حذف 12. صفحة من مدونتي

12. صفحة تحذفهم با مفتري حسبي الله ونعم الوكيل

Translate

الاثنين، 4 مارس 2024

ج3. الجنائز{ من ج3.التعزية الي اخر الجنائز للالباني} ثم خاتمة الطبع فيها 16.ملاحظة

 


ج3.التعزية

111 - وتشرع تعزية أهل الميت1 ، وفيه حديثان :

الاول : عن قرة آلمزني رضي الله عنه قال : " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس ، يجلس إليه نفر من أصحابه ، وفيهم رجل له ابن صغير ، يأتيه من خلف ظهره فيقعده بين يديه ، ( فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : تحبه ؟ فقال : يا رسول الله أحبك الله كما أحبه ) ، فهلك ، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة ، لذكر ابنه ، فحزن عليه ، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : مالي لا أري فلانا ؟ فقالوا : يا رسول الله بنية الذي رأيته هلك ، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم : فسأله عن بنيه ؟ فأخبره بأنه هلك ، فعزاه عليه ، ثم قال يا فلان ؟ أيما كان أحب إليك : أن تمتع به عمرك ، أو لا تأتي غدا إلى باب من أبواب الجنة إلى وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك ؟ قال : يا نبي الله بل يسبقني إلى باب الجنة فيفتحها إلى ، لهو أحب إلى ، قال : فذلك لك ، ( فقال رجل ( من الانصار ) : يا رسول الله ( جعلني الله فداءك ة أله خاصة أو لكلنا ؟ قال : بل لكلكم ) " . أخرجه النسائي ( 1/296 ) والسياق له ، وابن حبان في " صحيحه " ، والحاكم ( 1/384 ) وأحمد ( 5/35 ) وقال الحاكم : " صحيح الاسناد " ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا .

وأخرج النسائي أيضا ( 1/264 ) نحوه ، وكذا البيهقي ( 4/59و60 ) إلا أنه لم يسبق أوله بتمامه ، وعنده الزيادات كلها إلى الاولى . وللحديث شاهد في " المجمع " ( 3/10 ) .

الثاني : عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من عزي أخاه المؤمن في مصبته كساه الله حلة خضراء يجبرها بها يوم القيامة ، قيل : يا رسول الله ما يجبر ؟ قال : يغبط " . أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 7/397 ) وابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 15/91/1 ) . وله شاهد عن طلحة بن عبيد الله بن كريز مقطوعا .

أخرجه ابن أبي سيبة في " المصنف " ( 4/164 ) ، وهو حديث حسن بمجموع الطريقين كما بيته في " إرواء الغليل في تخريج احاديث منار السبيل " رقم ( 756 ) .

واعلم أن الاستدلال بهذين الحديثين - لا سيما الاول منهما - على التعزية أولى من الاستدلال عليها بحديث : " من عزى مصابا فله مثل أجره " ، وإن جرى عليه جماهير المصنفين ، لانه حديث ضعيف من جميع طرقه كما بينه النووي في " المجموع " ( 5/305 ) والعسقلاني في " التلخيص " ( 5/251 ) وفي " إرواء الغليل " ( رقم757 ) .

112 - ويعزيهم بما يظن أنه يسليهم ، ويكف من حزنهم ، ويحملهم على الرضا والصبر ، مما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم ، إن كان يعلمه ويستحضره ، وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع ، وفي ذلك أحاديث :

الاول : عن أسامة بن زيد قال : " أرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ، بناته : أن صبيا لها ، أبنا أو ابنة ، ( وفي رواية : أميمة بنت زينب ) 2قد احتضرت ، فاشهدنا ، قال فأرسل إليها يقرأها السلام ويقول : " إن لله ما أخذ ، و( لله ) ما أعطي ، وكل شئ عنده إلى أجل مسمى فالتصبر ، ولتحتسب " .

فأرسلت تقسم عليه ( ليأتينها ) ، فقام ، وقمنا ، فرفع الصبي إلى حجر - أو في حجر - رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونفسه تقعقع ( كأنها في شنة ) وفي القوم سعد بن عبادة ، ( ومعاذ بن جبل : ) وأبي ( بن كعب ) أحسب ( وزيد بن ثابت ، ورجال ) ففاضت عينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له سعد : ما هذا يا رسول الله ( وقد نهيت عن البكاء ) ؟ قال : ( إنما ) هذه رحمة يضعها الله في قلوب من يشاء من عباده ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " . أخرجه البخاري ( 3/120 - 122 ) ومسلم ( 3/39 ) وأبو داود ( 2/58 ) والنسائي ( 1/263 ) وابن ماجه ( 1/280 ) والبيهقي ( 4/65 - 68 - 69 ) وأحمد ( 5/204 - 206 - 207 ) والسياق له وكذا الرواية الثانية ، والزيادة الاولى والسابعة والثامنة ، وهي جميعا عند البيهقي ، والزيادة الثانية للشيخين والنسائي والبيهقي والثالثة لهم ، وكذا الرابعة والخامسة جميعا إلا مسلما ، والسادسة للبخاري والنسائي .

قلت : وهذه الصيغة من التعزية وإن وردت فيمن شارف الموت فالتعزية بها فيمن قد مات أولى بدلالة النص ، ولهذا قال النووي في " الاذكار " وغيره : " وهذا الحديث أحسن ما يعزي به " .

الثاني : عن بريدة بن الحصيب قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعهد الانصار ، ويعودهم ، ويسأل عنهم ، فبلغه عن امرأة من الانصار مات ابنها وليس لها غيره وأنها جزعت عليه جزعا شديدا ، فأتاها النبي صلى الله عليه وسلم ( ومعه أصحابه ، فلما بلغ باب المرإة ، قيل للمرأة : إن نبي الله يريد أن يدخل ، يعزيها ، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أما إنه بلغني أنك جزعت على ابنك ، فأمرها بتقوى الله وبالصبر ، فقالت : يا رسول الله ( مالي لا أجزع و) أني امرأة رقوب لا ألاد ، ولم يكن لي غيره ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الرقوب : الذي يبقى ولدها ، ثم قال : مامن امرئ أو امرأة مسلمة يموت لها ثلاثة أولاد [ يحتسبهم ] إلا أدخله الله : بهم الجنة ، فقال عمر [ وهو عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم ] : بأبي أنت وأمي واثنين ؟ قال : وأثنين ) . أخرجه الحاكم ( 1/384 ) وقال : ( صحيح الاسناد ) ، ووافقه الذهبي .

قالت : بل هو على شرط مسلم فان رجاله كلهم رجال صحيحه ، لكن أحدهم فيه ضعف من قبل حفظه . لكن لا ينزل حديثه هذا عن رتبه الحسن .

والحديث أورده الهيثمي في ( المجمع ) ( 3/8 ) بنحوه والزيادات منه وقال : ( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ) .

الثالث : قوله صلى الله عليه وسلم حينما دخل على أم سلمة رضي الله عنها عقب موت أبي سلمة : ( اللهم اغفر لابي سلمة ، وارفع درجته في المهديين ، واخلفه في عقبه في الغابرين ، واغفر لنا وله يا رب العالمين ، وافسح له في قبره ، ونور له فيه ) أخرجه مسلم وغيره ، وقد مضى بتمامه في المسألة ( 17 ) ( ص 12 ) .

الرابع : قوله صلى الله عليه وسلم في تعزيته عبد الله بن جعفر في أبيه : ( اللهم اخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ، قالها ثلاث مرات ) . أخرجه أحمد بسند صحيح في أثناء حديث يأتي بتمامه في المسألة التالية3 .

113 - ولا تحد التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها ، بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عزى بعد الثلاثة في حديث عبد الله بن جعفر رضي الله ثعالى عنهما قال : ( بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا استعمل عليهم زيد بن حارثة وقال : فإن قتل زيد أو استشهد فأميركم جعفر ، فإن قتل أو استشهد فأميركم عبد الله بن رواحة ، فلقوا العدو ، فأخذ الراية زيد فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية جعفر فقاتل حتى قتل ، ثم أخدها عبد الله فقاتل حتى قتل ، ثم أخذ الراية خالد بن الوليد ففتح الله عليه ، وأتى خبرهم النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج إلى الناس فحمد الله وأثنى عليه وقال : إن اخوانكم لقوا العدو ، وإن زيدا أخذ الراية فقاتل حتى قتل واستشهد ، ثم . . . ثم . . . ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ففتح الله عليه ، فأمهل ، ئم أمهل آل جعفر ثلاثا أن يأتيهم ، ثم أتاهم فقال : لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، ادعوا لي ابني أخي ، قال : فجئ بنا كأنا أفرخ ، فقال : ادعو لي الحلاق ، فجيئ بالحلاق ، فحلق رؤوسنا ثم قال : أما محمد فشبيه عمنا أبي طالب . وأما عبد الله فشبيه خلقي وخلقي ، ثم أخذ بيدي فأشالها فقال : اللهم اخلف جعفرا في أهله ، وبارك لعبد الله في صفقة يمينه ، قالها ثلاث مرات . قال : فجاءت أمنا فذكرت له يتمنا ، وجعلت تفرح4 له ، فقال : العيلة تخافين عليهم وأما وليهم في الدنيا والاخرة ؟ ) . أخرجه أحمد ( رقم 1750 ) بإسناد صحيح على شرط مسلم ، ومن طريقة الحاكم ( 3/ 298 ) قطعة منه ، وروى أبو داود والنسائي منه قصة الامهال ثلاثا مع الحلق ، وتقدم بعضه في المسألة ( 18 ) ( ص21 ) ، وقال الحاكم : ( صحيح الاسناد ) ، ووافقه الذهبي .

وللحديث شاهد ذكره في المسند ( 3/467 ) وفيه ضعف .

وقد ذهب إلى ما ذكرنا من أن التعزية لا تحد بحد جماعة من أصحاب الامام أحمد كما في ( الانصاف ) ( 2/ 564 ) وهو وجه في المذهب الشافعي ، قالوا : لان الغرض الدعاء والحمل على الصبر والنهي عن الجزع ، وذلك يحصل مع طول الزمان . حكاه إمام الحرمين وبه قطع أبو العباس ابن القاص من أئمتهم ، وإن أنكره عليه بعضهم فإنما ذلك من طريق المعروف من المذهب لا الدليل . انظر ( المجموع ) ( 5/306 ) .

114 - وينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما :

أ - الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد .

ب - اتخاذ أهل ، الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء .

وذلك لحديث جرير بن عبد الله البجلى رضي الله عنه قال : ( كنا نعد ( وفي رواية : نرى ) 5 الاجتماع إلى أهل الميت ، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة ) . أخرجه أحمد ( رقم 6905 ) وابن ماجه ( 1/490 ) والرواية الاخرى له وإسناده صحيح على شرط الشيخين في ، وصححه النووي ( 5/320 ) والبوصيري في ( الزوائد )

115 - وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لاهل الميت طعاما يشبعهم ، لحديث عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : ( لما جاء نعي جعفر حين قتل قال النبي صلى الله عليه وسلم : اصنعوا لال جعفر طعاما ، فقد أتاهم أمر يشغلهم ، أو أتاهم ما يشغلهم ) . أخرجه أبو داود ( 2/59 ) والترمذي ( 2/134 ) وحسنه وابن ماجه ( 1/490 ) ، وكذا الشافعي في ( الام ) ( 1/ 247 ) والدار قطني ( 194 ، 197 ) والحاكم ( 1/372 ) والبيهقي ( 4/61 ) وأحمد ( 1/175 ) وقال الحاكم : ( صحيح الاسناد ) . ووافقه الذهبي .

وصححه ابن السكن أيضا ، كما في ( التلخيص ) ( 5/253 ) ، وهو عندي حديث حسن كما قال الترمذي ، فإن له شاهدا من حديث أسماء بنت عميس ، وقد بينت ذلك في ( التعليقات الجياد ) .

وقد ( كانت عائشة تأمر بالتلبين للمريض ، وللمحزون على الهالك ، وتقول : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن التلبينة تجم6فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن ) . أخرجه البخاري ( 10/119 - 120 ) واللفظ له ومسلم ( 7/26 ) والبيهقي ( 4/61 ) وأحمد ( 6/155 ) 7 .

116 - ويستحب مسح رأس اليتيم وإكرامه ، لحديث عبد الله بن جعفر قال : ( لو رأيتني وقثم وعبيد الله بن عباس ونحن صبيان نلعب ، إذ مر النبي صلى الله عليه وسلم على دابة فقال : إرفعوا هذا إلي ، قال فحملني أمامه ، وقال : لقثم : ارفعوا هذا إلي ، فحمله وراءه ، وكان عبيد الله أحب ألى عباس من قثم ، فما استحى من عمه أن حمل قثما وتركه ، قال : ثم مسح على رأسي ثلاثا ، وقال كلما مسح : اللهم اخلف جعفرا في ولده ، قال : قلت لعبد الله : ما فعل قثم ؟ قال ، : استشهد ، قال : قلت : الله أعلم ورسوله بالخير ، قال : أجل ) . أخرجه أحمد ( 1760 ) والسياق له والحاكم ( 1/372 ) والبيهقي ( 4/60 ) وإسناده حسن ، وقال الحاكم : ( صحيح ) ووافقه الذهبي .

 

***********

 

1 وهي الحمل على الصبر بوعد الاجر ، والدعاء للميت والمصاب .

2 قلت : ثم عاشت أميمة هذه ( ويقال : أمامة ) حتى تزوجها علي بعد فاطمة رضي الله عنهم .

3 وفي التعزية أحاديث أخرى ، ضربت صفحا عن ذكرها لضعفها ، وقد بينت ذلك في ( التعليقات الحياد ) منها حديث كتابة النبي صلى الله عليه وسلم إلى معاذ بن جبل يعزيه بوفاة ابن له وهو موضوع كما قال الذهبي والعسقلاني وغيرهما ، وذهل عن ذلك الشوكاني وتبعه صديق حسن خان فحسناه تبعا للحاكم فلا يغتر بذلك ، فإن لكل جواد كبوة بل ، كبوات .

4 أي تغمه وتحزنه من أفرحه إذا غمه وأزال عنه الفرح ، وأفرحه الدين أثقله .

5 قال النووي في ( المجموع ) ( 5 / 306 ) : ( وأما الجلوس للتعزية ، فنص الشافعي والمصنف وسائر الاصحاب على كراهته ، قالوا : يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من أراد التعزية ، قالوا : بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ، ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها ) ونص الامام الشافعي الذي أشار إليه النووي هو في كتاب ( الام ) ( 1 / 248 ) : ( وأكره المآتم ، وهي الجماعة ، وإن لم يكن لهم بكاء ، فإن ذلك يجدد الحزن ، ويكلف المؤنة ، مع ما مضي فيه من الاثر ) . كأنه يشير إلى حديث جرير هذا ، قال النووي : ( واستدل له المصنف وغيره بدليل آخر وهو أنه محدث ) . وكذا نص ابن الهمام في شرح الهداية ( 1 / 473 ) على كراهة اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت وقال : ( وهي بدعة قبيحة ) . وهو مذهب الحنابلة كما في ( الانصاف ) ( 2 / 565 ) .

6 أي تريحه ، والتلبينة : حساء يعمل من دقيق أو نخالة ، وربما جعل فيها عسل .

7 قال الامام الشافعي في ( الام ) ( 1 / 247 ) : ( وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لاهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم ، فإن ذلك سنة ، وذكر كريم . وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا ) . ثم ساق الحديث المذكور عن عبد الله بن جعفر .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما ينتفع به الميت

 

117 - وينتفع ، الميت من عمل غيره بأمور :

أولا : دعاء المسلم له ، إذا توفرت فيه شروط القبول ، لقول الله تبارك وتعالى : { والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنو ربنا إنك رؤوف رحيم } . [ سورة الحشر 10 ] .

وأما الاحاديث فهي كثيرة جدا ، وقد سبق بعضها ، ويأتي بعضها في زيارة القبور ، ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم ، وأمره بذلك . ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( دعوة المرء المسلم لاخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملك موكل ، كلما دعا لاخيه بخير ، قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل ) . أخرجه مسلم ( 8/86 ، 87 ) والسياق له ، وأبو داود ( 1/240 ) وأحمد ( 6/452 ) من حديث أبي الدرداء . : بل ، إن صلاة الجنازة جلها شاهد لذلك ، لان غالبها دعاء للميت . واستغفار له ، كما تقدم بيانه .

ثانيا : قضاء ولي الميت صوم النذر عنه ، وفيه أحاديث :

الاول : عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه ) . أخرجه البخاري ( 4/156 ) ومسلم ( 3/155 ) وأبو داود ( 1/ 376 ) ، ومن طريقه البيهقي ( 6/279 ) والطحاوي في مشكل الاثار ( 3/140 ، 141 ) وأحمد ( 6/69 ) .

الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه : ( أن امرأة ركبت البحر فنذرت . إن الله تبارك وتعالى أنجاها أن تصوم شهرا ، فأنجاها الله عز وجل ، فلم تصم حتى ماتت ، فجاءت قرابة لها [ إما أختها أو ابنتها ] إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت ذلك له ، فقال : [ أرأيتك لو كان عليها دين كنت تقضينه ؟ قالت : نعم . قال : فدين الله أحق أن يقضى ] ، [ فـ ] اقض [ عن أمك ] ) . أخرجه أبو داود ( 2/81 ) والنسائي ( 2/143 ) والطحاوي ( 3/140 ) والبيهقي ( 4/255 ، 256 ، 10/85 ) والطيالسي ( 2630 ) وأحمد ( 1861 ، 1970 ، 3137 ، 3224 ، 3420 ) والسياق مع الزيادة الثانية له ، وإسناده [ صحيح على شرط الشيخين ، والزيادة الاولى لابي داود والبيهقي .

وأخرجه البخاري ( 4/158 - 159 ) ومسلم ( 3/156 ) والترمذي ( 2/42 - 43 ) وصححه ، وابن ماجه ( 1/535 ) بنحوه ، وفيه عندهم جميعا الزيادة الثانية ، وعند مسلم الاخيرة .

الثالث : عنه أيضا . ( أن سعد بن عبادة رضي الله عنه استفتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن أمي ماتت وعليها نذر ؟ فقال : اقضه عنها ) . أخرجه البخاري ( 5/400 ، 494 ) ومسلم ( 6/76 ) وأبو داود ( 2/81 ) والنسائي ( 2/130 ، 144 ) والترمذي ( 2/375 ) وصححه البيهقي ( 4/256 ، 6/ 278 ، 10/85 ) والطيالسي ( 2717 ) وأحمد ( 1893 ، 3049 ، 6/ 47 ) 1 .

ثالثا : قضاء الدين عنه من أي شخص وليا كان أو غيره ، وفيه أحاديث كثيرة سبق ذكر الكثير منها في المسألة ( 17 ) .

رابعا : ما يفعله الولد الصالح من الاعمال الصالحة ، فإن لوالديه مثل أجره ، دون أن ينقص من أجره شئ ، لان الولد من سعيهما وكسبهما ، والله عز وجل يقوله : { وأن ليس للانسان إلا ما سعى} ، وقال رسول اللهصلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه ) . أخرجه أبو داود ( 2/108 ) والنسائي ( 2/211 ) والترمذي ( 2/287 ) وحسنه ، والدارمي ( 2/247 ) وابن ماجه ( 2/2 - 430 ) والحاكم ( 2/46 ) والطيالسي ( 1580 ) وأحمد ( 6/41 ، 126 ، 127 ، 162 ، 173 ، 193 ، 201 ، 202 ، 220 ) وقال الحاكم : ( صحيج على شرط الشيخين ) ، ووافقه الذهبي ، وهو خطأ من وجوه لا يتسع المجال يانها :

وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو .

رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد ( 2/179 ، 204 ، 214 ) بسند حسن .

ويؤيد ما دلت عليه الاية والحديث ، أحاديث خاصة وردت في انتفاع الوالد بعمل ولده الصالح كالصدقة والصيام والعتق ونحوه ، وهي هذه :

الاول : عن عائشة رضي الله عنها . ( أن رجلا قال : إن أمي افتلتت2نفسها [ ولم توص ] ، وأظنها لو تكلمت تصدقت ، فهل لها أجر إن تصدقت عنها [ ولي أجر ] ؟ قال : نعم ، [ فتصدق عنها ] ) . أخرجه البخاري ( 3/198 ، 5/399 - 400 ) ومسلم ( 3/81 ، 5/73 ) ومالك في ( الموطأ ) ( 2/228 ) وأبو داود ( 2/15 ) والنسائي ( 2/129 ) وابن ماجه ( 2/160 ) والبيهقي ( 4/62 ، 6/277 - 278 ) وأحمد ( 6/51 ) .

والسياق للبخاري في إحدى روايتيه ، والزيادة الاخيرة له في الرواية الاخرى ، وابن ماجه ، وله الزيادة الثانية ، ولمسلم الاولى .

الثاني : عن ابن عباس رضي الله عنه . ( أن سعد بن عبادة - أخا بني ساعدة - توفيت أمه وهو غائب عنها ، فقال : يا رسول الله إن أمي توفيت ، وأنا غائب عنها ، فهل ينفعها إن تصدقت بشئ عنها ؟ قال : نعم ، قال : فإني أشهدك أن حائط المخراف3صدقة عليها ) . أخرجه البخاري ( 5/297 ، 301 ، 307 ) وأبو داود ( 2/15 ) والنسائي ( 2/130 ) والترمذي ( 2/25 ) والبيهقي ( 6/278 ) وأحمد ( 3080 - 3504 - 3508 ) والسياق له

الثالث : عن أبي هريرة رضي الله عنه : ( أنه رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أبي مات وترك مالا ولم يوص فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه ؟ قال : نعم ) . أخرجه مسلم ( 5/73 ) والنسائي ( 2/129 ) وابن ماجه ( 2/160 ) والبيهقي ( 6/278 ) وأحمد ( 2/371 ) .

الرابع : عن عبد الله بن عمرو : ( أن العاص بن وائل السهمي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة ، وأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية ، قال : حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أبي أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة ، وإن هشاما أعتق عنه خمسين ، وبقيت عليه خمسون ، أفأعتق عنه ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه لو كان مسلما فأعتقتم أو تصدقتم عنه ، أو حججتم عنه بلغه ذلك ، ( وفي رواية ) : فلو كان أقر بالتوحيد فصمت وتصدقت عنه نفعه ذلك ) 4 . ( أخرجه أبو داود في آخر ( الوصايا ) ( 2/15 ) والبيهقي ( 6/279 ) والسياق له ، وأحمد ( رقم 6704 ) والرواية الاخرى له ، وإسنادهم حسن .

خامسا : ما خلفه من يعده من آثار صالحة وصدقات جارية ، لقوله تبارك وتعالى : { ونكتب ما قدموا وآثارهم } ، وفيه أحاديث :

الاول : عن ابي هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مات الانسان انقطع عنه عمله5إلا من ثلاثة [ أشياء ] ، إلا من صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح6 يدعو له ) . أخرجه مسلم ( 5/73 ) والسياق له والبخاري في ( الادب المفرد ) ( ص 8 ) وأبو داود ( 2/15 ) والنسائي ( 2/129 ) والطحاوي في ( المشكل ) ( 1/85 ) والبيهقي ( 6/278 ) وأحمد ( 2/372 ) ، والزيادة لابي داود والبيهقي .

الثاني : عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خير ما يخلف الرجل من بعده ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وصدقة تجري يبلغه أجرها ، وعلم يعمل به من بعده ) . أخرجه ابن ماجه ( 1/106 ) وابن حبان في ( صحيحه ) ( رقم 84 ، 85 ) والطبراني في ( المعجم الصغير ) ( ص79 ) وابن عبد البر في ( جامع بيان العلم ) ( 1/15 ) وإسناده صحيح كما قال المنذري في ( الترغيب ) ( 1/58 )

الثالث : عن أبي هريرة أيضا قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ، علما علمه ونشره . وولدا صالحا تركه ، ومصحفا ورثه ، أو مسجدا بناه ، أو بيتا لابن السبيل بناه ، أو نهرا أجراه ، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه من بعد موته ) . أخرجه ابن ماجه ( 1/106 ) بإسناد حسن ، ورواه ابن خزيمة في ( صحيحه ) أيضا والبيهقي كما قال المنذري .

الرابع : عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال : ( كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النهار ، فجاءه أقوام حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء ، متقلدي السيوف ، [ وليس عليهم أزر ولا شئ غيرها ] عامتهم من مضر ، بل كلهم من مضر ، فتمعر ( وفي رواية : فتغير - ومعناهما واحد ) وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة ، فدخل ، ثم خرج ، فأمر بلالا فأذن وصلى [ الظهر ، ثم صعد منبرا صغيرا ] ، ثم خطب [ فحمد الله وأثنى عليه ] فقال : [ أما بعد فإن الله أنزل في كتابه ] : { يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة ، وخلق منها زوجها ، وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ، واتقوا الله الذي تساءلون به والارحام ، إن الله كان عليكم رقيبا } ، والاية التي في ( الحشر ) : { ويا أيها الذين آمنوا }اتقوا الله ولتنظر ننسى ما قدمت لغد واتقوا الله ، إن الله خبير بما تعملون . { ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون . لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة ، أصحاب الجنة هم الفائزون } . تصدقوا قبل أن يحال بينكم وبين الصدقة ] ، تصدق رجل من ديناره ، من درهمه ، من ثوبه ، من صاع بره ، [ من شعيره ] ، من صاع تمره ، حتى قال : [ ولا يحقرن أحدكم شيئا من الصدقة ] ، ولو بشق تمرة ، [ فأبطؤوا حتى بان في وجهه الغضب ] ، قال : فجاء رجل من الانصار بصرة [ من ورق ( وفي رواية : من ذهب ) ] كادت كفه تعجز عنها ، بل قد عجزت [ فناولها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على منبره ] [ فقال : يا رسول الله هذه في سبيل الله ] ، [ فقبضها رسول الله صلى الله عليه وسلم ] ، [ قام أبو بكر فأعطى ، ثم قام عمر فأعطى ، ثم قام المهاجرون والانصار فأعطوا ] ، ثم تتابع الناس [ في الصدقات ] ، [ فمن ذي دينار ، ومن ذي درهم ، ومن ذي ، ومن ذي ] حتى رأيت كومين من طعام وثياب ، حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من سن في الاسلام سنة حسنة فله أجرها ، و[ مثل ] أجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شئ ، ومن سن سنة في الاسلام سيئة كان عليه وزرها . و[ مثل ] وزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شئ ، [ ثم تلى هذه الاية : { ونكتب ما قدموا وآثارهم} ] ، [ قال : فقسمه بينهم ] ) . أخرجه مسلم ( 3/88 ، 89 ، 8/61 ، 62 ) والنسائي ( 1/ 355 ، 356 ) والدارمي ( 1/126 ، 127 ) والطحاوي . في ( المشكل ) ( 1/93 ، 97 ) والبيهقي ( 4/175 ، 176 ) والطيالسي ( 670 ) وأحمد ( 4/357 ، 358 ، 359 ، 360 ، 361 ، 362 ) وابن أبي حاتم أيضا في ( تفسيره ) ، كما في ابن كثير ( 3/565 ) والزيادة التي قبل الاخيرة له ، وإسنادها صحيح ، وللترمذي ( 3/377 ) وصححه وابن ماجه ( 1/90 ) الجملتان اللتان قبل الزيادة المشار إليها مع الزيادتين فيهما .

وأما الزيادة الاولى فهي للبيهقي ، وما بعدها إلى الرابعة له ولمسلم ، والخامسه حتى الثامنة للبيهقي ، وعند الطيالسي الخامسة ، والتاسعة للدارمي وأحمد ، ولمسلم نحوها وكذا الطيالسي وأحمد أيضا ، والعاشرة والثانية عشر والخامسة عشر والتاسعة عشر للبيهقي ، والحادية عشر والسابعة عشر للطحاوي وأحمد ، والرابعة عشر للطيالسي ، والسادسة عشر والسابعة عشر لمسلم والترمذي وأحمد وغيرهم . والرواية الثانية للنسائي والبيهقي : والثالثة للطحاوي وأحمد

 

***********************

 

1 قلت : وهذه الاحاديث صريحة الدلالة في مشروعية صيام الولي عن الميت صوم النذر ، إلا أن الحديث الاول يدل بإطلاقه على شئ زائد على ذلك وهو أنه يصوم عنه صوم الفرض أيضا . وقد قال به الشافعية ، وهو مذهب ابن حزم ( 7 / 2 ، 8 ) وغيرهم . وذهب إلى الأول الحنابلة ، بل هو نص الامام أحمد ، فقال أبو داود في ( المسائل ) ( 96 ) : ( سمعت أحمد بن حنبل قال : لا يصام عن الميت إلا في النذر ) . وحمل أتباعه الحديث الاول على صوم النذر ، بدليل ما روت عمرة : أن أمها ماتت وعليها من رمضان فقالت لعائشة : أقضيه عنها ؟ قالت : لا بل تصدقي عنها مكان كل يوم نصف صاع على كل مسكين . أخرجه الطحاوي ( 3 / 142 ) وابن حزم ( 7 / 4 ) واللفظ له بإسناد قال ابن التركماني : ( صحيح ) وضعفه البيهقي ثم العسقلاني ، فإن كانا أرادا تضعيفه من هذا الوجه ، فلا وجه له ، وإن عنيا غيره ، فلا يضره ، وبدليل ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ( إذا مرض الرجل في رمضان ، ثم مات ولم يصم ، أطعم عنه وثم يكن عيه قضاء وإن كان عليه نذر قضى عنه وليه ) . أخرجه أبو داود بسند صحيح على شرط الشيخين ، وله طريق آخر بنحوه عند ابن حزم ( 7 / 7 ) وصحح إسناده . وله طريق ثالث عند الطحاوي ( 3 / 142 ) ، لكن الظاهر أنه سقط من متنة شئ من الناسخ أو الطابع ففسد المعنى . قلت : وهذا التفصيل الذي ذهبت إليه أم المؤمنين : وحبر الامة أبن عباس رضي الله عنهما وتابعهما إمام السنة أحمد بن حنبل هو الذي تطمئن إليه إلنفس ، وينشرح له الصدر ، وهو أعدل الاقوال في هذه المسألة وأوسطها وفيه إعمال لجميع الاحاديث دون رد لاي واحد منها ، مع الفهم الصحيح لها خاصة الحديث الاول منها ، فلم تفهم منه أم المؤمنين ذلك الاطلاق الشامل لصوم رمضان ، وهي راويته ، ومن المقرر أن رأوي الحديث أدرى بمعنى ما روى ، لا سيما إذا كان ما فهم هو الموافق لقواعد الشريعة وأصولها ، كما هو الشأن هنا ، وقد بين ذلك المحقق ابن القيم رحمه الله تعالى ، فقال في ( إعلام الموقعين ) ( 3 / 554 ) بعد أن ذكر الحديث وصححه :

" فطائفة حملت هذا على عمومه وإطلاقه ، وقالت : يصام عنه النذر والفرض . وأبت طائفة ذلك وقالت : لا يصام عنه نذر ولا فرض ، وفصلت طائفة فقالت : يصام عنه النذر دون الفرض الاصلي . وهذا قول ابن عباس وأصحابه ، وهو الصحيح ، لان فرض الصيام جار مجرى الصلاة ، فكما لا يصلي أحد عن أحد ، ولا يسلم أحد عن أحد فكذلك الصيام ، وأما النذر فهو التزام في الذمة بمنزلة الدين ، فيقبل قضاء الولي له كما يقضي دينه ، وهذا محض الفقه . وطرد هذا أنه لا يحج عنه ، ولا يزكي عنه إلا إذا كان معذورا بالتأخير كما يطعم الولي عمن أفطر في رمضان لعذر ، فأما المفر من غير عذر أصلا فلا ينفعه أداء غيره لفرائض الله التي فرط فيها ، وكان هو المأمور بها أبتلاء وامتحانا دون الولي ، فلا تنفع توبة أحد عن أحد ، ولا إسلامه عنه ، ولا أداء الصلاة عنه ولا غيرها من فرائض الله تعالى التي فرط فيها حتى مات " . قلت : : وقد زاد ابن القيم رحمه الله هذا البحث توضيحا وتحقيقا في ( تهذيب السنن ) ( 3 / 279 - 282 ) فليراجع فإنه مهم .

 

2 بضم المثناة وكسر اللام ، أي سلبت ، على ما لم يسم فاعله ، أي ماتت فجأة .

 

3 أي المثمر ، سمي بذلك لما يخرف منه أي يجي من الثمرة .

 

4 قال الشوكاني في ( نيل الاوطار ) ( 4 / 79 ) : ( وأحاديث الباب تدل على أن الصدقة من الولد تلحق الوالدين بعد موتهما بدون وصية منهما ، ويصل إليهما ثوابها ، فيخصص بهذه الاحاديث عموم قوله تعالى ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) . ولكن ليس في أحاديث الباب إلا لحوق الصدقة من الولد ، وقد ثبت أن ولد الانسان من سعيه فلا حاجة إلى دعوى التخصيص ، وأما من غير الولد فالظاهر من العموميات القرآنية أنه لا يصل ثوابه إلى الميت ، فيوقف عليها ، حتى يأتي دليل يقتضي تخصيصحها ) . قلت : وهذا هو الحق الذي تقضيه القواعد العلمية ، أن الاية على عمومها وأن ثواب الصدقة وغيرها يصل من الولد إلى الوالد لانه من سعيه بخلاف غير الولد ، لكن قد نقل النووي وغيره الاجماع على أن الصدقة تقع عن الميت ويصله ثوابها ، هكذا قالوا ( الميت ) فأطلقوه ولم يقيدوه بالوالد ، فإن صح هذا الاجماع كان مخصصا مومات

التي أشار إليها الشوكاني فيها يتعلق بالصدقة ، ويظل ما عداها داخلا في العموم كالصيام وقراءة القرآن ونحوهما من العبادات ، ولكنني في شك كبير من صحة الاجماع المذكور ، وذلك لامرين : الاول : أن الاجماع بالمعنى الاصولي لا يمكن تحققه في غير المسائل التي علمت من الدين بالضرورة ، كما حقق ذلك العلماء الفحول ، كابن حزم في ( أصول الاحكام ) والشوكاني في ( إرشاد الفحول ) والاستاذ عبد الوهاب خلاف في كتابه ( أصول الفقه ) وغيرهم ، وقد أشار إلى ذلك الامام أحمد في كلمته المشهورة في الرد على من أدعى الاجماع - ورواها عنه أبنه عبد الله بن أحمد في ( المسائل ) . الثاني : أنني سيرت كثيرا من المسائل التي نقلوا الاجماع فيها ، فوجدت الخلاف فيها معروفا بل رأيت مذهب الجمهور على خلاف دعوى الاجماع فيها ، ولو شئت أن اورد الامثلة على ذلك لطال الكلام وخرجنا به عما نحن بصدده . فحسبنا الان أن نذكر بمثال واحد ، وهو نقل النووي الاجماع على أن صلاة الجنازة لا تكره في الاوقات المكروهة مع أن الخلاف فيها قديم معروف ، وأكثر أهل العلم على خلاف الاجماع المزعوم ، كما سبق تحقيقه في المسألة ( 87 ) ، ويأتي لك مثال آخر قريب إن شاء الله تعالى

وذهب بعضهم إلى قياس غير الوالد على الوالد ، وهو قياس باطل من وجوه : الاول : أنه مخالف العموميات القرآنية كقوله تعالى ( ومن تزكى فإنما يتزكي لنفسه ) وغيرها من الايات التي علقت الفلاح ودخول الجنة بالاعمال الصالحة ، ولا شك أن الوالد يزكي نفسه بتربيته لولده وقيامه على فكان له أجر ه بخلاف غيره . الثاني : أنه قياس مع الفارق إذا تذكرت إن الشرع جعل الولد من كسب الوالد كما سبق في حديث عائشة فليس هو كسبا لغيره ، والله عز وجل يقول : ( كل نفس بما كسبت رهينة ) ويقول ( لها ما كسبت ، وعليها ما اكتسبت ) . وقد قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله عز وحل ( وأن ليس للانسان إلا ما سعى ) : ( أي كما لا يحمل عليه وزر غيره ، كذلك لا يحصل من الاجر إلا ما كسب هو لنفسه . ومن هذه الاية الكريمة استنبط الشافعي رحمه الله ومن اتبعه أن القراءة لا يصل إهداه ثوابها إلى الموتى لانه ليس من عملهم ولا كسبهم ، ولهذا لم يندب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته ، ولا حثهم عليه ، ولا أرشدهم إليه بنص ولا ايماء ولم ينقل ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه ، وباب القربات يقتصر فيه على النصوص ولا يتصرف فيه بأنواع الاقيسة والاراء ) وقال العز بن عبد السلام في ( الفتاوى ) ( 24 / 2 - عام 1692 ) : ( ومن فعل طاعة الله تعالى ، ثم أهدى ثوابها إلى حي أو ميت ، لم ينتقل ثوابها إليه ، إذ ( ليس للانسان إلا ما سعى ) ، فإن شرع في الطاعة ناويا أن يقع عن الميت لم يقع عنه ، إلا فيما استثناه الشرع كالصدقة والصوم والحج ) . وما ذكره ابن كثير عن الشافعي رحمه الله تعالى هو قول أكثر العلماء وجماعة من ، الحنفية كما نقله الزبيدي في ( شرح الاحياء ) ( 10/ 369 ) . [ قلت : ومما بسق تعلم بطلان الاجماع الذي ذكره ابن قدامة في ( المغني ) ( 2 / 569 ) على وصول ثواب القراءة إلى الموتى ، وكيف لا يكون باطلا ، وفي مقدمة المخالفين الامام الشافعي رحمه الله تعالى . وهذا مثال آخر من أمثلة ما ادعى فيه الاجماع وهو غير صحيح ، وقد سبق التنبيه على هذا قريبا ]

الثالث : أن هذا القياس لو كان صحيحا ، لكان من مقتضاء استحباب إهداء الثواب إلى الموتى ولو كان كذلك لفعله السلف ، لانهم أحرس على الثواب منا بلا ريب ، ولم يفعلوا ذلك كما سبق في كلام ابن كثير ، فدل هذا على ان القياس المذكور غير صحيح ، وهو المراد . وقد قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ( الاختيارات العلمية ) ( ص 54 ) : ( ولم يكن من عادة السلف إذا صلوا تطوعا أو صاموا تطوعا أو حجوا تطوعا ، أو قروؤا القرآن يهدون ثواب ذلك إلى أموات المسلمين ، فلا ينبغي العدول عن طريق السلف فإنه أفضل وأكمل ) . وللشيخ رحمه الله تعالى قول آخر في المسألة ، خالف فيه ما ذكره آنفا عن السلف ، فذهب إلى أن الميت ينتفع بجميع العبادات من غيره . وتبنى هذا القول وانتصر له ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه ( الروح ) بما لا يهض من القياس الذي سبق بيان بطلانه قريبا ، وذلك على خلاف ما عهدناه منه رحمه الله من ترك التوسع في القياس في الامور التعبدية المحضة لا سيما ما كان عنه على خلاف ما جرى عليه السلف الصالح رضي الله عنهم وقد أورد خلاصة كلامه العلامة السيد محمد رشيد رضا في ( تفسير المنار ) ( 8 / 254 - 270 ) ثم رد عليه ردا ا

قويا ، فليراجعه من شاء أن يتوسع في المسألة . . وقد استغل هذا القول كثير من المبتدعة ، واتخذوه ذريعة في محاربة السنة ، واحتجوا بالشيخ وتلميذه على أنصار السنة وأتباعها ، وجهل أولئك المبتدعة أو تجاهلوا أن أنصار السنة ، لا يقلدون في دين الله تعالى رجلا بعينة كما يفعل اولئك ولا يؤثرون على الحق الذى تبين لهم قول أحد من العلماء مهما كان اعتقادهم حسنا في علمه وصلاحه ، وأنهم إنما ينظرون إلى القول لا إلى القائل ، وإلى الدليل ، وليس إلى التقليد ، جاعلين نصب أعينهم قول امام دار الهجرة ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر ) وقال : ( كل أحد يؤخذ من قوله ويرد إلا صاحب هذا القبر ) . وإذا كان من المسلم به عند أهل العلم أن لكل عقيدة أو رأى يتبناه في هذه الحياة أثرا في سلوكه إن خيرا فخير ، وإن شرا فشر ، فإن من المسلم به أيضا ، أن الاثر يدل على المؤثر ، وأن أحدهما مرتبط بالاخر ، خيرا أو شرا كما ذكرنا ، وعلى هذا فلسنا نشك أن لهذا القول أثرا سيئا في من يحمله أو يتبناه ، من ذلك مثلا أن صاحبه يتكل في تحصيل الثواب والدرجات العاليات على غيره ، لعلمه أن الناس يهدون الحسنات مئات المرات في اليوم الواحد إلى جميع المسلمين الاحياء منهم والاموات ، وهو واحد منهم ، فلماذا لا يستغني حينئذ بعمل غيره عن سعيه وكسبه . ألست ترى مثلا أن بعض المشايخ الذين يعيشون على كسب بعض تلامذتهم ، لا يسعون بأنفسهم ليحصلوا على قوت يومهم بعرق جبينهم وكد يمينهم . وما السبب في ذلك إلا أنهم استغنوا عن ذلك بكسب غيرهم فاعتمدوا عليه وتركوا العمل ، هذا أمر مشاهد في الماديات ، معقول في المعنويات كما هو الشأن في هذه المسألة . وليت أن ذلك وقف عندها ، ولم يتعدها إلى ما هو أخطر منها ، فهناك قول بجواز الحج عن الغير ولو كان غير معذور كأكثر الاغنياء التاركين للواجبات فهذا القول يحملهم على التساهل في الحج والتقاعس عنه ، لانه يتعلل به ويقول في باطنه : يحجون عني بعد موتي بل إن ثمة ما هو أضر من ذلك ، وهو القول بوجوب إسقاط الصلاة ، عن الميت التارك لها فإنه من العوامل الكبيرة على ترك بعض المسلمين للصلاة ، لانه يتعلل بأن الناس يسقطونها عنه بعد وفاته إلى غير ذلك من الاقوال التي لا يخفى سوء أثرها علي المجتمع ، فمن الواجب على العالم الذي يريد الاصلاح أن ينبذ هذه الاقوال لمخالفتها نصوص الشريعة ومقاصدها الحسنة . وقابل أثر هذه الاقوال بأثر قول الواقفين عند النصوص لا يخرجون عنها بتأويل أو قياس تجد الفرق كالشمس . فإن من لم يأخذ بمثل الاقوال المشار إليها لا يعقل أن يتكل على غيره في العمل والثواب ، لانه يرى أنه لا ينجيه إلا عمله ، ولا ثواب له إلا ما سعى إليه هو بنفسه ، بل المفروض فيه أن يسعى ما أمكنه إلى أن يخلف من بعده أثرا حسنا يأتيه أجره ، وهو وحيد في قبره ، بدل تلك الحسنات المرهومة ، وهذا من الأسباب الكثيرة في تقدم السلف وتأخرنا ، ونصر الله إياهم ، وخذلانه إيانا ، نسأل الله تعالى أن يهدينا كما هداهم ، وينصرنا كما نصرهم .

 

5 أي فائدة عمله وتجديد ثوابه ، قال الخطابى في ( المعالم ) : ( فيه دليل على أن الصوم والصلاة وما دخل في معناهما من عمل الابدان لا تجري فيها النيابة وقد يستدل ، به من يذهب إلى أن من حج عن ميت فإن الحج في الحقيقة اللحاج دون المحجوج عنه ، وإنما يلحقه الدعاء ، ويكون له الاجر في المال الذي أعطى إن كان حج عنه بمال ) .

 

6 قيد بالصالح لان الاجر لا يحصل من غيره ، وأما الوزر فلا يلحق بالوالد من سيئة ولده إذا كان نيته في تحصيل الخير ، وإنما ذكر الدعاء له تحريضا على الدعاء لابيه ، لا لانه قيد ، لان الاجر يحصل للوالد من ولده الصالح ، كلها عمل عملا صالحا ، سواء أدعا لابيه أم لا ، كمن غرس شجرة يحصل له من أكل ثمرتها ثواب سواء أدعا له من أكلها أم لم يدع ، وكذلك الام . كذا في ( مبارق الازهار في شرح مشارق الانوار ) ابن الملك .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

زيارة القبور :

 

118 - وتشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكر الاخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبجانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى ، أو تزكيته والقطع له بالجنة ، ونحو ذلك ، وفيه أحاديث .

الاول : عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ، [ فإنها تذكركم الاخرة ] ، [ ولتزدكم زيارتها خيرا ] ، [ فمن أراد أن يزور فليزر ، ولا تقولوا هجرا ] ) أخرجه مسلم ( 53/6 ، 6/82 ) وأبو داود ( 2/72 ، 131 ) ومن طريقة البيهقي ( 4/77 ) والنسائي ( 1/ 285 ، 286 ، 2/329 ، 330 ) وأحمد ( 5/350 ، 355 ، 356 ، 361 ) والزيادة الاولى والثانية له ، ولابي داود الاولى بنحوها وللنسائي الثانية والثالثة . قال النووي رحمه الله في ( المجموع ) ( 5/ 310 ) :

والهجر : الكلام الباطل ، وكان النهي أولا لقرب عهدهم من الجاهلية فربما كانوا يتكلمون بكلام الجاهلية الباطل ، فلما استقرت قواعد الاسلام ، وتمهدت أحكامه ، واشتهرت معالمه أبيح لهم الزيارة ، واحتاط صلى الله عليه وسلم بقوله : ( ولا تقولوا هجرا ) .

قلت : ولا يخفي أن ما يفعله العامة وغيرهم عند الزيارة من دعاء الميت والاستغاثة به وسوال الله بحقه . لهو من أكبر الهجر والقول الباطل ، فعلى العلماء أن يبينوا لهم حكم الله في ذلك ، ويفهموهم الزيارة المشروعة والغاية منها . وقد قال الصنعاني في ( سبل السلام ) ( 2/162 ) عقب أحاديث في الزيارة والحكمة منها : ( الكل دال على مشروعية زيارة القبور وبيان الحكمه فيها ، وأنها للاعتبار - . . . ، فإذا خلت من هذه لم تكن مرادة شرعا ) .

الثاني : عن أبي سعيد الخدري قا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إني نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، فإن فيها عبرة . [ ولا تقولوا ما يسخط الرب ] ) . أخرجه أحمد ( 3/38 ، 63 ، 66 ) والحاكم ( 1/374 - 375 ) وعنه البيهقي ( 4/77 ) ثم قال : ( صحيح على شرط مسلم ) ، ووافقه الذهبي وهو كما قالا . ورواه البزار أيضا والزيادة له كما في ( مجمع الهيثمي ) ( 3/58 ) وقال : ( وإسناده رجاله رجال الصحيح ) .

قلت : وهي عند أحمد بنحوها من طريق أخرى ، وإسنادها لا بأس به في المتابعات ، ولها شاهد من حديث عبد الله بن عمرو بلفظ البزار . أخرجه الطبراني في ( المعجم الصغير ) ( ص 183 ) ورجاله موثقون .

الثالث : عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كنت نهتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب ، وتدمع العين ، وتذكر الاخرة ، ولا تقولوا هجرا ) . أخرجه الحاكم ( 1/376 ) بسند حسن ، ثم رواه ( 1/375 ، 376 ) وأحمد ( 3/237 ، 250 ) من طريق أخرى عنه بنحوه ، وفيه ضعف . وفي الباب عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وسيأتي .

119 - والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور ، لوجوه :

الاول : عموم قوله صلى الله عليه وسلم ( . . فزوروا القبور ) فيدخل فيه النساء ، وبيانه : أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نهى عن زيارة القبور في أول الامر . فلا شك أن النهي كان شاملا للرجال والنساء معا ، فلما قال ( كنت نهيتكم عن زيارة القبور ) كان مفهوما أنه كان يعني الجنسين ضرورة أنه يخبرهم عما كان في أول الامر من نهي الجنسين ، فإذا كان الامر كذلك ، كان لزاما أن الخطاب في الجملة الثانية من الحديث وهو قوله : ( فزوروها ) إنما أراد به الجنسين أيضا . ويؤيده أن الخطاب في بقية الافعال المذكورة في زيادة مسلم في حديث بريدة المتقدم آنفا : ( ونهيتكم عن لحوم الاضاحي فوق ثلاث فأمسكوا ما بدا لكم ، ونهيتكم عن النبيذ إلا في سقاء فاشربوا في الاسقية كلها ولا تشربوا مسكرا ) ، أقول : فالخطاب في جميع هذه الافعال موجه إلى الجنسين قطعا ، كما هو الشأن في الخطاب الاول : ( كنت : نهيتكم ) ، فإذا قيل بأن الخطاب في قوله ( فزوروها ) خاص بالرجال ، اختل نظام الكلام وذهبت طراوته ، الامر الذي لا يليق بمن أوتي جوامع الكلم ، ومن هو أفصح من نطق بالضاد ، صلى الله عليه وسلم ، ويزيده تأييدا الوجوه الاتية :

الثاني : مشاركتهن الرجال في العلة التي من أجلها شرعت زيارة القبور : ( فإنها ترق القلب وتدمع العين ) وتذكر الاخرة ) .

الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رخص لهن في زيارة القبور ، في حديثين حفظتهما لنا أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها :

1 - عن عبد الله بن أبي مليكة : ( أن عائشة أقبلت ذات يوم من المقابر ، فقلت لها : يا أم المؤمنين من أين أقبلت ؟ قالت : من قبر عبد الرحمن بن أبي بكر ، فقلت لها : أليس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن زيارة القبور ؟ قالت : نعم : ثم أمر بزيارتها ) . وفي رواية عنها ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في زيارة القبور ) . أخرجه الحاكم ( 1/376 ) وعنه البيهقي ( 4/78 ) من طريق بسطام بن مسلم عن أبي التياح يزيد بن حميد عن عبد الله بن أبي مليكة ، والرواية الاخرى لابن ماجه ( 1/475 )

قلت : سكت عنه الحاكم ، وقال الذهبي ( صحيح ) ، وقال البوصيري في ( الزوائد ) ( 988/1 ) : ( إسناده صحيح رجاله ثقات ) . وهو كما قالا . وقال الحافظ العراقي في ( تخريج الاحياء ) ( 4/418 ) : ( رواه ابن أبي الدنيا في ( القبور ) والحاكم بإسناد جيد ) 1

2 - عن محمد بن قيس بن مخرمة بن المطلب أنه قال يوما : ألا أحدثكم عني وعن أمي ؟ فظننا أنه يريد أمه التي ولدته ، قال : قالت عائشة : ألا أحدثكم عني وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلنا : بلى : قالت : ( لما كانت ليلتي المتي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها عندي ، انقلب فوضع رداءه ، وخلع نعليه ، فوضعهما عند رجليه ، وبسط طرف إزاره على فراشه ، فاضطجع ، فلم يلبث إلا ريثما ظهر أنه قد رقدت ، فأخذ رداءه رويدا ، وانتعل رويدا ، وفتح الباب [ رويدا ] ، فخرج ، ثم أجافه رويدا ، فجعلت درعي في رأسي واختمرت : وتقنعت إزاري2 ، ثم انطلقت على اثره حتى جاء البقيع ، فقام فأطال القيام ، ثم رفع يديه ثلاث مرات ، ثم انحرف فانحرفت ، وأسرع فأسرعت . فهرول فهرولت . فأحضر فأحضرت ، فسبقته ، فدخلت ، فليس إلا أن اضجعت ، فدخل فقال ، مالك يا عائش3حشيا4 رابية ؟ قالت : قلت : لا شئ [ يا رسول الله ] ، قال : لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير ، قالت : قلت : يا رسول الله بأبي أنت وأمي ، فأخبرته [ الخبر ] ، قال : فأنت السواد الذي رأيت أمامي ؟ قلت : نعم ، فلهزني في صدري لهزة5 أوجعتي ، ثم قال : أظننت أن يحيف الله عليك ورسوله ؟ قالت : مهما يكتم الناس يعلمه الله ، [ قال ] : نعم قال فان جبريل أتاني حين رأيت فناداني - فأخفاه منك ، فأجبته ، فأخفيته منك ، ولم يكن ليدخل عليك ، وقد وضعت ثيابك وظننت أن قد رقدت ، فكرهت أن أو فظك . وخشيت أن تستوحشي - فقال : إن ربك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم ، قالت : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ) . أخرجه مسلم ( 3/14 ) والسياق له والنسائي ( 1/286 ، 2/ 160 ، 160 - 161 ) وأحمد ( 6/221 ) والزيادات له إلا الاولى والثالثة فإنها للنسائي6

الرابع : إقرار النبي صلى الله عليه وسلم المرأة التي رآها عند القبر في حديث أنس رضي الله عنه : ( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بامرأة عند قبر وهي تبكي ، فقال لها : اتقي الله واصبري . . ) رواه البخاري وغيره ، وقد مضى بتمامه في المسألة ( 19 ) ( ص 22 ) ، وترجم له ( باب زيارة القبور ) ، قال الحافظ في ( الفتح ) : ( وموضع الدلالة منه أنه صلى الله عليه وسلم لم ينكر على المرأة قعودها عند القبر ، وتقريره حجة ) . وقال العيني في ( العمدة ) ( 3/76 ) :

( وفيه جواز زيارة القبور مطلقا ، سواء كان الزائر رجلا أو امرأة : وسواء كان المزور مسلما أو كافرا ، لعدم الفصل في ذلك ) .

وذكر نحوه الحافظ أيضا في آخر كلامه على الحديث فقال عقب قوله ( لعدم الاستفصال في ذلك ) :

( قال النووي : وبالجواز قطع الجمهور ، وقال صاحب الحاوي : لا تجوز زيارة قبر الكافر وهو غلط7 . انتهى ) .

وما دل عليه الحديث من جواز زيارة المرأة هو المتبادر من الحديث ، ولكن إنما يتم ذلك إذا كانت القصة لم تقع قبل النهي ، وهذا هو الظاهر ، إذا تذكرنا ما أسلفناه من بيان أن النهي كان في مكة ، وأن القصة رواها أنس وهو مدني جاءت به أمه أم سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة ، وأنس ابن عشر سنين ، فتكون القصة مدنية ، فثبت أنها بعد النهي . فتم الاستدلال بها على الجواز ، وأما قول ابن القيم في ( تهذيب السنن ) ( 4 / 350 ) : ( وتقوى الله ، فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه ، ومن جملتها النهي عن الزيارة ) . فصحيح لو كان عند المرأة علم بنهي النساء عن الزيارة وأنه استمر ولم ينسخ ، فحينئذ يثبت قوله : ( ومن جملتها النهي عن الزيارة ) أما وهذا غير معروف لدينا فهو استدلال غير صحيح ، ويؤيده أنه لو كان النهي لا يزال مستمرا لنهاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الزيارة صراحة وبين ذلك لها ، ولم يكتف بأمرها بتقوى الله بصورة عامة ، وهذا ظاهر إن شاء الله تعالى .

120 - لكن لا يجوز لهن الاكثار من زيارة القبور والتردد عليها ، لان ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة ، من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة ، وتضييع الوقت في الكلام الفارغ ، كما هو مشاهد اليوم في بعض ، البلاد الاسلامية ، وهذا هو المراد - إن شاء الله - بالحديث المشهور : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( وفي لفظ : لعن الله ) زوارات القبور ) . وقد روي عن جماعة من الصحابة : أبو هريرة ، حسان بن ثابت ، وعبد الله ابن عباس .

1 - أما حديث أبي هريرة ، فهو من طريق عمر بن أبي سلمة عن أبيه عنه . أخرجه الترمذي ( 2/156 - تحفة ) وابن ماجه ( 1/478 ) وابن حبان 789 ) والبيهقي ( 4/78 ) والطيالسي ( 1/171 - ترتيبه ) وأحمد ( 2/337 ) ، واللفظ الاخر للطيالسي والبيهقي ، وقال الترمذي :

( حديث حسن صحيح ، وقد رأى بعض أهل العلم أن هذا كان قبل أن يرخص النبي في زيارة القبور . فلما رخص دخل في رخصته الرجال والنساء ، وقال بعضهم : إنما كره زيارة القبور في النساء لقلة صبرهن وكثرة جزعهن ) .

قلت : ورجال إسناد الحديث ثقات كلهم ، غير أن في عمر بن أبي سلمة كلاما لعل حديثه لا ينزل به عن مرتبة الحسن ، لكن حديثه هذا صحيح لما له من الشواهد الاتية .

2 - وأما حديث حسان بن ثابت ، فهو من طريق عبد الرحمن بن بهمان عن عبد الرحمن بن ثابث عن أبيه به . أخرجه ابن أبي شيبة ( 4/141 ) وابن ماجه ( 1/478 ) والحاكم ( 1/374 ) والبيهقي وأحمد ( 2/243 ) وقال البوصيري في ( الزوائد ) ( ق 98/2 ) : ( إسناده صحيح ، رجاله ثقات ) .

كذا قال ، وابن بهمان هذا لم يوثقه غير ابن حبان والعجلي ، وهما معروفان بالتساهل في التوثيق ، وقال ابن المديني فيه : ( لا نعرفه ) ، ولذا قال الحافظ في ( التقريب ) : ( مقبول ) يعني عند المتابعة ، ولم أجد له متابعا ، لكن الشاهد الذي قبله وبعده في حكم المتابعة ، فالحديث مقبول .

3 - وأما حديث ابن عباس ، فهو من طريق أبي صالح عنه باللفظ الاول إلا أنه قال : ( زائرات القبور ) وفي رواية ( زوارات ) . أخرجه ابن أبي شيبة ( 4/140 ) وأصحاب السنن الاربعة وابن حبان ( 788 ) والحاكم والبيهقي والطيالسي والرواية الاخرى لهما ، وأحمد ( رقم2030 ، 2603 ، 2986 ، 3118 ) وقال الترمذي : ( حديث حسن ، وأبو صالح هذا مولى أم هاني بنت أبي طالب واسمه باذان ، ويقال : باذام ) .

قلت : وهو ضعيف بل اتهمه بعضهم ، وقد أوردت حديثه في ( سلسلة الاحاديث الضعيفة ) لزيادة تفرد بها فيه ، وذكرت بعض أقوال الائمة في حاله فيراجع ( 223 ) .

فقد تبين من تخريج الحديث أن المحفوظ فيه إنما هو بلفظ ( ( زوارات ) ) لاتفاق حديث أبي هريرة وحسان عليه وكذا حديث ابن عباس في رواية الاكثرين ، على ما فيه من ضعف فهي إن لم تصلح للشهادة فلا تضر ، كما لا يضر في الاتفاق المذكور الرواية الاخرى من حديث ابن عباس كما هو ظاهر ، وإذا كان الامر كذلك فهذا اللفظ ( ( زوارات ) ) إنما يدل على لعن النساء اللاتي يكثرن الزيارة . بخلاف غيرهن فلا يشملهن اللعن ، فلا يجوز حينئذ أن يعارض بهذا الحديث ما سبق من الاحاديث الدالة على استحباب الزيارة للنساء ، لانه خاص وتلك عامة . فيعمل بكل منهما في محله ، فهذا الجمع أولى من دعوى النسخ ، وإلى نحو ما ذكرنا ذهب جماعة من العلماء ، فقال القرطبي : ( اللعن المذكور في الحديث إنما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصيغة من المبالغة ، ولعل السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرج . وما ينشأ من الصياح ونحو ذلك وقد يقال : إذا أمن جميع ذلك فلا مانع من الاذن لهن ، لان تذكر الموت يحتاج إليه الرجال والنساء )

. قال الشوكاني في ( نيل الاوطار ) ( 4/95 ) : ( وهذا الكلام هو الذي ينبغي اعتماده في الجمع بين أحاديث الباب المتعارضة في الظاهر ) 8 .

 

***************

 

 

1 قلت : وقد أعله ابن القيم بشئ عجيب ، والاخرى بلا شئ فقال في ( تهذيب السنن ) ( 4 / 350 ) : ( وأما رواية البيهقي فهي من رواية بسطام بن مسلم ، ولو صح ، فعائشة تأولت ما تأول غيرها من دخول النساء ) قلت : وبسطام ثقة بدون خلاف أعلمه ، فلا وجه لغمز ابن القيم له ، والاسناد صحيج لا شبهة فيه . ولا يعله ما أخرجه الترمذي ( 2 / 157 ) من طريق ابن جريج عن عبد الله ابن أبي مليكة قال : توفي عبد الرحمن بن أبي بكر ب‍ ( الحبشي ) ( مكان بينه وبين مكة اثنا عشر ميلا ) فحمل إلى مكة فدفن فيها ، فلما قدمت عائشة أتت قبر عبد الرحمن بن أبى بكر فقالت : وكنا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتى قيل : لن يتصدعا فلما تفرقتا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا ثم قالت : والله لو حضرتك ما دفنت إلا حيث مت ، ولو شهدتك ما زرتك ) وكذا أخرجه ابن

أبي شيبة في ( المصنف ) ( 4 / 140 ) ، واستدركه الهيثمي فأورده في ( المجمع ) وقال : ( 3 / 60 ) : ( رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح ) ، فوهم في الاستدراك لاخراج الترمذي له ، ورجاله رجال الشيخين لكن ابن جريح مدلس وقد عنعنه . فهي علة الحديث ، ومع ذلك فقد ادعى ابن القيم ( 4 / 349 ) أنه ( المحفوظ مع ما فيه ) . كذا قال ، بل هو منكر لما ذكرنا ولانه مخالف لرواية يزيد بن حميد وهو ثقة ثبت عن ابن أبي مليكة ، ووجه المخالفة ظاهرة من قوله ( ولو شهدتك ما زرتك ) فانه صريح في أن سبب الزيارة إنما هو عدم شهودها وفاته ، فلو شهدت ما زارت ، بينما حديث ابن حميد صريح في أنها زارت لان النبي صلى الله عليه وسلم أمر بزيارة القبور ، فحديثه هو المحفوظ خلاف ما ذهب إليه ابن القيم رحمه الله تعالى . وأما ما ذكره من تأول عائشة فهو محتمل ، ولكن الاحتمال الاخر وهو أنها زارت بتوقيف منه صلى الله عليه وسلم أقوى بشهادة حديثها الاتي .

2 بغير باء التعدية ، بمعنى لبست إزاري فلهذا عدي بنفسه .

3 يجوز في ( عائش ) فتح إلشين وضمها ، وهما وجهان جاريان في كل المرخمات .

4 بفتح المهملة وإسكان المعجمة معناه وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه من ارتفاع النفس وتواتره . وقول : ( رابية ) أي مرتفعة البطن .

5 اللهز : الضرب بجمع الكف في الصدر .

6 والحديث استدل به الحافظ في ( التلخيص ) ( 5 / 248 ) على جواز الزيارة للنساء وهو ظاهر الدلالة عليه ، وهو يؤيد أن الرخصة شملهن مع الرجال ، لان هذه القصة إنما كانت في المدينة ، لما هو معلوم أنه صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة في المدينة ، والنهي إنما كان في أول الامر في مكة ، ونحن نجزم بهذا وإن كنا لا نعرف تاريخا يؤيد ذلك ، لان الاستنتاج الصحيح يشهد له ، وذلك من قوله صل الله عليه وسلم : ( كنت نهيتكم ) إذ لا يعقل في مثل هذا النهي أن يشرع في العهد المدني ، دون العهد المكي الذي كان أكثر ما شرع فيه من الاحكام إنما هو فيما يتعلق بالتوحيد والعقيدة ، والنهي عن الزيارة من هذا القبيل لانه من باب سد الذرائع ، وتشريعه إنما يناسب العهد المكي لان الناس كانوا فيه ، حديتي عهد بالاسلام ، وعهدهم بالشرك قريبا ، فنهاهم صلى الله عليه وسلم عن إلزيارة لكي لا تكون ذريعة إلى الشرك ، حتى إذا استقر التوحيد في قلوبهم ، وعرفوا ما ينافيه من أنواع الشرك أذن لهم الزيارة ، وأما أن يدعهم طيلة العهد المكي على عادتهم في الزيارة ، ثم ينهاهم عنها في المدينة فهو بعيد جدا عن حكمة التشريح ، ولهذا جزمنا بأن النهي إنما كان تشريعه في مكة ، فإذا كان كذلك فأذنه لعائشة بالزيارة في المدينة دليل واضح على ما ذكرنا ، فتأمله فانه شئ انقدح في النفس ، ولم أر من شرحه على هذا الوجه ، فان أصبت فمن الله ، وإن أخطأت فمن نفسي . وأما استدلال صاحب رسالة ( وصية شرعية ) على ذلك بقوله ( ص 26 ) : ( وقد أقر الرسول صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها على زيارة قبر عمها حمزة رضي الله عنه ) . فهو استدلال باطل ، لان الاقرار المذكور لا أصل له في شئ من كتب السنة ، وما أظنة إلا وهما من ألمولف ، فإن المروي عنها رضي الله عنها إنما هو زيارة فقط ليس في ذكر للاقرار المزعوم أصلا ، ومع ذلك فلا يثبت ذلك عنها ، فإنه من رواية سليمان بن داود عن جعفر بن محمد عن أبيه على بن الحسين عن أبيه أن فاطمة بنت النبي صلي الله عليه وسلم كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده . هكذا أخرجه الحاكم ( 1 / 377 ) ومن طريقه البيهقي ( 4 / 78 ) وقال : ( كذا قال ، وقد قيل عن سليمان بن داود عن أبيه عن جعفر بن محمد عن أبيه دون ذكر على بن الحسين عن أبيه فيه ، فهو منقطع ) . وقال الحاكم : ( رواته عن آخرهم ثقات ) ورده الذهبي بقوله : ( قلت : هذا منكر جدا ، وسليمان ضعيف ) . قلت : وأنا أظنه سليمان بن داود بن قيس الفراء المدني ، قال أبو حاتم ( شيخ لا أفهمه فقط كما ينبغي ) وقال الازدي : ( تكلم فيه ) ولهذا أورده الذهبي في ( الضعفاه ) ، وحكى قول الازدي المذكور ، فلا تغتر بسكوت الحافظ على هذا الاثر في ( التلخيص ) ( ص 167 ) ، وإن تابعه عليه الشوكاني كما هي عادته في ( نيل الاوطار ) ( 4 / 95 ) على أنه وقع عند الاول ( على بن الحسين عن على ) ، فجعله من مسند علي رضي الله عنه وإنما هو من رواية ابنه الحسين رضي الله عنهما ، كما عند الحاكم ، أو من رواية جعفر بن محمد عن أبيه كما في رواية البيهقي المعلقة ، فلعل ما في ( التلخيص ) وهو قوله ( عن علي ) محرف عن ( عن أبيه ) . وسقط هذا كله عند الصنعاني في ( سبل السلام ) ( 2 / 151 ) فعزاه للحاكم من حديث علي بن الحسين أن فاطمة . . . ثم قال : ( قلت : وهو حديث مرسل ، فإن علي بن الحسين لم يدرك فاطمة بنت محمد ) والحديث إنما هو من حديث علي بن الحسين عن أبيه على ما سبق بيانه .

7 قلت : والدليل عليه في المسألة الاتية .

8 وإلى هذا الجمع ذهب الصنعاني أيضا في : ( سبل السلام ) ، ولكنه استدل للجواز بأدلة فيها نظر فأحبت أن أنبه عليها ، أولا : حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما ( أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم كانت تزرو قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي ) . أخرجه الحاكم ( 1 / 377 ) وعنه البيهقي ( 4 / 78 ) وقال ( وهو منقطع ، وسكت عليه الحافظ في ( التلخيص ) ( 5 / 248 ) وتبعه الصنعاني وسكوت هذين واقتصار البيهقي علي إعلاله بالانقطاع قد يوهم أنه سالم من علة أخرى . وليس كذلك كما سبق بيانه قريبا . ثانيا : حديث البيهقي في ( شعب الايمان ) مرسلا : ( من زار قبر الولدين أو أحدهما في كل جمعة عفو له وكتب بارا ) . سكت عليه الصنعاني أيضا . وهو ضعيف جدا بل هو موضوع ، وليس هو مرسل فقط كما ذكر الصنعاني ، بل هو معضل لان الذي رفعه إنما هو محمد بن النعمان وليس تابعيا ، قال إلعراقي في ( تخريج الاحياء ) ( 4 / 418 ) : ( رواه ابن أبى الدنيا وهو معضل ، محمد بن النعمان مجهول ) . قلت : وهو تلقاه عن يحيى بن العلاء البجلي بسنده عن أبى هريرة أخرجه الطبراني في الصغير ( 199 ) ويحيي كذبه وكيع وأحمد ، وقال ابن أبى حاتم ( 2 / 209 ) عن أبيه : ( الحديث منكرا جدا ، كأنه موضوع ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع : زيارة القبور

 

121 - ويجوز زيارة قبر من مات على غير الاسلام للعبرة فقط . وفيه حديثان :

الاول : عن أبي هريرة قال : ( زار النبي صلى الله عليه وسلم قبر أمه . فبكى : وأبكى من حوله ، فقال : استأذنت ربي في أن أستغفر لها ، فلم يؤذن لي ، واستأذنته في أن أزور قبرها فأذن لي ، فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) . أخرجه مسلم ( 3/65 ) وأبو داود ( 2/72 ) والنسائي ( 1/286 ) وابن ماجه ( 1/476 ) ( 1/476 ) والطحاوي ( 3/189 ) والحاكم ( 1/375 - 376 ) وعنه البيهقي ( 4/76 ) وأحمد ( 2/441 ) .

الثاني : عن بريدة رضي الله عنه قال : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم [ في سفر ، وفي رواية : في غزوة الفتح ] . فنزل بنا ونحن معه قريب من ألف راكب ، فصلى ركعتين ، ثم أقبل علينا بوجهه وعيناه تذرفان ، فقام إليه عمر بن الخطاب ، فقداه بالاب والام ، يقول : يا رسول لله مالك ؟ قال : إني سألت ربي عز وجل في الاستغفار لامي ، فلم يأذن لي ، فدمعت عيناي رحمة لها من النار ، [ واستأذنت ربي في زيارتها فأذن لي ] ، وإني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها ، ولتزدكم زيارتها خيرا ) . أخرجه أحمد ( 5/355 ، 357 ، 359 ) وابن أبي شيبة ( 4/139 ) والرواية الاخرى لهما وإسنادها عند ابن أبي شيبة صحيح ، والحاكم ( 1/376 ) وكذا ابن حبان ( 791 ) والبيهقي ( 4/76 ) والزيادة الاولى لها : والرواية الاخرى فيها لمن سبق ذكره ، والزيادة الاخرى للحاكم وقال : ( صحيح على شرط الشيخين ) ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا : ورواه الترمذي مختصرا وصححه ، وروى مسلم وغيره منه الاذن بالزيارة فقط كما تقدم في المسألة ( 118ص178 ) الحديث الاول 1 .

والمقصود من زيارة القبور شيئان :

1 - انتفاع الزائر بذكر الموت والموتى ، وأن مآلهم إما إلى جنة وإما إلى نار وهو الغرض الاول من الزيارة ، كما يدل عليه ما سبق من الاحاديث .

2 - نفع الميت والاحسان إليه بالسلام عليه ، والدعاء والاستغفار له ، وهذا خاص بالمسلم ، وفيه أحاديث :

الاول : عن عائشة رضي الله عنها : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج إلى البقيع ، فيدعو لهم ، فسألته عائشة عن ذلك ؟ فقال : إني أمرت أن أدعو لهم ) . أخرجه أحمد ( 6/252 ) بسند صحيح على شرط الشخين . ومعناه عند مسلم وغيره من طريق أخرى مطولا ، وقد مضى بتمامه في المسألة ( 119 ) .

الثاني : عنها أيضا قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج من آخر الليل فيقول : السلام عليكم [ أهل ] دار قوم مؤمنين ، وإنا وإياكم وما توعدن غدا مؤجلون ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لاهل بقيع الغرقد ) . أخرجه مسلم ( 3/63 ) والنسائي ( 1/287 ) وابن السني ( 585 ) والبيهقي ( 4/79 ) وأحمد ( 6/180 ) وليس عنده الدعاء بالمغفرة ( والزيادة له ولابن السني .

الثالث : عنها أيضا في حديثها الطويل المشار إليه قريبا قالت : ( كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ قال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منا والمستأخرين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون ) . أخرجه مسلم وغيره .

الرابع : عن بريدة قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر ، فكان قائلهم يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله [ بكم ] للاحقون ، [ أنتم لنا فرط ، ونحن لكم تبع ] ، أسأل الله لنا ولكم العافية ) . أخرجه مسلم ( 3/65 ) والنسائي وابن ماجه ( 1/469 ) ، وكذا ابن أبي شيبة ) ( 4/138 ) وابن السني في ( 582 ) والبيهقي وأحمد ( 5/353 ، 359 ، 360 ) ، والزيادتان لهم جميعا حاشا ابن ماجه ومسلما . والزيادة الثانية ، أخرجها ابن أبي شيج من حديث علي وإسناده صحيح ، ومن حديث سلمان ( وإسناده حسن ) وكلاهما موقوف عليهما .

الخامس : عن أبي هريرة : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنى المقبرة فقال : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لا حقون ، وددت أنا قد رأينا إخواننا ، قالوا : أو لسنا إخوانك يا رسول الله . قال [ بل ] أنتم أصحابي ، وأخواننا الذين يأتون بعد ، [ وأنا فرطهم على الحوض ] ، فقالوا كيف تعرف من لم يأت بعد من أمتك يا رسول الله : فقال أرأيتم لو أن رجلا له خيل غر2محجلة ، بين ظهري خيل دهم بهم3ألا يعرف خيله ؟ قالوا بلى يا رسول الله . قال : فأنهم يأتون [ يوم القيامة ] عرا محجلين من الوضوء . [ يقولها ثلاثا ] ، وأنا فرطهم على الحوض . ألا ليذادن رجال [ منكم ] عن حوضي كما يذاد البعير الضال ، أناديهم : ألا هلم [ ألا هلم ] . فيقال : إنهم قد بذلوا بعدك ، [ ولم يزالوا يرجعون على أعقابهم ] ، فأقول : [ ألا ] ، سحقا سحقا ) . اخرجه مسلم ( 1/150 - 151 ) ومالك ( 1/49 - 50 ) والنسائي ( 1/35 ) وابن ماجه ( 2/ 580 ) والبيهقي ( 4/78 ) وأحمد ( 2/300 ، 408 ) والزيادات كلها له إلا الاخيرتين فإنها لابن ماجه ، ولمالك الثلاثة الاولى مع السادسة ، وللنسائي الاولى والثالثة .

وفي الباب عن بشير بن الخصاصية ، وقد ذكرت لفظه في التعليق على المسألة ( 88 ) ، ( ص 135 ) وعن ابن عباس ، وفيه ضعف كما يأتي التنبيه عليه في خاتمة المسألة الاتية بعد مسألة ، وعن عمر وغيره ، وفيها ضعف كما بينه الحافظ الهيثمي في ( المجمع ) ( 3/60 ) .

122 - وأما قراءة القرآن عند زيارتها ، فمما لا أصل له في السنة ، بل الاحاديث المذكورة في المسألة السابقة تشعر بعدم مشروعيتها ، إذ لو كانت مشروعة ، لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه ، لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عنها - وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم - عما تقول إذا زارت القبور ؟ فعلمها السلام والدعاء . ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن ، فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها ، كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الاصول ، فكيف بالكتمان ، ولو أنه صلى الله عليه وسلم علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا ، فإذ لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع . ومما يقوي عدم المشروعية قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، فإن الشيطان يفر من البيت الذي يقرأ فيه سورة البقرة ) أخرجه مسلم ( 2/188 ) والترمذي ( 4/42 ) وصححه وأحمد ( 2/284 ، 337 ، 378 ، 388 ) من حديث أبي هريرة .

وله شاهد من حديث الصلصال بن الدلهمس . رواه البيهقي في ( الشعب ) كما في ( الجامع الصغير ) .

فقد أشار صلى الله عليه وسلم إلى أن القبور ليست موضعا للقراءة شرعا ، فلذلك حض على قراءة القرآن في البيوت ونهي عن جعلها كالمقابر التي لا يقرأ فيها ، كما أشار في الحديث الاخر إلى أنها ليست موضعا لصلاة أيضا ، وهو قوله : ( ( صلوا في بيوتكم ، ولا تتخذوها قبورا ) ) . أخرجه مسلم ( 2/187 ) وغيره عن ابن عمر ، وهو - عند البخاري بنحوه ، وترجم له بقوله : بـ ( باب كراهية الصلاة في المقابر ) فأشار به إلى أن حديث ابن عمر يفيد كراهة الصلاة في المقابر ، فكذلك حديث أبي هريرة يفيد كراهة قراءة القرآن في المقابر ، ولا فرق4 . ولذلك كان مذهب جمهور السلف كأبي حنيفة ومالك وغيرهم5كراهة للقراءة عند القبور ، وهو قول الامام أحمد فقال أبو داود في مسائله ( ص 158 ) : ( ( سمعت أحمد سئل عن القراءة عند القبر ؟ فقال : لا ) ) .

123 - ويجوز رفع اليد في الدعاء لهما ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة ، فأرسلت بريرة في أثره لتنظر أين ذهب قالت : فسلك نحو بقيع الغرقد ، فوقف في أدنى البقيع ثم رفع يديه ، ثم انصرف ، فرجعت إلي بريرة ، فأخبرتني ، فلما أصبحت سألته ، فقلت : يارسول الله أين خرجت الليلة ؟ قال : بعثت إلى أهل البقيع لاصلي عليهم ) . أخرجه أحمد ( 6/92 ) ، وهو في ( الموطأ ) ( 1/239 - 240 ) وعنه النسائي ( 1/287 ) بنحوه ، لكن ليس فيه رفع اليدين ، وإسناده حسن . وقد ثبت رفع اليدين في قصة أخرى لعائشة رضي الله عنها تقدمت في المسألة ( 119 ) .

124 - ولكنه لا يستقبل القبور حين الدعاء لها ، بل الكعبة ، لنهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة إلى القبور كما سيأتي ، والدعاء مخ الصلاة ولبها كما هو معروف فله حكمها ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ، ثم قرأ { وقال ربكم ادعوني أستجب لكم } . أخرجه ابن المبارك في ( الزهد ) ( 10/151 ) والبخاري في ( الادب المفرد ) رقم ( 714 ) وأبو داود ( 1/551 - بشرح العون ) والترمذي ( 4/178 ، 223 ) وابن ماجه ( 2/428 - 429 ) وابن حبان ( 2396 ) والحاكم ( 1/491 ) وابن منده في ( التوحيد ) ( ق 69/1 ) وأحمد ( 4/167 ، 271 ، 276 ، 277 ) وقال الحاكم : ( صحيح الاسناد ) ووافقه الذي وهو كما قالا ، وقال الترمذي : ( حديث حسن صحيح ) .

ورواه أبو يعلى من حديث البراءة بن عازب كما في ( ( الجامع الصغير ) ) . وفي الباب عن أنس بن مالك مرفوعا بلفظ : ( ( الدعاء مخ العبادة ) ) . أخرجه الترمذي ( 2234 ) وقال : ( حديث غرب من هذا الوجه لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة ) .

قلت : وهو ضعيف لسوء حفظه ، فيستشهد به إلا ما كان من رواية أحد العبادلة عنه فيحتج به حينئذ ، وليس هذا منها ، لكن معناه صحيح بدليل حديث النعمان . قال الطيبي في شرحه :

( أتى بضمير الفصل والخبر المعرف باللام [ هو العبادة ] ليدل على الحصر ، وأن العبادة ليست غير الدعاء . وقال غيره : المعنى هو من اعظم العبادة فهو كخبر ( الحج عرفة ) أي ركنه الاكبر ، وذلك لدلالته على أن فاعله يقبل بوجهه إلى الله ، معرضا عما سواه ، لانه مأمور به ، وفعل المأمور عبادة ، وسماه عبادة ليخضع الداعي ويظهر ذلته ومسكنته وافتفاره ، إذ العبادة ذل وخضوع ومسكنة ) . ذكره المناوي في ( الفيض ) .

قلت : فإذا كان الدعاء من أعظم العبادة فكيف يتوجه به إلى غير الجهة التي أمر باستقبالها في الصلاة ، ولذلك كان من المقرر عند العلماء المحققين أن ( لا يستقبل بالدعاء إلا ما يستقبل بالصلاة ) . قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في ( اقتضاء الصراط المستقيم ، مخالفة أصحاب الجحيم ) ( ص 175 ) :

( ( وهذا أصل مستمر أنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه ، ألا ترى أن الرجل لما نهي عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء . ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح ، سواء كانت في المشرق أو غيره ، وهذا ضلال بين ، وشر واضح ، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين ، وهو يستدبر الجهة التي فيها بيت الله . وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذه الاشياء من البدع التي تضارع دين النصارى ) ) .

وذكر قبل ذلك بسطور عن الامام أحمد وأصحاب مالك أن المشروع استقبال القبلة بالدعاء حتى عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد السلام عليه . وهو مذهب الشافعية أيضا ، فقال النووي في ( المجموع ) ( 5 / 311 ) :

وقال الامام أبو الحسن محمد بن مرزوق الزعفراني - وكان من الفقهاء المحققين - في كتابه في ( ( الجنائز ) ) : ( ولا يستلم القبر بيده : ولا يقبله ) . قال : ( وعلى هذا مضت السنة ) . قال : واستلام القبور وتقبيلها الذي يفعله العوام الان من المبتدعات المنكرة شرعا ، ينبغي تجنب فعله ، وينهى فاعله ) قال : ( فمن قصد السلام على ميت سلم عليه من قبل وجهه ، وإذا أراد الدعاء تحول عن موضعه ، واستقبل القبلة ) . وهو مذهب أبي حنيفة أيضا ، فقال شيخ الاسلام في ( القاعدة الجليلة ، في التوسل والوسيلة ) ( ص 125 ) :

( ومذهب الائمة الاربعة : مالك وأبي حنيفة والشافعي وأحمد وغيرهم من أئمة الاسلام أن الرجل إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأراد أن يدعو لنفسه فإنه يستقبل القبلة ، واختلفوا في وقت السلام عليه ، فقال الثلاثة مالك والشافعي وأحمد : يستقبل الحجرة ويسلم عليه من تلقاء وجهه ، وقال أبو حنيفة : لا يستقبل الحجرة وقت السلام كما لا يستقبلها وقت الدعاء باتفاقهم ، تم في مذهبه قولان : قيل : يستدبر الحجرة ، وقيل يجعلها عن يساره . فهذا نزاعهم في وقت السلام . وأما في وقت الدعاء فلم يتنازعوا في أنه إنما يستقبل القبلة ، لا الحجرة ) . وسبب الاختلاف المذكور إنما هو من قبل أن الحجرة المكرمة لما كانت خارجة عن المسجد ، وكان الصحابة يسلمون عليه لم يكن يمكن أحدا أن يستقبل وجهه صلى الله عليه وسلم ويستدبر القبلة6 ، كما صار ذلك ممكنا بعد دخولها في المسجد بعد الصحابة ، فالمسلم منهم إن استقبل القبلة صارت الحجرة عن يساره ، وإن استقبلوا الحجرة ، كانت القبلة عن يمينهم وجهة الغرب من خلفهم ، قال شيخ الاسلام في ( الجواب الباهر ) ( ص 14 ) بعد أن ذكر هذا المعنى :

( وحينئذ فإن كانوا يستتقبلونه ويستدبرون الغرب فقول الاكثرين أرجح ، وإن كانوا يستقبلون القبلة حينئذ ويجعلون الحجرة عن يسارهم فقول أبي حنيفة أرجح )

قلت : لقد ترك الشيخ رحمه الله المسألة معلقة ، فلم يبت في أنهم كانوا يستقبلونها ، أو يستقبلون القبر وكأن ذلك لعدم وجود رواية ثابتة عنهم في ذلك ، ولكن لو فرض أنهم كانوا يستقبلونه ، فقد علمت أنهم في هذه الحالة كانوا يستدبرون الغرب لا القبلة ، لعدم إمكان ذلك في زمانهم ، وسبق أن الاكثرين يقولون باستقبال وجهه صلى الله عليه وسلم أيضا عند السلام عليه ، وهذا يستلزم استدبار القبلة . الامر الذي نقطع أنه لم يقع في عهد الصحابة كما سلف ، فهذا أمر زائد على استقبال الحجرة ، ولا بد له من دليل . لاثباته ، فهل له من وجود ؟ ذلك مما لا أعرفه ، ولا رأيت أحدا من العلماء تعرض لهذا ، سواء في خصوص قبر الرسول صلى الله عليه وسلم أو في القبور عامة . نعم ، استدل بعضهم على ذلك بحديث ابن عباس قال :

( مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقبور المدينة ، فأقبل عليهم بوجهه ، فقال : السلام عليكم يا أهل القبور ، يغفر الله لنا ولكم ، أنتم سلفنا ونحن على الاثر ) . أخرجه الترمذي ( 2/156 ) والضياء في ( المختارة ) ( 58/192/1 ) من طريق الطبراني وقال الترمذي : ( حسن غريب ) .

قلت : في سنده قابوس بن أبي ظبيان قال النسائي : ( ( ليس بالقوي ) ) . وقال ابن حبان : ( ردئ الحفظ ، ينفرد عن أبيه بما لا أصل له ) .

قلت : وهذا من روايته عن أبيه ، فلا يحتج به ، ولعل تحسين الترمذي لحديثه هذا إنما هو باعتبار شواهده ، فإن معناه ثابت في الاحاديث الصحيحة وقد مضى قريبا ذكر قسم طيب منها ، إلا أن قوله : ( فأقبل عليهم بوجهه ) منكر لتفرد هذا الضيف به .

إذا عرفت هذا ، فقد قال الشيخ علي القاري في ( مرقاة المفاتيح ) ( 2/407 ) :

( فيه دلالة على أن المستحب في حال السلام على الميت أن يكون وجهه لوجه الميت وأن يستمر كذلك في الدعاء أيضا ، وعليه عمل عامة المسلمين ، خلافا لما قاله ابن حجر من أن السنة عندنا أنه في حالة الدعاء يستقبل القبلة كما علم من أحاديث أخر في مطلق الدعاء ) .

قلت : وفي هذا الاستدلال نظر ظاهر ، إذ ليس في الحديث إلا إقباله صلى الله عليه وسلم بوجهه على القبور ، وأما الاقبال على وجوه الموتى ، فشئ آخر وهو يحتاج إلى نص آخر غير هذا ، وهو مما لا أعرفه .

فالحق أن الحديث لو ثبت سنده لكان دليلا واضحا على أن المار بالقبور يستقبلها بوجهه حين السلام عليها والدعاء لها ، كيفما كان الاستقبال ، وحسبما يتفق دون قصد لوجوه الموتى ، أما والسند ضعيف كما سبق بيانه فلا يصلح للاستدلال به أصلا .

ولا ينافي ما تقدم عن الامام مالك من عدم مشروعية استقبال الحجرة عند الدعاء الحكاية التي جاء فيها أن مالكا لما سأله المنصور العباسي عن استقبال الحجرة ، أمره بذلك ، وقال : هو وسيلتك ووسيلة أبيك آدم ، لانها حكاية باطلة ، مكذوبة على مالك ، وليس لها إسناد معروف ، ثم هي خلاف الثابت المنقول عنه بأسانيد الثقات في كتب أصحابه كما ذكره إسماعيل في إسحاق القاضي وغيره .

ومثلها ما ذكروا عنه أنه سئل عن أقوام يطيلون القيام مستقبلي الحجرة يدعون لانفسهم فأنكر مالك ذلك ، وذكر أنه فمن البدع التي لم يفعلها الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، وقال ( لا يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها ) 7

125 - وإذا زار قبر الكافر فلا يسلم عليه ، ولا يدعو له ، بل يبشره بالنار ، كذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث سعد بن أبي وقاص قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي كان يصل الرحم ، وكان ، وكان ، فأين هو ؟ قال : في النار ، فكأن الاعرابي وجد من ذلك ، فقال : يارسول الله فأين أبوك ؟ قال : ( حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ) . قال : فأسلم الاعرابي بعد ، فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم تعبا ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ) . أخرجه الطبراني في ( المعجم الكبير ) ( 1/191/1 ) وابن السني في ( عمل اليوم والليلة ) رقم ( 588 ) والضياء المقدسي في ( الاحاديث المختارة ) ( 1/333 ) بسند صحيح ، وقال الهيثمي ( 1/117 - 118 ) : ( رواه البزار والطبراني في الكبير ، ورجاله رجال الصحيح ) .

وقد أخرجه ابن ماجه ( 1/476 - 477 ) من هذا الوجه لكنه جعله من مسند عبد الله ابن عمر ، وقال البوصيري في ( الزوائد ) ( ق 98/2 ) : ( إسناده صحيح ، رجاله ثقات ) .

قلت : لكنه شاذ ، والمحفوظ أنه من مسند سعد كما بينته في ( سلسلة الاحاديث الصحيحة ) ( 18 ) .

وللحديث شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : ( إذا مررتم بقبورنا وقبوركم من أهل الجاهلية ، فأخبروهم أنهم من أهل النار ) . رواه ابن السني في ( اليوم والليلة ) ( رقم 587 ) بسند فيه يحيى بن يمان وهو سيئ الحفظ عن محمد بن عمر ، ولم أعرفه عن أبي سلمة عنه . لكن الظاهر انه ( ابن عمرو ) بفتح العين وسكون الميم ثم واو بعد الراء ، سقط من الطابع حرف الواو . وهو حسن الحديث .

وما ذكرنا في هذه المسألة هو مذهب الحنابلة كما في ( كشاف القناع ) ( 2/134 ) وغيره من كتبهم .

126 - ولا يمشي بين قبور المسلمين في نعليه ، لحديث بشيرين الحنظلية قال : ( بينما أماشي رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . أتى على قبور المسلمين . . . فبينما هو يمشي إذ حانت منه نظرة ، فإذا هو برجل يمشي بين القبور عليه نعلان ، فقال : يا صاحب السبتيتين ألق سبتيتيك ، فنظر ، فلما عرف الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم خلع نعليه ، فرمى بهما ) أخرجه أصحاب السنن وغيرهم ، وقد مضى بتمامه في المسألة ( 88 ) 8

127 - ولا يشرع وضع الاس ونحوها من الرياحين والورود على القبور ، لانه لم يكن من فعل السلف ، ولو كان خيرا لسبقونا إليه " وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما : ( كل بدعة ضلالة ، وإن رآها الناس حسنة ) 9 . رواه ابن بطة في ( الابانة عن أصول الديانة ) ( 2/112/2 ) واللاكائي في ( السنة ) ( 1/21/1 ) موقوفا بإسناد صحيح ، والهروي في ( ذم الكلام ) ( 2/36/ 1 ) مرفوعا ، وما أراه إلا وهما . وإنما يصح منه مرفوعا الشطر الاول منه وقد مضى حديث جابر .

 

 

*********************

 

1 قال النووي في شرح حديث أبى هريرة الاول : ( فيه جواز زيارة المشركين في الحياة ، وقبورهم بعد الوفاة ، لانه إذا جازت زيارتهم بعد الوفاة ، ففي الحياة أولى . وفيه النهي عن الاستغفار للكفار ، قال عياض : سبب زيارته صلى الله عليه وسلم قبرها أنه قصد قوة الموعظة والذكرى بمشاهدة قبرها ، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم : فزوروا القبور فإنها تذكركم الموت ) .

2 بضم فتشديد جمع الاغر ، وهو الابيض الوجه . ( محجلين ) اسم مفعول من التحجيل ، والمحجلل من الدواب التي قوائمها بيض .

3 بضمتين أو بسكون الثاني وهو الاشهر للازدواج ، وهو تأكيد ( دهم ) جمع أدهم وهو الاسود .

4 وقد استدل جماعة من العلماء بالحديث على ما استدل به البخاري ، وأيده الحافظ في شرحه ، وقد ذكرت كلامه في المسألة الاتية ( رقم 128 فقره 7 )

5 ذكره عنهم شيخ الاسلام ابن تيمية في ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) ( ص 128 ) وقال : ( ولا يحفظ عن الشافعي نفسه في هذه المسألة كلام ، وذلك لان ذلك كان عنده بدعة ، وقال مالك : ما عملت أحدا يفعل ذلك ، فعلم أن الصحابة ، والتابعين ما كانوا يفعلونه ) . وقال في ( الاختيارات العملية ) ( ص 53 ) ( والقراءة على الميت بعد موته بدعة ، بخلاف القراءة على المحتضر فإنها تستحب ب‍ ( ياسين ) ) . قلت : لكن حديث قراءة ياسين ضعيف كما تقدم ( ص 11 ) والاستحباب حكم شرعي ، ولا يثبا بالحديث الضعيف كما هو معلوم من كلام ابن تيمية نفسه في بعض مصناته وغيرها . وأما جاء في ( كتاب الروح ) لابن القيم ( ص 13 ) : قال الحلال : وأخبرني الحسن بن أحمد الوارق : ثنا علي ابن موسى الحداد - وكان صدوقا - قال : كنت مع أحمد بن جنبل ومحمد بن قدامة الجوهري في جنازة ، فلما دفن الميت جلس رجل ضرير يقرأ عند القبر ، فقال له أحمد : يا هذا إن القراءة عند القبر بدعة فلما خرجت من المقابر ، قال محمد بن قدامة لاحمد بن حنبل : يا أبا عبد الله ما تقول في مبشر الحلبي ؟ قال : ثقة ، قال : كتبت عنه شيئا ؟ قال : نعم ، قال : فأخبرني مبشر عن عبد الرحمن بن العلاء بن اللجلاج ، ( الاصل : الحلاج وهو خطأ ) عن أبيه أنه أوصي إذا دفن أن يقرأ عند رأسه بفاتحة البقرة وخاتمتها ، وقال : سمعت ابن عمر يوصي بذلك . فقال له أحمد : فارجع وقل للرجل : يقراء ) . فالجواب عنه من وجوه :

الاول : إن في ثبوت هذه القصة عن أحمد نظر ، لان شيخ الحلال الحسن بن أحمد الوراق لم أجد ترجمة فيما عندي الان من كتب الرجال ، وكذلك شيخه علي بن موسى الحداد لم أعرفه ، وإن قيل في هذا السند أنه كان صدوقا ، فإن الظاهر أن القائل هو الوارق هذا ، وقد عرفت حاله .

الثاني ، إنه إن ثبت ذلك عنه فإنه أخص مما رواه أبو داود عنه ، وينتج من الجمع بين الروايتين عنه أن مذهبه كراهة القراءة عند القبر إلا عند الدفن .

الثالث : أن السند بهذا الاثر لا يصح عن ابن عمر ، ولو فرض ثبوته عن أحمد ، وذلك لان عبد الرحمن ابن العلاء بن اللجلاج معدود في المجهولين ، كما يشعر بذلك قول الذهبي في ترجمته من ( الميزان ) : ( ما روي عنه سوى مبشر هذا ) ، ومن طريقة رواه ابن عساكر ( 13 / 399 / 2 ) وأما توثيق ابن حيان إياه فمما لا يعتد به لما اشهر به من التساهل في التوثيق ، ولذلك لم يعرج عليه الحافظ في ( التقريب ) حين قال في المترجم : ( مقبول ) يعني عند المتابعة وإلا فلين الحديث كما نص عليه في المقدمة ، ومما يؤيد ما ذكرنا أن الترمذي مع تساهله في التحسين لما أخرج له حديثا آخر ( 2 / 128 ) وليس له عنده سكت عليه ولم يحسنه

الرابع : أنه لو ثبت سنده كل عن ابن عمر ، فهو موقوف لم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فلا حجة فيه أصلا . ومثل هذا الاثر ما ذكره ابن القيم أيضا ( ص 14 ) : ( وذكر الحلال عن الشعبي قال : كانت الانصار إذا مات لهم الميت اختلفوا إلى قبره يقرؤون القرآن ) . فنحن في شك من ثبوت ذلك عن الشعبي بهذا اللفظ خاصة ، فقد رأيت السيوطي قد أورده في ( شرح الصدور ) ( ص 15 ) بلفظ : ( كانت الانصار يقرؤون عند الميت سورة البقرة ) . قال : ( رواه ابن أبي شيبة والمروزي ) أورده في ( باب ما يقول الانسان في مرض الموت ، وما يقرأ عنده ) . ثم رأيته في ( المصنف ) لابن أبى شيبة ( 4 / 74 ) وترجم له بقوله : ( باب ما يقال عند المريض إذا حضر ) " . فتبين أن في سنده مجالدا وهو ابن سعيد قال الحافظ في ( التقريب ) : ( ليس بالقوي ، وقد تغيير في آخر عمره ) . فظهر بهذا أن الاثر ليس في القراءة عند القبر بل عند الاحتضار ، ثم هو على ذلك ضعيف الاسناد . وأما حديث ( من مر بالمقابر فقرأ ( قل هو الله أحد ) إحدى عشر مرة ثم وهب أجره للاموأت أعطي من الاجر بعدد الاموات ) . فهو حديث باطل موضوع ، رواه أبو محمد الحلال في ( القراءة على القبور ) ( ق 201 / 2 ) والديلمي عن نسخة عبد الله بن أحمد بن عامر عن أبيه عن علي الرضا عن آبائه ، وهي نسخة موضوعة باطلة لا تنفك عن وضع عبد الله هذا أو وضع أبيه ، كما قال الذهبي في ( الميزان ) وتبعه الحافظ ابن حجر في ( اللسان ) ثم السيوطي في ( ذيل الاحاديث الموضوعة ) ، وذكر له هذا الحديث وتبعه ابن عراق في ( تنزيه الشريعة المرفوعة ، عن الاحاديث الشيعة الموضوعة ) . ثم ذهل السيوطي عن ذلك فأورد الحديث في ( شرح الصدور ) ( ص 130 ) برواية أبي محمد السمرقندي في ( 1 فضائل قل هو الله أحد ) وسكت عليه نعم قد أشار قبل ذلك إلى ضعفه ، ولكن هذا لا ، يكفي فإن الحديث ، موضوع باعترافه فلا يجزي الاقتصار على تضعيفه كما لا يجوز السكوت عنه ، كما صنع الشيخ إسماعيل العجلوني في ( كشف الخفاء ) ( 2 - 382 ) فإنه عزاه للرافعي في تاريخه وسكت عليه مع أنه وضع كتابه المذكرر للكشف ( عما اشتهر من الاحاديث على ألسنة الناس ) ثم إن سكوت أهل الاختصاص عن الحديث قد يوهم من لا علم عنده به أن الحديث مما يصلح للاحتجاج به أو العمل به في فضائل الاعمال كما يقولون ، وهذا ما وقع لهذا الحديث ، فقد رأيت بعض الحنيفة قد احتج بهذا الحديث للقراءة عند القبور وهو الشيخ الطهطاوي على ( مراقي الفلاح ) ( ص 117 ) وقد عزاه هذا إلى الدار قطني ، وأظنة وهما ، فإني لم أجد غيره عزاه إليه ، ثم إن المعروف عند المشتغلين بهذا العلم أن العزو إلى الدار قطني مطلقا يراد به كتابه ( السنن ) ، وهذا الحديث لم أره فيه . والله أعلم .

6 وأما ما رواه اسماعيل القاضي في ( فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) ( رقم 101 بتحقيقي وطبع المكتب الاسلامي ) عن ابن عمر ( أنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فيضع ، يده على قبره ويستدبر القبلة ثم يسلم عليه ) فضعيف منكر كما بينه في التعليق عليه .

7 انظر ( قاعدة جليلة ) لابن تيمية ( ص 53 - 62 ) .

8 قال الحافظ في ( الفتح ) ( 3 - 160 ) : ( والحديث يدل على كراهة المشي بين القبور بالنعال ، وأغرب ابن حزم فقال : يحرم المشي بين القبور بالنعال السبتية دون غيرها وهو جمود شديد . وأما قول الخطابي يشبه أن يكون النهي عنهما لما فيهما من الحيلاء ، فإنه متعقب بأن ابن عمر كان يلبس النعال السبتية ، ويقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبسها . وهو حديث صحيح . وقال الطحاوي : ( يحمل نهي الرجل المذكور على أنه كان في نعليه قذر ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ما لم ير فيهما أذى ) . قلت : وهذا الاحتمال بعيد ، بل جزم ابن حزم ( 5 / 137 ) ببطلانه ، وأنه من التقول على الله والاقرب أن النهي من باب احترام الموتى ، فهو كالنهي عن الجلوس على القبر الاتي في المسألة ( 128 فقرة 6 ) ، وعليه فلا فرق بين النعلين السبتيتين وغيرهما من النعال التي عليها شعر ، إذ الكل في مثابة واحدة في المشي فيها بين القبور ومنافاتها لاحترامها ، وقد شرح ذلك ابن القيم في ( تهذيب السنن ) ( 4 / 343 - 345 ) ونقل عن الامأم أحمد أنه قال : ( حديث بشير إسناده جيد ، أذهب إليه إلا من علة ) . وقد ثبت أن الامام أحمد كان يعمل بهذا الحديث ، فقال أبو داود في مسائله ( ص 158 ) : ( رأيت أحمد إذا تبع الجنازة فقرب من المقابر خلع نعليه ) . فرحمه الله ، ما كان أتبعه للسنة .

9 ولا يعارض ما ذكرنا حديث ابن عباس في وضع النبي صلى الله عليه وسلم شقي جريدة النخل على القبرين وقوله : ( لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا ) . متفق عليه وقد خرجته في ( صحيح أبي داود ) ( 15 ) . فإنه خاص به صلى الله عليه وسلم بدليل أنه لم يجر العمل به عند السلف ولامور أخرى يأتي بيانها . قال الخطابي رحمه الله تعالى في ( معالم السنن ) ( 1 / 27 ) تعليقا على الحديث : ( إنه من التبرك بأثر النبي صلى الله عليه وسلم ودعائه بالتخفيف عنهما ، وكأنه جعل مدة بقاء النداوة فيهما حدا لما وقعت به المسألة من تخفيف العذاب عنهما ، وليس ذلك من أجل أن في الجريد الرطب معنى ليس في اليابس ، والعامة في كثير من البلدان تغرس الحوص في قبور موتاهم ، وأراهم ذهبوا إلى هذا ، وليس لما تعاطوه من ذلك وجه ) . قال الشيخ أحمد شاكر في تعيلقه على الترمذي ( 1 / 103 ) عقب هذا : ( وصدق الحطابي ، وقد ازداد العامة إصرارا على هذا العمل الذي لا أصل له ، وغلوا فيه ، خصوصا في بلاد مصر ، تقليدا للنصارى ، حتى صاروا يضعون الزهور على القبور ، ويتهادونها بينهم ، فيضعها الناس على قبور أقاربهم ومعارفهم تحية لهم ، ومجاملة للاحياء ، وحتى صارت عادة شبيهة بالرسمية في المجاملات الدولية ، فتجد الكبراء من المسلمين إذا نزلوا بلدة من بلاد أوربا ذهبوا إلى قبور عظمائها أو إلى قبر من يسمونه ( الجندي المجهول ) ووضعوا عليها الزهور ، وبعضهم يضع الزهور الصناعية التي لا نداوة فيها تقليدا للافرنج ، واتباعا لسنن من قبلهم ، ولا ينكر ذلك عليهم العلماء أشباه العامة ، بل تراهم أنفسهم يضعون ذلك في قبور موتاهم ، ولقد علمت أن أكثر الاوقاف التي تسمى أوقافا خيرية موقوف ريعها على الخوص والريحان الذي يوضع على القبور وكل هذه بدع ومنكرات لا أصل لها في الدين ، ولا سند لها من الكتاب والسنة ، ويجب على أهل العلم أن ينكررها وأن بطلوا هذه العادات ما استطاعوا ) . . قلت : ويؤيد كون وضع الجريد على القبر خاص به ، وأن التخفيف لم يكن من أجل نداوة شقها أمور :

أ - حديث جابر رضي الله عنه الطويل في ( صحيح مسلم ) ( 8 / 231 - 236 ) وفية قال صلى الله عليه وسلم : ( إني مررت بقبرين يعذبان ، فأحببت بشفاعتي أن يرد عنهما ما دام الغصنان رطبين ) . فهذا صريح في أن رفع العذاب إنما هو بسبب شفاعته صلى الله عليه وسلم ودعائه لا بسبب النداوة ، وسواء كانت قصة جابر هذه هي عين قصة ابن عباس المتقدمة كما رجحه العيي وغيره ، أو غيرها كما رجحه الحافظ في ( الفتح ) ، أما على الاحتمال الأول فظاهر ، وأما على الاحتمال الاخر ، فلان النظر الصحيح يقتضي أن تكون العلة واحدة في القصتين للتشابه الموجود بينهما ، ولان كون النداوة سببا لتخفيف العذاب عن الميت مما لا يعرف شرعا ولا عقلا ، ولو كان الامر كذلك لكان أخف الناس عذابا إنما هم الكفار الذين يدفنون في مقابر أشبه ما تكون بالجنان لكثرة ما يزرع فيها من النباتات والاشجار التي تظل مخضرة صيفان شتاء يضاف إلى ما سبق أن بعض العلماء كالسيوطي قد ذكروا أن سبب تأثير النداوة في التخفيف كونها تسبح الله تعالى ، قالوا : فإذا ذهبت من العود ويبس انقطع ، تسبيحه فإن هذا التعليل مخالف لعموم قوله تبارك وتعالى : ( وإن من شئ إلا يسبح بحمده ، ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) .

ب - في حديث ابن عباس نفسه ما يشير إلى أن السر ليس في النداوة ، أو بالاحرى ليست هي السبب في تخفيف العذاب ، وذلك قوله ( ثم دعا بعسيب فشقه اثنين ) يعني طولا ، فإن من المعلوم أن شقه سبب لذهاب النداوة من الشق ويبسه بسرعة ، فتكون مدة التخفيف أقل مما لو لم يشق ، فلو كانت هي العلة لابقاه صلى الله عليه وسلم بدون شق ولوضع عل كل قبر عسيبا أو نصفه على الاقل ، فإذا لم يفعل دل على أن النداوة ليست هي السبب ، وتعين أنها علامة على مدة التخفيف الذي أذن الله به استجابة لشفاعة نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو مصرح به في حديث جابر ، وبذلك يتفق الحديثان في تعيين السبب ، وإن احتمل اختلافهما في الواقعة وتعددها . فتأمل هذا ، فإنما هو شئ انقدح في نفسي ، ولم أجد من نص عليه أو أشار إليه من العلماء ، فإن كان صوابا فمن الله تعالى وإن كان خطأ فهو مي ، واستغفره من كل ما لا يرضيه .

ج - لو كانت النداوة مقصودة بالذات ، لفهم ذلك السلف الصالح ولعملوا بمقتضاه ، ولوضعوا الجريد والاس ونحو ذلك على القبور عند زيارتها ، ولو فعلوا لاشهر ذلك عنهم ، ثم نقله الثقات إلينا ، لانه من الامور التي تلفت النظر ، وتستدعي الدواعي نقله ، فإذ لم ينقل دل على أنه لم يقع ، وأن التقرب به إلى الله بدعة ، فثبت المراد . وإذا تبين هذا ، سهل حينئذ فهم بطلان ذلك القياس الهزيل الذى نقله السيوطي في ( شرح الصدور ) عمن لم يسمعه : ( فإذا خفف عنهما بتسبيح الجريدة فكيف بقراءة المومن القرآن ؟ قال : وهذا الحديث أصل في غرس الاشجار عند القبور ) قلت : فيقال له : ( أثبت العرش ثم انقش ) ، ( وهل يستقيم الظل واعوج ) ؟ القياس صحيحا لبادر إليه السلف لانهم أحرص على الخير منا . فدل ما تقدم على أن وضع الجريد على القبر خاص به صلى الله عليه وسلم ، وأن السر في تخفيف العذاب عن القبرين لم يكن في نداوة العسيب بل في شفاعته صلى الله عليه وسلم ودعائه لهما ، وهذا مما لا يمكن وقوعه مرة أخرى بعد انتقاله صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الاعلى ولا لغيره من بعده صلى الله عليه وسلم ، لان الاطلاع على عذاب القبر من خصوصياته عليه الصلاة والسلام ، وهو من الغيب الذي لا يطلع عليه إلا الرسول كما جاء في نص القرآن ( عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) واعلم أنه لا ينافى ما بينا ما أورده السيوطي في ( شرح الصدور ) ( 131 ) : ( وأخرج ابن عساكر من طريق حماد بن سلمة عن قتادة أن أبا برزة الاسلمي رضي الله عنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على قبر وصاحبه يعذب ، فأخذ جريدة فغرسها في القبر ، وقال : عسى أن يرفه عنه ما دامت رطبة . وكان أبو برزة يوصي : إذا مت فضعوا في قبري معي جريدتين . قال : فمات في مفازة بين ( كرمان ) و( قومس ) ، فقالوا : كان يوصينا أن تضع في قبره جريدين وهذا مو ضع لا نصيبهها فيه ، فينما هم كذلك إذ طلع عليهم ركب من قبل ( سجستان ) ، فأصابوا معهم سعفا ، فأخذوا جريدتين ، فوضعوهما معه في قبره . وأخرج ابن سعد عن مورق قال : أوصى بريدة أن تجعل في قبره جريدتان ) . قلت : ووجه عدم المنافاة ، أنه ليس في هذين الاثرين - على فرض التسليم بثبوتهما معا - مشروعية وضع الجريد عند زيارة القبور ، الذي ادعينا بدعيتة عدم عمل السلف به ، وغاية ما فيهما جعل الجريدتين مع الميت في قبره

، وهي قضية أخرى ، وإن كانت كالتي قبلها في عدم المشروعية لان الحديث الذي رواه أبو برزة كغيره من الصحابة لا يدل على ذلك ، لا سيما والحديث فيه وضع جريدة واحدة ، وهو أوصى بوضع جريدتين في قبره على أن الاثر لا يصح إسناده ، فقد أخرجه الخطيب في تاريخ ( بغداد ) ( 1 / 183 182 ) ومن طريقه أخرجه ابن عساكر في ( تاريخ دمشق ) في آخر ترجمة نضلة بن عبيد بن أبي برزة الاسلمي عن الشاه بن عمار قال : ثنا أبو صالح سليمان بن صالح الليثي قال : أنبأنا النضر بن المنذز بن ثعلبة العبهدي عن حماد بن سلمة به . قلت : فهذا إسناد ضعيف ، وله علتان : الاولى : جهالة الشاه والنضر فإني لم أجد لهما ترجمة . والاخرى : عنعنة قتادة فإنهم لم يذكروا له رواية عن أبي برزة ، ثم هو مذكور بالتدليس فيخشى من عنعنته في مثل إسناده هذا .

وأما وصية بريدة ، فهي ثابتة عنه ، قال ابن سعد في ( الطبقات ) ( ج 7 ق 1 ص 4 ) : أخبرنا عفان بن مسلم قال : ثنا حماد بن سلمة ، قال : أخبرنا عاصم الاحول قال : قال مورق : أوصى بريدة الاسلمي أن توضع في قبره جريدتان . فكان أن مات بأدنى خراسان فلم توجد إلا في جوالق حمار . وهذا سند صحيح ، وعلقه البخاري ( 3 / 173 ) مجزوما . قال الحافظ في شرحه : ( وكان بريدة حمل الحديث على عمومه ، ولم يره خاصا بذينك الرجلين ، قال ابن رشيد : ويظهر من تصرف البخاري أن ذلك خاص بهما ، فلذلك عقبه بقول ابن عمر : إنما يظله عمله ) . قلت : ولا شك أن ما ذهب إليه البخاري هو الصواب لما سبق بيانه ، ورأي بريدة لا حجة فيه ، لانه رأى والحديث لا يدل عليه حتى لو كان عاما ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يضع الجريدة في القبر ، بل عليه كما سبق . و( خير الهدى هدى محمد ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ما يحرم عند القبور

 

128 - ويحرم عند القبور ما يأتي :

1 - الذبح لوجه الله ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لاعقر في الاسلام ) ، قال عبد الرزاق بن همام : ( كانو يعقرون عند القبر بقرة أو شاة ) . أخرجه ( أبو داود ( 2/71 ) وقول عبد الرزاق له ، والبيهقي ( 4/57 ) وأحمد ( 3/197 ) وإسناده صحيح على شرط الشيخين 1 .

2 - رفعها زيادة على التراب الخارج منها .

3 - طليها بالكلس ونحوه .

4 - الكتابة عليها .

5 - البناء عليها .

6 - القعود عليها .

وفي ذلك أحاديث :

الاول : عن جابر رضي الله عنه قال : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر ، وأن يقعد عليه ، وأن يبى عليه ، [ أو يزاد عليه ] ، [ أو يكتب عليه ] ) . أخرجه مسلم ( 3/62 ) وأبو داود ( 2/71 ) والنسائي ( 1/284 - 285 ، 286 ) والترمذي ( 2/155 ) وصححه ، والحاكم ( 1/370 ) والبيهقي ( 4/4 ) وأحمد ( 3/295 ، 332 ، 339 ، 399 ) . والزيادتان لابي داود والنسائي ، وللبيهقي الاولى .

والثانية عند الترمذي والحاكم وصحح إسنادها ووافقه الذهبي . وأعلها المنذري ( 4/341 ) وغيره بالانقطاع بين سليمان بن موسى وجابر . لكن هذا بالنظر لطريق أبي داود وغيره ، وإلا فقد أخرجها الحاكم من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر . وهذا سند على شرط مسلم . وقد صرح ابن جريج عنده بسماعه من أبي الزبير وهذا من جابر ، فزال بذلك شبهة تدليسهما ، ومن هذا الوجه جاءت الاولى عند من ذكرنا ، وقال النووي ( 5/296 ) : ( وإسنادها صحيح ) . ثم استدل بها على أنه يستحب أن لا يزاد القبر على التراب الذي أخرج منه وقال : ( قال الشافعي : فإن زاد فلا بأس ، قال أصحابنا : معناه أنه ليس بمكروه ) .

قلت : وهذا خلاف ظاهر النهي فإن الاصل فيه التحريم ، فالحق ما قاله ابن حزم في ( المحلى ) ( 5 / 33 ) :

( ولا يحل أن يبنى القبر ، ولا أن يجصص ، ولا أن يزاد على ترابه شئ ويهدم كل ذلك ) .

وهو ظاهر قول الامام أحمد ، فقال أبو داود في ( المسائل ) ( ص 158 ) :

( سمع ت أحمد قال : لا يزاد على القبر من تراب غيره ، إلا أن يسوى بالارض فلا يعرف . فكأنه رخص إذ ذاك ) .

لكن ذكر في ( الانصاف ) ( 2/548 ) عنه الكراهة فقط وقال الامام محمد في ( الاثار ) ( ص 45 ) :

( أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال : كان يقال : ارفعوا القبر حتى يعرف أنه قبر فلا يوطأ . قال محمد : وبه نأخذ ، ولا نرى أن يزاد على ما خرج منه ، ونكره أن يجصص ، أو يطين ، أو يجعل عنده مسجدا أو علما ، أو يكتب عليه ، ويكره الاجر أن يبنى به ، أو يدخله القبر ، ولا نرى برش الماء عليه بأسا ، وهو قول أبي حنيفة ) .

قلت : ويدل الحديث بمفهومه على جواز رفع القبر ، بقدر ما يساعد عليه التراب الخارج منه ، وذلك يكون نحو شبر ، فهو موافق للنص المتقدم في المسألة ( 107 )

وأما التجصيص فهو من ( الجص ) وهو الكلس . والمراد الطلي به قال في ( القاموس ) : ( وجصص الاناء ملاه ، والبناء طلاه بالجص ) .

ولعل النهي عن التجصيص من أجل أنه نوع زينة كما قال بعض المتقدمين . وعليه فما حكم تطيين القبر ؟ للعلماء فيه قولان :

الاول : الكراهة ، نص عليه الامام محمد فيما نقلته آنفا عنه ، والكراهة عنده للتحريم إذا أطلقت . وبالكراهة قال أبو حفص من الحنابلة كما في ( الانصاف ) ( 2/549 )

والاخر : أنه لا بأس به . حكاه أبو داود ( 158 ) عن الامام أحمد . وجزم به في ( الانصاف ) . وحكاه الترمذي ( 2/155 ) عن الامام الشافعي ، قال النووي عقبه : ( ولم يتعرض جمهمور الاصحاب له ، فالصحيح أنه لاكراهة فيه كما نص عليه ، ولم يرد فيه نهي ) .

قلت : ولعل الصواب التفصيل على نحو ما يأتي : إن كان المقصود من التطين المحافظة على القبر وبقائه مرفوعا قدر ما سمح به الشرع ، وأن لا تنسفة الرياح ولا تبعثره الامطار ، فهو جائز بدون شك لانه يحقق غاية مشروعة . ولعل هذا هو وجه من قال من الحنابلة أنه يستحب . وإن كان المقصود الزينة ونحوها مما لا فائدة فيه فلا يجوز لانه محدث . وأما الكتابة ، فظاهر الحديث تحريمها . وهو ظاهر كلام الامام محمد ، وصرح الشافعية والحنابلة بالكراهة فقط وقال النووي ( 5/298 ) :

( قال أصحابنا : وسواء كان المكتوب على القبر في لوح عند رأسه كما جرت عادة بعض الناس ، أم في غيره ، فكله مكروه لعموم الحديث ) .

واستثنى بعض العلماء كتابة اسم الميت لا على وجه الزخرفة ، بل للتعرف قياسا على وضع النبي صلى الله عليه وسلم الحجر على قبر عثمان بن مظعون كما تقدم في المسألة المشار إليها آنفا ( ص 155 ) . قال الشوكاني : ( وهو من التخصيص بالقياس وقد قال به الجمهور ، لا أنه قياس في مقابلة النص كما قال في ( ضوء النهار ) ، ولكن الشأن في صحة هذا القياس ) . والذي أراه . والله أعلم .

أن القول بصحة هذا القياس على اطلاقه بعيد ، والصواب تقييده بما إذا كان الحجر لا يحقق الغاية التي من أجلها وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الحجر ، ألا وهي التعرف عليه ، وذلك بسبب كثرة القبور مثلا وكثرة الاحجار المعرفة فحينئذ يجوز كتابة الاسم بقدر ما تتحقق به الغاية المذكورة . والله أعلم . وأما قول الحاكم عقب الحديث : ( ليس العمل عليه ، فإن أئمة المسلمين من الشرق إلى الغرب مكتوب على قبورهم وهو عمل أخذ به الخلف عن السلف ) .

فقد رده الذهبي بقوله : ( ما قلت طائلا ، ولا نعلم صحابيا فعل ذلك ، وإنما هو شئ أحدثه بعض التابعين فمن بعدهم - ولم يبلغهم النهي ) .

الثاني : عن أبي سعيد وهو الخدري ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبنى على القبر ) . أخرجه ابن ماجه ( 1/473 - 374 ) بسند رجاله جميعا رجال الصحيح ، إلا أنه منقطع ، فقد قال البوصيري في ( الزوائد ) ( ق97/2 ) : ( رجاله ثقات ، إلا أنه منقطع ، القاسم برن مخيمرة لم يسمع من أبي سعيد )

قلت : فقول السندي في حاشية ابن ماجه : ( وفي الزوائد : إسناده صحيح ، ورجاله ثقات ) ، وهم لا أدري ممن هو ؟ ورواه أبو يعلى بلفظ : ( نهى نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يبنى على القبور ، أو يقعد عليها ، أو يصلى عليها ) قال الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) ( 3/61 ) : ( ورجاله ثقات ) .

الثالث : عن أبي الهياج الاسدي قال : ( قال لي على بن أبي طالب : ألا ابعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا تدع تمثالا [ رواية : صورة ] [ في بيت ] إلا طمسته ، ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) . أخرجه مسلم ( 3/61 ) وأبو داود ( 2/70 ) والنسائي ( 51/28 ) والترمذي ( 2/153 - 154 ) حسنه ، والحاكم ( 1/369 ) والبيهقي ( 4/3 ) والطيالسي في ( رقم 155 ) وأحمد ( رقم 741 ، 1064 ) من طريق أبي وائل عنه ، والطبراني في ( المعجم الصغير ) ( ص 29 ) من طريق أبي إسحاق عنه . وله في مسند الطيالسي ( رقم96 ) وأحمد ( رقم657 ، 658 ، 683 ، 689 ) طريقان آخر ان عن علي رضي الله عنه2

الرابع : عن ثمامة بن شفي قال : ( خرجنا مع فضالة بن عبيد إلى أرض الروم ، وكان عاملا لمعاوية على الدرب ، ( وفي رواية : غزونا أرض الروم ، وعلى ذلك الجيش فضالة بن عبيد الانصاري ) ، فأصيب ابن عم لنا [ بـ ] ( رودس ) 3فصلى عليه فضالة ، وقام على حفرته حتى واراه ، فلما سوينا عليه حفرته قال : أخفوا عنه ، ( وفي الرواية الاخرى : خففوا عنه ) 4 فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمرنا بتسوية القبور ) . أخرجه أحمد ( 6/18 ) بالروايتين وإسناده حسن ، وابن أبي شيبة ( 4/135 - 138 ) بالرواية الاخرى .

ورواه مسلم ( 3/61 ) وأبو داود ( 2/70 ) والنسائي ( 1/285 ) والبيهقي ( 4/2 - 3 ) من طريق أخرى عن ثمامة نحوه أخصر منه ، وهو رواية لاحمد ( 6/21 ) ولفظها عنده :

( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سووا قبوركم بالارض ) .

وفي سنده ابن لهيعة وهو سئ الحفظ .

وأما الحديث المشهور على الالسنة بلفظ : ( خير القبور الدوارس ) فلا أصل له في شئ من كتب السنة ، وهو بظاهره منكر ، لان القبر لا ينبغي أن يدرس ، بل ينبغي أن يظل ظاهرا مرفوعا عن الارض قدر شبر كما سبق ، ليعرف فيصان ولا يهان ، ويزار ولا يهجر .

ثم إن الظاهر من حديث فضالة ( كان يأمرنا بتسوية القبور ) تسويتها بالارض بحيث لا ترفع إطلاقا ، وهذا الظاهر غير مراد قطعا ، بدليل أن السنة الرفع قدر شبر كما مرت الاشارة إليه سابقا ، ويؤيد هذا من الحديث نفسه قول فضالة ( خففوا ) أي التراب ، فلم يأمر بإزالة التراب عنه بالكلية ، وبهذا فسره العلماء انظر ( المرقاة ) ( 2/372 ) .

الخامس : عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لان يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس ( وفي رواية : يطأ ) على قبر ) . خرجه مسلم ( 3/62 ) وأبو داود ( 2/71 ) والنسائي ( 1/287 ) وابن ماجه ( 1/484 ) ( 1/484 ) والبيهقي ( 4/79 ) وأحمد ( 2/ 311 ، 389 ، 444 ) ، والرواية الاخرى إحدى روايتيه ( 2/528 ) .

السادس : عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لان أمشي على جمرة أو سيف ، أو أخصف نعلي برجلي5أحب إلي من أن أمشي على قبر مسلم ، وما أبالي أوسط القبور قضيت حاجتي أو وسط السوق ) . أخرجه ابن أبي شيبة ( 4/133 ) وابن ماجه ( 1/474 ) بإسناد صحيح كما قال البوصيري في ( الزوائد ) ( ق 98/1 ) ، وقال المنذري في ( الترغيب ) : إنه جيد .

السابع : عن أبي مرثد الغنوي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تصلوا إلى القبور ، ولا تجلسوا عليها ) . اخرجه مسلم ( 3/62 ) واصحاب السنن الثلاثة وغيرهم ، وله شاهد من حديث ابن عباس أخرجه الضياء المقدسي في ( الاحاديث المختارة ) وقد تكلمت على إسناده في ( تخريج صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثم في ( تحذير الساجد ) ( ص 21 ) .

وفي هذه الاحاديث الثلاثة دليل على تحريم الجلوس والوطأ على قبر المسلم ، وهو مذهب جمهور العلماء على ما نقله الشوكاني ( 4/57 ) وغيره ، لكن حكى النووي والعسقلاني عنهم الكراهة فقط ، وهو نص الامام الشافعي في ( الام ) 6 وكذلك نص الامام محمد في ( الاثار ) ( ص 45 ) على الكراهة وقال : ( وهو قول أبي حنيفة ) .

قلت : والكراهة عندهما إذا أطلقت فهي للتحريم ، وهذا أقرب إلى الصواب من القول بالكراهة فحسب ، والحق القول بالتحريم لانه الذي ينص عليه حديث أبي هريرة وعقبة . لما فيهما من الترهيب الشديد ، وبهذا قال جماعة من الشافعية ، منهم النووي ، وإليه ذهب الصنعاني في ( سبل السلام ) ( 1/210 ) ، ومال الفقيه ابن حجر الهيتمى في ( الزواجر ) ( 1/143 ) إلى أنه كبيرة ، لما أشرنا إليه من الوعيد الشديد ، وليس ذلك عن الصواب ببعيد .

7 - الصلاة إلى القبور للحديث المتقدم آنفا

( لا تصلوا إلى القبور . . ) وفيه دليل على تحريم الصلاة إلى القبر لظاهر النهي ، وهو اختيار النووي ، فقال المناوي في ( فيض القدير ) شارحا للحديث : ( اي مستقبلين إليها ، لما فيه من التعظيم البالغ ، لانه من مرتبة المعبود ، فجمع - يعنى الحدبث بتمامه - بين النهي عن الاستخفاف بالتعظيم ، والتعظيم البليغ ) ثم قال في موضع آخر : ( فإن ذلك مكروه ، فإن قصد إنسان التبرك بالصلاة في ثلك البقعة فقد ابتدع في الدين ما لم يأذن به الله ، والمراد كراهة التنزيه ، قال النووي : كذا قال أصحابنا ، ولو قيل بتحريمه لظاهر الحديث لم يبعد . ويؤخذ من الحديث النهي عن الصلاة في المقبرة ، فهو مكروه كراهة تحريم ) .

وينبغي أن يعلم أن التحريم المذكور إنما هو إذا لم يقصد بالاستقبال تعظيم القبور ، وإلا فهو شرك ، قال الشيخ علي القاري في ( المرقاة ) ( 2/372 ) في شرحه لهذا الحديث : ( ولو كان هذا التعظيم حقيقة للقبر ولصاحبه لكفر المعظم ، فالتشبه به مكروه ، وينبغي أن يكون كراهة تحريم ، وفي معناه بل أولى منه : الجنازة الموضوعة . وهو مما ابتلي به أهل مكة ، حيث يضعون الجنازة عند الكعبة ثم يستقبلون إليها ) .

8 - الصلاة عندها ولو بدون استقبال ، وفيه أحاديث :

الاول : عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الارض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ) . أخرجه أصحاب السنن الاربعة إلا النسائي - وغيرهم بسند صحيح على شرط الشيخين كما قال الحاكم ووافقه الذهبي ، وأعل بالارسال ، وليس بشئ ، ولو سلم به فقد جاء من طريق أخرى سالمة من الارسال وهي على شرط مسلم ، وقد فصلت القول في ذلك في ( الثمر المستطاب ) في المبحث السادس من ( الصلاة ) .

الثاني : عن آنس ( أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين القبور ) . قال في ( المجمع ) ( 2/27 ) ( رواه البزار ورجاله رجال الصحيح ) .

قلت : ورواه ابن الاعرابي في معجمه ( 235/1 ) والطبراني في ( الاوسط ) ( 1/280 ) والضياء المقدسي في ( الاحاديث المختارة ) ( 79/2 ) وزادوا : ( على الجنائز ) .

الثالث : عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم ، ولا تتخذوها قبورا ) . أخرجه البخاري ( 1/420 ) ومسلم ( 2/187 ) وأحمد ( رقم4511 ، 4653 ، 6045 )

الرابع : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) . أخرجه مسلم . وقد ترجم اري للحديث الثالث بقوله : ( باب كراهية الصلاة في المقابر ) .

وبين وجه ذلك الحافظ في شرحه فقال ما مختصره : ( استنبط من قوله في الحديث : ( لا تتخذوها قبورا ) أن القبور ليست بمحل للعبادة ، فتكون الصلاة فيها مكروهة ، وقد نازع الاسماعيلي المصنف في هذه الترجمة فقال : الحديث دال على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر : قات : قد ورد بلفظ المقابر كما رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر ) ، وقال ابن التين : تأوله البخاري على كراهة الصلاة في المقابر : وتأوله جماعة على أنه إنا فيه الندب إلى الصلاة في البيوت ، إذ الموتى لا يصلون ، كأنه قال : لا تكونوا كالموتى الذين لا يصلون في بيوتهم وهي القبور ، قال : فأما جواز الصلاة في المقابر أو المنع منه فليس في الحديث ما يؤخذ منه ذلك . قلت إن أراد أنه لا يؤخذ منه بطريق المنطوق فمسلم . وإن أراد نفي ذلك مطلقا فلا ، فقد قدمنا وجه استنباطه ، وقد نقل ابن المنذر عن أكثر أهل العلم أنهم استدلوا بهذا الحديث على أن المقبرة ليست بموضع للصلاة . وكذا قال البغوي في ( شرح السنة ) والخطابي ) .

قلت : وهذا هو الارجح أن الحديث يدل على أن المقبرة ليست موضعا للصلاة ، لا سيما بلفظ أبي هريرة فهو أصرح في الدلالة ، وقول الاسماعيلي : يدل على كراهة الصلاة في القبر لا في المقابر ، مع مخالفته الصريحة لحديث أبي هريرة ، فلا يحسن حمل حديث ابن عمر عليه ، لان الصلاة في القبر غير ممكنة عادة ، فكيف يحمل كلام الشارع عليه ؟ وقول ابن التين : ( هو من شراح ( ( صحيح البخاري ) ) واسمه عبد الواحد ) ( ( الموتى لا يصلون ) ) . ليس بصحيح ، لانه لم يرد نص في الشرع بنفي ذلك ، وهو من الامور الغيبية التي لا ينبغي البت فيها إلا بنص ، وذلك مفقود ، بل قد جاء ما يبطل إطلاق القول به ، وهو صلاة موسى عليه الصلاة والسلام في قبره كما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به على ما رواه مسلم في ( ( صحيحه ) ) ، وكذلك صلاة الانبياء عليهم الصلاة والسلام مقتدين به في تلك الليلة كما ثبت في ( ( الصحيح ) ) بل ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( الانبياء أحياء في قبورهم يصلون )

أخرجه أبو يعلى باسناد جيد ، وقد خرجته في ( الاحاديث الصحيحة ) ( 622 ) . بل قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم ما هو أعم مما ذكرنا ، وذلك في حديث أبي هريرة في سؤال الملكين للمؤمن في القبر : ( فيقال له اجلس ، فيجلس قد مثلت له الشمس وقد آذنت للغروب ، فيقال له : أرأيتك هذا الذي كان فيكم ما تقول فيه ؟ وماذا تشهد عليه ؟ فيقول : دعوني حتى أصلي ، فيقولان : إنك ستفعل ) .

أخرجه ابن حبان في ( صحيحه ) ( 781 ) والحاكم ( 1/379 - 380 ) وقال ( صحيح على شرط مسلم ) ووافقه الذهبي وإنما هو حسن فقط ، لان فيه محمد بن عمرو ولم يحتج به مسلم وإنما روى له مقرونا أو متابعة .

فهذا الحديث صريح في أن المؤمن أيضا يصلي في قبره ، فبطل بذلك القول بأن الموتى لا يصلون ، وترجح أن المراد بحديث ابن عمر أن المقبرة ليست موضعا للصلاة ، والله أعلم .

وقد دل الحديث وما ذكر معه على كراهة الصلاة في المقبرة ، وهي للتحريم لظاهر النهي في بعضها ، وذهب بعض العلماء إلى بطلان الصلاة فيها لان النهي يدل على فساد النهي عنه ، وهو قول ابن حزم ، واختاره شيخ الاسلام ابن تيمية ، والشوكاني في ( ( نيل الاوطار ) ) ( 2/112 ) ، وروى ابن حزم ( 4/ 27 - 28 ) عن الامام أحمد أنه قال : ( من صلى في مقبرة أو إلى قبر أعاد أبدا ) 7 ثم إن كراهة الصلاة في المقبرة تشمل كل مكان منها سواء كان القبر أمام المصلي أو خلفه أو عن يمينه ، أو عن يساره ، لان النهي مطلق ، ومن المقرر في علم الاصول أن المطلق يجرى على إطلاقه حتى يأتي ما يقيده ، ولم يرد هنا شئ من ذلك ، وقد صرح بما ذكرنا بعض فقهاء الحنفية وغيرهم كما يأتي ، فقال شيخ الاسلام ابن تيمية في ( الاختبارات العلمية ) ( ص 25 ) : ( ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها ، والنهي عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة ، لانه لا يتناوله اسم المقبرة ، وإنما المقبرة ثلاثة قبور فصاعدا . وليس في كلام أحمد وعامة أصحابه هذا الفرق ، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور ، وهو الصواب ، والمقبرة كل ما قبر فيه ، لا أنه جمع قبر . وقال أصحابنا : وكل ما دخل في اسم المقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه ، فهذا يعين أن المنع يكون متناولا لحرمة القبر المنفرد وفنائه المضاف إليه . وذكر الامدي وغيره : أنه لا تجوز الصلاة فيه أي المسجد الذي قبلته إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر . وذكر بعضهم : هذا منصوص أحمد ) .

وفي كلام الشيخ رحمه الله التصريح بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة إنما هي سد الذريعة ، وهذا أحد قولي العلماء في ذلك ، والقول الاخر أن العلة إنما هي نجاسة أرض المقبرة وهما قولان في مذهب الحنفية ، وقد نظر ابن عابدين في ( الحاشية ) ( 1/352 ) في الثاني منهما ، وذلك لان الاستحالة مطهرة عندهم ، فكيف تكون هذه العلة صحيحة ؟ ولا شك عندنا أن القول الاول هو الصحيح ، وقد بين ذلك شيخ الاسلام في كتبه ، واستدل له بما لا تجده عند غيره ، فراجع مثلا كتابه ( اقتضاء الصراط المستقيم ) ( 152 ، 193 ) ، وعليه مشى في ( الحانية ) من كتب الحنيفة ، وأشار إليه الطحاوي في حاشيته على ( مراقي الفلاح ) فقال عند قول الشارح ( وتكره الصلاة في المقبرة ) ( 1/208 ) ( بتثليث الباء ، لانه تشبه باليهود والنصارى ، قال صلى الله عليه وسلم : لعنة الله على اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، وسواء كانت فوقه أو خلفه أو تحت ما هو واقف عليه . ويستثنى مقابر الانبياء عليهم السلام فلا تكره الصلاة فيها مطلقا منبوشة أو لا ، بعد أن لا يكون القبر في جهة القبلة ، لانهم أحياء في قبورهم ) قلت : وهذا الاستثناء باطل ظاهر البطلان ، كيف وهو يناقض العلة التي ذكرها والحديث الذي استدل به عليها ، وكيف يصح مثل هذا الاستثناء والاحاديث مستفيضة في لعن أهل الكتاب لا تخاذ قبور أنبيائهم مساجد ثم صح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك ، فالنهي منصب على اتخاذ قبور إلانبياء مباشرة ، وغيرهم يلحق بهم ، فكيف يعقل استثناؤهم ؟ والحق أن مثل هذا الاستثناء إنما يتمشى مع القول الثاني أن العلة النجاسة وقبور الانبياء بلا شك طاهرة لانهم كما قال عليه السلام : ( إن الله حرم على الارض أن تأكل أجساد الانبياء ) ، ولكن هذه العلة باطلة وما بني على باطل فهو باطل8 .

 

*************

 

1 وقال شيخ الاسلام في ( الاقتضاء ) . ( ص 182 ) : ( وأما الذبح هناك - يعني عند القبور - فمنهي عنه مطلقا ذكره أصحابنا وغيرهم لهذا الحديث . قال أحمد في رواية المروزي - : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا عقر في الاسلام . كانوا إذا مات لهم الميت تحروا جزءورا على قبره ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . وكره أبو عبد الله أكل لحمه . قال أصحابنا : وفي معنى هذا ما يفعله كثير من أهل زماننا في التصدق عند القبر بخبز أو نحوه ) وقال النووي في ( المجموع ) ( 5 / 320 ) : ( وأما الذبح والعقر عند القبر فمذموم لحديث أنس هذا ، رواه أبو داود والترمذي وقال : حسن صحيج ) . قلت : وهذا إذا كان الذبح هناك لله تعالى وأما إذ كان لصاحب القبر كما يفعله بعض الجهال فهو شرك صريح ، وأكله حرام وفسق كما قال تعالى ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) . أي والحال أنه كذلك بأن ذبح لغير الله ، إذ هذا قو الفسق هنا كما ذكره الله تعالى بقوله ( أو فسقا أهل لغير الله به ) ، كما في ( الزواجر ) ( 1 / 171 ) للفقيه الهيتمى . وقال : ( لعن الله ( وفي رواية : ملعون ) من ذبح لغير الله ) . أخرجه أحمد ( رقم 2817 ، 2915 ، 2917 ) بسند حسن عن ابن عباس ، ومسلم ( 6 / 84 ) عن علي نحوه .

2 قال الشوكاني رحمه الله تعالى ( 4 / 72 ) في شرح هذا الحديث : ( فيه أن السنة أن القبر لا يرفع رفعا كبيرا من غير فرق بين من كان فاضلا ومن كان غير فاضل . والظاهر أن رفع القبور زيادة على القدر المأذون فيه محرم . وقد صرح بذلك أصحاب أحمد ، وجماعة الشافعي ومالك . قال : ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث دخولا أولياء القبب والمشاهد المعمورة على القبور ، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فاعل ذلك كما سيأتي . وكم قد نشأ عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الاسلام . منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للاصنام ، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر ، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج ، وملجا لنجاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم ، وشدوا إليها الرحال وتمسحوا واستغاثوا . وبالجملة أنهم لم يدعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالاصنام إلا فعلوه فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ومع هذا المنكر الشنيع والكفر الفظيع لا نجد من يغضب لله ، ويغار حمية للدين الحنيف ، لا عالما ولا متعلام ، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ، وقد توارد إلينا من الاخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء القبوريين أو أكثرهم إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا ، فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك ومعتقدك الولي الفلاني تلعثم وتلكأ وأبي واعترف بالحق وهذا من أبين الادلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال : إنه تعالى ثاني اثنين ، أو ثالث كلاثة . فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للاسلام أشد من الكفر ، وأي بلا . لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله ، وأى مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك واجبا ؟

لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي

ولو نارا نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد

وللشوكاني رحمه الله تعالى رسالة لطيفة نافعة في هذا الباب أسماها ( شرح الصدور في تحريم رفع القبور ) مطبوعة في المجموعة المنيرية ( 1 / 62 - 76 ) .

3 جزيرة معروفة في البحر الابيض المتوسط ، جنوب غرب تركيا .

4 هي بمعنى الرواية التي قبلها ، إلا أن هذه عديت بالتشديد وتلك بالالف .

5 أي وذلك أمر صعب شديد إن أمكن .

6 ) قال الشافعي رحمه الله ( 1 / 246 ) : ( وأكره وطأ القبر والجلوس والاتكاء عليه ، إلا أن لا يجد الرجل السبيل إلى قبر ميته إلا بأن يطأه فذلك موضع ضرورة ، فأرجو حينئذ أن يسعه إن شاء الله تعالى ، وقال بعض أصحابنا : لا بأس بالجلوس عليه ، وإنما نهي عن الجلوس عليه للتغوط وليس هذا عندنا كما قال ، وإن كان نهي عنه للمذهب فقد نهي عنه مطلقا لغير المذب ) . وكان الشافعي رحمه الله يشير إلى إلامام مالك رحمه الله فإنه صرح في ( الموطأ ) بالتأويل المذكور ، ولا شك في بطلانه كما بينه النووي فيما نقله الحافظ ( 3 / 174 ) .

7 ثم قال ابن حزم : ( وكره إلصلاة إلى القبر وفي المقبرة وعلى القبر أبو حنيفة والاوزاعي وسفيان ولم ير ماك بذلك بأسا واحتج له بعض مقلديه بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على قبر المسكينة السوداء قال ابن حزم : ( وهذا عجب ناهيك به أن يكون هؤلاء القوم يخالفون هذا الخبر فيما جاء فيه ، فلا يجيزون أن نصلى صلاة الجنازة على من دفن ، ثم يستبيحون ما ليس فيه أثر منه ولا إشارة ، مخالفة للسنن الثابتة . قال : كل هذه الاثار حق ، فلا تحل الصلاة حيث ذكرنا إلا صلاة الجنازة فإنها تصلى في المقبرة ، وعلى القبر الذي قد دفن صاحبه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نحرم ما نهى عنه ، ونعد من التقرب إلى الله تعالى أن نفعل مثل ما فعل فأمره ونهيه حق ، وفعله حق ، وما عدا ذلك فباطل ) . قلت : وفيما قاله في صلاة الجنازة نظر ، لانه لا نص على جوزها في المقبرة ولو كان ابن حزم من القائلين فالقياس لقلنا أنه قاس ذلك على الصلاة على القبر : ولكنه يقول ببطلان القياس من أصله ، وصلاة الجنازة في المقبرة خلاف السنة التي لم تأت إلا بصلاتها في المصلى وفي المسجد كما سبق بيانه في محله ، بل قد جاء النهي الصريح عن الصلاة عليها بين القبور كما في رواية في حديث أنس المذكور في هذا الفصل ، وهو الحديث الثاني منه .

8 وقد فصلت القول في خطأ الطحاوئي وتناقصه في الاستثناء المذكور في كتابي ( الثمر المستطاب في تمه السنة والكتاب ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع: ما يحرم عند القبور

 

9 - بناء المساجد عليها .

وفيه أحاديث :

الاول : عن عائشة وعبد الله بن عباس معا قالا : ( لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه ، فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه ، فقال : وهو كذلك . - لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر [ مثل ] ما صنعوا ) . أخرجه البخاري ( 1/422 ، 6/386 ، 8/116 ) ومسلم ( 2/67 ) والنسائي ( 1/115 ) والدارمي ( 1/326 ) والبيهقي ( 4/80 ) وأحمد ( 1/218 ، 6/ 34 ، 229 ، 275 ) ، والزيادة لمسلم والدارمي وغيرهما .

الثاني : عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي لم يقم منه : ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . قالت : فلولا ذاك أبرز قبره غير أنه خشي أن يتخذ مسجدا . أخرجه البخاري ( 3/156 ، 198 ، 8/114 ) وأبو عوانة ( 2/399 ) وأحمد ( 6/80 ، 121 ، 255 ) . وله عنده ( 6/146 ، 252 ) طريق آخر عنها .

الثالث : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قاتل الله اليهود ( وفي رواية : لعن الله اليهود والنصارى ) اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . أخرجه البخاري ( 1/422 ) ومسلم وأبو عوانة ( 2/400 ) وأبو داود ( 2/71 ) والبيهقي ( 4/80 ) وأحمد ( 2/284 ، 366 ، 396 ، 453 ، 518 ) والرواية الثانية له ولمسلم وأبي عوانة ، وهي من طريق أخرى عن أبي هريرة .

الرابع : عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم لا تجعل قبري وثنا ، لعن الله قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . أخرجه أحمد ( 2/246 ) وابن سعد في ( الطبقات ) ( 2/362 ) وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 7/317 ) بإسناد صحيح ، وأما قول الهيثمي ، في ( مجمع الزوائد ) ( 23 ) : ( رواه أبو يعلى ، وفيه إسحاق بن أبي إسرائيل وفيه كلام لوقفه في القرآن ، وبقية رجاله ثقات ) .

فقيه نظر من وجوه :

1 . إنه اقتصر على أبي يعلى في العزو فأوهم أنه ليس في ( مسند أحمد ) وليس كذلك كما عرفت .

2 . أن إسحاق المذكور ثقة ، ووقفه في القرآن لا بجرحه كما هو مقرر في المصطلح ،

3 . أنه لم يتفرد به ، فهو عند أحمد من غير طريقه ، فالحديث صحيح لاشك فيه .

وله شاهد مرسل . أخرجه مالك في ( الموطأ ) ( 1/185 - 186 ) بسند صحيح . وروي موصولا عن أبي سعيد الخدري .

الخامس : عن جندب قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس يقول : [ قد كان لي فيكم أخوة وأصدقاء ، و] إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل ، فإن الله تعالى قد اتخذني خليلا ، كما اتخذ إبراهيم خليلا ، ولو كنت متخذا من امتي خليلا ، لا تخذت أبا بكر خليلا ، ألا وإن من كان قبلكم كانو يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد ، إني أنها كم عن ذلك ) . أخرجه مسلم ( 2/67 - 68 ) دون سائر الستة ، ونسبه الشوكاني ( 2/114 ) للنسائي أيضا ، فلعله يعني ( السنن الكبرى ) له ، ولم ينسبه في ( الذخائر ) إلا لمسلم وحده ، نعم أخرجه عوانة في ( صحيحه ) ( 2/401 ) والزيادة له .

السادس : عن عبد الله بن مسعود قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

( إن من شرار الناس من تدركه الساعة وهم أحياء ، ومن يتخذ القبور مساجد ) . أخرجه أحمد ( رقم 3844 ، 4143 ، 4144 ، 4342 ) بإسناد في حسنين عنه . ورواه ابن أبي شيبة وابن حبان في ( صحيحه ) ، وقال ابن تيمية : ( إسناده جيد ) . وذهل الهيثمي عن كونه في المسند فقال ( 2/27 ) : ( رواه الطبراني في ( ( الكبير ) ) وإسناده حسن ) .

السابع : عن عائشة قالت : ( لما كان مرض النبي صلى الله عليه وسلم ، تذاكر بعض نسائه كنيسة بأرض الحبشة يقال لها ( مارية ) - وقد كانت أم سلمة وأم حبيبة قد أتتا أرض الحبشة - فذكرن من حسنها وتصاويرها . قالت : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح [ فمات ] بنوا على قبره مسجدا ، ثم صوروا فيه تلك الصور ، أولئك شرار الخلق عند الله [ يوم القيامة ] ) . أخرجه البخاري ( 1/416 ، 422 ) ومسلم ( 2/66 - 67 ) والنسائي ( 1/115 ) وكذا أبو عوانة ( 2/400 - 401 ) والبيهقي ( 4/80 ) والسياق لهما ، وأحمد ( 6/51 ) وابن أبي شيبة ( 4/140 ) ، والزيادتان له للشيخين وغيرهما .

وفي الباب أحاديث أخرى عن جماعة آخرين من الصحابة ، أوردتها في ( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) وهي تدل دلالة قاطعة على أن اتخاذ القبور مساجد )

حرام لما فيها من لعن المتخذين ، ولذلك قال الفقيه الهيتمي في ( الزواجر ) ( 1/120 - 121 ) :

( الكبيرة الثالثة والتسعون اتخاذ القبور مساجد ) . ثم ساق بعض الاحاديث المتقدمة وغيرها مما ليس على شرطنا ثم قال : ( وعد هذه من الكبائر وقع في كلام بعض الشافعية ، وكأنه أخذ ذلك مما ذكره من هذه الاحاديث ، ووجهه واضح ، لانه لعن من فعل ذلك بقبور أنبيائه . وجعل من فعل ذلك بقبور صلحاثه شر الخلق عند الله يوم القيامة ، ففيه تحذير لنا كما في رواية ( يحذر ما صنعوا ) ، أي يحذر أمته بقوله لهم ذلك من أن يصنعوا كصنع أولئك ، فيلعنوا كما لعنوا . . قال بعض الحنابلة : قصد الرجل الصلاة عند القبر متبركا بها عين المحادة لله ورسوله ، وإبداع دين لما يأذن به الله لا نهي عنها ثم إجماعا ، فإن أعظم المحرمات وأسباب الشرك الصلاة عندها ، واتخاذها مساجد ، أو بناؤها عليها ، والقول بالكراهة محمول على غير ذلك ، إذ لا يظن بالعلماء تجويز فعل تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم لعن فاعله ، وتجب المبادرة لهدمها وهدم القباب التي على القبور إذ هي أضر من مسجد الضرار لانها أسست على معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لانه نهى عن ذلك ، وأمر صلى الله عليه وسلم بهدم القبور المشرفة ، وتجب إزالة كل قنديل أو سراج على قبر ، ولا يصح وقفه ونذره . انتهى ) .

هذا والاتخاذ المذكور في الاحاديث المتقدمة يشمل عدة أمور :

الاول : الصلاة إلى القبور مستقبلا لها .

الثاني : السجود على القبور .

الثالث : بناء المساجد عليها .

والمعنى الثاثي ظاهر من الاتخاذة والاخر مع دخولهما فيه ، فقد جاء النص عليهما في بعض الاحاديث المتقدمة ، وفصلت القول في ذلك وأوردت أقوال العلماء مستشهدا بها في كتابنا الخاص ( تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد ) وذكرت فيه تاريخ إدخال القبر النبوي في المسجد الشريف ، وما فيه من المخالفة للاحاديث المتقدمة وأن الصلاة مع ذلك لا تكره فيه خاصة ، فمن شاء بسط القول في ذلك كله فليرجع إليه .

10 - اتخاذها عيدا ، تقصد في أوقات معينة ، ومواسم معروفة ، للتعبد عندها ، أو يرها . لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تتخذوا قبري عيدا . ولا تجعلوا بيوتكم قبورا ، وحيثما كنتم فصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني ) . أخرجه أبو داود ( 1/319 ) وأحمد ( 2/367 ) بإسناد حسن ، وهو على شرط مسلم ، وهو صحيح مما له من طرق وشواهد .

فله طريق أخرى عن أبي هريرة ، عند أبي نعيم في ( الحلية ) ( 6/283 )

وله شاهد مرسل بإسناد قوي عن سهيل قال : ( رآني الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عند القبر ، فناداني وهو في بيت فاطمة يتعشى ، فقال : هلم إلى العشاء ، فقلت : لا أريده . فقال : مالي رأيتك عند القبر ؟ فقلت : سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ( إذا دخلت المسجد فسلم ) ثم قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم ، لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) . ما أنتم ومن بالاندلس إلا سواء . رواه سعيد بن منصور كما في ( الاقتضاء ) لابن تيمية ، وهو عند الشيخ اسماعيل بن اسحاق القاضي في ( فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ) ( رقم30 ) 1دون قوله ( لعن الله اليهود . . . ) وكذا رواه ابن أبي شيبة ( 4/140 ) مقتصرا على المرفوع منه فقط .

وله شاهد آخر بنحو هذا من طريق علي بن الحسين عن أبيه عن جده مرفوعا . أخرجه اسماعيل القاضي ( رقم 20 ) وغيره . انظر ( تحذير الساجد ) ( 98 - 99 ) والحديث دليل على تحريم اتخاذ قبور الانبياء والصالحين عيدا . قال شيخ الاسلام ابن تيمية في ( الاقتضاء ) ( ص 155 - 156 ) : ( ووجه الدلالة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل قبر على وجه الارض وقد نهى عن اتخاذه عيدا ، فقبر غيره أولى بالنهي كائنا من كان ، ثم قرن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم : ولا تتخذوا بيوتكم قبورا ) أي لا تعطلوها عن الصلاة فيها والدعاء والقراءة ، فتكون بمنزلة القبور فأمر بتحري العبادة في البيوت ، ونهى عن تحريها عند القبور ، عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم . قال : فهذا أفضل التابعين من أهل بيته علي بن الحسين رضي الله عنهم ، نهى ذلك الرجل أن يتحرى الدعاء عند قبره صلى الله عليه وسلم ، واستدل بالحديث الذي سمعه من أبيه الحسين عن جده علي . وهو أعلم بمعناه من غيره ، فتبين أن قصده أن يقصد الرجل القبر للسلام عليه ونحوه عند غير دخول المسجد ، ورأى أن ذلك من الدعاء ونحوه اتخاذ له عيدا . وكذلك ابن عمه حسن بن حسن شيخ أهل بيته كره اتخاذه عيدا . فانظر هذه السنة كيف أن مخرجها من أهل المدينة وأهل البيت الذين لهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار لانهم إلى ذلك أحوج من غيرهم فكانوا له أضبط .

والعيد إذا جعل اسما للمكان فهو المكان الذي يقصد الاجتماع فيه وإتيانه للعبادة عنده أو لغير العبادة ، كما أن المسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة جعلها الله عيدا مثابة للناس ، يجتمعون فيها وينتابونها للدعاء والذكر والنسك . وكان للمشركين أمكنة ينتابونها للاجتماع عندها ، فلما جاء الاسلام محا الله ذلك كله . وهذا النوع من الامكنة يدخل فيه قبور الانبياء والصالحين ) .

ثم قال الشيخ ( ص 175 - 181 ) :

( ولهذا كره مالك رضي الله عنه وغيره من أهل العلم لاهل المدينة ، كلما دخل أحدهم المسجد أن يجبئ فيسلم على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه . قال : وإنما يكون ذلك لاحدهم إذا قدم . من سفر ، أو أراد سفرا ونحو ذلك ، ورخص بعضهم في السلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها ، وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحدا رخص به ، لان ذلك نوع من اتخاذه عيدا . . مع أنه قد شرح لنا إذا دخلنا المسجد أن نقول ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) 2 كما نقول ذلك في آخر صلاتنا . قال : فخاف مالك وغيره أن يكون فعل ذلك عند القبر كل ساعة نوعا من اتخاذ القبر . عيدا . وأيضا فإن ذلك بدعة ، فقد كان المهاجرون والانصار على عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم يجيئون إلى المسجد كل يوم لعلمهم رضي الله عنهم بما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرهه من ذلك وما نهاهم عنه ، وانهم يسلمون عليه حين دخول المسجد والخروج منه ، وفي التشهد كما كانوا يسلمون عليه كذلك في حياته ، وما أحسن ما قال مالك : لن يصلح آخر هذه الامة إلا ما أصلح أولها ، ولكن كلما ضعف تمسك الامم بعهود أنبيائهم ، ونقص إيمانهم ، عوضوا ذلك بما أحدثوه من إلبدع والشرك وغيره لهذا كرهت الامة استلام القبر وتقبيله . وبنوه بناء منعوا الناس أن يصلوا إليه ، قال :

وقد ذكرنا عن أحمد وغيره أنه أمر من سلم على النبي وصاحبيه ثم أراد أن يدعو أن ينصرف فيستقبل القبلة ، وكذلك أنكر ذلك من العلماء المتقدمين كما لك وغيره ، ومن المتأخرين مثل أبي الوفاء بن عقيل وأبي الفرج ابن الجوزي ، وما أحفظ لا عن صحابي ولا عن تابعي ولا عن إمام معروف أنه استحب قصد شئ من القبور للدعاء عنده ، ولا روى أحد في ذلك شيئا ، لا عن النبي صلى الله عليه وسلم . ولا عن أصحابه ولا عن أحد من الائمة المعروفين ، وقد صنف الناس في الدعاء وأوقاته وأمكنته وذكروا فيه الاثار ، فما ذكر أحد منهم في فضل الدعاء عندها شئ من القبور حرفا واحدا فيما أعلم ، فكيف يجوز والحالة هذه أن يكون الدعاء عندها أجوب وأفضل ، والسلف تنكره ولا تعرفه وتنهى عنه ولا تأمر به ؟ قال : وقد أوجب اعتقاد استجابة الدعاء عندها وفضله أن تنتاب لذلك وتقصد ، وربما اجتمع عندها اجتماعات كثيرة في مواسم معينة . وهذا بعينه هو الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لا تتخذوا قبري عيدا ) . قال : حتي إن بعض القبور يجتمع عندها في يوم من السنة ، ويسافر إليها إما في المحرم أو رجب أو شعبان أو ذي الحجة أو غيرها . وبعضها يجتمع عندها في يوم عاشوراء ، وبعضها في يوم عرفة ، وبعضها في النصف من شعبان . وبعضها في وقت آخر . بحيث يكون لها يوم من السنة تقصد فيه . ويجتمع عندها فيه . كما تقصد عرفة ومزدلفة ومنى في أيام معلومة من السنة ، وكما يقصد مصلى المصر يوم العيدين . بل ربما كان الاهتمام بهذه الاجتماعات في الدين والدنيا أهم وأشد ومنها ما يسافر إليه من الامصار في وقت معين ، أو وقت غير معين لقصد الدعاء عنده والعبادة هناك ، كما يقصد بيت الله الحرام لذلك وهذا السفر لا أعلم بين المسلمين خلافا في النهي عنه . قال :

ومنها ما يقصد الاجتماع عنده في يوم معين من الاسبوع . وفي الجملة هذا الذي يفعل عند هذه القبور هو بعينه الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لا تتخذوا قبري عيدا ) فإن اعتياد قصد المكان المعين في وقت معين عائد بعود السنة أو الشهر أو الاسبوع هو بعينه معنى العيد ، ثم ينهى عن دق ذلك وجله ، وهذا هو الذي تقدم عن الامام أحمد إنكاره . قالت ( يعني أحمد ) : وقد أفرط الناس في هذا جدا وأكثروا . وذكر ما يفعل عند قبر الحسين . ثم قال الشيخ :

ويدخل في هذا ما يفعل بمصر عند قبر نفيسة وغيرها . وما يفعل بالعراق عند القبر الذي يقال : إنه قبر علي رضي الله عنه ، وقبر الحسين وحذيفة بن اليمان و. . . و. . . وما يفعل عند قبر أبي يزيد البسطامي إلى قبور كثيرة في أكثر بلاد الاسلام لا يمكن حصرها . قال :

واعتياد قصد هذه القبور في وقت معين ، والاجتماع العام عندها في وقت معين هو أتخاذها عيدا كما تقدم ولا أعلم بين المسلمين أهل العلم في ذلك خلافا . ولا يغتر بكثرة العادات الفاسدة فإن هذا من التشبه بأهل الكتابين الذي أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أنه كائن في هذه الامة . وأصل ذلك إنما هو اعتقاد فضل الدعاء عندها ، وإلا فلو لم يقم هذا الاعتقاد في القلوب لا نمحى ذلك كله . فإذا كان قصدها يجر هذه المفاسد كان حراما كالصلاة عندها وأولى ، وكان ذلك فتنة للخلق ، وفتحا لباب الشرك ، وإغلاقا لباب الايمان ) .

قلت . ومما يدخل في ذلك دخولا أوليا ما هو مشاهد اليوم في المدينة المنورة ، من قصد الناس دبر كل صلاة مكتوبة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم : للسلام عليه والدعاء عنده وبه ، ويرفعون أصواتهم لديه ، حتى ليضج المسجد بهم ، ولا سيما في موسم الحج حتى لكأن ذلك من سنن الصلاة بل إنهم ليحافظون عليه أكثر من محافظتهم على السنن وكل ذلك يقع من مرأى ومسمع من ولاة الامر ، ولا أحد منهم ينكر ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ، ووا أسفاء على غربة الدين وأهله ، وفي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم الذي ينبغي أن يكون أبعد المساجد بعد المسجد الحرام عما يخالف شريعته عليه الصلاة والسلام .

هذا ، وقد سبق في كلام شيخ الاسلام ابن تيمية أن بعض أهل العلم رخص في إتيان القبر الشريف للسلام عليه إذا دخل المسجد للصلاة ونحوها . وكأن ذلك يفيد عدم الاكثار والتكرار بدليل قوله عقب ذلك : ( وأما قصده دائما للصلاة والسلام فما علمت أحدا رخص فيه ) .

قلت : وهذا الترخيص الذي نقله الشيخ عن بعض أهل العلم هو الذي رواه ونعتمد عليه بشرط القيد المذكور ، فيجوز لمن بالمدينة إتيان القبر الشريف للسلام عليه صلى الله عليه وسلم ، أحيانا ، لان ذلك ليس ، من اتخاذه عيدا كما هو ظاهر ، والسلام عليه وعلى صاحبيه مشروع بالادلة العامة ، فلا يجوز نفي المشروعية مطلقا لنهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ قبره عيدا ، لامكان الجمع بملاحظة الشرط الذي ذكرنا ، ولا يخرج عليه أننا لا نعلم أن أحدا من السلف كان يفعل ذلك ، لان عدم العلم بالشئ لا يستلزم العلم بعدمه كما يقول العلماء ، ففي مثل هذا يكفي لاثبات مشروعته الادلة العامة مادام أنه لا يثبت ما يعارضها فيما نحن فيه . على أن شيخ الاسلام قد ذكر في ( القاعدة الجليلة ) ( ص 80 طبع المنار ) عن نافع أنه قال : كان ابن عمر يسلم على القبر ، رأيته مائة مرة أو أكثر يجيئ إلى القبر فيقول : السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ، السلام على أبي بكر ، السلام على أبي ، ثم ينصرف فان ظاهره أنه كان يفعل ذلك في حالة الاقامة لا السفر ، لان قوله ( مائة مرة ) ، مما يبعد حمل هذا الائر على حالة السفر . .

 

************

 

1 قام بنشره لاول مرة المكتب الاسلامي بتحقيقنا ، فيطلب منه .

2 قلت : لم أر هذه الصيغة في شئ من الاحاديث الواردة في آداب الدخول إلى المسجد والخروج منه ، وأخذها من مطلق قوله : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي صلى الله عليه وسلم . . . الحديث أخرجه أبو عوانة في صحيحه ( 1 / 414 ) وأبو داود في سننه ( رقم 465 ) ، فمما لا يخفى بعده ، لا سيما وقد جاءت الصيغة في حديت فاطمة رضي الله عنها بلفظ ( السلام على رسول الله ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ) . أخرجه القاضي اسماعيل ( 82 - 84 ) وغيره . وانظر ( نزل الابرار ) ( 72 ) . و( الكلم الطيب ( رقم 63 بتحقيقي وضع المكتب الاسلامي ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع: ما يحرم عند القبور

 

11 - السفر إليها :

وفيه أحاديث :

الأول : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ومسجد الاقصى ) .

وفي رواية عنه بلفظ : ( إنما يسافر إلى ثلاثة مساجد : مسجد الكعبة ، ومسجدي ، ومسجد إيلياء ) . أخرجه البخاري باللفظ الاول ، ومسلم باللفظ الاخر من طريق ثان عنه ، وأخرجه من الطريق الاول أصحاب السنن وغيرهم .

وله طريق ثالث عند أحمد ( 2/501 ) والدارمي ( 1/330 ) وقد خرجت الحديث مبسوطا في ( الثمر المستطاب ) .

الثاني : عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تشد ( وفي لفظ : لا تشدوا ) الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا ، والمسجد الحرام ، والمسجد الاقصى ) . أخرجه الشيخان وغيرهما ، وله عنه أربعة طرق أوردتها في المصدر السابق واللفظ الاخر لمسلم .

والطريق الرابعة : يرويها شهر بن حوشب ، وعنه اثنان :

أحدهما : ليث بن أبي سليم عنه قال : ( لقينا أبا سعيد ونحن نريد الطور ، فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تعمل المطي إلا . . . ) الحديث .

والاخر : عبد الحميد بن بهرام عنه قال : ( سمعت أبا سعيد الخدري وذكرت عنده صلاة الطور ، فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد يبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ) . الحديث . أخرجهما أحمد ( 3/93 ، 64 ) .

وشهر ضعيف ، وقد تفرد بهذه الزيادة ( إلى مسجد يبتغي فيه الصلاة ) فهي منكرة لعدم ورودها في الطرق الاخرى عن أبي سعيد ، حتى ولا في طريق ليث عن شهر ، وكذلك لم ترد في الاحاديث الاخرى ، وهي ثمانية وغالبها لها أكثر من طريق واحد ، وقد سقتها كلها في ( الثمر المستطاب ) فعدم ورود هذه الزيادة في شئ من هذه الاحاديث على كثرتها وتعدد مخارجها لاكبر دليل على نكارة الزيادة وبطلانها . فهي من أوهام شهر بن حوشب أو الراوي عنه عبد الحميد ، فإن فيه بعض الضعف من قبل حفظه ، وقال الحافظ في ترجمة شهر من ( التقريب ) : ( صدوق كثير الاوهام ) .

الثالث : عن أبي بصرة الغفاري أنه لقي أبا هريرة وهو جاء ، فقال : من أين أقبلت ؟ قال : أقبلت من الطور ، صليت فيه ، قال : أما إني لو أدركتك لم تذهب ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الاقصى ) . أخرجه الطيالسي ( 1348 ) وأحمد ( 6/7 ) والسياق له ، وإسناده صحيح . وله عند أحمد طريقان آخران ، إسناد الاول منهما حسن ، والاخر صحيح .

وأخرجه مالك والنسائي والترمذي وصححه من الطريق الثالث ، إلا أن أحد الرواة أخطأ في سنده فجعله من مسند بصرة بن أبي بصرة . وفي متنه حيث قال : ( لاتعمل المطي ) .

الرابع : عن قزعة قال : ( أردت الخروج إلى الطور فسألت ابن عمر ، فقال : أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم والمسجد الاقصى ) ، ودع عنك الطور فلا تأته ) . أخرجه الازرقي ( في أخبار مكة ) ( ص 304 ) بإسناد صحيح رجاله رجال الصحيح ، وأورد المرفوع منه الهيثمي في ( المجمع ) ( 4/4 ) وقال : ( رواه الطبراني في الكبير والاوسط ورجاله ثقات ) .

وفي هذه الاحاديث تحريم السفر إلي موضع من المواضع المباركة ، مثل مقابر الانبباء والصالحين ، وهي وإن كانت بلفظ النفي ( لا تشد ) ، فالمراد النهي كما قال الحافظ ، على وزن قوله تعالى : ( فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج ) ، وهو كما قال الطيبي : ( هو أبلغ من صريح النهي ، كأنه قال : لا يستقيم أن يقصد بالزيارة إلا هذه البقاع لاختصاصها بما اختصت به )

قلت : ومما يشهد لكون النفي هنا بمعنى النهي رواية لمسلم في الحديث الثاني : ( لا تشدوا ) . ثم قال الحافظ :

( قوله : ( إلا إلى ثلاثة مساجد ) ، الاستثناء مفرغ ، والتقدير لا تشد الرحال إلى موضع ، ولازمه منع السفر إلى كل موضع غيرها ، لان المستثنى منه في المفرغ مقدر بأعم العام ، ولكن يمكن أن يكون المراد بالعموم هنا المخصوص ، وهو المسجد ) .

قلت : وهذا الاحتمال ضعيف ، والصواب التقدير الاول . لما تقدم في حديث أبي بصرة وابن عمر من أنكار السفر إلى الطور . ويأتى بيانه ، ثم قال الحافظ :

( وفي هذا الحديث فضيلة هذه المساجد ، ومزيتها على غيرها لكونها مساجد الانبياء ، ولان الاول ، قبلة الناس ، وإليه حجهم ، والثاني كان قبلة الامم السالفة ، والثالث أسس على التقوى . ( قال : )

واختلف في شد الرحال إلى غيرها كالذهاب إلى زيارة الصالحين أحياء وأمواتا ، وإلى المواضع الفاضلة ، لقصد التبرك بها ، والصلاة فيها ، فقال الشيخ أبو محمد الجويني1 ( يحرم شد الرحال إلى غيرها عملا بظاهر الحديث ) ، وأشار القاضي حسين إلى اختياره ، وبه قال عياض وطائفة ، ويدل عليه ما رواه أصحاب السنن من إنكار أبي بصرة الغفاري على أبي هريرة خروجه إلى الطور ، وقال له : ( لو أدركتك قبل أن تخرج ما خرجت ) ، واستدل بهذا الحديث ، فدل على أنه يرى حمل الحديث على عمومه ، ووافته أبو هريرة . والصحيح عند إمام الحرمين وغيره من الشافعية أنه لا يحرم ، وأجابوا عن الحديث بأجوبة :

1 . منها أن المراد أن الفضيلة التامة إنما هي شد الرحال إلى هذه المساجد بخلاف غيرها فإنه جائز ، وقد وقع في رواية لاحمد سيأتي ذكرها بلفظ : ( لا ينبغي للمطي أن تعمل ) وهو لفظ ظاهر في غير التحريم .

2 . ومنها أن النهي مخصوص بمن نذر على نفسه الصلاة في مسجد من سائر المساجد غير الثلاثة ، فإنه لا يجب الوفاء به . قاله ابن بطال .

3 . ومنها أن المراد حكم المساجد فقط ، وأنه لا تشد الرحال إلى مسجد من المساجد للصلاة فيه غير هذه الثلاثة ، وأما قصد غير المساجد لزيارة صالح أو قريب أو صاحب ، أو طلب عالم أو تجارة أو نزهة ، فلا يدخل في النهي ، ويؤيده ما روى أحمد من طريق شهر بن حوشب قال : سمعت أبا سعيد - وذكرت عنده الصلاة في الطور - فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينبغي للمطي أن تشد رحاله إلى مسجد تبتغى فيه الصلاة غير المسجد الحرام ، والمسجد الاقصى ، ومسجدي ) . وشهر حسن الحديث ، وإن كان فيه بعض الضعف ) .

قلت : لقد تساهل الحافظ رحمه الله تعالى في قوله في شهر أنه حسن الحديث ، مع أنه قال فيه في ( ( التقريب ) ) : ( ( كثير الاوهام ) ) كما سبق ، ومن المعلوم أن من كان كذلك فحديثه ضعيف لا يحتج به ، كما قرره الحافظ نفسه في ( شرح النخبة )

ثم هب أنه حسن الحديث ، فإنما يكون كذلك عند عدم المخالفة ، أما وهو قد خالف جميع الرواة الذين رووا الحديث عن أبي سعيد ، والاخرين الذين رووه عن غيره من الصحابة كما تقدم بيانه ، فكيف يكون حسن الحديث مع هذه المخالفة ؟ بل هو منكر الحديث في مثل هذه الحالة ، دون أي شك أو ريب . أضف إلى ذلك أن قوله في الحديث ( إلى مسجد ) مما لم يثبت عن شهر نفسه فقد ذكرها عنه عبد الحميد ولم يذكرها عنه ليث بن أبي سليم ، وهذه الرواية عنه أرجح لموافقتها لروايات الثقات كما عرفت .

وأيضا فإن المتأمل في حديثه يجد فيه دليلا آخر على بطلان ذكر هذه الزيادة فيه ، وهو قوله : أن أبا سعيد الخدري احتج بالحديث على شهر لذهابه إلى الطور . فلو كان فيه هذه الزيادة التي تخص حكمه بالمساجد دون سائر المواضع الفاضلة ، لما جاز لابي سعيد رضي الله عنه أن يحتج به عليه ، لان الطور ليس مسجدا . وإنما هو الجبل المقدس الذي كلم الله تعالى موسى عليه ، فلا يشمله الحديث لو كانت الزيادة ثابتة فيه . ولكان استدلال أبي سعيد به والحالة هذه وهما ، لا يعقل أن يسكت عنه شهر ومن كان معه . فكل هذا يؤكد بطلان هذه الزيادة ، وأنها لا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فثبت مما تقدم أنه لا دليل يخصص الحديث بالمساجد ، فالواجب البقاء على عمومه الذي ذهب إليه أبو محمد الجويني ومن ذكر معه . وهو الحق .

بقي علينا الجواب على جوابهم الاول والثاني ، فأقول :

1 - إن هذا الجواب ساقط من وجهين :

الاول : أن اللفظ الذي احتجوا به ( لا ينبغي . . ) غير ثابث في الحديث لانه تفرد به شهر وهو ضعيف كما سبق بيانه .

الثاني : هب أنه لفظ ثابت ، فلا نسلم أنه ظاهر في غير التحريم ، بل العكس هو الصواب ، والادلة على ذلك من الكتاب والسنة كثيرة ، أجتزئ ببعضها :

أ - قوله تعالى : { قالوا : سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك أولياء } [ الفرقان : 18 ]

ب - قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار ) . رواه أبو داود ( 2675 ) من حديث ابن مسعود ، والدارمي ( 2/222 ) من حديث أبي هريرة .

ج - ( لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا ) . رواه مسلم .

د - ( إن الصدقة لا تنبغي لال محمد . . ) . رواه مسلم .

هـ - ( لا ينبغي لعبد أن يقول : إنه خير من يونس بن متى ) . رواه البخاري .

الثالث : هب أنه ظاهر في غير التحريم ، فهو يدل على الكراهة ، وهم لا يقولون بها ، ففي ( ( شرح مسلم ) ) للنووي : ( الصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره ) . فالحديث حجة عليهم على كل حال .

2 - إن هذا الجواب كالذي قبله ساقط الاعتبار ، لانه لا دليل على التخصيص ، فالواجب البقاء على العموم لا سيما وقد تأيد بفهم الصحابة إلذين روا الحديث أبي بصرة ، وأبي هريرة ، وابي عمر ، وأبي سعيد إن صح عنه - فقد استدلوا جميعا به على المنع من السفر إلى الطور ، وهم أدرى بالمراد منه من غيرهم ، ولذلك قال الصنعاني في ( ( سبل السلام ) ) ( 2/251 ) :

( وذهب الجمهور إلى أن ذلك غير محرم ، واستدلوا بما لا ينهض ، وتأولوا أحاديث الباب بتأويل بعيدة ، ولا ينبغي التأويل إلا بعد أن ينهض على خلاف ما أولوه الدليل ) زاد عقبه ( ( فتح العلام ) ) ( 1/310 ) :

( ولا دليل ، والاحاديث الواردة في الحث على الزيارة النبوية وفضيلتها ليس فيها الامر بشد الرحل إليها ، مع أنها كلها ضعاف أو موضوعات ، لا يصلح شئ منها للاستدلال ، ولم يتفطن أكثر الناس للفرق بين مسألة الزيارة وبين مسألة السفر إليها ، فصرفوا حديث الباب عن منطوقه الواضح بلا دليل يدعو إليه ) .

قلت : وللغفة المشار إليها اتهم الشيخ السبكي عفا الله عنا وعنه شيخ الاسلام ابن تيمية بأنه ينكر زيارة القبر النبوي ولو بدون شد رحل ، مع أنه كان من القائلين بها ، والذاكرين لفضلها وآدابها ، وقد أورد ذلك في غير ما كتاب من كتبه الطيبة2 وقد تولى بيان هذه الحقيقة ، ورد تهمة السبكي العلامة الحافظ محمد بن عبد الهادي في مؤلف كبير أسماه ( الصارم المنكى في الرد على السبكي ) : نقل فيه عن ابن تيمية النصوص الكثيرة في جواز الزيارة بدون السفر إليها . وأورد فيه الاحاديث الواردة في فضلها ، وتكلم عليها مفصلا ، وبين ما فيها من ضعف ووضع ، وفيه فوائد أخرى كثيرة ، فقهية وحديثية وتاريخية ، حري بكل طالب علم أن يسعى إلى الاطلاع عليها .

ثم إني النظر السليم يحكم بصحة قول من ذهب إلى أن الحديث على عمومه ، لانه إذا كان بمنطوقه يمنع من السفر إلى مسجد غير المساجد الثلاثة ، مع العلم بأن العبادة في أي مسجد أفضل منها في غير المسجد ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( أحب البقاع إلى الله المساجد ) حتى ولو كان ذلك المسجد هو المسجد الذي أسس على التقوى ألا وهو مسجد قباء الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجد قباء كعمرة ) ، إذا كان الامر كذلك فلان يمنع الحديث من السفر إلى غيرها من المواطن أولى وأحرى ، لا سيما إذا كان المقصود إنما هو مسجد بني على قبر نبي أو صالح ، من أجل الصلاة فيه والتعبد عنده . وقد علمت لعن من فعل ذلك ، فهل يعقل أن يسمح الشارع الحكيم بالسفر إلى مثل ذلك ويمنع من السفر إلى مسجد قباء ؟

والخلاصة : إن ما ذهب إليه أبو محمد الجويني الشافعي وغيره من تحريم السفر إلى غير المساجد الثلاثة من المواضع الفاضلة ، هو الذي يجب المصير إليه ، فلا جرم اختاره كبار العلماء المحققين المعروفين باستقلالهم في الفهم ، وتعمقهم في الفقه عن الله ورسوله أمثال شيخي الاسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهم الله تعالى ، فإن لهم البحوث والكثيرة النافعة في هذه المسألة الهامة ، ومن هؤلاء الافاضل الشيخ ولي الله الدهلوي ، ومن كلامه في ذلك ما قال في ( ( الحجة البالغة ) ) ( 1/192 ) :

( كان أهل الجاهلية يقصدون مواضع معظمة بزعمهم يزورونها ويتبركون بها ، وفيه من التحريف والفساد ما لا يخفى ، فسد صلى الله عليه وسلم الفساد ، لئلا يلحق غير الشعائر بالشعائر ، ولئلا يصير ذريعة لعبادة غير الله ، والحق عندي أن القبر ، ومحل عبادة ولي من الاولياء والطور كل ذلك سواء في النهي ) .

ومما يحسن التنبيه عليه في خاتمة هذا البحث أنه لا يدخل في النهي السفر للتجارة وطلب العلم ، فإن السفر إنما هو لطلب تلك الحاجة حيث كانت لا لخصوص المكان ، وكذلك السفر لزيارة الاخ في الله فإنه هو المقصود كما قال شيخ الاسلام ابن تيمية في ( الفتاوي ) ( 2/186 ) .

12 - إيقاد السرج عندها .

والدليل على ذلك غدة أمور :

أولا : كونه بدعة محدثة لا يعرفها السلف الصالح ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( كل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار ) . رواه النسائي وأبن خزيمه في ( صحيحه ) بسند صحيح .

ثانيا : أن فيه إضاعة للمال وهو منهي عنه بالنص كما تقدم في المسألة ( 42 ص 64 ) .

ثالثا : أن فيه تشبها بالمجوس عباد النار ، قال ابن حجر الفقيه في ( الزواجر ) ( 1/134 ) :

( صرح أصحابنا بحرمة السراج على القبر وإن قل ، حيث لم ينتفع به مقيم ولا زائر ، وعللوه بالاسراف وإضاعة المال ، والتشبه بالمجوس ، فلا يبعد في هذا أن يكون كبيرة )

قلت : ولم يورد بالاضافة إلى ما ذكر من التعليل دليلنا الاول ، مع أنه دليل وارد ، بل لعله أقوى الادلة ، لان الذين يوقدون السرج على القبور إنما يقصدون بذلك التقرب إلى الله تعالى - زعموا ، ولا يقصدون الانارة على المقيم أو الزائر ، بدليل إيقادهم إياها والشمس طالعة في رابغة النهار فكان من أجل ذلك بدعة ضلالة .

فإن قيل : فلماذا لم تستدل بالحديث المشهور الذي رواه أصحاب السنن وغيرهم عن ابن عباس : ( لعن الله زائرات القبور ، والمتخذين عليها المساجد والسرج ) .

وجوابي عليه : أن هذا الحديث مع شهرته ضعيف الاسناد ، لا تقوم به حجة ، وإن تساهل كثير من المصنفين فأوردوه في هذا الباب وسكتوا عن علته ، كما فعل ابن حجر في ( الزواجر ) ، ومن قبله العلامة ابن القيم في ( ( زاد المعاد ) ) ، واغتر به جماهير السلفيين وأهل الحديث فاحتجوا به في كتبهم ورسائلهم ومحاضراتهم . وقد كنت انتقدت ابن القيم من أجل ذلك فيما كنت علقته على كتابه ، وبينت علة الحديث مفصلا هناك ، ثم في ( سلسلة الاحاديث الضعيفة ) ( رقم 223 ) ، ثم رأيث ابن القيم في ( تهذيب السنن ) ( 4/342 ) نقل عن عبد الحق الاشبيلي أن في سند الحديث باذام صاحب الكلبي وهو عندهم ضعيف جدا ، وأقره ابن القيم ، فالحمد لله على توفيقه .

وأما الجملة الاولى من الحديث فصحيحة لها شاهدان من حديث أبي هريرة وحسان ابن ثابت أوردتهما في المسألة ( 119 ص 185 ، 186 ) .

وأما الجملة الثانية فهي صحيحة أيضا متواترة المعنى ، وقد ذكرت في هذا الفصل في المسألة السابعة سبعة أحاديث صحيحة تشهد لها .

 

********************

 

1 هو عبد الله بن يوسف شيخ الشافعية ووالد إمام الحرمين عبد الملك بن عبد الله ، كان إماما في التفسير والفقه والادب . مات سنة ( 438 ) .

2 مثل كتابه ( مناسك الحج ) ( 3 / 390 ) من ( مجموعة الرسائل الكبرى ) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع: ما يحرم عند القبور

 

13 - كسر عظامها .

والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن كسر عظم المؤمن ميتا ، مثل كسره حيا ) . أخرجه أبو داود ( 2/69 ) وابن ماجه ( 1/492 ) والطحاوي في ( المشكل ) ( 2/108 ) وابن حبان في ( صحيحه ) ( رقم 776 موارد ) وابن الجارود في ( المنتقى ) ( ص 551 ) والدار قطني في سننه ( 367 ) والبيهقي ( 4/58 ) وأحمد ( 6/58 ، 105 ، 168 ، 200 ، 264 ) واللفظ له ، وأبو نعيم في ( الحلية ) ( 7/95 ) والخطيب في ( تاريخ بغداد ) ( 12/106 ، 13 : 120 ) من طرق عن عمرة عنها .

قلت : وبعض طرقه صحيح على شرط مسلم ، وقواه النووي في ( المجموع ) ( 5/300 ) ، وقال ابن القطان : ( سنده حسن ) كما في ( المرقاة ) ( 2/380 ) .

وله طريقان آخران عن عائشة رضي الله عنها .

الاول : عند أحمد ( 6/100 ) :

والاخر : عند الدار قطني ( 367 ) .

وله شاهد من حديث أم سلمة . أخرجه ابن ماجه1 وزاد في آخره : ( في الاثم ) .

لكن إسناده ضعيف ، وهي عند الدار قطني في الحديث الاول في بعض طرقه من الوجه الاول . لكن الظاهر أنها مدرجة في الحديث ، فإن في رواية أخرى له بلفظ :

( يعني في الاثم ) .

فهذا ظاهر في أن هذه الزياذة ليست من الحديث بل هي من تفسير بعض الرواة ، ويؤيده رواية لاحمد بلفظ :

( قال : يرون أنه في الاثم . قال عبد الرزاق أظنه قول داود ) .

قلت : يعني داود بن قيس ، وهو شيخ عبد الرزاق فيه . ومن الظاهر أن هذا التفسير هو المراد من الحديث ، وبه جزم الطحاوي وعقد له بابا خاصا في ( مشكله ) ، فليراجعه من شاء .

والحديث دليل على تحريم كسر عظم الميت المؤمن ، ولهذا جاء في كتب الحنابلة : ( ويحرم قطع شئ من أطراف الميت ، وإتلاف ذاته ، وإحراقه ، ولو أوصى به ) .

كذا في ( كشاف القناع ) ( 2/127 ) ، ونحو ذلك في سائر المذاهب بل جزم ابن حجر الفقيه في ( الزواجر ) ( 1/134 ) بأنه من الكبائر ، قال :

( لما علمت من الحديث أنه ككسر عظم الحي ) 2

ويستفاد من الحديث :

1 - حرمة نبش قبر المسلم لما فيه من تعريض عظامه للكسر ، ولذلك كان بعض السلف يتحرج من أن يحفر له في مقبرة يكثر الدفن فيها ، قال الامام الشافعي في ( الام ) ( 1 / 245 ) :

( أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ما أحب أن أدفن بالبقيع لان أدفن في غيره أحب ألي ، إنما هو أحد رجلين ، إما ظالم ، فلا أحب أن أكون في جواره ، وإما صالح فلا أحب أن ينبش في عظامه ، قال : وإن أخرجت عظام ميت أحببت أن تعاد فتدفن ) . وقال النووي في ( المجموع ) ( 5/303 ) ما مختصره :

( ولا يجوز نبش القبر لغير سبب شرعي باتفاق الاصحاب ، ويجوز بالاسباب الشرعية كنحو ما سبق ( في المسألة 109 ) ، ومختصره : أنه يجوز نبش القبر إذا بلى الميت وصار ترابا ، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه . ويجوز زرع تلك الارض وبناؤها ، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الاصحاب ، وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره ، ويختلف ذلك باختلاف البلاد والارض . ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها ) :

قلت : ومنه تعلم تحريم ما ترتكبه بعض الحكومات الاسلامية من درس بعض المقابر الاسلامية ونبشها من أجل التنظيم العمراني ، دون أي مبالاة بحرمتها ، أو اهتمام بالنهي عن وطئها وكسر عظامها ونحو ذلك . ولا يتوهمن من أحد ، أن التنظيم المشار إليه يبرر مثل هذه المخالافت ، كلا ، فإنه ليس من الضروريات ، وإنما هي من الكماليات التي لا يجوز بمثلها إلاعتداء على الاموات ، فعلى الاحياء أن ينظموا أمورهم ، دون أن يؤذوا موتاهم .

ومن العجائب التي تلفت النظر ، أن ترى هذه الحكومات تحترم الاحجار والابنية القائمة على بعض الموتى أكثر من احترامها للاموات أنفسهم . فإنه لو وقف في طريق التنظيم المزعوم بعض هذه الابنية من القباب أو الكنائس ونحوها تركتها على حالها ، وعدلت من أجلها خارطة التنظيم إبقاء عليها ، لانهم يعتبرونها من الاثار القديمة وأما قبور الموتى أنفسهم فلا تستحق عندهم ذلك التعديل بل إن بعض تلك الحكومات لتسعى فيما علمنا - إلى جعل القبور خارج البلدة ، والمنع من الدفن في القبور القديمة - وهذه مخالفة أخرى في نظري ، لانها تفوت على المسلمين سنة زيارة القبور ، لانه ليس من السهل على عامة الناس أن يقطع المسافات الطويلة حتى يتمكن من الوصول إليها ، ويقوم بزيارتها والدعاء لها

والحامل على هذه المخالفات - فيما أعتقد - إنما هو التقليد الاعمى لاوروبا المادية الكافرة ، التي تريد أن تقضي على كل مظهر من مظاهر الايمان بالاخرة ، وكل ما يذكر بها ، وليس هو مراعاة القواعد الصحية كما يزعمون ، ولو كان ذلك صحيحا لبادروا إلى محاربة الاسباب التي لا يشك عاقل في ضررها مثل بيع الخمور وشربها ، والفسق والفجور على اختلاف اشكاله وأسمائه ، فعدم اهتمامهم بالقضاء على هذه المفاسد الظاهرة ، وسعيهم إلى إزالة كل ما يذكر بالاخرة وإبعادها عن أعينهم أكبر دليل على أن القصد خلاف ما يزعمون ويعلنون ، وما تكنه صدورهم أكبر .

2 - أنه لا حرمة لعظام غير المؤمنين ، لاضافة العظم إلى المؤمن في قوله : ( عظم المؤمن ) ، فأفاد أن عظم الكافر ليس كذلك ، وقد أشار إلى هذا المعنى الحافظ في ( الفتح ) بقوله :

( يستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد موته باقية كما كانت في حياته ) 3

ومن ذلك يعرف الجواب عن السؤال الذي يتردد على ألسنة كثير من الطلاب في كليات الطب ، وهو : هل يجوز كسر العظام لفحصها وإجراء التحريات الطبية فيها ؟ والجواب : لا يجوز ذلك في عظام المؤمن ، ويجوز في غيرها ، ويؤيده ما يأتي في المسألة التالية :

129 - ويجوز نبش قبور الكفار ، لانه لا حرمة لها كما دل عليه مفهوم الحديث السابق ، ويشهد له حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال : ( قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم : بنو عمرو بن عوف ، فآنام فيهم أربع عشرة ليلة ، ثم أرسل إلى بني النجار فجاؤوا متقلدي السيوف كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وأبو بكر ردفه ، وملا من بني النجار حوله ، حتى أتى بفناء أبي أيوب ، كان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ، ويصلي في مرابض الغنم ، وكان أمر ببناء المسجد ، فأرسل إلى ملا من بنى النجار ، فقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا ، قالوا : لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ، قال : فكان فيه قبور المشركين ، وخرب ونخل ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت ، ثم بالحرب فسويت ، وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد ، وجعل عضاديته الحجارة ، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون ، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم ، وهو يقول ، [ وهو ينقل اللبن :

هذا الحمال4 لا حمال خيبر هذا أبر ربنا وأطهر ]

اللهم لا خير إلا خير الاخرة فاغفر للانصار والمهاجرة .

وفي رواية من حديث عائشة رضي الله عنها :

اللهم إن الاجر أجر الاخرة فارحم الانصار والمهاجرة ) .

أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث أنس ، والسياق له ، والبخاري من حديث عائشة ، وما بين القوسين من حديثها ، وقد أخرجت الحديثين في ( الثمر المستطاب ) .

قال الحافظ في ( ( الفتح ) ) :

( وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع ، وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة ، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها وإخراج ما فيها وجواز بناء المساجد في أماكنها ) .

 

وهذا آخر ما وفق الله تعالى لجمعه من ( ( أحكام الجنائز ) ) ، وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ) .

دمشق 1 / 7 / 1373 وانتهى تبيضه ظهر الاحد 19 / 4 / 1382 5والحمد الله رب العالمين

 

******************

 

1 وعزاه في ( الامام ) لمسلم ورد عليه كما في ( فيض القدير ) و( الامام ) كتاب عظيم جدا في الاحكام لابن دقيق العيد ، قال الذهبي : ( ولو كمل تصنيفه وتبييضه لجاء في خمسة عشر مجلدا ) .

2 وبالغت الحنابلة في ذلك حتى قالوا كما في ( الكشاف ) ( 2 / 130 ) : ( وإن ماتت حامل بمن يرجى حياته حرم شق بطنها من أجل الحمل ، مسلمة كانت أو ذمية ، لما فيه من هتك حرمة متيقنة ، لابقاء حياة موهومة ، لان الغالب والظاهر أن الولد لا يعيش ، واحتج أحمد على ذلك في رواية أبي داود بما روت عائشة . . . ) . قلت . : ثم ذكر الحديث ونص أبي داود في ( المسائل ) ( ص 150 ) : ( سمعت أحمد سئل عن المرأة تموت والولد يتحرك في بطنها أيشق عنها ؟ قال : لا ، كسر عظم الميت ككسره حيا ) . وعلق عليه السيد محمد رشيد رضا فقال : ( والاستدلال به على ترك الجنين الحي في بطن أمه يموت مطلقا فيه غرابة من وجهين : أحدهما : أن شق البطن ليس فيه كسر عظم للميت . وثانيهما : أن الجنين إذا كان تام الخلق ، وأخرج من بطن أمه بشقه فإنه قد يعيش كما وقع مزارا ، فههنا إنقاذه ، وحفط حياته ، مع حفظ كرامة أمه بناء على أن شق البطن ككسر العظم . ولا شك أن الاول أرجج ، على أن شق البطن بمثل هذا السبب لا يعد إهانة للميت كما هو ظاهر في عرف الناس كلهم . فالصواب قول من يوجب شق البطن وإخراجه إذا رجح الطبيب حياته بعد خروجه ، وقد صرح بهذا بعضهم ) . وقال في منار السبيل ( 1 / 178 ) : وان خرج بعضه حيا شق للباقي لتيقن حياته بعد ان كانت متوهمة . قلت : وما اختاره السيد رحمه الله تعالى هو الاصح عند الاشفعية كما قال النووي ( 5 / 301 ) وعزأه لقول أبي حنيفة وأكثر الفقهاء ، وهو مذهب ابن حزم ( 5 / 166 - 167 ) وهو الحق إن شاء الله تعالى .

3 ذكره في ( الفيض ) ( 4 / 551 ) .

4 بالكسر من الحمل ، والذي يحمل من خبير التمر ، أي أن هذا في الاخرة أفضل من ذاك وأحمد عاقبة ، كأنه جمع حمل ( بكسر الميم ) أو حمل ( بفتح الميم ) ، ويجوز أن يكون مصدر حمل أو حامل ، كما في ( النهاية ) .

5 وجرت المباشرة بطبعه عام 1385 ولكن قدر الله توقف الطبع في إحدى مطابع المكتب الاسلامي مدة ثلاث سنوات وانتهى طبعه في شعبان سنة 1388 ، والله اسأل ان يكتب السداد والتوفيق لهذا المكتب وصاحبه .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

بدع الجنائز

 

وإني تتميما لفائدة الكتاب ، رأيت أن أتبعه بفصل خاص ببدع الجنائز ، كي يكون المسلم منها على حذر ويسلم له عمله على السنة وحدها ، والشاعر الحكيم يقول :

عرفت الشر لا للشر لكــن لتوقـيه

ومن لا يعرف الخير من الشر يقع فيه

وفي حديث حذيفة بن اليمان قال : ( كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني ) . أخرجه البخاري ( 13/29 ) وغيره .

ولولا أن الفصل المشار إليه كانت مادته جاهزة عندي ، لما اتسع وقتي الان لجمهعا وإلحاقها بالكتاب ، ولكنها حاضرة عندي ، وهي جزء من مادة واسعة كنت شرعت في جمعها منذ سنة فأكثر لاؤلف منها كتابا حافلا يجمع مختلف البدع الدينية يصلح أن يكون كالقاموس لها ، استخرجتها من عشرات الكتب ، وكان قد بقي علي قراءة بضعة كتب أخرى لانصرف بعد ذلك إلى ترتيبها جميعها وتأليفها ، ولكني صرفت عنها ، فاغتنمت هذه المناسبة واستخرجتها مما عندي من المادة الفصل المذكور ، ورتبته على الترتيب الذي في النية أن يكون أصله عليه كما ستراه ، وهو أني أنقل البدعة من الكتاب الذي استخرجتها منه بنصه أو معناه ، ثم أعقبها بالاشارة إلى رقم الجزء والصفحة منه ، فإن لم أعقبها بشئ ، فذلك إشارة الى أنها مني ، وأدى إليها علمي أنها من البدع ، وهي قليلة جدا بالنسبة لمادة الفصل الغزيرة أو الكتاب .

وقبل الشروع في سردها لابد من ذكر القواعد والاسس التي بني عليها هذا الفصل ، تبعا للاصل فأقول : إن البدعة المنصوص على ضلالتها من الشارع هي :

أ - كل ما عارض السنة من الاقوال أو الافعال أو العقائد ولو كانت عن اجتهاد .

ب - كل أمر يتقرب إلى الله به ، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ج - كل أمر لا يمكن أن يشرع إلا بنص أو توقيف ، ولا نص عليه ، فهو بدعة إلا ما كان عن صحابي .

د - ما ألصق بالعبادة من عادات الكفار .

هـ - ما نص على استحبابه بعض العلماء سيما المتأخرين منهم ولا دليل عليه .

و- كل عبادة لم تأت كيفيتها إلا في حديث ضعيف أو موضوع .

ز - الغلو في العبادة .

ح - كل عبادة أطلقها الشارع وقيدها الناس ببعض القيود مثل المكان أو الزمان أو صفة أو عدد

وتفصيل القول على هذه الاصول محله الكتاب المستقل إن شاء الله تعالى . فلنشرع الان في المقصود ، فأقول :

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع: بدع الجنائز

 

قبل الوفاة

1 . اعتقاد بعضهم أن الشياطين يأتون المحتضر على صفة أبويه في زي يهودي ونصراني حتى يعرضوا عليه كل ملة ليضلوه . ( قال ابن حجر الهيتمي في ( الفتاوى الحديثية ) نقلا عن السيوطي : ( لم يرد ذلك ) ) .

2 . وضع المصحف عند رأس المحتضر .

3 . تلقين الميت الاقرار بالنبي وأئمة أهل البيت عليهم السلام 1

4 . قراءة سورة ( يس ) على المحتضر . ( انظر المسألة 15 ) .

5 . توجيه المحتضر إلى القبلة . ( أنكره سعيد بن المسيب كما في ( المحلى ) ( 5/174 ) ومالك كما في ( المدخل ) ( 3 /229 - 230 ) ولا يصح فيه حديث .

 

بعد الوفاة

 

6 - قول الشيعة : ( الادمي ينجس بالموت إلا المعصوم2 ، والشهيد ومن وجب قتله فاغتسل قبل قتله فقتل لذلك السبب بعينه ) 3 ( انظر الحديث الاول من المسألة 31 )

7 - إخراج الحائض والنفساء والجنب من عنده

8 - ترك الشغل ممن حضر خروج روح الميت حتى يمضي عليه سبعة أيام ( المدخل لابن الحاج 3/276 - 277 ) .

9 - اعتقاد بعضهم أن روح الميت تحوم حول المكان الذي مات .

10 - إبقاء الشمعة عند الميت ليلة وفاته حتى الصبح . ( المدخل 3/236 )

11 - وضع غصن أخضر في الغرفة التي مات فيها .

12 - قراءة القرآن عند الميت حتى يباشر بغسله .

13 - تقليم أظافر الميت وحلق عانته . المدونة للامام مالك ( 1/180 ) مدخل ( 3/240 )

14 - إدخال القطن في دبره وحلقه وأنفه ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) )

15 - جعل التراب في عيني الميت والقول عند ذلك : ( لا يملا عين ابن آدم إلا التراب ) ( المدخل 3/261 ) .

16 - ترك أهل الميت الاكل حتى يفرغوا من دفنه . ( منه 3/276 )

17 - التزام البكاء حين الغداء والعشاء ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) ) )

18 - شق الرجل الثوب على الاب والاخ4 ( انظر الحديث المتقدم في ( الفقرة ب ، ج ) من المسألة22 )

19 - الحزن على الميت سنة كاملة لا يختضب النساء فيها بالحناء ولا يلبسن الثياب الحسان ولا يتحلين ، فإذا انقضت السنة عملن ما يعهد منهن من النقش والكتابة الممنوع في الشرع ، يفعلن ذلك هن ومن التزمن الحزن معهن ويسمون ذلك بـ ( فك الحزن ) ( المدخل 3/277 ) .

20 - إعفاء بعضهم عن لحيته حزنا على الميت . ( انظر المسألة 22 ( ( فقرة ) ) و)

21 - قلب الطنافس والسجاجيد وتغطية المرايا والثريات .

22 - ترك الانتفاع بما كان من الماء في البيت في زير أو غيره ، ويرون أنه نجس ، ويعللون ذلك بأن روح الميت إذا طلعت غطست فيه ( المدخل ) .

23 - إذا عطس أحدهم على الطعام يقولون له كلم فلانا أو فلانة ممن يجب من الاحياء باسمه - ويعللون ذلك لئلا يلحق بالميت ( منه )

24 - ترك أكل الملوخية والسمك مدة حزنهم على ميتهم . ( منه 3/281 ) .

25 - ترك أكل اللحوم والمعلاق المشوية والكبة .

26 - قول المتصوفة : من بكى على هالك خرج عن طريق أهل المعارف ( تلبيس إبليس لابن الجوزي ص 340 - 342 ، انظر الاحاديث في المسألة 18 ) .

27 - ترك ثياب الميت بدون غسل إلى اليوم الثالث بزعم أن ذلك يرد عنه عذاب القبر . ( المدخل ( 3/276 ) .

28 - قول بعضهم : إن من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة يكون له عذاب القبر ساعة واحدة ، ثم ينقطع عنه العذاب ولا يعود إلى يوم القيامة . ( حكاه الشيخ علي القاري في ( شرح الفقه الاكبر ) ( ص 96 ) ورده ، وانظر الحديث تحت الفقرة ( الثالة ) من المسألة 25 ) .

29 - قول آخر : المؤمن العاصي ينقطع عنه عذاب القبر يوم الجمعة وليلة الجمعة ولا يعود إليه إلى يوم القيامة 5 .

30 - الاعلان عن وفاة الميت من على المنائر . ( 3/ 245 - 246 من المدخل ) وراجع المسألة 22 ( فقرة ز )

31 - قولهم عند إخبار أحدهم بالوفاة : الفاتحة على روح فلان . ( انظر المسألة 24 )

 

غسل الميت

 

32 - وضع رغيف وكوز ماء في الموضع الذي غسل فيه الميت ثلاث ليال بعد موته . ( المدخل 3/276 ) .

33 - إيقاد السراج أو القنديل في الموضع الذي غسل فيه الميت ثلاث ليال من غروب الشمس إلى طلوعها ، وعند بعضهم سبع ليال ، وبعضهم يزيد على ذلك ويفعلون مثله في الموضع الذي مات فيه . ( منه )

34 - ذكر الغاسل ، ذكرا من الاذكار عند كل عضو يغسله . ( منه 3 / 329 ) .

35 - الجهر بالذكر عند غسل الجنازة وتشييعها . ( الخادمي في ( شرح الطريقة المحمدية ) ( 4/22 )

36 - سدل شعر الميتة من بين ثدييها . ( انظر حديث أم عطية في المسألة 28 ) .

 

الكفن والخروج بالجنازة

 

37 - نقل الميت إلى أماكن بعيدة لدفنه عند قبور الصالحين كأهل البيت ونحوهم .

38 - قول بعضهم : إن الموتى يتفاخرون في قبورهم بالاكفان وحسنها ويعللون ذلك بأن من كان من الموتى في كفنه دناءة يعايرونه بذلك6 ( المدخل 3 / 277 )

39 - كتابة اسم الميت وأنه يشهد الشهادتين ، واسماء أهل البيت عليهم السلام بتربة الحسين عليه السلام إن وجدت وإلقاء ذلك في الكفن 7

40 - كتابة دعاء على الكفن8

41 - تزيين الجنازة . ( الباعث على إنكار البدع والحوادث لابي شامة ص 67 ) .

42 - حمل الاعلام أمام الجنازة .

43 - وضع العمامة على الخشبة . ( صرح ابن عابدين في ( الحاشية ) ( 1 / 806 ) بكراهة هذا وكذا الذي قبله ) . ويلحق به الطربوش وإكليل العروس وكل ما يدل على شخصية الميت .

44 - حمل الاكاليل والاس والزهور وصورة الميت أمام الجنازة

45 - ذبح الخرفان عند خروج الجنازة تحت عتبة الباب . ( الابداع في مضار الابتداع للشيخ علي محفوط ص 114 ) واعتقاد بعضهم أنه إذا لم يفعل ذلك مات ثلاثة من أهل الميت

46 - حمل الخبز والخرفان أمام الجنازة وذبحها بعد الدفن وتفريقها مع الخبز . ( المدخل 266 - 267 )

47 - اعتقاد بعضهم أن الجنازة إذا كانت صالحة خف ثقلها على حامليها وأسرعت

48 - إخراج الصدقة مع الجنازة . ( الاختيارات العملية ص 53 وكشاف القناع 2 / 134 ) . ومنه إسقاء العرقسوس والليمون ونحوه .

49 - التزام البدء في حمل الجنازة باليمين . ( المدونة 176 ) .

50 - حمل الجنازة عشر خطوات من كل جانب من جوانبها الاربعة9 .

51 - الابطاء في السير بها . ( الباعث لابي شامة ص 51 ، 67 ، زاد المعاد 1/299 )

52 - التزاحم على النعش . ( المخلى لابن حزم 5 / 178 ) 10

53 - ترك الاقتراب من الجنازة . ( الباعث ص 67 ) .

54 - ترك إلانصات في الجنازة . ( منه وحاشية ابن عابدين 1 / 810 ) . هذا النص يشمل رفع الصوت بالذكر كما في الفقرة بعدها ، وتحدث الناس بعضهم مع بعض ، ونحو ذلك .

55 - الجهر بالذكر أو بقراءة القرآن أو البردة أو دلائل الخيرات ونحو ذلك . ( الابداع ص110 ، اقتضاء الصراط المستقيم ص 57 ، الاعتصام للامام الشاطبي ( 1/372 شرح الطريقة المحمدية1/ 114وانظر المسألة 48 ) .

56 - الذكر خلف الجنازة بالجلالة أو البردة أو الدلائل والاسماء الحسنى ، ( السنن والمبتدعات للشيخ محمد بن أحمد خضر الشقيري ص 67 ) .

57 - القول خلفها : ( الله أكبر الله أكبر ، أشهد أن الله يحيي ويميت وهو حي لا يموت ، سبحان من تعزز بالقدرة والبقاء ، وقهر العباد بالموت والفناء ) 11 .

58 - الصياح خلف الجنازة بـ : ( استغفروا له يغفر الله لكم ) ونحوه . ( المدخل2/221 ، الابداع ص113 ) .

59 - الصياح بلفظ ( الفاتحة ) عند المرور بقبر أحد الصالحين ، وبمفارق الطرق .

60 - قول المشاهد للجنازة : ( الحمد لله الذي لم يجعلني من السواد المخترم ) 12

61 - اعتقاد بعضهم أن الجنازة إذا كانت صالحة تقف عند قبر الولي عند المرور به على الرغم من حامليها .

62 - القول عند رؤيتها : ( هذا ما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله ، اللهم زدنا إيمانا وتسليما ) 13

63 - اتباع الميت بمجمرة . ( المدونة 1/180 وانظر المسألة 74 ) .

64 - الطواف بالجنازة حول الاضرحة . ( يعني أضرحة الاولياء . الابداع 109 )

65 - الطواف بها حول البيت العتيق سبعا . ( المدخل 2 / 227 ) .

66 - إلاعلام بالجنائز على أبواب المساجد . ( المدخل 2 / 221 ، 262 - 263 )

67 - إدخال الميت من باب الرحمة في المسجد الاقصى ووضعه بين الباب والصخرة واجتماع بعض المشايخ يقرؤون بعض الاذكار .

68 - الرثاء عند حضور الجنازة في المسجد قبل الصلاة عليها أو بعدها وقبل رفعها أو عقب دفن الميت عند القبر . ( الابداع 124 - 125 ) .

69 - التزام حمل الجنازة على السيارة وتشييعها على السيارات . ( انظر المسألة 54 ) ?

70 - حمل بعض الاموات على عربة المدفع .

 

****************************

 

1 انظر ( مفتاح الكرامة ) من كتب الشيعة ( 1 / 408 )

2 يعنى أئمة الشيعة فإنهم يعتقدون فيهم العصمة

3 نقل المصدر لاسبق ( 1 / 153 ) إجماع الشيعة عليه وهو يعارض الحديث المشار إليه .

4 هو مذهب الامامية كما في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 509 ) .

5 نقله الشيخ علي القاري في ( شرح الفقه الاكبر ) ( ص 91 ) ورده بقوله : ( إنه باطل ) وأوضح منه في البطلان القول الاخر : إن عذاب القبر يرفع عن الكافر يوم الجمعة وشهر رمضان بحرمة النبي صلى الله عليه وسلم . حكاه الشيخ أيضا ورده .

6 قلت : روي شئ من هذا في بعض الاحاديث الضعيفة ، وأقربها إلى هنا حديث جابر : أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم . رواه الديلمي وفي سنده جماعة لم أعرفهم ، وبنحوه حديثان آخران ذكرهما ابن الجوزي في ( الموضوعات ) وتعقبه السيوطي في ( اللالي ) ( 2/234 ) بما لا يجدى .

7 عليه الامامية كما في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 455 - 456 ) .

8 وقد شرع ذلك بعضهم قياسا على كتابة : ( لله ) في إبل الزكاة ورده في ( التراتيب الادارية ) ( 1 / 440 ) نقلا عن ( المحتار على الدر المختار ) كذا في نقل عنه وسقط مني أو الطابع لفظة ( رد ) لان الكتاب باسم ( رد المحتار ) والبحث المذكور في المجلد الاول منه ( 1 / 847 - 848 ) .

9 واستدل لذلك بعض الفقهاء بحديث : ( من حمل جنازة أربعين خطوة كفرت عنه أربعين كبيرة ) نقله في البحر الرائق ( 2 / 207 - 208 ) عن ( البدائع ) . وفي ( شرح المنية ) : ( رواه أبو بكر النجاد ) كما في الحاشية ( 1 / 833 ) وهكذا يتناقله بعفهم عن بعض دون أن يشيروا إلى حالة الحديث وهو لا يصح لان فيه على بن أبي سارة وهو ضعيف وهذا الحديث مما أنكر عليه كما قال الذهبي ولذلك جعلناه من ( موضوعات الجامع الصغير ) ومع هذا فالحديث لا يدل على هذه البدعة فتنبه .

10 ثم روى عن قتادة : شهدت جنازة فيها أبو السوار - هو حريث بن حسان العدوي - فازدحموا على السرير فقال أبو السوار : أترون هؤلاء أفضل أو أصحاب محمد ملى الله عليه وسلم كان الرجل منهم إذا رأى محملا حمل ، وإلا اعتزل ولم يؤذ أحدا .

11 استحبه في ( شرح شرعة الاسلام ) ( ص 665 ) .

12 صرح في ( مفتاح الكرامة ) ( 91 / 46 - 471 ) بأنه مستحب

13 أورده في شرح الشرعة ( 665 ) تمام حديث أوله : ( الموت فزع فإذا رأيتم الجنازة فقوموا وقولوا فذكره . ولا أعرفه بهذا التمام وأوله في المسند ( 3 / 317 ) والبيهقي ( 4 / 26 ) من حديث جابر ورجاله ثقات والاحاديث في الامر بالقيام كثيرة وهي وإن كانت منسوخة كما سبق بيانه في محله ، فليس فيها هذه الزيادة فدل على إنكارها .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع: بدع الجنائز

 

الصلاة عليها

71 - الصلاة على جنائز المسلمين الذين ماتوا في أقطار الارض صلاة الغائب بعد الغروب من كل يوم . ( الاختيارات 53 ، المدخل 4/214 ، السنن 67 ) .

72 - الصلاة على الغائب مع العلم أنه صلى عليه في موطنه . ( انظر المسألة 59 فقرة ( السابع ) ) .

73 - قول بعضهم عند الصلاة عليها : ( سبحان من قهر عباده بالموت ، وسبحان الحي الذي لا يموت ) . ( السنن والمبتدعات 66 ) .

74 - نزع النعلين عند الصلاة عليها ولو لم يكن فيهما نجاسة ظاهرة ثم الوقوف عليهما

75 - وقوف الامام عند وسط الرجل وصدر المرأة . ( انقر المسألة 73 ) .

76 - قراءة دعاء الاستفتاح . ( انظر التعليق على المسألة 77 ص 119 ) .

77 - الرغبة عن قراءة الفاتحة وسورة فيها . ( انظر التعليق على المسألة السابقة ص 120 )

78 - الرغبة عن التسليم فيها . 1

79 - قول البعض عقب الصلاة عليها بصوت مرتفع : ما تشهدون فيه ؟ فيقول الحاضرون كذلك : كان من الصالحين . ونحوه ( الابداع 108 ، السنن 66وراجع المسألة 26 ص 44 ) .

 

الدفن وتوابعه

 

80 - ذبح الجاموس عند وصول الجنازة إلى المقبرة قبل دفنها وتفريق اللحم على من حضر . ( الابداع 114 ) .

81 - وضع دم الذبيحة التي ذبحت عند خروج الجنازة من الدار في قبر الميت .

82 - الذكر حول سرير الميت قبل دفنه . ( السنن 67 ) .

83 - الاذان عند إدخال الميت في قبره . ( حاشية ابن عابدين 1 / 837 )

84 - انزال الميت في القير من قبل رأس القبر . ( راجع المسألة 103 ص 150 ) .

85 - جعل شئ من تربة الحسين عليه السلام مع الميت عند إنزاله في القبر لانها أمان من كل خوف2

86 - فرش الرمل تحت الميت لغير ضرورة . ( المدخل 3 / 261 ) .

87 - جعل الوسادة أو نحوها تحت رأس الميت في القبر . ( منه 3 / 260 ) .

88 - رش ماء الورد على الميت في قبره . ( المدخل 3 / 262 ، 2 / 222 ) .

89 - اهالة الحاضرين التراب بظهور الاكف مسترجعين 3

90 - قراءة : ( منها خلقناكم ) في الحثوة الاولى ، و( فيها نعيدكم ) في الثانية ، و( ومنها نخرجكم تارة أخرى ) في الثالثة . ( راجع المسألة 106 ) .

91 - القول في الحثوة الاولى : بسم الله ، وفي الثانية : الملك لله ، وفي الثالثة : القدرة لله ، وفي الرابعة : العزة لله : وفي الخامسة : العفو والغفران لله ، وفي السادسة : الرحمة لله ، ثم يقرأ في السابعة قوله تعالى : ( كل من عليها فان ) الاية . ويقرأ قوله تعالى : ( منها خلقناكم ) الاية .

92 - قراءة السبع سور : الفاتحة والمعوذتان والاخلاص وإذا جاء نصر الله وقل يا أيها الكافرون وإنا أنزلناه : وهذا الدعاء : اللهم إني أسألك باسمك العظيم ، وأسألك باسمك الذي هو قوام الدين ، واسألك . . . . وأسألك . . . . . وأسألك . . . . وأسألك باسمك الذي إذا سئلت به اعطيت وإذا دعيت به أجبت ، رب جبرائيل وميكائيل واسرافيل وعزرائيل . . . . الخ . كل ذلك عند دفن الميت . 4

93 - قراءة فاتحة الكتاب عند رأس الميت ، وفاتحة البقرة عند رجليه 5 .

94 - قراءة القرآن عند إهالة التراب على الميت ( المدخل 3 / 262 - 263 ) .

95 - تلقين الميت . ( السنن 67 ، سبل السلام للصنعاني وانظر المسألة 103 ص 154 )

96 - نصب حجرين على قبر المرأة . ( نيل الاوطار للشوكاني 4 / 73 ) .

97 - الرثاء عقب دفن الميت عند القبر . ( الابداع 124 - 125 ) .

98 - نقل الميت قبل الدفن أو بعده الى المشاهد الشريفة6 . ( راجع المسألة 106ص159 ) .

99 - السكن عند الميت بعد دفنه في بيت في التربة أو قربها . ( المدخل 3/ 278 )

100 - امتناعهم من دخول البيت إذا رجعوا من الدفن حتى يغسلو أطرافهم من أثر الميت . ( منه 3 / 276 ) .

101 - وضع الطعام والشراب على القبر ليأخذه الناس .

102 - الصدقة عند القبر . ( الاقتضاء 183 كشف القناع 2 / 134 ) .

103 - صب الماء على القبر من قبل رأسه ، ثم يدور عليه ، وصب الفاضل على وسطه 7

 

التعزية وملحقاتها

 

104 - التعزية عند القبور . ( حاشية ابن عابدين 1 / 843 ) .

105 - الاجتماع في مكان للتعزية . ( زاد المعاد 1/304 ، سفر السعادة للفيروز ابادي ص 57 ، إصلاح المساجد عن البدع والعوائد للقاسمي ص 180 - 181 ، وراجع المسألة 110 ص 161 ) .

106 - تحديد التعزية بثلاثة أيام . ( راجع المسألة 113 ص 165 ) .

107 - ترك الفرش التي تجعل في بيت الميت لجلوس من يأتي الى التعزية ، فيتركونها كذلك حتى تمضى سبعة أيام ثم بعد ذلك يزيلونها . ( المدخل 3/ 279 - 280 ) .

108 - التعزية بـ ( أعظم الله لك الاجر ، وألهمك الصبر ، ورزقنا وإياك الشكر فإن أنفسنا واموالنا وأهلينا وأولادنا من مواهب الله عز وجل الهنية ، وعواريه المستودعة ، متعك به في غبطة وسرور وقبضه منك بأجر كبير : الصلاة والرحمة والهدى ان احتسبته ، فاصبر ، ولا يحبط جزعك أجرك فتندم ، واعلم أن الجزع لا يرد شيئا ولا يدفع حزنا وما هو نازل ، فكأن قد ) 8 .

109 - التعزية بـ : ( إن في الله عزاء من كل مصيبة ، وخلفا من كل فائت ، فبالله فثقوا ، واياه فارجوا ، فإنما المحروم من حرم الثواب ) 9 .

110 - اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت . ( تلبيس ابليس 341 ، فتح القدير لابن الهمام 1/ 473 ، المدخل 3/ 275 - 276 ، إصلاح المساجد 181 ، وراجع المسألة 114 ) .

111 - اتخاذ الضيافة للميت في اليوم الاول والسابع والاربعين وتمام السنة . ( الخادمي في شرح الطريق المحمدية 322 4 ، المدخل 2/ 114 ، 3/ 278 - 279 ) .

112 - اتخاذ الطعام من أهل الميت أول خميس .

113 - إجابة دعوة أهل الميت إلى الطعام . ( الامام محمد البركوي في ( جلاء القلوب 77 ) ) .

114 - قولهم : لا يرفع مائدة الطعام الليالي الثلاث الا الذي وضعها . ( المدخل 3/276 ) .

115 - عمل الزلابية أو شراؤها وشراء ما تؤكل به في اليوم السابع . ( المدخل 3/292 ) . ?

116 - الوصية باتخاذ الطعام والضيافة يوم موته أو بعده ، وباعطاء دراهم معدودة لمن يتلو القرآن لروحه أو يسبح له أو يهلل . ( الطريقة المحمدية 4 / 325 ) .

117 - الوصية بأن يبيت عند قبره رجال أربعين ليلة أو أكثر أو أقل . ( منه 4/ 326 ) .

118 - وقف الاوقاف سيما النقود لتلاوة القرآن العظيم أو لان يصلي نوافل أو لان يهلل أو يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويهدي ثوابه لروح الواقف أو لروح من زاره . ( منه4/323 ) .

119 - تصدق ولي الميت له قبل مضى الليلة الاولى بشئ مما تيسر له فان لم بجد صلى ركعتين يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وآية الكرسي مرة ، وسورة التكاثر عشر مرات فإذا فرغ قال : ( اللهم صليت هذه الصلاة وتعلم ما أردت بها ، اللهم ابعث ثوابها إلى قبر فلان الميت ) 10 .

120 - التصدق عن الميت بما كان يحب الميت من الاطعمة

121 - التصدق عن روح الموتى في الاشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان .

122 - إسقاط الصلاة . ( إصلاح المساجد 281 - 283 ) ( راجع التعليق ص 174 مسألة 113 ) .

123 - القراءة للاموات وعليهم . ( السنن 63 - 65 ) ، وانظر ( المسألة 117ص 173والمسألة122 ص 191 ) .

124 - السبحة للميت . ( منه 11 ، 65 ) .

125 - العتاقة له . ( منه ) 11 .

126 - قراءة القرآن له وختمه عند قبره . ( سفر السعادة 57 ، المدخل 1/ 266 ، 267 )

127 - الصبحة لاجل ، الميت : وهي تبكيرهم إلى قبر ميتهم الذي دفنوه بالامس هم وأقاربهم ومعارفهم . ( المدخل 2/ 113 - 114 ، 278 3 ، إصلاح المساجد 270 - 271 )

128 - فرش البسط وغيرها في التربة لمن يأتي إلى الصبحة وغيرها . ( المدخل3/278 )

129 - نصب الخيمة على القبر . ( منه ) .

130 - البيات عند القبر أربعين ليلة أو أقل أو أكثر . ( جلاء القلوب 83 ) .

131 - تأبين الميت ليلة الاربعين أو عند مرور كل سنة المسمى بالتذكار . ( الابداع125 )

132 - حفر القبر قبل الموت استعدادا له . ( انظر المسألة 110 ) .

 

***************************

 

1 هو من متفردات الامامية عن سائر المسلمين كما في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 483 ) من كتبهم .

2 كذا زعم في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 497 ) .

3 هو مذهب الامامية كما في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 499 ) ، وكأنهم أرادوا بهذه الصورة مخالفة أهل السنة الذين يحتجون كما كان صلى الله عليه وسلم يحثو بباطن الكفين راجع المسألة 103 ص 151 .

4 استحب هذا وما قبله في ( شرح الشرعة ) ( ص 568 ) ، ومما يدل على أختراع هذا أن فيه ذكر اسم ( عزرائيل ) ولا أصل له في السنة مطلقا كما سبق التنبيه عليه ( ص 156 ) .

5 روي هذا في حديث عن أبن عمر مرفوعا ، ضعفه الهيثمي ( 3 / 45 ) . وروى عنه موقوفا وهو ضعيف أيضا كما سبق في المسألة ( 122 ص 192 ) .

6 هما من مذهب الامامية كما في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 507 ، 500 )

7 هما من مذهب الامامية كما في ( مفتاح الكرامة ) ( 1 / 507 ، 500 )

8 استحسهما في ( شرح الشرعة ) ( ص 562 ، 263 ) وغيره . والاول روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزى به معاذ بن جبل في ابنه ، لكنه حديث موضوع ، والاخر روى من تعزية الخضر بوفاته صلى الله عليه وسلم لاهل بيته صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف كما تقدم التنيه عليهما في التعليق على المسألة ( 112 ص 165 ) .

9 استحسهما في ( شرح الشرعة ) ( ص 562 ، 263 ) وغيره . والاول روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه عزى به معاذ بن جبل في ابنه ، لكنه حديث موضوع ، والاخر روى من تعزية الخضر بوفاته صلى الله عليه وسلم لاهل بيته صلى الله عليه وسلم وهو ضعيف كما تقدم التنيه عليهما في التعليق على المسألة ( 112 ص 165 ) .

10 ومن الغرائب أن الكتاب الذى نقلت عنه هذه البدعة وهو ( شرح الشرعة ) ( ص 568 ) قال : ( والسنة أن يتصدق ولي الميت . . . الخ ) ولا أصل لهذا في السنة قطعا فلعله يعني سنة المشايخ ، كما فسر بهذا بعض المحشين قول أحد الشراح : أن من السنة التلفظ بالنية عند الدخول في الصلاة

11 وقال : وحديث : ( من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة فقد اشترى نفسه من النار ) موضوع .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

www.alalbani.info

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تابع: بدع الجنائز

 

زيارة القبور

133 - زيارة القبور بعد الموت ثالث يوم ويسمونه الفرق ، وزيارتها على رأس أسبوع ، ثم في الخامس عشر ، ثم في الاربعين ، ويسمونها الطلعات ، ومنهم من يقتصر على الاخيرتين . ( نور البيان في الكشف عن بدع آخر الزمان ص 53 - 54 ) .

134 - زيارة قبر الابوين كل جمعة . ( والحديث الوارد فيه موضوع كما تقدم قبيل المسألة121 ص 187 ) .

135 - قولهم إن الميت إذا لم يخرج إلى زيارته ليلة الجمعة بقي خاطره مكسورا بين الموتي ويزعمون أنه يراهم إذا خرجوا من سور البلد . ( المدخل 3 / 277 ) .

136 - قصد النساء الجامع الاموي غلس السبت الى الضحى لزيارة المقام اليحيوي وزعمهم أن الدأب على هذا العمل أربعين سبتا لما ينوي له ( إصلاح المساجد 230 )

137 - قصد قبر الشيخ ابن عربي أربعين جمعة بزعم قضاء الحاجة

138 - زيارة القبور يوم عاشوراء . ( المدخل 1 / 290 ) .

139 - زيارتها ليلة النصف من شعبان وايقاد النار عندها . ( تلبيس ابليس429المدخل1/310 )

140 - ذهابهم إلى المقابر في يومي العيدين ورجب وشعبان ورمضان . ( السنن 104 ) .

141 - زيارتها يوم العيد . ( المدخل 1 / 286 ، الابداع 135 ، السنن 71 ) .

142 - زيارتها بوم الاثنين والخميس .

143 - وقوف بعض الزائرين قليلا بغاية الخشوع عند الباب كأنهم بستأذنون ثم يدخلون ( الابداع99 )

144 - الوقوف أمام القبر واضعا يديه كالمصلي ثم يجلس . ( منه ) .

145 - التيمم لزيارة القبر .

146 - صلاة ركعتين عند الزيارة يقرأ في كل ركعة الفاتحة وآية الكرسي مرة ، وسورة الاخلاص ثلاثا ، ويجعل ثوابها للميت 1

147 - قراءة الفاتحة للموتى . ( تفسير المنار 8 / 268 ) .

148 - قراءة ( يس ) على المقابر2

149 - قراءة { قل هو الله أحد} إحدى عشرة مرة . ( حديثها موضوع كما مر في آخر المسألة 122ص193 )

150 - الدعاء بقوله : اللهم إني أسألك بحرمة محمد صلى الله عليه وسلم أن لاتعذب هذا الميت3

151 - السلام عليها بلفظ : ( عليكم السلام ) بتقديم ( عليكم ) على ( السلام ) ( والسنة عكس ذلك كما في جميع الاحاديث الواردة في الباب وقد تقدمت في المسألة 121 ) 4

152 - القراءة على مقابر أهل الكتاب : {زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا ، قل : بلى وربي لتبعثن} . الاية 5

153 - الوعظ على المنابر والكراسي في المقابر في الليالي المقمرة . ( المدخل 1/268 ) .

154 - الصياح بالتهليل بين القبور6

155 - تسمية من يزور بعض القبور حاجا 7

156 - إرسال السلام إلى الانبياء عليهم السلام بواسطة من يزورهم

157 - انصراف النساء يوم الجمعة لمزارات في الصالحية ( بدمشق ) وشاركهن في لك الرجال على طبقاتهم . ( إصلاح المساجد 231 ) .

158 - زيارة آثار الانبياء التي بالشام مثل مغارة الخليل عليه السلام ، والاثار الثلاثة التي بجبل قاسيون في غربي الربوة . ( تفسير الاخلاص 169 ) .

159 - زيارة قبر الجندي المجهول أو الشهيد المجهول

160 - أهداء ثواب العبادات كالصلاة وقراءة القرآن إلى أموات المسلمين . ( راجع التعليق على المسألة 117 ص 173 ) .

161 - إهداء ثواب الاعمال إليه صلى الله عليه وسلم . ( القاعدة الجليلة 32 ، 111 ، الاختيارات العلمية 54 ، شرح عقيدة الطحاوي ( 386 - 387 ) تفسير المنار 8/ 249 ، 254 ، 270 ، 304 - 308 ) .

162 - إعطاء أجرة لمن يقرأ القرآن ويهديه للميت . ( فتاوى شيخ الاسلام 354 )

163 - قول القائل : إن الدعاء يستجاب عند قبور الانبياء والصالحين ( الفتاوى ) .

164 - قصد القبر للدعاء عنده رجاء الاجابة . ( الاختيارات العلمية 50 )

165 - تغشية قبور الانبياء والصالحين وغيرهم8 . ( منه 55 ، المدخل ( 3/278 ، الابداع95 - 96 )

166 - اعتقاد بعضهم أن القبر الصالح إذا كان في قرية أنهم ببركته يرزقون وينصرون ، ويقولون : إنه خفير البلد ، كما يقولون : السيدة نفيسة خفيرة القاهرة ، والشيخ رسلان خفير دمشق وفلان وفلان خفراء بغداد وغيرها . ( الرد على الاخنائي 82 )

167 - اعتقادهم في كثير من أضرحة الاولياء اختصاصات كاختصاصات الاطباء ، فمنهم من ينفع في مرض العيون ، ومنهم من يشفي من مرض الحمى . . ( الابداع 266 ) .

168 - قول بعضهم : قبر معروف الترياق المجرب ، ( الرد على البكري 232 - 233 )

169 - قول بعض الشيوخ لمريده : إذا كانت لك إلى الله حاجة فاستغث بي أو قال : استغث عند قبري . ( منه )

170 - تقديس ما حول قبر الولي من شجر وحجر واعتقاد أن من قطع شيئا من ذلك يصاب بأذى .

171 - قول بعضهم : من قرأ آية الكرسي واستقبل جهة الشيخ عبد القادر الكيلاني وسلم عليه سبع مرات يخطو مع كل تسليمة خطوة إلى قبره قضيت حاجته ( الفتاوى4/ 309 )

172 - رش الماء على قبر الزوجة المتوفاة عن زوجها الذي تزوج بعدها زاعمين أن ذلك يطفئ حرارة الغيرة ( الابداع 265 ) .

173 - السفر إلى زيارة قبور الانبياء والصالحين . ( الفتاوى1/118 ، 122 ، 4/315 ، مجموعة الرسائل الكبرى 3952 ، الرد على البكري 233 الابداع100 - 101 ) ، الرد على الاخنائي45 ، 123 ، 124 ، 124 ، 219 ، 384 . ( وراجع المسألة 128/ 11 ) .

174 - الضرب بالطبل والابواق والمزامير والرقص عند قبر الخليل عليه السلام تقربا إلى الله . ( المدخل 4 / 246 ) .

175 - زيارة الخليل عليه السلام من داخل البناء . ( منه 4 / 245 ) .

176 - بناء الدور في القبور والسكن فيها . ( منه 1 / 251 - 252 ) .

177 - جعل الرخام أو ألواحا من الخشب عليها . ( منه 3/ 272 ، 273 )

178 - جعل الدرابزين على القبر . ( منه 3 / 272 ) .

179 - تزيين القبر . ( شرح الطريقة المحمدية 1/ 114 ، 115 ) .

180 - حمل المصحف إلى المقبرة والقراءة منه على الميت . ( تفسير المنار عن أحمد8/267 )

181 - جعل المصاحف عند القبور لمن يقصد قراءة القرآن هناك . ( الفتاوى 1/174 ، الاختيارات 53 ) .

182 - تخليق حيطان القبر وعمده . ( الباعث لابي شامة 14 ) .

183 - تقديم عرائض الشكاوى وإلقاوها داخل الضريح زاعمين أن صاحب الضريح يفصل فيها ( الابداع 98 ، القاعدة الجليلة 14 ) .

184 - ربط الخرق على نوافذ قبور الاولياء ليذكروهم ويفضوا حاجتهم .

185 - دق زوار الاولياء توابيتهم وتعلقهم بها . ( الابداع 100 ) .

186 - القاء المناديل والثياب على القبر بقصد التبرك . ( المدخل 1 / 263 ) .

187 - امتطاء بعض النسوة على أحد القبور واحتكاكها بفرجها عليه لتحبل

188 - استلام القبر وتقبيله . ( الاقتضاء 176 ، الاعتصام 2/ 134 ، 140 ، إغاثة اللهفان لابن القيم 1/ 194 ، البركوى في أطفال المسلمين 234 ، الباعث 70 ، الابداع 90 ) 9

189 - إلصاق البطن والظهر بجدار القبر . ( الباعث 70 ) .

190 - إلصاق بدنه أو شئ من بدنه بالقبر ، أو بما يجاور القبر من عود ونحوه . ( الفتاوى 4/ 310 ) .

191 - تعفير الخدود عليها . ( الاغاثة 1 / 194 - 198 )

192 - الطواف بقبور الانبياء والصالحين . ( مجموعة الرسائل الكبرى 2/372 ، الابداع 90 )

193 - التعريف عند القبر ، وهو قصد قبر بعض من يحسن به الظن يوم عرفة والاجتماع العظيم عند قبره كما في عرفات . ( الاقتضاء 148 ) .

194 - الذبح والتضحية عنده . ( منه 182 ، الاختيارات 53 ، نور البيان 72 ) .

195 - تحري استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح وقت الدعاء . ( الاقتضاء 175 الرد على البكري 266 ) .

196 - الامتناع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين ( منه )

197 - قصد قبور الانبياء والصالحين للدعاء عندهم رجاء الاجابة10 ( القاعدة الجليلة17 ، 126 - 127 الرد على البكري 27 - 57 ) الرد على الاخنائي 24 الاختيارات العلمية 50 الاغاثة2011 - 202 - 217 )

198 - قصدها للصلاة عندها . ( الرد على الاخنائي 124 ، الاقتضاء 139 )

199 - قصدها للصلاة إليها . ( الرد على البكري71 القاعدة الجليلة 125 - 126 ، الاغاثة1/194 - 198 الخادمي على الطريقة 4/322 ) .

200 - قصدها للذكر والقراءة والصيام والذبح . ( الاقتضاء181 ، 154 )

201 - التوسل إلى الله تعالى بالمقبور . ( الاغاثة 1/ 201 - 202 ، 217 ، السنن 10 )

202 - الاقسام به على الله . ( تفسير سورة الاخلاص لابن تيمية 174 )

203 - أن يقال للميت أو الغائب من الانبياء والصالحين : ادع الله أو أسأل الله تعالى ( القاعدة 124 ، زيارة القبور له 108 ، 109 ، الرد على البكري 57 ) .

204 - الاستغاثة بالميت منهم كقولهم : يا سيدي فلان أغثني أو انصرني على عدوي ( القاعدة 14 ، 17 ، 124 ، الرد على البكري 30 - 31 ، 38 ، 56 ، 144 ، السنن 124 )

205 - اعتقاد أن الميت يتصرف في الامور دون الله تعالى ( السنن 118 ) .

206 - العكوف عند القبر والمجاورة عنده . ( الاقتضاء 183 ، 210 ) .

207 - الخروج من زيارة المقابر التي يعظمونها على القهقرى ( المدخل 4/238 ، السنن69 )

208 - قول بعض المدروشين الوافدين إلى المدن لخصوص زيارة قبور من بها من الاولياء والاموات عند إرادة الاوبة إلى بلادهم : الفاتحة لجميع سكان هذه البلدة سيدي فلان وسيدي فلان ، ويسميهم ويتوجه إليهم ويشير ويمسح وجهه ( منه 69 ) .

209 - قولهم : السلام عليك يا ولي الله ، الفاتحة زيادة في شرف النبي صلى الله عليه وسلم والاربعة الاقطاب والانجاب والاوتاد وحملة الكتاب والاغواث وأصحاب السلسلة وأصحاب التعريف والمدركين بالكون وسائر أولياء الله على العموم كافة جمعا يا حي يا قيوم ، ويقرأ الفاتحة ويمسح وجهه بيديه وينصرف بظهره ( منه ) .

210 - رفع القبر والبناء عليه . ( الاقتضاء 63 تفسير سورة الاخلاص 170 سفر السعادة 57 . شرح الصدور للشوكاني 66 شرح الطريقة المحمدية 1/114 ، 115 ) .

211 - التوصية بأن يبنى على قبره بناء . ( الخادمي على الطريقة المحمدية 4/326 ) .

212 - تجصيص القبور . ( الاغاثة 1 / 196 - 198 ، الخادمي على الطريقة 4/324 )

213 - نقش اسم الميت وتاريخ موته على القبر . ( المدخل 3/ 272 ، الذهبي في تلخيص المستدرك ، الاغاثة ( 1/ 198 196 ) ، الخادمي على الطريقة 4/322 ، الابداع 95 ، المسألة 128 فقرة 1 - 6 ) .

214 - بناء المساجد والمشاهد على القبور والاثار . ( تفسير سورة الاخلاص 192 ، الاقتضاء 6 ، 158 ، الرد على البكري 233 ، الابداع 99 ) .

215 - اتخاذ المقابر مساجد بالصلاة عليها وعندها . ( الابداع 9 ، الفتاوى2/186 ، 178 ، 4/311 ، الاقتضاء 52 ، راجع المسألة 128 فقرة 8 و9 ) .

216 - دفن الميت في المسجد ، أو بناء مسجد عليه . ( إصلاح المساجد 181 ، المسألة 128فقرة9 )

217 - استقبال القبر في الصلاة مع استدبار الكعبة ( الاقتضاء 218 ) .

218 - اتخاذ القبور عيدا . ( منه 148 ، الاغاثة 1/190 - 193 ، الابداع 85 - 90 وراجع الفقرة10 من المسألة 128 ) .

219 - تعليق قنديل على القبر ليأتوه فيزورونه . ( المدخل 3 / 273 ، 278 ، الاغاثة 194 - 198 ، الطريقة المحمدية 4 / 236 ، الابداع 88 ، المسألة المشار إليها آنفا فقرة ( ( ل ) ) )

220 - نذر الزيت والشمع لاسراج قبر أو جبل أو شجرة . ( الاصلاح232 - 233والاقتضاء 151 ) .

221 - قصد أهل المدينة زيارة القبر النبوي كلما دخلوا المسجد أو خرجوا منه . ( الرد على الاخنائي24 ، 150 - 151 ، 156 ، 217 ، 218 ، الشفافي حقوق المصطفى للقاضي عياض ( 2/79 ) ، المسألة المتقدمة فقرة 10 ) 11

222 - السفر لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم . ( انظر البدعة رقم 172 ) العلامة

223 - زيارته صلى الله عليه وسلم في شهر رجب .

224 - التوجه إلى جهة القبر الشريف عند دخول المسجد والقيام فيه بعيدا عن القبر بغاية الخشوع واضعا يمينه على يساره كأنه في الصلاة 12 ( انظر البدعة 194 )

225 - سؤاله صلى الله عليه وسلم الاستغفار وقراءة آية {ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم}الاية . ( الرد على الاخنائي 164 ، 165 ، 216 ، السنن 68 ) .

226 - التوسل به صلى الله عليه وسلم . أنظر البدع 200 - 203

227 - الاقسام به على الله تعالى .

228 - الاستغاثة به من دون الله تعالى .

229 - قطعهم شعورهم ورميها في القنديل الكبير القريب من التربة النبوية . ( الابداع في مضار الابتداع 166 ، الباعث 70 ) .

230 - التمسح بالقبر الشريف . ( المدخل 1 / 263 السنن 69 ، الابداع 166 ) .

231 - تقبيله . ( منهما ) .

232 - الطواف به ( مجموعة الرسائل الكبرى2/10 ، 13 ، المدخل1/263 ، الابداع 166 ، السنن 69 ، الباعث 7013 )

233 - إلصاق البطن والظهر بجدار القبر الشريف . ( الابداع 166 ، الباعث 70 ) .

234 - وضع اليد على شباك حجرة القبر الشريف وحلف أحدهم بذلك بقوله : وحق الذي وضعت يدك على شباكه وقلت : الشفاعة يا رسول الله

235 - أطالة القيام عند القبر النبوي للدعاء لنفسه مستقبلا ، الحجرة . ( القاعدة الجليلة 125 الرد على البكري 125 ، 232 ، 282 ، مجموعة الرسائل الكبرى 2/ 391 ) .

236 - تقربهم إلى الله بأكل التمر الصيحاني في الروضة الشريفة بين القبر والمنبر . ( الباعث70 الابداع 166 ) .

237 - الاجتماع عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم لقراءة ختمة وإنشاد قصائد . ( مجموعة الرسائل الكبرى 2 / 398 ) .

238 - الاستسقاء بالكشف عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره من الانبياء والصالحين . 14 ( الرد على البكري 29 ) .

239 - إرسال الرقاع فيها الحوائج إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

240 - قول بعضهم : انه ينبغي أن لا يذكر حوائجه ومغفرة ذنوبه بلسانه عند زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لانه أعلم منه بحوائجه ومصالحه 15

241 - قوله : لا فرق بين موته صلى الله عليه وسلم وحياته في مشاهدته لامته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وتحسراتهم وخواطرهم 16

وهذا آخر ما تيسر جمعه من بدع الجنائز ، وبه يتم الكتاب ، والحمد لله على توفيقه وأسأله تعالى المزيد من فضله . وأن يرزقني محبة لقائه عند مفارقة هذه الدنيا الفانية إلى الدار الابدية الخالدة ، ( مع الذين أنعم عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ) .

 

خاتمة الطبع

 

جرت المباشرة بطبعه عام 1385 ولكن قدر الله تبارك وتعالى توقف الطبع في إحدى مطابع المكتب الاسلامي مدة ثلاث سنوات وانتهي طبعه في رمضان سنة 1388 ، فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .

وإياه تعالى أسأل ، أن يكتب السداد والتوفيق لهذا المكتب وصاحبه الاستاذ الفاضل الاخ زهير الشاويش ، وأن ييسر له الاستمرار في طبع الكتب النافعة من تراث سلفنا الصالح ، وما جرى مجراها ، إنه سميع مجيب .{ محمد ناصر الدين الالباني

 ****

1 ذكره في ( شرح الشرعة ) ( ص 570 ) بقوله : ( والسنة في الزيارة أن يبدأ فيتوضأ ويصلي ركعيتن يقرأ في كل ركعة . . . الخ ) وليس في السنة شئ من هذا بل فيها تحريم قصد الصلاة عند القبور كما سبق ، وانظر ما علقناه قريبا .

2وحديث : ( من دخل المقابر فقرأ سورة ( يس ) خفف الله عنهم وكان لهم بعدد من فيما حسنات ) لا أصل في شئ من كتب السنة ، والسيوطي لما أورده في ( شرح الصدور ) ( ص 130 ) لم يزد في تخريجه على قوله : ( أخرجه عبد العزيز صاحب الخلال بسنده عن أنس ) ثم وقفت على سنده فإذا هو إسناد هالك كما حققته في ( الاحاديث الضعيفة ) ( 1291 ) .

3 أورده البركوي في ( أحوال أطفال المسلمين ) ( ص 229 ) فقال : ( وفي الخبر : من زار قبر مؤمن وقال : اللهم اني أسألك . . . الخ رفع الله عنه العذاب إلى يوم ينفخ في الصور ) وهذا حديث باطل لا أصل له في شئ من كتب السنة ولا أدري كيف استجاز البركوي رحمه الله نقله دون عزوه لاحد من المحدثين مع ما فيه من التوسل المبتدع والمحرم والمكروه تحريما عنده كما قرر ذلك في رسالته المذكورة ( ص 352 ) .

4 وشبهة القائل بهذه البدعة ومنهم شارح ( الشرعة ) ( ص 750 ) حديث جابر بن سليم قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم . . . فقلت عليك السلام ، فقال : عليك السلام تحية الميت . . الحديث . أخرجه أبو داود ( 2 / 179 ) والترمذي ( 2 / 120 طبع بولاق ) والحاكم ( 4 / 186 ) وصححه ووافقة الذهبي وهو كما قالا . قال الخطابي :

( وإنما قال ذلك القول منه إشارة إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الاموات - يعني في الجاهلية - - إذ كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر

عليك سلام الله قيس بن عاصم ورحمته ما شاء أن يترحما

فالسنة لا تختلف في تحية الاحياه والاموأت . وأيده ابن القيم في ( التهذيب ) وعلي القارئ في ( المرقاة ) ( 2 / 406 و479 ) فراجعهما .

5 استحبه في ( شرح الشرعة ) ( ص 568 ) ولا أصل له في السنة ، بل فيها خلافه فراجع ( المسألة 125 )

6 لقد رأيت ذلك من أحدهم غير مرة يقف صباح كل يوم قبيل طلوع الشمس قائما على قبر . فجمع بين محرم وبدعة

7 قال شيخ الاسلام في ( الاختيارات ) ( 181 ) : ( ويعزر من يسمي من زار القبور والمشاهد حاجا إلا أن يسمى حاجا بقيد كحاج الكفار والضالين ، ومن سمى زيارة ذلك حجا أو جعل له مناسك فانه ضال مضل وليس لاحد أن يفعل في ذلك ما هو من خصائص حج البيت ) .

8 وفي حاشية عابدين ( 1 / 839 ) ان ذلك مكروه . يعني كراهة تحريم .

9 وقد أنكر ذلك الغزالي في ( الاحياء ) ( 1 / 244 ) وقال : ( انه عادة النصارى واليهود ) . وراجع المسألة ( 124 ص 195 ) .

10 قال في ( الاغاثة ) ( 1 / 218 ) وغيرها : ( والحكاية المنقولة عن الشافعي : أنه كان يقصد الدعاء عند قبر أبي حنيفة من الكذب الظاهر ) . وقال شيخ الاسلام في الفتاوى ( 4 / 310 ، 311 ، 318 ) : ( ويقرب من ذلك تحري الصلاة والدعاء قبلي شرقي جامع دمشق عند الموضع الذي يقال أنه قبر هود ، والذي عليه العلماء أنه قبر معاوية بن أبي سفيان . أو عند المثال الخشب الذى تحته رأس يحيي بن زكريا ) .

11 وقد كره مالك ذلك فقال : ( لم يبلغني عن أول هذه الامة وصدرها أنهم كانوا يفعلون ذلك ، ويكره إلا لمن جاء من سفر أو أراده ) . كذا نقله القاضي عيض .

12 وقد رأيت ذلك سنة 68 فقف شعري لكثرة من يفعل ذلك سيما من الغرباء .

13 ونقل عن ابن الصلاح أنه قال : ( ولا يجوز أن يطاف بالقبر الشريف ) .

14قلت : وأما ما روى أبو الجوزاء أوس بن عبد الله قال : قحط أهل المدينة قحطا شديدا فشكوا إلى عائشة فقالت : أنظروا قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاجعلوا منه كوة إلى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ، قال : ففعلوا فمطرنا مطرا حتى نبت العشب ، وسمنت الابل حتى تفتقت من الشحم فسمي عام الفتق ) فلا يصح ، أخرجه الدارمي في سننه ( 1 / 43 - 44 ) وفيه أبو النعمان وهو محمد بن الفضل المعروف بعارم وقد كان اختلط في آخر عمره كما قال العقيلي وغيره من أهل الحديث . وقال شيخ الاسلام في الرد على البكري ( ص 68 ) : ( وما روي عن عائشة رضي الله عنها من فتح الكوة من قبره إلى السماء لينزل المطر فليس بصحيح ولا يثبت إسناده . قال : ومما يبين كذب هذا أنه في مدة حياة عائشة لم يكن للبيت كوة بل كان بعضه باقيا كما كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعضه مسقوف وبعضه مكشوف وكانت الشمس تنزل فيه كما ثبت في الصحيحين عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي العصر والشمس في حجرتها لم يظهر الفيء بعد ) .

15 ومما يوسف له أن هذه البدعة واللتين بعدها قد نقلتها من ( كتاب المدخل ) لابن الحاج ( 1 / 259 ، 264 ) حيث أوردها مسلما بها كأنها من الامور المنصوص عليها في الشريعة وله من هذا النحو أمثلة كثيرة سبق بعضها دون التنبيه على أنها منه ، وسنذكر قسما كبيرا منها في الكتاب الخاص بالبدع إن شاء الله تعالى ، وقد تعجب من ذلك لما عرف أن كتابه هذا مصدر عظيم في التنصيص على مفردات البدع وهذا الفصل الذي ختمت به الكتاب شاهد عدل على ذلك ، ولكنك إذا علمت أنه كان في علمه مقلدا لغيره ، ومتأثرا إلى حد كبير بمذاهب الصوفية وخزعبلاتها يزول عنك العجب وتزداد يقينا على صحة قول مالك : ( ما منا من أحد إلا رد ورد عليه الاصاحب هذا القبر ) ، صلى الله عليه وسلم .

16 قال شيخ الاسلام في ( الرد على البكري ) ( ص 31 ) ، ( ومنهم من يظن أن الرسول أو الشيخ يعلم ذنوبه وحوائجه وإن لم يذكرها وأنه يقدر على غفرانها وقضاء حوائجه ويقدر على ما يقدر الله ، ويعلم ما يعلم الله ، وهؤلاء قد رأيتهم وسمعت هذا منهم وعنهم شيوخ يقتدى بهم ، ومفتين وقضاة ومدرسين ) والله المستعان ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية

  مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية ( وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه م...