال : ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال وأسامة بن زيد وعثمان بن طلحة وأمر بالباب فأغلق فلبثوا فيه مليا ثم فتح الباب فقال عبد الله : فبادرت الناس فتلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا وبلال على إثره فقلت لبلال : هل صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم قلت : أين ؟ قال : بين العمودين تلقاء وجهه . قال : ونسيت أن أسأله كم صلى .
والسياق لمسلم . وهو عند الترمذي مختصرا جدا عنده إلا الصلاة وفيه الزيادة الأولى . وهي عند مسلم أيضا من طريق أخرى عن ابن شهاب : أخبرني سالم بن عبد الله عن أبيه نحوه .
وهذه الطريق عند البخاري والنسائي أيضا والطحاوي والبيهقي - وعزاه للبخاري - وأحمد وكذا الدارمي .
والزيادة الأخيرة عند أبي داود والنسائي والطحاوي وأحمد والبيهقي من الطريق الأولى بسند صحيح على شرط الشيخين وللبخاري معناه .
وأما الزيادة الوسطى فهي من طريق أخرى عن ابن عمر . أخرجه البخاري والنسائي والبيهقي وأحمد من طرق عن سفيان بن سليمان قال : سمعت مجاهدا قال : أتي ابن عمر - وهو في منزله - فقيل له : إن النبي صلى الله عليه وسلم قد دخل الكعبة قال : فأقبلت فأجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قد خرج وأجد بلالا قائما بين البابين فقلت : يا بلال هل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكعبة ؟ قال : نعم ركع ركعتين بين هاتين الساريتين وأشار له بين الساريتين اللتين على يسارك إذا دخلت قال : ثم خرج فصلى في وجه الكعبة ركعتين .
والسياق لأحمد .
وقد تابعه على هذه الزيادة : ( ركعتين ) ليث وهون ابن أبي سليم وخصيف كلاهما عن مجاهد .
أخرجهما أحمد .
ولم ينفرد بها مجاهد عن ابن عمر بل تابعه عبد الله بن أبي مليكة عند النسائي وأحمد وإسناده صحيح . وعمرو بن دينار أيضا مختصرا عند أحمد وسنده صحيح أيضا على شرط الستة .
وكذلك رواه الطحاوي .
وللحديث شواهد منها :
عن عبد الرحمن بن صفوان قال : قلت لعمر بن الخطاب : كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة ؟ قال : صلى ركعتين .
أخرجه أبو داود والطحاوي والبيهقي وأحمد عن يزيد بن أبي زياد عن مجاهد عنه .
ويزيد هذا هو ا لهاشمي وهو ضعيف لسوء حفظه .
لكن الحديث أورده الحافظ في ( الفتح ) بلفظ :
( قال : فلما خرج عليه الصلاة والسلام سألت من كان معه فقالوا : صلى ركعتين عند السارية الوسطى . أخرجه الطبراني بإسناد صحيح ) .
فالظاهر أنه عند الطبراني من غير طريق يزيد هذا وإلا لما صححه الحافظ وهو القائل في ترجمته من ( التقريب ) :
( ضعيف كبر فتغير وصار يتلقن ) .
ومن طريقه رواه الطحاوي أيضا بنحو رواية الطبراني .
ومنها عن شيبة بن عثمان يرويه عنه عبد الرحمن بن الرجاج قال : أتيت شيبة بن عثمان فقلت : يا أبا عثمان إن ابن عباس يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة فلم يصل ؟ قال : بلى صلى ركعتين عند العمودين المقدمين ثم ألزق بهما ظهره .
أخرجه الطحاوي من طريق عبد الله بن مسلم بن هرمز عنه .
وعبد الله هذا ضعفه أحمد وابن معين والنسائي وغيرهما .
وأما عبد الرحمن بن الرجاج فلم أعرفه وقد أورده في ( المجمع ) بنحوه وقال :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) وفيه عبد الرحمن بن الزجاج - كذا بالزاي وفي الطحاوي بالراء - ولم أجد من ترجمه ) .
قلت : ولعل الحافظ العسقلاني عرفه فقد قال :
( أخرجه الطبراني بإسناد جيد ) .
لكن يشكل عليه أنه من طريق ابن هرمز وقد ضعفه هو في ( التقريب ) بيد أنه يحتمل أن يكون الطبراني رواه من غير طريقه . والله أعلم .
ومنها عن عثمان بن طلحة :
أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل البيت فصلى ركعتين وجاهك حين تدخل بين الساريتين .
أخرجه الطحاوي وأحمد والطبراني في ( الكبير ) من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عنه .
وهذا سند قوي كما قال الحافظ ورجاله رجال مسلم .
وروى منه الطيالسي الصلاة في الكعبة من هذا الوجه . وعنه البيهقي وقال :
( فيه إرسال بين عروة وعثمان ) . وتعقبه ابن التركماني بقوله :
( قلت : عروة سمع أباه الزبير وحديثه عنه مخرج في ( صحيح البخاري ) في مواضع والزبير أقدم موتا من عثمان بن طلحة فلا مانع من سماع عروة من عثمان وعلى أن صاحب ( الكمال ) صرح بسماعه منه ) .
ومنها عن جابر قال : دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت يوم الفتح فصلى فيه ركعتين . أخرجه الطحاوي من طريق أبي الزبير عنه .
ورجاله ثقات لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعنه .
هذا وقد استشكل قول ابن عمر في الروايات السابقة عنه عن بلال أنه قال : نعم صلى ركعتين . مع قوله في الرواية الأولى من طريق نافع عنه : ونسيت أن أسأله كم صلى .
وقد أجاب عن ذلك البيهقي وغيره بأنه ( يحتمل أن يكون ابن عمر أخبر عن اقل ما يكون صلاة وسكت عما زاد عليهما لأنه لم يسأل بلالا ) .
فعلى هذا فقوله : ركعتين . من كلام ابن عمر لا من كلام بلال وهو بعيد كما ترى ومع ذلك فقد قال الحافظ بعد أن ذكر نحو هذا الجمع :
( وقد وجدت ما يؤيد هذا ويستفاد منه جمع آخر بين الحديثين وهو ما أخرجه عمر بن شبة في كتاب مكة من طريق عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن ابن عمر في هذا الحديث : ( فاستقبلني بلال فقلت : ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم ههنا ؟ فأشار بيده أي صلى ركعتين بالسبابة والوسطى ) فعلى هذا يحتمل قوله : نسيت أن أسأله كم صلى . على أنه لم يسأله لفظا ولم يجبه لفظا وإنما استفاد منه صلاة الركعتين بإشارته لا بنطقه ) .
قلت : وهذا أقرب من الجمع الأول .
ثم إن الحافظ قد أبعد النجعة حيث عزا حديث ابن أبي رواد لابن شبة مع أنه في ( المسند ) باللفظ المذكور تماما .
هذا ولحديث ابن عمر طرق أخرى مختصرا عند الطيالسي وأحمد والبيهقي والطحاوي بلفظ :
( صلى في البيت ) . زاد في رواية :
( وسيأتي من ينهاكم عنه فتسمعون منه . قال - يعني ابن عباس - . زاد أحمد :
( قال : وكان ابن عباس جالسا قريبا منه ) .
وسنده صحيح على شرط مسلم وهو من طريق شعبة عن سماك الحنفي : سمعت ابن عمر به .
ورواه سعد عن سماك قال : سمعت ابن عباس يقول : لا تجعل شيئا من البيت خلفك وأتم به جميعا . وسمعت ابن عمر يقول : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه .
وسنده صحيح أيضا على شرطه .
وقول ابن عباس هذا رواه الطبراني أيضا بلفظ :
ما أحب أن أصلي في الكعبة من صلى فيها فقد ترك شيئا خلفه ولكن حدثني أخي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين دخلها خر بين العمودين ساجدا ثم قعد فدعا ولم يصل . قال في ( المجمع ) :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) وفيه ابن إسحاق وهو ثقة لكنه مدلس ) .
قلت : وقد صح عن ابن عباس أنه كان ينفي كون النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وهو لم يشاهد ذلك وإنما كان يروي ذلك تارة عن أخيه الفضل كما في هذه الرواية وكذلك هي في ( المسند ) وغيره من طرق أخرى . وتارة يرويه عن أسامة بن زيد كما في مسلم وغيره ولعله يأتي حديثه في استقبال القبلة إن شاء الله تعالى .
لكن العلماء أخذوا برواية بلال ومن معه من الأصحاب لأنها زيادة ثقة ولأنه مثبت والمثبت مقدم على النافي كما هي القاعدة في مثل هذا الاختلاف . ومعنى قول أسامة : لم يصل : لم أره صلى . فهو لم يعلم ذلك وأولئك علموا ومن علم حجة على من لم يعلم .
ولذلك ذهب الجمهور إلى جواز الصلاة في البيت الفرض والنفل وبه قال أبو حنيفة والثوري وجمهور العلماء كما قال النووي في ( المجموع ) وقال الترمذي : ( حديث بلال حديث حسن صحيح والعمل عليه عند أكثر أهل العلم لا يرون بالصلاة في الكعبة بأسا وقال مالك بن أنس : لا بأس بالصلاة النافلة في الكعبة وكره أن تصلى المكتوبة في الكعبة وقال الشافعي : لا بأس أن تصلى المكتوبة والتطوع في الكعبة لأن حكم النافلة والمكتوبة في الطهارة والقبلة سواء ) .
وهذا الذي قاله الشافعي هو الحق إن شاء الله تعالى لأن الحديث وإن كان قد ورد في النافلة فالظاهر أن الفريضة مثلها في هذا الجواز لاستواء أحكام النوافل مع أحكام الفرائض وجوبا وتحريما وإباحة إلا ما استثناه الشارع ولا استثناء هنا .
ولوضوح هذا الذي قاله الشافعي ذهب إليه ابن حزم وهو من هو في ظاهريته فقد قال : في ( المحلى ) ردا على أتباع مالك ما نصه :
( ما قال أحد قط : إن صلاته المذكورة صلى الله عليه وسلم كانت إلى غير القبلة وقد نص عليه الصلاة والسلام على أن الأرض كلها مسجد وباطن الكعبة أطيب الأرض وأفضلها فهي أفضل المساجد وأولاها بصلاة الفرض والنافلة ولا يجوز لغيرالراكب أو الخائف أو المريض أن يصلي نافلة إلى غير القبلة والتفريق بين الفرض والنافلة بلا قرآن ولا سنة ولا إجماع خطأ . وبالله تعالى التوفيق ) .
ومع وضوح هذا وظهوره فقد خالف فيه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث اختار ما ذهب إليه مالك رحمه الله فقال في ( الاختيارات ) : ( ولا تصح الفريضة في الكعبة بل النافلة وهو ظاهر مذهب أحمد وأما صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في البيت فإنها كانت تطوعا فلا يلحق الفرض لأنه صلى الله عليه وسلم صلى داخل البيت ركعتين ثم قال : هذه القبلة . فيشبه - والله أعلم - أن يكون ذكره لهذا الكلام في عقيب الصلاة خاج البيت بيانا لأن القبلة المأمور باستقبالها هي البنية كلها لئلا يتوهم متوهم أن استقبال بعضها كان في الفرض لأجل أنه صلى التطوع في البيت وإلا فقد علم الناس كلهم أن الكعبة في الجملة هي القبلة فلا بد لهذا الكلام من فائدة وعلم شيء قد يخفى ويقع محل الشبهة وابن عباس روى هذا الحديث وفهم منه هذا المعنى وهو أعلم بمعنى ما سمع ) .
قلت : ابن عباس الذي روى الحديث لم يفهم هذا المعنى بهذا التفصيل الذي ذهب إليه الشيخ من صلاة النافلة في الكعبة دون الفريضة فإنه نفى أن يكون عليه الصلاة والسلام قد صلى مطلقا في البيت حيث قال : ولم يصل حتى خرج منه فلما خرج ركع ركعتين في قبل الكعبة وقال : هذه القبلة . ثم إنه رضي الله عنه لم يسمع هذا الكلام منه عليه الصلاة والسلام مباشرة كما يشير إليه كلام الشيخ وإنما أخذه عن أسامة أو غيره من الصحابة كما سبق ذكره وحينئذ فهو وغيره سواء ممن لم يسمع ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم .
ثم إن كلام الشيخ يفيد جواز استقبال بعض بنية الكعبة في النافلة وأما في الفريضة فلا بد من استقبالها كلها وليت شعري كيف يمكن استقبالها كلها عمليا فإنه من البديهي أن مستقبل الكعبة من خارجها إنما يستقبل منها ما هو على سمته أمامه ثم يبقى أكثرها من عن يمينه ويساره غير مستقبلها ؟ وحينئذ ما الفرق بين هذا وبين الصلاة داخلها وهو في كلا الحالين إنما يستقبل بعضها . ولذلك قال ابن حزم رحمه الله :
( واحتج أتباع مالك بأن قالوا : إن من صلى داخل الكعبة فقد استدبر بعض الكعبة ( قال : ) إنما قال الله عز وجل : { ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره } [ البقرة : 150 ] فلو كان ما ذكره المالكيون حجة لما حل لأحد أن يصلي في المسجد الحرام لأنه هو القبلة بنص كلام الله تعالى في القرآن وكل من يصلي فيه فلا بد له من أن يستدبر بعضه فظهر فساد هذا القول . وأيضا فإن كل من صلى إلى المسجد الحرام أو إلى الكعبة فلا بد له من أن يترك بعضها عن يمينه وبعضها عن شماله ولا فرق عند أحد من أهل العلم في أنه لا فرق بين استدبار القبلة في الصلاة وبين أن يجعلها عن يمينه أو عن شماله فصح أنه لم يكلفنا الله عز وجل قط مراعاة هذا وإنما كلفنا أن نقابل بأوجهنا ما قابلنا من جدار الكعبة أو من جدار المسجد قبالة الكعبة حيثما كنا فقط ) .
وأما قول الشيخ رحمه الله : ( فلا بد لهذا الكلام من فائدة ) فهو حق لكن ليس من الظاهر من هذا الكلام ما فهمه شيخ الإسلام من الفرق بين النافلة والفريضة في الاستقبال وكأنه لذلك لم يذهب إليه أحد من الشراح فقد ذكر الحافظ في المراد من قوله عليه الصلاة والسلام : ( هذه القبلة ) أربعة أقوال للعلماء ليس فيها هذا الذي ذهب إليه الشيخ وسيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى فيما سبقت الإشارة إليه .
ذلك ويدل لجواز الصلاة أيضا هذا الحديث الآتي :
( وقالت عائشة رضي الله عنها :
( كنت أحب أن أدخل البيت فأصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فأدخلني الحجر وقال : إن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا في بنائها فأخرجوا الحجر من البيت فإذا أردت أن تصلي في البيت فصل في الحجر فإنما هو قطعة منه ) .
الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي أيضا والطحاوي - والسياق له - وأحمد من طريق علقمة بن أبي علقمة عن أمه عنها . وقال الترمذي :
( حسن صحيح ) .
قلت : وأم علقمة هذه اسمها مرجانة وهي مشهورة وفي ( التقريب ) :
( إنها مقبولة ) .
وقد تابعتها صفية بنت شيبة وهي ثقة مشهورة من رجال الشيخين .
أخرجه النسائي والطيالسي مختصرا بلفظ :
قلت : يا رسول الله ألا دخلت البيت ؟ قال : ( ادخلي الحجر فإنه من البيت ) .
وإسناده صحيح على شرطهما .
وله طريق أخرى عنها يرويه عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن عائشة نحو الأول .
أخرجه البيهقي وأحمد ورجاله ثقات إلا أن عطاء كان قد اختلط .
( وقال عليه الصلاة والسلام لعثمان بن طلحة : ( إن كنت رأيت قرني الكبش حين دخلت البيت فنسيت أن آمرك أن تخمرهما فخمرهما فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي ) .
أخرجه أبو داود والطحاوي وأحمد عن سفيان قال : ثني منصور عن خاله مسافع عن صفية بنت شيبة أم منصور قالت : أخبرتني امرأة من بني سليم ولدت عامة أهل دارنا : أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن طلحة قال . . . فذكره .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم وليس عند الطحاوي : عن خاله مسافع . فالحديث عنده عن منصور بن صفية عن صفية بنت شيبة قالت . . .
وقد رواه عن منصور أخوه محمد بن عبد الرحمن فجعل بعض الحديث عن منصور عن أمه مباشرة وبعضه عن منصور عن مسافع عن أم منصور .
أخرجه الإمام أحمد فقال : ثنا علي بن إسحاق قال : أنا عبد الله قال : أنا محمد بن عبد الرحمن عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه عن أم عثمان بنت سفيان وهي أم بني شيبة الأكابر - قال محمد بن عبد الرحمن :
وقد بايعت النبي صلى الله عليه وسلم - أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا شيبة ففتح فلما دخل البيت ورجع وفرغ ورجع شيبة إذا رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن أجب . فأتاه فقال : إني رأيت في البيت قرنا فغيبه قال منصور : فحدثني عبد الله بن مسافع عن أمي عن أم عثمان بنت أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له في الحديث : فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يلهي المصلين .
ومحمد بن عبد الرحمن ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وقال الحافظ في ( التقريب ) :
( إنه ضعيف ) .
قلت : وقد خالف سفيان في عدة مواضع من هذا الحديث :
أولا : جعل الحديث بعضه عن منصور عن أمه وبعضه عنه عن عبد الله ابن مسافع عن أمه .
ثانيا : سمى الواسطة بين منصور وبين أمه عبد الله بن مسافع وقال سفيان : مسافع بن شيبة قال : سمى صحابي الحديث الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم شيبة وسماه سفيان : عثمان بن طلحة والصواب رواية سفيان وهي تدل على ضعف محمد بن عبد الرحمن هذا . والله أعلم .
والحديثان يدلان على ما دل عليه الحديث السابق من جواز الصلاة في جوف الكعبة :
أما الأول منهما فمن حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم أقر عائشة رضي الله عنها على محبتها الصلاة فيه إلا أنه عليه الصلاة والسلام أمرها أن تصلي في الحجر وعلل ذلك بأنه من البيت فدل على جواز الصلاة في البيت كله وفيه الحجر ولعله عليه الصلاة والسلام إنما أمرها أن تصلي فيه دون جوف الكعبة وقتئذ لأن الحجر أفضى لها وأبعد عن مخالطة الرجال .
وأما الثاني فقد أشار عليه الصلاة والسلام فيه إلى جواز الصلاة فيه حيث أمر بإزالة ما يشغل المصلي فيه عن الخشوع .
وقد استدل بالحديثين على ما ذكرنا من الجواز الطحاوي رحمه الله ونقل القول به عن أبي حنيفة وصاحبيه وهو مذهب الجمهور كما سبق بل ذهب الشافعية إلى أن التنفل في الكعبة أفضل من خارجها وكذا الفرض إن لم يرج جماعة وأمكن الجماعة الحاضرين الصلاة فيها فإن لم يمكن فخارجها أفضل قال الشافعي :
( لا موضع أفضل ولا أطهر للصلاة من الكعبة ) . كذا ذكره النووي في ( المجموع ) ثم قال فيه :
( فإن قيل : كيف جزمتم بأن الصلاة في الكعبة أفضل من خارجها مع أنه مختلف بين العلماء في صحتها والخروج من الخلاف مستحب ؟ فالجواب أنا إنما نستحب الخروج من خلاف محترم وهو الخلاف في مسألة اجتهادية أما إذا كان الخلاف مخالفا سنة صحيحة كما في هذه المسألة فلا حرمة له ولا يستحب الخروج منه لأن صاحبه لم تبلغه هذه السنة وإن بلغته وخالفها فهو محجوج بها . والله أعلم ) . وهذا كلام حق يجب حفظه فإن كثيرا من المشايخ يتساهلون في كثير من السنن لمجرد أن فيها خلافا من بعض العلماء وقد ذكر ابن القيم في ( الزاد ) نحو ما نقلناه عن النووي ونص كلامه في ذلك :
( الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا تبينت فالاحتياط هو اتباعها وترك ما خالفها فإن كان تركها لأجل الاختلاف احتياطا فترك ما خالفها واتباعها أحوط وأحوط فالاحتياط نوعان : احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة . ولا يخفى رجحان أحدهما على الآخر ) .
( 8 - وتجوز الصلاة على ما يفرش على الأرض من بساط ونحوه مما يجوز القعود عليه وكان طاهرا فقد ( كان عليه الصلاة والسلام يصلي على الخمرة ) .
ثبت هذا الحديث عن جمع من الصحابة :
( 1 ) ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وله عنها طريقان :
أخرج الأول : البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد وعن سليمان الشيبان عن عبد الله بن شداد عنها .
وأخرج الطريق الآخر : أحمد وكذا النسائي بنحوه .
( 2 ) عبد الله بن عباس :
أخرجه الترمذي والحاكم والبيهقي والطيالسي وأحمد عن عكرمة عنه وهو لفظ الحاكم : بساط . بدل : الخمرة .
وهو رواية لأحمد والبيهقي وكذلك رواه ابن ماجه وكذا البيهقي من طريق زمعة بن صالح عن عمرو بن دينارعن ابن عباس . وقال الترمذي :
( حسن صحيح ) .
( 3 ) عائشة :
أخرجه الطيالسي وأحمد من طريق حماد ابن سملة عن الأرزق بن قيس عن ذكوان عنها .
وهذا سند صحيح رجاله رجال الصحيح .
وله طريق أخرى في ( المسند ) عن عروة عنها وهو صحيح أيضا على شرط الستة .
( 4 ) أنس بن مالك : وله عنه طريقان :
الأول : عن قتادة عنه .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) .
والأخر : عن أنس بن سيرين عنه .
أخرجه البيهقي .
( 5 ) أم سليم :
أخرجه أحمد والبيهقي عن عفان قال : ثنا وهيب قال : ثنا أيوب عن أبي قلابة عن أنس بن مالك عنها .
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة .
( 6 ) أم سلمة :
أخرجه أحمد أيضا : ثنا عفان : ثنا وهيب قال : ثنا خالد عن أبي قلابة عن بعض ولد أم سلمة عنها .
وإسناده كالذي قبله لولا هذا البعض الذي لم يسم لكن أورده الهيثمي في ( المجمع ) فقال :
( رواه أبو يعلى والطبراني في ( الكبير ) و( الأوسط ) ورجال الأول رجال الصحيح ) .
فلعله جاء مسمى عند أبي يعلى . والله أعلم .
( 7 ) ابن عمر :
أخرجه أحمد عن شريك عن أبي إسحاق عن البهي عنه ثم أخرجه من وجه آخر عن شريك به إلا أنه قال : ( عن عائشة أو عن ابن عمر . شك شريك ) .
وشريك سيئ الحفظ .
( 8 ) أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم :
رواه الطبراني في ( الكبير ) وأبو يعلى . ورجاله رجال ( الصحيح ) .
( 9 ) جابر بن عبد الله :
عند البزار .
وفيه الحجاج بن أرطأة وفيه اختلاف كما في ( المجمع ) .
واعلم أن ( الخمرة ) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم : هي مقدار ما يضع الرجل وجهه في سجوده من حصير أو نسيج خوص ونحوه من النبات ولا تكن خمرة إلا في هذا المقدار وسميت خمرة لأن خيوطها مستورة لبعضها . كذا قال ابن الأثير في ( النهاية ) . وفي ( الفتح ) :
( وقال الخطابي : هي السجادة يسجد عليها المصلي . ثم ذكر حديث ابن عباس في الفأرة التي جرت الفتيلة حتى ألقتها على الخمرة التي كان صلى الله عليه وسلم قاعدا عليها . ففي هذا تصريح بإطلاق الخمرة على ما زاد على قدر الوجه ) .
قلت : حديث ابن عباس هذا أخرجه البخاري في ( الأدب المفرد ) وأبو داود والحاكم من طريق عمرو بن طلحة قال : ثنا أسباط عن سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس به وتتمته : فاحترقت منها مثل موضع درهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إذا نمتم فأطفئوا سرجكم فإن الشيطان يدل مثل هذه على مثل هذا فتحرقكم ) .
وهذا سند جيد وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي .
( وعلى الحصير ) .
فيه أحاديث :
( 1 ) عن أنس بن مالك وله عنه طرق وألفاظ :
الأول : عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حصير .
أخرجه هكذا مختصرا الدارمي وأحمد وهو في ( الصحيحين ) وغيرهما مطولا ويأتي فيما بعد .
الثاني : عن شعبة عن أنس بن سيرين قال : سمعت أنس بن مالك قال : قال رجل من الأنصار : إني لا أستطيع الصلاة معك - وكان رجلا ضخما - فصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعاما فدعاه إلى منزله فبسط له حصيرا ونضح طرف الحصير وصلى عليه ركعتين . . . الحديث .
أخرجه البخاري وأبو داود وأحمد .
وأخرجه الطيالسي من هذا الوجه مختصرا بلفظ :
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين على حصير .
الثالث : عن ثابت عنه مختصرا دون قوله : ركعتين .
أخرجه الطبراني في ( الصغير ) .
( 2 ) عن أبي سعيد الخدري :
أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجده يصلي على حصير يسجد عليه .
رواه مسلم والترمذي وابن ماجه والبيهقي وأحمد عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عنه .
وقوله : ( يسجد عليه ) . تفرد به مسلم وأحمد .
( 3 ) عن المغيرة بن شعبة بلفظ :
كان يصلي على الحصير والفروة المدبوغة ( 1 ) .
( 1 ) أخرجه أبو داود والحاكم والبيهقي من طريق يونس ابن الحارث عن أبي عون محمد بن عبيد الله الثقفي عن أبيه عنه . وقال الحاكم :
( صحيح على شرط الشيخين ) وقال الذهبي :
( على شرط مسلم ) .
وهو وهم فإن يونس بن الحارث وعبيد الله الثقفي ليسا من رجال الشيخين . ثم إن الأول منهما ضعيف والآخر مجهول أشار ابن حبان إلى أن حديثه عن المغيرة منقطع كما في ( التقريب ) والحديث أخرجه أحمد من هذا الوجه بلفظ : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي أو يستحب أن يصلي على فروة مدبوغة .
( 4 ) عن عائشة بلفظ : كان له حصير يبسطه بالنهار ويحتجره بالليل فثاب إليه ناس فصلوا وراءه 
أخرجه البخاري عن المقبري عن أبي سلمة عنها .
وذكره الحافظ في ( الفتح ) بلفظ :
كان له حصير يبسطه ويصلي عليه .
ولعله ذكره بالمعنى أو أنه راوية للبخاري .
وأما ما رواه أبو يعلى عن شريح أنه سأل عائشة : أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي على الحصير فإني سمعت في كتاب الله : { وجعلنا جهنم للكافرين حصيرا } [ الإسراء : 8 ] ؟ قالت : لم يكن يصلي عليه .
ففي ثبوته نظر وإن قال الهيثمي :
( رجاله موثقون ) . وقال شيخه العراقي :
( رجاله ثقات ) .
فإن هذا لا يستلزم صحة الإسناد كما لا يخفى على النقاد وقال الشوكاني :
( وكيفية الجمع بين حديثها هذا وسائر الأحاديث أنها إنما نفت علمها ومن علم صلاته على الحصير مقدم على النافي وأيضا فإن حديثها وإن كان رجاله ثقات فإن فيه شذوذا كما قال العراقي ) .
قلت : وهذا هو الجواب الصحيح . وأما الجواب الذي قبله فهو مبني على أن عائشة لم ترو الصلاة على الحصير وليس كذلك كما علمت .
( ومرة ( صلى على حصير وقد اسود من طول ما لبس ) .
هو من حديث أنس رضي الله عنه أن جدته مليكة دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فأكل منه ثم قال رسول الله : قوموا فلأصلي بكم ) قال أنس : فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فنضحته بماء فقام عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا فصلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين ثم انصرف .
أخرجه مالك والبخاري ومسلم وأحمد ثلاثتهم عن مالك عن إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة عنه . واللفظ للبخاري .
ورواه النسائي وأحمد من طرق أخرى عن إسحاق نحوه وفيه : فسجد عليه .
ورواه أيضا مختصرا وقد سبق في الحديث الأول .
( و( على الفراش الذي يرقد عليه هو وأهله ) و( كان من أدم حشوه ليف ) .
هو من حديث عائشة رضي الله عنه .
أخرجه أحمد : ثنا ابن نمير قال : ثنا هشام عن أبيه عنها قالت :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا معترضة بينه وبين القبلة على الفراش الذي يرقد عليه هو وأهله فإذا أراد أن يوتر أيقظني فأوترت .
وهذا سند صحيح على شرط الستة .
ثم أخرجه من طريق يحيى عن هشام به نحوه .
وكذلك أخرجه من طريق يحيى عن هشام به نحوه .
وكذلك أخرجه البخاري عن يحيى به .
وقد أخرجه مسلم عن وكيع بن هشام به دون ذكر الفراش .
ثم أخرجه البخاري من طريق الزهري : أخبرني عروة بن الزبير به نحو حديث ابن نمير .
وللحديث طرق أخرى عن عائشة نحو رواية وكيع عن هشام . وسيأتي إن شاء الله تعالى في ( السترة ) .
ثم روى أحمد بإسناد الأول عن عائشة قالت :
كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف .
ثم أخرجه هو ومسلم والترمذي في ( الشمائل ) من طرق عن هشام به .
وفي لفظ لأحمد :
كان ضجاع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يرقد عليه هو وأهله من أدم محشوا ليفا .
وله عند الترمذي طريق أخرى رواه عن عبد الله بن ميمون قال : أنبأنا جعفر بن محمد عن أبيه عنها .
وهذا سند ضعيف لضعف عبد الله بن ميمون وانقطاعه بين محمد - وهو الباقر - وبين عائشة .
وروى البخاري تعليقا ووصله ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور كلاهما عن ابن المبارك عن حميد قال : كان أنس يصلي على فراشه .
وفي هذه الأحاديث دلالة واضحة على جواز الصلاة والسجود على كل ما يبسط دون الأرض وقد حكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم ولم يروا بالصلاة على البساط والطنفسة بأسا وهو قول الأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق وجمهور الفقهاء . ففيها رد على منكره ذلك من المتقدمين كالأسود وأصحابه ووافقهم مالك فقد قال في ( المدونة ) :
( وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والأدم وكان يقولك لا بأس أن يقوم عليها ويركع عليها ويقعد عليها ولا يسجد عليها ولا يضع كفيه عليها ) . قال ابن حزم :
( هذا قول لا دليل على صحته والسجود واجب على سبعة أعضاء : الرجلين والركبتين واليدين والجبهة والأنف وهو يجيز وضع جميع هذه الأعضاء على ما ذكرنا حاشا الجبهة فأي فرق بين أعضاء السجود ؟ ولا سبيل إلى وجود فرق بينها لا من قرآن ولا سنة صحيحة ولا سقيمة ولا من إجماع ولا من قياس ولا من قول صاحب ولا من رأي له وجه ) .
ولعل مالكا ومن وافقه لم تبلغهم هذه الأحاديث الصحيحة وإلا فالقول بكراهة ما فعله عليه الصلاة والسلام مرارا وتكرارا مشكل إذ هو عليه الصلاة والسلام لا يفعل المكروه إلا للبيان في بعض الأحيان عن بعض العلماء كأن ينهى عن شيء ثم يفعله دلالة على أن النهي ليس للتحريم بل للتنزيه فأين النهي هنا ؟
فالحق ما ذهب إليه الجمهور من الجواز بدون أدنى كراهة { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } [ الأحزاب/21 ] .
هذا وأما الصلاة في النعلين فجائزة بشرطه وقد سبق الكلام عليه في الأمر الثالث مما يجوز الصلاة فيه فراجعه .
( 9 - ويجب بناء المساجد في كل قرية أو محلة لا مساجد فيها وهم بحاجة إليها فقد ( أمر صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور ) يعني : المحال التي فيها الدور ) .
الحديث من رواية عائشة رضي الله عنه قالت . . . فذكرته وتمامه : وأن تنظف وتطيب .
أخرجه أبو داود وعنه ابن حزم وابن ماجه كلاهما عن زائدة بن قدامة والترمذي وأحمد وعنه البيهقي كلاهما عن صالح بن عامر الزبيري وابن ماجه أيضا عن مالك بن سعيد ثلاثتهم عن هشام بن عروة عن أبيه عنها .
وهذا سند صحيح على شرط الشيخين ولا يضره رواة من رواه عن هشام عن أبيه مرسلا كما أخرجه الترمذي وقال : ( هذا أصح من الحديث الأول ) .
فإن زائدة ومالك بن سعيد ثقتان حجتان احتج بهما الشيخان وغيرهما وقد وصلاه والوصل زيادة يجب قبولهاز وقد رواه موصولا ابن خزيمة أيضا في ( صحيحه ) كما في ( الترغيب ) .
وللحديث شواهد منها :
عن سمرة بن جندب أنه كتب إلى ابنه : أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا أن نصنعها في ديارنا ونصلح صنعتها ونطهرها .
أخرجه أبو داود وعنه البيهقي من طريق جعفر بن سعد ابن سمرة : ثني خبيب بن سليمان عن أبيه سليمان بن سمرة عن أبيه سمرة .
وهذا سند ضعيف لضعف جعفر هذا وجهالة من فوقه .
لكن له طريق أخرى يتقوى بها أخرجه أحمد من طريق بقية عن إسحاق بن ثعلبة عن مكحول بن سمرة بن جندي قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتخذ المساجد في ديارنا وأمرنا أن ننظفها .
وهذا سند ضعيف بقية مدلس وقد عنعنه وإسحاق بن ثعلبة قال أبو حاتم :
( مجهول منكر الحديث ) .
ومكحول لم يسمع من سمرة كما قال الحافظ في ( التعجيل ) .
وهنا وهمان وقع فيهما بعض الأجلة لا بد من التنبيه عليهما فقد ذكر الحديث بهذا اللفظ مجد الدين في ( المنتقى ) وقال :
( رواه أحمد والترمذي وصححه ) وقال الشوكاني :
( رواه أحمد بإسناد صحيح . وكذا رواه غيره بأسانيد جيدة ) .
قلت : والوهم الأول عزوه للترمذي ولم نجده في ( سننه ) ولا ذكره النابلسي في ( الذخائر ) .
والآخر : أن أحمد رواه بسند صحيح وليس بصحيح بل ولا حسن كيف ذلك وفيه التدليس والانقطاع والجهالة ؟
نعم له شاهد قوي عند أحمد : ثنا يعقوب : ثنا أبي عن أبي إسحاق - كذا والصواب : ابن إسحاق - ثني عمرو - كذا بالواو والصواب : عمر بحذف الواو - ابن عبدالله بن عروة بن الزبير عن جده عروة عمن حدثه من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا وأن نصلح صنعتها ونطهرها .
وهذا إسناد حسن رجاله ثقات رجال الشيخين غير ابن إسحاق وهو ثقة وقد صرح بالتحديث . وأما قول الهيثمي :
( رواه أحمد وإسناد صحيح ) .
ففيه شيء من التساهل .
قوله : ( الدور ) قال ابن حزم : هي المحلات والأرباض تقول : دار بني عبد الأشهل ودار بني النجار تريد محلة كل طائفة منهم ) . وقال البغوي في ( شرح السنة ) :
( يريد المحال الذي فيها الدور ومنه قوله تعالى : { سأريكم دار الفاسقين } [ الأعراف : 145 ] لأنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة : دارا ومنه الحديث : ما بقيت دار إلا بني فيها مسجد ) . نقله الشوكاني .
وقال الشيخ علي القاري في ( المشكاة ) :
( الدور ) جمع ( دار ) : وهو اسم جامع للبناء والعرصة والمحلة والمراد : المحلات فإنهم كانوا يسمون المحلة التي اجتمعت فيها قبيلة دارا أو محمول على اتخاذ بيت في الدار للصلاة كالمسجد يصلي فيه أهل البيت قاله ابن الملك والأول هو المعول وعليه العمل . ثم رأيت ابن حجر ذكر أن المراد ههنا المحلات والقبائل وحكمة أمره لأهل كل محلة ببناء مسجد فيها أنه قد يتعذر أو يشق على أهل محلة الذهاب للأخرى فيحرمون أجر المسجد وفضل إقامة الجماعة فيه فأمروا بذلك ليتيسر لأهل كل محلة العبادة في مسجدهم من غير مشقة تلحقهم . وقال البغوي : قال عطاء : لما فتح الله تعالى على عمر رضي الله عنه الأمصار أمر المسلمين ببناء المساجد وأمرهم أن لا يبنوا مسجدين يضار أحدهما الآخر ومن المضار فعل تفريق الجماعة إذا كان هناك مسجد يسعهم فإن ضاق سن توسعته أو اتخاذ مسجد يسعهم ) .
وقال ابن حزم بعد أن أورد حديث ابن عباس الآتي بلفظ : ( ما أمرت بتشييد المساجد ) قال : ( فلم يأمر عليه الصلاة والسلام ببناء المساجد في كل مكان وأمر ببناء المساجد في الدور فصح أن الذي نهى عنه عليه الصلاة والسلام هو غير الذي أمر به فإذ ذلك كذلك فحق بناء المساجد هو كما بين صلى الله عليه وسلم بأمره وفعله وهو قال : ( وعلى قدر ما بناها عليه الصلاة والسلام والدور هي المحلات . . . ) . مسجدهم الذي لا حرج عليهم في إجابة مؤذنه للصلوات الخمس فما زاد على ذلك أو نقص مما لم يفعله عليه الصلاة والسلام فباطل ومنكر والمنكر واجب تغييره . . . ) . قال : ( وقد هدم ابن مسعود مسجدا بناه عمرو بن عتبة بظهر الكوفة ورده إلى مسجد الجماعة ) 33 .
( ولذلك لما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لم يمكث فيها إلا قليلا من الأيام حتى بنى مسجده الشريف كما قال أنس رضي الله عنه : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم : بنو عمرو بن عوف فأقام فيهم أربع عشرة ليلة ثم أمر ببناء المسجد فارسل إلى ملأ من بني النجار فقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله قال : فكان فيه قبور المشركين وخرب ونخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ثم بالخرب فسويت وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعل عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول [ وهو ينقل اللبن :
هذا الحمال 34 لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر ]
اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصارالمهاجرة .
وفي رواية :
اللهم إن الأجر أجر الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة ) .
الحديث أوردناه مختصرا فإن فيه بعد قوله : أربع عشرة ليلة :
( ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه وملأ بني النجار حوله حتى أتى بفناء أبي أيوب وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم وأنه أمر . . . إلخ .
أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والطيالسي وأحمد والبيهقي من طرق عن أبي التياح عنه به .
ورواه ابن ماجه من طريق حماد بن سلمة عن أبي التياح مختصرا .
وهو رواية لأحمد وللترمذي منه من طريق شعبة عنه أنه كان يصلي في مرابض الغنم .
والرواية الأخرى للبخاري من حديث عائشة في حديث الهجرة بنحو حديث أنس وفيه الزيادة التي بين المربعين .
( وفي بنائها فضل عظيم وأجر كبير قال تعالى : { إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين } [ التوبة : 18 ] وقال صلى الله عليه وسلم : ( من بنى مسجدا لله تعالى [ ولو كمفحص قطاة ] [ أو أصغر ] [ يذكر فيه اسم الله ] بنى الله له في الجنة مثله ) .
الحديث رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه .
أخرجه البخاري ومسلم والبيهقي من طريق ابن وهب : أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أنه سمع عبيد الله الخولاني يذكر : أنه سمع عثمان بن عفان عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم : إنكم قد أكثرتم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :
( من بنى مسجدا - قال بكير : حسبت أنه قال : - يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة ) .
وله طرق أخرى عن عثمان :
فأخرجه مسلم والترمذي والدارمي وابن ماجه والبيهقي أيضا وأحمد عن عبد الحميد بن جعفر : ثني أبي عن محمود بن لبيد :
أن عثمان بن عفان أراد بناء المسجد فكره الناس ذلك فأحبوا أن يدعه على هيئته فقال . . . فذكره باللفظ المذكور أعلاه دون الزيادات الثلاثة التي بين الأقواس فهي في حديث غير حديث عثمان إلا الزيادة الأولى فإنها عند ابن أبي شيبة في حديث الباب من وجه آخر عن عثمان كما في ( الفتح ) .
وقد جاءت عن غيره أيضا فأخرجه الطبراني في ( الصغير ) والبيهقي من طرق عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر مرفوعا بلفظ :
( من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة ) .
وهذا سند صحيح .
وقد رواه البزار أيضا وابن حبان في ( صحيحه ) كما في ( الفتح ) و ( الترغيب ) ورواه الطيالسي عن قيس عن الأعمش به موقوفا . والمرفوع أصح .
ثم أخرجه الطيالسي وأحمد من حديث جابر عن عمار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مرفوعا مثل حديث أبي ذر وزاد : ( لبيضها ) .
وجابر هو الجعفي ضعيف .
ورواه البزار أيضا .
وأما الزيادة الثانية فهي من حديث جابر مرفوعا :
( من بنى مسجدا لله كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة ) .
أخرجه ابن ماجه من طريق إبراهيم بن نشيط عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي عن عطاء بن أبي رباح عنه . قال في ( الزوائد ) :
( إسناده صحيح ورجاله ثقات ) .
قلت : وهم من رجال مسلم غير إبراهيم بن نشيط وهو ثقة . وقال المنذري :
( إسناده صحيح ورواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) .
ويشهد له حديث أنس عند الترمذي من طريق نوح بن قيس عن عبد الرحمن مولى قيس عن زياد النميري عنه بلفظ : ( من بنى لله مسجدا صغيرا كان أو كبيرا . . . ) والباقي مثله .
وأشار المنذري لضعفه وذلك لأن عبد الرحمن هذا مجهول .
وزياد النميري - وهو ابن عبد الله - ضعيف كما في ( التقريب ) . قال الشوكاني :
( له طرق أخرى عن أنس منها عند الطبراني ومنها عند ابن عدي وفيهما مقال ) .
قلت : ولعل بعضها يقوي بعضا .
وأما الزيادة الثالثة : فهي من حديث عمر بن الخطاب مرفوعا :
( من بنى لله مسجدا يذكر فيه اسم الله تعالى بنى الله له بيتا في الجنة ) .
أخرجه ابن ماجه وأحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة عنه .
وإسناده صحيح رجاله رجال الصحيح .
ورواه ابن حبان في ( صحيحه ) وأعله المزي بالانقطاع بين عثمان هذا وعمر . ورده الحافظ في ( التهذيب ) بأنه مبني على قول الواقدي وهو وهم منه وبأنه صرح عثمان بسماعه من عمر في رواية ابن جرير الطبري في ( تهذيب الآثار ) .
ويشهد له حديث عمرو بن عبسة مرفوعا بهذا اللفظ إلا أنه قال :
( ليذكر الله عز وجل فيه ) .
أخرجه النسائي وأحمد من طريق بقية : ثنا بحير ابن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة عنه .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات وقد صرح بقية بالتحديث .
قال النووي رحمه الله :
( يحتمل قوله صلى الله عليه وسلم : ( مثله ) أمرين :
أحدهما : أن يكون معناه : بنى الله تعالى له مثله في مسمى البيت . وأما صفته في السعة وغيرها فمعلوم فضلها أنها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
الثاني : أن معناه أن فضله على بيوت الجنة كفضل المسجد على بيوت الدنيا ) .
والقول الأول هو الأظهر وقد ارتضاه الحافظ في ( الفتح ) والله تعالى أعلم .
ثم إن مما يجب التنبه له أن هذا الفضل إنما هو لمن بنى مسجدا مبتغيا به وجه الله تعالى كما يدل لذلك قوله في الحديث : ( لله ) . ويدل لهذا أيضا النصوص العامة من الكتاب والسنة .
وأما من قصد بذلك الفخر والمباهاة والتقرب إلى الدهماء كما يفعله كثير من الأمراء والكبراء فليس فيه إلا الوزر ولذلك قال الحافظ :
( فائدة : قال ابن الجوزي : من كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه كان بعيدا من الإخلاص . انتهى . ومن بناه بالأجرة لا يحصل له هذا الوعد المخصوص لعدم الإخلاص وإن كان يؤجر بالجملة ) .
( ويستحب أن يباشر بناء المسجد بنفسه ما أمكنه اقتداء منه به صلى الله عليه وسلم فقد كان يبني مسجده والصحابة يناولونه الطين والحجارة وهو يقول : ( ألا إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة ) .
الحديث قطعة من حديث أنس رضي الله عنه قال :
كان موضع مسجد النبي صلى الله عليه وسلم لبني النجار وكان فيه نخل وقبور المشركين فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثامنوني به ) فقالوا : لا نأخذ له ثمنا وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبنيه وهم يناولونه وهو يقول . . . إلخ .
قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قبل أن يبني المسجد حيث أدركته الصلاة .
أخرجه ابن ماجه وأحمد عن وكيع : ثنا حماد بن سملة عن أبي التياح عنه .
وهذا سند صحيح على شرط مسلم .
وقد أخرجه هو والبخاري وغيرهما من طرق أخرى عن أبي التياح به مطولا لكن ليس فيه موضع الشاهد منه وقد سبق لفظه قريبا .
وأخرج أحمد من طريق عمرو بن أبي عمرو عن ابن عبد الله بن حنطب عن أبي هريرة : أنهم كانوا يحملون اللبن لبناء المسجد ورسول الله صلى الله عليه وسلم معهم قال : فاستقبلت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عارض لبنة على بطنه فظننت أنها قد شقت عليه قلت : ناولنيها يا رسول الله . قال : ( خذ غيرها يا أبا هريرة فإنه لا عيش إلا عيش الآخرة ) . قال في ( المجمع ) :
( رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) .
كذا قال وهو على إطلاقه غير صحيح فإن ابن عبد الله هذا - واسمه المطلب - لم يرو له البخاري في ( صحيحه ) ولا مسلم . وإنما روى له الأولى في ( جزء القراءة ) ثم هو صدوق كثير التدليس والإرسال . وبقية رجاله ثقات رجال الستة .
( وينبغي أن يلاحظ في بنائه أمور :
الأول : أن يصلح صنعته ويتقن بناءه فقد كان صلى الله عليه وسلم يأمرنا أن نصنع المساجد في دورنا وأن نصلح صنعتها ) .
هو من حديث بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد حسن وقد جاء مسمى في بعض الروايات وهو سمرة بن جندب كما سبق قريبا ومضى الكلام عليه وتخريج هناك .
( الثاني : أن لا يشيده ويرفع بنيانه لقوله عليه الصلاة والسلام :
( ما أمرت بتشييد المساجد ) .
هو من حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا وتمامه : قال ابن عباس :
( لتزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى ) .
أخرجه أبو داود وعنه ابن حزم والبيهقي من طريق سفيان بن عيينة عن سفيان الثوري عن أبي فزارة عن يزيد ابن الأصم عنه به .
وهذا سند صحيح على شرط مسلم وقد صححه ابن حبان كما في ( بلوغ المرام ) وقد أخرج البخاري تعليقا قول ابن عباس المذكور قال الحافظ :
( وإنما لم يذكر البخاري المرفوع منه للاختلاف على يزيد بن الأصم في وصله وإرساله ) .
قلت : ومن وصله جاء بزيادة فيجب قبوله إذا كانت من ثقة كما ههنا إن أبا فزارة - واسمه راشد بن كيسان - ثقة كما قال الحافظ في ( التقريب ) وقد احتج به مسلم .
ثم إن قوله ابن عباس هذا قال القاري :
( وهو موقوف لكنه في حكم المرفوع ) وقال الصنعاني :
( كأنه فهم من الأخبار النبوية من أن هذه الأمة تحذو حذو بني إسرائيل ) .
وقد روي مرفوعا لكن سنده ضعيف .
أخرجه ابن ماجه : ثنا جبارة بن المغلس : ثنا عبد الكريم بن عبد الرحمن البجلي عن ليث عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا بلفظ :
( أراكم ستشرفون مساجدكم بعدي كما شرفت اليهود كنائسها وكما شرفت النصارى بيعها ) .
وليث - وهو ابن أبي سليم - ضعيف .
وجبارة بن المغلس أشد ضعفا منه .
ثم رواه ابن ماجه عن جبارة هذا عن عبد الكريم بن عبد الرحمن عن أبي إسحاق عن عمرو بن ميمون عن عمر بن الخطاب مرفوعا في ( الفتح ) :
( رجاله ثقات إلا شيخه جبارة بن المغلس ففيه مقال ) . وقال في ترجمته في ( التقريب ) :
( إنه ضعيف ) . ولذلك قال ابن كثير :
( وفي إسناده ضعف ) .
قال الخطابي في ( معالم السنن ) :
( التشييد رفع البناء وتطويله ) وكذلك قال البغوي كما في ( النيل ) وزاد :
( ومنه قوله تعالى : { بروج مشيدة } [ النساء : 78 ] وهي التي طول بناؤها يقال : شدت الشيء أشيده مثل بعته أبيعه : إذا بنيته بالشيد وهو الجص وشيدته تشييدا : طولته ورفعته ) .
وقيل : المراد بالبروج المشيدة المجصصة قال ابن رسلان :
( والمشهور في الحديث أن المراد بتشييد المساجد هنا رفع البناء وتطويله كما قال البغوي وفيه رد على من حمل قوله تعالى : { في بيوت أذن الله أن ترفع } [ النور/36 ] على رفع بنائها وهو الحقيقة بل المراد أن تعظم فلا يذكر فيها الخنى من الأقوال وتطييبها من الأدناس والأنجاس ولا ترفع فيها الأصوات . انتهى ) .
ومعنى الحديث : ( ما أمرت برفع بنائها ليجعل ذريعة إلى الزخرفة والتزيين الذي هو من فعل أهل الكتاب وفيه نوع توبيخ وتأنيب ) قال المناوي في ( الفيض ) . وقال الصنعاني :
( وفي قوله : ما أمرت . إشعار بأنه لا يحسن ذلك فإنه لو كان حسنا لأمره الله به ) .
( الثالث : أن لا يزخرفه ويزينه لأنه تضييع للمال فيما لا فائدة فيه لما فيه من إلهاء المصلي عن الخشوع الذي هو روح الصلاة ولبها ولذلك قال عليه الصلاة والسلام : ( لا ينبغي أن يكون في البيت ( الكعبة ) شيء يشغل المصلي ) وقد تقدم ) .
الحديث قاله عليه الصلاة والسلام حينما رأى قرني الكبش - كما سبق في الصلاة في الكعبة - فماذا كان يقول عليه الصلاة والسلام لو رأى هذه النقوش والزخارف التي افتتن بها بعض أمراء المسلمين وملوكهم ؟
وقد رويت أحاديث صريحة في النهي عن زخرفة المساجد ولكنها كلها لا تخلو من ضعف ولذلك آثرنا هذا الحديث الصحيح فإنه يقوم مقامها في المعنى ولا بأس من أن نسوق ما تيسر منها .
فمنها : عن أنس مرفوعا :
( ابنوا المساجد واتخذوها جما ) .
أخرجه البيهقي من طريق ليث عن أيوب عنه .
وليث - هو ابن سليم - ضعيف .
ثم هو منقطع فقد قال ابن عبد البر كما في ( زاد المعاد ) :
( ولم يسمع أيوب عن أنس عندهم شيئا ) .
ومنه تعلم أن رمز السيوطي له بالحسن ليس بحسن .
وقد نقل شارحه المناوي تضعيفه عن ابن القطان ومغلطاي والذهبي .
وذكر له السيوطي شاهدا من حديث ابن عباس بلفظ :
( رواه ابن أبي شيبة ) ورمز لحسنه أيضا ولم يتعقبه الشارح بشيء والله أعلم .
ومنها : عن ابن عمر قال : نهانا - أو نهينا - أن نصلي في مسجد مشرف .
أخرجه البيهقي أيضا من طريق ليث عن مجاهد عنه .
وهو ضعيف لما علمت من حال ليث . وفي ( مجمع الزوائد ) :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) ورجاله رجال الصحيح غير ليث بن أبي سليم وهو ثقة مدلس وقد عنعنه ) .
ثم روى البيهقي عن أبي عبيد أنه قال في حديث ابن عباس :
أمرنا أن نبني المساجد جما والمدائن شرفا قوله :
( جما ) : الجم التي لا شرف لها وكذلك البناء إذا لم يكن له شرف فهو أجم وجمعه جم ) .
ومنها : عن عبادة بن الصامت قال :
قالت الأنصار : إلى متى يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هذا الجريد ؟ فجمعوا له دنانير فأتوا بها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا : نصلح هذا المسجد ونزينه ؟ فقال :
( ليس لي رغبة عن أخي موسى عريش كعريش موسى ) .
رواه الطبراني في ( الكبير ) وفيه عيسى بن سنان : ضعفه أحمد وغيره ووثقه العجلي وابن حبان وابن خراش في رواية .
قلت : وفي ( التقريب ) :
( هو لين الحديث ) .
ومنها : عن أبي الدرداء مروفوعا :
( إذا زخرفتم مساجدكم وحليتم مصاحفكم فالدمار عليكم ) .
أخرجه الحكيم الترمذي وكذا ابن المبارك في ( الزهد ) بإسناد ضعيف كما في ( الفيض ) .
ورواه ابن أبي الدنيا في ( المصاحف ) عن أبي هريرة موقوفا بلفظ : ( إذا زوقتم مساجدكم وحليتم مصافحكم فعليكم الدمار ) . كما في ( منتخب كنز العمال ) .
ومنها : عن عمر بن الخطاب مرفوعا :
( ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم ) .
وسنده ضعيف كما سبق قريبا .
وقد روى البخاري تعليقا عنه أنه :
( أمر ببناء المسجد وقال : أكن الناس من المطر وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس ) .
قال الحافظ :
( هو طرف من قصة في ذكر تجديد المسجد النبوي ) .
وفي ( المرقاة ) :
( ومر ابن مسعود بمسجد مزخرف فقال : لعن الله من فعل هذا ) . ولم يعزه لأحد .
وبالجملة فمجموع هذه الأحاديث يدل على ثبوت نهيه عليه الصلاة والسلام عن زخرفة المساجد وقد أشار إلى ذلك في الحديث الآتي :
( وقال : ( لا تقوم الساعة حتى يتباهى الناس بالمساجد ) .
الحديث أخرجه النسائي والدارمي وابن ماجه والبيهقي وأحمد من طرق عن حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس مرفوعا به .
وهذا سند صحيح على شرط مسلم ولفظ النسائي :
( من أشراط الساعة أن يتباهى . . . ) الحديث .
وقد تابعه قتادة عن أنس .
أخرجه أبو داود والطبراني في ( الصغير ) من طريق محمد بن عبد الله الخزاعي : ثنا حماد بن سملة عن أيوب عن أبي قلابة عن أنس وقتادة عن أنس مرفوعا باللفظ الأول وقال الطبراني :
( تفرد به الخزاعي ) .
قلت : وهو ثقة كما في ( التقريب ) . وقال البخاري في ( صحيحه ) :
( وقال أنس : يتباهون بها ثم لا يعمرونها إلا قليلا ) .
قال الحافظ :
( وهذا التعليق رويناه موصولا في ( مسند أبي يعلى ) و( صحيح ابن خزيمة ) من طريق أبي قلابة : أن أنسا قال : سمعته يقول : يأتي على أمتي زمان يتباهون بالمساجد ثم لا يعمرونها إلا قليلا . وأخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان من طريق أخرى عن أبي قلابة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم باللفظ الأول وعند أبي نعيم في كتاب المساجد من الوجه الذي عند ابن خزيمة : يتباهون بكثرة المساجد ) .
وفي هذا الحديث والذي قبله كراهة تزويق المساجد وتزيينها بالنقوش والحمرة والصفرة وكل ما يلهي المصلي ويشغله عن الخشوع الذي هو روح جسم العبادة كما قال الصنعاني وفوق هذا ففيه إضاعة المال بدون أية فائدة للمسجد وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال وذلك أنه ليس المقصود من بناء المساجد إلا أن تكن الناس من الحر والقر كما سبق عن عمر رضي الله عنه وزخرفتها ليس من ذلك في شيء ولذلك نهى عنه عمر رضي الله عنه بقوله : وإياك أن تحمر أو تصفر . قال ابن بطال :
( كأن عمر فهم ذلك من رد الشارع الخميصة إلى أبي جهم من أجل الأعلام التي فيها وقال : ( إنها ألهتني عن صلاتني ) . قال الحافظ :
( ويحتمل أن يكون عند عمر من ذلك علم خاص بهذه المسألة ) .
ثم ذكر الحديث المتقدم قريبا عن عمر مرفوعا بلفظ :
( ما ساء عمل قوم قط إلا زخرفوا مساجدهم ) .
وقد روى البخاري وأبو داود وأحمد وعنه البيهقي عن ابن عمر رضي الله عنه :
أن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريد وأعاد عمده خشبا ثم غيره عثمان فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة والقصة ( الجص ) وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج .
قال الحافظ :
( و( الساج ) : نوع من الخشب معروف يؤتى به من الهند وقال ابن بطال وغيره : هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلوا في تحسينه فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد عما كان عليه وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه ثم كان عثمان - والمال في زمانه أكثر - فحسنه بما لا يقتضي الزخرفة ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه كما سيأتي بعد قليل .
وأول من زخرف المساجد الوليد بن عبد الملك بن مروان وذلك في أواخر عصر الصحابة وسكت كثير من أهل العلم عن إنكار ذلك خوفا من الفتنة . . . وقال ابن المنير : لما شيد الناس بيوتهم وزخرفوها ناسب أن يصنع ذلك بالمساجد صونا لها عن الاستهانة . وتعقب بأن المنع إن كان للحث على اتباع السلف في ترك الرفاهية فهو كما قال وإن كان لخشيته شغل بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلة . وفي حديث أنس علم من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وسلم بما سيقع فوقع كما قال ) .
قال الشوكاني :
( ومن جملة ما عول عليه المجوزون للتزيين بأن السلف لم يحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك وبأنه بدعة مستسحسنة وبأنه مرغب إلى المسجد وهذه حجج لا يعول عليها من له حظ في التوفيق لا سيما مع مقابلتها للأحاديث الدالة على أن التزيين ليس من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه نوع من المباهاة المحرمة وأنه من علامات الساعة كما روي عن علي عليه السلام وأنه من صنع اليهود والنصارى وقد كان صلى الله عليه وسلم يحب مخالفتهم ويرشد إليهاعموماوخصوصا . ودعوى ترك إنكار السلف ممنوعة لأن التزيين بدعة أحدثها أهل الدول الجائرة من غير مؤاذنة لأهل العلم والفضل وأحدثوا من البدع ما لا يأتي عليه الحصر ولا ينكره أحد وسكت العلماء عنهم تقية لا رضا بل قام في وجه باطلهم جماعة من علماء الآخرة وصرخوا بين أظهرهم بنعي ذلك عليهم . ودعوى أنه بدعة مستحسنة باطلة وقد عرفناك وجه بطلانها في شرح حديث : ( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ) في باب الصلاة في ثوب الحرير والغصب . ودعوى أنه مرغب إلى المسجد فاسدة لأن كونه داعيا إلى المسجد ومرغبا إليه لا يكون إلا لمن غرضه وغاية قصده النظر إلى تلك النقوش والزخرفة فأما من كان غرضه قصد المساجد لعبادة الله - التي لا تكون عبادة على الحقيقة إلا مع خشوع وإلا كانت كجسم بلا روح - فليست إلا شاغلة عن ذلك كما فعله صلى الله عليه وسلم في الأنبجانية التي بعث بها إلى أبي جهم وكما تقدم من هتكه للستور التي فيها نقوش وكما سيأتي في ( باب تنزيه قبلة المصلي عما يلهي ) وتقديم البدع المعوجة التي يحدثها الملوك توقع أهل العلم في المسالك الضيقة فيتكلفون لذلك من الحجج الواهية ما لا ينفق إلا على بهيمة ) .
ومما يدلك على أن دعوى كون السلف لم يقع منهم الإنكار على من فعل التزيين به دعوى باطلة في الجملة : ما روى سعيد بن منور : ثنا سفيان عن [ ابن ] أبي نجيح عن إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب قال : دخلت مع ابن عمر مسجدا بالجحفة فنظر إلى شرفاته فخرج إلى موضع فصلى فيه ثم قال لصاحب المسجد : إني رأيت في مسجدك هذا - يعني الشرفات - شبهتها بأنصاب الجاهلية فمر أن تكسر ) .
نقلته من ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) لشيخ الإسلام ابن تيمية ) .
وهذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الستة غير إسماعيل هذا وهو ثقة كما في ( التقريب ) .
وفي ( المدونة ) لابن القاسم :
( قال : سمعت مالكا وذكر مسجد المدينة وما عمل في قبلته من التزويق وغيره قال : كره ذلك الناس حين فعلوه وذلك يشغل الناس في صلاتهم ينظرون إليه فيلهيهم ) .
من أجل ذلك كره كثير من العلماء الصلاة في المساجد المزخرفة والمزينة فقال المناوي في ( الفيض ) :
( قالت الشافعية : وتكره الصلاة في مسجد مشرف لما في ( سنن البيهقي ) عن ابن عمر : نهانا - أو نهينا - أن نصلي في مسجد مشرف . وأخذ منه كراهتها في المزوق والمنقوش بالأولى لما فيه من شغل قلب المصلي ويحرم نقشه واتخاذ شرفات له من غلة ما وقف على عمارته أو مصالحه ) .
وبالغ ابن حزم فقال :
( ولا تجزئ الصلاة في مسجد أحدث مباهاة أو ضرارا على مسجد آخر إذا كان أهله يسمعون نداء المسجد الأول ولا حرج عليهم في قصده والواجب هدمه وهدم كل مسجد أحدث لينفرد فيه الناس كالرهبان أو يقصدها أهل الجهل طلبا لفضلها وليست عندها آثار لنبي من الأنبياء عليهم السلام ) .
وفي كلامه الأخير إشارة إلى جواز قصد آثار الأنبياء للصلاة عندها وهذه مسألة اختلف فيها العلماء قديما والذي يترجح عندنا المنع من قصدها لأنه لا دليل من الكتاب والسنة على جوازه ولأنه قد يؤدي إلى الغلو وهو منهي عنه ولنهي عمر رضي الله عنه فقد روى سعيد بن منصور في ( سننه ) : ثنا أبو معاوية : ثنا الأعمش عن المعرور بن سويد عن عمر رضي الله عنه قال :
خرجنا معه في حجة حجها فقرأ بنا في الفجر : { ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل } [ الفيل : 1 ] و{ لإيلاف قريش } [ قريش : 1 ] في الثانية فلما رجع من حجته رأى الناس ابتدروا المسجد فقال : ما هذا ؟ قالوا : مسجد صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه . فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا من عرضت له منكم الصلاة فيه فليصل ومن لم تعرض له الصلاة فليمض ) .
وهذا إسناد صحيح على شرط الستة .
فقد كره رضي الله عنه اتخاذ مصلى النبي عيدا وبين أن أهل الكتاب إنما هلكوا بمثل هذا . وهذا مذهب مالك وغيره من أهل المدينة فقد كانوا يكرهون إتيان تلك المساجد وتلك الآثار التي في المدينة ما عدا قباء وأحدا .
وتفصيل القول في هذا المقام راجعه في ( اقتضاء الصراط المستيقيم ) .
وما رجحناه من المنع إنما هو في المواضع التي صلى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم اتفاقا وأما الأماكن التي كان عليه الصلاة والسلام يقصدها للصلاة والدعاء عندها فقصدها من أجل ذلك سنة اقتداء به عليه السلام . ثم إن ذلك المنع إذ لم يقترن به شد رحل وأما إذا اقترن به ذلك فهو ممنوع قطعا لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد . . . ) الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى .
هذا وأما المحراب في المسجد فالظاهر أنه بدعة لأننا لم نقف على أي أثر يدل على أنه كان موجودا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
أقول هذا وإن كان لم يخف علينا قول ابن الهمام في ( الفتح ) :
( فإنه بني في المساجد المحاريب من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم ) .
فإن هذا بحاجة إلى سند ومعرفة من روى ذلك من المحدثين والحفاظ المتقدمين فقد رد ذلك من هو أقعد في الحفظ من ابن الهمام فقد قال السيوطي فيما نقله المناوي :
( خفي على قوم كون المحراب في المسجد بدعة وظنوا أنه كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن في زمنه ولا في زمن أحد من خلفائه بل حدث في المائة الثانية مع ثبوت النهي عن اتخاذه ) . ثم تعقب قول الزركشي المشهور :
( إن اتخاذه جائز لا مكروه ولم يزل عمل الناس عليه بلا نكير ) . بأنه :
( لا نقل في المذهب فيه وقد ثبت النهي عنه ) .
وكأنه يعني بالنهي الذي أشار إليه ما أخرجه البيهقي من طريق عبد الرحمن بن مغراء عن ابن أبجر عن نعيم بن أبي هند عن سالم بن أبي الجعد عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( اتقوا هذه المذابح - يعني المحاريب - ) .
وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير عبد الرحمن بن مغراء وهو إنما تكلم في روايته عن الأعمش وليس هذا منها كما ترى وقد قال الذهبي في ترجمته من ( الميزان ) :
( ما به بأس إن شاء الله تعالى وروى الكديمي أنه سمع عليا يقول : ليس بشيء تركناه لم يكن بذاك ) . قال ابن عدي عقيب هذا :
( هذا الذي قاله علي هو كما قال وإنما أنكر على أبي زهير - كنية ابن مغراء - أحاديث يرويها عن الأعمش لا يتابعه عليها الثقات وقال أبو زرعة : صدوق ) .
قلت : وقول أبي زرعة هذا هو الذي اعتمده الحافظ في ( التقريب ) فقال : ( صدوق تكلم في حديثه عن الأعمش ) . وقال الهيثمي في ( المجمع ) بعد أن ساق الحديث بلفظه :
( رواه الطبارني وفيه عبد الله بن مغراء وثقه ابن حبان وغيره وضعفه ابن المديني في روايته عن الأعمش وليس هذا منها ) 35 . وقال السيوطي فيما نقله المناوي :
( حديث ثابت وهو على رأي أبي زرعة ومتابعثه صحيح وعلى رأي ابن عدي حسن ) .
ومن ثم رمز له في ( الجامع ) بالحسن وتعقبه المناوي بما نقله عن الذهبي أنه قال في المذهب على البيهقي :
( قلت : هذا خبر منكر تفرد به عبد الرحمن بن مغراء وليس بحجة ) .
قلت : والحق أن الحديث حسن والحكم عليه بالنكارة غير ظاهر والذهبي نفسه قد قال في ابن مغراء أنه لا بأس به كما سبق آنفا وأقل ما يفيده هذا القول أن حديثه حسن إذا تفرد به والقول بأنه ليس بحجة على إطلاقه يناقض هذا الذي في ( الميزان ) وأما إذا قيل : إنه ليس بحجة إذا خالف فهو حق وهنا لم يخالف فكان حديثه حسنا . والله تعالى أعلم .
غير أن الاستدلال بالحديث على النهي عن المحاريب المبتدعة في المساجد - كما فهم السيوطي على ما نقله المناوي عنه صراحة ويشير إليه كلامه المذكور سابقا - غير ظاهر وإن سبقه البيهقي إلى ذلك حيث أورد الحديث في ( باب في كيفية بناء المساجد ) قال المناوي متعقبا كلام السيوطي المشار إليه :
( أقول : وهذا بناء منه على ما فهمه من لفظ الحديث أن مراده بالمحراب ليس إلا ما هو المتعارف عليه في المسجد الآن ولا كذلك فإن الإمام الشهير المعروف بابن الأثير قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس قال : ومنه حديث أنس : كان يكره المحاريب . أي : لم يكن يحب أن يجلس في صدور المجالس ويرتفع على الناس . انتهى ) .
قلت : وفيه أن ابن الأثير لم ينص على ما ذكره المناوي فإن نص كلامه في النهاية :
( المحراب ) : الموضع العالي المشرف وهو صدر المجلس أيضا ومنه سمي محراب المسجد وهو صدره وأشرف موضع فيه ومنه حديث أنس . . . ) إلخ كلامه الذي نقله المناوي . فأنت ترى أنه لم يتعرض لذكر الحديث الذي نحن في صدده مطلقا فكيف يقول المناوي :
( قد نص على أن المراد بالمحاريب في الحديث صدور المجالس ) ؟
وإنما نص على أن هذا هو المراد بالمحاريب في حديث أنس الذي أورده هو نفسه - أعني : ابن الأثير - وليس يخفى أنه لا يلزم من ورود هذا اللفظ ( المحاريب ) في حديث أنس بمعنى صدور المجالس أن يكون هذا المعنى هو المراد من كل حديث ورد فيه هذا اللفظ ومنه هذا الحديث .
لكن الذي رجح عندي كون الحديثين بمعنى واحد : هو ورود اسم الإشارة في حديث الباب : ( هذه المذابح - يعني المحاريب ) مما يدل على أن المشارإليه - وهي المحاريب - كانت موجودة في عهده عليه الصلاة والسلام بينما محاريب المساجد بالمعنى المصطلح عليه لم تكن في عهده عليه الصلاة والسلام باعتراف السيوطي فكيف يسوغ حينئذ حمل الحديث عليها وفيه الإشارة إليها وهي غير موجودة ؟ فتعين أن المراد من المحاريب في هذا الحديث صدور المجالس كما هو المراد في حديث أنس . والله أعلم .
هذا وقد روي ما يشير إلى أن المحاريب في المساجد لم تكن معروفة في عهده عليه الصلاة والسلام فقد روى الطبراني في ( الأوسط ) و( الكبير ) عن جابر بن أسامة الجهني قال :
لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه بالسوق فقلت : أين يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالو : يريد أن يخط لقومك مسجدا قال : فأتيت وقد خط لهم مسجدا وغرز في قبلته خشبة فأقامها قبلة .
قال في ( المجمع ) :
( وفيه معاوية بن عبد الله بن حبيب ولم أجد من ترجمه ) .
وفي حفظي أن بعض العلماء من الذين يذهبون إلى جواز المحراب في المسجد ذكر أن من فوائده الدلالة على جهة القبلة .
ونحن نقول : إن ذلك إنما يحتاج إليه إذا لم يكن في المسجد منبر فإنه لا منبر فيه فلا مانع من وضع خشبة تدل على القبلة كما في هذا الحديث ذلك خير من المحاريب التي في اتخاذها تشبه بالنصارى . فقد روى البزار عن عبد الله بن مسعود أنه كره الصلاة في المحراب وقال : إنما كانت في الكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب . يعني : أنه كره الصلاة في الطاق . قال في ( المجمع ) :
( ورجاله موثقون ) .
قلت : ورواه سعيد بن منصور أيضا بلفظ أنه كان يكره الصلاة في الطاق وقال : إنه من الكنائس فلا تشبهوا بأهل الكتاب .
وروى عن عبيد بن أبي الجعد قال :
كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن من أشراط الساعة أن تتخذ المذابح في المسجد - يعني الطاقات 36 .
ومن الملاحظ في هذا الأثر أنه فسر المذابح في المسجد بالطاقات وهي المحاريب بالمعنى المصطلح عليه كما فسر في الحديث المذابح بالمحاريب مما يدل على أنها هي الطاقات وهذا مما يقوي ما فهمه السيوطي من الحديث لولا اسم الإشارة فيه .
والمقام - بعد - بحاجة إلى تحقيق وتدقيق زيادة على ما تقدم فمن كان عنده شيء من ذلك فليكتب والله لا يضيع أجر من أحسن عملا .
وقد نص على كراهة المحاريب في المساجد ابن حزم وقال :
( وروينا عن علي بن أبي طالب أنه كان يكره المحراب في المسجد وعن إبراهيم النخعي ( 1 ) .
( 1 ) أنه كان يكره أن يصلي في طاق الإمام . قال سفيان الثوري : ( ونحن نكرهه ) . ولذلك قال الشيخ علي القاري في ( المرقاة ) ( 1/473 ) في شرح حديث أنس : ( رأى النبي صلى الله عليه وسلم نخامة في القبلة ) :
( أي جدار المسجد الذي يلي القبلة وليس المراد بها المحراب الذي يسميه الناس قبلة لأن المحاريب من المحدثات بعده صلى الله عليه وسلم ومن ثم كره جمع من السلف اتخاذها والصلاة فيها . قال القضاعي : وأول من أحدث ذلك عمر بن عبد العزيز وهو يومئذ عامل للوليد بن عبد الملك على المدينة لما أسس مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وهدمه وزاد فيه . ويسمى موقف الإمام من المسجد محرابا لأنه أشرف مجالس المسجد ومنه قيل للقصر : محراب لأنه أشرف المنازل وقيل : المحراب مجلس الملك سمي به لانفراده فيه . وكذلك محراب المسجد لانفراد الإمام فيه وقيل : سمي بذلك لأن المصلي يحارب فيه الشيطان ) .
وأما ما في ( عون المعبود على سنن أبي داود ) :
( ما قاله القاري من أن المحاريب من المحدثات بعده عليه السلام فيه نظر لأن وجود المحراب في زمنه عليه السلام يثبت من بعض الروايات .
أخرج البيهقي في ( السنن الكبرى ) عن وائل بن حجر قال :
حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم نهض إلى المسجد فدخل المحراب ثم رفع يديه للتكبير ) .
نقله الشيخ عبد الحي الكتاني في ( التراتيب الإدارية ) وأقره
قلت : وهذا تعقب وإقرار لا طائل تحته لأن الحديث المذكور ضعيف جدا لأن البيهقي أخرجه من طريق محمد بن حجر الحضرمي : حدثنا سعيد بن عبد الجبار بن وائل عن أبيه عن أمه عن وائل به .
وهذا سند فيه ثلاثة علل : ضعف بعض رواته والانقطاع والشذوذ في متنه .
أما الأولى فهي محمد بن حجر الحضرمي قال الذهبي في ( الميزان ) :
( له مناكير وقال البخاري : فيه بعض النظر ) . وأقره الحافظ في ( اللسان ) ونقل عن أبي أحمد الحاكم أنه قال :
( ليس بالقوي عندهم ) .
قلت : وشيخه سعيد بن عبد الجبار ضعيف أيضا كما في ( التقريب ) .
وأما الثانية فهي أن عبد الجبار بن وائل لا يعرف أنه سمع من أمه وقد قيل : إنه لم يسمع من أبويه كما في ( التهذيب ) .
وأما الثالثة فهي أن حديث وائل رضي الله عنه في صفة صلاته صلى الله عليه وسلم قد جاء في ( صحيح مسلم ) والسنن والمسانيد وغيرها من طرق كثيرة بألفاظ مختلفة ليس في شيء منها ذكر المحراب إلا في هذه الرواية الضعيفة فدل على شذوذها . بل نكارتها .
انظر الطرق المشار إليها في البيهقي ( 2/24 و25 و26 و28 و30 و57 و58 و72 و81 و98 و99 و111 و112 و131 و132 و178 ) .
( الرابع : أن لا يبنيه على قبر فإنه يحرم ذلك لما روته عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) قالت : ( فلولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا لعن الله قوما اتخذوا قبورأنبيائهم مساجد ) .
الحديث الأول من حديث عائشة والآخر من حديث أبي هريرة .
وكلاهما صحيح . وقد سبق تخريجهما مع أحاديث أخرى وردت في الباب في ( الصلاة في المساجد المبنية على القبور ) .
وفي هذا الأحاديث تحريم بناء المساجد على القبور فإن البناء من معاني اتخاذ المساجد على القبور كما تقدم بيانه هناك وقد جاء في بعض الروايات مصرحا بذلك بلفظ :
( صحيح ) ( بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) .
أخرجاه .
وقد ذهب إلى التحريم كثير من العلماء فقال الإمام محمد في كتابه ( الآثار ) :
( ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه ( القبر ) ونكره أن يجصص أو يطين ويجعل عنده مسجدا ) .
والكراهة عنده للتحريم عند الإطلاق وأما الشافعي فقال في ( الأم ) :
( وأكره أن يبنى على القبر مسجد قال : أكره هذه للسنة والآثار وإنه كره - والله أعلم - أن يعظم أحد من المسلمين - يعني يتخذ قبره مسجدا - ولم تؤمن في ذلك الفتنة والضلال على من يأتي بعده ) .
وفي ( المجموع ) : ( واتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على كراهة بناء مسجد على القبر سواء كان الميت مشهورا بالصلاح أو غيره لعموم الأحاديث ) .
قلت : لكن الكراهة عندهم للتنزيه . ومن الدليل على ذلك أنهم قالوا : ويكره أن يصلي على قبر . فقال النووي :
( هكذا قالوا : ( يكره ) ولو قيل : يحرم لحديث أبي مرثد وغيره مما سبق لم يبعد ) .
فلو أن النووي رحمه الله قال مثل هذا في قول أصحابه بكراهة البناء لكان أحق وأولى لأن النهي عن البناء أشد وأرهب منه عن الصلاة إلى القبر كما لا يخفى على من وقف على الأحاديث الواردة في هذا الموضوع . ولذلك قال شيخ الإسلام في ( الاقتضاء ) :
( فأما بناء المساجد على القبور فقد صرح عامة الطوائف بالنهي عنه متابعة للأحاديث وصرح أصحابنا وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي وغيرهما بتحريمه ومن العلماء من أطلق فيه لفظ الكراهة ( كأنه يشير إلى الشافعي ) فما أدري عنى به التنزيه أو التحريم ؟ ولا ريب في القطع بتحريمه ) .
ثم ساق الأحاديث الواردة في هذا الباب . وقال القرطبي في ( تفسيره ) ما ملخصه :
( فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها إلى غير ذلك مما تضمنته السنة من النهي عن ممنوع ) .
ثم ذكر حديث عائشة الأخير ثم قال :
( قال علماؤنا ( المالكية ) : وهذا يحرم على المسلمين أن يتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد ) . وقال شيخ الإسلام أيضا في ( تفسير سورة الإخلاص ) :
( قال العلماء : يحرم بناء المساجد على القبور . ويجب هدم كل مسجد بني على قبر وإن كان الميت قد قبر في مسجد وقد طال مكثه سوي القبر حتى لا تظهر صورته فإن الشرك إنما يحصل إذا ظهرت صورته ولهذا كان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولا مقبرة للمشركين وفيها نخل وخرب فأمر بالقبور فنبشت وبالنخل فقطع وبالخرب فسويت فخرج عن أن يكون مقبرة فصار مسجدا . ولما كان اتخاذ القبور مساجد وبناء المساجد عليها محرما لم يكن شيء من ذلك على عهد الصحابة والتابعين لهم بإحسان ولم يكن يعرف قط مسجد على قبر ) .
هذا وقد يتوهم أن المحذور إنما هو اتخاذ المساجد على القبور بعدالدفن لا لو بني المسجد أولا وجعل القبر في جانبه ليدفن فيه واقف المسجد أو غيره . قال الشوكاني :
( قال العراقي : والظاهر أنه لا فرق وإنه إذا بني المسجد لقصد أن يدفن في بعضه أحد فهو داخل في اللعنة بل يحرم الدفن في المسجد وإن شرطوا أن يدفن فيه لم يصح الشرط لمخالفته لمقتضى وقفه مسجدا . والله أعلم ) .
فإن قيل : فما قصة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نراه الآن في مسجده صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : الجواب في شرح مسلم للنوي حيث قال :
( قال العلماء : إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره وقبر غيره مسجدا خوفا من المبالغة في التعظيم والافتتان به فربما أدى ذلك إلى الكفر كما جرى لكثير من الأمم الخالية ولما احتاجت الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم - حين كثر المسلمون وامتدت الزيادة إلى أن دخلت بيوت أمهات المؤمنين فيه ومنها حجرة عائشة رضي الله عنها مدفن رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما - بنو على القبر حيطانا مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلىالمحذور ثم بنوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفوهما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر ولهذا قالت في الحديث :
( ولولا ذلك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا ) .
وفي ذكره الصحابة في هذه القصة نظر وإن تبعه على ذلك العيني في ( العمدة ) فإن ذلك لم يقع بحضور أي صحابي فقد قال ابن عبد الهادي في ( الصارم المنكي ) :
( وكان على عهد الخلفاء الراشدين والصحابة حجرته خارجة عن المسجد ولم يكن بينهم وبينه إلا الجدار ثم إنه إنما أدخلت الحجرة في المسجد في خلافة الوليد بن عبد الملك بعد موت عامة الصحابة الذين كانوا بالمدينة وكان من آخرهم موتا جابر بن عبد الله وتوفي في خلافة عبد الملك فإنه توفي سنة ثمان وسبعين والوليد تولى سنة ست وثمانين وتوفي سنة ست وتسعين فكان بناء المسجد وإدخال الحجرة فيه فيما بين ذلك . وقد ذكر أبو زيد عمر بن شبة النميري في كتاب ( أخبار المدينة ) - مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم - عن أشياخه وعمن حدثوا عنه : أن عمر بن عبدالعزيز لما كان نائبا للوليد على المدينة في سنة إحدى وتسعين هدم المسجد وبناه بالحجارة المنقوشة وعمل سقفه بالساج وماء الذهب وهدم حجرات أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأدخلها في المسجد وأدخل القبر فيه ) .
ثم ذكر ابن عبد الهادي عن شيخ الإسلام ابن تيمية :
( أن المسجد لما زاد فيه الوليد وأدخلت فيه الحجرة كان قد مات عامة الصحابة ولم يبق إلا من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يبلغ سن التمييز الذي يؤمر فيه بالطهارة والصلاة ومن المعلوم بالتواتر أن ذلك كان في خلافة الوليد بن عبد الملك وقد ذكروا أن ذلك كان سنة إحدى وتسعين وأن عمر بن عبد العزيز مكث في بنائه ثلاث سنين وسنة ثلاث وتسعين مات فيها خلق كثير من التابعين مثل سعيد بن المسيب وغيره من الفقهاء السبعة ويقال لها : سنة الفقهاء ) .
وبالجملة فإنما أدخلوا قبر الرسول عليه الصلاة والسلام إلى مسجده لحاجة توسيعه والظاهر أنهم لم يجدوا فسحة من الجهات الأخرى ليزيدوا منها إلى المسجد وقد كان عمر وعثمان رضي الله عنهما قد زادا فيه من جهة القبلة فاضطروا إلى أخذ الزيادة من جهة الحجرات فصار بذلك قبره في المسجد الشريف ولكنهم - مع حاجتهم إلى هذا العمل - قد احتاطوا للأمر حيث فصلوا القبر عن المسجد فصلا تاما بالجدر المرفوعة حسما للمحذور كما سبق ذكره عن النووي والله تعالى أعلم .
( الخامس : أن يقلل فيه السواري ما أمكن وكل ما يكون سببا لقطع الصفوف لما سبق من النهي عن الصف بين السواري ) .
( السادس : أن يجعل فيه بابا خاصا بالنساء لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لو تركنا هذا الباب للنساء ) .
الحديث أخرجه أبو داود من طريق عبد الوارث : ثنا أيوب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا به . قال نافع :
( فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات ) .
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين . قال أبو داود :
( وقال غير عبد الوارث : قال عمر . وهذا أصح ) .
ثم ساقه من طريق إسماعيل عن أيوب عن نافع قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه . . . بمعناه . وهو أصح .
ثم روى عن بكير عن نافع أن عمر بن الخطاب كان ينهى أن يدخل من باب النساء .
وسنده صحيح أيضا .
ثم استدركت فقلت : إنه منقطع قال أحمد بن حنبل :
( نافع عن عمر منطقع ) .
قلت : وهذا لا ينفي صحة حديث ابن عمر المرفوع لأن من رفعه معه زيادة علم فيجب قبولها إذا كانت من ثقة والأمر كذلك هنا فإن عبد الوارث هذا هو ابن سعيد بن ذكوان العنبري وهو ثقة كما في ( التقريب ) .
ونهي عمر رضي الله عنه عن الدخول من باب النساء يؤيد المرفوع ولا يضعفه . والله أعلم .
والحديث بوب له أبو داود ب ( باب في اعتزال النساء في المساجد عن الرجال ) .
( السابع : أن لا يجعل فيه خوخات وأبواب ينفذ إليه منها من حوله من ساكني البيوت لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ) وفي لفظ : ( باب ) في الموضعين ) .
الحديث من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلس على المنبر فقال :
( عبد خيره الله بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده ) فبكى أبو بكر وبكى فقال : فديناك بآبائنا وأمهاتنا قال : فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن أمن الناس علي في ماله وصحبته أبو بكر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن أخوة الإسلام لا تبقين . . . ) إلخ .
أخرجه البخاري ومسلم والترمذي واللفظ لهما وأحمد واللفظ الآخر له وهو رواية للبخاري وقال الترمذي :
( حديث حسن صحيح ) .
وله شاهد من حديث ابن عباس بنحوه .
أخرجه البخاري وأحمد وسيأتي لفظه في ( المناهي ) فقرة ( 12 ) .
وفي الباب قوله عليه الصلاة والسلام :
( سدوا أبواب المسجد غير باب علي ) .
أخرجه أحمد من طريق أبي عوانة : ثنا ابو بلج : ثنا عمرو بن ميمون عن ابن عباس به مرفوعا .
وأخرجه الترمذي من طريق شعبة عن أبي بلج به نحوه . وقال :
( حديث غريب لا نعرفه عن شعبة بهذا الإسناد إلا من هذا الوجه ) . ثم قال :
( وأبو بلج اسمه يحيى بن سليم ) .
قلت : وهو مختلف فيه ففي الميزان :
( وثقه ابن معين وغيره ومحمد بن سعد والنسائي والدارقطني وقال أبو حاتم : صالح الحديث لا بأس به وقال البخاري : فيه نظر وقال أحمد : روى حديثا منكرا وقال ابن حبان : كان يخطئ وقال الجوزجاني : غير ثقة ومن مناكيره هذا الحديث ) . وقال الحافظ في ( التقريب ) :
( صدوق ربما أخطأ ) .
قلت : وبقية رجال أحمد ثقات رجال الشيخين فالإسناد حسن عندي وقد قال الحافظ في ( الفتح ) :
( رواه أحمد والنسائي ورجالهما ثقات ) .
وهو عند النسائي من طريق أبو عوانة كما في ( البداية ) وزادا :
( فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره ) .
وحكم الذهبي على الحديث بأنه منكر لأن أبا بلج لم يتفرد به بل له شواهد كثيرة :
منها : عن سعد بن أبي وقاص قال :
أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بسد الأبواب الشارعة في المسجد وترك باب علي رضي الله عنه .
أخرجه أحمد من طريق عبد الله بن شريك عن عبد الله بن الرقي الكناني عنه .
ورجاله ثقات غير ابن الرقيم هذا لم يرو عنه سوى ابن شريك هذا ولذلك قال الحافظ في ( التقريب ) والخزرجي في ( الخلاصة ) إنه مجهول .
وأما الهيثمي فزعم أنه حسن حيث قال :
( رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والطبراني في ( الأوسط ) وزادا :
قالوا : يا رسول الله سددت أبوابنا كلها إلا باب علي ؟ قال : ما أنا سددت أبوابكم ولكن الله سدها . وإسناد أحمد حسن ) .
وتبعه الحافظ في ( الفتح ) فقال :
( وإسناده قوي ورواية الطبراني في ( الأوسط ) رجالها ثقات ) .
قلت : فتناقض الحافظ فإن قوله : ( إسناده قوي ) يناقض قوله في بعض رواته : إنه مجهول كما سبق . وأما طريق الطبراني ومن ذكر معه فيظهر أنها طريق أخرى عن سعد فقد ساقه الحافظ ابن كثير من طريق أبي يعلى بسند آخر فيه من لم أعرفه وغالب الظن أنه وقع في أسماء رجاله تحريف مطبعي . والله أعلم .
ومنها : عن زيد بن أرقم قال :
كان لنفر من أصحاب رسول الله أبواب شارعة في المسجد فقال يوما : ( سدوا هذه الأبواب إلا باب علي ) قال : فتكلم في ذلك الناس قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله تعالى وأثنى عليه . ثم قال :
( أما بعد فإني أمرت بسد هذه الأبواب إلا باب علي وقال فيه قائلكم وإني - والله - ما سددت شيئا ولا فتحته ولكني أمرت بشيء فاتبعته ) .
أخرجه أحمد : ثنا محمد بن جعفر : ثنا عوف عن ميمون أبي عبد الله عنه .
ورجاله ثقات رجال الشيخين غير ميمون هذا وهو البصري مولى ابن سمرة وهو ضعيف كما في ( التقريب ) وفي ( المجمع ) :
( وثقه ابن حبان وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح ) .
وساق له الذهبي هذا الحديث وقال :
( قال العقيلي عقبه : وقد روي من طريق أصلح من هذا وفيها لين أيضا ) .
وأما الحافظ في ( الفتح ) فقال :
( أخرجه أحمد والنسائي والحاكم ورجاله ثقات ) .
كذا قال وقد تناقض أيضا وهو في ( مستدرك الحاكم ) من طريق أحمد وقال :
( صحيح الإسناد ) ووافقه الذهبي
ومنها : عن ابن عمر قال :
ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إلي من حمر النعم : زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته وولدت له وسد الأبواب إلا بابه في المسجد وأعطاه الراية يوم خيبر ) .
أخرجه أحمد عن هشام بن سعد عن عمر بن أسيد عنه .
وهذا إسناد حسن كما قال الحافظ .
قلت : ورجاله ثقات رجال الشيخين غير هشام بن سعد فمن رجال مسلم وحده وهو صدوق له أوهام كما قال في ( التقريب ) .
وعمر بن أسيد هو عمرو بن أبي سفيان بن أسيد كما في كتب الرجال .
وفي الباب عن علي نفسه وجابر بن سمرة وابن عباس أيضا لكن أسانيدها لا تستحق الذكر فاقتصرنا على ما سبق .
ولحديث ابن عمر طريق أخرى رواه الطبراني في ( الأوسط ) وكذا النسائي كما في ( التفح ) من طريق العلاء بن عرار بمهملات قال : فقلت لا بن عمر : أخبرني عن علي وعثمان . . . فذكر الحديث وفيه :
( ورجاله رجال الصحيح إلا العلاء وقد وثقه يحيى بن معين وغيره . وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلا عن مجموعها وقد أورد ابن الجوزي هذا الحديث في ( الموضوعات ) .
أخرجه من حديث سعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وابن عمر مقتصرا على بعض طرقه عنهم وأعله بعض من تكلم فيه من رواته وليس ذلك بقادح لما ذكرت من كثرة الطرق وأعله أيضا بأنه مخالف للأحاديث الصحيحة الثابتة في باب أبي بكر وزعم أنه من وضع الرافضة قابلوا به الحديث الصحيح في باب ابي بكر . انتهى . وأخطأ في ذلك خطأ شنيعا فإنه سلك في ذلك رد الأحاديث الصحيحة بتوهمه المعارضة مع أن الجمع بين القصتين ممكن ) .
ثم ذكر وجه الجمع بينهما وخلاصته :
( أن باب علي رضي الله عنه كان إلى جهة المسجد ولم يكن لبيته باب غيره فلذلك لم يؤمر بسده وإنهم لما سدوا الأبواب بأمره عليه الصلاة والسلام أحدثوا خوخا يستقربون الدخول إلى المسجد منها فأمروا بعد ذلك بسدها ) . واستحسن الحافظ في هذا الجمع .
قلت : وفيه نظر بين عندي لأنه على هذا لا منقبة لعلي رضي الله عنه في إبقاء بابه طالما أنه لم يكن له غيره فمن أين يدخل ويخرج ؟ فهو مضطر فإذنه عليه الصلاة والسلام له يكون للضرورة ولا فرق حينئذ بينه رضي الله عنه وبين غيره إذا كان في مثل بيته مع أن الأحاديث المتقدمة تفيد أنها منقبة لعلي رضي الله عنه حتى إن ابن عمر رضي الله عنه تمنى أن تكون له هذه المنقبة كما سبق فالأقرب في الجمع ما ذكره ابن كثير رحمه الله حيث قال بعد أن ساق بعض طرق هذا الحديث : ( وهذا لا ينافي ما ثبت في ( صحيح البخاري ) من أمره عليه الصلاة والسلام في مرض الموت بسد الأبواب الشارعة إلى المسجد إلا باب أبي بكر الصديق لأن نفي هذافي حق علي كان في حال حياته لاحتياج فاطمة إلى المرور من بيتها إلى بيت أبيها فجعل هذا رفقا بها وأما بعد وفاته فزالت هذه العلة فاحتيج إلى فتح باب الصديق لأجل خروجه إلى المسجد ليصلي بالناس إذ كان الخليفة عليهم بعد موته عليه الصلاة والسلام وفيه إشارة إلى خلافته ) .
هذا والظاهر أن أمره عليه الصلاة والسلام بسد الخوخات والأبواب هو من قبيل سد الذرائع لأن وجودها يؤدي إلى استطراق المسجد وهو منهي عنه كما يأتي في المناهي فقرة ( 12 ) ولذلك قال الحافظ في صدد ذكر ما في الحديث من الفوائد :
( وأن المساجد تصان عن التطرق إليها لغير ضرورة ) .
وسيأتي عن القرطبي نحوه فيما أشرنا إليه .
( ويجوز بناؤها على :
( أ ) متعبدات الكفار بعد كسرها وتغيير معالمها قال طلق بن علي رضي الله عنه : خرجنا وفدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه وصلينا معه وأخبرناه أن بأرضنا بيعة لنا . . . فقال : ( أخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم . . . واتخذوها مسجدا ) .
الحديث مختصر وتمامه بعد قوله : بيعة لنا : فاستوهبناه من فضل طهوره فدعا بماء فتوضأ وتمضمض ثم صبه في إداوة وأمرنا فقال : ( أخرجوا فإذا أتيتم أرضكم فاكسروا بيعتكم وانضحوا مكانها بهذا الماء واتخذوها مسجدا ) .
قلنا : إن البلد بعيد والحر شديد والماء ينشف . فقال :
( مدوه من الماء فإنه لا يزيده إلا طيبا ) .
فخرجنا حتى قدمنا بلدنا فكسرنا بيعتنا ثم نضحنا مكانها واتخذناها مسجدا فنادينا فيه بالأذان قال : والراهب رجل من طيء فلما سمع الأذان قال : دعوة الحق . ثم استقبل تلعة من تلاعنا فلم نره بعد .
أخرجه النسائي : أخبرنا هنادي بن السري عن ملازم قال : ثني عبد الله بن بدر عن قيس بن طلق عن أبيه طلق بن علي .
وهذا سند حسن رجاله كلهم ثقات غير ملازم - وهو ابن عمر - وقيس ابن طلق وهما صدوقان كما في ( التقريب ) وفي قيس بن طلق خلاف لاينزل حديثه عن درجة الحسن قال الذهبي في ( الميزان ) :
( ضعفه أحمد ويحيى في إحدى الروايتين عنه وفي رواية عثمان بن سعيد عنه : ثقة ووثقه العجلي وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي وأبا زرعة عنه فقالا : ليس ممن تقوم به حجة قال ابن القطان : يقتضي أن يكون خبره حسنا لا صحيحا ) .
والحديث أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) مطولا عن أبي خليفة : ثنا مسدد بن مسرهد : ثنا ملازم به كما في ( المرقاة ) و( نصب الراية ) وأحمد عن محمد بن جابر عن عبد الله بن بدر به مختصرا .
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمير السدوسي :
أنه جاء بإدواة من عند النبي صلى الله عليه وسلم قد غسل النبي صلى الله عليه وسلم وجهه ومضمض فيه وبزق في الماء ثم غسل يده ثم ملأ الإداوة وقال :
( لا تردن ماء إلا ملأت الإدواة على ما بقي فيها فإن أتيت بلادك فرش به تلك البقعة واتخذه مسجدا ) قال : فاتخذوه مسجدا قال عمر وقد صليت أنا فيه . قال الهيثمي :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) و( الأوسط ) وعمر بن شقيق ذكره هو وأبوه ابن أبي حاتم ولم يذكر فيهما جرحا ولا غيره ) .
والحديث يدل على جواز اتخاذ البيع مساجد وغيرها من الكنائس ونحوها ملحق بها بالقياس قال الشوكاني :
( وكذلك فعل كثير من الصحابة حين اقتحموا البلاد جعلوا متعبداتهم متعبدات للمسليمن وغيروا محاريبها ) .
وفي الباب عن عثمان بن أبي العاص :
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره ان يجعل مسجد الطائف حيث كانت طاغيتهم .
أخرجه أبو داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي من طريق أبي همام الدلال : ثنا سعيد بن السائب عن محمد بن عبد الله بن عياض عنه .
سكت عليه الحاكم والذهبي وقال الشوكاني :
( رجال إسناده ثقات ومحمد بن عبد الله بن عياض ذكره ابن حبان في ( الثقات ) وكذلك أبوهمام ثقة واسمه محمد بن محمد الدلال البصري ) .
قلت : ولم يصنع الشوكاني شيئا فإن ابن عياض هذا وإن ذكره ابن حبان في ( الثقات ) فهو على قاعدته من توثيق المجهولين ففي مثل هذا لا يليق بالمحققين أن يعتمدوا على توثيقه وحده ولذلك قال الذهبي في ( الميزان ) :
( لا يعرف روى عنه سعيد بن السائب ) وقال الحافظ في ( التقريب ) :
( مقبول ) .
وكل هذا يدل على أن الرجل غير معروف مما يجعل حديثه غير صالح للاحتجاج به ولذلك أعرضنا عن ذكره في الأصل وأوردناه هنا كشاهد .
ثم إن قوله : ( واسمه محمد بن محمد ) ليس بصواب بل هو محمد بن محبب - بفتح المهملة والموحدة الأولى كمعظم - فلا أدري أتصحف على الشوكاني نفسه أم على بعض من نسخ كتابه . ثم هو ثقة وكذلك سائر الرواة حاشا ابن عياض .
( ب ) قبور المشركين بعد نبشها فإن النبي عليه الصلاة والسلام لما ( أمر ببناء المسجد في الحائط ( البستان ) كان فيه قبور المشركين فأمر بها صلى الله عليه وسلم فنبشت ) كما تقدم ) .
والحديث من رواية أنس وقد سبق ذكره بتمامه قريبا وإنما أوردنا منه هنا ما يناسب المقام . قال الحافظ في ( الفتح ) :
( وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها وجواز بناء المساجد في في أماكنها ) .
( ثم إن المساجد هي أحب البقاع إلى الله تعالى كما قال صلى الله عليه وسلم :
( أحب البلاد إلى الله تعالى مساجدها ) .
الحديث من رواية أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا وله تتمة :
( وأبغض البلاد إلى الله أسواقها ) .
أخرجه مسلم من طريق عبد الرحمن بن مهران مولى أبي هريرة عنه .
وله شواهد منها :
عن جبير بن مطعم أن رجلا قال : يا رسول الله أي البلدان أحب إلى الله ؟ واي البلدان أبغض إلى الله ؟ قال : ( لا أدري حتى أسال جبريل عليه السلام ) فأتاه جبريل فأخبره أن أحب البقاع إلى الله المساجد وأبغض البقاع إلى الله الأسواق ) . قال المنذري :
( رواه أحمد والبزار - واللفظ له - وأبو يعلى والحاكم وقال : صحيح الإسناد ) . وقال الهيثمي : ( ورجال أحمد وأبي يعلى والبزار رجال الصحيح خلا عبد الله بن محمد ابن عقيل وهو حسن الحديث وفيه كلام ) .
قلت : هو عند الحاكم وأحمد من طريق زهير بن محمد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه به دون ذكر المساجد . وقال الحاكم :
( صحيح الإسناد . وقد رواه قيس بن الربيع وعمرو بن ثابت بن أبي المقدام عن عبدالله بن محمد بن عقيل ) . وقال الذهبي :
( قلت : زهير ذو مناكير هذا منها وابن عقيل فيه لين ) .
قلت : لكن لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن لا سيما إذا توبع وزهير بن محمد لم ينفرد به كما صرح الحاكم فبرئت عهدته منه 37 .
ومنها عن عبد الله بن عمرو نحوه . قال المنذري :
( رواه الطبراني ( الكبير ) وابن حبان في ( صحيحه ) .
وقال الهيثمي :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) وفيه عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط في آخر عمره وبقية رجاله موثقون ) .
قلت : وأخرجه الحاكم أيضا من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن عبد الله بن عمر قال :
جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي البقاع خير ؟ فقال : ( لا أدري ) . قال : فأي البقاع شر ؟ فقال : ( لا أدري ) فأتاه جبريل فقال : سل ربك فقال جبريل : ما نسأله عن شيء . فانتفض انتفاضة كاد أن يصعق منها محمد صلى الله عليه وسلم فلما صعد جبريل قال الله تعالى : سألك محمد : أي البقاع خير ؟ فقلت : لا أدري وسألك أي البقاع شر ؟ فقلت : لا أدري ؟ قال : فقال : نعم قال : فحدثه أن خير البقاع المساجد وأن شر البقاع الأسواق . وقال الحاكم :
( صحيح ) . ووافقه الذهبي .
وفيه ما ذكره الهيثمي في عطاء وقد ذكره الذهبي نفسه في ( الميزان ) عن أحمد أنه قال :
( من سمع منه ( يعني عطاء ) قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء ) .
وقد صرح أحمد - كما في التهذيب أو غيره - أن جريرا ممن سمع عنه حديثا . وقال ابن معين :
( اختلط وما سمع منه جرير وذووه ليس من صحيح حديثه ) .
وقد جاء في حديثه هذا ألفاظ ظاهرة النكارة مما لم يرد في الأحاديث الأخرى وذلك يدل على اختلاطه لكن أصل الحديث صحيح بشواهده المتقدمة .
( وفي إتيانها والذهاب فضائل كثيرة جاءت فيها أحاديث نبوية نجتزئ بذكر بعضها :
( أ ) ( من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله وحق على المزور أن يكرم الزائر ) .
الحديث قال المنذري :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) عن سلمان رضي الله عنه بإسنادين أحدهما جيد . وروى البيهقي نحوه موقوفا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بإسناد صيح ) . وقال الهيثمي :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) وأحد إسناديه رجاله رجال الصحيح ) .
قلت : وله شاهد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا بلفظ
( إن بيوت الله في الأرض المساجد وإن حقا على الله أن يكرم الزائر ) .
قال الهيثمي :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) وفيه عبد الله بن يعقوب الكرماني وهو ضعيف ) .
قلت : وإسناده في ( الكبير ) هكذا : ثنا العباس بن حمدان الأصبهاني : ثنا عبد الله بن أبي - كذا - يعقوب الكرماني نا عبد الله بن يزيد المقرئ : نا المسعودي عن ابن إسحاق عن عمرو بن ميمون عنه .
والعباس بن حمدان هذا هو الحنفي يروي عنه الطبراني كثيرا وخرج له حديثا واحدا في ( معجمه الصغير ) ولم أجد من ترجمه ولعله في ( طبقات الأصبهانيين ) لابن حيان ومنه نسخة في المكتبة الظاهرية فليراجع . وبقية رجال الإسناد ثقات غيرالكرماني فهو ضعيف كما قال الهيثمي وسبقه الذهبي .
( ب ) : ( من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح ) .
الحديث أخرجه البخاري ومسلم وأحمد عن يزيد بن هارون - شيخ أحمد فيه - : أخبرنا محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة مرفوعا . قال الحافظ :
( وظاهر الحديث حصول الفضل لمن أتى المسجد مطلقا لكن المقصود منه اختصاصه بمن يأتيه للعبادة والصلاة رأسها والله أعلم ) .
( ج ) : ( من راح إلى مسجد الجماعة فخطوة تمحو سيئة وخطوة تكتب له حسنة ذاهبا راجعا ) .
هو من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص .
أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة : ثنا حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص به مرفوعا .
وهذا سند حسن . وابن لهيعة إنما يخشى من تفرده لسوء حفظه وهو في نفسه ثقة وقد توبع فقد قال الهيثمي بعد ساق الحديث :
( رواه أحمد والطبراني في ( الكبير ) ورجال الطبراني رجال الصحيح ورجال أحمد فيهم ابن لهيعة ) . وقال المنذري :
( رواه أحمد بإسناد حسن والطبراني وابن حبان في ( صحيحه ) .
والظاهر أن ابن حبان أيضا رواه من غير طريق ابن لهيعة فإن هذا عنده ضعيف فقد قال فيه :
( قد سبرت أخباره من رواية المتقدمين والمتأخرين عنه فرأيت التخليط في رواية المتأخرين عنه موجودا وما لا أصل له في رواية المتقدمين كثيرا فرجعت إلى الاعتبار فرأيته كان يدلس عن أقوام ضعفاء على أقوام رآهم ابن لهيعة ثقات فألزق تلك الموضوعات بهم ) .
ثم لعل الطبراني رواه من طريق غير طريق حيي بن عبد الله فإن هذا ليس من رجال الصحيح والهيثمي يقول في رجاله :
( إنهم رجال الصحيح ) .
بدون استثناء . والله أعلم .
( د ) : ( من مشى في ظلمة الليل إلى المسجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة ) .
أورده المنذري من حديث أبي الدرداء مرفوعا وقال : ( رواه الطبراني في ( الكبير ) بإسناد حسن وابن حبان في ( صحيحه ) ولفظه : من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد آتاه الله نورا يوم القيامة ) .
وقال الهيثمي :
( رواه الطبراني في ( الكبير ) ورجاله ثقات ) .
وله شواهد كثيرة بمعناه يرتقي بها إلى درجة الصحة فمنها :
عن أبي هريرة : رواه الطبراني في ( الأوسط ) بإسناد حسن كما قال المنذري وتبعه الهيثمي .
ومنها عن بريدة : أخرجه أبو داود عن إسماعيل أبي سلمان الكحال عن عبد الله بن أوس عنه . قال المنذري :
( ورجاله ثقات ) .
قلت : كلا فإن عبد الله بن أوس لم يوثقه أحد غير ابن حبان وتوثيقه في مثل هذه الحالة غير حجة لما أعلمناك عنه مرارا آخرها قبيل بناء المساجد على قبور المشركين ولذلك قال ابن القطان فيه :
( مجهول الحال ولا نعرف له رواية إلا بهذا الحديث من هذا الوجه ) . وقال الحافظ في ( التقريب ) :
( لين الحديث ) .
ثم الحديث عزاه المنذري وغيره للترمذي ولم أجده في ( سننه ) مع أن النابلسي ذكر في ( الذخائر ) أنه في ( الصلاة ) من ( سننه ) ومع ذلك فلم أعثر عليه . والله أعلم 38 .
ومنها عن أنس أخرجه ابن ماجه والحاكم عن سليمان بن داود الصائغ عن ثابت عنه . وقال الحاكم :
( إنها رواية مجهولة ) .
وكفى به تضعيفا وعلته سليمان هذا قال العقيلي :
( لا يتابع على حديثه ) .
ومنها عن سهل بن سعد الساعدي عندهما أيضا من طريق إبراهيم بن محمد البصري : أنبأ يحيى بن الحارث الشيرازي - وكان ثقة وكان عبد الله داود يثني عليه - قال : ثنا زهير بن محمد التيمي وأبو غسان المدني عن أبي حازم عنه . وقال الحاكم :
( صحيح على شرط الشيخين ) . ووافقه الذهبي .
وقد وهما وذلك لأن إبراهيم بن محمد البصري وشيخه يحيى بن الحارث الشيرازي ليسا من رجال الشيخين ثم الأول منهما لم يوثقه غير ابن حبان وقال :
( يخطئ ) .
لكن روى عنه جمع وقال في ( التقريب ) :
( صدوق يخطئ ) .
وشيخه يحيى لا يعرف توثيقه إلا في هذا الإسناد وسياقه للحاكم ولم يروعنه غير إبراهيم هذا وفي ( التقريب ) :
( مقبول ) .
أي : مجهول .
ومن ذلك تعلم أن الإسناد ضعيف فقول من قال : إنه حسن كصاحب ( الزوائد ) غير حسن . فكيف يكون قول من صححه صحيحا ؟
وقد أخرجه ابن خزيمة في ( صحيحه ) كما في الترغيب .
وفي الباب عن أبي هريرة عند ابن ماجه وعن أبي يعلى وعن زيد بن حارثة في ( أوسط ) الطبراني ( والكبير ) وعن عائشة في ( الأوسط ) وابن عباس في ( الكبير ) وابن عمر فيه وأبي موسى فيه . وكلها لا تخلو أسانيدها من ضعف .
( وأفضل المساجد وأعظمها حرمة أربعة :
أ - المسجد الحرام لقوله عليه الصلاة والسلام : ( صلاة في المسجد الحرام أفضل مما سواه من المساجد بمائة ألف صلاة ) .
هو من حديث أبي الدرداء مرفوعا .
أخرجه بهذا اللفظ ابن خزيمة في ( صحيحه ) كما في ( الترغيب ) وتمامه :
( وصلاة في مسجد المدينة أفضل من ألف صلاة فيما سواه وصلاة في مسجد بيت المقدس أفضل مما سواه من المساجد بخمسائة صلاة ) .
ورواه الطبراني في ( الكبير ) بنحوه قال الهيثمي :
( ورجاله ثقات وفي بعضهم كلام وهو حديث حسن ) . وقال المنذري :
( ورواه البزار وقال : إسناده حسن . كذا قال ) .
وفيه إشارة إلى أنه ليس كما قال البزار وقد نقل قوله هذا الحافظ أيضا في ( الفتح ) وأقره حيث لم يتعقبه بشيء فالله أعلم .
وللحديث شواهد :
منها عن عبد الله بن الزبير مرفوعا بلفظ :
( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في هذا ) .
أخرجه الطحاوي وأحمد من طريق حماد بن زيد قال : ثنا حبيب المعلم عن عطاء عنه .
وهذا سند صحيح على شرط الستة وصححه ابن حبان فرواه هو وابن خزيمة في ( صحيحيهما ) كما في ( الترغيب ) قال : ( ورواه البزار وإسناده صحيح أيضا )
ورواه الطبراني أيضا كما في ( المجمع ) وقال :
( ورجال أحمد والبزار رجال الصحيح ) .
وقد رواه الطيالسي عن الربيع بن صبيح قال : سمعت عطاء بن أبي رباح به نحوه . قال ابن عبد البر :
( اختلف على ابن الزبير في رفعه ووقفه ومن رفعه أحفظ وأثبت ومثله لا يقال بالرأي ) .
ولعطاء فيه إسناد آخر فرواه عن جابر بن عبد الله مرفوعا بلفظ :
( وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة فيما سواه ) والباقي مثله سواء .
أخرجه ابن ماجه والطحاوي وأحمد من طريق عبيد الله بن عمرو الرقي عن عبد الكريم بن مالك عنه به .
وهذا سند صحيح أيضا كالذي قبله وقال المنذري :
( رواه أحمد وابن ماجه بإسنادين صحيحين ) .
كذا قال وهو موهم أن له طريقين عن جابر وليس كذلك فلو قال : بإسناد صحيح . كما عليه العمل لكان أصح في التعبير وأبعد عن الإيهام وقال الحافظ : ( ورجال إسناده ثقات لكنه من رواية عطاء في ذلك عنه قال ابن عبد البر : جائز أن يكون عند عطاء في ذلك عنهما وعلى ذلك يحمله أهل العلم بالحديث ويؤيده أن عطاء إمام واسع الرواية معروف بالرواية عن جابر وابن الزبير ) .
ولعطاء فيه إسناد ثالث رواه ابن عمر أيضا وسيأتي في الكلام على المسجد النبوي .
وأما ما رواه الطبراني في ( الأوسط ) من حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعا بلفظ :
( صلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة صلاة في غيره ) .
ففي إسناده سويد بن عبد العزيز وهو ضعيف كما قال الهيثمي .
قال الحافظ :
( واستدل بهذا الحديث على تفضيل مكة على المدينة لأن الأمكنة تشرف بفضل العبادة فيها على غيرها مما تكون العبادة فيه مرجوحة وهو قول الجمهور وحكي عن مالك وبه قال ابن وهب ومطرف وابن حبيب من أصحابه لكن المشهور عن مالك وأكثر أصحابه تفضيل المدينة واستدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ) ( ويأتي تخريجه ) مع قوله : ( موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ) . قال ابن عبد البر : هذا استدلال بالخبر في غير ما ورد فيه ولا يقاوم النص الوارد في فضل مكة . ثم ساق حديث أبي سلمة عن عبد الله بن عدي بن الحمراء قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا على الحزورة فقال : ( والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت ) . وهو حديث صحيح أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم . قال ابن عبد البر : هذا نص في محل الخلاف فلا ينبغي العدول عنه والله أعلم . وقد رجع عن هذا القول كثير من المصنفين من المالكية . قال : واستدل به على تضعيف الصلاة مطلقا في المسجدين وقد تقدم النقل عن الطحاوي وغيره أن ذلك مختص بالفرائض لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أفضل صلاة المرء في يته إلا المكتوبة ) . ويمكن أن يقال : لا مانع من إبقاء الحديث على عمومه فتكون صلاة النافلة في بيت المدينة أو مكة تضاعف على صلاتها في البيت بغيرهما وكذا في المسجدين وإن كانت في البيوت أفضل مطلقا ) .
( وقوله : ( خير ما ركبت إليه الرواحل مسجد إبراهيم عليه السلام ومسجدي ) .
أخرجه الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة : ثنا أبو الزبير عن جابر مرفوعا .
وابن لهيعة سيئ الحفظ .
وأبو الزبير مدلس وقد عنعنه . ومع ذلك قال الهيثمي :
( رواه أحمد والطبراني في ( الأوسط ) وإسناده حسن ) .
ولعل ذلك لمجيئه من طريق أخرى فقد أعاده هو نفسه بعد صفحة بلفظ :
( ومسجد محمد صلى الله عليه وسلم ) . والباقي مثله . ثم قال :
( رواه البزار وفيه عبد الرحمن بن أبي الزناد وقد وثقه غير واحد وضعفه جماعة وبقية رجاله رجال ( الصحيح ) .
وأورده السيوطي في ( الجامع ) بلفظ
( مسجدي هذا والبيت العتيق ) . وقال :
( رواه أحمد وأبو يعلى وابن حبان في ( صحيحه ) ورمز له بالصحة ) 39 .
وله شاهد من حديث عائشة بلفظ :
( أنا خاتم الأنبياء ومسجدي خاتم مساجد الأنبياء أحق المساجد أن يزار وتشد إليه الرواحل : المسجد الحرام ومسجدي صلاة في مسجدي أفضل من الف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ) . قال في ( المجمع ) :
( رواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف ) .
( وهو أول مسجد بني على وجه الأرض وقد قال أبو ذر :
( قلت : يا رسول الله أي مسجد وضع في الأرض أول ؟ قال :
( المسجد الحرام قلت : ثم أي ؟ قال : ألمسجد الأقصى ) .
الحديث تمامه :
قلت : كم كان بينهما ؟ قال :
( أربعون سنة وأينما أدركت الصلاة فصله فإنه مسجد ) .
أخرجه البخاري ومسلم والنسائي وابن ماجه والبيهقي والطيالسي وأحمد من طرق عن الأعمش عن إبراهيم التيمي عن أبيه عنه .
وقد تابعه عن إبراهيم : أبو عوانة واسمه الوضاح بن عبد الله اليشكري .
أخرجه أحمد .
والحديث دليل صريح على أن مسجد مكة هو أول بيت وضع للعبادة قال ابن العربي في ( أحكام القرآن ) :
( وهذا رد على من يقول : كان في الأرض بيت قبله يحجه الملائكة ) . وقال الحافظ ابن كثير في ( البداية ) :
( ولم يجئ في خبر صحيح عن معصوم أن البيت كان بيتا قبل الخليل عليه السلام ومن تمسك في هذا بقوله تعالى : { مكان البيت } [ الحج : 26 ]
فليس بناهض ولا ظاهر لأن المراد مكانه المقدر في علم الله المقرر في قدرته المعظم عند الأنبياء موضعه من لدن آدم إلى زمان إبراهيم وقد ذكرنا أن آدم نصب عليه قبة وأن الملائكة قالوا له : قد طفنا قبلك بهذا البيت وإن السفينة طافت به أربعين يوما أو نحو ذلك ولكن كل هذه الأخبار عن بني إسرائيل وقد قررنا أنها لا تصدق ولا تكذب فلا يحتج بها فأما إن ردها الحق فهي مردودة وقد قال تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة . . . } [ آل عمران : 96 ] الآية ) .
وقد روي في حديث أن أول من بناه هو آدم عليه السلام ولكنه ضعيف كما يأتي .
وقد استشكل من الحديث قوله : ( إن بين المسجدين المسجد الحرام والأقصى أربعين سنة ) لأن باني الأقصى هو سليمان عليه السلام كما يدل عليه حديث عبد الله بن عمرو الآتي قريبا إن شاء الله وبينه وبين إبراهيم عليه السلام أكثر من ألف عام على ما قاله أهل التاريخ ثم إن في نص القرآن - كما قال الحافظ - أن قصة داود في قتل جالوت كانت بعد موسى بمدة .
وقد أجيب عن ذلك بأجوبة لعل أقربها قول الخطابي :
( يشبه أن يكون المسجد الأقصى أول ما وضع بناءه بعض أولياء الله قبل داود وسليمان ثم داود وسليمان زادا فيه ووسعاه فأضيف إليها بناؤه ) .
وانظر تمام الكلام والأجوبة عن الإشكال في ( الفتح ) و( المرقاة ) .
وقد جزم الحافظ ابن كثير في ( البداية ) ( أن إسرائيل - وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - هو أول من بنى المسجد الأقصى وأن سليمان عليه السلام جدده بعد ذلك ) .
وإذا صح هذا فهو قريب مما أفاده الحديث من المدة بين المسجدين . والله أعلم .
( وهذا الحديث يبين المراد من قوله تعالى : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين } أي : أول بيت وضع للعبادة ) .
قال الحافظ في شرح الحديث السابق :
( وهذا الحديث يفسر المراد بقوله تعالى : { إن أول بيت . . . } الآية ويدل على أن المراد بالبيت : بيت العبادة لا مطلق البيوت وقد ورد ذلك صريحا عن علي أخرجه إسحاق بن راهويه وابن أبي حاتم وغيرهما بإسناد صحيح عنه قال :
كانت البيوت قبله ولكنه كان أول بيت وضع لعبادة الله .
قلت : ورواه بنحوه الحاكم وقال :
( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي .
وقال الحافظ ابن كثير في ( التفسير ) :
( وزعم السدي أنه أول بيت وضع على وجه الأرض مطلقا والصحيح قول علي رضي الله عنه . فأما الحديث الذي رواه البيهقي في بناء الكعبة في كتابه ( دلائل النبوة ) من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الخير عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا :
( بعث الله جبريل إلى آدم وحواء فأمرهما ببناء الكعبة فبناه آدم ثم أمر بالطواف به وقيل له : أنت أول الناس وهذا أول بيت وضع للناس ) فإنه - كما ترى - من مفردات ابن لهيعة وهو ضعيف والأشبه - والله أعلم - أن يكو هذا موقوفا على عبد الله بن عمرو ويكون من الزاملتين اللتين أصابهما يوم اليرموك من كلام أهل الكتاب ) .
( ومما اختص به دون سائر المساجد جواز الصلاة النافلة فيه في كل وقت حتى أوقات الكراهة لقوله عليه الصلاة والسلام : ( يا بني عبد مناف إن كان إليكم من الأمر شيء فلا أعرفن ما منعتم أحدا يصلي عند هذا البيت أي ساعة شاء من ليل أو نهار ) .
الحديث من رواية جبير بن مطعم مرفوعا .
أخرجه الدارقطني في ( سننه ) وأحمد من طريق ابن جريج قال : أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبد الله بن بابيه يخبر عنه .
وهذا سند صحيح متصل بالسماع وهو على شرط مسلم . وقد أخرجه ابن حبان في ( صحيحه كما في ( التلخيص ) وأخرجه أصحاب السنن الأربعة وغيرهم عن ابن عيينة عن أبي الزبير به نحوه وصححه الترمذي والحاكم وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى مع شواهده في محله .
انتهى المجلد الأول من كتاب ( الثمر المستطاب ويليه المجلد الثاني ويبدا بفضل المسجد النبوي ] . الناشر ) .


1 ( 1 ) قيل : نهيه صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الدائم لا يدل على أنه ينجس بمجرد البول إذ ليس في اللفظ ما يدل على ذلك بل قد يكون نهيه لأن البول ذريعة إلى تنجيسه فإنه إذا بال هذا ثم بال ذاكددد تغير بالبول فكان نهيه سدا للذريعة شيخ الإسلام ( الفتاوى ) .

2 ( 1 ) غير واضحة في الأصل ( الناشر ) .

3 ( 1 ) وأما زيادة : ( والحمد لله ) كما جاء في كتاب ( الصلاة ) لأنصار السنة و( الدين الخالص ) ( 1/228 ) فلا تصح وإن حسنها الهيثمي واغتر به من اغتر انظر ( 1171 ) من ( المعجم الصغير ) .

4 ( 1 ) وتابعه عن سهيل عبد العزيز بن المختار . أخرجه الترمذي وقال : حديث حسن .

5 ( 1 ) فيه حديثان :
الأول : عن خولة بنت حكيم أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل . فقال : ( ليس عليها غسل حتى تنزل كما أن الرجل ليس عليه غسل حتى ينزل ) . أخرجه أحمد ( 6/409 ) وابن ماجه ( 1/209 ) .
وفيه عن علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف لكن يقويه الحديث التالي وهو :
عن عائشة - رضي الله عنها - بنحوه .
رواه الخمسة إلا النسائي وفيه ضعف أيضا .

6 ( 1 ) رجال الشيخين غير ناجية بن كعب وهو ثقة كما في ( التقريب ) . وقول ابن حزم ( 2/27 ) :
( وهو مجهول جدا )
مما لم أجد له سلفا .

7 ( 1 ) في الأصل : ( أم هانئ ) والصواب ما أثبتنا . ( الناشر ) .

8 ( 1 ) الأولى البدء بالفجر راجع ( اختيارات شيخ الإسلام ) ( 18 ) .

9 ( 1 ) هو بالجيم عند جميع من خرجه وجاء مفسرا عند ابن ماجه بما ترى .
وقال أحمد : وقال خالد - هو أحد الرواة عن عطاء - معنى جدب إلينا يقول : عابه وذمه .
قلت : وبهذا فسره في ( النهاية ) .
وقد رواه الطحاوي ( 2/390 ) من طريق وهيب وحماد بن سلمة عن عطاء بلفظ : حدب إلينا . بالحاء المهملة . وليس هو تحريفا مطبعيا فقد جعله الطحاوي دليلا على جواز السمر فيما هو قربة فقال : وحدب لهم ما هو قربة فلا أدري أتصحف ذلك على الطحاوي أم على من فوقه ؟ والله أعلم .

10 ( 1 ) قلت : قال ابن عبد البر في ( الاستذكار ) : وقد كان الأمراء من بني أمية وأكثرهم يصلون الجمعة عند الغروب . نقله ابن القيم في ( الصلاة ) ( 99 ) ولم يتبعه بشيء . وهو خبر غريب جدا فينظر في صحته

11 ( 1 ) وتابعه - أيضا - الأعمش عنه مختصرا بقصة الأذان فقط . أخرجه أحمد ( 5/232 ) بإسناد جيد و( قط ) ( 89 ) وأعله .

12 ( 1 ) قال ابن القيم في ( الزاد ) ( 1/212 ) وقد ذكر نزوله عليه السلام في المزدلفة :
( ثم أمر المؤذن فأذن ثم أقام فصلى المغرب . . . فلما حطوا رحالهم أمر فأقيمت الصلاة ثم صلى العشاء الآخرة بإقامة بلا أذان . ولم يصل بينهما شيئا وقد روي أنه صلاهما بأذانين وإقامتين . وروي بإقامتين بلا أذانين والصحيح أنه صلاهما بأذان وإقامتين كما فعل بعرفة ) .

13 ( 1 ) ورواه الطيالسي ( 105 ) من طريق حماد بن سلمة عن سماك دون قوله : ثم لا يقيم . . . إلخ . ثم رواه من طريق شريك بلفظ : كان بلال لا يخرم الأذان وكان ربما أخر الإقامة شيئا .

14 ( 1 ) يعني البوصيري في كتابه ( مصباح الزجاجة في زوائد ابن ماجه ) . ( الناشر ) .

15 ( 1 ) تفسير سورة بني إسرائيل . ( الناشر ) .

16 ( 1 ) ومن هذه الطريق رواه ابن خزيمة وابن حبان في ( صحيحهما ) والنسائي كما في ( الترغيب ) ( 115 ) و( التلخيص ) ( 3/206 ) ولعل النسائي رواه في ( سننه الكبرى ) أو في ( عمل اليوم والليلة ) له فإني لم أجده في ( سننه الصغرى ) .

17 ( 1 ) أي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ابن حزم رحمه الله ( 3/152 ) :
( قد ذكرنا ما لا يختلف فيه اثنان من أهل النقل أن بلالا رضي الله عنه لم يؤذن قط لأحد بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام ولم يتم أذانه فيها فصار هذا الخبر مسندا صحيح الإسناد وصح أن الآمر له رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أحد غيره ) .
قلت : ويؤيد هذا رواية أيوب الصريحة في أن الآمر هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
18 ( 1 ) كما تقدم .
19 ( 2 ) قلت : ورواه مسلم أيضا ( 2/101 - 102 ) .

20 ( 1 ) ولذا قال السيوطي في حاشيته على النسائي ( 2/92 ) - تعليقا على قول أنس هذا - : هذا دليل لمن يقول : إن الفخذ ليس بعورة . وهو المختار .

21 ( 1 ) غير واضح في الأصل . ( الناشر ) .

22 ( 1 ) قال : أخبرني أبي جرهد عن جرهد .

23 ( 1 ) انظر تعليق الشيخ رحمه الله على هذا الأثر بعد صفحتين . ( الناشر ) .

24 ( 1 ) وكذا في نقل العراقي في التخريج ( 2/53 ) .

25 ( 1 ) وأخرجه البيهقي ( 2/233 ) عن حماد بن زيد عن أيوب به .

26 ( 1 ) ثم لاحظ بعض الإخوان أن حديث ابن سمرة يوجد فيه نفي الفعل أي ترك الصلاة إذا رأى شيئا وحينئذ يلزم إثبات شرطية طهارة الثوب . وهذا أمر ظاهر لأول وهلة فليتأمل ثم ليحرر .

27 ( 1 ) وكذلك صححه الحاكم ووافقه الذهبي .

28 ( 1 ) لعل وجهه أن الاستحالة عندنا مطهرة . ا . ه منه .

29 ( 1 ) قال شيخ الإسلام في ( الاقتضاء ) : وكل موضع قصدت الصلاة فيه فقد اتخذ مسجدا بل كل موضع يصلى فيه فإنه يسمى مسجدا وإن لم يكن هناك بناء كما قال صلى الله عليه وسلم : ( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) .

30 ( 1 ) وقال تلميذه المحقق ابن القيم في ( زاد المعاد ) ( 3/22 ) :
( فيهدم المسجد إذا بني على قبر كما ينبش إذا دفن في المسجد نص على ذلك الإمام أحمد وغيره فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر بل أيهما طرأ على الآخر منع منه وكان الحكم للسابق فلو ضما معا لم يجز ولا يصح هذا الوقف ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ولعنه من اتخذ القبر مسجدا أو أوقد عليه سراجا . فهذا دين الإسلام الذين بعث الله به رسوله ونبيه وغربته بين الناس كما ترى ) .
31 ( 1 ) رجل من الخزرج كان قد تنصر في الجاهلية وقرأ علم أهل الكتاب وكان فيه عبادة في الجاهلية وله شرف في الخزرج كبير وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دعاه إلى الله وقرأ عليه من القرآن فأبى أن يسلم وتمرد ولما فرغ الناس من أحد ورأى أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في ارتفاع وظهور ذهب إلى هرقل ملك الروم يستنصره على النبي صلى الله عليه وسلم فوعده ومناه وأقام عنده وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من أهل النفاق والريب يعدهم ويمنيهم أنه سيقدم بجيش يقاتل به رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرهم أن يتخذوا له معقلا يكون مرصدا له إذا قدم عليهم .

32 ( 1 ) وما أحسن ما أورده الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في كتابه ( إصلاح المساجد من البدع والعوائد ) حيث قال :
( قال فاضل : من الذي كان يجسر من أهل البصر في الأجيال التي كان التنافس بالغا حده في إقامة جدران المساجد والقباب وزخرفتها وبذل القناطير المقنطرة في أثاثها ورياشها ؟ من الذي كان يجسر في تلك الأحيان أن يقول لأولئك المتبرعين : إنكم إنما تبنون صروحا لإيقاع العامة في أشراك البدع وتبذلون أموالكم لإحالة الدين إلى العبادات الصورية كما حصل في إشراك كل الأمم السالفة التي اعتاضت عن جمال العقيدة بجمال جدران المعابد وعن نور الإيمان بأنوار الهياكل حتى جعلوا شعائر الدين أشبه باحتفالات الولائم واقرب لاجتماعات المآدب لشدة ما تلتهي الأذهان بالنقوش والزخارف وما يشطح الفكر في التأمل في جوف المنافذ وإبداع المنابر مع أن القصد من تلك الاجتماعات كان تجريد العقل من ملهيات العالم المادي وتخليصه من فاتنات المظهر الطيني والذهاب بالروح على أجنحة ذلك الاجتماع المندمج إلى باب الرحمة القدسية لتطرقه بيد التجريد والعبودية الخالصة لترجع إلى عالمها بنور من عالم القدس يثبتها في جهادها ويقيمها على صراطها ويحميها عن فتن الدنيا ومداحضها حتى إذا أدت وظيفتها في هذه الحياة عرجت إلى عالمها بتلك القوة التي اكتسبتها ودخلت من جنان الفيض الإلهي في الحال التي أعدت لها . انتهى .

33 ( 1 ) وفي كتاب ( إصلاح المساجد من البدع والعوائد ) للشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله ( ص 103 - 104 ) :
( قال السيوطي في كتاب ( الأمر بالاتباع والنهي عن الابتداع ) : ( ومن تلك المحدثات كثرة المساجد في الملحة الواحدة وذلك لما فيه من تفريق الجمع وتشتيت شمل المصلين وحل عروة الانضمام في العبادة وذهاب رونق وفرة المتعبدين وتعديد الكلمة واختلاف المشارب ومضادة حكمة مشروعية الجماعات أعني اتحاد الأصوات على أداء العبادات وعودهم على بعضهم بالمنافع والمعونات والمضارة بالمسجد القديم أو شبه المضارة أو محبة الشهرة والسمعة وصرف الأموال فيما لا ضرورة فيه ) .
وقال شيخ الإسلام رحمه في ( تفسير سورة الإخلاص ) ( ص 172 - 173 ) بعد أن ذكر مسجد الضرار :
( ولهذا كان السلف يكرهون الصلاة فيما يشبه ذلك ويرون العتيق أفضل من الجديد لأن العتيق أبعد عن أن يكون بني ضرارا من الجديد الذي يخاف الذي فيه وعتق المسجد بما يحمد به ولهذا قال : { ثم محلها إلى البيت العتيق } وقال : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة } فإن قدمه يقتضي كثرة العبادة فيه أيضا وذلك يقتضي زيادة فضله ) .
34 ( 1 ) أي محمول .

35 ( 1 ) قلت : إن كان يعني بتضعيف ابن المديني له تلك الرواية التي سبق ذكرها عن الذهبي من طريق الكديمي فإنه لا يجوز الاحتجاج بها لأن الكديمي_ واسمه محمد بن يونس - أحد المتروكين كما في ( الميزان ) بل كذبه بعضهم .

36 ( 1 ) أورده والذي قبله شيخ الإسلام في ( الاقتضاء ) ( ص 63 ) .

37 ( 1 ) ولذلك قال الحافظ في ( الفتح ) ( 4/269 ) : ( أخرجه أحمد والبزار وصححه الحاكم وإسناده حسن ) .

38 ( 1 ) ثم عثرت عليه في باب ( ما جاء في فضل العشاء والفجر في جماعة ) ( 1/435 ) وقال : ( حديث غريب من هذا الوجه ) .

39 ( 1 ) ثم وجدته في ( المسند ) ( 3/350 ) بهذا اللفظ من طريق الليث بن سعد عن أبي الزبير به .
وهذا سند صحيح على شرط مسلم والليث لا يروي عن أبي الزبير إلا ما سمعه من جابر كما تقرر في محله .
ورواه الحافظ في ( الرحمة الطيبية ) وصححه فانظر ( 2/254 ) من المجموعة المنيرية ) .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية

  مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية ( وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه م...