ج2. تكفين الميت
23 - وبعد الفراغ من غسل الميت ، يجب تكفينه ، لامر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في حديث المحرم الذي وقصته الناقة : " . . . وكفنوه . . . . . . " . متفق عليه ، وقد تقدم بتمامه في الفصل ( 3 ) فقرة ( د ) . ( ص12 - 13 )
34 - والكفن أو ثمنه من مال الميت ، ولو لم يخلف غيره لحديث خباب بن الارث قال : " هاجرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله ، نبتغي وجه الله ، فوجب أجرنا على الله ، فمنا من مضى لم يأكل من أجره شيئا ، منهم مصعب بن عمير ، قتل يوم أحد ، فلم يوجد له شئ ، ( وفي رواية : ولم يترك ) إلا نمرة ، فكنا إذا وضعناها على رأسه خرجت رجلاه ، وإذا وضعناها على رجليه خرج رأسه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ضعوها مما يلي رأسه ( وفي رواية : غطوا بها رأسه ) ، واجعلوا على رجليه الاذخر1 ، ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها " ، أي : يجتنيها . أخرجه البخاري ( 3/110 ) ومسلم ( 3/45 ) والسياق له . وابن الجارود في " المنتقي " ( 260 ) والترمذي ( 357 ) وصححه والنسائي ( 1/269 ) والبيهقي ( 3/401 ) وأحمد ( 6/695 ) والرواية الثانية له وللترمذي . وروى منه أبو داود ( 2/14 ، 62 ) قوله في مصعب : " قتل يوم أجد . . . الخ والرواية الثالثة له وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف أخرجه البخاري وغيره .
35 - وينبغي أن يكون الكفن طائلا سابغا يستر جميع بدنه لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه . " أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذ كر رجلا من أصحابه قبض فكفن غير طائل ، وقبر ليلا ، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه إلا أن يظطر إنسان إلى ذلك وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه ( إن استطاع ) " . أخرجه مسلم ( 3 / 50 ) وابن الجارود ( 268 ) وأبو داود ( 2 / 62 ) وأحمد ( 3 / 295 ، 329 ) وروى الجملة الاخيرة منه الترمذي ( 2 / 133 ) وابن ماجه من حديث أبي قتادة ، وقال الترمذي :
" حديث حسن " . قلت : بل هو حديث صحيح ، فإن إسناده عن جابر صحيح2 ، فكيف إذا انضم إليه حديث أبي قتادة ؟ وعزاه صديق حسن خان في " الروضة الندية " ( 1/ 164 ) لمسلم فوهم . والزيادة لاحمد في رواية له . قال العلماء : " والمراد بإحسان الكفن نظافته وكثافته وستره ، وتوسطه ، وليس المراد به السرف فيه والمغالاة ، ونفاسته " .
واما اشتراط النووي كونه من جنس لباسه في الحياة لاأفخر منه ولا أحقر ففيه نظر عندي ، إذا أنه مع كونه مما لا دليل عليه ، عليه ، فقد يكون لباسه في الحياة نفيسا ، أو حقيرا ، فكيف يجعل كفنه من جنس ذلك ؟
36 - فإن ضاق الكفن عن ذلك ، ولم يتيسر السابغ ، ستر به رأسه وما طال من جسده ، وما بقي منه مكشوفا جعل عليه شئ من الاذخر أو غيره من الحشيش ، وفيه حديثان :
الاول : عن خباب بن الارت في قصة مصعب وقوله في نمرته : " ضعوها مما يلي رأسه ( وفي رواية : غطوا بها رأسه ) واجعلوا على رجليه الاذخر " متفق عليه ، وتقدم بتمامه في المسألة ( 34 ) ، ( ص57 )
الثاني : عن حارثة بن مضرب قال : " دخلت على خباب وقد اكتوى ( في بطنه ) سبعا ، فقال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا يتمنين أحدكم الموت " لتمنيته . ولقد رأيتني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك درهما ، وإن في جانب بيتي الان لاربعين ألف درهم ثم أتى بكفنه ، فبلما رآه بكى وقال : ولكن حمزة لم يوجد له كفن إلا بردة ملحاء ، إذا جعلت على رأسه قلصت عن قدميه ، وإذا جعلت على قدميه قلصت عن رأسه ، وجعل على قدميه الاذخر " أخرجه أحمد ( 6/395 ) بهذا التمام ، وإسناره صحيح ، والترمذي دون قوله : ثم أتى بكفنه . . " وقال : " حديث حسن صحيح " . وروى الشيخان وغيرهما من طريق أخرى النهي عن نمي الموت . وله شاهد من حديث أنس ، نذكره إن شاء الله في المسألة التالية .
37 - وإذا قلت الاكفان ، وكثرت الموتى ، جاز تكفين الجماعة منهم في الكفن الواحد ، ويقدم أكثرهم قرآنا إلى القبلة ، لحديث أنس رضي الله عنه قال : " لما كان يوم أحد ، مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمزة بن عبد المطلب ، وقد جدع ومثل به ، فقال : لو لا أن صفية ( في نفسها لـ ) تركته ( حتى تأكله العافية ) 3 ، حتى يحشره الله من بطون الطير والسباع ، فكفنه في نمرة ، ( وكانت ) إذا خمرت رأسه بدت رجلاه وإذا خمرت رجلاه بدا رأسه ، فخمر رأسه ، ولم يصل على أحد من الشهداء غيره ، وقال : أنا شاهد عليكم اليوم ، ( قال : وكثرت القتلى ، وقلت الثياب ، قال : ) وكان يجمع الثلاثة والاثنين في قبر واحد ، ويسأل أيهم أكثر قرآنا ، فيقدم في اللحد ، . وكفن الرجلين والثلاثة في الثوب الواحد " 4 . أخرجه أبو داود ( 2/59 ) والترمذي ( 2/138 - 139 ) وحسنه ، وابن سعد ( ج 3ق 1ص 8 ) والحاكم ( 1/365 - 366 ) والسياق له وعنه البيهقي ( 4/10 - 11 ) وأحمد ( 3/128 ) والزيادات له ، وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " ، ووافقه الذهبي ، وإنما هو حسن فقط كما سبق في الثالث من المسألة ( 32 ) . ، ( ص53 )
38 - ولا يجوز نزع ثياب الشهيد الذي قتل فيها ، بل يدفن وهي عليه لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد : " زملوهم في ثيابهم " . أخرجه أحمد ( 5 / 431 ) بهذا اللفظ ، وفي رواية له : " زملوهم بدمائهم " . وكذلك أخرجه النسائي ( 1 / 282 ) ، وعزاه الشو كاني ( 4 / 34 ) لابي داود فوهم . وفي الباب عن جابر وأبي برزة وأنس ، فانظر المسألة ( 32 ) الحديث الاول والثاني والثالث . ، ( ص 52 - 53 )
39 - ويستحب تكفينه بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه ، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصعب بن عمير وحمزة بن عبد المطلب ، وتقدمت قصتهما في المسألة ( 34 ، 36 ، 37 ) ، وفي الباب قصتان أخريان :
الاولى : عن شداد بن الهاد : " أن رجلا من الاعراب ، جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه ، ثم قال : أهاجر معك ، فأوصى به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه ، فلما كانت غزوة ( خيبر ) غنم النبي صلى الله عليه وسلم ( فيها ) شيئا ، فقسم ، وقسم له ، فأعطى أصحابه ما قسم له ، وكان يرعى ظهرهم ، فلما جاءهم دفعوه إليه ، فقال : ما هذا ؟ قالوا : قال : قسمته لك قال : ما على هذا تبعتك ، ولكن اتبعتك على أن أرمي إلى ههنا - وأشار إلى حلقه - بسهم فأموت ، فأدخل الجنة ، فقال : إن تصدق الله يصدقك ، فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل ، قد أصابه سهم حيث أشار ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم أهو هو ؟ قالوا : نعم ، قال : صدق الله فصدقه ، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قدمه فصلى عليه ، فكان فيما ظهر من صلاته : اللهم هذا عبدك ، خرج مهارجرا في سبيلك ، فقتل شهيدا ، أنا شهيد على ذلك " . أخرجه النسائي ( 1/277 ) والطحاوي في " ( 1/291 ) والحاكم ( 3/595 - 596 ) والبيهقي ( 4 / 15 - 16 ) .
قلت : وإسناده صحيح ، رجاله كلهم على شرط مسلم ما عدا شداد بن الهاد لم يخرج له شيئا ، ولا ضير ، فإنه صحابي معروف ، وأما قول الشو كاني في " نيل الاوطار " ( 3/37 ) تبعا للنووي في " المجموع " ( 5 / 565 ) : إنه تابعي فوهم واضح فلا يغتر به .
الثانية : عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن تراهم ، فقال : المرأة المرأة قال : فتوسمت أنها أمي صفية ، فخرجت أسعى إليها ، فأدر كتها قبل أن تنتهي إلى القتلى ، قال : فلدمت5 في صدري ، وكانت امرأة جلدة ، قالت : إليك لا أرض لك ، فقلت : إن رسول صلى الله عليه وسلم عزم عليك ، فوقفت ، وأخرجت ثوبين معها ، فقالت : هذان ثوبان جئت بهما لاخي حمزة ، فقد بلغي مقتله ، فكفنه فيهما ، قال : فجئنا بالثوبين لنكفن فيهما حمزة ، فإذا إلى جنبه رجل من الانصار قتيل ، قد فعل به كما فعل بحمزة ، فوجدنا غضاضة وحياء أن نكفن حمزة في ثوبين ، والانصاري لاكفن له ، فقلنا : لحمزة ، ثوب ، وللانصاري ثوب ، فقدر ناهما فكان أحدهما أكبر من الاخر ، فأقر عنا بينهما ، فكفنا كل واحد منهما في الثوب الذي صار له " . أخرجه أحمد ( 1418 ) والسياق له بسند حسن . والبيهقي ( 3/ 401 ) وسنده صحيح
40 - والمحرم يكفن في ثوبيه اللذين مات فيهما لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة : " . . . وكفنوه في ثوبيه ( اللذين أحرم فيهما ) . . " . وتقدم بتمامه في الفصل ( 3 ) فقرة ( د ) ، ص 12 - 13 ) وهذه الزيادة رواها النسائي وكذا الطبراني في " المعجم الكبير " ( ق 165 / 2 ) مر طريقين عن عمرو بن دينار عن ابن جبير عن ابن عباس . وهذا سند صحيح .
41 - ويستحب في الكفن أمور :
الاول : البياض ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " البسوا من ثيابكم البياض ، فانها خير ثيابكم ، وكفنوا فيها " . أخرجه أبو داود ( 2/176 ) والترمذي ( 2/132 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1/449 ) والبيهقي ( 3/245 ) وأحمد ( 3426 ) ، والضياء في " المختارة " ( 60/229/2 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وهو كما قالا . وله شاهد من حديث سمرة بن جندب .
أخرجه النسائي ( 1/ 268 ) وابن الجارود ( 260 ) والبيهقي ( 3/402 - 403 ) وغيرهم قلت : وسنده صحيح أيضا كما قال الحاكم والذهبي والحافظ في " فتح الباري " ( 3 / 105 ) .
الثاني : كونه ثلاثة أثواب ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب يمانية بيض سحولية ، من كرسف ، ليس فيهن قميص ، ولا عمامة ( أدرج فيها إدراجا ) " . أخرجه الستة ، وابن الجارود ( 259 ) والبيهقي ( 3/399 ) وأحمد ( 6/40 ، 93 ، 118 ، 165 ، 192 ، 203 ، 221 ، 231 ، 264 ) والزيادة له .
الثالث : أن يكون أحدها ثوب حبرة6 إذا تيسر ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا توفي أحدكم فوجد شيئا ، فليكفن في ثوب حبرة " . أخرجه أبو داود ( 2 / 61 ) ومن طريقه البيهقي ( 3 / 403 ) ومن طريق وهب بن منبه عن جابر مرفوعا .
قلت : وهذا سند صحيح عندي ، وهو كذلك عند المزي وأما الحافظ فقال في " التلخيص " من وجد سعة ، فليكفن في ثوب حبرة " 7 . وسنده صحيح لولا عنعنة أبي الزبير .
الرابع : تبخيرة ثلاثا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا جمرتم الميت ، فأجمروه ثلاثا " . أخرجه أحمد ( 3/331 ) وابن أبي شيبة ( 4/92 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 752 - موارد ) والحاكم ( 1/355 ) والبيهقي ( 3/405 ) قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، وصححه الووي أيضا في " المجموع " ( 5/196 ) . وهذا الحكم ، لا يشمل المحرم لقوله صلى الله عليه وسلم في المحرم الذي وقصته الناقة " . . . ولا تطيبوه . . . " . وقد مضى بتمامه مع تخريجه في المسألة ( 17 ) فقرة ( د ) ( ص 52 - 53 ) .
42 - ولا يجوز المغالاة في الكفن ، ولا الزيادة فيه على الثلاثة لانه خلاف ما كفن لا سيما والحي أولى به ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله كره لكم ثلاثا : قيل وقال ، وإضاعة المال ، وكثرة السؤال " 8 . أخرجه البخاري ( 3 / 266 ) ومسلم ( 5 / 131 ) وأحمد ( 4 / 246 ، 249 ، 250 ، 254 ) من حديث المغيرة بن شعبة . وله شاهد من حديث أبي هريرة رضي الله عنهما . أخرجه مسلم .
43 - والمرأة في ذلك كالرجل ، إذا لا دليل على التفريق9 .
***************************
1 بكسر الهمزة والخاء - حشيش معروف طيب الرائحة .
2 وله طريق أخرى عن جابر ، أخرجه هو والذي قبله الحاكم في " المستدرك " ( 1 - 369 ) ، وسنده صحيح .
3 هي السباع والطير التي تقع على الجيف كلها ، ويجمع على العوافي .
4 قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله : " معنى الحديث أنه كان يقسم الثوب الواحد بين الجماعة ، فيكفن كل واحد ببعضه للضرورة ، وإن لم يستر إلا بعض بدنه ، يدل عليه تمام الحديث أنه كان يسأل عن أكثرهم قرآنا فيقدمه في اللحد ، فلو أنهم في ثوب واحد جملة لسأل عن أفضلهم قبل ذل كي لا يؤدي إلى نقض التكفين وإعادته . ذكره في " عون المعبود " ( 3 / 165 ) ، وهذا التفسير هو الصواب ، وأما قول من فسره على ظاهره فخطأ مخالف لسياق القصة كما بينه ابن تيمية ، وأبعد منه عن الصواب من قال : معنى ثوب واحد قبر واحد لان هذا منصوص عليه في الحديث فلا معنى لاعادته .
5 أي : ضربت ودفعت
6 بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة ما كان من البرود مخططا .
7 اعلم أنه لا تعارض بين الحديث الاول في " البياض " : " وكفنوا فيها موتا كم " . لامكان التوفيق بينهما بوجه من وجوه الجمع الكثيرة المعلومة عند العلماء ، ويخطر في بالي الان منها وجهان : الاول : أن تكون الحبرة بيضاء مخططة ، وهذا إذا كان الكفن ثوبا واحدا ، وأما إذا كان أكثر فالجمع أيسر وهو الوجه الاتي . الثاني : أن يجعل كفن واحد حبرة ، وما بقي أبيض ، وبذلك يعمل بالحديثين معا . وبهذا قال الحنفية ، ودليلهم هذا الحديث ، وليس هو الحديث الذي عزاه الحافظ لابي داود عن جابر أنه عليه السلام كفن في ثوبين وبرد حبرة . وقال : إسناده حسن ، فإن هذا لم يستدلوا به بل لا وجود له عند أبي داود ، بل عنده عن عائشة في حديثها وهو الثاني قالت : أتي بالبر لكنهم ردوه ولم بكفنوه فيه وسنده صحيح .
8 ويعجبني بهذه المناسبة ما قاله العلامة أبو الطيب في " الروضة الندية " ( 1 / 165 ) " وليس تكثير الاكفان والمغالاة في أثمانها بمحمود ، فإنه لولا ورود الشرع به لكان من إضاعة المال ، لانه لا ينتفع به الميت ، ولا يعود نفعه على الحي ، ورحم الله أبا بكر الصديق حيث قال : " إن الحي أحق بالجديد " ، لما قيل له عند تعيينه لثوب من أبوابه في كفنه : " إن هذا خلق " . والحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في في سبعة أثواب ، منكر تفرد به من وصف بسوء الحفظ فراجعه في " نصب الراية " ( 2 / 261 - 262 ) .
9 وأما حديث ليلى بنت قائف الثقفية في تكفين ابنته ( ص ) في خمسة أبواب فلا يصح إسناده ، لان فيه نوح بن حكيم الثقفي وهو مجهول كما قال الحافظ ابن حجر وغيره وفيه علة أخرى بينها الزيلعي في " نصب الراية " ( 2 / 258 ) .
www.alalbani.info
حمل الجنازة واتباعها
44 - ويجب حمل اجنازة واتباعها ، وذلك من حق الميت المسلم على المسلمين ، وفي ذلك أحاديث ، أذكر اثنين منها :
الاول : قوله صلى الله عليه وسلم : " حق المسلم ( وفي رواية : يجب المسلم على أخيه ) خمس : رد السلام ، وعيادة المريض ، واتباع الجنائز ، وإجابة الدعوة ، وتشميت العاطس " . أخرجه البخاري ( 3/88 ) والسياق له ، ومسلم ( 7/3 ) بالرواية الثانية وابن ماجه ( 1/439 ) وابن الجارود ( 261 ) وأحمد ( 2/372 ، 412 ، 540 ) ، وقال في رواية له : " ست " . وزاد : " وإذا استنصحك فانصح له " ، وهي رواية لمسلم أيضا ، أخرجوه كلهم من حديث أبي هريرة .
وفي الباب عن البراء بن عازب عند الشيخين وغيرهما .
الثاني : قوله أيضا : " عودوا المريض ، واتبعوا الجنائز ، تذكر كم الاخرة " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 73 ) والبخاري في " الادب المفرد " ( ص 75 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 709 - موارد ) والطيالسي ( 1 / 224 ) وأحمد ( 3 / 27 ، 32 ، 48 ) والبغوي في " شرح السنة " ( 1 / 166/ 1 ) من حديث أبي سعيد الخدري . قلت : وإسناده حسن . وله شاهد من حديث عوف بن مالك بدون الجملة الاخيرة . رواه الطبراني . راجع " المجمع " ( 2/ 299 ) .
44 - واتباعها على مرتبتين :
الاولى : اتباعها من عند أهلها حتى الصلاة عليها .
والاخرى : اتباعها من عند أهلها حتى يفرغ من دفنها . وكل منهما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فروى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : " كنا مقدم النبي صلى الله عليه وسلم ( يعني المدينة ) ، إذا حضر منا الميت آذنا النبي صلى الله عليه وسلم ، فحضره واستغفر له ، حتى إذا قبض ، انصرف النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حتى يدفن ، وربما طال حيس ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما خشينا مشقة ذلك عليه ، قال بعض القوم لبعض : لو كنا لا نؤذن النبي صلى الله عليه وسلم بأحد حتى يقبض ، فإذا قبض آذناه ، فلم يكن عليه في ذلك مشقة ولا خبس ، ففعلنا ذلك ، وكنا نؤذنه بالميت بعد أن يموت ، فيأتيه فيصلي عليه ، فربما انصرف ، وربما مكث حتى يدفن الميت ، فكنا على ذلك حينا ، ثم قلنا لو لم يشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، وحملنا جنازتنا إليه حتى يصلي عليه عند بيته لكان ذلك أرفق به ، فكان ذلك الامر إلى اليوم " . أخرجه ابن حبان في صحيحه ( 753 - مورد ) والحاكم ( 1/353 - 364 - 365 ) وعنه البيهقي ( 3/74 ) وأحمد ( 3/66 ) بنحوه ، وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " وإنما هو صحيح فقط ، لان فيه سعيد بن عبيد بن السباق ، ولم يخرجا له شيئا .
45 - ولا شك في أن المرتبة الاخرى أفضل من الاولى لقوله صلى الله عليه وسلم : " من شهد الجنازة ( من بيتها ) ، ( وفي رواية من ابتع جنازة مسلم إيمانا واحتسابا ) حتى يصلى عليها فله قيراط ، ومن شهد ها حتى تدفن ، ( وفي الرواية الاخرى : يفرغ منها ) فله قيراطان ( من الاجر ) ، قيل : ( يارسول الله ) وما القيراطان ؟ قال : مثل الجبلين العظيمين . ( وفي الرواية الاخرى : كل قيراط مثل أحد ) " . أخرجه البخاري ( 1 / 89 - 90 ، 3 / 150 ، 154 ) ومسلم ( 3 / 51 - 52 ) وأبو داود ( 2 / 63 - 64 ) والنسائي ( 1 / 282 ) والترمذي ( 2 / 150 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1 / 467 - 468 ) وابن الجارود ( 261 ) والبيهقي ( 3 / 412 - 413 ) والطيالسي ( 2581 ) وأحمد ( 2 / 233 ، 246 ، 320 ، 401 ، 458 ، 470 ، 474 493 ، 521 ، 531 ) من طرق كثيرة عن أبي هريد رضي الله عنه .
والرواية الثانية للبخاري والنسائي وأحمد . والزيادة الاولى لمسلم وأبي داود وغيرها ، والزيادتان الاخريان للنسائي . وللحديث شواهد عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم . الاول : عن ثوبان عند مسلم والطيالسي ( 985 ) وأحمد ( 5/276 - 277 ، 282 - 283 - 284 ) .
الثاني والثالث : عن البراء بن غازب لث : عن البراء بن عازب وعبد الله بن مغفل ، عند النسائي وأحمد ( 4/86 ، 294 ) .
الرابع : عن أبي سعيد الخدري . رواه أحمد ( 3/20 ، 27 ، 97 ) من طريقين عنه . وله شواهد أخرى ذكرها الحافظ في " الفتح "
( 3 / 153 ) .
وفي بعض الشواهد عن أبي هريرة زيادات مفيدة لعله من المستحسن ذكرها :
" وكان ابن عمر يصلي عليها ، ثم ينصرف ، فلما بلغه حديث أبي هريرة قال : ( أكثر علينا أبو هريرة ، ( وفي رواية : فتعاظمه ) ) ، ( فإرسل خبابا إلى عائشة يسألها عن قول أبي هريرة ثم يرجع إليه فيخبره ما قالت ، وخذ ابن عمر قبضة من حصى المسجد يقلبها في يده حتي رجع إليه الرسول ، فقال : قالت عائشة : صدق أبو هريرة ، فضرب ابن عمر بالحصى الذي كان في يده الارض ثم قال : ) لقد فرطنا في قراريط كثيرة ، ( فبلغ ذلك أبا هريرة فقال : إنه لم يكن يشغلني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صفقة السوق ، ولا غرس الودي1 ، إنما كنت ألزم النبي صلى الله عليه وسلم لكلمة يعلمنيها ، وللقمة يطعمنيها ) ، ( فقال له ابن عمر : أنت يا أبا هريرة كنت ألزمنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأعلمنا بحديثه ) " . هذه الزيادات كلها لمسلم ، إلا الاخيرة ، فهي لاحمد ( 2/2 - 3 ، 387 ) وكذا سعيد بن منصور بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ، والتي قبلها للطيالسي وسندها صحيح على شرط مسلم ، والزيادة الثانية للشيخين ، والرواية الثانية فيها للترمذي وأحمد .
والزيادة الاخيرة صريحة بأن ابن عمر رضي الله عنه اتصل عنه اسصل بنفسه بأبي هريرة ، ويؤيده ما في رواية لمسلم وغيره بلفظ : فقال ابن عمر : أبا هر انظر ما تحدث عن رسول الله عليه وسلم ، فقام إليه أبو هريرة حتى انطلق به إلى عائشة ، فقال لها ، يا أم المؤمنين أنشدك بالله أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكر الحديث ) ، فقالت : اللهم نعم ، فقال أبو هريرة : إنه لم يكن . . الخ . فظاهر هذا كله يخالف رواية أنه أرسل خبابا إلى ابن عمر . وجمع الحافظ ابن حجر بين الروايتين بأن الرسول لما رجع إلى ابن عمر يخبر عائشة بلغ ذلك أبا هريرة ، فمشى إلى ابن عمر فأسمعه ذلك من عائشة مشافهة . ولابي هريرة رضي الله عنه حديث آخر في فضل شهود الجنازة ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم اليوم صائما ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من عاد منكم اليوم مريضا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال : من شهد منكم اليوم جنازة ؟ قال أبو بكر : أنا قال : من أطعم اليوم مسكينا ؟ قال أبو بكر : أنا ، قال صلى الله عليه وسلم : ما اجتمعت هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " . أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 3 / 92 ، 7 / 110 ) والبخاري في " الادب المفرد " ص 75
46 - وهذا الفضل في اتباع الجنائز ، إنما هو للرجال دون النساء لنهي النبي صلى الله عليه وسلم لهن عن اتباعها ، وهو ني تنزيه ، فقد قالت أم عطية رضي الله عنها : " كنا ننهى ( وفي رواية : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن اتباع الجنائز ، ولم يعزم علينا " . أخرجه البخاري ( 1/328 - 329 ، 3/162 ) ومسلم ( 3/47 ) والسياق له ، وأبو داود ( 2/63 ) وابن ماجه ( 1/ 487 ) وأحمد ( 6/408 ، 409 ) وكذا البيهقي ( 4 / 77 ) والاسماعيلي والرواية الاخرى له ، وهي رواية للبخاري تعليقا .
47 - ولا يجوز أن تتبع الجنائز ، بما يخالف الشريعة ، وقد جاء النص فيها على أمرين : رفع الصوت بالبكاء ، واتباعها بالبخور ، وذلك في وقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار " . أخرجه أبو داود ( 2/64 ) وأحمد ( 2/427 ، 528 ، 532 ) من حديث أبي هريرة . وفي سنده من لم يسم ، لكنه يتقوى بشواهده المرفوعة ، وبعض الاثار الموقوفة .
أما الشواهد ، فعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يتبع الميت صوت أو نار ، قال الهيثمي ( 3 / 29 ) : " رواه أبو يعلى ، وفيه من لاذكر له " .
وعن ابن عمر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع جنازة معها رانة " . أخرجه ابن ماجه ( 1 / 479 - 480 ) وأحمد ( 5668 ) من طريقين عن مجاهد عنه . وهو حسن بمجموع الطريقين .
وعن أبي موسى في النهي عن اتباع الميت بمجمر . وقد تقدم لفظه في المسألة ( 21 ) فقرة ( ب ) ، ( ص8 )
وأما الاثار ، فعن عمرو بن العاص أنه قال في وصيته : " فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار " . أخرجه مسلم ( 1 / 78 ) وأحمد ( 4 / 199 ) .
وعن أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ( وفي رواية : بنار ) " . رواه أحمد وغيره بسند صحيح كما يأتي بعد مسألة ، الحديث الثاني .
48 - ويلحق بذلك رفع الصوت بالذكر أمام الجنازة ، لانه بدعة ، ولقول قيس ابن عباد : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز " . أخرجه البيهقي ( 4 / 74 ) بسند رجاله ثقات .
ولان فيه تشبها بالنصارى فإنهم يرفعون أصواتهم بشئ من أنا جيلهم وأذكارهم مع التمطيط والتلحين والتحزين2 .
وأقبح من ذلك تشييعها بالعزف على الالات الموسيقية أما مها عزفا حزينا كما يفعل في بعض البلاد الاسلامية تقليدا للكفار . والله المستعان .
49 - ويجب الاسراع في السيربها ، سيرا دون الرمل ، وفي ذلك أحاديث :
الاول : " أسرعوا بالجنازة فإن تك صالحة فخير تقدمونها ، وإن تكن غير ذلك فشر تضعونه عن رقابكم " . أخرجه الشيخان ، والسياق لمسلم ، وأصحاب السنن الاربعة ، وصححه الترمذي وأحمد ( 2/240 ، 280 ، 488 ) والبيهقي ( 4/ 21 ) من طرق عن أبي هريرة ، وله حديث آخر بنحو الاتي .
الثاني : " إذا وضعت الجنازة ، واحتملها الرجال على أعناقهم ، فإن كانت صالحة قالت : قدموني ( قدموني ) ، وإن كانت غير صالحة قالت : يا ويلها أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شئ إلا الانسان ، ولو سمعه ( لـ ) صعق " . أخرجه البخاري ( 3/142 ) والنسائي ( 1/270 ) والبيهقي وأحمد ( 3/41 ، 58 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه .
والزيادة للنسائي ، وللبيهقي منهما الأولى ، ولأحمد الأخرى .
ويشهد للزيادة الاولى حديث أبي هريرة أنه قال حين حضره الموت : " لا تضربوا علي فسطاطا ، ولا تتبعوني بمجمر ، وأسر عوا بي ، فإني سمعت رسول الله صلى اله عليه وسلم يقول : " إذا وضع الرجل الصالح على سريره ، قال : قدموني . . . " الحديث نحوه ، دون قوله يسمع صوتها . . . أخرجه النسائي وابن حبان في صحيحه ( 764 ) والبيهقي والطيالسي ( رقم 2336 ) وأحمد ( 2 / 292 ، 274 ، 500 ) بإسناد صحيح على شرط مسلم .
الثالث : عن عبد الرحمن بن جوشن قال : " كنت في جنازة عبد الرحمن بن سمرة ، فجعل زياد ورجال من مواليه يمشون على أعقابهم أمام السرير ، ثم يقولون : رويدا رويدا بارك الله فيكم : فلحقهم أبو بكرة في بعض سكك المدينة فحمل عليهم بالبغلة ، وشد عليهم بالسوط ، وقال : خلوا والذي أكرم وجه أبي القاسم صلى الله عليه وسلم لقد رأيتنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لنكاد أن نرمل بها رملا " . أخرجه أبو داود ( 2 / 65 ) والنسائي ( 1 / 271 ) والطحاوي ( 1 / 276 ) والحاكم ( 1 / 255 ) والبيهقي ( 4 / 22 ) والطيالسي ( 883 ) وأحمد ( 5 / 36 - 38 ) قال الحاكم : " صحيح " . ووافقه الذهبي ، ومن قبله النووي في " المجموع " ( 5 / 272 ) 3
50 - ويجوز المشي أمامها وخلفها ، وعن يمينها ويسارها ، على أن يكون قريبا منها ، إلا الراكب فيسير خلفها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب ( يسير ) خلف الجنازة ، والماشي حيث شاء منها ، ( خلفها وأمامها ، وعن يمينها ، وعن يسارها ، قريبا منها ) ، والطفل يصلى عليه ، ( ويدعى لوالديه بالمغفرة والرحمة ) " . أخرجه أبو داود ( 2/65 ) والنسائي ( 1/275 - 276 ) والترمذي ( 2/144 ) وابن ماجه ( 1 /451 ، 458 ) والطحاوي ( 1/278 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 769 ) والبيهقي ( 84 ، 25 ) والطيالسي ( 701 - 702 ) وأحمد ( 4 / 247 ، 248 - 249 ، 249 ، 252 ) من حديث المغيرة بن شعبة ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
وقال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " . ووافقه الذهبي . وهو كما قالا . والسياق للنسائي وأحمد في رواية .
والزيادات الثلاث لابي داود والحاكم والطيالسي ، ولاحمد الاوليان منها ، وللبيهقي الثالثة . وقال أبو داود وابن حبان : " السقط " بدل " الطفل " وهو رواية للحاكم والبيهقي وأحمد ، وعزاها الحافظ في " التلخيص " ( 5/147 ) للترمذي أيضا ، وهو وهم فإنما لفظه عنده كلفظ الجماعة .
51 - وكل من المشي أمامها وخلفها ، ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلا ، كما قال أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يمشون أمام الجنازة وخلفها " . أخرجه الطحاوي ( 1 / 278 ) من طريقين عن يونس بن يزيد عن ابن شهاب عن . قلت : وهذا سند صحيح على شرط الشيخين4 .
51 - لكن الافضل المشي خلفها ، لانه مقتضى قوله صلى الله عليه وسلم : " واتبعو الجنائز " ، وما في معنا ه مما تقدم في المسألة ( 43 ) أول هذا الفصل . ويؤيده قول علي رضي الله عنه : " المشي خلفها أفضل من المشي أمامها ، كفضل صلاة الرجل في جماعة على صلاته فذا " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 101 ) والطحاوي ( 1 / 279 ) والبيهقي ( 4 / 9 25 وأحمد ( 754 ) وكذا ابن حزم في " المحلى " ( 5 / 165 ) وسعيد بن منصور من طريقين عنه ، قال الحافظ ( 3 / 143 ) في أحدهما : " وإسناده حسن ، وهو موقوف له حكم المرفوع ، لكن حكى الاثرم عن أحمد أنه تكلم في إسناده " . قلت : لكنه يتقوى بالطريق الاخر5 .
52 - ويجوز الركوب بشرط أن يسير وراء ها لقوله صلى الله عليه وسلم : " الراكب يسير خلف الجنازة . . " . وقد مضى ذلك بتمامه في المسألة ( 50 ) . لكن الافضل المشي ، لانه المعهور عنه صلى الله عليه وسلم ، ولم يرد أنه ركب معها بل قال ثوبان رضي الله عنه : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بدابة وهو مع الجنازة فأبى أن يركبها ، فلما انصرف أتي بدابة فركب ، فقيل له ؟ فقال : إن الملائكة كانت تمشي فلم أكن لاركب وهم يمشون ، فلما ذهبوا ركبت " . أخرجه أبو داود ( 2 / 64 - 65 ) والحاكم ( 1 / 355 ) والبيهقي ( 4 / 23 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي وهو كما قالا .
53 - وأما الركوب بعد الانصراف عنها فجائز ، بدون كراهة لحديث ثوبان المذكور آنفا ، ومثله حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابن الدحداح ( ونحن شهود ) ، ( وفي رواية : خرج على جنازة ابن الدحداح ( ماشيا ) ) ، ثم أتي بفرس عري ، فعقله رجل فر كبه ( حين انصراف ) ، فجعل يتوقص به6 ، ونحن نتبعه نسعى خلفه ، ( وفي رواية : حوله ) قال : فقال رجل من القوم : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كم من عذق معلق أو مدلى في الجنة لابن الدحداح " . أخرجه مسلم ( 2/60 - 61 ) والسياق له ، وأبو داود ( 2/65 ) والنسائي ( 1/284 ) والترمذي ( 2/ 138 ) وصححه ، والبيهقي ( 4 / 22 - 23 ) والطيالسي ( 760 - 761 ) وأحمد ( 5/ 98 - 99 ، 102 ) من طرق عن سماك بن حرب عنه . والرواية الثانية للنسائي ، والزيادة فيها للترمذي في إحدى روايتيه ، ومعناها للطيالسي . والرواية الثالثة لابي داود والترمذي ، ولمسلم والبيهقي وأحمد في رواية لهم . والزيادة الاولى للنسائي والاخرى لابي داود7 .
54 - وأما حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز ، وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات ، فهذه الصورة لا تشرع البتة ، وذلك لامور :
الاول : أنها من عادات الكفار ، وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم فيها . وفي ذلك أحاديث كثيرة جدا ، كنت أستوعبتها وخرجتها في كتابي " حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة " ، بعضها في الامر والحض على مخالفتهم في عباداتهم وأزيائهم وعاداتهم ، وبعضها من فعله صلى الله عليه وسلم في مخالفتهم في ذلك ، فمن شاء الاطلاع عليها فليرجع إليه8 .
الثاني : أنها بدعة في عبادة ، مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة ، وكل ماكان كذلك من المحدثات ، فهو ضلالة اتفاقا .
الثالث : أنها تفوت الغاية من حملها وتشييعها ، وهي تذكر الاخرة ، كما نص على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم في أول هذا الفصل بلفظ : " . . . واتبعوا الجنائز تذكركم الاخرة " . أقول : إن تشييعها على تلك الصورة مما يفوت على الناس هذه الغاية الشريفة تفويتا كاملا أو دون ذلك ، فإنه ممالا يخفى على البصير أن حمل الميت على الاعناق ، ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم ، أبلغ في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورد المذكورة ، ولا أكون مبالغا إذا قلت : إن الذي حمل الاوربيين عليها إنما هو خوفهم من الموت وكل ما يذكر به ، بسبب تغلب المادة عليهم ، وكفرهم بالاخرة
الرابع : أنها سبب قوي لتقليل المشيعين لها والراغبين في الحصول على الاجر الذي سبق ذكره في المسألة ( 45 ) من هذا الفصل ، ذلك لانه لايستطيع كل أحد أن يستأجر سيارة ليشيعها "
الخامس : أن هذه الصورة لا تتفق من قريب ولامن بعيد مع ما عرف عن الشريعة المطهرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات ، لا سيما في مثل هذا الامر الخطير : الموت والحق أقول : إنه لو لم يكن في هذه البدعة إلا هذه المخالفة ، لكفى ذلك في ردها فكيف إذا انضم إليها ما سبق بيانه من المخالفات والمفاسد وغير ذلك مما لا أذكره
55 - والقيام لها منسوخ ، وهو على نوعين :
أ - قيام الجالس إذا مرت به .
ب - وقيام المشيع لها عند انتهائها إلى القبر حتى توضع على الارض . والدليل على ذلك حديث علي رضي الله عنه ، وله ألفاظ :
الاول : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم للجنازة فقمنا ، ثم جلس فجلسنا " . أخرجه مسلم ( 3/ 59 ) وابن ماجه ( 1/ 468 ) والطحاوي ( 1/383 ) والطيالسي ( 150 ) وأحمد رقم ( 631 ، 1094 ، 1167 ) .
الثاني : " كان يقوم في الجنائز ، ثم جلس بعد " . رواه مالك ( 1 / 332 ) وعنه الشافعي في " الام " ( 1 / 247 ) وأبو داود ( 2 / 64 ) .
الثالث : من طريق واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ قال : " شهدت جنازة في بني سلمة ، فقمت ، فقال لي نافع بن جبير : اجلس فإني سأخبرك في هذا بثبت ثنى مسعود بن الحكم الزرقي أنه سمع علي بن أبي طالب رضي الله عنه برحبة الكوفة وهو يقول : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ، ثم جلس بعد ذلك ، وأمرنا بالجلوس " . أخرجه الشافعي وأحمد ( 627 ) والطحاوي ( 1/282 ) وابن حبان في " صحيحه " هذا الوجه بلفظ آخر وهو .
الرابع : " قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مع الجنائز حتى توضع ، وقام الناس معه ، ثم قعد بعد ذلك ، وأمر هم بالقعود " . الخامس : من طريق اسماعيل بن مسعود9 بن الحكم الزرقي عن أبيه قال : " شهدت جنازة بالعراق ، فرأيت رجالا قياما نيتظرون أن توضع ، ورأيت علي ابن أبي طالب رضي الله عنه يشير إليهم أن اجلسوا ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالجلوس بعد القيام " 10 . أخرجه الطحاوي ( 1 / 282 ) بسند حسن .
56 - ويستحب لمن حملها أن يتوضأ ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ " . وهو حديث صحيح ، كما تقدم بيانه في المسألة ( 31 ) .
****************************
1 بتشديد الياء صغار النخل .
2 قال النووي رحمه الله تعالى في " الا ذكر " ( ص 203 ) : " واعلم أن الصواب والمختار وما كان عليه السلف رضي الله عنهم السكوت في حال السير مع الجنازة ، فلا يرفع صوت بقراءة ولا ذكر ولا غير ذلك . والحكمة فيه ظاهرة ، وهي أنه أسكن لخاطره وأجمع لفكره فيما يتعلق بالجنازة ، وهو المطلوب في هذا الحال ، فهذا هو الحق ، ولا تغتر بكثرة من يخالفه ، فقد قال أبو علي الفضيل بن عياض رضي الله عنه ما معناه : " إلزم طرق الهدي ولا يضرك قلة السالكين ، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين " . وقد روينا في سنن البيهقي ما يقتضي ما قلته ( يشير إلى قول فيس بن عباد ) . وأما ما يفعله الجهلة من القراءة على الجنازة بدمشق وغير ها من القراءة بالتمطيط وإخراج الكلام عن مواضعه فحرام بإجماع العلماء ، وقد أو ضحت قبحه وغلظ تحريمه وفسق من تمكن من إنكاره فلم ينكره في كتاب " آداب القراءة " . والله المستعان " .
3 وقال فيه ( 5 / 271 ) : " واتفق العلماء على استحباب الاسراع بالجنازة إلا أن يخاف من الاسراع انفجار الميت أو تغيره ونحوه فيتأتي " . قلت : ظاهر الامر الوجوب ، وبه قال ابن حزم ( 5 / 154 - 155 ) ، ولم نجد دليلا يصرفه إلى الاستحباب ، فوقفنا عنده . وقا لابن القيم في " زاد المعاد " : " وأما دبيب الناس اليوم خطوة فبدعة مكروهة ، مخالفة للسنة ، ومتضمنة للتشبه بأهل الكتاب اليهود " .
4 قلت : وأما ما في " الجوهر النقي " ( 4 / 25 ) : " وفي مصنف عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه قال : " ما مشى رسول الله ( ص ) حتى مات ، إلا خلف الجنازة " . وهذا سند صحيح على شرط الجماعة " . فأقول : كيف وهو مرسل : فإن طاووسا تابعي وقد أرسله ، والمرسل ليس حجة عندهم ، وقد عارضه حديث أنس الصحيح ، وأعله الشوكاني ( 4 / 62 ) ايضا بالارسال ، ولكنه قال : " لم أقف عليه في شئ من كتب الحديث "
5 تنبيه ، قال الشوكاني عقب كلمته السابقة : " وحكى في البحر عن الثوري أنه قال : الراكب يمشي خلفها ، والماشي أما مها . ويدل لما قاله حديث المغير ة المقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " الراكب خلف الجنازة ، والماشي أما مها قريبا منها عن يمينها أو عن يسارها . أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن حبان والحاكم ، وهذا مذهب قوي . . . " . قلت : كلا فإن الحديث بهذا اللفظ رواه أحمد من طريق المبارك بن فضالة ، وفيه ضعف وقد زاد غيره فقال : " خلفها وأمامها . . . " كما تقدمت الاشارة إليها ، وقد رواها المبارك أيضا عند الطيالسي ، فوجب الاخذ بها ، وهي نص في التخيير لا في تفضيل التقدم عليها ، ومن الغريب أن هذه الزيادة ذكرها صاحب المنتقى في المكان الذي أشار إليه الشوكاني نفسه بقوله آنفا " المتقدم " ثم هو ذهل عنها .
6 أي يثب ويقارب الخطو .
7 وهي نص في أنه صلى الله عليه وسلم ركب انصرافه من الجنازة ، وقد خفي هذا على أبي الطيب صديق حسن خان فاستدل في " الروضة " ( 1 / 173 ) على أن المشبع للجنازة مخير بين أن يمشي أمامها أو خلفها بهذا الحديث فقال : إن الصحابة كانوا يمشون حول جنازة ابن الدحداح وهذا خطأ من وجهين : الاول : أنه ليس في الحديث ما ذكره ، بل هو صريح في أنهم كانوا يمشون حول النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تلازم بين الامرين كما هو ظاهر . الثاني : أن ذلك كاف عند الانصراف من الجنازة كما سبق ، ولعل سبب الوهم رواية عمربن موسى بن الوجيه عن سماك به بلفظ : " رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم مع جنازة ثابت بن الدحداح على فرص أغر محجل تحته ، ليس عليه سرج ، مع الناس وهم حوله قال : فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه ثم جلس حتى فرغ منه ، ثم قام فقعد على فرسه ثم انطلق يسير حوله الرجال " . أخرجه أحمد ( 5 / 99 ) ، فهذا صريح في الركوب أثناء تشييعها أيضا ، ولكنه بهذا السياق باطل لان عمر ابن موسى هذا كان يضع الحديث فلا يحتج به عند الموافقة فكيف عند المخالفة
8 وقد قام بطبعه " المكتب الاسلامي " ثانية ، وفيها إضافات لم ترد في الطبعة السابقة .
9 وقع في الاصل " اسماعيل بن الحكم بن مسعود " والصواب ما أثبت ، وكأنه انقلب على الطابع ، أو بعض النساخ .
10 قلت : هذا اللفظ والذي قبله صريحان في أن القيام لها حتى توضع داخل في النهي ، وأنه منسوخ ، فقول صديق حسن خان في " الروضة " ( 1 / 176 ) بعد أن قرر منسوخية القيام لها إذا مرت : " وأما قيام الناس خلفها حتى توضع على حتى توضع على الارض فمحكم لم ينسخ " . فهذا خطأ بين ، لمخالفته لما ذكرنا من اللفظين ، والظاهر أنه لم يقف عليهما .
www.alalbani.info
الصلاة على الجنازة
57 - والصلاة على الميت المسلم فرض كفاية ، لامره صلى الله عليه وسلم بها في أحاديث أذكر منها حديث زيد بن خالد الجهني : " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم خيبر ، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " صلوا على صاحبكم " ، فتغيرت وجوه الناس لذلك ، فقال : " إن صاحبكم غل في سبيل الله " ، ففتشنا متاعه فوجدنا خرزا من خرز اليهود لا يساوي درهمين " . أخرجه مالك في " الموطأ " ( 2/14 ) وأبو داود ( 1/425 ) والنسائي ( 1/ 278 ) وابن ماجه ( 2/197 ) وأحمد ( 4/114 - 5/192 ) بإسناد صحيح ، وقال الحاكم : " صحيح على شرطهما " ، وفيه نظر بينته في " التعليقات الجياد على زاد المعاد " . وفي الباب عن أبي قتادة ويأتي حديثه في المسألة الاية ص 82وعن أبي هريرة فيها ، ص84
58 - ويستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما :
الاول : الطفل الذي لم يبلغ ، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه ابراهيم عليه السلام ، قالت عائشة رضي الله عنها : " مات ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهرا ، فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخرجه أبو داود ( 2/166 ) ومن طريقه حزم ( 5 / 158 ) وأحمد ( 6 / 267 ) وإسناده حسن ، كما قال الحافظ في " الاصابة " ، وقال ابن حزم : " هذا خبر صحيح " 1 .
الثاني : الشهيد ، لان النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد وغيرهم ، وفي ذلك ثلاثة أحاديث سبق ذكرها في المسألة ( 32 ) ، ( ص 5 2 ) .
ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة عليهما بدون وجوب كما يأتي من الاحاديث فيهما في المسألة التالية :
59 - وتشرع الصلاة على من يأتي ذكرهم :
الاول : الطفل ، ولو كان سقطا ( وهو الذي يسقط من بطن أمه قبل تمامه ) وفي ذلك حديثان :
1 . " . . . والطفل ( وفي رواية : السقط ) يصلى عليه ، ويد عى لوالديه بالمغفرة والرحمة " . رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بسند صحيح ، وقد سبق بتمامه في المسألة ( 50 )
2 . عن عائشة رضي الله عنها قالت : " أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بصبي من صبيان الانصار ، فصلى عليه ، قالت عائشة : فقلت : طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل سوة ، ولم يدركه . قال : أو غير ذلك يا عائشة ؟ خلق الله عزوجل الجنة ، وخلق لها أهلا ، وخلقهم ، في أصلاب آبائهم . وخلق النار وخلق لها أهلا ، وخلقهم في أصلاب آبائهم " 2أخرجه مسلم ( 8/55 ) والنسائي ( 1/276 ) وأحمد ( 6/208 ) واللفظا للنسائي ، وإسناده صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال مسلم ، غير شيخه عمرو بن منصور ، وهو ثقة ثبت .
والظاهر أن السقط إنما يصلي عليه إذا كان قد نفخت فيه الروح ، وذلك إذا استكمل أربعة أشهر ، ثم مات ، فإما إذا سقط قبل ذلك ، لانه ليس بميت كما لا يخفى . وأل ذلك حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا : " أن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ، يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه ملكا . . . ينفخ فيه الروح " . متفق عليه . واشترط بعضهم أن يسقط حيا ، لحديث : " إذا استهل السقط صلي عليه وورث " . ولكنه حديث ضعيف لا يحتج به ، كما بينه العلماء3 .
الثاني : الشهيد ، وفيه إحاديث كثيرة ، أكتفي بذكر بعضها
1 . عن شداد بن الهاد : " أن رجلا من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم آمن به واتبعه ، ثم قال : أهاجر معك . . فلبثوا قليلا ، ثم نهضوا في قتال العدو ، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم " . . ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم في جبته ، ثم قدمه فصلى عليه . . " . أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح ، وقد مضى بتمامه المسألة ( 39 ) ( ص 61 ) .
2 . عن عبد الله الزبير : " أن رسول الله صلى اله عليه وسلم أمر يوم أحد بحمزة فسجي ببردة ، ثم صلى عليه فكبر تسع تكبيرات ، ثم أتي بالقتلى يصفون ، ويصلي عليهم . وعليه معهم " . أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " ( 1/290 ) وإسناده حسن . رجاله كلهم ثقات معروفون ، وابي اسحاق قد صرح بالحديث . وله شواهد كثيرة ذكرت بعضها في " التعليقات الجياد " في المسألة ( 75 ) .
3 . عن أنس بن مالك رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بحمزة وقد مثل به وأيضا ، على أحد من الشهداء غيره . يعني شهداء أحد " 4 . أخرجه أبو داود بسند حسن ، وهو مختصر حديثه المتقدم المسألة ( 37 ) . ( ص57 - 58 ) .
4 . عن عقبة بن عامر الجهني : " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوما فصلى على أهل أحد صلاته على الميت [ بعد ثمان سنين ] [ كالمودع للأحياء والأموات ] ، ثم انصرف إلى المنبر [ فحمد الله وأثنى ] عليه فقال : إني فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم ، [ وإن موعدكم الحوض ] وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن ، [ وإن عرضه كما بين أيلة إلى الجحفة ] ، - وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض ، أو مفاتيح الأرض واني والله ما أخاف عليكم أن وتشركوا بعدي ولكن أخاف عليكم [ الدنيا ] أن تتنافسوا فيها [ وتقتتلوا فتهلكوا هلك من كان قبلكم ] قال : فكانت آخر نظرة نظرتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ] " . أخرجه البخاري ( 3 / 64 - 7 / 279 - 280 و302 ) ومسلم ( 7 / 67 ) وأحمد ( 4 149 ، 153 ، 154 ) ، والسياق للبخاري ، والزيادة الأولى والثانية والسادسة والسابعة له ، ولمسلم الثانية والخامسة وما وراءها ولأحمد الأولى إلى الرابعة . رواه البيهقي ( 4 / 14 ) وعنده الزيادات كلها إلا الثالثة والخامسة . وأخرجه الطحاوي ( 1 / 290 ) وكذا النسائي ( 1 / 277 ) والدارقطني ( ص 197 ) مختصرا ، وعند الدارقطني الزيادة الأولى5
الثالث : من قتل في حد من حدود الله ، لحديث عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت نبي الله صلى الله عليه وسلم وهي حبلى من الزنى ، فقالت : يا نبي الله أصبت حدا فأقمه علي ، فدعا نبي الله صلى الله عليه وسلم وليها ، فقال : أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني بها ، ففعل ، فأمر بها نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فشكت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر : تصلي عليها يا نبي الله وقد زنت ؟ فقال : لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت توبة أفضل من أن جاءت بنفسها لله تعالى ؟ " أخرجه مسلم ( 5/121 ) وأبو داود ( 2/233 ) والنسائي ( 1/278 ) والترمذي ( 2/325 ) وصححه ، والدارمي ( 2/180 ) والبيهقي ( 4/ 18و19 ) . ورواه ابن ماجه ( 2/116و117 ) مختصرا
الرابع : الفاجر المنعث في المعامي والمحارم ، مثل تارك الصلاة والزكاة مع اعترافه بوجوبهما ، والزاني ومدمن الخمر ، ونحوهم من الفساق فإنه يصلي عليهم ، إلا أنه ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليهم ، عقوبة وتأديبا لأمثالهم ، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . وفي ذلك أحاديث :
1 . عن أبن قتادة قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي لجنازة سأل عنها ، فان أثني عليها خير قام فصلى عليها ، وإن أثني عليها غير ذلك قال لأهلها شأنكم بها ، ولم يصل عليها " أخرجه أحمد ( 5/399 ، 300 ، 301 ) والحاكم ( 1/ 36 ) وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ، وواففه الذهبي . وهو كما قالا .
2 . عن جابر بن سمرة قال " مرض رجل ، فصيح عليه ، فجاء جاره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إنه قد مات ، قال : وما يدريك ؟ قال : أنا رأيته ، قال رسول الله : إنه لم يمت ، قال : فرجع فصيح عليه ، فقالت امرأته ، انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " فأخبره فقال الرجل : اللهم العنه قال : ثم انطلق الرجل فرآه قد نحر نفسه بمشقص ، فانطلق النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره أنه مات ، فقال ما يدريك ؟ قال : رأيته ينحر نفسه بمشقص معه قال : أنت رأيته ؟ قال : نعم ، قال : إذا لا أصلي عليه . أخرجه بهذا التمام أبو داود ( 2 / 65 ) باسناد صحيح على شرط مسلم . وأخرجه . سملم ( 3/66 ) مختصرا ، وكذا النسائي ( 1/279 ) والترمذي ( 2/161 ) وابن ماجه ( 1/465 ) والحاكم ( 1/364 ) والبيهقي ( 4/19 ) والطيالسي ( 779 ) وأحمد ( 5/87و 91و 92و 96,94 - 97و102و107 ) وقال الترمذي : " هذا حديث حسن ، وقد اختلف أهل العلم في هذا زرارة فقال بعضهم : يصلي على كل من صلى للقبلة ، وعلى قاتل النفس وهو قول سفيان الثوري وإسحاق " وقال أحمد : لا يصلي الامام على قاتل النفس ، ويصلي عليه غير الامام " وقال شيخ الاسلام ابن تيمية في " الاختيارات " ( ص 52 ) : " ومن امتنع من الصلاة على أحدهم ( يعني القاتل والناس والمدين الذي ليس له وفاء ) زجرا لأمثاله عن مثل فعله كان حسنا ، ولو امتنع في الظاهر ، ودعا له في الباطن ، ليجمع بين المصلحتين كان أولى من تفويت إحداهما " .
3 . عن زيد بن خالد في حديث امتناع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على الغال وقوله لأصحابه : " صلوا على صاحبكم . . إن صاحبكم غل في سبيل الله . أخرجه أصحاب السنن بسند صحيح على ما سبق بيانه عند المسألة ( 57 ) .
الخامس : المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه ، وإنما ترك رسول الله صلي الله عليه وسلم الصلاة عليه في أول الأمر ، وفيه أحاديث :
1 . عن سلمة بن الأكوع قال : " كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة فقالوا : صل عليها ، فقال : هل عليه دين ؟ قالوا : لا ، قال : فهل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، فصلى عليه . ثم أتي بجنازة أخرى فقالوا : يارسول الله صل عليها ، قال : هل عليه دين ؟ قيل : نعم ، قال فهل ترك شيئا ؟ قالوا : ثلاثة دنانير [ قال : فقال بأصابعه ثلاث كيات ] ، فصلى عليها . ثم أتي بالثالثة ، فقالوا : صل عليه ، قال : هل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : هل عليه دين ؟ قالوا : ثلاثة دنانير ، قال : صلوا على صاحبكم ، قال [ رجل من الأنصار يقال له ، أبو قتادة : صل عليه يارسول الله وعلي دينه " . أخرجه البخاري ( 3/368 ، 369و374 ) وأحمد ( 4/47 ، 50 ) والزيادة له . وروى منه النسائي ( 1/278 ) القصة الثالثة .
2 . عن أبي قتادة رضي الله عنه نحو القصة الثالثة في حديث سلمة في الأكوع وروي الذي قبله ، وفيه : " أرأيت إن قضيت عنه أتصلي عليه ؟ قال : إن قضيت عنه بالوفاء صليت عليه ، قال : فذهب أبو قتادة فقضى عنه ، فقال : أوفيت ما عليه ؟ قال نعم ، فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه " . أخرجه النسائي ( 1/378 ) والترمذي ( 2/161 ) والدارمي ( 2/263 ) وابن ماجه ( 2/75 ) وأحمد ( 5/297 ، 301 ، 302 ، 304 ، 311 ) والسياق له وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وليس عند الآخرين ذهاب أبي قتادة ووفاءه للدين ثم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم عليه .
3 . عن جابر رضي الله عنه نحوها وزاد في آخره : فلما فتح الله على رسوله قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، ومن ترك دينا فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته " . رواه أبو داود ( 2/85 ) والنسائي ( 1/278 ) بإسناد صحيح على شرط الشيخين وله طريق أخرى عن جابر بزيادة أخرى ، وقد تقدم .
4 . عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يؤتى بالرجل الميت عليه الدين ، فيسأل : هل ترك لدينه من قضاء ؟ فإن حدث أنه ترك وفاء صلى عليه ، وإلا فلا : قال : صلوا على صاحبكم ، فلما فتح الله عليه الفتوح قال : . أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم [ في الدنيا والاخرة ، إقرؤوا إن شئتم : ( النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ) ] ، فمن توفي وعليه دين [ ولم يترك وفاء ] فعلي قضاؤه ، ومن ترك مالا فهو لورثته " . أخرجه البخاري ( 4/376 - 9/425 ) ومسلم ( 5/ 62 ) والنسائي ( 1/379 ) وابن ماجه ( 2/77 ) والطيالسي ( 2338 ) وأحمد ( 2/399و453 ) ، والسياق المسلم ، والزيادتان للبخاري ، ولأحمد الأولى منهما .
وأخرج منه ما هو من كلامه الترمذي ( 3/178 ) وصححه ، والدارمي ( 2/263 ) والطيالسي ( 2524 ) وأحمد ( 2/287 ، 318 ، 334 ، 335 ، 356 ، 399 ، 450 ، 464 ، 527 ) بنحوه ، وهو رواية مسلم وكذا البخاري بالفاظ متقاربة . ( 8/420و12/7 ، 22 ، 40 ) من طرق كثيرة عن أبي هريرة .
وقال أبو بشر يونس بن حبيب راوي مسند الطيالسي عقب الحديث : " سمعت أبا الوليد - يعني الطيالسي - يقول : بذا نسخ تلك الأحاديث التي جاءت على الذي عليه الدين "
السادس : من قبل دفن أن يصلى عليه ، أو صلى عليه بعضهم دون بعض ، فيصلون عليه في قبره ، على أن يكون الامام في الصورة الثانية ممن لم يكن صلى عليه . وفي ذلك أحاديث
1 . عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : " مات رجل - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده - فدفنوه بالليل ، فلما أصبح أعلموه ، فقال : ما منعكم أن تعلموني ؟ قالوا : كان الليل ، وكانت الظلمة ، فكرهنا أن نشق عليك قبره ، فأتى قبره فصلى عليه ، [ قال : فأمنا ، وصفنا خلفه ] ، [ وأنا فيهم ] ، [ وكبر أربعا ] " أخرجه البخاري ( 3/91 - 92 ) وابن ماجه ( 1/266 ) والسياق له ، ورواه مسلم ( 5/53 - 56 ) مختصرا وكذا النسائي ( 1/284 ) والترمذي ( 8/142 ) وابي الجارود في " ا لمنتقى " ( 266 ) والبيهقي ( 3/45 ، 46 ) والطيالسي ( 2687 ) وأحمد ( رقم1962 ، 2554 ، 3134 ) ، والزيادة الأولى لهم " وللبخاري وفي رواية ( 3/146 ، 147 ، 159 ) والزيادتان الأخيرتان له وللبيهقي ، ولمسلم والنسائي الأخيرة .
2 . عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن امرأة سوداء كانت تقم ( وفي رواية تلتقط الخرق والعيدان من ) المسجد ، فماتت ، ففقدها النبي صلى الله عليه وسلم ، فسأل عنها بعد أيام ، فقيل له انها ماتت ، فقال : هلا كنتم اذنتموني ؟ ( قالوا : ماتت من الليل ودفنت ، وكرهنا أن نوقظك ) ، ( قال : فكأنهم صغروا أمرها . فقال دلوني على قبرها فدلوه ، ( فأتى قبرها فصلى عليها ) ثم قال : [ قال ثابت ( أحد رواة الحديث ) : عند ذاك أو في حديث آخر ] : إن هذه القبور مملوءة ظلمة على أهلها ، وإن الله عز وجل منورها لهم بصلاتي عليهم " . أخرجه البخاري ( 1/438 ، 439 ، 440 - 3/159 ) ومسلم ( 3/56 ) وأبو داود ( 2/68 ) وابن ماجه ( 1/ 465 ) والبيهقي ( 4/47 ) والسياق لهما ، والطيالسي ( 2446 ) وأحمد ( 2/353 ، 388/406 ) من طريق ثابت البناني عن أبي رافع عنه .
وإنما اثرت السياق المذكور لأن رواية لم ترد في أن الميت امرأة ، بينما تردد الراوي عند الآخرين في كونه امرأة أو رجلا ، والشك فيه من ثابث أو من أبي رافع كما جزم به الحافظ بن حجر ، وترجح عندنا أنه امرأة من وجوه :
الاول : أن اليقين مقدم على الشك .
الثاني : أن في رواية للبخاري بلفظ : " أن امرأة أو رجلا كانت تقم المسجد ، ولا أراه إلا امرأة " . فقد ترجح عند الراوي أنه امرأة .
الثالث : إن الحديث ورد من طريق أخر عن أبي هريرة لم يشك الا روي فيها : ولفظها : " فقد النبي امرأة سوداء كانت تلتقط الخرق والعيدان من المسجد ، فقال : أين فلانة ؟ قالوا : ماتت " . وذكر الحديث هكذا ساقه البيهقي ( 2/ 440 - 4/32 ) من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عنه . وهكذا أخرجه ابي خزيمة في " صحيحه " كما في " الفتح " .
والزيادة الأولى للبيهقي وإبن خزيمة ، وشطرها الأول لأحمد ، والثانية لمسلم والبيهقي في رواية وللبخاري معناها ، ولأبي داود " والمسندين " الشطر الثاني منها ، والزيادة الثالثة للبيهقي والرابعة له في رواية ولمسلم وكذا أحمد ، وعنده الزيادة من قول ثابت ، وهي عند البيهقي أيضا .
وقد رجح الحافظ تبعا للبيهقي أن الزيادة الرابعة مدرجة في الحديث وأنها من مراسيل ثابت . وخالفهما ابن الترحماني ، فذهب إلى أنها مسندة من رواية أبي رافع عن أبي هريرة " لأنه كذلك في صحيح مسلم ، لكن قول ثابت هذا يؤيد ما ذهب إليه الأولان . ويقويه أن الحديث ورد من رواية ابن عباس أيضا وليسن فيه هذه الزيادة أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3/128/2 ) .
نعم ثبتت هذه الزيادة أو معناها مسندة في حديث آخر وهو :
3 . عن يزيد بن ثابت - وكان أكبر من زيد - قال : " خرجنا مع إلنبي صلى الله عليه وسلم [ ذات يوم ] فلما ورد البقيع " فإذا هو بقبر جديد ، فسأل عنه " فقالوا : فلانة ( مولاة بني فلان ) ، قال : فعرفها وقال : ألا آذنتموني بها ؟ قالوا : [ ماتت ظهرا ، و] كنت قائلا صائما فكرهنا أن نؤذيك ، قال : فلا تفعلوا ، لا أعرفن ، ما مات منكم ميت ماكنت بين أظهركم إلا اذنتموتي به ، فإن صلاتي عليه رحمه " ، ثم أبي القبر ، فصففنا خلفه فكبر عليه أربعا " أخرجه النسائي ( 1/ 284 ) وابن ماجه ( 1 / 465 ، 466 ) وابن حبان في صحيحه ( 759 - موارد ) والبيهقي ( 4 / 48 ) ، والسياق لابن ماجه ، والزيادات للنسائي ، وإسناده عند الجميع صحيح على شرط مسلم .
4 . عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان يعود مرضى مساكين المسلمين وضعفائهم : ويتبع جنائزهم ولا يصلي عليهم غيره ، وأن امرأة مسكينة من أهل العوالي طال سقمها ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنها من حضرها من جيرانها " وأمرهم أن لا يدفنوها إن حدث بها حدث فيصلي عليها ، فتوفيت تلك المرأة ليلا واحتملوها فأتوا بها مع الجنائز أو قال : موضع الجنائز عند مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم6ليصلي عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أمرهم فوجدوه قد نام بعد صلاة العشاء " فكرهوا أن يهجدوا7رسول الله صلى الله عليه وسلم من نومه فصلوا عليها . ثم انطلقوا بها ، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل عنها من حضره من جيرانها ، فأخبروه خبرها ، وانهم كررهوا ان يهجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم لها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولم فعلتم ؟ انطلقوا ، فانطلقوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قاموا على قبرها فصفوا وراء رسول الله صلى الله عيه وسلم كما يصف للصلاة على الجنازة فصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبر أربعا كما يكبر على الجنائز " أخرجه البيهقي ( 4/48 ) بإسناد صحيح ، والنسائي ( 1/280
، 281 ) مختصرا
السابع : من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه ، صلاة الحاضر ، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب ، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد رواها جماعة من أصحابه يزيد بعضهم على بعض ، وقد جمعت أحاديثهم فيها ، ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة . والسياق لحديث أبي هريرة : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نعى للناس [ وهو بالمدينة ] النجاشي [ أصحمه ] [ صاحب الحبشة ] في اليوم الذي مات فيه : [ قال : إن أخا قد مات ( وفي رواية : مات اليوم عبد لله صالح ) [ بغير أرضكم ] [ فقوموا فصلوا عليه ] ، [ قالوا : من هو ؟ قال النجاشي ] [ وقال : استغفروا لأخيكم ] ، قال : فخرج بهم إلى المصلى ( وفي رواية : البقيع ) [ ثم تقدم فصفوا خلفه ] [ صفين ] ، [ قال : فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت ] [ وما تحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه ] [ قال : فأمنا وصلى عليه ] ، وكبر ( عليه ) أربع تكبيرات " . أخرجه البخاري ( 3/90 ، 145 ، 155 ، 157 ) ومسلم ( 3/54 ) واللفظ له وأبو داود ( 2/68 ، 69 ) والنسائي ( 1/265 ، 280 ) وابن ماجه ( 1/467 ) والبيهقي ( 4/49 ) والطيالسي ( 2300 ) وأحمد ( 2/241 ، 280 ، 289 ، 348 ، 438 ، 439 ، 479 ، 529 ) من طرق عن أبي هريرة . والزيادة الأولى للنسائي وأحمد ، والثانية للبخاري والثالثة لابن ماجة ، والسابعة للشيخين والنسائي وأحمد ، والعاشرة ، الشطر الثاني منها لأحمد وهي عنده بتمامها عن غير أبي هريرة كا يأتي ، والزيادة الأخيرة لمسلم . وروى منه الترمذي ( 2/140 ) وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا وهو رواية للطيالسي ( 2296 ) .
1 . ثم أخرجه البخاري ( 3 / 145 ، 146 ) ومسلم والنسائي والبيهقي والطيالسي في ( 1681 ) وأحمد ( 3 / 295 ، 319 ، 355 ، 361 ، 363 ، 369 ، 400 ) من طرق حديث جابر رضي الله عنه . والزيادة الثانية والثالثة والرابعة للشيخين وأحمد ، وله الخامسة والسادسة ، ولمسلم والنسائي التاسعة ، وللنسائي الجملة الأولى من الزيادة العاشرة . والزيادة الثانية عشر لمسلم وأحمد .
2 . ثم أخرجه مسلم والنسائي والترمذي ( 2/149 ) وصححه ابن ماجه وابن حبان والبيهقي والطيالسي ( 749 ) وأحمد ( 4/433,431 ، 439 ، 441 ، 446 ) عن عمران وفيه الزيادة الرابعة عندهم جميعا ، والعاشرة عند الطيالسي والنسافي والترمذي وأحمد ، وعنده التي بعدها وكذا ابن حبان .
3 . ثم أخرجه ابن ماجه والطيالسي ( 1068 ) وأحمد ( 4/7 ) عن حذيفة بن أسير وفيه عندهم الزيادة الرابعة والخامسة . وكذا عندهم السادسة : إلا الطيالسي .
4 . ثم رواه ابن ماجه وأحمد ( 4/64 - 5/376 ) عن مجمع بن حارثة الانصاري وقال البوصيري في " الزوائد " . " إسناده صحيع " ، ورواه ثقات " . وفيه الزيادة الرابعة " وعن ابن ماجه التاسعة .
5 . ثم رواه الترمذي وابن ماجه عن عبد الله . بن عمر مثل حديث أبو هريرة المختصر عند الترمذي . وإسناده صحيح أيضا
6 . ثم أخرجه أحمد ( 4/264 - 263 ) عن جرير بن عبد الله مرفوعا بلفظ " إن أخاكم النجاشي قد مات فاستغفروا له8 . وإسناده حسن . وأعلم أن هذا الذي ذكرناه من الصلاة على الغائب " هو الذي لا يتحمل الحديث غيره ، ولهذا سبقنا إلى اختيارة ثلة من محققي المذاهب ، وإليك خلاصة من كلام ابن القيم رحمة الله في هذا الصدد ، قال في " زاد المعاد " ( 1/205 ، 206 ) :
" ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسنته الصلاة على كل ميت غائب ، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهو غيب ، فلم يصل عليهم ، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت ، فاختلف في ذلك على ثلاثة طرق :
1 . أن هذا تشريع وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد
2 . وقال ، أبو حنيفة ومالك : هذا خاص به ، وليس ذلك لغيره .
3 . وقال شيخ الاسلام ابن تيمية :
الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه ، صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات ببن الكفار ، ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم صل عليه صلاة الغائب ، لان الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه كما وفعله وتركه سنة . وهذا له موضع والله أعلم . والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد ، وأصححها هذا التفصيل قلت : واختار هذا بنص المحققين من الشافعية فقال الخطابي في " معالم السنن " ما نصه : قلت : النشجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته . " إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجباء المسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه : إلا أنه كان بين ظهراني أهل ، الكفر ، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه ، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ، إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به . فهذا - والله أعلم - هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظاهر الغيب .
فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان ، وقد قضى حقه في الصلاة عليه ، فانه لا يصلي عليه من كان في بلد آخر غائبا عنه ، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كأن السنة أن يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة .
فأذا ، صولوا عليه أستقبلوا القبلة ، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة . وقد ذهب بعض العلماء العلماء الى كراهة الميت الغائب ، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بهذا الفعل ، إذ كان في حكم المشاهسد للنجاشي . لما روي : في بعض الأخبار " أنه " قد سويت له أعلام الأرض ، حتى كان يبصر مكانه " 9 وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة ، كان علينا . متابعته والايتساء به ، والتخصيص لا يعلم في ألا بدليل . ومما يبين ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم ، فصلوا معه ، فعلم أن هذا التأويل فاسد ، والله أعلم .
وقد استحسن الروياني - هو شافعي أيضا ما ذهب إليه الخطابي " وهو مذهب أبي داود أيضا فإنه ترجم للحديث في " سننه " بقوله " باب في الصلاة على المسلم بموت في بلاد الشرك " : واختار ذلك من المتأخرين العلامة المحقق الشيخ صالح المقبلي كما في " نيل الأوطار " ( 4/ 43 ) واستدل لذلك بالزيادة الني وقعت ني بعض ظرق الحديث : " إن أخاكم قد مات بغير أرضكم ، فقوما فصلوا عليه " وسندها على شرط الشيخين .
ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب . ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم . فقابل هذا . بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لاسيما إذا كان له ذكر وصيت ، ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للاسلام " ولو كان مات في الحرم المكى وصلى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر ، قابل ما ذكرنا بمثل هذه الصلاة تعلم يقينا أنها من البدع التي لا يمتري فيها عالم بسننه صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي في الله عنهم .
60 - وتحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين10لقول الله تبارك وتعالى{ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } . [ سورة التوبة : 84 ] .
وسبب نزول الآية ماروى عبد الله بن عمر وأبوه والسياق له قال : " لما مات عبد الله بن أبي سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه [ حتى قمت في صدره ] ، [ فأخذت بثوبه ] فقلت : يارسول الله أتصلي على [ عدو الله ] ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا وكذا ؟ أعدد عليه قوله11 [ أليسم - قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال : ] استغفر الله لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) ] فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت . [ قد قيل لي : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم . إن تستغنر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها ، [ قال : إنه منافق ] 12 قال : فصلى عليه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم13 [ وصلينا معه ] . [ ومشى صلى الله عليه وسلم معه فقام على قبره حتى فرغ منه ] ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا . . . }إلى{ وهم فاسقون} ، [ قال : ( فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله ) ، قال - : فعجبت بعد من من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ] والله ورسوله أعلم . أخرجه البخاري ( 3 / 177 - 8 / 270 ) والنسائي ( 1 / 279 ) والترمذي ( 3 / 117 ، 118 ) وأحمد ( رقم 95 ) عن عمر والزيادة الأولى والثالثة والخامسة والاثمنة والاتسعة لأحمد والترمذي وصححه والزيادات الأخرى للبخاري إلا السادسة فهي لمسلم " وللبخاري من حديث ابن عمر والزيادة الثانية للطبري كما في " الفتح " .
ثم أخرجه البخاري ( 8/286ج 270 - 10/218 ) ومسلم ( 7/116 - 8/120 ، 121 ) والنسائي ( 1/269 ) والترمذي ( 3/118 ، 119 ) وابن ماجه ( 1/464 ، 465 ) والبيهقي ( 3/402 ) ، - أحمد ( 4680 ) من حديث ابن عمر وفيه من الزيادة الثانية والسادسة .
وعن المسيب بن حرن رضي الله عنه قال : " لما حضرت أبا طالب الوفاة " جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله ابن أبي أمية ، والمغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم إنك أعظم الناس علي حقا ، وأحسنهم عندي يدا . ولأنت أعظم علي حقا من والدي ، فـ [ لاإله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : يا أبا طالب . أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد [ ان ] 14 له تلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ماكلهم : هو على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول : لا إله إلا الله [ قال : لولا أن تعيرني قريش - يقولون : إن ما حمله على ذلك الجزع - لأقررت بها عينك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ( فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون ، فأنزل الله عز وجل : { ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } ، وأنزل الله في أبي طالب " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ، وهو أعلم بالمهتدين } أخرجه البخاري ( 3/173 - 7/154 - 8/274 ، 410 ، 411 ) ومسلم والنسائي ( 1/ 286 ) وأحمد ( 5/ 433 ) وابن جرير في تفسيره ( 11/ 27 ) والسياق له وكذا مسلم ، والزيادة الثانية له في بعض الأصول كما ذكره الحافظ عن القرطبي ويشهد لها رواية البخاري وغيره بمعناها .
ووردت القصة من حديث أبي هريرة باختصار عند مسلم والترمذي ( 4 / 159 ) وحسنه ، وعندهما الزيادة الثالثة ، والحاكم ( 2 / 335 و336 ) وصححه ووافقه الذي ، وله الزيادة الأولى ، وهي عند ابن جرير أيضا من حديث سعيد بن المسيب مرسلا ، ولكنه في حكم الموصول . لأنه هو الذي روى الحديث عن المسيب ابن حزن وهو والده .
ووردت أيضا من حديث جابر .
أخرجه الحاكم أيضا وصححه ووافقه الذهبي . وفيه الزيادة الرابعة وهي عند ابن جرير مرسلا عن مجاهد وعن عمرو بن دينار .
وعن علي رضى الله عنه قال :
" سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت : تستغتر لأبوبك وهما مشركان ؟ تج فقال : [ أليس قد استغفر إبراهيم وهو مشرك ؟ قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فنزلت : { ماكان للة والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم15 لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه " فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " إن إبراهيم لأواه حليم } أخرجه النسائي ( 11/28 ) والترمذي ( 4/120 ) وحسنه ابن جرير ( 11/28 ) ، والحاكم ( 2/335 ) وأحمد ( 771 ، 1085 ) والسياق له وإسناده حسن " وقال الحاكم " صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي16 .
قال النووي رحمه الله تعالى في " المجموع " ( 5/144 ، 258 ) :
" الصلاة على الكافر ، والدعاء له بالمغفرة حرام ، بنص القرآن والاجماع " 17 .
61 - وتجب الجماعة في صلاة الجنارة كما يجب في الصلوات المكتوبة ، بدليل في :
الأول : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها .
الاخر : قوله صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتموتي أصلي " . أخرجه البخاري .
ولا يعكر على ما ذكرنا صلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى لم يؤمهم أحد ، لأنها قضية خاصة ، لا يدرى وجهها ، فلا يجوز من أجلها أن نترك ما واضب عليه صلى الله عليه وسلم طيلة حياته المباركة ، لا سيما والقضية المذكورة لم ترد بإسناد صحيح تقوم به الحجة ، وإن كانت رويت من طرق يقوي بعضها18فإن أمكن الجمع بينها وبين ما ذكرنا من هديه صلى الله عليه وسلم في التجميع في الجنازة فبها ، وإلا فهديه هو المقدم " لأنه أثبت وأهدى .
فإن صلوا عليها فرادى سقط الفرض ، وأثموا بترك الجماعة ، والله أعلم19
62 - وأقل ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة ، ففي حديث عبد الله بن أبي طلحة : " أن طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزلهم ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو طلحة وراء وأم سليم وراء أبي طلحة ، ولم يكن معهم غيرهم " . أخرجه الحاكم ( 1/365 ) وعنه البيهقي ( 4/30 : 31 ) وقال الحاكم : " هذا صحيح على شرط الشيخين ، وسنة غريبة في إباحة صلاة النساء على الجنائز " ووافقه الذهبي .
وأقول : إنما هو على شرط مسلم وحده لأن فيه عمارة بن غزية . ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا . والحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 3/34 ) : ، " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح " . وله شاهد من حديث أنس بمعناه . أخرجه الامام أحمد ( 2/ 217 ) .
63 - وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع لقوله صلى الله عليه وسلم : " مامن ميت تصلي عليه أمة من المسلمين في يبلغون مائة كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه " . وفي حديث آخر : " غفر له " . أخرجه مسلم ( 3/53 ) والنسائي ( 1/281 ، 282 ) والترمذي وصححه ( 2/143 ، 144 ) والبيهقي ( 4/30 ) والطيالسي ( 1526 ) وأحمد ( 6/32 ، 40 ، 97 ، 231 ) من حديث عائشة باللفظ الأول .
ومسلم والنسائي والبيهقي وأحمد ( 3/266 ) من حديث أنس ، وابن ماجه ( 1/453 ) من حديث أبي هريرة باللفظ الآخر ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شئ من الشرك لقوله : " مامن رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " . أخرجه مسلم وأبو داود ( 2/64 ) وابن ماجه والبيهقي وأحمد ( 2509 ) من حديث ابن عباس . ورواه النسائي وأحمد ( 6/331 ، 334 ) من حديث ميمونة زوج النبي مختصرا وسنده حسن .
64 - ويستحب أن يصفوا وراء الامام ثلاثة صفوف20فصاعدا لحديثين رويا في ذلك :
الأول : عن أبي أمامة قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر فجعل ثلاثة صفا ، واثنين صفا واثنين صفا " . رواه الطبراني في " الكبير " ، قال الهيثمي في " المجمع " ( 3/432 ) " وفيه ابن لهيعة " وفيه كلام " . قلت : وذلك من قبل حفظه لاتهمة له في نفسه ، فحديثه في الشواهد لا بأس به ، ولذلك أوردته مستشهدا به على الحديث الاتي ، وهو :
الثاني : عن مالك بن هبيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مامن مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسامير إلا أوجب ( وفي لفظ : إلا غفر له ) " . قال : ( يعني مرثد بن عبد الله اليزني ) : " فكان مالك إذا استتارره ، أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف للحديث " . أخرجه أبو داود ( 2/63 ) والسياق له " والترمذي ( 2/143 ) وابن ماجه ( 1/454 ) والحاكم ( 1/ 362 ، 363 ) والبيهقي ( 4/30 ) وأحمد ( 4/79 ) واللفظ الاخر له وكذا في رواية للبيهقي والحاكم وقال : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وقال الترمذي وتبعه النووي في " المجموع " ( 5/212 ) : " حديث حسن " وأقره إلحافظ في " الفتح " ( 3/145 ) ، وفيه عندهم جميعا محمد بن اسحاق وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث ولكنه هنا قد عنعن . فلا أدري وجه تحسينهم للحديث فكيف التصحيح ؟
65 - وإذا لم يوجد مع الامام غير رجل واحد ، فإنه لا يقف حذاءه كما هو النسة في سائر الصلوات بل يقف خلف الامام ، للحديث المتقدم في المسأله ( 33 ) ، وفيه : " فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراءه وأم سليم وراء أبي طلحة ولم يكن معهم غيرهم " .
66 - والوالي أو نائبة احق بالامامة فيها من الولي لحديث أبي حازم قال : " إني الشاهد يوم مات الحسن بن علي . فرأيت الحسين بن علي يقول إني لسعيد بن العاص - يطعن في عنقه ويقول : - تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك " ( وسعيد أمير على المدينة يومئذ ) 21 وكان بينهم شئ " . أخرجه الحاكم ( 3/171 ) والبيهقي ( 4/28 ) وزاد في آخره : " فقال أبو هريرة أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها وقد سمعت رسول الله يقول : من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ، . وأخرجه أحمد أيضا ( 2/ 531 ) بهذه الزيادة ، ولكنه لم يسق قصة تقديم سعيد للصلاة ، وإنما أشار إليها بقوله : " فذكر القصة " . ثم قال الحاكم : " صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي .
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 3/31 ) بتمامه مع الزيادة ثم قال : " رواه الطبراني في ( الكبير ) والبزار ورجاله موثقون " .
وعزاه الحافظ في " التلخيص " ( 5/275 ) إليهما مقرونا مع البيهقي وقال ؟ " فيه سالم بن أبي حفصة ضعيف ، لكن رواه النسائي وابي ماجه من وجه آخر عن أبي حازم بنحوه ، وقال ابن المنذر في " الأوسط " . ليس في الباب أعلى منه ، لأن جنازة الحسن حضرها جماعة كثيرة من الصحابة وغيرهم " . قلت : هذا كلام الحافظ وفي بعضه نظر ثراه في الحاشية . 22
67 - فإن لم يحضر الوالي أو نائبه ، فالأحوط بالامامة أقررهم لكتاب الله ، ثم على الترتيب الذي ورد ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة : فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلما فإن كانوا في الهجرة سواء سواء فأقدمهم سلما لا يؤمن الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " . أخرجه مسلم ( 2/133 ) وغيره من أصحاب السنن والمسانيد من حديث أبي مسعود البدري الانصاري ، وقد خرجه في " صحيح أبي داود " ( رقم 594 ، 598 ) .
ويؤمهم الأقرأ ولو كان غلاما لم يبلغ الحلم لحديث عمرو بن سلمة : " أنهم ( يعني قومه ) وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا : يارسول الله من يؤمنا ؟ قال : أكثركم جمعا للقرآن أو أخذا للقرآن ، فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعت ، فقدموني وأنا غلام ، وعلى شملة لي . قال : فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم ، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومنا هذا " . أخرجه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح ، وأصله في البخاري ولكن ليس فيه موضع الشاهد ، وهو رواية لأبي داود ، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " رقم ( 599و602 )
68 - إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء ، صلي عليها صلاة واحدة ، وجعلت الذكور - ولو كانوا صغارا - مما يلي الامام ، وجنائز الاناث مما يلي القبلة ، وفي ذلك أحاديث :
الأول : عن نافع عن ابن عمر : " أنه صلى23 على تسع جنائز جميعا ، فجعل الرجال يلون الامام والنساء يلين القبلة ، فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له : زيد ، وضعا جميعا ، والامام يومئذ سعيد بن العاص ، وفي : الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة ، فوضع الغلام مما يلي الامام " فقال رجل : فأنكرت ذلك ، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة ، فقلت : ماهذا قالوا : هي السنة " . أخرجه النسائي ( 1/280 ) وابن الجارود في " المنتقى " ( 267 ، 268 ) والدارقطني ( 194 ) والبيهقي ( 4/33 ) .
قل : وإسناد النسائي وابن الجارود صحيح على شرط الشيخين ، واقتصر الحافظ في " التلخيص " ( 5/276 ) عاى عزوه لابن الجارود وحده وقال : ( وإسناده صحيح ) . وأما النووي فقال ( 5 / 224 ) : " رواه البيهقي بإسناد حسن "
الثاني : عن عمار مولى الحارث بن نوفل " أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها ، فجعل الغلام مما يلى الامام [ ووضعت المرأة وراءه ، فصلى عليها ] ، فانكرت ذلك ، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة ، [ فسألتهم عن ذلك ] ، فقالوا ، هذه السنة " . أخرجه أبو داود ( 2/66 ) والسياق له ، ومن طريقه البيهقي ( 4/33 ) والنسائي ( 1/280 ) والزيادتان له وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وقال النووي ( 5/224 ) : " وإسناده صحيح ، وعمار هذا تابعي مولى لبني هاشم ، واتفقوا على توثيقه " . وقال البيهقي :
" ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار دون كيفية الوضع بنحوه ، وذكر أن الامام كان ابن عمر . قال : وكان في القوم الحسن والحسين وأبو هريرة ، ونحو من ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . ورواه الشعبي فذكر كيفية الوضع بنحوه ، وذكر أن الامام كان ابن عمر ، ولم يذكر السؤال ، قال : وخلفه ابن الحنفية والحسين وابن عباس ، وفي رواية : عبد الله بن جعفر )
69 - ويجوز أن يصلى على كل واحدة من الجنائز صلاة ، لأنه الأصل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أحد ، وفي ذلك حديثان :
الأول : عن عبد الله بن الزبير ، وتقدم في المسألة ( 59 ) ، الحديث ( 2 ) ص 82
الثاني : عن ابن عباس قال : " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة . أمر به فهيئ إلى القبلة ، ثم كبر عليه تسعا ، ثم جمع إليه الشهداء ، كلما أتي بشهيد وضع إلى حمزة ، فصلى عليه ، وعلى الشهداء معه حتى صلى عليه ، وعلى الشهداء اثنين وسبعين صلاة " أخرجه الطبراني في معجمه الكببر ( 3/107 ، 108 ) من طريق محمد بن اسحاق حدثني . محمد بن كعب القرظي والحكم بن عتيبة عن مقسم ومجاهد عنه
قلت : وهذا سند جيد ، رجاله كلهم ثقات ، . وقد صرح فيه محمد بن اسحاق بالتحديث ، فزالت شبهة تدليسه . ويبدو أن الامام السهيلي والحافظ ابن حجر لم يقفا على هذا الاسناد ، فقد قال الحافظ في " التلخيص " ( 5/153 ، 154 ) :
" وفي الباب أيضا حديث ابن عباس ، رواه ابن اسحاق قال : حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس . . ( قلت : فذكر الحديث نحوه إلا أنه قال : " سبعا " بدل " تسعا " ، ثم قال : ) قال السهيلي : إن كان الذي أبهمه ابن اسحاق هو الحسن بن عمارة ، فهو ضعيف ، وإلا فمجهول لاحجة فيه . انتهى .
قلت : والحامل للسهيلي على ذلك ، ما وقع في مقدمة " مسلم " عن شعبة أن الحسن ابن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد " فسألت الحكم ؟ فقال لم يصل عليهم " انتهى . لكن حديث ابن عباس روي من طرق أخرى . . "
. قلت : ثم ذكر بعضها ، وليس منها طريق الطبراني هذه ، وهي تدل على أن المبهم في تلك الرواية ليس مجهولا ولا ضعيفا ، بل هو ثقة معروف ، وهو محمد بن كعب القرظي أو الحكم بن عتيبة ، أو كلاهما معا ، ولا يخدع على هذا قول الحكم في رواية مسلم " لم يصل عليهم " لجواز أن الحكم نسي " ماكان حدث به كما وقع مثله لغيره في غير ما حديث ، ولو سلمنا جدلا أن إنكار الحكم لحديثه يقدح في صحته عنه ، فلا نسلم أن ذلك يقدح في صحة الحديث نفسه مادام أنه رواه ثقة آخر هو القرظي ، وهذا واضع إن شاء الله تعالى . 24
70 - وفي الصلاة على الجنازة في المسجد ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا ، فوقف به على حجرهن يصلين عليه ، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد ، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك ، وقالوا : هذه بدعة ، ، ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد فبلغ ذلك عائشة ، فقالت : ما أسرع الناس إلى أن يعيشوا مالا علم لهم به ، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد ، [ والله ] ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء [ وأخيه ] إلا في جوف المسجد " أخرجه مسلم ( 3/63 ) من طريقين عنها وأصحاب السنن وغيرهم ، وقد خرجته في " أحكام المساجد " من كتابي " الثمر المستطاب " والزيادات لمسلم إلا الأولى فهي للبيهقي ( 4/51 ) .
71 - لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الغالب على هديه فيها " وفي ذلك أحاديث :
الأول : عن ابي عمر رضي الله عنه . " أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم . وإمرأة زنيا ، فأمر بهما فرجما ، قريبا من موضع الجنائز عند المسجد " 25أخرجه البخاري ( 3/155 ) " وترجم له ، وللحديث الرابع الآتي بـ " باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد " .
الثاني : عن جابر قال : " مات رجل منا ، فغسلناه . . ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله بالصلاة عليه فجاء معنا . . فصلى عليه . . " أخرجه الحاكم وغيره ، وتقدم بتمامه في المسألة ( 17 ) الحديث الثالث من الفقرة ( ز ) ، ( ص 16 ) وفي الباب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال حديثه في المسألة ( 59 ) الحديث ( 4 ) من ( الساد س ) ، ( ص89 ) .
الثالث : عن محمد بن عبد الله بن جحش ، قال : " كنا جلوس بفناء المسجد حيث توضع الجنائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهرانينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء . . " أخرجه أحمد ( 5/289 ) والحاكم ( 2/24 ) وقال : " صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي في " تلخيصه " وأقره المنذري في " ترغيبه " ( 3/34 ) ، وفيه أبو كثير مولى محمد بن جحش ، أورده ابن أبي حاتم ( 4/2/429,430 ) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " ( 4/127 ) : " مستور " ولم يورده ابن حبان في " الثقات " ومع ذلك فقد قال فيه الحافظ في " التقريب " " ثقة " وذكر في " التهذيب " انه روى عنه جماعة من الثقات وأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فمثله ، " حسن الحديث إن شاء الله تعالى ، لاسيما في الشواهد .
الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، خرج إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربعا " . . أخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ وزيادات كثيرة وقد تقدم . ذكرها مجموعة في سياق وأحد مع زيادات أخرى في أحاديث ، جماعة آخرين من الصحابة ، وقد بينت ذلك في المسألة ( 59 ) الحديث السابع ، ( ص 89 - 90 )
والحديث ترجم له البخاري بما دل عليه من الصلاة في المصلى كما سبق ذكره في الحديث الأول26 .
73 - ولا تجوز الصلاة عليها بين القبور ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه . " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور " . أخرجه الأعرابي في " معجمه " ( ق 235/1 ) والطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1/80/2 ) ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 79/2 - مسند أنس ) وقال الهيثمي في " المجمع " ( 3/36 ) : " وإسناده حسن " .
قلت : وله طريق أخرى عن أنس ، عند الضياء يتقوى الحديث بها . وروى أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 2/185 ) وأبو بكر بن الأثرم كما في " الفتح الباري " للحافظ ابن رجب الحنبلي ( 65/81/1 - الكواكب )
عن أنس : " كان يكره أن يبنى مسجدا بين القبور " . . ورجاله ثقات رجال الشيخين ويشهد للحديث ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وقد ذكرت ما ورد في ذلك في أول كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " وسأذكر بعضها في المسألة ( 128 فقرة 9 )
74 - ويقف الامام وراء رأس الرجل ، ووسط المرأة ، وفيه حديثان :
الأول : عن أبي غالب الخياط قال : " شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل ، فقام عند رأسه ، ( وفي روواية : رأس السريز ) فلما رفع ، أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار ، فقيل له : با أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل عليها ، فصلى عليها ، فقام وسطها ، ( وفي رواية : عند عجيزتها ، وعليها نعش أخضر ) وفينا العلاء بن زياد العدوي27 ، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال : يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت قال : نعم ، قال : فالتفت إلينا العلاء فقال : احفظوا ) أخرجه أبو داود ( 2/66 ، 67 ) والترمذي ( 2/146 ) وحسنه . وابن ماجه والطحاوي ( 1/283 ) والبيهقي ( 4/32 ) والطيالسي ( رقم 2149 ) وأحمد ( 3/118 ، 204 ) والسياق له ، أخرجوه كلهم من طريق همام بن يحيى عن أبي غالب ، غير أبي داود ، فأخرجه من طريق عبد الوارث - وهو ابن سعيد - عنه ، وكذا أخرجه الطحاوي في رواية له مختصرا .
وإسناده من الطريقين صحيح ، رجالهما رجال الصحيحين غير . أبي طالب وهو ثقة كما في " التقريب " للحافظ ابن حجر ، فالعجب منه كيف ذكر في شرح الحديث الآتي عن سمرة من " الفتح " ( 3/157 ) أن البخاري أشار إلى تضعيف هذا الحديث ، ثم سكت على ذلك ولم يتعقبه بشئ
والرواية الثانية للطيالسي والبيهقي من طريق أحمد . والرواية الثالثة لأبي داود ، وهي عند المذكورين بنحوها دون لفظ " أخضر " 28
الثاني : عن سمرة بن جندب قال : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها " . أخرجه البخاري ( 6/153 - 157 ) ومسلم ( 3/60 ) والسياق له وأبو داود ( 2/67 ) والنسائي ( 1/ 280 ) والترمذي ( 2/147 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1/455 ) وابن الجارود ( 267 ) والطحاوي ( 1/280 ) والبيهقي ( 4/34 ) والطيالسي ( 902 ) وأحمد ( 5/1914 ) والحديث واضح الدلالة على السنة أن يقف الامام حذاء وسط المرأة وهو بمعنى حديث أنس : " عند عجيزتها " . بل هذا مما يزيده وضوحا فإنه أصرح في الدلالة على المراد من حديث سمرة .
75 - ويكبر عليها اربعا أو خمسا ، إلى تسع تكبيرات ، كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأيها فعل أجزأه ، والاولى التنويع ، فيفعل هذا تارة ، وهذا تارة ، كما هو الشأن في أمثاله مثل أدعية الاستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الابراهيمية ونحوها ، وإن كان لابد من التزام نوع واحد منها فهو الاربع لان الاحاديث فهيا أكثر ، وإليك بيان ذلك :
أ - أما الاربع ففيها أحاديث عن جماعة من الصحابة
الاول : عن أبي هريرة ، وقد مضى حديثه في المسألة ( 59 ) ( السابع ) في الصلاة على النجاشي وأنه صلى الله عليه وسلم كبر عليه أربعا ( ص 89 )
الثاني : عن ابن عباس ، ومضى في المسألة المشار إليها في حديث الصلاة على الرجل الذي دفن ليلا . في ( السادس ) ، الحديث ( 1 - ) ( 87 )
الثالث : عن يزيد بن ثابت في صلاته صلى الله عليه وسلم على مولاة لبني فلان في قبرها وهو في المكان المشار إليه بعد حديث ابن عباس بحديث .
الرابع : عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته صلى الله عليه وسلم على المرأة المسكينة في قبرها ، وحديثها مذكور عقب حديث يزيد بن ثابت المشار إليه آنفا .
الخامس : عن أبي أمامة29 رضي الله عنه قال : " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الاولى بأم القرآن مخافتة ، ثم يكبر ثلاثا ، والتسليم عند الاخرة " . أخرجه النسائي ( 1 ، 281 ) وعنه ابن حزم ( 5/129 ) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ، وسبقه النووي في " المجموع " ( 5/33 ) وزاد : " علي شرط الشيخين " . وأخرجه الطحاوي ى ( 1/288 ) بنحوه وزاد في آخر الحديث :
قال الزهري : فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري ، فقال : وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة30 في الصلاة على الجنازة مثل الذي حدثك أبو أمامة " . وإسنادها صحيح أيضا ، وهي عند النسائي ، ولكن لم يجاوز بها الضحاك بن قيس ، وكذلك رواه الشافعي بزيادة في متنه كما يأتي في المسإلة ( 79 ) ص ( 121 ، 122 ) .
السادس : عن عبد الله بن أبي أوفى قال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا " أخرجه البيهقي ( 4 / 35 ) بسند صحيح في أثناء حديث يأتي بتمامه في المسألة
ب - وأما الخمس فلحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : " كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ، وإنه كبر على جنازة خمسا ، فسألته فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها ، ( فلا أتركها ( لاحد بعده ) أبدا ) " أخرجه مسلم ( 3/56 ) وأبو داود ( 2/67 ، 68 ) والنسائي ( 1/281 ) والترمذي ( 2/140 ) وابن ماجه ( 1/458 ) والطحاوي ( 1/285 ) والبيهقي ( 4/36 ) والطيالسي ( 674 ) وأحمد ( 4/367 ، 368 ، 372 ) عنه .
ثم أخرجه الطحاوي والدار قطني ( 191 ، 192 ) وأحمد ( 4 : 370 ) من طرق أخرى عنه به نحوه ، والزيادة لهم والتي فيها للدار قطني ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، رأوا التكبير على الجنازة خمسا ، وقال أحمد واسحاق : إذا كبر الامام على الجنازة خمسا فإنه يتبع الامام " .
ج - وأما لست والسبع ، ففيها بعض الاثار الموقوفة ، ولكنها في حكم الاحاديث المرفوعة ، لان بعض كبار الصحابة أتى بها على مشهد من الصحابة دون أن يعترض عليه أحد منهم .
الاول : عن عبد الله بن معقل : " أن علي بن أبي طالب صلى على سهل بن حنيف ، فكبر عليه ستا ، ثم التفت إلينا ، فقال : إنه بدري " ، قال الشعبي : " وقدم علقمة من الشام فقال لابن مسعود : إن اخوانك بالشام يكبرون على جنائز هم خمسا ، فلو وقتم لنا وقتا نتابعكم عليه31 ، فأطرق عبد الله ساعة ثم قال : انظروا جنائزكم فكبروا علهيا ماكبر أئمتكم ، لا وقت ولا عدد " . أخرجه ابن حزم في " المحلى " ( 5 ، 126 ) بهذا التمام ، وقال : " وهذا إسناد غاية في الصحة " .
قلت : وقد أخرج منه قصة علي رضي الله عنه أبو داود في مسائله عن الامام أحمد ( ص 152 ) والطحاوي ( 1/287 ) والحاكم ( 3/409 ) والبيهقي ( 4/36 ) وسندهم صحيح على شرط الشيخين ، وهي عند البخاري في " المغزلي " ( 7/253 ) دون قوله " ستا . . " وقصة ابن مسعود أخرجها الطحاوي والبيهقي ( 4/37 ) نحوه .
الثاني : عن عبد خير قال : " كان علي رضي الله عنه يكبر على أهل بدر ستا ، وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خمسا ، وعلى سائر الناس أربعا " . أخرجه الطحاوي والدار قطني ( 191 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/37 ) وسنده صحيح رجاله ثقات كلهم .
الثالث : عن موسى بن عبد الله بن يزيد . " أن عليا صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا ، وكان بدريا " أخرجه الطحاوي والبيقهي ( 4/36 ) بسند صحيح على شرط مسلم - لكن أعله البيهقي بقوله : " إنه غلط ، لان أبا قتادة رضي الله عنه بقي علي رضي الله عنه مدة طويلة " . ورده الحافظ في " التلخيص " ( 1665 ) بقوله : " قلت : وهذه علة غير قادحة ، لانه قد قيل : إن أبا قتادة مات في خلافه علي ، وهذا هو الراجح وسبقه إلى هذا ابن التركماني في " الجوهر النقي " فراجعه32 .
د - وأما التسع ، ففيه حديثان :
الاول : عن عبد الله بن الزبير : " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات . . " 33 . وقد مضى بتمامه وتخريجه في ( الثاني ) من المسألة ( 59 ) ( ص 82 ) .
الثاني : عن عبد الله بن عباس قال : " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة . . . أمر به فهيى إلى القبلة ، ثم كبر عليه تسعا . . . " وتقدم أيضا في المسألة ( 69 ) الحديث الثاني ، ( ص 104 ) .
76 - ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الاولى ، وفيه حديثان :
الاول : عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ، ووضع اليمنى على اليسري " . أخرجه الترمذي ( 2/165 ) والدار قطني ( 192 ) والبيهقي ( 284 ) . وأبو الشيخ في " طبقات الاصبهانيين " ( ص 262 ) بسند ضعيف ، لكن يشهد له الحديث الاتي وهو
الثاني : عن عبد الله بن عباس " أن رسول الله كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ، ثم لا يعود " . أخرجه الدار قطني بسند رجاله ثقات غير الفضل بن السكن فإنه مجهول ، وسكت عنه ابن التركماني في " الجوهر النقي " ( 4/44 )
ثم قال الترمذي عقب الحديث الاول : هذا حديث غريب ، واختلف أهل العلم في هذا ، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة ، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعض أهل العلم : لا يرفع يديه إلا في أول مرة ، وهو قول الثوري وأهل الكوفة ، وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة : لا يقبض بيمينه على شماله ، ورأي بعض أهل العلم أن يقبض على شماله كما يفعل في الصلاة " . وفي المجموع " للنووي ( 5/232 ) : " قال ابن المنذري في كتابه " الاشراف والاجماع " : أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة ، واختلفوا في سائرها " 34 .
77 - ثم يضع يده اليمني على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ، ثم يشد بينهما على صدره ، وفي ذلك أحاديث لابد أن أذكر بعضها :
الاول : عن أبي هريرة مرفوعا في حديثه المتقدم آنفا : " . . ووضع اليمني على اليسري " . وهو وإن كان ضعيف الاسناد ، فإن معناه صحيح بشهادة الاحاديث الاتية فإنها بإطلاقها تشمل صلاة الجنازة كما تشمل كل ما سوى المكتوبات من الصلوات كالاستسقاء والكسوف وغيرها .
الثاني : عن سهل بن سعد قال : " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد على ذراعة اليسري في الصلاة " أخرجه مالك في " الموطأ " ( 1/174 ) ومن طريقه البخار ( 2/178 ) والسياق له ، وكذا الامام محمد في " الموطأ " ( 156 ) وأحمد ( 5/336 ) والبيهقي ( 2 / 28 ) .
الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنا معشر الانبياء أمرنا بتعجيل فطرنا ، وتأخير سحورنا ، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة " . أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 885 - موارد ) والطبراني في " الكبير " وفي " الاوسط " ( 1/10 - 1 ) ومن طريقهما الضياء المقدسي في " المختارة " ( 63/10/2 ) . ( 1/174 ) . وله طريق أخرى عن ابن عباس . أخرجه الطبراني في " الكبير " والضياء المقدسي بسند صحيح ، وله شواهد ذكركتها في تخريج كتابنا " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " .
الرابع : عن طاووس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمني على يده اليسري ، ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة " . أخرجه أبو داود ( 1/121 ) بسند جيد عنه . وهو وإن كان مرسلا فهو حجة عند الجميع ، أما من يحتج منهم بالمرسل إطلاقا فظاهر - وهم جمهور العلماء ، وأما من لا يحتج به إلا إذا روى موصولا ، أو كان له شواهد ، فلان لهذا شاهدين :
الاول : عن وائل بن حجر : ، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله ثم وضعهما على صدره " . رواه ابن خزيمة في صحيحه كما في " نصب الراية " ( 1/314 ) ، وأخرجه البيهقي في سننه ( 2/30 ) من طريقين عنه يقوي أحدهما الاخر
الثاني : عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ، ورأيته - قال - يضع هذه على صدره ، وصف يحيى ( هو ابن سعيد ) اليمني على اليسري فوق المفصل " . أخرجه أحمد ( 5/226 ) بسند رجاله ثقات رجال مسلم غير قبيصة هذا ، وقد وثقه العجلي وابن حبان ، لكن لم يرو عنه ، غير سماك بن حرب وقال ابن المديني والنسائي " مجهول " وفي " التقريب " أنه مقبول .
قلت : فمثله حديثه حسن في الشواهد ، ولذلك قال الترمذي بعد أن خرج له من هذا الحديث أخذ الشمال باليمين :
" حديث حسن " .
فهذه ثلاثة أحاديث في أن السنة الوضع على الصدر . ولا يشك من وقف على مجموعها في أنها صالحة للاستدلال على ذلك . وأما الوضع تحت السرة فضعيف اتفاقا كما قال النووي والزيلعي وغيرهما : وقد بينت ذلك في التخريج المشار إليه آنفا .
78 - ثم يقرأ عقب التكبيرة الاولى فاتحة الكتاب وسورة35لحديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب ( وسورة ، وجهر حتى أسمعنا ، فلما فرغ أخذت بيده ، فسألته ؟ فـ ) قال : ( إنما جهرت ) لتعلموا أنا سنة ( وحق ) " . أخرجه البخاري ( 3/158 ) وأبو داود ( 2 ، 68 ) والنسائي ( 1/281 ) والترمذي ( 2/142 ) وابن الجارود في " المنتفى " ( 264 ) والدار قطني ( 191 ) والحاكم ( 1/358 - 386 ) .
والسياق للبخاري ، والزيادة الاولى للنسائي ، وسندها صحيح ، ولابن الجارود منها ذكر السورة ، ولهما الثالثة بالسند الصحيح ، وللحاكم الثانية من طريق أخرى عن ابن عباس بسند حسن .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة ، يأتي حديث أحدهم في المسألة التي بعد هذه ثم قال الترمذي عقب الحديث : " هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : لا يقرأ في الصلاة على الجنازة ، إنما هو الثناء على الله : والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، والدعاء للميت ، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة " 36 . ثم إن الزيادة الاولى في الحديث قد رواها أبو يعلى ايضا في " مسنده " كما في " المجموع " للنووي ( 5/234 ) وقال : " إسناده صحيح " . وأقره الحافظ في " التلخيص " ( 5/165 ) .
واستدل النووي بهذه الزيادة على استحباب سورة قصيرة ، وليس في الحديث ما يدل على كونها قصيرة ، فلعل الدليل على ذلك ما تقدم من طلب الاستعجال بالجنازة إلى قبرها ، والله أعلم .
79 - ويقرأ سرا ، لحديث أبي أمامة بن سهل قال : " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الاولى بأم القرآن مخافتة . ثم يكبر ثلاثا ، والتسليم عند الاخرة " . أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح كما تقدم في المسألة ( 74 ) الحديث الخامس من الفقرة ( أ ) ، ( 111 ) .
80 - ثم يكبر التكبيرة ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث أبي أمامة المذكور أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى سرا في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ( الثلاث ) ، لا يقرأ في شئ منهم ، ثم يسلم سرا في نفسه ( حين ينصرف ( عن يمينه ) ، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامه ) " . أخرجه الشافعي في " الام ( 1/239 - 240 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/39 ) وابن الجارود ( 265 ) عن الزهري عن أبي أمامة وقال الزهري في آخره
" حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة " . قال الشافعي رحمه الله : " وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولن بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى " . وأخرجه الحاكم ( 1/360 ) وعنه البيهقي إلا أنه قال : " أخبرني رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " . والباقي نحوه ، وفيه الزيادتان . وزاد في إسناده الثاني " حبيب بن مسلمة " كما تقدم في رواية الطحاوي في المسألة المشار إليه آنفا ( 74 ) .
ثم زاد الحاكم : " قال الزهري : حدثني بذلك أبو أمامة وابن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه " وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا . وظاهر قوله بعد أن ذكر القراءة " ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون بعد التكبيرة الثانية لاقبلها ، لانه لو كان ها لم تقع في التكبيرات بل قبلها ، كما هو واضح ، وبه قالت الحنفية والشافعية وغيرهم ، خلافا لابن حزم ( د/129 ) والشوكاني ( 3/53 ) .
وأما صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة فلم أقف عليها في شئ من الاحاديث الصحيحة37 ، فالظاهر أن الجنازة ليس لها صيغة خاصة ، بل يؤتى فيها بصيغة من الصيغ الثابتة في التشهد في المكتوبة38 .
81 - ثم يأتي ببقية التكبيرات ، ويخلص الدعاء فيها للميت ، لحديث أبي أمامة المتقدم انفا ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم على الميت ، فأخلصوا له الدعاء " 39أخرجه أبو داود ( 2/68 ) وابن ماجه ( 1/456 ) وابن حبان في " صحيحه " و( 754 - موارد ) والبيهقي ( 4/40 ) من حديث أبي هريرة وصرح ابن اسحاق بالتحديث عند ابن حبان .
82 - ويدعوا فيها بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : " اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت ( وفي رواية : كما ينقي الثوب الابيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا ( وفي رواية : زوجة ) خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر ، ومن عذاب النار ، قال : فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت " . أخرجه مسلم ( 3/59 - 60 ) والنسائي ( 1/271 ) وابن ماجه ( 1/4256 ) وابن الجارود ( 264 - 265 ) والبيهقي ( 4/40 ) والطيالسي ( 999 ) وأحمد ( 6/23و28 ) والسياق لمسلم ، والرواية الثانية له في رواية ، وهي لسائرهم إلا أحمد ، وله والبيهقي الرواية الثالثة .
وفي رواية ابن ماجه والطيالسي أن الميت كان رجلا من الانصار ، لكن في سندها فرج بن فضالة وهو ضعيف عن عصمة بن راشد وهو مجهول .
والحديث أخرجه الترمذي ( 2/141 ) مختصرا وقال : " حديث حسن صحيح ، وقال محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - أصح شئ في هذا الباب هذا الحديث " .
الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . أخرجه ابن ماجه ( 1/456 ) والبيهقي ( 4/41 ) من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه .
وأبو داود ( 2/68 ) والترمذي ( 2/141 ) وابن حبان في صحيحه ( 757 - موارد ) والحاكم ( 1/ 358 ) والبيهقي أيضا وأحمد ( 2/368 ) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به نحوه ، دون قوله " اللهم لا تحرمنا . . . " فهي عند أبي داود وحده ، وصرح يحيى بالتحديث عند الحاكم ثم قال : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، وأعل بما لا يقدح .
وليحبي فيه إسناد ان آخران ، عند أحمد ( 4/170 ، 308 ) والبيهقي . وللحديث شاهد من حديث ابن عباس نحوه . رواه الطبراني في " الكبير " .
الثالث : عن واثلة بن الاسقع قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين ، فأسمعه يقول : اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك ، فقه فتنة القبر ، وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق ، فاغفر له وارحمه ، إنك الغفور الرحيم " أخرجه أبو داود ( 2/68 ) وابن ماجه ( 1/456 ) وابن حبان في صحيحه ( 758 ) وأحمد ( 3/471 ) بإسناد صحيح إن شاء الله تعالى ، وقد أورده ابن القيم فيما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم ، وسكت عليه النووي في " المجموع " .
الرابع : عن يزيد بن ركانة بن المطلب قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال : " اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان محسنا فزد في حسناته ، إن كان مسيي ا فتجاوز عنه " . ( ثم يدعوا ما شاء الله أن يدعو ) " . أخرجه الحاكم ( 1/359 ) وقال : " إسناده صحيح ، ويزيد بن ركانة وأبو ركانة صحابيان " . ووافقة الذهبي ، ورواه الطبراني في " الكبير " بالزيادة كما في " المجمع " ( 4/33/34 ) وابن قانع كما في " الاصابة " .
وله شاهد من طريق سعيد المقبري أنه سأل أبا هريرة : كيف تصلي على الجنازة فقال : أنا لعمر الله أخبرك ، أتيعها من أهلها ، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله ، وصليت على نبيه ، ثم أقول : اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك : كان يشهد أن لا إله ألا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به ، اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، اللهم لا تحرمنا أجرة ، ولا تفتنا بعده " . أخرجه مالك ( 1 - 227 ) وعنه محمد بن الحسن ( 164 - 165 ) وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة صلى الله عليه وسلم " رقم 5 ( 93 ) 27وسنده موقوف صحيح جدا ، وقد ساق الهيثمي منه الدعاء مرفوعا من حديث أبي هريرة وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ورجال الصحيح " . وقد تقدم بلفظ آخر فيه الجملة الاخيرة منه ، وهو النوع ( الثاني ) ( ص 124 )
83 - والدعاء بين التكبيرة الاخيرة والتسليم مشروع ، لحديث أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : " شهدته وكبر على جنازة أربعا ، ثم قام ساعة - يعني - يدعوا ، ثم قال : أتروني كنت أكبر خمسا ؟ قالوا : لا ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا " . أخرجه البيهقي ( 4 - 35 ) بسند صحيح . ثم أخرجه هو ( 4/42 ، 43 ) وابن ماجة ( 1/457 ) والحاكم ( 1/ 360 ) وأحمد ( 4 - 383 ) من طريق إبراهيم الهجري عن أبن أبي أوفي به ، إلا أنه أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ، وزاد بعد قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا : ثم يمكث ساعة فيقول ما شاء الله أن يقول ، ثم سلم " وقال الحاكم :
" هذا حديث صحيح ، وابراهيم لم ينقه عليه بحجة " . قلت : بلي ، ولذلك تعقبه الذهبي بقوله : قلت ضعفوا ابراهيم " .
قلت : وذلك لسوء حفظه ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب " لين الحديث ، رفع موقوفات " 40 .
84 - ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه ، والاخرى عن يساره لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس ، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة " . أخرجه البيقهي ( 4/43 ) بإسناد حسن ، وقال النووي ( 5/239 ) : " إسناد جيد " وفي " مجمع الزوائد " ( 3/34 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات "
وقد ثبت في " صحيح مسلم " وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين في الصلاة ، فهذا يبين أن المراد بقوله في الحديث الاول : " مثل التسليم في الصلاة " أي التسليمتين المعهودتين . ويحتمل أنه يعني بالاضافة إلى ذلك أنه كان يسلم تسليمة واحدة أيضا ، بالنظر إلى أن ذلك كان من سنته صلى الله عليه وسلم في الصلاة أيضا ، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يسلم تسليمتين وتارة تسليمة واحدة لكن الاول أكثر ، غير أن هذا الاحتمال فيه بعد لان التسليمة الواحدة وإن كانت ثابتة عنه ، صلى الله عليه وسلم لكن لم يروها ابن مسعود فلا يظهر أنها تدخل في قوله المذكور " مثل التسليم في الصلاة " . والله أعلم .
وللحديث شاهد ، يرويه شريك عن إبراهيم الهجري قال : " أمنا عبد الله بن أبي أوفى على جنازة ابنته فمكث ساعة ، حتى ظننا أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله ، فلما انصرف قلنا له : ما هذا ؟ قال : إني لاأزيدكم على مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ، أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه البيهقي ( 4/43 ) وسنده ضعيف من أجل الهجري كم تقدم في المسألة السابقة وقد صح عنه من طريق أخرى بعضه مرفوعا ، وبعضه موقوفا ، كما ذكرنا هناك ، وروى أحمد في " مسائل أبي داود عنه " ( 153 ) عن عطاء بن السائب قال :
" رأيت ابن أبي أوفى صلى على جنازة فسلم تسليمة ( واحدة ) " لكن إسناده ضعيف فيه أبو وكيع الجراح بن مليح ، وهو يضعيف واتهمه بعضهم . وقد ذهب لى التسليمتين الحنفية كما في " المبسوط " ( 2/65 ) ، أحمد في رواية عنه كما في " الانصاف " ( 2/525 ) 41 والشافعية كما في " شرح ابن قاسم الغزي " ( 1/431 - باجوري ) وقال : " لكن يستحب زيادة ورحمه الله وبركاته " .
85 - ويجوز الاقتصار على التسليمة الاولى فقط ، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ، فكبر عليها أربعا ، وسلم تسليمة واحدة " . أخرجه الدار قطني ( 191 ) والحاكم ( 1/360 ) وعنه البيهقي ( 4/43 ) من طريق أبي العنبس عن أبيه عنه .
قلت : واسناده حسن كما بينته في " التعليقات الجياد " .
ويشهد له مرسل عطاء بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة .
أخرجه البيهقي معلقا . ويقويه عمل جماعة من الصحابة به ، فقد قال الحاكم عقبه : " قد صحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمه واحدة " .
قلت : وقد وافقه الذهبي ، وأسند البيهقي غالب هذه الاثار ، وزاد فيهم " واثلة ابن الاسقع وأبي إمامة وغيرهم " . وفي اطلاق الصحة على رواية ابن أبي إوفى نظر عندي ، لان في سندها الجراح بن مليح وهو ضعيف كما سبق قريبا ، إلا أن يكون وقع للحاكم من طريق أخرى ، وذلك مما لا أظنه ، وإلى هذه الاثار ذهب الامام أحمد في المشهور عنه ، وقال أبو داود ( 153 ) : " سمعت أحمد سئل عن التسليم على الجنازة ؟ قال : هكذا ، ولوى عنقه عن يمينه ( وقال : السلام عليكم ورحمة الله ) " . قلت وزيادة " وبركاته " في هذه التسليمة مشروعة خلافا لبعضهم ، لثبوتها في بعض طرق حديث ابن مسعود المتقدم في التسليمتين في الفريضة ، ومثلها في هذه المسألة صلاة الجنازة كما سبق ، وذكر ابن قاسم الغزي في شرحه استحبابها هنا في التسليمتين ، ورد ذلك عليه الباجوري في حاشيته ( 1/431 ) فذهب إلى عدم مشروعيتها هنا ولا في الفريضة والصواب ما ذكرنا .
86 - والسنة أن يسلم في الجنازة سرا ، الامام ومن وراءه في ذلك سواء ، لحديث أبي أمامة المتقدم في المسألة بلفظ : " ثم يسلم سرا في نفسه حين ينصرف ، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامة " . وله شاهد موقوف ، أخرج البيهقي ( 4/43 ) عن ابن عباس أنه :
" كان يسلم في الجنازة تسليمة خفية " . وإسناده حسن . ثم روى عن عبد الله بن عمر أنه : " كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه " . وإسناده صحيح42 .
87 - ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الاوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها إلا لضرورة ، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ، أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " . أخرجه مسلم ( 2 / 208 ) وأبو عوانة في صحيحه ( 1 / 368 ) وأبو داود ( 2 / 66 ) والنسائي ( 1 / 283 ) والترمذي ( 2 / 144 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1 / 463 ) والبيهقي ( 4 / 32 ) والطيالسي ( رقم 1001 ) وأحمد ( 5 / 152 ) من طريق علي بن رباح عنه . وزاد البيهقي :
" قال : قلت لعقبة : أيدفن بالليل ؟ قال : نعم ، قد دفن أبو بكر بالليل " . وإسنادها صحيح43 .
*****************************
1 قلت : والصواب ما قاله الحافظ ، فقد ذكر ابن القيم في " زاد المعاد " ( 1 / 203 ) عن الامام أحمد أنه قال : " هذا حديث منكر " ، ولعله يعني " حديث فرد " فإن هذا منقول عنه في بعض الاحاديث المعروفة الصحة . واعلم أنه لا يخدج في ثبوت الحديث أنه روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى على ابنه ابراهيم . لان ذلك لم يصح عنه وإن جاء من طرق ، فهي كلها معلولة اما بالارسال ، وإما بالضعف الشديد ، كما تراه مفصلا في " نصب الراية " ( 2 / 279 - 280 ) ، وقد روى أحمد ( 3 / 281 ) عن أنس أنه سئل : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه ابراهيم ؟ قال : لا أدري . وسنده صحيح . ولو كان صلى عليه ، لم يخف ذلك على أنس إن شاء الله ، وقد خدمه عشر سنين .
2 قال النووي رحمه الله تعالى : " أجمع من يعتقد بن من علماء المسلمين على أن من ما من أطفال المسلمين فهو من أهل الجنة ، والجواب عن هذا لاحديث أنه لعله نهاها عن المسارعة إل يالقطع من غير دليل ، أو قال ذلك قبل أن يعلم أن أطفال المسلمين في الجنة " . وأجاب السندي في حاشيته على النسائي بجواب آخر خلاصته : أنه إنما أنكر عليها الجزم بالجنة لطفل معين . قال : ولا يصبح الجزم في مخصوص لان إيمان الأبوين تحقيقا غيب ، وهو المناط عند الله تعالى .
3 انظر " نصب الراية " ( 2 / 277 ) و" التلخيص " ( 5 / 146 - 147 ) و" المجموع " ( 5 / 255 ) ، وكتابي " نقد التاج الجامع للاصول الخمسة " ( رقم 293 ) ، وإنما صح الحديث بدون ذكر الصلاة فيه ، كما حققته في " إرواء الغليل " ( 1704 ) يسر الله طبعه .
4 ) لعله يعني الصلاة على غيره استقلالا ، فلا ينبغي الصلاة على غيره مقرونا معه كما في الحديث الذي قبله ، ولا يعارض هذان الحديثان بحديث جابر المتقدم أنه صلى الله عليه وسلم لم بصل على شهداء أحد لأنه ناف ، والمثبت مقدم على المنافي ، وانظر التفصيل في " نيل الأوطار " .
5 قد يقول قائل : لقد ثبت في هذه الأحاديث مشروعية الصلاة على الشهداء ، والأصل أنها واجبة فلماذا لا يقال بالوجوب قلت : لما سبق ذكره في المسألة ( 58 ) . ونزيد علي ذلك هنا فنقول : لقد استشهد كثير من الصحابة في غزوة بدر وغيرها ، ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وسلم ، صلى عليهم ولو فعل لنقلوه عنه . فدل ذلك أن الصلات عليهم غير واجبة . ولذلك قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 4 / 295 ) : ( والصواب في المسألة أنه مخير بين الصلاة عليهم وتركها لمجئ . الاثار بكل واحد من الأمرين وهذا إحدى الروايات عن الامام أحمد ، وهي الأليق بأصوله ومذهبه " قلت : ولاشك أن الصلاة عليهم أفضل من الترك إذا تيسرت لأنها دعاء وعبادة .
6 هو شرقي المسجد النبوي ، وهو اليوم الارض الممتدة مع طول المسجد من من الشمال إلي الجنوب بجانب باب النساء
7 بم يوقضوا وهو من الاضداد .
8 قلت : في هذه الأحاديث دليل من وجوه لاتخفى على أن النجاشي أصحمة كان مسلما ، ويؤيد ذلك أنه جاء النص الصريح عنه بتصديقه بنبوته صلى الله عليه وسلم ، فقال إبو موسى الأشعري رضي الله عنه : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي - فذكر القصة وفيها - وقال النجاشي : أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه " . أخرجه أبو داود والبيهقي باسناد صحيح كما قال البيهقي فيما نقله العراقي في " تخريج الأحياء " ( 2 / 200 ) وله " شاهد من حديث أبن مسعود . أخرجه الطيالسي ( 346 ) ، وله شواهد أخرى في مسند أحمد ( 5 / 290 و292 )
9 وذكر النووي في " المجموع " ( 5 / 253 ) أن هذا الخبر من الخيالات ثم ذكر حديث العلاء بن زيدل في طي الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، حتى ذهب فصلى على معاوية في تبوك وقال أنه حديث ضعيف ضعفة الحافظ منهم البخاري والبيهقي .
10 هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الاسلام ، وإنما يتبين كفرهم . بما يترشح من كلامتهم من الغمز في بعض أحكام الشريعة وأشتهجانها ، وزعمهم أنها مخالفة للعقل والذوق وقد أشار إلى هذه الحقيقة ربنا تبارك في قوله : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم . ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ، والله يعلم أعمالكم ) ، وأمثال هؤلاء المنافقين كثير في عصرنا الحاضر ، والله المستعان .
11 يشير بذلك إلى مثل قوله : ( ولا تنفقوا على من عند رسول لى الله حتى ينفضوا ) وقوله ( ليخرجن الاعز منها الاذل ) .
12 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " ( 8/ 270 ) : " إنما جزم عمر أنه منافق جريا على ما يطلع من أحواله ، وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : وصلي بقوله : وصلي عليه إجراء له علي ظاهر حكم الاسلام ، واصتصحابا لظاهر الحكم ، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الأستئلاف لقومه ودفع المفسدة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ، ثم أمر بقتال لمشركين ، فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الاسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ، ولذلك قال : " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " ، فلما حصل الفتح ، ودخل المشركون في الاسلام ، وقل أهل الكفر وذلوا ، أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق ، ولاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه . بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الاشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى " .
13 قلت : وإنما . صلى عليه بمدما أدخل في حفرته وأخرج منها بأمره صلى الله عليه وسلم ، وألبسه قميصه كما سيأتي في المسألة ( 94 ) .
14 أي أبو جهل وابن أبى أمية .
15 قلت : وهذا الاستغفار إنما هو ما حكاه الله تعالى في أواخر سورة أبراهيم عنه : ( ربما أغفر ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) ، وقد ذكر المفسررن أن هذا الدعاء منه بعد وفاة أبيه وبعد هجرته إلى مكة كي يشهد بذلك سياق الآيات التي وردت في اخرها الأية المذكورة ، وعلى ذلك فيبني أن يكون التبين المذكور في آية الاستغفار إنما كان بعد وفاة أبيه أيضا وكان ذلك بإعلام الله تعالى إياه وقد . أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح كما قال السيوطي في " الفتاوى " ( 2 / 419 ) عن ابن عباس قال : ما زال أبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو الله فلم يستغفر له " .
16 في هذا الحديث أن سبب نزول الأية غير السبب المذكور في الحديث الذي قبله ، ولا تعارض بينهما لجواز تعدد سبب النزول كما وقع ذلك في غير آية ، وقد أيد هذا الحافظ في " الفتح " ( 8 / 412 ) .
17 قلت : ومن ذلك تعلم خطأ بعض المسلمين اليوم من الترحم والترضي على بعض الكفار ويكثر ذلك من بعض أصحاب الجرائد والمجلات ، ولقد سمعت أحد رؤساء العرب المعروفين بالتدين يترحم على ( ستالين ) الشيوعي الذي هو ومذهبه من أشد والد الاعداء على الدين وذك في كلمة ألقاها الرئيس المشار إليه بمناسبة وفاة المذكور ، أذيعت بالراديو ولا عجب من هذا هذا فقد يخفى على مثل هذا الحكم ، ولكن العحب من بعض الدعاة الاسلامين أن في مثل ذلك حيث قال في رسالة له : " رحم الله برناردشو . . . " . وأخبرني بعض الثقات عن أحد المشايخ أنه كان يصلي على من مات من الاسماعيلية مع اعتقاده أنهم غير مسلمين . لأنهم لا يرون الصلاة ولا الحج ويبدون البشر ومع ذلك يصلي عليم نفاقا ومداهنة لهم . فإلى الله المشتكي وهو المستعان .
18 أخرح البيهقي في سننه ( 4 / 30 ) منها حديثين ، وأحدهما عن أبن ماجه ( 1 / 498 ، 500 ) ، وروى أحمد ( 5 / 81 ) حديثا ثالثا وسكت عليه الحافظ في " التلخيص " ( 5 / 187 ) ، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عسيم ، قال البغوي : " لا أدري له صحبة أم لا " ، وفي الباب أحاديث إخرى ، أخرجها الحاظ في الباب المذكور ثم قال : " قال ابن دحية : الصحيح أن المسلمين صلوا عليه أفرادا ، لا يؤمهم أحد ، وبه جزم الشافعي ، قال : وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - وتنافسهم في أن لا يتولى الامامة في الصلاة عليه واحد والله أعلم .
19 وقال النووي في " المجموع " ( 5/ 314 ) : " تجوز صلاة الجنازة فرادى بلا خلاف والسنة أن تصل جماعة للأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك مع إجماع المسلمين "
20 قال الشوكاني ( 4 - 47 ) : " وأقل ما يسمى صفا رجلان ، ولاحد لأكثره "
21 له رؤية ، قبض النبي . صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين ، وكان حليما وقورا ، ومن أشراف قريش وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان ، وكان استعمله على الكوفة ، وغزا بالناس طبرستان وأستعمله معاوية على المدينة ، مات في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة سنة ( 58 ) ، ودفن بالبقيع .
22 وذلك من وجهين : الأول : إطلاقه الضعف على ابن أبي حفصة ينافي ماقاله في ترجمته من " التقريب " : " صدوق ، إلا أنه شيعي غال " . قلت : فإذا كان صدوقا فحديثه حسن على أقل الدرجات ، ولا يضره أنه شيعي كما تقرر في علم المصطلح ويقوي حديثه هذا أن البيهقي أخرجه في رواية له من طريق اسماعيل بن رجاء الزبيدي قال : أخبرني من شهد الحسين بن علي حين مات . . . فذكر الحديث باختصار ، وفي قول الحسين لسعيد : " تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك " . واسماعيل هذا ثقة ، وقد تابع ابن أبي حفضة ، فهي متابعة قوية ، وإن لم يسم فيها من شاهد القصة . فقد سماه سالم كما رأيت وغيره أيضا كما يشير إلى ذك قول الحافظ " لكن رواه النسائي وابن ماجه . . . " لكن فيه ما يأتي وهو : الثاني : أنني لم أقف على الحديث في " الجنائز " سنن النسائي وابن ماجه ، ولم يورده النابلسي في " الذخائر " في مسند الحسين ولا في منسد . أبي حازم . والله أعلم .
وقد أورد ابن حزم في " المحلى " ( 5 / 441 ) هذه القصة بصيغة الجزم يضعفها مع أنه لم يأخذ بمادنت عليه من الحكم فقال ؟ " قلنا : لم ندع لكم إجماعا فتعارضونا بهذا ، ولكن إذا تنازع الامة وجب الرد إلى القرآن والسنة ، وفي القرآن والسنة ما أوردنا " . قلت : وكأن ابن حزم رحمه الله لا يرى أن قول الصحابي " السنة كذا " في حكم المرفوع ، وهذا خلاف المتقرر في الأصولين أن ذك في حكم المرفوع ، وهو الصواب إن شاء الله . وسيأتي . زيادة بيان لهذا في المسألة ( 73 ) . وأما ما أشار إليه ابن حزم من القرآن والسنة " فيعني قوله تعالى ( وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاتي في المسألة التالية " ولا يؤمن الرجل في أهله " كما في رواية به إبن حزم على أن الأحق بالصلاة على الميت الأولياء ، ولا يخفى أنه استدلال بالعموم ، ودلينا وهو حديث الحسين رضي الله عنه خاص ، وهو مقدم كما هو مقرر في الأصول ، ولذلك ذهب إلى ما ذكرنا جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وأسحاق وابن المنذر والشافعي في قوله القديم كما في " المجموع " ( 5 / 217 ) . ثم أستدركت فقلت : إن الحديث لا عموم له فيما نحن فيه ، لأن معناه : لا يصلين أحد إماما بصاحب البيت في بيته ، وهذا بين من مجموع روايات الحديث ، ففي رواية لمسلم : " ولا يؤمن الرجل في أهله " وفي أخرى له " ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه " فهذا حجة على أبن حزم لان الظاهر أيضا أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس . والظاهر أيضا أنه مقدم على غيره ولو كان أكثر منه قرآنا . انظر الشوكاني ( 3 / 134 ) .
23 قلت : يعني إماما كما " يدل عليه السياق ، وصرح بذلك البيهقي في رواية له في الحديث الاتي بعده كما سنذكر هناك . ولا يعارض هذا قوله فيما بعد : " والامام يومئذ سعيد بن العاص " لان المراد أنه كان هو الامير قال الحافظ " يحمل أن ابن عمر أم بهم حقيقة بإذن سعيد بن العاص ، ويحمل قوله " أن الامام كان سعيد بن العاص " يعني الأمير جمعا بين الروايتين .
24 قال النووي في " المجموع " ( 5 - 225 ) . واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة ، إلا صاحب " التتمة " فجزم بأن الأفضل أن يصلي عليم دفعة واحدة . لأن فيه تعجيل الدفن وهو مأمور به . والمذب الأول ، لأنه أكثر عملا ، وأرجى للقبول وليس هو تأخيرا كثيرا " والله أعلم .
25 قال الحافظ في الفتح ، : " إن مصلى الجنائز كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية المشرق " . وقال في موضع آخر ( 12 - 108 ) " والمصلى المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد "
26 قلت : ومن الغرائب موقف الحافظ البيهقي من هذه السنة أعني الصلاة على الجنازة في المصلى ، فإنه لم يعقد لها في كتابه الكبير " السنن الكبرى " بابا خاصا مع كثرة الاحاديث الواردة فيه كما رأيت ، مع انه عقد بابا مفردا للصلاة عليها في المسجد مع أنه ليس في الا حديث عائشة ، ثم جرى عل سننه بعض الشافعية في مختصراتهم فأغفلوا الصلاة عليها في المصلى ، كالنووي رحمه الله في " منهاج الطالبين " ( ق 34 - 2 ) فقال : " وتجوز الصلاة عليه في المسجد " ، ولو أنه أضاف إلى ذك نحو قوله " وتسن الصلاة عليها في المصلى " لأصاب ، وقد عكس ذلك الباجوري في حاشية على ابن القاسم فقال : ( 1 - 424 ) : " ويسن أن تكون الصلاة عليه بمسجد " ثم لم يذكر الصلاة عليها في المصلى والحق ما ذكرنا من السنية مع القول بجواز الصلاة عليها في المسجد لحديث عائشة وحمله على أنه لامر عارض بعيد ، لأنه لو كان كذلك لما خفي على السيدة عائشة ومن ممها من أمهات المؤمنين ، ولما طلبن إدخال الجنازة إلى المسجد دون عذر . وهذا بين إن شاء الله تعالى .
27 كتبه أبو نصر . وهو من ثقات التابعين ، وكان من عباد أهل البصرة وقرائهم مات سنة أربع وتسعين
28 قلت : وعند أبي داود زيادة أخرى لا بد من ذكرها وبيان حالها وهي : " قال أبو غالب : فسألت عن صنيع في قيامه على المرأة عند عجيزتها . فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش ، فكان يقوم الامام حيال عجيزتها يسترها من القوم " . فهذا للتعليل مردود من وجوه : الأول : أنه صادر من مجهول ، وما كان كذلك فلا قيمة له . الثاني : أنه خلاف ما فعله راوي الحديث نفسه وهو أنس رضي الله عنه ، فإنه وقف وسطها مع كونها في النعش ، ودل ذلك على بطلان ذلك التعليل . ويؤيده الوجه الاتي وهو : الثالث : أنه خلاف ما فهمه الحاضرون لصلاة أنس ، ومنهم العلاء بن زياد العدوي ، فإنه لما استفهم من أنس هذه السنة التفت إلى أصحابه وقال لهم : " احفطوا " فلو كانت معللة بتلك العلة التي تعود السنة بالابطال لما اهتم العلاء بها هذا الاهتمام البالغ - وأمر أصحابه بحفظها ، وهذا ظاهر والحمد لله . ولذك لم يلتفت جمهور العلماء إلى هذا التأويل ، فذهبوا إلى ما دل عليه الحديث من الوقوف عند رأس الرجل ، ووسط المرأة . ومنهم الامام الشافعي وأحمد وأسحاق كما في " المجموع " ( 5 / 225 ) قال الشوكاني ( 4 - 57 ) : " وهو الحق " . قلت : واختاره بعض الحنفية ، بل هو قول لأبى حنيفة نفسه كما في " الهداية " ( 1 / 462 ) وأبي يوسف أيضا كما في " شرح المعاني " ( 1 / 284 ) للامام الطحاوي ورجحه على قولهما الاخر وهو " يقوم من الرجل والمرأة بحذاء
الصدر " وهو قول الامام محمد أيضا وعليه الحنفية ، واحتج لهم في " الهداية " بقوله " لأنه موضع القلب ، وفيه نور الأيمان ، فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لايمانه " ثم ذكر قول أبي حنيفة الأول وأنه احتج بقول أنس " هو السنة " فأجاب عنه صاحب " الهداية " بقوله : " قلنا تأويله : إن جنازتها لم تكن منعوشة فحال بينها وبينهم " . قلت : قد عرفت مما سبق بطلان هذا التأويل ، ثم لو سلم لهم " فما هي حجتهم في مخالفتهم الحديث في شطره الأول وهو الوقوف حذاء رأس الرجل ، فقالوا هم : بل يقف حذاءه وليت شعري ما الذي يحملهم على الجهر بمخالفة السنة بمثل هذه التعليلات الباطلة وقولهم : " لانه موضع القلب . . ائتهم قالوا بها في قول لهم ، أفلا اخذوا به كما فعل الطحاوي رحمه الله فيكونون اصابوا السنة واخذوا بقول الائمة في آن واحد ومع هذه المخالفة الصريحة لهذه السنة وغيرها مما ياتي التشبيه عليه ينسبون من يتمهم بانهم يقدمون الرأي على السنة إلى التعصب عليهم .
29 ليس هو أبو أمامة الباهلي ، الصحابي المشهور ، بل هذا آخر معروف بكنيته أيضا واسمه أسعد وقيل سعد بن سعد بن حنيف الانصاري معدود في الصحابة ، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، فالحديث من مراسيل الصحابة ، وهي حجة .
30 هو حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري المكي ، وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم مجاهدا
مختلف في صحبته ، قال الحافظ " والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا "
31 أي حددتهم لنا عددا مخصوصا ، كما يستفاد من " النهاية " وعليه فقوله في آخر الاثر " ولا عدد " تفسير وبيان لقوله " لا وقت " .
32 قلت : فهذه آثار صحيحه عن الصحابة تدل على أن العمل بالخمس والست تكبيرات الستمر إلى ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلافا لمن ادعى الاجماع على الاربع فقط ، وقد حقق القول في بطلان هذه الدعوى ابن حزم في " المحل " ( 5 / 124 - 125 ) .
33 وهذا العدد هو أكثر ما وقفنا عليه في التكبير على الجنازة ، فيوقف عنده ولا يزاد عليه ، وله أن ينقص منه إلى الاربع وهو أقل ما ورد . قال ابن القيم في " زاد المعاد " بعد أن ذكر بعض ما أوردناه من الاثار والاخبار : " وهذه آثار صحيحة ، فلا موجب للمنع منها ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع مما زاد على الاربع ، بل فعله هو وأصحابه من بعده " . قلت : وقد استدل المانعون من الزيادة على الاربع بأمرين :
الاول : الاجماع ، وقد تقدم بيان خطأ ذلك . الثاني : ما جاء في بعض الاحاديث " كان آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعا " . والجواب : أنه حديث ضعيف ، له طرق بعضا أشد ضعفا من بعض ، فلا يصلح التمسك به لرد الثابت عنه صلى الله عليه وسلم بالاسانيد الصحيحة المستفيضة ، قال الحافظ في " التلخيص " ( 5 / 167 ) ومن قبله الحازمي في " الاعتبار " ( ص 95 ) والبيهقي في " السنن " ( 74 / 3 ) : " روى من غير وجه كلها ضعيفة " . وأما ما جاء في " المجمع " ( 3 / 35 ) : " وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فكبر تسعا تسعا ، ثم سبعا سبعا ، ثم أربعا أربعا حتى لحق بالله . رواه الطبراني في الكبير والاوسط وإسناده حسن " . فهو مردود من وجهين : الاول : أنه مخالف لقول الحافظ ابن حجر ومن قبله من الائمة الذين صرحوا بأن طرق الحديث كلها ضعيفة الثاني : أن الحديث أخرجه الطبري في " المعجم الكبير ( 3 / 120 / 2 ) وإسناده هكذا : حدثنا أحمد بن القاسم الطائي بشر بن الوليد الكندي ثنا أبو يوسف القاضي حدثني نافع بن عمر قال سمعت عطاء بن أبي رباح عن يحدث ابن عباس به . قلت : وهذا إسنداد لا يحسن مثله فإن فيه ثلاث فيه ثلاث علل :
الاولى : أبو يوسف القاضي وهو يعقوب بن إبراهيم ضعفه ابن المبارك وغيره ووصفه القلاس بأنه كثير الخطأ . الثانية : ضعف بشير بن الوليد الكندي ، فانه كان قد خوف . الثالثة : المخالفة في سنده فقد أخرجه الطبراني ( 3 / 119 / 1 ) والحازمي في الاعتبار " ( 95 ) عن جماعة قالوا عن نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس به إلى أن قال : " أهل بدر " بدل " بدل " فتلى أحده ، وهكذا أورده الهيثمي وقال : " وفيه نافع أبو هرمز وهو ضعيف " . قلت : بل هو ضعيف جدا ، كذبه ان بن معين ، وقال أبو حاتم : " متروك ، ذاهب الحديث " . قلت ، فهو آفة الحديث ، وهو الذي رواه عن عطاء ، وما وقع في الطريق الاول أنه نافع بن عمر - وهو ثقة - وهم من بعض رواته والراجح أنه الكندي الذي كان خرف كما عرفت .
34 قلت : ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الاولى ، فلا نرى مشرعية ذلك ، وهو مذهب الحنفية وغيرهم ، واختاره الشوكاني وغيره من المحققين ، وإليه ذهب ابن حزم فقال : ( 5/ 128 ) : " وأما رفع الايدي فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط ، فلا يجوز فعل ذلك ، لانه عمل في الصلاة لم يأت به نص ، وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ، ورفع ، وليس فيها رفع وخفض ، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الايدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة ، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنعه من رفع الايدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " . قلت : وما عزاه إلى أبي حنيفة روى في كتب الشراح من الحنفية ، فلا تغير بما جاء في الحاشية على " نصب الراية ( 2/285 ) من التعجب من هذا . . العزو وهو اختيار كثير من أئمة بلخ منهم كما في " المبسوط " للسرخسي ( 2 / 64 ) ، لكن العمل عند الحنفية على خلاف ذلك ، وهو الذي جزم به السرخسي ، ولكنهم يرون رفع الايدي في تكبيرات الزوائد في صلاة العيدين مع أنها لا أصل لها أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانظر " المحلى " ( 5 / 83 ) . نعم روى البهقي ( 4/44 ) بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة . فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، فله أن يرفع ، وقد ذكري السرخسي عن ابن عمر خلاف هذا ، وذلك مما لا نعرف له أصلا له أصلا في كتب الحديث .
35 فيه إشارة إلى عدم مشروعية دعاء الاستفتاح ، وهو مذهب الشافعية وغيرهم ، وقال أبو داود في المسائل " ( 153 ) . سمعت أحمد سئل عن الرجل يستفتح على الجنازة : سبحانك . . . قال : ما سمعت " .
36 قلت : وهذا الحديث وما في معناه حجة عليهم ، لا يقال : ليس فيه التصريح بنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاننا نقول : أن قول الصحابي من السنة كذا . مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أصح الاقوال حتى عند الحنفية ، بل قال النووي في ، " المجموع " ( 5 / 232 ) : " إنه المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الاصول وغيرهم من الاصوليين والمحدثين " . قلت وبهذا جزم المحقق ابن الهمام في " التحرير " ، وقال شارحه ابن أمير حاج ( 2 / 224 ) : " وهذا قول أصحابنا المتقدمين ، وبه أخذ صاحب الميزان والشافعية وجمهور المحدثين " . قلت : وعليه فمن العجائب أن لا يأخذ الحنفية بهذا الحديث مع صحته ومجيئه من غير ما وجه ، ومع صلاحيته لاثبات السنة على طريقتهم وأصولهم فقال الامام محمد في " الموطأ " ( ص 175 ) : " لا قراءة على الجنازة ، وهو قول أبي حنيفة " . ومثله في " المبسوط " للسرخسي ( 2 / 64 ) . ولما رأي بعض المتأخرين منهم بعد هذا القول عن الصواب ، ومجافاته عن الحديث ، قال بجواز قراءة الفاتحة بشرط أن ينوي بها الدعاء والثناء على الله وإنما اشترطوا ذلك توفيقا منهم - بزعمهم - بين الحديث وقول إمامهم ، فكأن قوله حديث آخر صحيح ، ينبغي قرنه مع الحديث الصحيح ثم الجمع بينهما ومع أن
أن هذا الشرط باطل في نفسه لعدم وروده ، فإنه يبطله ثبوت قراءة السورة مع الفاتحة في الحديث وهي مطلقة لا يمكن اشتراط ذلك الشرط فيها أيضا وعندهم عجيبة أخرى وهي قولهم " أن قراء سبحانك - بعد التكبيرة الاولى من سنن الصلاة على الجنازة " مع أنه لا أصل لذلك في السنة كما تقدم التنبيه على ذلك في الحاشية ( ص 119 ) ، فقد جمعوا بين إثبات مالا أصل له في السنة وإنكار مشروعية ما ورد فيها فإن قلت : قد قال المحقق ابن الهمام في " فتح القدير " ( 1 / 459 ) : " قالوا : لا يقرأ الفاتحة ، إلا أن يقرأها بنية الثناء ، ولم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فأقول : وهذا القول من مثل هذا المحقق أعجب من كل ما سبق ، فإن ثبوت القراءة عنه صلى الله عليه وسلم مما لا يخفى على مثله مع وروده في " صحيح البخاري " وغيره مما سبق بيانه ، ولذلك فإنه يغلب على الظن أنه يشير بذلك إلى أن الحديث لا ينهض دليلا على إثبات القراءة لقوله فيه " سنة " بناء على الخلاف الذي سبق أن ذكرناه ، فإن كان الامبر كما فهذه عجبية أخرى ، فإن مذهبه أو قول الصحابي سنة في حكم المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم نقله من كتابه " التحير " ، وقد جروا على ذلك في فروعهم ، فخذ مثلا على ذلك المسألة الاتية . قال في " الهداية " . " إذا حملوا الميت على السرير أخذوا بقوائمه الاربعة ، بذلك وردت السنة ، وقال الشافعي : السنة أن فقال ابن الهمام في صدد الرد على ما نسبوه إلى الشافعي :
" قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما ذهبوا إليه " . ثم ساق من طريق أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قال : " من اتبع الجنازة فليأخذ بجوانب السرير كلها فإنه من السنة " . رواه ابن ماجه ( 1 / 451 ) والبيهقي ( 194 - 20 ) ، قال ابن همام : " فوجب الحكم بأن هذا هو السنة ، وإن خلافه إن تحقق من بعض السلف فلعارض " . فانظر كيف جعل قول ابن مسعود " من السنة " في حكم المرفوع ، ولم يجعل قول ابن عباس كذلك فهل مصدر هذا التناقض السهو أم التعصب للمذهب عفانا الله منه ؟ وهذا على فرض صحة ذلك عن ابن مسعود ، فكيف وهو غير صحيح ، لانه منقطع ، أبو عبيدة لم يدرك أباه كما في " الجوهر النقي " للتركماني الحنفي ولذلك أعرضت عن إيراد هذه السنة المزعومة في كتابنا هذا ، كما أعرضنا عن مقابلها المنسوب للشافعي لعدم وروده
37 روى عن ابن مسعود صيغة قريبة من الصلاة الابراهيمية ، لكن سندها ضعيف جدا ، فلا يشتغل به ، وقد ساقها السخاوي في " القول البديع " ص ( 153 - 154 ) وابن القيم في " جلاء الافهام " ، وقال ( 255 ) : " فالمستحب أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد لان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه "
38 وهي سبع صيغ أوردتها في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " . وقد طبعه المكتب الاسلامي ، الطبعة الثالثة وفيها زيادات هامة . ثم طبع الطبعة الرابعة
39 قال السندي : أي خصوه بالدعاء ، وقال المناوي : " إي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب ، لان المقصود بهذه الصلاة إنما هو الاستغفار والشفاعة للميت ، وإنما يرجي قبولها عند توفر الاخلاص والابتهال ، ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي ، قال ابن القيم : هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء " . قلت : وفي رواية الحاكم من حديث أبي أمامة المتقدم " ويخلص الصلاة في التكبيرات الثلاث " فالصلاة هنا بمعنى الدعاء بدليل الرواية الاولى " ويخلص الدعاء " لان أصل معنى الصلاة في اللغة الدعاء ، فمن غرائب التفسير ما في " القول البديع " ( ص 152 ) " ويخلص الصلاة أي يرفع صوته في صلاته بالتكبيرات الثلاث "
40 فوائد : الاولى : قال الحافظ في " التلخيص " ( 1825 ) : " قال بعض العلماء اختلاف الاحاديث في الدعاء على الجنازة محمول على أنه كان يدعو على ميت بدعاء ، وعلى آخر بغيره ، والذي أمر به أصل الدعاء " . الثانية : قال الشوكاني في " نيل الاوطار " ( 55 4 ) : " إذا كان المصلي عليه طفلا استحب أن يقول المصلي : اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا ، روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة ، وروى مثله سفيان في " الجامعة " عن الحسن " .
قلت : حديث أبي هريرة عند البيهقي إسناده حسن ، ولا بأس في العمل به في مثل هذا الموضع ، وإن كان موقوفا ، إذا لم يتخذ سنه ، بحيث يؤدي ذلك الى الظن إنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي أختاره أن يدعو في الصلاة على الطفل بالنوع ( الثاني ) لقوله فيه : " وصغيرنا . . . اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . وقد ذهب الامام أحمد إلى استحباب الدعاء في هذا الموطن ، كما رواه أبو داود في " المسائل " ( 153 ) عنه ، وهو مذهب الشافعية ، واستدل لهم النووي في " المجموع " ( 5/ 239 ) بحديث الهجري المذكور أعلاه ، ، والاستدلال بما قبله أقوى ، وهو حجة على الحنفية حيث قالوا : " ثم يكبر الرابعة ويسلم من غير ذكر بينهما " . الثالثة : وذهبت الشافعية أيضا الى وجوب مطلق الدعاء ، للميت لحديث أبي هريرة المتقدم : " . . فأخلصوا له الدعاء " . وهذا حق ، ولكنهم خصوه بالتكبيرة الثالثة واعترف النووي بانه مجرد دعوى فقال ( 5 / 236 ) : " ومحل هذا الدعا التكبيرة الثالثة ، وهو واجب فيها ، لا يجزي في غيرها بلا خلاف ، وليس لتخصيصه بها دليل واضح ، واتفقوا على أنه لا يتعين لها دعاء " . قلت : لكن إيثار ما تقدم من أدعيته صلى الله عليه وسلم على ما استحسنه بعض الناس ، مما لا ينبغي أن يتردد فيه مسلم ، فان خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم . ولذلك قال الشوكاني ( 4 / 55 ) : " واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعيه غير المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى " . قلت : بل اعتقد أنه واجب على من كان على علم بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ، فالعدول عنه حينئذ يخشي أن يحق فيه قول الله تبارك وتعالى : ( أتستبد لون الذي هو ادني بالذي هو خير )
41 ومن المبالغات قول ابن المبارك : " من سلم على الجنازة بتسليمتين فهو جاهل جاهل . رواه أبو داود في " المسائل " ( 154 ) بسند صحيح عنه
42 قلت : وكأنه لاختلاف هذين الاثرين اختلفت اقوال الحنابلة في هذه المسألة ، فجاء في الانصاف ( 5 / 523 ) : " قال في " الفروع " : ظاهر كلام الاصحاب أن الامام يجهر بالتسليم ، وظاهر كلام ابن الجوزي أنه يسر " . ثم نقل عن " المذهب " و" مسبوك الذهب " ما يشهد لكلام ابن الجوزي . وهو الارجح لحديث أبي أمامة
43 الحديث بعمومه يشمل الصلاة على الجنازة ، وهو الذي فهمه الصحابة فروي مالك في " الموطأ " ( 1 / 228 ) ومن طريقه البيهقي عن محمد بن أبي حرملة أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة ، فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح ، فوضعت بالبقيع قال : وكان طارق يغلس بالصبح ، قال ابن أبي حرملة : فسمعت عبد الله بن عمر يقول لاهلا إما أن تصلوا على جنازتكم الان ، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس ، وسنده صحح على شرط الشيخين . ثم روى مالك عن ابن عمر قال : يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما . وسنده صحيح أيضا . وروى البيهقي بسند جيد عن ابن جريج أخبرني زياد أن عليا أخبره أن جنازة وضعت في مقبرة أهل البصرة حين اصفرت الشمس ، فلم يصل عليها حتى غربت الشمس : فأمر أبو برزة المنادي ينادي بالصلاة ثم أقامها ، فتقدم أبو برزة فصلى بهم المغرب ، وفي الناس أنس بن مالك ، وأبو برزه من الانصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صلوا على الجنازة . قال الخطابي في " المعالم " ( 4/327 ) ما ملخصه : واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث ، فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة عليها في هذه الاوقات ، وهو قول عطاء والنخعي والاوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق ، والشافعي يرى الصلاة والدفن أي ساعة من ليل أو نهار ، وقول الجماعة أولى لموافقته الحديث " . قلت : ومنه تعلم أن دعوى النووي جواز هذه الصلاة بالاجماع . وهم منه رحمه الله
www.alalbani.info
تابع : الصلاة على الجنازة
السابع : من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه ، صلاة الحاضر ، فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب ، لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي وقد رواها جماعة من أصحابه يزيد بعضهم على بعض ، وقد جمعت أحاديثهم فيها ، ثم سقتها في سياق واحد تقريبا للفائدة . والسياق لحديث أبي هريرة : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم نعى للناس [ وهو بالمدينة ] النجاشي [ أصحمه ] [ صاحب الحبشة ] في اليوم الذي مات فيه : [ قال : إن أخا قد مات ( وفي رواية : مات اليوم عبد لله صالح ) [ بغير أرضكم ] [ فقوموا فصلوا عليه ] ، [ قالوا : من هو ؟ قال النجاشي ] [ وقال : استغفروا لأخيكم ] ، قال : فخرج بهم إلى المصلى ( وفي رواية : البقيع ) [ ثم تقدم فصفوا خلفه ] [ صفين ] ، [ قال : فصففنا خلفه كما يصف على الميت وصلينا عليه كما يصلى على الميت ] [ وما تحسب الجنازة إلا موضوعة بين يديه ] [ قال : فأمنا وصلى عليه ] ، وكبر ( عليه ) أربع تكبيرات " . أخرجه البخاري ( 3/90 ، 145 ، 155 ، 157 ) ومسلم ( 3/54 ) واللفظ له وأبو داود ( 2/68 ، 69 ) والنسائي ( 1/265 ، 280 ) وابن ماجه ( 1/467 ) والبيهقي ( 4/49 ) والطيالسي ( 2300 ) وأحمد ( 2/241 ، 280 ، 289 ، 348 ، 438 ، 439 ، 479 ، 529 ) من طرق عن أبي هريرة . والزيادة الأولى للنسائي وأحمد ، والثانية للبخاري والثالثة لابن ماجة ، والسابعة للشيخين والنسائي وأحمد ، والعاشرة ، الشطر الثاني منها لأحمد وهي عنده بتمامها عن غير أبي هريرة كا يأتي ، والزيادة الأخيرة لمسلم . وروى منه الترمذي ( 2/140 ) وصححه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على النجاشي فكبر أربعا وهو رواية للطيالسي ( 2296 ) .
1 . ثم أخرجه البخاري ( 3 / 145 ، 146 ) ومسلم والنسائي والبيهقي والطيالسي في ( 1681 ) وأحمد ( 3 / 295 ، 319 ، 355 ، 361 ، 363 ، 369 ، 400 ) من طرق حديث جابر رضي الله عنه . والزيادة الثانية والثالثة والرابعة للشيخين وأحمد ، وله الخامسة والسادسة ، ولمسلم والنسائي التاسعة ، وللنسائي الجملة الأولى من الزيادة العاشرة . والزيادة الثانية عشر لمسلم وأحمد .
2 . ثم أخرجه مسلم والنسائي والترمذي ( 2/149 ) وصححه ابن ماجه وابن حبان والبيهقي والطيالسي ( 749 ) وأحمد ( 4/433,431 ، 439 ، 441 ، 446 ) عن عمران وفيه الزيادة الرابعة عندهم جميعا ، والعاشرة عند الطيالسي والنسافي والترمذي وأحمد ، وعنده التي بعدها وكذا ابن حبان .
3 . ثم أخرجه ابن ماجه والطيالسي ( 1068 ) وأحمد ( 4/7 ) عن حذيفة بن أسير وفيه عندهم الزيادة الرابعة والخامسة . وكذا عندهم السادسة : إلا الطيالسي .
4 . ثم رواه ابن ماجه وأحمد ( 4/64 - 5/376 ) عن مجمع بن حارثة الانصاري وقال البوصيري في " الزوائد " . " إسناده صحيع " ، ورواه ثقات " . وفيه الزيادة الرابعة " وعن ابن ماجه التاسعة .
5 . ثم رواه الترمذي وابن ماجه عن عبد الله . بن عمر مثل حديث أبو هريرة المختصر عند الترمذي . وإسناده صحيح أيضا
6 . ثم أخرجه أحمد ( 4/264 - 263 ) عن جرير بن عبد الله مرفوعا بلفظ " إن أخاكم النجاشي قد مات فاستغفروا له1 . وإسناده حسن . وأعلم أن هذا الذي ذكرناه من الصلاة على الغائب " هو الذي لا يتحمل الحديث غيره ، ولهذا سبقنا إلى اختيارة ثلة من محققي المذاهب ، وإليك خلاصة من كلام ابن القيم رحمة الله في هذا الصدد ، قال في " زاد المعاد " ( 1/205 ، 206 ) :
" ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسنته الصلاة على كل ميت غائب ، فقد مات خلق كثير من المسلمين وهو غيب ، فلم يصل عليهم ، وصح عنه أنه صلى على النجاشي صلاته على الميت ، فاختلف في ذلك على ثلاثة طرق :
1 . أن هذا تشريع وسنة للأمة الصلاة على كل غائب وهذا قول الشافعي وأحمد
2 . وقال ، أبو حنيفة ومالك : هذا خاص به ، وليس ذلك لغيره .
3 . وقال شيخ الاسلام ابن تيمية :
الصواب أن الغائب إن مات ببلد لم يصل عليه فيه ، صلي عليه صلاة الغائب كما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي لأنه مات ببن الكفار ، ولم يصل عليه وإن صلي عليه حيث مات لم صل عليه صلاة الغائب ، لان الفرض سقط بصلاة المسلمين عليه ، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى على الغائب وتركه كما وفعله وتركه سنة . وهذا له موضع والله أعلم . والأقوال ثلاثة في مذهب أحمد ، وأصححها هذا التفصيل قلت : واختار هذا بنص المحققين من الشافعية فقال الخطابي في " معالم السنن " ما نصه : قلت : النشجاشي رجل مسلم قد آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقه على نبوته . " إلا أنه كان يكتم إيمانه والمسلم إذا مات وجباء المسلم إذا مات وجب على المسلمين أن يصلوا عليه : إلا أنه كان بين ظهراني أهل ، الكفر ، ولم يكن بحضرته من يقوم بحقه في الصلاة عليه ، فلزم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك ، إذ هو نبيه ووليه وأحق الناس به . فهذا - والله أعلم - هو السبب الذي دعاه إلى الصلاة عليه بظاهر الغيب .
فعلى هذا إذا مات المسلم ببلد من البلدان ، وقد قضى حقه في الصلاة عليه ، فانه لا يصلي عليه من كان في بلد آخر غائبا عنه ، فإن علم أنه لم يصل عليه لعائق أو مانع عذر كأن السنة أن يصلى عليه ولا يترك ذلك لبعد المسافة .
فأذا ، صولوا عليه أستقبلوا القبلة ، ولم يتوجهوا إلى بلد الميت إن كان في غير جهة القبلة . وقد ذهب بعض العلماء العلماء الى كراهة الميت الغائب ، وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مخصوصا بهذا الفعل ، إذ كان في حكم المشاهسد للنجاشي . لما روي : في بعض الأخبار " أنه " قد سويت له أعلام الأرض ، حتى كان يبصر مكانه " 2 وهذا تأويل فاسد لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فعل شيئا من أفعال الشريعة ، كان علينا . متابعته والايتساء به ، والتخصيص لا يعلم في ألا بدليل . ومما يبين ذلك أنه صلى الله عليه وسلم خرج بالناس إلى المصلى فصف بهم ، فصلوا معه ، فعلم أن هذا التأويل فاسد ، والله أعلم .
وقد استحسن الروياني - هو شافعي أيضا ما ذهب إليه الخطابي " وهو مذهب أبي داود أيضا فإنه ترجم للحديث في " سننه " بقوله " باب في الصلاة على المسلم بموت في بلاد الشرك " : واختار ذلك من المتأخرين العلامة المحقق الشيخ صالح المقبلي كما في " نيل الأوطار " ( 4/ 43 ) واستدل لذلك بالزيادة الني وقعت ني بعض ظرق الحديث : " إن أخاكم قد مات بغير أرضكم ، فقوما فصلوا عليه " وسندها على شرط الشيخين .
ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب . ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم . فقابل هذا . بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لاسيما إذا كان له ذكر وصيت ، ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للاسلام " ولو كان مات في الحرم المكى وصلى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر ، قابل ما ذكرنا بمثل هذه الصلاة تعلم يقينا أنها من البدع التي لا يمتري فيها عالم بسننه صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي في الله عنهم .
60 - وتحرم الصلاة والاستغفار والترحم على الكفار والمنافقين3لقول الله تبارك وتعالى{ ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون } . [ سورة التوبة : 84 ] .
وسبب نزول الآية ماروى عبد الله بن عمر وأبوه والسياق له قال : " لما مات عبد الله بن أبي سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلى عليه ، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه [ حتى قمت في صدره ] ، [ فأخذت بثوبه ] فقلت : يارسول الله أتصلي على [ عدو الله ] ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا وكذا ؟ أعدد عليه قوله4 [ أليسم - قد نهاك الله أن تصلي على المنافقين فقال : ] استغفر الله لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) ] فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال : إني خيرت فاخترت . [ قد قيل لي : ( استغفر لهم أو لا تستغفر لهم . إن تستغنر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ) لو أعلم أني إن زدت على السبعين غفر له لزدت عليها ، [ قال : إنه منافق ] 5 قال : فصلى عليه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم6 [ وصلينا معه ] . [ ومشى صلى الله عليه وسلم معه فقام على قبره حتى فرغ منه ] ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة : { ولا تصل على أحد منهم مات أبدا . . . }إلى{ وهم فاسقون} ، [ قال : ( فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله ) ، قال - : فعجبت بعد من من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ] والله ورسوله أعلم . أخرجه البخاري ( 3 / 177 - 8 / 270 ) والنسائي ( 1 / 279 ) والترمذي ( 3 / 117 ، 118 ) وأحمد ( رقم 95 ) عن عمر والزيادة الأولى والثالثة والخامسة والاثمنة والاتسعة لأحمد والترمذي وصححه والزيادات الأخرى للبخاري إلا السادسة فهي لمسلم " وللبخاري من حديث ابن عمر والزيادة الثانية للطبري كما في " الفتح " .
ثم أخرجه البخاري ( 8/286ج 270 - 10/218 ) ومسلم ( 7/116 - 8/120 ، 121 ) والنسائي ( 1/269 ) والترمذي ( 3/118 ، 119 ) وابن ماجه ( 1/464 ، 465 ) والبيهقي ( 3/402 ) ، - أحمد ( 4680 ) من حديث ابن عمر وفيه من الزيادة الثانية والسادسة .
وعن المسيب بن حرن رضي الله عنه قال : " لما حضرت أبا طالب الوفاة " جاءه رسول الله فوجد عنده أبا جهل ، وعبد الله ابن أبي أمية ، والمغيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا عم إنك أعظم الناس علي حقا ، وأحسنهم عندي يدا . ولأنت أعظم علي حقا من والدي ، فـ [ لاإله إلا الله ، كلمة أشهد لك بها عند الله ، فقال أبو جهل وعبد الله بن أمية : يا أبا طالب . أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعيد [ ان ] 7 له تلك المقالة ، حتى قال أبو طالب آخر ماكلهم : هو على ملة عبد المطلب وأبي أن يقول : لا إله إلا الله [ قال : لولا أن تعيرني قريش - يقولون : إن ما حمله على ذلك الجزع - لأقررت بها عينك ( فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ( فأخذ المسلمون يستغفرون لموتاهم الذين ماتوا وهم مشركون ، فأنزل الله عز وجل : { ماكان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم } ، وأنزل الله في أبي طالب " فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ، وهو أعلم بالمهتدين } أخرجه البخاري ( 3/173 - 7/154 - 8/274 ، 410 ، 411 ) ومسلم والنسائي ( 1/ 286 ) وأحمد ( 5/ 433 ) وابن جرير في تفسيره ( 11/ 27 ) والسياق له وكذا مسلم ، والزيادة الثانية له في بعض الأصول كما ذكره الحافظ عن القرطبي ويشهد لها رواية البخاري وغيره بمعناها .
ووردت القصة من حديث أبي هريرة باختصار عند مسلم والترمذي ( 4 / 159 ) وحسنه ، وعندهما الزيادة الثالثة ، والحاكم ( 2 / 335 و336 ) وصححه ووافقه الذي ، وله الزيادة الأولى ، وهي عند ابن جرير أيضا من حديث سعيد بن المسيب مرسلا ، ولكنه في حكم الموصول . لأنه هو الذي روى الحديث عن المسيب ابن حزن وهو والده .
ووردت أيضا من حديث جابر .
أخرجه الحاكم أيضا وصححه ووافقه الذهبي . وفيه الزيادة الرابعة وهي عند ابن جرير مرسلا عن مجاهد وعن عمرو بن دينار .
وعن علي رضى الله عنه قال :
" سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان ، فقلت : تستغتر لأبوبك وهما مشركان ؟ تج فقال : [ أليس قد استغفر إبراهيم وهو مشرك ؟ قال : فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم ؟ فنزلت : { ماكان للة والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولى قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم8 لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه " فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه " إن إبراهيم لأواه حليم } أخرجه النسائي ( 11/28 ) والترمذي ( 4/120 ) وحسنه ابن جرير ( 11/28 ) ، والحاكم ( 2/335 ) وأحمد ( 771 ، 1085 ) والسياق له وإسناده حسن " وقال الحاكم " صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي9 .
قال النووي رحمه الله تعالى في " المجموع " ( 5/144 ، 258 ) :
" الصلاة على الكافر ، والدعاء له بالمغفرة حرام ، بنص القرآن والاجماع " 10 .
61 - وتجب الجماعة في صلاة الجنارة كما يجب في الصلوات المكتوبة ، بدليل في :
الأول : مداومة النبي صلى الله عليه وسلم عليها .
الاخر : قوله صلى الله عليه وسلم : " صلوا كما رأيتموتي أصلي " . أخرجه البخاري .
ولا يعكر على ما ذكرنا صلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم فرادى لم يؤمهم أحد ، لأنها قضية خاصة ، لا يدرى وجهها ، فلا يجوز من أجلها أن نترك ما واضب عليه صلى الله عليه وسلم طيلة حياته المباركة ، لا سيما والقضية المذكورة لم ترد بإسناد صحيح تقوم به الحجة ، وإن كانت رويت من طرق يقوي بعضها11فإن أمكن الجمع بينها وبين ما ذكرنا من هديه صلى الله عليه وسلم في التجميع في الجنازة فبها ، وإلا فهديه هو المقدم " لأنه أثبت وأهدى .
فإن صلوا عليها فرادى سقط الفرض ، وأثموا بترك الجماعة ، والله أعلم12
62 - وأقل ما ورد في انعقاد الجماعة فيها ثلاثة ، ففي حديث عبد الله بن أبي طلحة : " أن طلحة دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عمير بن أبي طلحة حين توفي فأتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليه في منزلهم ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان أبو طلحة وراء وأم سليم وراء أبي طلحة ، ولم يكن معهم غيرهم " . أخرجه الحاكم ( 1/365 ) وعنه البيهقي ( 4/30 : 31 ) وقال الحاكم : " هذا صحيح على شرط الشيخين ، وسنة غريبة في إباحة صلاة النساء على الجنائز " ووافقه الذهبي .
وأقول : إنما هو على شرط مسلم وحده لأن فيه عمارة بن غزية . ولم يخرج له البخاري إلا تعليقا . والحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 3/34 ) : ، " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله رجال الصحيح " . وله شاهد من حديث أنس بمعناه . أخرجه الامام أحمد ( 2/ 217 ) .
63 - وكلما كثر الجمع كان أفضل للميت وأنفع لقوله صلى الله عليه وسلم : " مامن ميت تصلي عليه أمة من المسلمين في يبلغون مائة كلهم يشفعون له ، إلا شفعوا فيه " . وفي حديث آخر : " غفر له " . أخرجه مسلم ( 3/53 ) والنسائي ( 1/281 ، 282 ) والترمذي وصححه ( 2/143 ، 144 ) والبيهقي ( 4/30 ) والطيالسي ( 1526 ) وأحمد ( 6/32 ، 40 ، 97 ، 231 ) من حديث عائشة باللفظ الأول .
ومسلم والنسائي والبيهقي وأحمد ( 3/266 ) من حديث أنس ، وابن ماجه ( 1/453 ) من حديث أبي هريرة باللفظ الآخر ، وإسناده صحيح على شرط الشيخين .
وقد يغفر للميت ولو كان العدد أقل من مائة إذا كانوا مسلمين لم يخالط توحيدهم شئ من الشرك لقوله : " مامن رجل مسلم يموت ، فيقوم على جنازته أربعون رجلا ، لا يشركون بالله شيئا إلا شفعهم الله فيه " . أخرجه مسلم وأبو داود ( 2/64 ) وابن ماجه والبيهقي وأحمد ( 2509 ) من حديث ابن عباس . ورواه النسائي وأحمد ( 6/331 ، 334 ) من حديث ميمونة زوج النبي مختصرا وسنده حسن .
64 - ويستحب أن يصفوا وراء الامام ثلاثة صفوف13فصاعدا لحديثين رويا في ذلك :
الأول : عن أبي أمامة قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على جنازة ومعه سبعة نفر فجعل ثلاثة صفا ، واثنين صفا واثنين صفا " . رواه الطبراني في " الكبير " ، قال الهيثمي في " المجمع " ( 3/432 ) " وفيه ابن لهيعة " وفيه كلام " . قلت : وذلك من قبل حفظه لاتهمة له في نفسه ، فحديثه في الشواهد لا بأس به ، ولذلك أوردته مستشهدا به على الحديث الاتي ، وهو :
الثاني : عن مالك بن هبيرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " مامن مسلم يموت فيصلي عليه ثلاثة صفوف من المسامير إلا أوجب ( وفي لفظ : إلا غفر له ) " . قال : ( يعني مرثد بن عبد الله اليزني ) : " فكان مالك إذا استتارره ، أهل الجنازة جزأهم ثلاثة صفوف للحديث " . أخرجه أبو داود ( 2/63 ) والسياق له " والترمذي ( 2/143 ) وابن ماجه ( 1/454 ) والحاكم ( 1/ 362 ، 363 ) والبيهقي ( 4/30 ) وأحمد ( 4/79 ) واللفظ الاخر له وكذا في رواية للبيهقي والحاكم وقال : " صحيح على شرط مسلم " ووافقه الذهبي وقال الترمذي وتبعه النووي في " المجموع " ( 5/212 ) : " حديث حسن " وأقره إلحافظ في " الفتح " ( 3/145 ) ، وفيه عندهم جميعا محمد بن اسحاق وهو حسن الحديث إذا صرح بالتحديث ولكنه هنا قد عنعن . فلا أدري وجه تحسينهم للحديث فكيف التصحيح ؟
*********************
1 قلت : في هذه الأحاديث دليل من وجوه لاتخفى على أن النجاشي أصحمة كان مسلما ، ويؤيد ذلك أنه جاء النص الصريح عنه بتصديقه بنبوته صلى الله عليه وسلم ، فقال إبو موسى الأشعري رضي الله عنه : " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننطلق إلى أرض النجاشي - فذكر القصة وفيها - وقال النجاشي : أشهد أنه رسول الله ، وأنه الذي بشر به عيسى بن مريم ، ولولا ما أنا فيه من الملك لأتيته حتى أحمل نعليه " . أخرجه أبو داود والبيهقي باسناد صحيح كما قال البيهقي فيما نقله العراقي في " تخريج الأحياء " ( 2 / 200 ) وله " شاهد من حديث أبن مسعود . أخرجه الطيالسي ( 346 ) ، وله شواهد أخرى في مسند أحمد ( 5 / 290 و292 )
2 وذكر النووي في " المجموع " ( 5 / 253 ) أن هذا الخبر من الخيالات ثم ذكر حديث العلاء بن زيدل في طي الأرض للنبي صلى الله عليه وسلم ، حتى ذهب فصلى على معاوية في تبوك وقال أنه حديث ضعيف ضعفة الحافظ منهم البخاري والبيهقي .
3 هم الذين يبطنون الكفر ويظهرون الاسلام ، وإنما يتبين كفرهم . بما يترشح من كلامتهم من الغمز في بعض أحكام الشريعة وأشتهجانها ، وزعمهم أنها مخالفة للعقل والذوق وقد أشار إلى هذه الحقيقة ربنا تبارك في قوله : ( أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم . ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول ، والله يعلم أعمالكم ) ، وأمثال هؤلاء المنافقين كثير في عصرنا الحاضر ، والله المستعان .
4 يشير بذلك إلى مثل قوله : ( ولا تنفقوا على من عند رسول لى الله حتى ينفضوا ) وقوله ( ليخرجن الاعز منها الاذل ) .
5 قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في " فتح الباري " ( 8/ 270 ) : " إنما جزم عمر أنه منافق جريا على ما يطلع من أحواله ، وإنما لم يأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : وصلي بقوله : وصلي عليه إجراء له علي ظاهر حكم الاسلام ، واصتصحابا لظاهر الحكم ، ولما فيه من إكرام ولده الذي تحققت صلاحيته ومصلحة الأستئلاف لقومه ودفع المفسدة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول الأمر يصبر على أذى المشركين ويعفو ويصفح ، ثم أمر بقتال لمشركين ، فاستمر صفحه وعفوه عمن يظهر الاسلام ولو كان باطنه على خلاف ذلك لمصلحة الاستئلاف وعدم التنفير عنه ، ولذلك قال : " لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " ، فلما حصل الفتح ، ودخل المشركون في الاسلام ، وقل أهل الكفر وذلوا ، أمر بمجاهرة المنافقين وحملهم على حكم مر الحق ، ولاسيما وقد كان ذلك قبل نزول النهي الصريح عن الصلاة على المنافقين وغير ذلك مما أمر فيه . بمجاهرتهم وبهذا التقرير يندفع الاشكال عما وقع في هذه القصة بحمد الله تعالى " .
6 قلت : وإنما . صلى عليه بمدما أدخل في حفرته وأخرج منها بأمره صلى الله عليه وسلم ، وألبسه قميصه كما سيأتي في المسألة ( 94 ) .
7 أي أبو جهل وابن أبى أمية .
8 قلت : وهذا الاستغفار إنما هو ما حكاه الله تعالى في أواخر سورة أبراهيم عنه : ( ربما أغفر ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ) ، وقد ذكر المفسررن أن هذا الدعاء منه بعد وفاة أبيه وبعد هجرته إلى مكة كي يشهد بذلك سياق الآيات التي وردت في اخرها الأية المذكورة ، وعلى ذلك فيبني أن يكون التبين المذكور في آية الاستغفار إنما كان بعد وفاة أبيه أيضا وكان ذلك بإعلام الله تعالى إياه وقد . أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح كما قال السيوطي في " الفتاوى " ( 2 / 419 ) عن ابن عباس قال : ما زال أبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو الله فلم يستغفر له " .
9 في هذا الحديث أن سبب نزول الأية غير السبب المذكور في الحديث الذي قبله ، ولا تعارض بينهما لجواز تعدد سبب النزول كما وقع ذلك في غير آية ، وقد أيد هذا الحافظ في " الفتح " ( 8 / 412 ) .
10 قلت : ومن ذلك تعلم خطأ بعض المسلمين اليوم من الترحم والترضي على بعض الكفار ويكثر ذلك من بعض أصحاب الجرائد والمجلات ، ولقد سمعت أحد رؤساء العرب المعروفين بالتدين يترحم على ( ستالين ) الشيوعي الذي هو ومذهبه من أشد والد الاعداء على الدين وذك في كلمة ألقاها الرئيس المشار إليه بمناسبة وفاة المذكور ، أذيعت بالراديو ولا عجب من هذا هذا فقد يخفى على مثل هذا الحكم ، ولكن العحب من بعض الدعاة الاسلامين أن في مثل ذلك حيث قال في رسالة له : " رحم الله برناردشو . . . " . وأخبرني بعض الثقات عن أحد المشايخ أنه كان يصلي على من مات من الاسماعيلية مع اعتقاده أنهم غير مسلمين . لأنهم لا يرون الصلاة ولا الحج ويبدون البشر ومع ذلك يصلي عليم نفاقا ومداهنة لهم . فإلى الله المشتكي وهو المستعان .
11 أخرح البيهقي في سننه ( 4 / 30 ) منها حديثين ، وأحدهما عن أبن ماجه ( 1 / 498 ، 500 ) ، وروى أحمد ( 5 / 81 ) حديثا ثالثا وسكت عليه الحافظ في " التلخيص " ( 5 / 187 ) ، ورجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عسيم ، قال البغوي : " لا أدري له صحبة أم لا " ، وفي الباب أحاديث إخرى ، أخرجها الحاظ في الباب المذكور ثم قال : " قال ابن دحية : الصحيح أن المسلمين صلوا عليه أفرادا ، لا يؤمهم أحد ، وبه جزم الشافعي ، قال : وذلك لعظم رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأبي هو وأمي - وتنافسهم في أن لا يتولى الامامة في الصلاة عليه واحد والله أعلم .
12 وقال النووي في " المجموع " ( 5/ 314 ) : " تجوز صلاة الجنازة فرادى بلا خلاف والسنة أن تصل جماعة للأحاديث المشهورة في الصحيح في ذلك مع إجماع المسلمين "
13 قال الشوكاني ( 4 - 47 ) : " وأقل ما يسمى صفا رجلان ، ولاحد لأكثره "
www.alalbani.info
تابع : الصلاة على الجنازة
65 - وإذا لم يوجد مع الامام غير رجل واحد ، فإنه لا يقف حذاءه كما هو النسة في سائر الصلوات بل يقف خلف الامام ، للحديث المتقدم في المسأله ( 33 ) ، وفيه : " فتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو طلحة وراءه وأم سليم وراء أبي طلحة ولم يكن معهم غيرهم " .
66 - والوالي أو نائبة احق بالامامة فيها من الولي لحديث أبي حازم قال : " إني الشاهد يوم مات الحسن بن علي . فرأيت الحسين بن علي يقول إني لسعيد بن العاص - يطعن في عنقه ويقول : - تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك " ( وسعيد أمير على المدينة يومئذ ) 1 وكان بينهم شئ " . أخرجه الحاكم ( 3/171 ) والبيهقي ( 4/28 ) وزاد في آخره : " فقال أبو هريرة أتنفسون على ابن نبيكم بتربة تدفنونه فيها وقد سمعت رسول الله يقول : من أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني ، . وأخرجه أحمد أيضا ( 2/ 531 ) بهذه الزيادة ، ولكنه لم يسق قصة تقديم سعيد للصلاة ، وإنما أشار إليها بقوله : " فذكر القصة " . ثم قال الحاكم : " صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي .
والحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 3/31 ) بتمامه مع الزيادة ثم قال : " رواه الطبراني في ( الكبير ) والبزار ورجاله موثقون " .
وعزاه الحافظ في " التلخيص " ( 5/275 ) إليهما مقرونا مع البيهقي وقال ؟ " فيه سالم بن أبي حفصة ضعيف ، لكن رواه النسائي وابي ماجه من وجه آخر عن أبي حازم بنحوه ، وقال ابن المنذر في " الأوسط " . ليس في الباب أعلى منه ، لأن جنازة الحسن حضرها جماعة كثيرة من الصحابة وغيرهم " . قلت : هذا كلام الحافظ وفي بعضه نظر ثراه في الحاشية . 2
67 - فإن لم يحضر الوالي أو نائبه ، فالأحوط بالامامة أقررهم لكتاب الله ، ثم على الترتيب الذي ورد ذكره في قوله صلى الله عليه وسلم : " يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله " فإن كانوا في القراءة سواء ، فأعلمهم بالسنة : فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم سلما فإن كانوا في الهجرة سواء سواء فأقدمهم سلما لا يؤمن الرجل في سلطانه ، ولا يقعد في بيته على تكرمته إلا بإذنه " . أخرجه مسلم ( 2/133 ) وغيره من أصحاب السنن والمسانيد من حديث أبي مسعود البدري الانصاري ، وقد خرجه في " صحيح أبي داود " ( رقم 594 ، 598 ) .
ويؤمهم الأقرأ ولو كان غلاما لم يبلغ الحلم لحديث عمرو بن سلمة : " أنهم ( يعني قومه ) وفدوا على النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما أرادوا أن ينصرفوا قالوا : يارسول الله من يؤمنا ؟ قال : أكثركم جمعا للقرآن أو أخذا للقرآن ، فلم يكن أحد من القوم جمع ما جمعت ، فقدموني وأنا غلام ، وعلى شملة لي . قال : فما شهدت مجمعا من جرم إلا كنت إمامهم ، وكنت أصلي على جنائزهم إلى يومنا هذا " . أخرجه أبو داود والبيهقي بإسناد صحيح ، وأصله في البخاري ولكن ليس فيه موضع الشاهد ، وهو رواية لأبي داود ، وقد خرجته في " صحيح أبي داود " رقم ( 599و602 )
68 - إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء ، صلي عليها صلاة واحدة ، وجعلت الذكور - ولو كانوا صغارا - مما يلي الامام ، وجنائز الاناث مما يلي القبلة ، وفي ذلك أحاديث :
الأول : عن نافع عن ابن عمر : " أنه صلى3 على تسع جنائز جميعا ، فجعل الرجال يلون الامام والنساء يلين القبلة ، فصفهن صفا واحدا ووضعت جنازة أم كلثوم بنت علي امرأة عمر بن الخطاب وابن لها يقال له : زيد ، وضعا جميعا ، والامام يومئذ سعيد بن العاص ، وفي : الناس ابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد وأبو قتادة ، فوضع الغلام مما يلي الامام " فقال رجل : فأنكرت ذلك ، فنظرت إلى ابن عباس وأبي هريرة وأبي سعيد وأبي قتادة ، فقلت : ماهذا قالوا : هي السنة " . أخرجه النسائي ( 1/280 ) وابن الجارود في " المنتقى " ( 267 ، 268 ) والدارقطني ( 194 ) والبيهقي ( 4/33 ) .
قل : وإسناد النسائي وابن الجارود صحيح على شرط الشيخين ، واقتصر الحافظ في " التلخيص " ( 5/276 ) عاى عزوه لابن الجارود وحده وقال : ( وإسناده صحيح ) . وأما النووي فقال ( 5 / 224 ) : " رواه البيهقي بإسناد حسن "
الثاني : عن عمار مولى الحارث بن نوفل " أنه شهد جنازة أم كلثوم وابنها ، فجعل الغلام مما يلى الامام [ ووضعت المرأة وراءه ، فصلى عليها ] ، فانكرت ذلك ، وفي القوم ابن عباس وأبو سعيد الخدري وأبو قتادة وأبو هريرة ، [ فسألتهم عن ذلك ] ، فقالوا ، هذه السنة " . أخرجه أبو داود ( 2/66 ) والسياق له ، ومن طريقه البيهقي ( 4/33 ) والنسائي ( 1/280 ) والزيادتان له وإسناده صحيح على شرط مسلم ، وقال النووي ( 5/224 ) : " وإسناده صحيح ، وعمار هذا تابعي مولى لبني هاشم ، واتفقوا على توثيقه " . وقال البيهقي :
" ورواه حماد بن سلمة عن عمار بن أبي عمار دون كيفية الوضع بنحوه ، وذكر أن الامام كان ابن عمر . قال : وكان في القوم الحسن والحسين وأبو هريرة ، ونحو من ثمانين من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم . ورواه الشعبي فذكر كيفية الوضع بنحوه ، وذكر أن الامام كان ابن عمر ، ولم يذكر السؤال ، قال : وخلفه ابن الحنفية والحسين وابن عباس ، وفي رواية : عبد الله بن جعفر )
69 - ويجوز أن يصلى على كل واحدة من الجنائز صلاة ، لأنه الأصل ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك في شهداء أحد ، وفي ذلك حديثان :
الأول : عن عبد الله بن الزبير ، وتقدم في المسألة ( 59 ) ، الحديث ( 2 ) ص 82
الثاني : عن ابن عباس قال : " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة . أمر به فهيئ إلى القبلة ، ثم كبر عليه تسعا ، ثم جمع إليه الشهداء ، كلما أتي بشهيد وضع إلى حمزة ، فصلى عليه ، وعلى الشهداء معه حتى صلى عليه ، وعلى الشهداء اثنين وسبعين صلاة " أخرجه الطبراني في معجمه الكببر ( 3/107 ، 108 ) من طريق محمد بن اسحاق حدثني . محمد بن كعب القرظي والحكم بن عتيبة عن مقسم ومجاهد عنه
قلت : وهذا سند جيد ، رجاله كلهم ثقات ، . وقد صرح فيه محمد بن اسحاق بالتحديث ، فزالت شبهة تدليسه . ويبدو أن الامام السهيلي والحافظ ابن حجر لم يقفا على هذا الاسناد ، فقد قال الحافظ في " التلخيص " ( 5/153 ، 154 ) :
" وفي الباب أيضا حديث ابن عباس ، رواه ابن اسحاق قال : حدثني من لا أتهم عن مقسم مولى ابن عباس عن ابن عباس . . ( قلت : فذكر الحديث نحوه إلا أنه قال : " سبعا " بدل " تسعا " ، ثم قال : ) قال السهيلي : إن كان الذي أبهمه ابن اسحاق هو الحسن بن عمارة ، فهو ضعيف ، وإلا فمجهول لاحجة فيه . انتهى .
قلت : والحامل للسهيلي على ذلك ، ما وقع في مقدمة " مسلم " عن شعبة أن الحسن ابن عمارة حدثه عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد " فسألت الحكم ؟ فقال لم يصل عليهم " انتهى . لكن حديث ابن عباس روي من طرق أخرى . . "
. قلت : ثم ذكر بعضها ، وليس منها طريق الطبراني هذه ، وهي تدل على أن المبهم في تلك الرواية ليس مجهولا ولا ضعيفا ، بل هو ثقة معروف ، وهو محمد بن كعب القرظي أو الحكم بن عتيبة ، أو كلاهما معا ، ولا يخدع على هذا قول الحكم في رواية مسلم " لم يصل عليهم " لجواز أن الحكم نسي " ماكان حدث به كما وقع مثله لغيره في غير ما حديث ، ولو سلمنا جدلا أن إنكار الحكم لحديثه يقدح في صحته عنه ، فلا نسلم أن ذلك يقدح في صحة الحديث نفسه مادام أنه رواه ثقة آخر هو القرظي ، وهذا واضع إن شاء الله تعالى . 4
70 - وفي الصلاة على الجنازة في المسجد ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : " لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أن يمروا بجنازته في المسجد فيصلين عليه ففعلوا ، فوقف به على حجرهن يصلين عليه ، أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد ، فبلغهن أن الناس عابوا ذلك ، وقالوا : هذه بدعة ، ، ما كانت الجنائز يدخل بها إلى المسجد فبلغ ذلك عائشة ، فقالت : ما أسرع الناس إلى أن يعيشوا مالا علم لهم به ، عابوا علينا أن يمر بجنازة في المسجد ، [ والله ] ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء [ وأخيه ] إلا في جوف المسجد " أخرجه مسلم ( 3/63 ) من طريقين عنها وأصحاب السنن وغيرهم ، وقد خرجته في " أحكام المساجد " من كتابي " الثمر المستطاب " والزيادات لمسلم إلا الأولى فهي للبيهقي ( 4/51 ) .
*************
1 له رؤية ، قبض النبي . صلى الله عليه وسلم وله تسع سنين ، وكان حليما وقورا ، ومن أشراف قريش وهو أحد الذين كتبوا المصحف لعثمان ، وكان استعمله على الكوفة ، وغزا بالناس طبرستان وأستعمله معاوية على المدينة ، مات في قصره بالعرصة على ثلاثة أميال من المدينة سنة ( 58 ) ، ودفن بالبقيع .
2 وذلك من وجهين : الأول : إطلاقه الضعف على ابن أبي حفصة ينافي ماقاله في ترجمته من " التقريب " : " صدوق ، إلا أنه شيعي غال " . قلت : فإذا كان صدوقا فحديثه حسن على أقل الدرجات ، ولا يضره أنه شيعي كما تقرر في علم المصطلح ويقوي حديثه هذا أن البيهقي أخرجه في رواية له من طريق اسماعيل بن رجاء الزبيدي قال : أخبرني من شهد الحسين بن علي حين مات . . . فذكر الحديث باختصار ، وفي قول الحسين لسعيد : " تقدم فلولا أنها سنة ما قدمتك " . واسماعيل هذا ثقة ، وقد تابع ابن أبي حفضة ، فهي متابعة قوية ، وإن لم يسم فيها من شاهد القصة . فقد سماه سالم كما رأيت وغيره أيضا كما يشير إلى ذك قول الحافظ " لكن رواه النسائي وابن ماجه . . . " لكن فيه ما يأتي وهو : الثاني : أنني لم أقف على الحديث في " الجنائز " سنن النسائي وابن ماجه ، ولم يورده النابلسي في " الذخائر " في مسند الحسين ولا في منسد . أبي حازم . والله أعلم .
وقد أورد ابن حزم في " المحلى " ( 5 / 441 ) هذه القصة بصيغة الجزم يضعفها مع أنه لم يأخذ بمادنت عليه من الحكم فقال ؟ " قلنا : لم ندع لكم إجماعا فتعارضونا بهذا ، ولكن إذا تنازع الامة وجب الرد إلى القرآن والسنة ، وفي القرآن والسنة ما أوردنا " . قلت : وكأن ابن حزم رحمه الله لا يرى أن قول الصحابي " السنة كذا " في حكم المرفوع ، وهذا خلاف المتقرر في الأصولين أن ذك في حكم المرفوع ، وهو الصواب إن شاء الله . وسيأتي . زيادة بيان لهذا في المسألة ( 73 ) . وأما ما أشار إليه ابن حزم من القرآن والسنة " فيعني قوله تعالى ( وأولوا الارحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ، وقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الاتي في المسألة التالية " ولا يؤمن الرجل في أهله " كما في رواية به إبن حزم على أن الأحق بالصلاة على الميت الأولياء ، ولا يخفى أنه استدلال بالعموم ، ودلينا وهو حديث الحسين رضي الله عنه خاص ، وهو مقدم كما هو مقرر في الأصول ، ولذلك ذهب إلى ما ذكرنا جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك وأحمد وأسحاق وابن المنذر والشافعي في قوله القديم كما في " المجموع " ( 5 / 217 ) . ثم أستدركت فقلت : إن الحديث لا عموم له فيما نحن فيه ، لأن معناه : لا يصلين أحد إماما بصاحب البيت في بيته ، وهذا بين من مجموع روايات الحديث ، ففي رواية لمسلم : " ولا يؤمن الرجل في أهله " وفي أخرى له " ولا تؤمن الرجل في أهله ولا في سلطانه " فهذا حجة على أبن حزم لان الظاهر أيضا أن المراد به السلطان الذي إليه ولاية أمور الناس . والظاهر أيضا أنه مقدم على غيره ولو كان أكثر منه قرآنا . انظر الشوكاني ( 3 / 134 ) .
3 قلت : يعني إماما كما " يدل عليه السياق ، وصرح بذلك البيهقي في رواية له في الحديث الاتي بعده كما سنذكر هناك . ولا يعارض هذا قوله فيما بعد : " والامام يومئذ سعيد بن العاص " لان المراد أنه كان هو الامير قال الحافظ " يحمل أن ابن عمر أم بهم حقيقة بإذن سعيد بن العاص ، ويحمل قوله " أن الامام كان سعيد بن العاص " يعني الأمير جمعا بين الروايتين .
4 قال النووي في " المجموع " ( 5 - 225 ) . واتفقوا على أن الأفضل أن يفرد كل واحد بصلاة ، إلا صاحب " التتمة " فجزم بأن الأفضل أن يصلي عليم دفعة واحدة . لأن فيه تعجيل الدفن وهو مأمور به . والمذب الأول ، لأنه أكثر عملا ، وأرجى للقبول وليس هو تأخيرا كثيرا " والله أعلم .
www.alalbani.info
تابع : الصلاة على الجنازة
71 - لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الغالب على هديه فيها " وفي ذلك أحاديث :
الأول : عن ابي عمر رضي الله عنه . " أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل منهم . وإمرأة زنيا ، فأمر بهما فرجما ، قريبا من موضع الجنائز عند المسجد " 1أخرجه البخاري ( 3/155 ) " وترجم له ، وللحديث الرابع الآتي بـ " باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد " .
الثاني : عن جابر قال : " مات رجل منا ، فغسلناه . . ووضعناه لرسول الله صلى الله عليه وسلم حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل ، ثم آذنا رسول الله بالصلاة عليه فجاء معنا . . فصلى عليه . . " أخرجه الحاكم وغيره ، وتقدم بتمامه في المسألة ( 17 ) الحديث الثالث من الفقرة ( ز ) ، ( ص 16 ) وفي الباب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم . وقال حديثه في المسألة ( 59 ) الحديث ( 4 ) من ( الساد س ) ، ( ص89 ) .
الثالث : عن محمد بن عبد الله بن جحش ، قال : " كنا جلوس بفناء المسجد حيث توضع الجنائز ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس بين ظهرانينا فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره إلى السماء . . " أخرجه أحمد ( 5/289 ) والحاكم ( 2/24 ) وقال : " صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي في " تلخيصه " وأقره المنذري في " ترغيبه " ( 3/34 ) ، وفيه أبو كثير مولى محمد بن جحش ، أورده ابن أبي حاتم ( 4/2/429,430 ) ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا ، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " ( 4/127 ) : " مستور " ولم يورده ابن حبان في " الثقات " ومع ذلك فقد قال فيه الحافظ في " التقريب " " ثقة " وذكر في " التهذيب " انه روى عنه جماعة من الثقات وأنه ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فمثله ، " حسن الحديث إن شاء الله تعالى ، لاسيما في الشواهد .
الرابع : عن أبي هريرة رضي الله عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نعى النجاشي في اليوم الذي مات فيه ، خرج إلى المصلى ، فصف بهم وكبر أربعا " . . أخرجه الشيخان وغيرهما بألفاظ وزيادات كثيرة وقد تقدم . ذكرها مجموعة في سياق وأحد مع زيادات أخرى في أحاديث ، جماعة آخرين من الصحابة ، وقد بينت ذلك في المسألة ( 59 ) الحديث السابع ، ( ص 89 - 90 )
والحديث ترجم له البخاري بما دل عليه من الصلاة في المصلى كما سبق ذكره في الحديث الأول2 .
73 - ولا تجوز الصلاة عليها بين القبور ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه . " أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور " . أخرجه الأعرابي في " معجمه " ( ق 235/1 ) والطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1/80/2 ) ومن طريقه الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 79/2 - مسند أنس ) وقال الهيثمي في " المجمع " ( 3/36 ) : " وإسناده حسن " .
قلت : وله طريق أخرى عن أنس ، عند الضياء يتقوى الحديث بها . وروى أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 2/185 ) وأبو بكر بن الأثرم كما في " الفتح الباري " للحافظ ابن رجب الحنبلي ( 65/81/1 - الكواكب )
عن أنس : " كان يكره أن يبنى مسجدا بين القبور " . . ورجاله ثقات رجال الشيخين ويشهد للحديث ما تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن اتخاذ القبور مساجد ، وقد ذكرت ما ورد في ذلك في أول كتابي " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " وسأذكر بعضها في المسألة ( 128 فقرة 9 )
74 - ويقف الامام وراء رأس الرجل ، ووسط المرأة ، وفيه حديثان :
الأول : عن أبي غالب الخياط قال : " شهدت أنس بن مالك صلى على جنازة رجل ، فقام عند رأسه ، ( وفي روواية : رأس السريز ) فلما رفع ، أتى بجنازة امرأة من قريش أو من الأنصار ، فقيل له : با أبا حمزة هذه جنازة فلانة ابنة فلان فصل عليها ، فصلى عليها ، فقام وسطها ، ( وفي رواية : عند عجيزتها ، وعليها نعش أخضر ) وفينا العلاء بن زياد العدوي3 ، فلما رأى اختلاف قيامه على الرجل والمرأة قال : يا أبا حمزة هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم حيث قمت ، ومن المرأة حيث قمت قال : نعم ، قال : فالتفت إلينا العلاء فقال : احفظوا ) أخرجه أبو داود ( 2/66 ، 67 ) والترمذي ( 2/146 ) وحسنه . وابن ماجه والطحاوي ( 1/283 ) والبيهقي ( 4/32 ) والطيالسي ( رقم 2149 ) وأحمد ( 3/118 ، 204 ) والسياق له ، أخرجوه كلهم من طريق همام بن يحيى عن أبي غالب ، غير أبي داود ، فأخرجه من طريق عبد الوارث - وهو ابن سعيد - عنه ، وكذا أخرجه الطحاوي في رواية له مختصرا .
وإسناده من الطريقين صحيح ، رجالهما رجال الصحيحين غير . أبي طالب وهو ثقة كما في " التقريب " للحافظ ابن حجر ، فالعجب منه كيف ذكر في شرح الحديث الآتي عن سمرة من " الفتح " ( 3/157 ) أن البخاري أشار إلى تضعيف هذا الحديث ، ثم سكت على ذلك ولم يتعقبه بشئ
والرواية الثانية للطيالسي والبيهقي من طريق أحمد . والرواية الثالثة لأبي داود ، وهي عند المذكورين بنحوها دون لفظ " أخضر " 4
الثاني : عن سمرة بن جندب قال : " صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم ، وصلى على أم كعب ماتت وهي نفساء ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة عليها وسطها " . أخرجه البخاري ( 6/153 - 157 ) ومسلم ( 3/60 ) والسياق له وأبو داود ( 2/67 ) والنسائي ( 1/ 280 ) والترمذي ( 2/147 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1/455 ) وابن الجارود ( 267 ) والطحاوي ( 1/280 ) والبيهقي ( 4/34 ) والطيالسي ( 902 ) وأحمد ( 5/1914 ) والحديث واضح الدلالة على السنة أن يقف الامام حذاء وسط المرأة وهو بمعنى حديث أنس : " عند عجيزتها " . بل هذا مما يزيده وضوحا فإنه أصرح في الدلالة على المراد من حديث سمرة .
75 - ويكبر عليها اربعا أو خمسا ، إلى تسع تكبيرات ، كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأيها فعل أجزأه ، والاولى التنويع ، فيفعل هذا تارة ، وهذا تارة ، كما هو الشأن في أمثاله مثل أدعية الاستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الابراهيمية ونحوها ، وإن كان لابد من التزام نوع واحد منها فهو الاربع لان الاحاديث فهيا أكثر ، وإليك بيان ذلك :
أ - أما الاربع ففيها أحاديث عن جماعة من الصحابة
الاول : عن أبي هريرة ، وقد مضى حديثه في المسألة ( 59 ) ( السابع ) في الصلاة على النجاشي وأنه صلى الله عليه وسلم كبر عليه أربعا ( ص 89 )
الثاني : عن ابن عباس ، ومضى في المسألة المشار إليها في حديث الصلاة على الرجل الذي دفن ليلا . في ( السادس ) ، الحديث ( 1 - ) ( 87 )
الثالث : عن يزيد بن ثابت في صلاته صلى الله عليه وسلم على مولاة لبني فلان في قبرها وهو في المكان المشار إليه بعد حديث ابن عباس بحديث .
الرابع : عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته صلى الله عليه وسلم على المرأة المسكينة في قبرها ، وحديثها مذكور عقب حديث يزيد بن ثابت المشار إليه آنفا .
الخامس : عن أبي أمامة5 رضي الله عنه قال : " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الاولى بأم القرآن مخافتة ، ثم يكبر ثلاثا ، والتسليم عند الاخرة " . أخرجه النسائي ( 1 ، 281 ) وعنه ابن حزم ( 5/129 ) بإسناد صحيح كما قال الحافظ في " الفتح " ، وسبقه النووي في " المجموع " ( 5/33 ) وزاد : " علي شرط الشيخين " . وأخرجه الطحاوي ى ( 1/288 ) بنحوه وزاد في آخر الحديث :
قال الزهري : فذكرت الذي أخبرني أبو أمامة من ذلك لمحمد بن سويد الفهري ، فقال : وأنا سمعت الضحاك بن قيس يحدث عن حبيب بن مسلمة6 في الصلاة على الجنازة مثل الذي حدثك أبو أمامة " . وإسنادها صحيح أيضا ، وهي عند النسائي ، ولكن لم يجاوز بها الضحاك بن قيس ، وكذلك رواه الشافعي بزيادة في متنه كما يأتي في المسإلة ( 79 ) ص ( 121 ، 122 ) .
السادس : عن عبد الله بن أبي أوفى قال " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا " أخرجه البيهقي ( 4 / 35 ) بسند صحيح في أثناء حديث يأتي بتمامه في المسألة
ب - وأما الخمس فلحديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : " كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ، وإنه كبر على جنازة خمسا ، فسألته فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها ، ( فلا أتركها ( لاحد بعده ) أبدا ) " أخرجه مسلم ( 3/56 ) وأبو داود ( 2/67 ، 68 ) والنسائي ( 1/281 ) والترمذي ( 2/140 ) وابن ماجه ( 1/458 ) والطحاوي ( 1/285 ) والبيهقي ( 4/36 ) والطيالسي ( 674 ) وأحمد ( 4/367 ، 368 ، 372 ) عنه .
ثم أخرجه الطحاوي والدار قطني ( 191 ، 192 ) وأحمد ( 4 : 370 ) من طرق أخرى عنه به نحوه ، والزيادة لهم والتي فيها للدار قطني ، وقال الترمذي : " حديث حسن صحيح ، وقد ذهب بعض أهل العلم إلى هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، رأوا التكبير على الجنازة خمسا ، وقال أحمد واسحاق : إذا كبر الامام على الجنازة خمسا فإنه يتبع الامام " .
ج - وأما لست والسبع ، ففيها بعض الاثار الموقوفة ، ولكنها في حكم الاحاديث المرفوعة ، لان بعض كبار الصحابة أتى بها على مشهد من الصحابة دون أن يعترض عليه أحد منهم .
الاول : عن عبد الله بن معقل : " أن علي بن أبي طالب صلى على سهل بن حنيف ، فكبر عليه ستا ، ثم التفت إلينا ، فقال : إنه بدري " ، قال الشعبي : " وقدم علقمة من الشام فقال لابن مسعود : إن اخوانك بالشام يكبرون على جنائز هم خمسا ، فلو وقتم لنا وقتا نتابعكم عليه7 ، فأطرق عبد الله ساعة ثم قال : انظروا جنائزكم فكبروا علهيا ماكبر أئمتكم ، لا وقت ولا عدد " . أخرجه ابن حزم في " المحلى " ( 5 ، 126 ) بهذا التمام ، وقال : " وهذا إسناد غاية في الصحة " .
قلت : وقد أخرج منه قصة علي رضي الله عنه أبو داود في مسائله عن الامام أحمد ( ص 152 ) والطحاوي ( 1/287 ) والحاكم ( 3/409 ) والبيهقي ( 4/36 ) وسندهم صحيح على شرط الشيخين ، وهي عند البخاري في " المغزلي " ( 7/253 ) دون قوله " ستا . . " وقصة ابن مسعود أخرجها الطحاوي والبيهقي ( 4/37 ) نحوه .
الثاني : عن عبد خير قال : " كان علي رضي الله عنه يكبر على أهل بدر ستا ، وعلى أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خمسا ، وعلى سائر الناس أربعا " . أخرجه الطحاوي والدار قطني ( 191 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/37 ) وسنده صحيح رجاله ثقات كلهم .
الثالث : عن موسى بن عبد الله بن يزيد . " أن عليا صلى على أبي قتادة فكبر عليه سبعا ، وكان بدريا " أخرجه الطحاوي والبيقهي ( 4/36 ) بسند صحيح على شرط مسلم - لكن أعله البيهقي بقوله : " إنه غلط ، لان أبا قتادة رضي الله عنه بقي علي رضي الله عنه مدة طويلة " . ورده الحافظ في " التلخيص " ( 1665 ) بقوله : " قلت : وهذه علة غير قادحة ، لانه قد قيل : إن أبا قتادة مات في خلافه علي ، وهذا هو الراجح وسبقه إلى هذا ابن التركماني في " الجوهر النقي " فراجعه8 .
د - وأما التسع ، ففيه حديثان :
الاول : عن عبد الله بن الزبير : " أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة فكبر عليه تسع تكبيرات . . " 9 . وقد مضى بتمامه وتخريجه في ( الثاني ) من المسألة ( 59 ) ( ص 82 ) .
الثاني : عن عبد الله بن عباس قال : " لما وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم على حمزة . . . أمر به فهيى إلى القبلة ، ثم كبر عليه تسعا . . . " وتقدم أيضا في المسألة ( 69 ) الحديث الثاني ، ( ص 104 ) .
*****************
1 قال الحافظ في الفتح ، : " إن مصلى الجنائز كان لاصقا بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم من ناحية المشرق " . وقال في موضع آخر ( 12 - 108 ) " والمصلى المكان الذي كان يصلى عنده العيد والجنائز وهو من ناحية بقيع الغرقد "
2 قلت : ومن الغرائب موقف الحافظ البيهقي من هذه السنة أعني الصلاة على الجنازة في المصلى ، فإنه لم يعقد لها في كتابه الكبير " السنن الكبرى " بابا خاصا مع كثرة الاحاديث الواردة فيه كما رأيت ، مع انه عقد بابا مفردا للصلاة عليها في المسجد مع أنه ليس في الا حديث عائشة ، ثم جرى عل سننه بعض الشافعية في مختصراتهم فأغفلوا الصلاة عليها في المصلى ، كالنووي رحمه الله في " منهاج الطالبين " ( ق 34 - 2 ) فقال : " وتجوز الصلاة عليه في المسجد " ، ولو أنه أضاف إلى ذك نحو قوله " وتسن الصلاة عليها في المصلى " لأصاب ، وقد عكس ذلك الباجوري في حاشية على ابن القاسم فقال : ( 1 - 424 ) : " ويسن أن تكون الصلاة عليه بمسجد " ثم لم يذكر الصلاة عليها في المصلى والحق ما ذكرنا من السنية مع القول بجواز الصلاة عليها في المسجد لحديث عائشة وحمله على أنه لامر عارض بعيد ، لأنه لو كان كذلك لما خفي على السيدة عائشة ومن ممها من أمهات المؤمنين ، ولما طلبن إدخال الجنازة إلى المسجد دون عذر . وهذا بين إن شاء الله تعالى .
3 كتبه أبو نصر . وهو من ثقات التابعين ، وكان من عباد أهل البصرة وقرائهم مات سنة أربع وتسعين
4 قلت : وعند أبي داود زيادة أخرى لا بد من ذكرها وبيان حالها وهي : " قال أبو غالب : فسألت عن صنيع في قيامه على المرأة عند عجيزتها . فحدثوني أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش ، فكان يقوم الامام حيال عجيزتها يسترها من القوم " . فهذا للتعليل مردود من وجوه : الأول : أنه صادر من مجهول ، وما كان كذلك فلا قيمة له . الثاني : أنه خلاف ما فعله راوي الحديث نفسه وهو أنس رضي الله عنه ، فإنه وقف وسطها مع كونها في النعش ، ودل ذلك على بطلان ذلك التعليل . ويؤيده الوجه الاتي وهو : الثالث : أنه خلاف ما فهمه الحاضرون لصلاة أنس ، ومنهم العلاء بن زياد العدوي ، فإنه لما استفهم من أنس هذه السنة التفت إلى أصحابه وقال لهم : " احفطوا " فلو كانت معللة بتلك العلة التي تعود السنة بالابطال لما اهتم العلاء بها هذا الاهتمام البالغ - وأمر أصحابه بحفظها ، وهذا ظاهر والحمد لله . ولذك لم يلتفت جمهور العلماء إلى هذا التأويل ، فذهبوا إلى ما دل عليه الحديث من الوقوف عند رأس الرجل ، ووسط المرأة . ومنهم الامام الشافعي وأحمد وأسحاق كما في " المجموع " ( 5 / 225 ) قال الشوكاني ( 4 - 57 ) : " وهو الحق " . قلت : واختاره بعض الحنفية ، بل هو قول لأبى حنيفة نفسه كما في " الهداية " ( 1 / 462 ) وأبي يوسف أيضا كما في " شرح المعاني " ( 1 / 284 ) للامام الطحاوي ورجحه على قولهما الاخر وهو " يقوم من الرجل والمرأة بحذاء
الصدر " وهو قول الامام محمد أيضا وعليه الحنفية ، واحتج لهم في " الهداية " بقوله " لأنه موضع القلب ، وفيه نور الأيمان ، فيكون القيام عنده إشارة إلى الشفاعة لايمانه " ثم ذكر قول أبي حنيفة الأول وأنه احتج بقول أنس " هو السنة " فأجاب عنه صاحب " الهداية " بقوله : " قلنا تأويله : إن جنازتها لم تكن منعوشة فحال بينها وبينهم " . قلت : قد عرفت مما سبق بطلان هذا التأويل ، ثم لو سلم لهم " فما هي حجتهم في مخالفتهم الحديث في شطره الأول وهو الوقوف حذاء رأس الرجل ، فقالوا هم : بل يقف حذاءه وليت شعري ما الذي يحملهم على الجهر بمخالفة السنة بمثل هذه التعليلات الباطلة وقولهم : " لانه موضع القلب . . ائتهم قالوا بها في قول لهم ، أفلا اخذوا به كما فعل الطحاوي رحمه الله فيكونون اصابوا السنة واخذوا بقول الائمة في آن واحد ومع هذه المخالفة الصريحة لهذه السنة وغيرها مما ياتي التشبيه عليه ينسبون من يتمهم بانهم يقدمون الرأي على السنة إلى التعصب عليهم .
5 ليس هو أبو أمامة الباهلي ، الصحابي المشهور ، بل هذا آخر معروف بكنيته أيضا واسمه أسعد وقيل سعد بن سعد بن حنيف الانصاري معدود في الصحابة ، له رؤية ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم ، فالحديث من مراسيل الصحابة ، وهي حجة .
6 هو حبيب بن مسلمة بن مالك الفهري المكي ، وكان يسمى حبيب الروم لكثرة دخوله عليهم مجاهدا
مختلف في صحبته ، قال الحافظ " والراجح ثبوتها لكنه كان صغيرا "
7 أي حددتهم لنا عددا مخصوصا ، كما يستفاد من " النهاية " وعليه فقوله في آخر الاثر " ولا عدد " تفسير وبيان لقوله " لا وقت " .
8 قلت : فهذه آثار صحيحه عن الصحابة تدل على أن العمل بالخمس والست تكبيرات الستمر إلى ما بعد النبي صلى الله عليه وسلم خلافا لمن ادعى الاجماع على الاربع فقط ، وقد حقق القول في بطلان هذه الدعوى ابن حزم في " المحل " ( 5 / 124 - 125 ) .
9 وهذا العدد هو أكثر ما وقفنا عليه في التكبير على الجنازة ، فيوقف عنده ولا يزاد عليه ، وله أن ينقص منه إلى الاربع وهو أقل ما ورد . قال ابن القيم في " زاد المعاد " بعد أن ذكر بعض ما أوردناه من الاثار والاخبار : " وهذه آثار صحيحة ، فلا موجب للمنع منها ، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يمنع مما زاد على الاربع ، بل فعله هو وأصحابه من بعده " . قلت : وقد استدل المانعون من الزيادة على الاربع بأمرين :
الاول : الاجماع ، وقد تقدم بيان خطأ ذلك . الثاني : ما جاء في بعض الاحاديث " كان آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنازة أربعا " . والجواب : أنه حديث ضعيف ، له طرق بعضا أشد ضعفا من بعض ، فلا يصلح التمسك به لرد الثابت عنه صلى الله عليه وسلم بالاسانيد الصحيحة المستفيضة ، قال الحافظ في " التلخيص " ( 5 / 167 ) ومن قبله الحازمي في " الاعتبار " ( ص 95 ) والبيهقي في " السنن " ( 74 / 3 ) : " روى من غير وجه كلها ضعيفة " . وأما ما جاء في " المجمع " ( 3 / 35 ) : " وعن ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قتلى أحد فكبر تسعا تسعا ، ثم سبعا سبعا ، ثم أربعا أربعا حتى لحق بالله . رواه الطبراني في الكبير والاوسط وإسناده حسن " . فهو مردود من وجهين : الاول : أنه مخالف لقول الحافظ ابن حجر ومن قبله من الائمة الذين صرحوا بأن طرق الحديث كلها ضعيفة الثاني : أن الحديث أخرجه الطبري في " المعجم الكبير ( 3 / 120 / 2 ) وإسناده هكذا : حدثنا أحمد بن القاسم الطائي بشر بن الوليد الكندي ثنا أبو يوسف القاضي حدثني نافع بن عمر قال سمعت عطاء بن أبي رباح عن يحدث ابن عباس به . قلت : وهذا إسنداد لا يحسن مثله فإن فيه ثلاث فيه ثلاث علل :
الاولى : أبو يوسف القاضي وهو يعقوب بن إبراهيم ضعفه ابن المبارك وغيره ووصفه القلاس بأنه كثير الخطأ . الثانية : ضعف بشير بن الوليد الكندي ، فانه كان قد خوف . الثالثة : المخالفة في سنده فقد أخرجه الطبراني ( 3 / 119 / 1 ) والحازمي في الاعتبار " ( 95 ) عن جماعة قالوا عن نافع أبي هرمز عن عطاء عن ابن عباس به إلى أن قال : " أهل بدر " بدل " بدل " فتلى أحده ، وهكذا أورده الهيثمي وقال : " وفيه نافع أبو هرمز وهو ضعيف " . قلت : بل هو ضعيف جدا ، كذبه ان بن معين ، وقال أبو حاتم : " متروك ، ذاهب الحديث " . قلت ، فهو آفة الحديث ، وهو الذي رواه عن عطاء ، وما وقع في الطريق الاول أنه نافع بن عمر - وهو ثقة - وهم من بعض رواته والراجح أنه الكندي الذي كان خرف كما عرفت .
www.alalbani.info
تابع : الصلاة على الجنازة
76 - ويشرع له أن يرفع يديه في التكبيرة الاولى ، وفيه حديثان :
الاول : عن أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على جنازة فرفع يديه في أول تكبيرة ، ووضع اليمنى على اليسري " . أخرجه الترمذي ( 2/165 ) والدار قطني ( 192 ) والبيهقي ( 284 ) . وأبو الشيخ في " طبقات الاصبهانيين " ( ص 262 ) بسند ضعيف ، لكن يشهد له الحديث الاتي وهو
الثاني : عن عبد الله بن عباس " أن رسول الله كان يرفع يديه على الجنازة في أول تكبيرة ، ثم لا يعود " . أخرجه الدار قطني بسند رجاله ثقات غير الفضل بن السكن فإنه مجهول ، وسكت عنه ابن التركماني في " الجوهر النقي " ( 4/44 )
ثم قال الترمذي عقب الحديث الاول : هذا حديث غريب ، واختلف أهل العلم في هذا ، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم أن يرفع الرجل يديه في كل تكبيرة ، وهو قول ابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق . وقال بعض أهل العلم : لا يرفع يديه إلا في أول مرة ، وهو قول الثوري وأهل الكوفة ، وذكر عن ابن المبارك أنه قال في الصلاة على الجنازة : لا يقبض بيمينه على شماله ، ورأي بعض أهل العلم أن يقبض على شماله كما يفعل في الصلاة " . وفي المجموع " للنووي ( 5/232 ) : " قال ابن المنذري في كتابه " الاشراف والاجماع " : أجمعوا على أنه يرفع في أول تكبيرة ، واختلفوا في سائرها " 1 .
77 - ثم يضع يده اليمني على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد ، ثم يشد بينهما على صدره ، وفي ذلك أحاديث لابد أن أذكر بعضها :
الاول : عن أبي هريرة مرفوعا في حديثه المتقدم آنفا : " . . ووضع اليمني على اليسري " . وهو وإن كان ضعيف الاسناد ، فإن معناه صحيح بشهادة الاحاديث الاتية فإنها بإطلاقها تشمل صلاة الجنازة كما تشمل كل ما سوى المكتوبات من الصلوات كالاستسقاء والكسوف وغيرها .
الثاني : عن سهل بن سعد قال : " كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد على ذراعة اليسري في الصلاة " أخرجه مالك في " الموطأ " ( 1/174 ) ومن طريقه البخار ( 2/178 ) والسياق له ، وكذا الامام محمد في " الموطأ " ( 156 ) وأحمد ( 5/336 ) والبيهقي ( 2 / 28 ) .
الثالث : عن ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعت نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنا معشر الانبياء أمرنا بتعجيل فطرنا ، وتأخير سحورنا ، وأن نضع أيماننا على شمائلنا في الصلاة " . أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 885 - موارد ) والطبراني في " الكبير " وفي " الاوسط " ( 1/10 - 1 ) ومن طريقهما الضياء المقدسي في " المختارة " ( 63/10/2 ) . ( 1/174 ) . وله طريق أخرى عن ابن عباس . أخرجه الطبراني في " الكبير " والضياء المقدسي بسند صحيح ، وله شواهد ذكركتها في تخريج كتابنا " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " .
الرابع : عن طاووس قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع اليمني على يده اليسري ، ثم يشد بهما على صدره وهو في الصلاة " . أخرجه أبو داود ( 1/121 ) بسند جيد عنه . وهو وإن كان مرسلا فهو حجة عند الجميع ، أما من يحتج منهم بالمرسل إطلاقا فظاهر - وهم جمهور العلماء ، وأما من لا يحتج به إلا إذا روى موصولا ، أو كان له شواهد ، فلان لهذا شاهدين :
الاول : عن وائل بن حجر : ، أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يضع يمينه على شماله ثم وضعهما على صدره " . رواه ابن خزيمة في صحيحه كما في " نصب الراية " ( 1/314 ) ، وأخرجه البيهقي في سننه ( 2/30 ) من طريقين عنه يقوي أحدهما الاخر
الثاني : عن قبيصة بن هلب عن أبيه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم ينصرف عن يمينه وعن يساره ، ورأيته - قال - يضع هذه على صدره ، وصف يحيى ( هو ابن سعيد ) اليمني على اليسري فوق المفصل " . أخرجه أحمد ( 5/226 ) بسند رجاله ثقات رجال مسلم غير قبيصة هذا ، وقد وثقه العجلي وابن حبان ، لكن لم يرو عنه ، غير سماك بن حرب وقال ابن المديني والنسائي " مجهول " وفي " التقريب " أنه مقبول .
قلت : فمثله حديثه حسن في الشواهد ، ولذلك قال الترمذي بعد أن خرج له من هذا الحديث أخذ الشمال باليمين :
" حديث حسن " .
فهذه ثلاثة أحاديث في أن السنة الوضع على الصدر . ولا يشك من وقف على مجموعها في أنها صالحة للاستدلال على ذلك . وأما الوضع تحت السرة فضعيف اتفاقا كما قال النووي والزيلعي وغيرهما : وقد بينت ذلك في التخريج المشار إليه آنفا .
78 - ثم يقرأ عقب التكبيرة الاولى فاتحة الكتاب وسورة2لحديث طلحة بن عبد الله بن عوف قال : صليت خلف ابن عباس رضي الله عنه على جنازة ، فقرأ بفاتحة الكتاب ( وسورة ، وجهر حتى أسمعنا ، فلما فرغ أخذت بيده ، فسألته ؟ فـ ) قال : ( إنما جهرت ) لتعلموا أنا سنة ( وحق ) " . أخرجه البخاري ( 3/158 ) وأبو داود ( 2 ، 68 ) والنسائي ( 1/281 ) والترمذي ( 2/142 ) وابن الجارود في " المنتفى " ( 264 ) والدار قطني ( 191 ) والحاكم ( 1/358 - 386 ) .
والسياق للبخاري ، والزيادة الاولى للنسائي ، وسندها صحيح ، ولابن الجارود منها ذكر السورة ، ولهما الثالثة بالسند الصحيح ، وللحاكم الثانية من طريق أخرى عن ابن عباس بسند حسن .
وفي الباب عن جماعة من الصحابة ، يأتي حديث أحدهم في المسألة التي بعد هذه ثم قال الترمذي عقب الحديث : " هذا حديث حسن صحيح ، والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، يختارون أن يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى ، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق ، وقال بعض أهل العلم : لا يقرأ في الصلاة على الجنازة ، إنما هو الثناء على الله : والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم ، والدعاء للميت ، وهو قول الثوري وغيره من أهل الكوفة " 3 . ثم إن الزيادة الاولى في الحديث قد رواها أبو يعلى ايضا في " مسنده " كما في " المجموع " للنووي ( 5/234 ) وقال : " إسناده صحيح " . وأقره الحافظ في " التلخيص " ( 5/165 ) .
واستدل النووي بهذه الزيادة على استحباب سورة قصيرة ، وليس في الحديث ما يدل على كونها قصيرة ، فلعل الدليل على ذلك ما تقدم من طلب الاستعجال بالجنازة إلى قبرها ، والله أعلم .
79 - ويقرأ سرا ، لحديث أبي أمامة بن سهل قال : " السنة في الصلاة على الجنازة أن يقرأ في التكبيرة الاولى بأم القرآن مخافتة . ثم يكبر ثلاثا ، والتسليم عند الاخرة " . أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح كما تقدم في المسألة ( 74 ) الحديث الخامس من الفقرة ( أ ) ، ( 111 ) .
80 - ثم يكبر التكبيرة ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، لحديث أبي أمامة المذكور أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : " أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الامام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الاولى سرا في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة في التكبيرات ( الثلاث ) ، لا يقرأ في شئ منهم ، ثم يسلم سرا في نفسه ( حين ينصرف ( عن يمينه ) ، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامه ) " . أخرجه الشافعي في " الام ( 1/239 - 240 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/39 ) وابن الجارود ( 265 ) عن الزهري عن أبي أمامة وقال الزهري في آخره
" حدثني محمد الفهري عن الضحاك بن قيس أنه قال مثل قول أبي أمامة " . قال الشافعي رحمه الله : " وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يقولن بالسنة والحق إلا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن شاء الله تعالى " . وأخرجه الحاكم ( 1/360 ) وعنه البيهقي إلا أنه قال : " أخبرني رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " . والباقي نحوه ، وفيه الزيادتان . وزاد في إسناده الثاني " حبيب بن مسلمة " كما تقدم في رواية الطحاوي في المسألة المشار إليه آنفا ( 74 ) .
ثم زاد الحاكم : " قال الزهري : حدثني بذلك أبو أمامة وابن المسيب يسمع فلم ينكر ذلك عليه " وقال : " صحيح على شرط الشيخين " ووافقه الذهبي وهو كما قالا . وظاهر قوله بعد أن ذكر القراءة " ثم يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم إنما تكون بعد التكبيرة الثانية لاقبلها ، لانه لو كان ها لم تقع في التكبيرات بل قبلها ، كما هو واضح ، وبه قالت الحنفية والشافعية وغيرهم ، خلافا لابن حزم ( د/129 ) والشوكاني ( 3/53 ) .
وأما صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الجنازة فلم أقف عليها في شئ من الاحاديث الصحيحة4 ، فالظاهر أن الجنازة ليس لها صيغة خاصة ، بل يؤتى فيها بصيغة من الصيغ الثابتة في التشهد في المكتوبة5 .
81 - ثم يأتي ببقية التكبيرات ، ويخلص الدعاء فيها للميت ، لحديث أبي أمامة المتقدم انفا ، وقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا صليتم على الميت ، فأخلصوا له الدعاء " 6أخرجه أبو داود ( 2/68 ) وابن ماجه ( 1/456 ) وابن حبان في " صحيحه " و( 754 - موارد ) والبيهقي ( 4/40 ) من حديث أبي هريرة وصرح ابن اسحاق بالتحديث عند ابن حبان .
82 - ويدعوا فيها بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم على جنازة فحفظت من دعائه وهو يقول : " اللهم اغفر له وارحمه ، وعافه واعف عنه ، وأكرم نزله ، ووسع مدخله ، واغسله بالماء والثلج والبرد ، ونقه من الخطايا كما نقيت ( وفي رواية : كما ينقي الثوب الابيض من الدنس ، وأبدله دارا خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وزوجا ( وفي رواية : زوجة ) خيرا من زوجه ، وأدخله الجنة ، وأعذه من عذاب القبر ، ومن عذاب النار ، قال : فتمنيت أن أكون أنا ذلك الميت " . أخرجه مسلم ( 3/59 - 60 ) والنسائي ( 1/271 ) وابن ماجه ( 1/4256 ) وابن الجارود ( 264 - 265 ) والبيهقي ( 4/40 ) والطيالسي ( 999 ) وأحمد ( 6/23و28 ) والسياق لمسلم ، والرواية الثانية له في رواية ، وهي لسائرهم إلا أحمد ، وله والبيهقي الرواية الثالثة .
وفي رواية ابن ماجه والطيالسي أن الميت كان رجلا من الانصار ، لكن في سندها فرج بن فضالة وهو ضعيف عن عصمة بن راشد وهو مجهول .
والحديث أخرجه الترمذي ( 2/141 ) مختصرا وقال : " حديث حسن صحيح ، وقال محمد بن اسماعيل - يعني البخاري - أصح شئ في هذا الباب هذا الحديث " .
الثاني : عن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " كان إذا صلى على جنازة يقول : اللهم اغفر لحينا وميتنا ، وشاهدنا وغائبنا ، وصغيرنا وكبيرنا ، وذكرنا وأنثانا ، اللهم من أحييته منا فأحيه على الاسلام ، ومن توفيته منا فتوفه على الايمان ، اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . أخرجه ابن ماجه ( 1/456 ) والبيهقي ( 4/41 ) من طريق محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عنه .
وأبو داود ( 2/68 ) والترمذي ( 2/141 ) وابن حبان في صحيحه ( 757 - موارد ) والحاكم ( 1/ 358 ) والبيهقي أيضا وأحمد ( 2/368 ) من طريق يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة به نحوه ، دون قوله " اللهم لا تحرمنا . . . " فهي عند أبي داود وحده ، وصرح يحيى بالتحديث عند الحاكم ثم قال : " صحيح على شرط الشيخين " . ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، وأعل بما لا يقدح .
وليحبي فيه إسناد ان آخران ، عند أحمد ( 4/170 ، 308 ) والبيهقي . وللحديث شاهد من حديث ابن عباس نحوه . رواه الطبراني في " الكبير " .
الثالث : عن واثلة بن الاسقع قال : " صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل من المسلمين ، فأسمعه يقول : اللهم إن فلان ابن فلان في ذمتك وحبل جوارك ، فقه فتنة القبر ، وعذاب النار ، وأنت أهل الوفاء والحق ، فاغفر له وارحمه ، إنك الغفور الرحيم " أخرجه أبو داود ( 2/68 ) وابن ماجه ( 1/456 ) وابن حبان في صحيحه ( 758 ) وأحمد ( 3/471 ) بإسناد صحيح إن شاء الله تعالى ، وقد أورده ابن القيم فيما حفظ من دعائه صلى الله عليه وسلم ، وسكت عليه النووي في " المجموع " .
الرابع : عن يزيد بن ركانة بن المطلب قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام للجنازة ليصلي عليها قال : " اللهم عبدك وابن أمتك احتاج إلى رحمتك ، وأنت غني عن عذابه ، إن كان محسنا فزد في حسناته ، إن كان مسيي ا فتجاوز عنه " . ( ثم يدعوا ما شاء الله أن يدعو ) " . أخرجه الحاكم ( 1/359 ) وقال : " إسناده صحيح ، ويزيد بن ركانة وأبو ركانة صحابيان " . ووافقة الذهبي ، ورواه الطبراني في " الكبير " بالزيادة كما في " المجمع " ( 4/33/34 ) وابن قانع كما في " الاصابة " .
وله شاهد من طريق سعيد المقبري أنه سأل أبا هريرة : كيف تصلي على الجنازة فقال : أنا لعمر الله أخبرك ، أتيعها من أهلها ، فإذا وضعت كبرت وحمدت الله ، وصليت على نبيه ، ثم أقول : اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك : كان يشهد أن لا إله ألا أنت ، وأن محمدا عبدك ورسولك ، وأنت أعلم به ، اللهم إن كان محسنا فزد في حسناته ، وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته ، اللهم لا تحرمنا أجرة ، ولا تفتنا بعده " . أخرجه مالك ( 1 - 227 ) وعنه محمد بن الحسن ( 164 - 165 ) وإسماعيل القاضي في " فضل الصلاة صلى الله عليه وسلم " رقم 5 ( 93 ) 27وسنده موقوف صحيح جدا ، وقد ساق الهيثمي منه الدعاء مرفوعا من حديث أبي هريرة وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ورجال الصحيح " . وقد تقدم بلفظ آخر فيه الجملة الاخيرة منه ، وهو النوع ( الثاني ) ( ص 124 )
***************
1 قلت : ولم نجد في السنة ما يدل على مشروعية الرفع في غير التكبيرة الاولى ، فلا نرى مشرعية ذلك ، وهو مذهب الحنفية وغيرهم ، واختاره الشوكاني وغيره من المحققين ، وإليه ذهب ابن حزم فقال : ( 5/ 128 ) : " وأما رفع الايدي فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شئ من تكبيرة الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط ، فلا يجوز فعل ذلك ، لانه عمل في الصلاة لم يأت به نص ، وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر ورفع يديه في كل خفض ، ورفع ، وليس فيها رفع وخفض ، والعجب من قول أبي حنيفة برفع الايدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة ، ولم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنعه من رفع الايدي في كل خفض ورفع في سائر الصلوات ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم " . قلت : وما عزاه إلى أبي حنيفة روى في كتب الشراح من الحنفية ، فلا تغير بما جاء في الحاشية على " نصب الراية ( 2/285 ) من التعجب من هذا . . العزو وهو اختيار كثير من أئمة بلخ منهم كما في " المبسوط " للسرخسي ( 2 / 64 ) ، لكن العمل عند الحنفية على خلاف ذلك ، وهو الذي جزم به السرخسي ، ولكنهم يرون رفع الايدي في تكبيرات الزوائد في صلاة العيدين مع أنها لا أصل لها أيضا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانظر " المحلى " ( 5 / 83 ) . نعم روى البهقي ( 4/44 ) بسند صحيح عن ابن عمر أنه كان يرفع يديه على كل تكبيرة من تكبيرات الجنازة . فمن كان يظن أنه لا يفعل ذلك إلا بتوقيف من النبي صلى الله عليه وسلم ، فله أن يرفع ، وقد ذكري السرخسي عن ابن عمر خلاف هذا ، وذلك مما لا نعرف له أصلا له أصلا في كتب الحديث .
2 فيه إشارة إلى عدم مشروعية دعاء الاستفتاح ، وهو مذهب الشافعية وغيرهم ، وقال أبو داود في المسائل " ( 153 ) . سمعت أحمد سئل عن الرجل يستفتح على الجنازة : سبحانك . . . قال : ما سمعت " .
3 قلت : وهذا الحديث وما في معناه حجة عليهم ، لا يقال : ليس فيه التصريح بنسبة ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم لاننا نقول : أن قول الصحابي من السنة كذا . مسند مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم على أصح الاقوال حتى عند الحنفية ، بل قال النووي في ، " المجموع " ( 5 / 232 ) : " إنه المذهب الصحيح الذي قاله جمهور العلماء من أصحابنا في الاصول وغيرهم من الاصوليين والمحدثين " . قلت وبهذا جزم المحقق ابن الهمام في " التحرير " ، وقال شارحه ابن أمير حاج ( 2 / 224 ) : " وهذا قول أصحابنا المتقدمين ، وبه أخذ صاحب الميزان والشافعية وجمهور المحدثين " . قلت : وعليه فمن العجائب أن لا يأخذ الحنفية بهذا الحديث مع صحته ومجيئه من غير ما وجه ، ومع صلاحيته لاثبات السنة على طريقتهم وأصولهم فقال الامام محمد في " الموطأ " ( ص 175 ) : " لا قراءة على الجنازة ، وهو قول أبي حنيفة " . ومثله في " المبسوط " للسرخسي ( 2 / 64 ) . ولما رأي بعض المتأخرين منهم بعد هذا القول عن الصواب ، ومجافاته عن الحديث ، قال بجواز قراءة الفاتحة بشرط أن ينوي بها الدعاء والثناء على الله وإنما اشترطوا ذلك توفيقا منهم - بزعمهم - بين الحديث وقول إمامهم ، فكأن قوله حديث آخر صحيح ، ينبغي قرنه مع الحديث الصحيح ثم الجمع بينهما ومع أن
أن هذا الشرط باطل في نفسه لعدم وروده ، فإنه يبطله ثبوت قراءة السورة مع الفاتحة في الحديث وهي مطلقة لا يمكن اشتراط ذلك الشرط فيها أيضا وعندهم عجيبة أخرى وهي قولهم " أن قراء سبحانك - بعد التكبيرة الاولى من سنن الصلاة على الجنازة " مع أنه لا أصل لذلك في السنة كما تقدم التنبيه على ذلك في الحاشية ( ص 119 ) ، فقد جمعوا بين إثبات مالا أصل له في السنة وإنكار مشروعية ما ورد فيها فإن قلت : قد قال المحقق ابن الهمام في " فتح القدير " ( 1 / 459 ) : " قالوا : لا يقرأ الفاتحة ، إلا أن يقرأها بنية الثناء ، ولم تثبت القراءة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " . فأقول : وهذا القول من مثل هذا المحقق أعجب من كل ما سبق ، فإن ثبوت القراءة عنه صلى الله عليه وسلم مما لا يخفى على مثله مع وروده في " صحيح البخاري " وغيره مما سبق بيانه ، ولذلك فإنه يغلب على الظن أنه يشير بذلك إلى أن الحديث لا ينهض دليلا على إثبات القراءة لقوله فيه " سنة " بناء على الخلاف الذي سبق أن ذكرناه ، فإن كان الامبر كما فهذه عجبية أخرى ، فإن مذهبه أو قول الصحابي سنة في حكم المسند المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم نقله من كتابه " التحير " ، وقد جروا على ذلك في فروعهم ، فخذ مثلا على ذلك المسألة الاتية . قال في " الهداية " . " إذا حملوا الميت على السرير أخذوا بقوائمه الاربعة ، بذلك وردت السنة ، وقال الشافعي : السنة أن فقال ابن الهمام في صدد الرد على ما نسبوه إلى الشافعي :
" قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما ذهبوا إليه " . ثم ساق من طريق أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قال : " من اتبع الجنازة فليأخذ بجوانب السرير كلها فإنه من السنة " . رواه ابن ماجه ( 1 / 451 ) والبيهقي ( 194 - 20 ) ، قال ابن همام : " فوجب الحكم بأن هذا هو السنة ، وإن خلافه إن تحقق من بعض السلف فلعارض " . فانظر كيف جعل قول ابن مسعود " من السنة " في حكم المرفوع ، ولم يجعل قول ابن عباس كذلك فهل مصدر هذا التناقض السهو أم التعصب للمذهب عفانا الله منه ؟ وهذا على فرض صحة ذلك عن ابن مسعود ، فكيف وهو غير صحيح ، لانه منقطع ، أبو عبيدة لم يدرك أباه كما في " الجوهر النقي " للتركماني الحنفي ولذلك أعرضت عن إيراد هذه السنة المزعومة في كتابنا هذا ، كما أعرضنا عن مقابلها المنسوب للشافعي لعدم وروده
4 روى عن ابن مسعود صيغة قريبة من الصلاة الابراهيمية ، لكن سندها ضعيف جدا ، فلا يشتغل به ، وقد ساقها السخاوي في " القول البديع " ص ( 153 - 154 ) وابن القيم في " جلاء الافهام " ، وقال ( 255 ) : " فالمستحب أن يصلي عليه صلى الله عليه وسلم في الجنازة كما يصلي عليه في التشهد لان النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أصحابه لما سألوه عن كيفية الصلاة عليه "
5 وهي سبع صيغ أوردتها في " صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم " . وقد طبعه المكتب الاسلامي ، الطبعة الثالثة وفيها زيادات هامة . ثم طبع الطبعة الرابعة
6 قال السندي : أي خصوه بالدعاء ، وقال المناوي : " إي ادعوا له بإخلاص وحضور قلب ، لان المقصود بهذه الصلاة إنما هو الاستغفار والشفاعة للميت ، وإنما يرجي قبولها عند توفر الاخلاص والابتهال ، ولهذا شرع في الصلاة عليه من الدعاء ما لم يشرع مثله في الدعاء للحي ، قال ابن القيم : هذا يبطل قول من زعم أن الميت لا ينتفع بالدعاء " . قلت : وفي رواية الحاكم من حديث أبي أمامة المتقدم " ويخلص الصلاة في التكبيرات الثلاث " فالصلاة هنا بمعنى الدعاء بدليل الرواية الاولى " ويخلص الدعاء " لان أصل معنى الصلاة في اللغة الدعاء ، فمن غرائب التفسير ما في " القول البديع " ( ص 152 ) " ويخلص الصلاة أي يرفع صوته في صلاته بالتكبيرات الثلاث "
www.alalbani.info
تابع : الصلاة على الجنازة
83 - والدعاء بين التكبيرة الاخيرة والتسليم مشروع ، لحديث أبي يعفور عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه قال : " شهدته وكبر على جنازة أربعا ، ثم قام ساعة - يعني - يدعوا ، ثم قال : أتروني كنت أكبر خمسا ؟ قالوا : لا ، قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا " . أخرجه البيهقي ( 4 - 35 ) بسند صحيح . ثم أخرجه هو ( 4/42 ، 43 ) وابن ماجة ( 1/457 ) والحاكم ( 1/ 360 ) وأحمد ( 4 - 383 ) من طريق إبراهيم الهجري عن أبن أبي أوفي به ، إلا أنه أنه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ( ، وزاد بعد قوله : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يكبر أربعا : ثم يمكث ساعة فيقول ما شاء الله أن يقول ، ثم سلم " وقال الحاكم :
" هذا حديث صحيح ، وابراهيم لم ينقه عليه بحجة " . قلت : بلي ، ولذلك تعقبه الذهبي بقوله : قلت ضعفوا ابراهيم " .
قلت : وذلك لسوء حفظه ، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بقوله في " التقريب " لين الحديث ، رفع موقوفات " 1 .
84 - ثم يسلم تسليمتين مثل تسليمه في الصلاة المكتوبة إحداهما عن يمينه ، والاخرى عن يساره لحديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : " ثلاث خلال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعلهن تركهن الناس ، إحداهن التسليم على الجنازة مثل التسليم في الصلاة " . أخرجه البيقهي ( 4/43 ) بإسناد حسن ، وقال النووي ( 5/239 ) : " إسناد جيد " وفي " مجمع الزوائد " ( 3/34 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " ورجاله ثقات "
وقد ثبت في " صحيح مسلم " وغيره عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمتين في الصلاة ، فهذا يبين أن المراد بقوله في الحديث الاول : " مثل التسليم في الصلاة " أي التسليمتين المعهودتين . ويحتمل أنه يعني بالاضافة إلى ذلك أنه كان يسلم تسليمة واحدة أيضا ، بالنظر إلى أن ذلك كان من سنته صلى الله عليه وسلم في الصلاة أيضا ، أي أنه صلى الله عليه وسلم كان تارة يسلم تسليمتين وتارة تسليمة واحدة لكن الاول أكثر ، غير أن هذا الاحتمال فيه بعد لان التسليمة الواحدة وإن كانت ثابتة عنه ، صلى الله عليه وسلم لكن لم يروها ابن مسعود فلا يظهر أنها تدخل في قوله المذكور " مثل التسليم في الصلاة " . والله أعلم .
وللحديث شاهد ، يرويه شريك عن إبراهيم الهجري قال : " أمنا عبد الله بن أبي أوفى على جنازة ابنته فمكث ساعة ، حتى ظننا أنه سيكبر خمسا ثم سلم عن يمينه وعن شماله ، فلما انصرف قلنا له : ما هذا ؟ قال : إني لاأزيدكم على مارأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ، أو هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم . أخرجه البيهقي ( 4/43 ) وسنده ضعيف من أجل الهجري كم تقدم في المسألة السابقة وقد صح عنه من طريق أخرى بعضه مرفوعا ، وبعضه موقوفا ، كما ذكرنا هناك ، وروى أحمد في " مسائل أبي داود عنه " ( 153 ) عن عطاء بن السائب قال :
" رأيت ابن أبي أوفى صلى على جنازة فسلم تسليمة ( واحدة ) " لكن إسناده ضعيف فيه أبو وكيع الجراح بن مليح ، وهو يضعيف واتهمه بعضهم . وقد ذهب لى التسليمتين الحنفية كما في " المبسوط " ( 2/65 ) ، أحمد في رواية عنه كما في " الانصاف " ( 2/525 ) 2 والشافعية كما في " شرح ابن قاسم الغزي " ( 1/431 - باجوري ) وقال : " لكن يستحب زيادة ورحمه الله وبركاته " .
85 - ويجوز الاقتصار على التسليمة الاولى فقط ، لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ، فكبر عليها أربعا ، وسلم تسليمة واحدة " . أخرجه الدار قطني ( 191 ) والحاكم ( 1/360 ) وعنه البيهقي ( 4/43 ) من طريق أبي العنبس عن أبيه عنه .
قلت : واسناده حسن كما بينته في " التعليقات الجياد " .
ويشهد له مرسل عطاء بن السائب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سلم على الجنازة تسليمة واحدة .
أخرجه البيهقي معلقا . ويقويه عمل جماعة من الصحابة به ، فقد قال الحاكم عقبه : " قد صحت الرواية فيه عن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وعبد الله ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وأبي هريرة أنهم كانوا يسلمون على الجنازة تسليمه واحدة " .
قلت : وقد وافقه الذهبي ، وأسند البيهقي غالب هذه الاثار ، وزاد فيهم " واثلة ابن الاسقع وأبي إمامة وغيرهم " . وفي اطلاق الصحة على رواية ابن أبي إوفى نظر عندي ، لان في سندها الجراح بن مليح وهو ضعيف كما سبق قريبا ، إلا أن يكون وقع للحاكم من طريق أخرى ، وذلك مما لا أظنه ، وإلى هذه الاثار ذهب الامام أحمد في المشهور عنه ، وقال أبو داود ( 153 ) : " سمعت أحمد سئل عن التسليم على الجنازة ؟ قال : هكذا ، ولوى عنقه عن يمينه ( وقال : السلام عليكم ورحمة الله ) " . قلت وزيادة " وبركاته " في هذه التسليمة مشروعة خلافا لبعضهم ، لثبوتها في بعض طرق حديث ابن مسعود المتقدم في التسليمتين في الفريضة ، ومثلها في هذه المسألة صلاة الجنازة كما سبق ، وذكر ابن قاسم الغزي في شرحه استحبابها هنا في التسليمتين ، ورد ذلك عليه الباجوري في حاشيته ( 1/431 ) فذهب إلى عدم مشروعيتها هنا ولا في الفريضة والصواب ما ذكرنا .
86 - والسنة أن يسلم في الجنازة سرا ، الامام ومن وراءه في ذلك سواء ، لحديث أبي أمامة المتقدم في المسألة بلفظ : " ثم يسلم سرا في نفسه حين ينصرف ، والسنة أن يفعل من وراءه مثلما فعل إمامة " . وله شاهد موقوف ، أخرج البيهقي ( 4/43 ) عن ابن عباس أنه :
" كان يسلم في الجنازة تسليمة خفية " . وإسناده حسن . ثم روى عن عبد الله بن عمر أنه : " كان إذا صلى على الجنائز يسلم حتى يسمع من يليه " . وإسناده صحيح3 .
87 - ولا تجوز الصلاة على الجنازة في الاوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها إلا لضرورة ، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ، أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " . أخرجه مسلم ( 2 / 208 ) وأبو عوانة في صحيحه ( 1 / 368 ) وأبو داود ( 2 / 66 ) والنسائي ( 1 / 283 ) والترمذي ( 2 / 144 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1 / 463 ) والبيهقي ( 4 / 32 ) والطيالسي ( رقم 1001 ) وأحمد ( 5 / 152 ) من طريق علي بن رباح عنه . وزاد البيهقي :
" قال : قلت لعقبة : أيدفن بالليل ؟ قال : نعم ، قد دفن أبو بكر بالليل " . وإسنادها صحيح4 .
*****************************
1 فوائد : الاولى : قال الحافظ في " التلخيص " ( 1825 ) : " قال بعض العلماء اختلاف الاحاديث في الدعاء على الجنازة محمول على أنه كان يدعو على ميت بدعاء ، وعلى آخر بغيره ، والذي أمر به أصل الدعاء " . الثانية : قال الشوكاني في " نيل الاوطار " ( 55 4 ) : " إذا كان المصلي عليه طفلا استحب أن يقول المصلي : اللهم اجعله لنا سلفا وفرطا وأجرا ، روى ذلك البيهقي من حديث أبي هريرة ، وروى مثله سفيان في " الجامعة " عن الحسن " .
قلت : حديث أبي هريرة عند البيهقي إسناده حسن ، ولا بأس في العمل به في مثل هذا الموضع ، وإن كان موقوفا ، إذا لم يتخذ سنه ، بحيث يؤدي ذلك الى الظن إنه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والذي أختاره أن يدعو في الصلاة على الطفل بالنوع ( الثاني ) لقوله فيه : " وصغيرنا . . . اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تضلنا بعده " . وقد ذهب الامام أحمد إلى استحباب الدعاء في هذا الموطن ، كما رواه أبو داود في " المسائل " ( 153 ) عنه ، وهو مذهب الشافعية ، واستدل لهم النووي في " المجموع " ( 5/ 239 ) بحديث الهجري المذكور أعلاه ، ، والاستدلال بما قبله أقوى ، وهو حجة على الحنفية حيث قالوا : " ثم يكبر الرابعة ويسلم من غير ذكر بينهما " . الثالثة : وذهبت الشافعية أيضا الى وجوب مطلق الدعاء ، للميت لحديث أبي هريرة المتقدم : " . . فأخلصوا له الدعاء " . وهذا حق ، ولكنهم خصوه بالتكبيرة الثالثة واعترف النووي بانه مجرد دعوى فقال ( 5 / 236 ) : " ومحل هذا الدعا التكبيرة الثالثة ، وهو واجب فيها ، لا يجزي في غيرها بلا خلاف ، وليس لتخصيصه بها دليل واضح ، واتفقوا على أنه لا يتعين لها دعاء " . قلت : لكن إيثار ما تقدم من أدعيته صلى الله عليه وسلم على ما استحسنه بعض الناس ، مما لا ينبغي أن يتردد فيه مسلم ، فان خير الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم . ولذلك قال الشوكاني ( 4 / 55 ) : " واعلم أنه قد وقع في كتب الفقه ذكر أدعيه غير المأثورة عنه صلى الله عليه وسلم والتمسك بالثابت عنه أولى " . قلت : بل اعتقد أنه واجب على من كان على علم بما ورد عنه صلى الله عليه وسلم ، فالعدول عنه حينئذ يخشي أن يحق فيه قول الله تبارك وتعالى : ( أتستبد لون الذي هو ادني بالذي هو خير )
2 ومن المبالغات قول ابن المبارك : " من سلم على الجنازة بتسليمتين فهو جاهل جاهل . رواه أبو داود في " المسائل " ( 154 ) بسند صحيح عنه
3 قلت : وكأنه لاختلاف هذين الاثرين اختلفت اقوال الحنابلة في هذه المسألة ، فجاء في الانصاف ( 5 / 523 ) : " قال في " الفروع " : ظاهر كلام الاصحاب أن الامام يجهر بالتسليم ، وظاهر كلام ابن الجوزي أنه يسر " . ثم نقل عن " المذهب " و" مسبوك الذهب " ما يشهد لكلام ابن الجوزي . وهو الارجح لحديث أبي أمامة
4 الحديث بعمومه يشمل الصلاة على الجنازة ، وهو الذي فهمه الصحابة فروي مالك في " الموطأ " ( 1 / 228 ) ومن طريقه البيهقي عن محمد بن أبي حرملة أن زينب بنت أبي سلمة توفيت وطارق أمير المدينة ، فأتي بجنازتها بعد صلاة الصبح ، فوضعت بالبقيع قال : وكان طارق يغلس بالصبح ، قال ابن أبي حرملة : فسمعت عبد الله بن عمر يقول لاهلا إما أن تصلوا على جنازتكم الان ، وإما أن تتركوها حتى ترتفع الشمس ، وسنده صحح على شرط الشيخين . ثم روى مالك عن ابن عمر قال : يصلى على الجنازة بعد العصر وبعد الصبح إذا صليتا لوقتهما . وسنده صحيح أيضا . وروى البيهقي بسند جيد عن ابن جريج أخبرني زياد أن عليا أخبره أن جنازة وضعت في مقبرة أهل البصرة حين اصفرت الشمس ، فلم يصل عليها حتى غربت الشمس : فأمر أبو برزة المنادي ينادي بالصلاة ثم أقامها ، فتقدم أبو برزة فصلى بهم المغرب ، وفي الناس أنس بن مالك ، وأبو برزه من الانصار من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم صلوا على الجنازة . قال الخطابي في " المعالم " ( 4/327 ) ما ملخصه : واختلف الناس في جواز الصلاة على الجنازة والدفن في هذه الساعات الثلاث ، فذهب أكثر أهل العلم إلى كراهة الصلاة عليها في هذه الاوقات ، وهو قول عطاء والنخعي والاوزاعي والثوري وأصحاب الرأي وأحمد وإسحاق ، والشافعي يرى الصلاة والدفن أي ساعة من ليل أو نهار ، وقول الجماعة أولى لموافقته الحديث " . قلت : ومنه تعلم أن دعوى النووي جواز هذه الصلاة بالاجماع . وهم منه رحمه الله
www.alalbani.info
الدفن وتوابعه
88 - ويجب دفن الميت ولو كان كافرا ، وفي حديثان :
الاول : عن جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أبو طلحة الانصاري ، والسياق له : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر يوم بدر بأربعة وعشرين رجلا من صناديد قريش ، ( فجروا بأرجلهم ) فقذفوا في طوى1من أطواء بدر خبيث مخبث ( بعضهم على بعض ) . ( إلا ما كان من أمية بن خلف فإنه انتفخ في درعه فملاها ، فذهبوا يحركوه فتزايل2فأقروه ، وألقوا عليه ماغيبه من التراب والحجارة ) ، وكان صلى الله عليه وسلم إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة3 ثلاث ليال ، فلما كان ببدر اليوم الثالث أمر براحلته فشد رحلها ، ثم مشى واتبعه أصحابه ، وقالوا : ما نرى ينطلق إلا لبعض حاجته ، حتى قام على شفة الركي4فجعل ينادي بأسمائهم وأسماء آبائهم ( وقد جيفوا ) : ( يا أبا جهل بن هشام ويا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا وليد بن عتبة ) ، أيسر كم أنكم أطعتم الله ورسوله ؟ فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا ، فهل وجدتهم ما وعدكم ربكم حقا ؟ قال : ( فسمع عمر قول النبي صلى الله عليه وسلم ) ، فقال : يا رسول الله الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها ، ( وهل يسمعون ؟ يقول الله عزوجل : إنك لا تسمع الموتي ) ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ( والله ) ( إنهم الان ليعلمون أن الذي كنت أقول لهم لهو الحق ) ، وفي رواية ، إنهم الان ليسمعون ) ( غير أنهم لا يستطيعون أن يردوا علي شيئا ، قال قتادة : أحياهم الله ( له ) حتى أسمعهم قوله ، توبيخا وتصغيرا ، ونقمة ، وحسرة وندما " . قلت رواه جماعة من الصحابة ، وهذه رواية بعضهم ، وهم :
الاول : أبو طلحة الانصاري ، يرويه قتادة قال : ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة به . أخرجه البخاري ( 7/240 - 241 ) واللفظ له ومسلم ( 8/164 ) وأحمد ( 4/129 ) والزيادة الخامسة له ، وهي على شرط مسلم ، وأخرجه النسائي أيضا ( 1/293 ) ، لكنه لم يذكر في سنده أبا طلحة ، وهو رواية لمسلم ( 8/163 ) وأحمد ( 3/104 ، 145 ، 182 : 219 - 287 ) وعنده الزيادة الاولى والسابعة ، وإسنادهما صحيح على شرط مسلم ، وعندهم - أعني الثلاثة - الزيادة الرابعة والخامسة ، إلا أنهم قالوا : " أمية بن خلف " بدل " وليد بن عتبة " وهو خطأ من بعض الرواة ، لان أمية لم يكن في البئر كما تدل عليه الزيادة الثانية ، وهي في حديث عائشة كما يأتي بسند حسن ، وعندهم أيضا الزيادة السادسة والعاشرة ، ولاحمد الحادية عشر .
الثاني : عمر بن الخطاب ، رواه عنه أنس أيضا بنحوه ، وفيه الزيادة الثانية . أخرجه مسلم والنسائي وأحمد ( رقم182 ) .
الثالث : عبد الله بن عمر ، وله الرواية الثانية ، وفيه الزيادة التاسعة . أخرجه البخاري ( 7/242 . 242 - 243 ) وأحمد ( رقم 4864 ، 4958 ، 6145 ) وفي رواية له : " فذكر ذلك لعائشة ، فقالت : وهل - يعني ابن عمر - ، انما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إنهم الان . . . " وإسنادها حسن ، وفيها الزيادة الثانية أيضا كما تقدم . وأعلم أن العلماء صوبوا رواية ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إنهم الان ليسمعون " ، وردوا قولها فيه " وهل " ، لانه مثبت وهي نافية ، ولانه لم يتفرد بذلك بل تابعة أبوه عمر وأبو طلحة كما تقدم ، وغيرهما كما في " الفتح " فراجعه إن شئت التفصيل . والحق أن ما رواه الجماعة صواب ، وما روته عائشة كذلك ، وكل ثقة ولا تناقض بين الروايتن ، فتضم إحداهما إلى الاخرى كما فعلنا في سياق الحديث . ثم أخرجه أحمد ( 6/276 ) وابن هشام في " السيرة " ( 2/74 ) بسند حسن ، وفيه الزيادة الثالثة .
الثاني : عن علي رضي الله عنه قال : " لما توفي أبو طالب ، أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إن عمك الشيخ ( الضال ) قد مات ( فمن يواريه ؟ ) ، فقال : اذهب فواره ، ثم لا تحدث شيئا حتي تأتيني : ( فقال : إنه مات مشركا5 ، فقال : إذهب فواره ) قال : فواريته ثم أتيته ، قال : إذهب فاغتسل ثم لا تحدث شيئا حتى تأتيني ، قال : فاغتسلت ، ثم أتيته ، قال : فدعا لي بدعوات ما يسرني أن لي بها حمر النعم وسودها . قال : وكان علي إذا غسل الميت اغتسل " . أخرجه أحمد ( رقم 807 ) وابنه في زوائد " المسند " ( رقم 1074 ) من طريق أبي عبد الرحمن السلمي عنه . قلت : وسنده صحيح .
وأخرجه أبو داود ( 2/70 ) والنسائي ( 1/282 - 283 ) والبيهقي ( 3/398 ) وأحمد أيضا ( رقم 759 ) من طريق أبي إسحاق : سمعت ناجية بن كعب يحدث عن علي به نحوه . والزيادات لاحمد إلا الثانية فللنسائي .
وإسناده صحيح أيضا ، رجاله كلهم ثقات رجال الصحيحين غير ناجية بن كعب ، قال العجلي في " الثقات " 6 : " كوفي تابعي ثقة " . وقال الحافظ في " التقريب " : ثقة " . وأما قول النووي في " المجموع " ( 5 / 181 ) :
" رواه أبو داود وغيره ، وإسناده ضعيف " . فهو مردود ، ولا ندري وجهه إلا أن يريد أنه من رواية أبي إسحاق وهو السبيعي ، فإنه كان تغير لما كبر . فإن كان هذا ، فالجواب من وجهين :
الاول : أنه من رواية سفيان الثوري عنه ، وهو من أثبت الناس فيه ، كما في " التهذيب " .
الثاني : أنه لم يتفرد به ، بل جاء من الطريق الاولى كما سبق ، وكأن النووي رحمه الله لم يقف عليها أو لم يستحضرها حين تكلم على الحديث ، ولعله اعتمد في تضعيفه على البيهقي ، فقد قال الحافظ في " التلخصى " ( 5/149 - 150 ) بعد أن عزاه لاحمد وأبي داود
والنسائي وابن أبي شيبة وأبي يعلى والبزار والبيهقي من طريق أبي إسحاق . . " ومدار كلام البيهقي على أنه ضعيف ، ولا يتبين وجه ضعفه ، وقد قال الرافعي انه حديث ثابت مشهور ، قال ذلك في أمالية " .
وعزاه في " الفتح " ( 7/154 ) لابن خزيمة أيضا وابن الجارود 7 .
89 - ولا يدفن مسلم مع كافر ، ولا كافر مع مسلم ، بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين ، الكافر في مقابر المشركين ، كذلك كان الامر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، واستمر إلى عصرنا هذا ، ومن الادلة على ذلك حديث بشير بن الخصاصية قال : " بنا أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( آخذا بيده ) . فقال : يا ابن الخصاصية ما ( أصبحت ) تنقم على الله ؟ 8أصبحت تماشي رسول الله ( قال : أحسبه قال : آخذا بيده ) ، فقلت : ( يا رسول الله بأبي وأمي ) ما ( أصبحت ) أنقم على الله شيئا ، كل خير فعل بي الله . فأتي على قبور المشركين فقال : لقد سبق هؤلاء بخير كثير ، وفي رواية : خيرا كثيرا ) ثلاث مرات . ثم أتى على قبور المسلمين ، فقال : لقد أدرك هؤلاء خيرا كثيرا ، ثلاث مرات فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة ، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان ، فقال : يا حاصب السبتيتين ويحك ألق سبتيتك ، فنظر فلا عرف الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه فرمي بهما " . أخرجه أبو داود ( 2/72 ) والنسائي ( 1/288 ) وابن ماجة ( 1/474 ) وابن أبي شيبة ( 4/170 ) والحاكم ( 1/373 ) والسياق له ومن طريقه البيهقي ( 4/80 ) والطيالسي ( 1123 ) وأحمد ( 5/83 ، 83 ، 224 ) والزيادات له ، والثانية للبيهقي وليست في المستدرك ، وروي الطحاوي ( 1/293 ) منه قصة الرجل صاحب السبتيتين وقال الحاكم :
" صحيح الاسناد " . ووافقه الذهبي ، وأقره الحافظ في " الفتح " ( 3/160 ) وروى ابن ماجه عن عبد الله عثمان وهو البصري شعبة أنه قال : حديث جيد ونقل ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 4/343 ) عن الامام أحمد أنه قال : اسناده جيد . وقال النووي في " المجموع " : ( 5/312 ) : " اسناده حسن " .
واحتج به ابن حزم ( 5/142 ، 143 ) على أنه لا يدفن مسلم مع مشرك . وفي مكان آخر ، احتج به على تحريم المشي بالنعال بين القبور كما سيأتي في التعليق على المسألة ( 126 ) .
90 - والسنة الدفن في المقبرة ، لان النبي صلى الله عليه وسلم كان يفن الموتى في مقبرة البقيع ، كما تواترت الاخبار بذلك ، وتقدم بعضها في مناسبات شتى أقربها حديث ابن الخصاصية الذي سقته في المسألة السابقة ، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه دفن في غير المقبرة ، إلا ما تواتر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرته ، وذلك من خصوصياته عليه السلاة والسلام ، كما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها : قالت : " لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في دفنه ، فقال أبو بكر : سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيي ا ما نسيتة قال : " ما قبض الله نبيا إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه " ، فدفنوه في موضع فراشه " . أخرجه الترمذي ( 2/129 ) وقال : " حديث غريب ، وعبد الرحمن بن أبي بكر المليكي يضعف من قبل حفظه " . قلت : لكنه حديث ثابت بما له من الطرق والشواهد :
أ - أخرجه ابن ماجه ( 1/498 ، 499 ) وابن سعد ( 2/71 ) وابن عدي في الكامل " ( ق 94/2 ) من طريق ابن عباس عن أبي بكر .
ب - وابن سعد وأحمد ( رقم 27 ) من طريقين منقطعين عن أبي بكر .
ج - ورواه مالك ( 1/230 ) وعنه ابن سعد بلاغا .
د - ورواه ابن سعد بسند صحيح عن أبي بكر مختصرا موقوفا ، وهو في حكم المرفوع ، وكذلك رواه الترمذي في " الشمائل " ( 2/272 ) في قصة وفاته صلى الله عليه وسلم ، قال الحافظ ابن حجر ( 1/420 ) :
" واسناده صحيح ، لكنه موقوف ، والذي قبله أصرح في المقصود ، وإذا حمل دفنه في بيته على الاختصاص لم يبعد نهي غيره عن ذلك ، بل هو متجه ، لان استمرار الدفن في البيوت ربما صيرها مقابر ، فتصير الصلاة فيها مكروهة " وقد استنبط البخاري الكراهة من قوله صلى الله عليه وسلم : " اجعلو في بيوتكم من صلاتكم ، ولا تتخذوها قبورا " . أورده في " باب كراهية الصلاة في المقابر " من حديث ابن عمر ، فقال الحافظ : " ولفظ حديث أبي هريرة عند مسلم أصرح من حديث الباب ، وهو قوله : " لا تجعلو بيوتكم مقابر " ، فإن ظاهره يقتضي النهي عن الدفن في البيوت مطلقا " .
91 - ويسثني مما سبق الشهداء في المعركة ، فإنهم يدفنون في مواطن استشهادهم ولا ينقلون إلى المقابر لحديث جابر رضي الله عنه قال : " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى المشركين ليقاتلهم ، وقال أبي عبد الله : يا جابر ابن عبد الله لا عليك أن تكون في نظاري أهل المدينة حتى تعلم إلى ما يصير أمرنا ، فإني والله لو لا أني أترك بنات لي بعدي لاحببت أن تقتل بين يدي ، قال : فبينما أنا في النظارين إذ جاءت عمتي بأبي وخالي عادلتهما على ناضح ، فدخلت بهما المدينة لتدفنهما في مقابرنا - إذ لحق رجل ينادي : ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن ترجعوا بالقتلي فتدفنوها في مصارعها حيث قتلت فرجعنا بهما فدفناهما حيث قتلا " . أخرجه أحمد ( 3/397 - 398 ) بسند صحيح ، وبعضه عند أبي داود وغيره مختصرا وقد تقدم في المسألة ( 17ص 14 )
************
1 هي البئر التي طويت وثبتت بالحجارة لتثبت ولا تنهار
2 أي تفسخ وتفرقت أجزاؤه .
3 هي كل موضع واسع لابناء فيه .
4 أي طرف البئر
5 هذا صريح في أن أبا طالب مات كافرا مشركا ، وفي الباب أحاديث كثيرة ، منها حديث سعيد بن حزن المتقدم في المسألة ( 60 ) ، وقد قال الحافظ بن شرحه له : " ووقفت على جزء جمعه بعض أهل الرفض أكثر فيه من الاحاديث الواهية الدالة على إسلام أبي طالب ، ولا يثبت من ذلك شئ ، وبالله التوفيق ، وقد لخصت ذلك في ترجمة أبي طالب من كتاب الاصابة " .
6 رتبه العلامة علي بن عبد الكافي السبكي على حروف المعجم ، وعندنا منه نسخة منسوخة عن نسخة نسخت عن أصل محفوظ في مكتبة الاوقاف الاسلامية بحلب ، ثم قابلت نسختي بالاصل ومنها نقلت وذاك شئ اخر . نعم إن ثبتت الرواية الاتية فلا مناص من التسليم بما سبق عن الحافظ ، فقد قال عقب كلامه المذكور : " قلت : وقع عند ابن أبي شيبة في مصنفه بلفظ : " فقلت : إن عمك الشيخ الكافر قد مات فما ترى فيه ؟ قال : أرى أن تغسله وتجنه " ، وقد ورد من وجه آخر أنه غسله ، رواه ابن سعد عن الواقدي " . قلت : أما الواقدي فمتروك متهم بالكذب ، فلا قيمة لزيادته ، وأما زيادة ابن أبي شيبة " أن تغسله " فهي منكرة أيضا لانه أخرجها ( 4 / 142 ) من طريق الاجلح عن الشعبي مرسلا . وهو مع إرساله فإن الاجلح فيه ضعيف ، فلا حجة في زيادته أيضا .
7 فائدة : هذا الحديث أورده البيهقي في باب المسلم يغسل ذا قرابته من المشركين ويتبع جنازته ويدفنه ولا يصلي عليه " . وأنت ترى أنه ليس في الحديث ما ترجم له من الاغتسال فقال الحافظ تعليقا على كلامه : " تنبيه . ليس في شئ من طرق هذا الحديث التصريح بأنه غسله إلا أن يؤخذ ذلك من قوله : " فأمرني فاغتسلت فإن الاغتسال شرع من غسل الميت ، ولم يشرع من دفنه . ولم يستدل البيهقي وغيره إلا على الاغتسال من غسل الميت ، وقد وقع عند أحمد أيضا وابنه كما تقدم ، ويستغرب من الحافظ كيف خفي عليه ذلك ، لا سيما وهو قد عزي الحديث لاحمد كما رأيت ثم إن قوله : " ولم يشرع الاغتسال من دفنه " ، فيه نظر ، لان لقائل أن يقول : أن الحديث ظاهر الدلالة على مشروعية ذلك ، ولا ينافيه الزيادة التي وقعت في آخر الحديث ، لانها جملة مستأنفة ، لا علاقة لها بما قبلها ، أعني أنه لا دليل في الحديث أن عليا إنما كان يغتسل من غسل الميت ، لامره صلى الله عليه وسلم إياه بالغسل في الحديث بل هذا شئ
8 إنما قال له عليه السلام هذا لان بشيرا رضي الله عنه كان أظهر شيئا من التضجر بسبب بعده عن دار قومه فقد روى الطبراني في " الكبير " والاوسط " عن بشير نفسه قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فلحقته بالبقيع فسمعته يقول : السلام على أهل الديار من المؤمنين وانقطع شسعي ، فقال : انعش قدمك ، فقلت : يا رسول الله طالت عزوبتي ونأيت عن دار قومي فقال : يا بشير ألا تحمد الله الذي أخذ بناصيتك من بين ربيعة ، قوم يرون لو لا أنهم انكفت الارض بمن عليها . قال الهيثمي في " المجمع " ( 3 / 60 ) : ورجاله ثقات "
www.alalbani.info
تابع : الدفن وتوابعه
92 - ولا يجوز الدفن في الاحوال الاتية إلا لضرورة :
أ - الفن في الاوقات الثلاثة لحديث عقبة بن عامر المتقدم ، ( ص 130 ) بلفظ : " ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن ، أو أن نقبر فيهن موتانا ، حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع ، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس ، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب " . والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا ، وقد ذهب لى ذلك ابن حزم في " المحلى " ( 5/114 - 115 ) وغيره من العلماء ، . ومن التأويلات البعيدة ، بل الباطلة قول بعضهم : " قوله : ( نقبر ) أي نصلي " قال أبو الحسن السندي : " ولا يخفى أنه معنى بعيد ، لا ينساق إليه الذهن من لفظ الحديث ، قال بعضهم " يقال : قبره إذا دفنه ، ولا يقال : قبره إذا صلى عليه " . والاقرب أن الحديث يميل إلى قول أحمد وغيره أن الدفن مكروه في هذه الاوقات " 1
ب . في الليل لحديث جابر رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن في كفن غير طائل وقبر ليلا ، فزجر البني صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل بالليل حتى يصلى عليه ، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " أخرجه مسلم وغيره وقد سبق في المسألة ( 35ص 56 )
والحديث ظاهر الدلالة على ما ذكرنا ، وهو مذهب أحمد رحمه الله في رواية عنه ذكرها في " الانصاف " ( 2/547 ) قال : " لا يفعله إلا لضرورة ، وفي أخرى عنه : يكره " . قلت : والاول أقرب لظاهر قوله " زجر " فانه أبلغ في النهي من لفظ " نهى " الذي يمكن حمله على الكراهة ، على أن الاصل فيه التحريم ، ولا صارف له إلى الكراهة . 2
93 - فإن اضطرار لدفنه ليلا ، جاز ولو مع استعمل المصباح والنزول به في القبر ، لتسهيل عملية الدفن ، والدليل حديث ابن عباس : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أدخل رجلا قبره ليلا ، وأسرج في قبره " . أخرجه ابن ماجه ( 1/ 464 ) والترمذي ( 2/157 ) بأتم منه وقال : " حديث حسن " . قلت : يعني أنه حسن لغيره ، وهذا اصطلاح خاص للترمذي أنه إذا قال : " حديث حسن " فإنما يريد الحسن لغيره كما نص عليه هو نفسه في " العلل " ، المذكورة في آخر كتابه ، وقد جاء له شاهد كما يأتي ، وعليه فلا يرد على تحسين الترمذي نقد ابن القطان إياه الذي حكاه صاحب " تحفة الاحوذي " . أما الشاهد فهو من حديث جابر بن عبد الله . أخرجه أبو داود ( 2/63 ) والحاكم ( 1/368 ) والبيهقي ( 4/53 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . ووافقه الذهبي وزاد عليهما النووي فقال في " المجموع " ( 5/302 ) : " رواه أبو داود بإسناد على شرط البخاري ومسلم
" قلت : وكل ذلك خطأ ، فإن مدار إسناده على محمد بن مسلم الطائفي ، وهو وإن كان ثقة في نفسه ، فقد كان ضعيفا في حفظه ، ولذلك لم يحتج الشيخان به ، وإنما روى له البخاري تعليقا ، ومسلم استشهادا ، ومن العجائب أن الحاكم والذهبي على علم ببعض هذا ، فقد ذكر المزي أن الطائفي هذا ليس له في مسلم إلا حديثا واحدا ، قال الحافظ ابن حجر : " وهو متابعه عنده ، كما نص عليه الحاكم " وكذلك صرح الذهبي في ترجمته من " الميزان " أن مسلما روى له متابعة . وله شاهد آخر من حديث أبي ذر نحوه . أخرجه الحاكم بسند فيه رجل لم يسم ، وبقية رجاله ثقات .
94 - ويجب إعماق القبر ، وتوسيعه وتحسينه ، وفيه حديثان :
الاول : عن هشام بن عامر قال : " لما كان يوم أحد ، أصيب من أصيب من المسلمين ، وأصاب الناس جراحات ، ( فقلنا : يا رسول الله ، الحفر علينا لكل إنسان شديد ) ، ( فكيف تأمرنا ) ، فقال : احفروا وأوسعوا ( وأعمقوا ) ( وأحسنوا ) ، وادفنوا الاثنين والثلاثة في القبر ، وقدموا أكثرهم قرآنا ، ( قال : فكان أبي ثالث ثلاثة ، وكان أكثرهم قرآنا ، فقدم ) " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والنسائي ( 1/ 283 - 284 ) والترمذي ( 3 / 36 ) والبيهقي ( 4 / 34 ) وأحمد ( 4 / 19 ، 20 ) ، وابن ماجه مختصرا .
والسياق للنسائي ، والزيادات كلها له في رواية ، وكذا هي عند أحمد دون الاولى ، ولابي داود والبيهقي الثالثة ، وللترمذي وابن ماجه والبيهقي الرابعة ، وللترمذي الخامسة وقال : " حديث حسن صحيح " .
قلت : ومدار سنده على حميد بن هلال ، وقد رواه عنه أيوب السختياني على ثلاثة وجوه :
الاول : عنه عن هشام بن عامر .
الثاني : عنه عن أبي الدهماء عن هشام .
الثالث : عنه عن سعد بن هشام عن أبيه هشام .
وقد تابعه على الوجه الاول سليمان بن المغيرة عن حميد به . أخرجه تابعه على الوجه الاول سليمان بن المغيرة عن حميد به . أخرجه النسائي والبيهقي ( 3/413 ) وأحمد . وتابعه على الوجه الثالث جرير بن حازم ثنا حميد بن هلال عن سعد بن هشام بن عامر أخرجه الثلاثة المذكورن وكذا أبو داود وعنه البيهقي ( 3/414 ) .
وهذا الوجه أرجح عندي لهذه المتابعة ، وهي أرجح من المتابعة الاولى لوجهين :
أولا : أن سليمان بن المغيرة احتج به مسلم دون البخاري ، فروي له مقرونا بغيره ، بخلاف جرير بن حازم فقد احتج به مسلم والبخاري .
ثانيا : أن فيه زيادة من ثقة ، وهي معتبرة فكان من المرجحات . وعلى هذا فإسناد الحديث صحيح كما قال الترمذي وهو على شرط الشيخين .
الثاني : عن رجل من الانصار قال : خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار ، وأنا غلام مع أبي ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفيرة القبر ، فجعل يوصي ( وفي رواية : يومئ إلى ) الحافر ويقول : أوسع من قبل الرأس ، وأوسع من قبل الرجلين ، لرب عذق له في الجنة " 3 . أخرجه أبو داود ( 2/83 ) والبيهقي ( 3/414 ) ، والرواية الاخرى له وأحمد ( 5/408 ) والسياق له ، وإسناده صحيح كما قال النووي في " المجموع " ( 5/286 ) والحافظ في " التلخيص " ( 5/201 ) .
95 - ويجوز في القبر اللحد4والشق لجريان العمل عليهما في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن الاول أفضل ، وفي ذلك أحاديث :
الاول : عن أنس بن مالك قال : " لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يلحد ، وآخر يضرح ، فقالوا : نستخير ربنا ، ونبعث إليهما ، فأيهما سبق تركناه ، فأرسل إليهما ، فسبق صاحب اللحد فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم " . أخرجه ابن ماجه ( 1/472 ) والطحاوي ( 4/45 ) وأحمد ( 3/99 ) .
قلت : وسنده حسن كما قال الحافظ في " التلخيص " ( 5/204 ) . وله شاهدان :
الاول : عن ابن عباس . أخرجه ابن ماجه ( 1/298 ) وأحمد ( 39 ، 3358 ) وابن سعد ( 2/2/72 ) والبيهقي ( 3/407 )
والاخر : عن عائشة " رواه ابن ماجه وابن سعد ، وإسناده كل منهما ضعيف كما قال الحافظ . لكن للاول منهما طريق أخرى بلفظ : " دخل قبر النبي : صلى الله عليه وسلم العباس ، وعلي والفضل ، وسوى لحده رجل من الانصار ، وهو الذي سوى لحود قبور الشهداء يوم بدر " . أخرجه الطحاوي في " مشكل الاثار " ( 4/47 ) وابن الجارود ( 268 ) وابن حبان ( 2161 ) وإسناده صحيح ، ولابن عباس حديث آخر في اللحد من قوله صلى الله عليه وسلم يأتي بعد حديث ، وشاهد من حديث علي يأتي في المسألة ( 97 ) ( ص 147 ) .
الثاني : عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال : " ألحدوا لي لحدا ، وانصبوا علي اللبن نصبا كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم " . أخرجه مسلم ( 2/61 ) والنسائي وأحمد ( 1489 ، 1601 ، 1602 ) .
الثالث : عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " اللحد لنا ، والشق لغيرنا " . أخرجه أبو داود ( 2/69 ) والنسائي ( 1/283 ) والترمذي ( 2/152 ) وابن ماجه ( 4711 ) والطحاوي ( 4/48 ) والبيهقي ( 3/408 ) بسند ضعيف كما قال الحافظ ( 5/203 ) وصححه ابن السكن .
قلت ولعله لشواهده وطرقه التي منها : عن جرير مرفوعا مثله . رواه ابن ماجه والطحاوي والبيهقي والطيالسي ( 669 ) وأحمد ( 4/357 ، 359 ، 362 ) عن عثمان بن عمير أبي اليقظان عن زاذان عنه .
وعثمان هذا ضعيف كما قال الحافظ ، لكن رواه الطحاوي من طريق ثان وأحمد من طريقين آخرين ، فهذه طرق أربعة لحديث جرير يقوي بعضها ، فإذا ضمت إلى حديث ابن عباس شدت من عضده وارتقي إلى درجة الحسن بل الصحيح5
98 6 - ولا بأسن من أن يدفن فيه اثنان أو أكثر عند الضرورة ، ويقدم إلى إفضلهم ، وفيه أحاديث :
الاول : عن جابر بن عبد الله قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم يجمع بين الرجلين ( والثلاثة ) من قتل أحد في ثوب واحد7 ثم يقول : أيهم أكثر أخذا للقرآن ؟ فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد [ قبل صاحبه ] وقال : أنا شهيد على هؤلاء يوم القيامة ، وأمر بدفنهم في دمائهم ، ولم يغسلوا ولم يصل عليهم ، ( قال جابر : فدفن أبي وعمي8يومئذ في قبر واحد ) " . أخرجه البخاري ( 3/163 - 165 ، 169 ، 7/300 ) والنسائي ( 1/277 ) والترمذي ( 2/147 ) وصححه وابن ماجه ( 1/461 ) وابن الجارود ( 270 ) والبيهقي ( 4/14 ) وأحمد ( 5/431 ) ، والزيادة الثالثة له ، وللبخاري معناها ، وله والبيهقي الثانية ، ولابن ماجه الثالثة ، وعزاها الشوكاني ( 4/25 ) للترمذي فوهم . وفي الشطر الثاني من الحديث زيادة تقدمت في المسألة ( 32 ) ، ( ص 54 )
الثاني : عن أبي قتادة أنه حضر ذلك ، قال : " أتي عمرو بن الجموع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أرأيت إن قتلت في سبيل الله حتى أقتل أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة ؟ وكانت رجله عرجاء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، فقتلوا يوم أحد : هو وابن أخيه ومولى لهم ، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بهما وبمولاهما ، فجعلوا في قبر واحد " . أخرجه أحمد ( 5/299 ) بسند حسن كما قال الحافظ ( 3/168 ) . وفي الباب عن هشام بن عامر ، ومضي حديثه في المسأله ( 93 ) الحديث الاول ، ( ص 141 ) وعن أنس بن مالك ، وتقدم في المسألة ( 37 ) ، ( ص 59 ) - 60 ) 9
**************
1 قلت : وقد رد ذلك التأويل الامام النووي أيضا ، ولكنه في سبيل بيان ذلك وقع في تأويل آخر يشبه هذا وادعي دعوى غير ثابتة فقال في " شرح مسلم " : " قال بعضهم إن المراد بالقبر صلاة الجنازة ، وهذا ضعيف ، لان صلاة الجنازة لا تكره في هذا الوقت بالاجماع ، فلا يجوز تفسير الحديث بما يخالف الاجماع ، بل الصواب أن معناه تعمد تأخير الدفن إلى هذه الاوقات ، كما يكره تعمد تأخير العصر إلى اصفرار الشمس بلا عذر . . . فأما إذا وقع الدفن في هذه الاوقات بلا تعمد فلا يكره " . قلت : وهذا تأويل لا دليل عليه ، والحديث مطلق يشمل المتعمد وغيره ، فالحق عدم جواز الدن ولو لغير متعمد ، فمن أدركته فيها فليتريث حتى يخرج وقت الكراهة . وأما ادعاؤه أن صلاة الجنازة لا تكره في مثل هذا الاوقات بالاجماع فوهم منه رحمه الله ، فالمسألة خلافية والصواب فيها الكراهة خلاف الاجماع المزعوم ، وقد سبق بيان ذلك في المسألة ( 89 ) تعليقا عليها ( ص 130 )
2 لكن يشكل على ما ذكرنا قوله في الحديث " حتى يصلى عليه " . فإنه يدل بظاهره أيضا على جواز الدفن ليلا بعد الصلاة لانها هي الغاية من النهي ، فإذا حصلت ارتفع النهي ، لكن يرد عليه قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " فإن إسم الاشارة فيه يعود إلى المنهي عنه وهو الفدن ليلا قبل الصلاة إلا عند الضرورة فيجوز . وهذا بعيد جدا ، لان من السهل أن نتصور اضطرار المشيعين للدفن ليلا لاسباب كثيرة كما سيأتي عن ابن حزم ولكننا لا نتصور في وجه من الوجوه أن يضطروا لدفنه دون أن يصلو عليه ، ومما يزيده بعدا أن هذا المعنى يجعل قيد " الليل " عديم الفائدة ، إذ الدفن قبل الصلاة ، كما لا يجوز ليلا ، فكذلك لا يجوز نهارا ، فإن جاز ليلا لضرورة جاز نهارا من أجلها ولا فرق ، فما فائدة التقييد ب " الليل " حينئذ . لا شك أن الفائد لا تظهر بصورة قوية إلا إذا رجحنا ما استظهرناه أو لا من عدم جواز الدفن ليلا وبيان ذلك : أن الدفن ليلا وبيان ذلك : أن الدفن في الليل مظنة قلة المصلين على الميت ، فنهي عن الدفن ليلا حتى يصلي عليه نهارا ، لان الناس في النهار أنشط في الصلاة عليه ، وبذلك تحصل الكثرة من المصلين عليه ، هذه الكثرة التي هي من مقاصد الشريعة وأرجي لقبول شفاعتهم في الميت كما سبق بيانه في " المسألة ( 63 ) ، ( ص 96 ) قال النووي : في " شرح مسلم " : " وأما النهي عن القبر ليلا حتى يصلى عليه ، فقيل سببه أن الدفن نهارا يحضره كثير من الناس ويصلون عليه ولا يحضره في الليل إلا أفراد ، وقيل لانهم كانوا يفعلون ذلك لرداءة الكفن ، فلا يتبين في الليل ، وى ( يده أول الحديث وآخره ، قال القاضي : العلتان صحيحتان ، قال : والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا ، قال : وقد قيل غير هذا " . قلت : فإذا عرف أن العلة قلة المصلين وخشية رداءة الكفن ، ينتج من ذلك أنه لو صلي عليه نهارا ، ثم تأخر دفنه لعذر إلى الليل أنه لا مانع من دفنه فيه لانتفاء العلة وتحقق الغاية وهي كثرة المصلين ، وعليه فهل يجوز التأخر بدفن الميت في النهار تحصيلا للغاية المذكورة ، استحسن ذلك الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 / 166 ) ، ولست إرى ذلك لان العلة المذكورة مقيدة فلا يجوز تعديتها إلى النهار لوجود الفارق الكبير بين الظرفين ، فإن القلة في الليل أمر طبيعي ، بخلاف النهار فالكثرة فيه هي الطبيعي ، ثم إن هذه الكثرة لا حد لها فكلما تؤخر بالميت زادت الكثرة ، ولذلك نرى بعض المترفين الذين يحبون الظهور رياء وسمة ، ولو على حساب الميت قد يؤخرونه اليوم واليومين ليحضر الجنازة أكبر عدد ممكن من المشيعين . فلو قيل بجواز ذلك لادي إلى مناهضة الشارع في أمره بالاسراع بالجنازة على ما سبق بيانه في المسألة ( 17 ) ( ص 13 ) بعلة الكثرة التي لا ضابط لها . بعد هذا يتبين لنا الجواب عن الاشكال الذي أو ردته في قوله " حتى يصلى عليه " إذ أنه ظهر أن المراد حتى يصلى عليها نهارا لكثرة الجماعة ، كي تبين أن إسم الاشارة في قوله " إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك " يعود إلى الدفن ليلا ولو مع قلة المصلين ، لا إلى الدفن مع ترك الصلاة عليه إطلاقا ، فليتأمل فإنه حقيق بالتأمل . ثم قال النووي في " شرح مسلم " : " وقد اختلف العلماء في الدفن في الليل ، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة ، وهذا الحديث مما يستدل له به ، وقال جماهير العلماء من السلف والخلف : لا يكره واستدولو بأن أبا بكر الصديق رضي الله عنه وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار ، وبحديث المرأة السوداء : والرجل الذي كان يقم المسجد فتوفي بالليل فدفنوه ليلا ، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : توفي ليلا فدفناه في الليل ، فقال : ألا اذنتموني ، قالوا : كانت ظلمة ولم ينكر عليهم ، وأجابوا عند هذا الحديث أن النهي كان لترك الصلاة ، ولم ينه عن مجرد الدفن بالليل ، ما وإنما لترك الصلاة أو لقلة المصلين أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع كما سبق " . قلت : والجواب الاول وهو أن النهي كان لترك الصلاة ، لا يصح ، لانه لو كان كذلك لم يكن ثمة فرق بين الدفن ليلا أو نهارا كما سبق بيانه ، بل الصواب أن النهي إنما كان للامرين اللذين سبقا في كلام القاضي ، ولذلك اختار ابن حزم أنه لا يجوز أن يدفن أحد ليلا إلا عن ضرورة . واستدل على ذلك بهذا الحديث ، ثم أجاب عن الاحاديث الواردة في الدفن ليلا ، وما في معناها من الاثار بقوله ( 5 / 114 - 115 ) : وكل من دفن ليلا منه صلى الله عليه وسلم ومن أزواجه ومن أصحابه رضي الله عنهم ، فإنما ذلك لضرورة أو جبت ذلك من خوف الحر على من حضر - وهو بالمدينة شديد - أو خوف تغير أو غير ذلك مما يبيح الدفن ليلا ، ولا يحل لاحد أن يظن بهم رضي الله عنهم خلاف ذلك " . ثم روى كراهة الدفن ليلا عن سعيد بن المسيب ، وأقول : ومن الجائز أن بعض من دفن ليلا كانوا صلوا عليه نهارا ، وحينئذ فلا تعارض على ما سبق بيانه ، وذلك هو الواقع في حقه صلى الله عليه وسلم ، فإنهم صلوا عليه يوم الثلاثاء ثم دفنوه ليلة الاربعاء كما ذكر ابن هشام في سيرته ( 4 / 314 ) عن ابن اسحاق . والله أعلم .
3 قلت : وظاهر الامر في الحديثين يفيد وجوب ما ذكر فيهما من الاعماق والتوسعة والاحسان ، والمعروف عن الشافعية وغيرهم استحباب الاعماق ، وأما ابن حزم فقد صرح في " المحلى " ( 5 / 116 ) بفرضيته ، واختلفوا في حد الاعماق على أقوال تراها في " المجموع " أو غيره .
4بفتح اللام وبالضم وسكون الحا هو الشق في عرض القبر من جهة القبلة ، والشق هو الضريح وهو أن يحفر إلى أسفل كالنهر .
5 قال النووي في " المجموع " ( 5 - 287 ) : " أجمع العلماء أن الدفن في اللحد والشق جائز ان ، لكن إن كانت الارض صلبة لا ينهار ترابها فاللحد أفضل لما سبق من الادلة ، وإن كانت رخوة تنهار فالشق أفضل "
6 لقد انتقل رقم المسائل من 95 الى 98 لاستدراك خطأ بالترقيم فعذرا ،
7 يعنى في قطعة منه ، ولو لم يستر جيمع بدنه ، انظر التعليق ( 2 ) ص 60
8 ظاهر أنه يعني أخا أبيه ، وليس كذلك بل أراد عمرو بن الجموح المذكور في الحديث بعده ، وكان صديق والدجابر وزوج أخته هند بنت عمرو ، وكأن جابرا سماه عمه تعظيما كما قال الحافظ في " الفتح " وساق اثارا تؤيد ذلك فراجعه ( 3 / 168 )
9 قلت : وفي هذه الحاديث فضيلة ظاهرة لقارئ القرآن ، قال الحافظ في " الفتح ( 3 - 166 ) : " ويلحق به أهل الفقه والزهد وسائر وجوه الفضل " ، وقال الشافعي في " الام " ( 1 - 245 ) : " ويدفن في موضع الضرورة من الضيق والعجلة الميتان والثلاثة في القبر ، ويكون الذي للقبلة منهم أفضهلم وأسنهم ، ولا أحب أن تدفن المرأة مع الرجل على حال ، وإن كانت ضرورة ولا سبيل إلى غيرها كان الرجل أمامها ، وهي خلفه ، ويجعل بين الرجل والمرأة في القبر حاجز من تراب " .
www.alalbani.info
تابع : الدفن وتوابعه
99 - ويتولى إنزال الميت ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لامور :
الاول : أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم ويأتي فيه حديث أنس في المسألة ( 99 ) .
الثاني : أن الرجال أقوى على ذلك ،
الثالث : لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شئ من أبدانهن أمام الاجانب وهو غير جائز .
100 - وأولياء الميت أحق بإنزاله ، لعموم قوله تعالى{ وأولوا الارحام1 بعضهم أولى ببعض في كتاب الله } . ( الانفال : 75 ) . ولحديث علي رضي الله عنه قال : " غسلت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذهبت أنظر ما يكون من الميت ، فلم أر شيئا ، وكان طيبا حيا وميتا ، وولي دفنه وإجنانه دون الناس أربعة : علي والعباس والفضل وصالح مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولحد لرسول الله لحدا ، ونصب عليه اللبن عليه اللبن نصبا " . أخرجه الحاكم ( 1/362 ) وعنه البيهقي ( 4/53 ) بسند صحيح ، وصححه الحاكم على شرط الشيخين ووافقه الذهبي .
وله شاهد من حديث ابن عباس سبق ذكره في المسألة ( 94 ) ، ( ص 144 - 145 ) وشاهد آخر عن الشعبي مرسلا ، ولم يذكر صالحا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
أخرجه أبو داود ( 2/69 ) بسند صحيح عنه .
وله عن مرحب أو ابن أبي مرحب " أنهم ( يعني عليا والفضل وأخاه ) أدخلوا معهم عبد الرحمن بن عوف ، فلما فرغ علي قال : إنما يلي الرجل أهله " .
ومرحب أو ابن أبي مرحب مختلف في صحبته2 .
وعن عبد الرحمن بن أبزي قال : " صليت مع عمر بن الخطاب على زينب بنت جحش بالمدينة ، فكبر أربعا ثم أرسل إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم : من يأمرون أن يدخلها القبر ؟ قال : وكان يعجبه أن يكون هو الذي يلي ذلك : فأرسلن إليه : انظر من كان يراها في حال حياتها فليكن هو الذي يدخلها القبر ، فقال عمر : صدقتن " . أخرجه الطحاوي ( 3/304 - 305 ) والبيهقي ( 3/53 ) بسند صحيح .
101 - ويجوز للزوج أن أن يتولى بنفسه دفن زوجته ، لحديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه ، فقلت ، وارسأاه ، فقال : وددبت أن ذلك كان وأنا حي ، فهيتأت ك ودفنتك ، قالت : فقلت غيري : كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك قال : وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتي أكتب لابي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن : أنا أولى وبأبي الله عزوجل والمؤمنون إلا أبا بكر " . أخرجه أحمد ( 6 / 144 ) بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، وهو في " صحيح البخاري " بنحوه ( 10/101 ، 102 ) ، ومسلم ( 7/110 ) مختصرا ، وله طريق أخرى عن عائشة تقدم ( ص 50 ) 3
102 - لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطإ تلك الليلة ، وإلا لم يشرع له دفنها ، وكان غيره هو الاولى بدفنها ولو أجنبيا بالشرط المذكور ، لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : " شهدنا ابنة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على القبر فرأيته عينيه تدمعان ثم قال : هل منكم من رجل لم يقارف4 الليلة ( أهله ) ؟ فقال أبو طلحة : ( نعم ) أنا يا رسول الله قال : فانزل ، قال فنزل في قبرها ( فقبرها ) " . وفي رواية عنه : " أن رقية رضي الله عنها لما ماتت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يدخل القبر رجل قارف " الليلة " أهله ، فلم يدخل عثمان بن عفان رضي الله عنه القبر ) . أخرج الرواية الاولى البخاري في " صحيحه " ( 3/122 ، 162 ) والطحاوي في " المشكل " ( 3/304 ) والحاكم ( 4/47 ) والبيهقي ( 4/53 ) وأحمد ( 3/126 ، 228 ) والسياق له ، وعنده الزيادة الثانية في رواية له ، وعند الطحاوي والحاكم الاولى ، والبخاري الاخيرة .
وأخرج الرواية الثانية أحمد ( 3/229 - 270 ) والطحاوي ( 3/202 ) والحاكم ( 4/47 ) وابن حزم ( 5/145 ) من طريق أخرى عن أنس ، والسياق لاحمد ، والزيادة للحاكم وقال : " حديث صحيح على شرط مسلم " .
وهو كما قال ، وأقره الذهبي ، إلا أن بعض الائمة قد استنكر منه تسميته البنت " رقية " فقال البخاري في التاريخ الاوسط " :
" ما أدري ما هذا ؟ فإن رقية ماتت والنبي صلى الله عليه وسلم ببدر لم يشهدها " . ورجح الحافظ في " الفتح " أن الوهم فيه من حماد بن سلمة ، وأنها أم كلثوم زوج عثمان ، فراجعه ، وهو الذي جزم به الطحاوي في " المشكل " وقال " " وكانت وفاتها في سنة تسع من الهجرة " 5 .
103 - والسنة إدخال الميت من مؤخر القبر ، لحديث أبي إسحاق قال : " أوصي الحارث أن يصلي عليه عبد الله بن يزيد ، فصلى عليه ، ثم أدخله القبر من قبل رجلي القبر وقال : من السنة " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4/130 ) وأبو داود ( 2/69 ) ومن طريقه البيهقي ( 4/54 ) وقال :
هذا إسناد صحيح ، وقد قال : " هذا من السنة " فصار من المسند " .
قلت : ثم روى له شواهد من حديث ابن عباس وغيره : ، وقال : " هذا هو المشهور فيما بين أهل الحجاز " .
ثم ساق حديثين في أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل من قبل القبلة ، وضعفهما ، وهو كما ذكر ، وقد أعل الشافعي رحمه الله تعالى الحديث الثاني منهما من جهة متنه أيضا بحجة أنه غير ممكن عمليا ، فقال في " الام " ( 1/241 ) :
" أخبرني الثقات من أصحابنا أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم على يمين الداخل من البيت لا صق بالجدار ، والجدار الذي اللحد لجنبه قبلة البيت ، وأن لحده تحت الجدار ، فكيف يدخل معترضا واللحد لاصق بالجدار ، لا يقف عليه شئ ، ولا يمكن إلا أن يسل سلا ، أو يدخل من خلاف القبلة ، وأمور الموتى وإدخالهم من الامور المشهورة عندنا لكثرة الموت ، وحضور الائمة ، وأهل الثقة ، وهو من الامور العامة التي يستغني فيها عن الحديث ، ويكون الحديث فهيا كالتكليف بعموم معرفة الناس لها ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم والمهاجرون والانصار بين أظهرنا بين أظهرنا بنقل العامة عن العامة لا يختلفون في ذلك أن الميت يسل سلا ، ثم جاءنا آت6من غير بلدنا يعلمنا كيف ندخل الميت7ثم لم يعلم ( كذا الاصل ، وفي " المجموع " نقلا عن " الام " ( لم يرض ) ( ولعله الصواب ) حتى روى عن حماد عن ابراهيم أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل معترضا " . ثم ساق الشافعي حديث ابن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سل من قبل رأسه . قلت : ورجاله ثقات رجال الشيخين غير شيخ الشافعي وهو مجهول لم يسم ، لان الشافعي قال : " أخبرنا الثقة عن عمرو عن عطاء عنه " . وعن ابن سيرين قال : " كنت مع أنس في جنازة فأمر بالميت فسل من قبل رجل القبر " . أخرجه أحمد ( 4081 ) وابن أبي شيبعة ( 4/130 ) وسنده صحيح
104 - ويجعل الميت في قبره على جنبه اليمين ، ووجهه قبالة القبلة ، ورأسه ورجاله إلى يمين القبلة ويسارها ، على هذا جرى عمل أهل الاسلام من عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا وهكذا كل مقبرة على ظهر الارض ، كذا في " المحلى " ( 5/ 173 ) وغيره .
105 - ويقول الذي يضعه في لحده : " بسم الله ، وعلى سنة رسول الله ، أو : ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . والدليل عليه حديث ابن عمر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع الميت في القبر قال : ( وفي لفظ : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : أذا وضعتم موتاكم في القبور فقولوا ) : بسم الله ، وعى سنة ( وفي رواية : ملة ) رسول الله " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والترمذي ( 2/152 ، 153 ) وابن ماجه ( 1/470 ) وابن حبان في " صحيحه " ( 773 ) والحاكم ( 1/366 ) والبيهقي ( 4/55 ) وأحمد ( رقم4990 ، 5233 ، 6111 ) من طريقين عن ابن عمر .
واللفظ الاول لابي داود وابن ماجه وابن السني ، واللفظ الاخر للباقين ، وأما الرواية الاخرى فهي للترمذي وابن ماجه والحاكم ، ورواية لاحمد ، ومعناهما واحد ، وقال الترمذي : " حديث حسن " .
وقال الحاكم ووافقه الذهبي : " صحيح على شرط الشيخين " .
قلت : وهو كما قالا : ولا يضره رواية بعضهم له موقوفا لامرين :
الاول : أن الذي رفعه ثقة ، وهي زيادة منه ، فيجب قبولها ويؤيده
الامر الثاني : أنه روي مرفوعا من الطريق الاخر . أو يقول : " بسم الله ، وبالله ، وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . لحديث البياضي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الميت إذا وضع في قبره : فليقل الذين يضعونه حين يوضع في اللحد : باسم الله ، وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم " . إخرجه الحاكم شاهدا للحديث الذي قبله . وإسناده حسن
106 - ويستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد ، لحديث أبي هريرة : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم آتي الميت فحتى عليه من قبل رأسه ثلاثا " . أخرجه ابن ماجه ( 1/474 ) بإسناد قال ( 5/292 ) : " جيد " . لكن قال الحافظ : " ظاهره الصحة " . ثم ذكر أنه معلول بعنعقة بعض رواته كما بينته في " التعليقات الجياد " ، لكن الحديث قوي بما له من الشواهد ، وقد ذكرها الحافظ في " تلخيص الحبير " ( 5/222 ) فليراجعها من شاء ، ثم تبى نلي أن الاعلال المشار إليه غير قادح ، كما حققته في الارواء ( 743 ) 8 .
107 - ويسن بعد الفراغ من دفنه أمور :
الاول : أن يرفع القبر عن الارض قليلا نحو شبر ، ولا يسوى بالارض ، وذلك ليتميز فيصان ولا يهان لحديث جابر رضي الله عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم ألحد له لحد ، ونصب اللبن نصبا ، ورفع قبره من الارض نحوا من شبر " . رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 2160 ) والبيهقي ( 3/410 ) وإسناده حسن .
وله شاهد عن صالح بن أبي صالح قال ، " رأيت قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا أو نحو شبر " . رواه أبو داود في " المراسيل " .
ويؤيده ما سيأتي من النهي عن الزيادة على التراب الخارج من القبر ، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من القبر ، فإن من المعلوم أنه يبقى بعد الدفن على القبر التراب الذي أخرج من اللحد الذي شغله جسم الميت ، وذلك يساوي القدر المذكور في الحديث تقريبا 9 .
الثاني : أن يجعل مسنما ، لحديث سفيان التمار قال : " رأيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم ( وقبر أب بكر وعمر ) مسنما " . أخرجه البخاري ( 3/198 - 199 ) والبيهقي ( 4/3 ) . ورواه ابن أبي شيبة وأبو نعيم في " المستخرج " كما في " التلخيص " والزيادة لهما .
ولا يعارض ذلك ما روى عن القاسم قال : " دخلت على عائشة فقلت : يا أمة آكشفى لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه رضي الله عنهما ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئعة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والحاكم ( 1/369 ) وعنه البيهقي ( 4/3 ) وابن حزم ( 5/134 ) من طريق عمرو بن عثمان بن هاني عن القاسم به ، وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ووافقه الذهبي وأما البيهقي فقال : " إنه أصح من حديث سفيان التمار " وقد رد عليه ابن التركماني : " هذا خلاف اصطلاح أهل هذا الشأن ، بل حديث التمار أصح لانه مخرج في صحيح البخاري ، وحديث القاسم لم يخرج في شئ من الصحي "
قلت : هذا الرد لا يكفي قد يكون إسناد الحديث المخالف لحديث البخاري أصح وأقوى من سند البخاري ، فلا يتم ترجيح حديث التمار إلا ببيان علة حديث القاسم أو على الاقل بيان إنه دونه في الصحة ، وهو الواقع هنا فإن علته عمرو بن عثمان ابن هانئ ، وهو مستور كما قال الحافظ في " التقريب " ولم يوثقه أحد ألبتة ، فتصحيح الحاكم لحديثه من تساهله المعروف ، ومتابعة الذهبي له من أوهامه الكثيرة التي لا تخفى على من تتبع كلامه في " تلخيص المستدرك " .
ثم إنه لو صح فليس معارضا لحديث التمار لان قوله " مبطوح " ليس معناه مسطح بل ملقى فيه البطحاء وهو الحصى الصغيرة كما في " النهاية " ، وهو ظاهر في الخبر نفسه : " مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء فهذا لا ينافي التسنيم ، وبهذا جمع ابن القيم بين الحديثين فقال في " الزاد " :
" وقبره مسنم مبطوح ببطحاء العرصة ، الحمراء ، لامبني ولا مطين ، وهكذا كان قبر صاحبيه " .
الثالث : أن يعلمه بحجر أو نحوه ليدفن إليه من يموت من أهله ، لحديث المطلب ابن أبي وادعة رضي الله عنه قال : " لما مات عثمان بن مظعون أخرج بجنازته فدفن ، أمر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يأتيه بحجر فلم يستطع حمله ، فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحسر عن ذراعية ، قال المطلب : قال الذي يخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حسر عنهما ، ثم حملها فوضعها عند رأسه ، وقال : أتعلم بها قبر أخي ، وأدفن إليه من مات من أهلي " . أخرجه أبو داود ( 2/69 ) وعنه البيهقي ( 3/412 ) بسند حسن كما قال الحافظ ( 5/229 ) ، والمطلب صحابي معروف أسلم يوم الفتح . وله شاهدان ذكرتهما في " التعليقات الجياد " .
الرابع : أن لا يلقن الميت التلقين المعروف لايوم ، لان الحديث الوارد فيه لا يصح10بل يقف على القبر بدعو له بالتثبيت ، ويستغفر له ، ويإمر الحاضرين بذلك لحديث عثمان بن عفان رضى الله عنه قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال : استغفروا لاخيكم ، وسلوا له التثبيت ، فإنه الان يسإل " . أخرجه أبو داود ( 2/70 ) والحاكم ( 1/370والبيهقي ( 4/56 ) وعبد الله بن أحمد في " زوائد الزهد " ( ص 129 ) وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ، ووافقه الذهبي : وهو كما قالا ، وقال النووي ( 5/292 : " إسناده جيد " .
108 - ويجوز الجلوس عنده أثناء الدفن تذكير الحاضرين بالموت وما بعده ، لحديث البراء بن عازب قال : " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار ، فانتهينا إلى القبر ولما يلحد ، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مستقبل القبلة ) ، وجلسنا حوله ، وكأن على رؤوسنا الطير ، وفي يده عوده ينكت في الارض ، ( فجعل ينظر إلى السماء ، وينظر إلى الارض ، وجعل يرفع بصره ويخفضه ، ثلاثا ) ، فقال : استعيذوا بالله من عذاب القبر ، مرتين ، أو ثلاثا ، ( ثم قال : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر ) ( ثلاثا ) ، ثم قال : إن العبد المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الاخرة ، نزل إليه ملائكة من السماء ، بيض الوجوه ، كأن وجوههم الشمس ، معهم كفن من أكفان الجنة ، وحنوط11من حنوط الجنة ، حتى يجلسوا منه مد البصر ، ثم يجيئ ملك الموت عليه السلام12حتى يجلس عند رأسه فيقول : أيتها النفس الطيبة ( وفي رواية : المطمئنة ) ، أخرجي إلى مغفرة من الله ورضوان ، قال : فتخرج تسيل كما تسيل القطرة من في السقاء ، فيأخذها ، ( وفي رواية : حتى إذا خرجت روحه صلى الله عليه كل ملك بين السماء والارض ، وكل ملك في السماء ، وفتحت له أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله أن يعرج بروحه من قبلهم ) ، فإذا أخذها لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يأخذوها فيجعلوها في ذلك الكفن ، وفي ذلك الحنوط ، ( فذلك قوله تعالى : { توفته رسلنا وهم لا يفرطون} ، ويخرج منها كأطيب نفحة مسلك وجدت على وجه الارض ، قال : فيصعدون بها فلا يمرون - يعن - بها على ملا من الملائكة إلا قالوا : ماهذا الروح الطيب ؟ فيقولون : فلان ابن فلان - بأحسن أسمائه التي كانوا يسمونه بها في الدنيا ، حتى ينتهوا بها إلى السماء الدنيا ، فيستفتحون له ، فيفتح لهم ، فيشيعه م نكل سماء مقربوها ، إلى المساء التي تليها ، حتى ينتهي به إلى السماء السابعة ، فيقول الله عزوجل : {اكتبوا كتاب عبدي في عليين ، وما أدراك ما عليون : كتاب مرقوم يشهده المقربون} ، فيكتب كتابه في عليين ، ثم يقال ) : أعيدوه إلى الارض ، فإني ( وعدتهم أني ) منها خلقتهم ، وفهيا أعيدهم ومنها أخرجهم تارة أخرى ، قال : فـ ( يرد إلى الارض ، و) تعاد روحه في جسده ، ( قال : فانه يسمع خفق نعال أصحابه إذا ولوا عنه ) ( مدبرين ) . فيأتيه ملكان ( شديدا الانتهار ) فـ ( ينتهرانه ، و) يجلسانه فيقولان له : من ربك ؟ فيقول : ربي الله ، فيقولان له : ما دينك ؟ فيقول : ديني الاسلام فيقولان له : ما هذا الرجل الذي بعثت فيكم ؟ فيقول : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيقولان له : وما عملك ؟ فيقول : قرأت كتاب الله فآمنت به ، وصدقت ، ( فينتهره فيقول : من ربك ؟ ما دينك ؟ من نبيك ؟ وهي آخر فتنة تعرض على المؤمن ، فذلك حين يقول الله عزوجل ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا ) ، فيقول : ربي الله ، وديني الاسلام ، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم ، فينادي مناد في السماء : أن صدق عبدي ، فافرشوه من الجنة ، وألبسوه م نالجنة ، وافتحوا له بابا إلى الجنة ، قال : فيإتيه من روحها وطيبها ، ويفسح له في قبره مد بصره ، قال : ويأتيه ( وفي رواية : يمثل له ) رجل حسن الوجه ، حسن الثياب ، طيب الريح ، فيقول : ابشر بالذي يسرك ، ( ابشر برضوان من الله ، وجنات فيها نعيم مقيم ) ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول له : ( وأنت فبشرك الله بخير ) من أنت فوجهك الوجه يجيئ بالخير ، فيقول : أنا عملك الصالح ( فوالله ما علمتك إلا كنت سريعا في إطاعة الله ، بطيئا في معصية الله ، فجزاك الله خيرا ) ، ثم يفتح له باب من الجنة ، وباب من النار ، فيقال : هذا منزلك لو عصيت ، الله ، أبد لك الله به هذا فإذا رأى ما في الجنة قال : رب عجل قيام الساعة ، كيما أرجع إلى أهل ومالي ، ( فيقال له : اسكن ) ، قال : وإن العبد الكافر ( وفي رواية : الفاجر ) إذا كان في انقطاع من الدنيا ، وإقبال من الاخرة ، نزل إليه من السماء ملائكة ( غلاظ شداد ) ، سود الوجوه ، معهم المسوح13 ( من النار ) ، فيجلسون منه مد البصر ، ثم يجيئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ، فيقول : إيتها النفس الخبيثة اخرجي إلى سخط من الله وغضب ، قال : فتفرق في جسده فينتزعها كما ينتزع السفو ( الكثير الشعب ) من الصوف المبلول ، ( فتقطع معها العروق والعصب ) ، ( فيلعنه كل ملك بين السماء والارض ، وكل ملك في السماء وتغلق أبواب السماء ، ليس من أهل باب إلا وهم يدعون الله ألا تعرج روحه من قبلهم ) ، فيأخذها ، فإذا أخذها ، لم يدعوها في يده طرفة عين حتى يجعلوها في تلك المسوح ، وبخرج منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الارض ، فيصعون بها ، فلا يمرون بها على ملا من الملائكة إلا قالوا : ما هذا الروح الخبيث ؟ فيقولون : فلان ابن فلان - بأقبح أسمائه التي كان يسمى بها في الدنيا ، حتى ينتهي به إلى السماء الدنيا فيستفتح له ، فلا يفتح له ، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة ، حتى يلج الجمل في سم الخياط ) 14فيقول الله عزوجل : {اكتبوا كتابه في سجين ، في الارض السفلى } ، ( ثم يقال : أعيدوا عبدي إلى الارض فإني وعدتهم أني منها خلقتهم ، وفيها أعيدهم ، ومنها أخرجهم تارة أخرى ) ، فتطرح روحه ( من السماء ) طرحا ( حتى تقع في جسده ) ثم قرأ{ ومن يشرك بالله ، فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق } ، فتعاد روحه في جسده ، ( قال : فإنه ليسمع خفق نعال أصحابه إذا ولو عنه ) . ويأتيه ملكان ( شديدا الانتهار ، فينتهرانه ، و) يجلسانه ، فيقولان له : من ربك ؟ ( فيقول : هاه هاه15لا أدري ، فيقول له : ما دينك ؟ فيقول : هاه هاه لا آدري ) ، فيقولن : فما تقول في هذا الرجل الذي بعث فيكم ) فلا يهتدي لاسمه ، فيقال : محمد فيقول ) هاه هاه لا أدري ( سمعت الناس يقولون ذاك قال : فيقال : لا دريت ) ، ( ولا تلوت ) ، فينادي مناد من السماء أن كذب ، فافشروا له من النار ، وافتحوا له ا إلى النار ، فيإتيه من حرها وسمومها ، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه ، ويأتيه ( وفي رواية : ويمثل له ) رجل قبيح الوجه ، قبيح الثياب ، منتن الريح ، فيقول : أبشر بالذي يسوؤك ، هذا يومك الذي كنت توعد ، فيقول ( وأنت فبشرك الله بالشر ) من أنت ؟ فوجهك الوجه يجيئ بالشر ؟ فيقول : أنا عملك الخبيث ؟ ( فو الله ما علمت إلا كنت بطيئا عن طاعة الله ، سريعا إلى مصية الله ) ، ( فجزاك الله شرا ، ثم يقيض له أعمى أصم أبكم في يده مرزبة لو ضرب بها جبل كان ترابا ، فيضربه ضربة حتى يصير بها ترابا ، ثم يعيده الله كما كان ، فيضربه ضربة أخرى ، فيصيح صيحة يسمعه كل شئ إلا الثقلين ، ثم يفتح له باب من النار ، يمهد من فرش النار ) . فيقول : رب لا تقم الساعة " . أخرجه أبو داود ( 2/281 ) والحاكم ( 1/37 - 40 ) والطيالسي ( رقم 753وأحمد ( 4/287 ، 288و288و295و296 ) والسياق له والاجري في " الشريعة " ( 367 - 370 ) .
وروى النسائي ( 1/282 ) وابن ماجه ( 1/469 - 470 ) القسم الاول منه إلى قوله : وكأن على رؤوسنا الطير " . وهو رواية لابي داود ( 2/70 ) بأخصر منه وكذا أحمد ( 4/297 ) وقال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " .
وأقره الذهبي ، وهو كما قالا ، وصححه ابن القيم في " إعلام الموقعين " ( 1/214 ) ، " تهذيب السنن " ( 4/337 ) ، ونقل فيه تصحيحه عن أبي نعيم وغيره16
109 - ويجوز إخراج الميت من القبر لغرض صحيح ، كما لو دفن قبل غسله وتكفينه ونحو ذلك ، لحديث جابر بن عبد الله قال : أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته ، فأمر به فأخرج ، فوضعه على ركبتيه ، ونفث عليه من ريقه ، وألبسه قميصه ( قال جابر : وصلى عليه ) ، فالله أعلم17 ، وكان كسا عباسا قميصا ) " أخرجه البخاري ( 3/167 ) والسياق مع الزيادة الاخيرة له ، ومسلم ( 8/120 ) والنسائي ( 1/284 ) والزيادة الاولى له ، وابن الجارود ( 260 ) والبيهقي ( 3/402 ) وأحمد ( 3/381 ) من طريق عمرو بن دينار سمعه من جابر .
وله طريق أخرى : عن أبي الزبى عن جابر قال : " لما مات عبد الله بن أبي ، أتي ابنه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن لم تأته لم نزل نعير بهذا ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فوجده قد أدخل في حفرته ، فقال : أفلا قبل إن تدخلوه ؟ فأخرج من حفرته فتفل عليه من قرنه إلى قدمه ، وألبسه قميصه " . أخرجه أحمد ( 3/371 ) والطحاوي في " المشكل " ( 1/14/15 ) بسند على شرط مسلم ، لكن أبو الزبير مدلس وقد عنعه .
110 - ولا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه ، والعبد لا يدري أين يموت ، وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت ، فهذا يكون من العمل الصالح .
كذا في " الاختيارات العلمية " لشيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى .
*********************
1 وهم الاب وآباؤه ، والابن وأبناؤه : ثم الاخوة الاشقاء ، ثم الذين للاب ، ثم بنوهم ، ثم الاعمام للاب والام ثم للاب ثم بنوهم ، ثم كل ذي رحم محرمه . كذا في " المحلى " ( 5 / 143 ) ، ونحوه في " المجموع " ( 5 / 290 )
2 قلت : وهو والذي قبله من مرسل الشعبي ، شاهد قوي لحديث علي رضى الله عنه .
3 وقد ذهب إلى جواز دفن الرجل لزوجته الشافعية ، بل قالوا : إنه أحق بذلك من أوليائها الذين ذكرنا وعكس ذلك ابن حزم فجعله بعدهم في الاحقية ، ولعله الاقرب لما سبق من عموم الاية
4 أي يجامع كما في " النهاية " ، واستبعد هذا التفسير الطحاوي بدون أي دليل ، فلا يلتفت إليه
5 قال النووي في " المجموع " ( 5 / 289 ) : " هذا الحديث من الاحاديث التي يحتج بها في كون الرجال هم الذين يتوا عن الدفن وإن كان الميت امرأة ، قال : ومعلوم أن أبا طلحة رضي الله عنه أجنبي عن بنات النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكنه كان من صالحي الحاضرين ، ولم يكن هناك رجل محرم إلا النبي صلى الله عليه وسلم ، فلعله كان له عذر في نزول قبرها ، وكذا زوجها ، ومعلوم أنها أختها فاطمة وغيرها من محارمها وغيرهن هناك ، فدل على أنه لا مدخل للنساء في إدخال القبر والدفن " . وقال الحافظ في " الفتح " : في الحديث البعيد ايثار البعيد العهد عن الملاذ في مواراة الميت ولو كان امرأة على الاب والزوج ، وقيل : إنما اثره بذلك لانها كانت صنعته ، وفيه نظر ، فإن ظاهر السياق أنه اختاره لذلك لكونه لم يقع منه في تلك الليلة جماع " . قلت : والحديث ظاهر الدلالة على ما ترجمنا له ، وبه قال ابن حزم رحمه الله ( 5 / 144 - 145 ) ، ومن الغرائب أن عامة كتب الفقه التي كنت وقفت عليها ، أو راجعتها بهذه المناسبة لم تتعرض لهذه المسألة ، لا نفيا ولا إثباتا ، وهذا دليل من أدلة كثيرة على أنه لا غنى للفقيه عن كتب السنة خلافا لما يظنه المتعصبة للمذاهب أن كتب الفقه تغني عن كتب الحديث بل وعن كتاب الله تبارك وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، أنظر " سلسلة لاحاديث
الاحاديث الصحيحة " ( ج 1 ص 128 - 129 طبع المكتب الاسلامي ) .
6 هو حماد بن أبي سليمان من شيوخ أبي حنيفة كما في " فتح القدير " وغيره ، وأقول : بل الظاهر أنه أبو حنيفة نفسه بدليل قول الشافعي الاتي : " حتى روى عن حماد " فهذا صريح أنه غير حماد وإنما هو أبو حنيفة .
7 وما دل عليه هذا الحديث الموقوف ثم المرفوع قبله هو مذهب أحمد وعليه أكثر أصحابه كما في " الانصاف " ( 2 / 544 ) خلافا لحنفية ك ما سبق في كلام الشافعي ، واحتج لهم ابن الهمام بحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم دخل قبرا . . فأخذه من قبل القبلة . . . رواه الترمذي وقال : " حديث حسن " . قال ابن الهمام ( 1 / 470 ) : " من أن فيه الحجاج بن أرطاة ومنها ل بن خليفة ، وقد اختلفوا فيهما ، قال : ذلك يحط الحديث عن درجة الصحيح ، لا الحسن " . قلت : بل ذلك يحطه عن درجة الحسن لان الحجاج مدلس وقد عنعنه ، وحديث المدلس المعنعن غير مقبول عند العلماء وهو أحد الحديثين اللذين ضفهما البيهقي كما سبقت الاشارة الى ذلك في أول المسألة ، ولذلك أنكر النووي ( 5 / 295 ) على الترمذي تحسينه إياه فقال : " لا يقبل قول الترمذي فيه : إنه حسن لان الحجاج بن أرطاة ضعيف باتفاق المحدثين " . وقال الزيلعي : ( 2 / 300 ) بعد أن حكى قول الترمذي : " وأنكر عليه لان مداره على حجاج بن أرطاة ، وهو مدلس ولم يذكر سماعا ، ومنهال ضعفه ابن معين . . . " قلت : فهذا هو الحق عند من ينصف أن هذا الحديث ضعيف وحديث عبد الله بن يزيد صحيح ، ومن الغرائب أن ابن الهمام سلم بصحته ، ولكنه رده من أصله بحجة أنه فعل صحابي ظن السنة ذلك يقول هذا مع أن مذهبه أن قول الصحابي ، السنة كذا في معنى الحديث المسند كما نقلناه عنه في المسألة ( 77 ) ( ص 120 ) وراجع المسإلة ( 73 ) ( ص109 ، 110 ) فقيه رد على نوع آخر من التعصب وتخطئة الصحابة بدون حجة
8 وأما استحباب بعض المتأخرين من الفقهاء أن يقول في الحثية الاولى ( منها خلقناكم ) ، وفي الثانية ( وفيها نعيدكم ) ، وفي الثالثة ( ومنها نخرجكم تارة أخرى ) فلا أصل له في شئ من الاحاديث التي أشرنا إليها في الاعلى : وأما قول النووي ( 5 / 293 - 294 ) : وقد يستدل له بحديث أبي أمامة رضي الله عنه قال : " لما وضعت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( منها خلقنا كم ، وفيها نعيدكم ، ومنها تخريجكم تارة أخرى ) " ، رواه الامام أحمد من رواية عبيد الله بن زحر عن علي بن زيد بن جدعان عن القاسم ، وثلاثتهم ضعفاء لكن يستأنس بأحاديث الفضائل وإن كانت ضعيفة الاسناد ، ويعمل ها في الترغيب والترهيب ، وهذا مها ، والله أعلم " . فالجواب عليه من وجه : الاول : أن الحديث ليس فيه التفصيل المزعوم استحبابه فلا حجة فيه أصلا لو صح سنده . الثاني : أن التفصيل المذكور لم يثبت في الرع أنه من فضائل الاعمال حتى يقال يعمل بهذا الحديث لانه في فضائل الاعمال ، بل إن تجويز العمل به معناه إثبات مشروعية عمل بحديث ضعيف وذلك لا يجوز لان المشروعية أقل درجاتها الاستحباب : وهو حكم م الاحكام الخمسة التي لا تثبت إلا بدليل صحيح ، ولا يجدي فيها الضعيف باتفاق العلماء . الثالث أن الحديث ضعيف جدا ، بل هو موضوع في نقد ابن حبان ، فإنه في " مسند أحمد " ( 5 / 254 ) من طريق عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، وهو الالهاني وقول النووي " علي بن زيد بن جدعان " خطأ ، لمخالفته لما في " المسند " قال ابن حبان : " عبيد الله بن زحر ، يروي الموضوعات عن الاثبات ، وإذا روى عن علي بن يزيد أتي بالطامات ، وإذا اجتمع في إسناد خبر عبيد الله وعلي بن يزيد والقاسم أبو عبد الرحمن لم يكن ذلك الخبر إلا مما عملته أيديهم " ابن حجر في " تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب " .
9 قال الشافعي في " الام " ( 1 / 245 - 246 ) ما مختصره : " وأحب أن لا يزاد في القبر تراب من غيره ، لانه إذا زيد ارتفع جدا ، وإنما أحب أن يشخص على وجه الارض شبرا أو نحوه " . ونقل النووي في " المجموع " ( 5 / 296 ) اتفاق أصحاب الشافعي على استحباب الرفع ، بالقدر المذكور
10 وكذا قال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 1 / 206 ) ، وضعفه النووي وغيره كما ذكرته في " التعليقات الجياد " ، وقال الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 - 161 ) : ثم حققت القول فيه في " سلسلة الاحاديث الضعيفة " ( 599 ) " ويحتمل من كلام أئمة لا تحقيق أنه حديث ضعيف ، والعمل به بدعة ، ولا يغتر بكثرة من يفعله " . ويعجبني منه قوله : " والعمل به بدعة " ، وهذه حقيقة طالما ذهل عنها العلماء ، فإنهم يشرعون بمثل هذا الحديث كثيرا من الامور ويستحبونها اعتمادا منهم على قاعدة " يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الاعمال " ولم يتنبهوا إلى أن محلها فيما ثبت بالكتاب والسنة مشروعيته وليس بمجرد الحديث الضعيف ، وقد سبق لهذا مثال في التعليق ( ص 153 ) . وأذكر إن للامام الشاطبي في " الموافقات " كلاما جيدا حول هذه القاعدة فليراجع .
11 بفتح المهملة ما يخلط من لاطيب لاكفان الموتى وأجسامهم خاصة .
12 قلت : هذا هو اسمه في الكتاب والسنة ( ملك الموت ) ، وأما تسميته ( بعزرائيل ) فمما لا أصل له ، خلافا لما هو المشهور عند الناس ، ولعله من الاسرائيليات
13 جمع المسح ، بكسر الميم ، وهو ما يلبس من نسيج الشعر على البدن تقشفا وقهرا للبدن .
14 أي ثقب الابرة ، والجملى هو الحيوان المعروف ، وهو ما أتى عليه تسع سنوات
15 هي كلمة تقال في الضحك وفي الايعاد ، وقد تقال للتوجع ، وهو أليق بمعنى الحديث والله أعلم ، كذا في " الترغيب " .
16 والزيادة الاولى لابي داود وابن ماجه والحاكم ، ، والثانية لاحمد والطيالسي ، والثالثة له والحاكم ، والرابعة لاحد ، والخامسة ، وله السادسة والثامنة ، والسابعة للحاكم ، والثامنة للطيالسي ، والتاسعة لاحمد لابي داود والحادية عشر والثانية عشر للطيالسي ، والثالثة عشر لاحمد والرابعة عشر الطيالسي والخامسة عشر له وكذا أحمد ، والسادسة عشر له أيضا ولاحمد نحوه ، وله السابعة عشر والثامنة عشر والتاسعة عشر والعشرون والواحدة والعشرون ، والحاكم الاخيرتان منها ، والثانية والعرون لاحمد والثالثة والعشرون والخامسة والعشرون للحاكم ، والرابعة والشعرون للطيالسي والسادسة والعشرون لاحمد ، والسابعة والعشرون للطيالسي ، والثامنة والعشرون لابي داود ، والتاسعة والثلاثون للطيالسي ، ، ولاحمد الزيادات الباقية والثالثة والثلاثون منها للطيالسي ولفظها له وأما الرواية الثانية فهي للحاكم ، ولاحمد الثالثة ، وللحاكم والطيالسي الرابعة والخامسة والسادسة .
17 يعني بالحكمة التي من أجلها فعل صلى الله عليه وسلم ذلك بابن أبي مع كونه كان منافقا كما تقدم في المسألة ( 60 ) ، والظاهر أن هذا كان قبل نزول قوله تعالى ( ولا تصل عل يأحد منهم مات أبدا ، ولا تقم على قبره ) الآية ، وحينئذ يمكن فهم الحكمة مما علقناه هناك .
يعني العباس بن عبد المطلب عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك يوم بدر ، لما أتي بالاساري ، وأتى بالعباس ، ولم يكن عليه ثوب ، فوجدوا قميص عبد الله بن أبي ، فكساه النبي صلى الله عليه وسلم إياه ، فلذلك ألبسه النبي صلى الله عليه وسلم
قميصه ، هكذا ساقه البخاري في " الجهاد " ، فيمكن أن يكون هذا هو السبب في لباسه
قميصه . ويمكن أن يكون السببب ما أخرجه البخاري أيضا في " الجنائز " أن ابن عبد الله المذكور قال : يا رسول الله ألبس أبي قميصك الذي يلي جلدك ، وفي رواية أنه قال : اعطني قميصك أكفنه فيه - ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافاة ، ولا مانع من ذلك ، كذا في " نيل الاوطار " ويمكن أن يكون السبب هو المجموع : السؤال والمكافأة ، ولا مانع ما ذلك . كذا في " نيل الاوطار " ( 4 - 97 ) .
التالي بمشيئة الله ج3.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق