سلسلة الأحاديث الصحيحة
{الأحاديث من 2801 إلى 2900*
2801 *" لا يقولن أحدكم : زرعت , و لكن ليقل : حرثت "
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 715 : أخرجه ابن جرير الطبري في " التفسير " ( 27 / 114 ) و البزار ( 1289 ) و ابن
حبان ( 5693 - الإحسان ) و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 149 / 1 - الظاهرية )
و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 267 ) و السهمي في " تاريخ جرجان " ( 369 ) و
البيهقي في " السنن " ( 6 / 138 ) و في " شعب الإيمان " أيضا ( 4 / 2801 ) كلهم
من طريق مسلم بن أبي مسلم الجرمي : حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام بن حسان عن
محمد ابن سيرين عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ...
( فذكره ) , قال محمد : قال أبو هريرة : " ألم تسمعوا إلى قول الله عز وجل : *(
أفرأيتم ما تحرثون , أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون )* " . قلت : و هذا إسناد
جيد رجاله ثقات رجال مسلم غير مسلم بن أبي مسلم الجرمي , أورده ابن حبان في "
الثقات " ( 9 / 158 ) و قال : " حدثنا عنه الحسن بن سفيان و أبو يعلى , ربما
أخطأ , مات سنة ( 240 ) " . قلت : و وثقه الخطيب أيضا في " تاريخ بغداد " ( 13
/ 100 ) و ذكر أنه بغدادي نزل ( طرسوس ) و بها كانت وفاته . قلت : و حسن له
الحافظ في " الفتح " ( 4 / 351 ) حديثا في النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه
الصاعان , و هو مخرج في " أحاديث بيوع الموسوعة " و لم يعرفه الهيثمي , فقال في
كل من الحديثين ( 4 / 98 - 99 و 120 ) : " لم أجد من ترجمه " !! و قلده في ذلك
الشيخ الأعظمي في تعليقه على " كشف الأستار " ( 2 / 86 و 96 ) كما قلده في
الثاني منهما المناوي في " فيض القدير " ! و أما البيهقي فقد ضعف الحديث بقوله
بعد أن روى من طريق ليث عن مجاهد قال : فذكره نحوه : " هذا من قول مجاهد , و قد
روي فيه حديث مرفوع غير قوي " . ثم ساقه . و نقله الحافظ في ترجمة مسلم هذا في
" اللسان " , و قال عقبه : " قلت : ليس في إسناده من ينظر فيه غير مسلم هذا " .
قلت : قد عرفت أنه وثقه الخطيب أيضا , و هذا مما فات الحافظ و غيره , فلا داعي
للتردد في تقويته , و الله الموفق . و قد يخطر في البال أن الحديث مخالف
لأحاديث صحيحة منها قوله صلى الله عليه وسلم : " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع
زرعا , فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " . أخرجه الشيخان
و غيرهما كما في " الصحيحة " ( رقم 7 ) . قال الحافظ في " الفتح " ( 5 / 4 ) :
" فيه جواز نسبة الزرع إلى الآدمي , و قد ورد في المنع منه حديث غير قوي أخرجه
ابن أبي حاتم .. " فذكره . و أقول : قد عرفت أن الحديث قوي فلابد حينئذ من
التوفيق بينه و بين حديث الصحيحين بوجه من وجوه التوفيق المعروفة , كأن يحمل
حديث الترجمة على أن النهي فيه للكراهة كما قالوا في التوفيق بين أحاديث النهي
عن تسمية العنب كرما و بين أحاديث أخرى جاء فيها كقوله صلى الله عليه وسلم : "
الخمر من هاتين الشجرتين : الكرمة و النخلة " . رواه مسلم ( 6 / 89 ) و كحديث
النهي عن بيع الكرم بالزبيب ( " انظر " فتح الباري " 4 / 385 - 386 ) . أو يقدم
حديث الترجمة أنه حاظر , و الحاظر مقدم على المبيح . و الله سبحانه و تعالى
أعلم .
2802 " إن كان قضاء من رمضان فاقضي يوما مكانه , و إن كان تطوعا فإن شئت فاقضي , و
إن شئت فلا تقضي " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 717 :
أخرجه بهذا اللفظ أحمد ( 6 / 343 - 344 ) و الدارمي ( 2 / 16 ) و الطحاوي في "
شرح المعاني " ( 1 / 353 - هندية ) و الطيالسي أيضا ( رقم 1616 ) و الطبراني
في " المعجم الكبير " ( 24 / 407 / 990 ) من طريق حماد بن سلمة : حدثنا سماك بن
حرب عن هارون ابن بنت أم هانىء أو ابن ابن أم هانىء عن # أم هانىء # : أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم شرب شرابا فناولها لتشرب , فقالت : إني صائمة و لكن
كرهت أن أرد سؤرك . فقال : فذكره . قلت : و هذا إسناد ضعيف , هارون هذا مجهول
كما قال الحافظ في " التقريب " , و قال الذهبي في " الميزان " : " لا يعرف و لا
هو في ( ثقات ابن حبان ) " . و قد اضطربوا في إسناده على سماك على وجوه ذكرتها
و خرجتها في صحيح أبي داود " ( 2120 ) و قد انتهيت فيه إلى تحسين الحديث أو
تصحيحه لطرقه , و قد حسن العراقي أحد أسانيده . إنما خرجت هذا اللفظ هنا للنظر
فيما ذكره الشوكاني حوله من الفقه , فقد ذكر في " السيل الجرار " ( 2 / 151 )
عن صاحب " حدائق الأزهار " أنه قال فيمن يقضي ما عليه من الصيام فأفطر : أنه
يأثم , فرد عليه الشوكاني بهذا الحديث , فقال : " و فيه دليل على جواز إفطار
القاضي و يقضي يوما مكانه و إن كان فيه المقال المتقدم و لكن الدليل على من قال
: إنه لا يجوز إفطار القاضي " . و أقول : أولا : ليس في الحديث ما ادعاه من
الجواز و الأمر بالقضاء لا يستلزم جواز الإفطار فيه , كما لا يخفى إن شاء الله
تعالى , ألا ترى أنه لا يجوز الإفطار في رمضان بالجماع اتفاقا و مع ذلك أمر صلى
الله عليه وسلم الذي أفطر به أن يقضي يوما مكانه مع الكفارة و هو ثابت بمجموع
طرقه كما بينته في " صحيح أبي داود " ( 2073 ) و لذلك قواه الحافظ و تبعه
الشوكاني نفسه في " النيل " ( 4 / 184 - 185 ) و في " السيل " ( 2 / 120 - 121
) , فأمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء لأم هانىء لو كانت أفطرت منه لا يعني
جواز ما فعلت , فكيف و إفطارها كان من تطوع ? ثانيا : أنها قالت في رواية
للترمذي و غيره : " إني أذنبت فاستغفر لي " , فقال : " و ما ذاك ? " , قالت :
كنت صائمة فأفطرت . فقال : " أمن قضاء كنت تقضينه ? " , قالت : لا . فإذا
اعترفت بخطئها في ظنها لم يبق مجال لينكر عليها إفطارها - و لو كان من القضاء -
و لم يبق إلا أن يبين لها وجوب إعادته , و هذا هو ما دل عليه الحديث . و زاد
أبو داود في رواية عقب ما تقدم : " قال : فلا يضرك إن كان تطوعا " . و مفهومه
أنه يضرها لو كان قضاء . و هذا واضح إن شاء الله . ثالثا : الدليل هو اعتبار
الأصل , فكما لا يجوز إبطال الصيام في رمضان بدون عذر , فكذلك لا يجوز إفطار
قضائه و من فرق فعليه الدليل . رابعا : لقد سلم الشوكاني في " النيل " ( 4 /
220 ) بصواب قول ابن المنير : " ليس في تحريم الأكل في صوم النفل من غير عذر
إلا الأدلة العامة كقوله تعالى : *( و لا تبطلوا أعمالكم )* , إلا أن الخاص
يقدم على العام كحديث سلمان .. " . إذا كان الأمر كذلك فتكون الآية بعمومها
دليلا واضحا لنا عليه , لعدم وجود الدليل المخصص لها فيما نحن فيه . و الله
سبحانه و تعالى أعلم .
2803 " أما بعد أيها الناس , فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية , الناس رجلان :
بر تقي كريم على ربه , و فاجر شقي هين على ربه , ثم تلا : *( يا أيها الناس إنا
خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا )* حتى قرأ الآية , ثم
قال : أقول هذا و أستغفر الله لي و لكم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 719 :
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 3817 ) : أخبرنا مكحول بـ ( بيروت ) قال : حدثنا
محمد بن عبد الله بن يزيد قال : حدثنا عبد الله بن رجاء قال : حدثنا موسى بن
عقبة عن عبد الله بن دينار عن # ابن عمر # قال : طاف رسول الله صلى الله عليه
وسلم على راحلته القصواء يوم الفتح و استلم الركن بمحجنه و ما وجد لها مناخا في
المسجد حتى أخرجت إلى بطن الوادي فأنيخت , ثم حمد الله و أثنى عليه , ثم قال :
فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله ثقات رجال مسلم غير مكحول و شيخه محمد
بن عبد الله بن يزيد و هما ثقتان معروفان . و للحديث طريق أخرى عن ابن دينار ,
فقال عبد بن حميد في " المنتخب من المسند " ( ق 105 / 2 ) : أنبأنا أبو عاصم عن
موسى بن عبيدة الربذي عن عبد الله بن دينار به , و رواه البغوي في " تفسيره " (
7 / 349 ) . و موسى بن عبيدة ضعيف , فالعمدة على موسى بن عقبة . و قد تابعهما
عبد الله بن جعفر : حدثنا عبد الله بن دينار به مختصرا و ليس فيه جملة
الاستغفار . و قد مضى لفظ ابن جعفر تحت الحديث ( 2700 ) . ( عبية ) يعني الكبر
, و تضم عينها و تكسر كما في " النهاية " .
2804 " كل ابن آدم أصاب من الزنا لا محالة , فالعين زناها النظر , و اليد زناها
اللمس , و النفس تهوى و تحدث , و يصدق ذلك أو يكذبه الفرج " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 720 :
أخرجه الإمام أحمد ( 2 / 349 - 350 ) : حدثنا حسن : حدثنا ابن لهيعة حدثنا عبد
الرحمن الأعرج عن # أبي هريرة # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : و هذا إسناد رجاله ثقات إلا أن ابن لهيعة في حفظه ضعف لكنه قد توبع فدل
على أنه قد حفظه , فهو من صحيح حديثه , فقال ابن حبان في " صحيحه " ( 4405 -
الإحسان ) : أخبرنا محمد بن أحمد بن ثوبان الطرسوسي : حدثنا الربيع بن سليمان
المرادي : حدثنا شعيب بن الليث بن سعد عن الليث بن سعد عن جعفر بن ربيعة عن
عبد الرحمن الأعرج به . قلت : فهذه متابعة قوية لابن لهيعة من جعفر بن ربيعة ,
فإنه ثقة من رجال الشيخين و من دونه ثقات أيضا مترجمون في " التهذيب " غير
الطرسوسي هذا , فإني لم أقف له على ترجمة و لعله في " تاريخ دمشق " لابن عساكر
, فليراجع <1> , و على كل حال , فهو من شيوخ ابن حبان و هم في الغالب من الثقات
الذين عرفهم شخصيا و ليس على قاعدته المعروفة في توثيقه للمجهولين حتى عنده هو
نفسه , فإن لم يكن من أولئك الثقات , فلا أقل من أن يصلح في الشواهد و
المتابعات , و الله أعلم . و قد جاء الحديث عن أبي هريرة بألفاظ مختلفة من طرق
عدة بعضها في " الصحيحين " و قد خرجتها في " الإرواء " ( 1787 ) و " صحيح أبي
داود " ( 1868 ) . و في الحديث دليل واضح على تحريم مصافحة النساء الأجنبيات و
أنها كالنظر إليهن و أن ذلك نوع من الزنا , ففيه رد على بعض الأحزاب الإسلامية
الذين وزعوا على الناس نشرة يبيحون لهم فيها مصافحة النساء غير عابئين بهذا
الحديث فضلا عن غيره من الأحاديث الواردة في هذا الباب . و قد سبق بعضها برقم (
226 ) , و لا بقاعدة " سد الذرائع " التي دل عليها الكتاب و السنة , و منها هذا
الحديث الصحيح . و الله المستعان .
-----------------------------------------------------------
[1] ثم راجعته , فلم يذكره . اهـ .
2805 " لا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفئ ما في صحفتها , فإنما رزقها على الله عز
وجل " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 721 :
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 23 / 253 / 517 ) : حدثنا أبو يحيى
الرازي حدثنا محمود بن غيلان حدثنا مؤمل عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي سلمة عن
# أم سلمة # قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... فذكره . قال
الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 4 / 333 ) : " رواه الطبراني عن شيخه أبي يحيى
الرازي و لم أعرفه و بقية رجاله ثقات " . و أقره المناوي في " الجامع الأزهر "
! كذا قال , و فيه أمور : أولا : أبو يحيى الرازي هو عبد الرحمن بن محمد بن سلم
الرازي كما في " المقتنى في الكنى " للذهبي , و قد روى له الطبراني حديثا واحدا
في " المعجم الصغير " ( 1197 ) باسمه و كنيته , لكنه نسبه إلى جده لم يذكر أباه
و كذلك ذكره دون الكنية في " المعجم الأوسط " , و ساق له ستة و عشرين حديثا (
4864 - 4890 - بترقيمي ) أحدها ( 4874 ) من روايته عن محمود بن غيلان شيخه في
حديث الترجمة , و قد ترجمه أبو الشيخ في " طبقات الأصبهانيين " ( 339 / 459 )
منسوبا إلى أبيه و جده و بكنيته , و كذلك أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 /
112 ) و الذهبي في " تذكرة الحفاظ " و قال : " و كان من الثقات , توفي سنة إحدى
و تسعين و مائتين " . ثانيا : مؤمل هو ابن إسماعيل البصري نزيل مكة , مختلف فيه
و قد وصفه غير واحد من المتقدمين بأنه كثير الخطأ مع الصدق , و إليه جنح الذهبي
في " الكاشف " , و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق , سيىء الحفظ " . فحشر
مثله في زمرة الثقات لا يخفى ما فيه من التساهل . ثالثا : أبو إسحاق - و هو
السبيعي - كان يدلس , و قد عنعنه . لكن الحديث صحيح فإن له شاهدا قويا من حديث
أبي هريرة مرفوعا به إلا أنه قال : " فإن الله عز وجل رازقها " . أخرجه مسلم (
4 / 136 ) و هو في " الصحيحين " بنحوه , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1891
) و أخرجه ابن حبان أيضا في " صحيحه " ( 4057 - الإحسان ) بلفظ " الصحيحين " .
ثم ساقه ( 4058 ) من وجه آخر بلفظ : " فإن المسلمة أخت المسلمة " . و إسناده
صحيح , رجاله ثقات رجال مسلم غير شيخه ابن سلم , و هو ( عبد الله بن محمد بن
سلم المقدسي ) وثقه ابن حبان و الذهبي في " السير " ( 14 / 306 ) . و هنا لابد
من التنبيه على أشياء وقفت عليها : 1 - وقع في " المجمع " : " إنائها " مكان "
صحفتها " و لعله خطأ مطبعي , و على الصواب وقع في " الجامع الكبير " . 2 - و
وقع في " الجامع الأزهر " : " صحيفتها " و في " المعجم الكبير " " صفحتها " , و
كل ذلك خطأ , فإن " الصحيفة " ما يكتب فيه من ورق و نحوه . و " الصفحة " جانب
الشيء , و صفحة الورقة أحد جانبيها . و أما " الصحفة " فهي إناء كالقصعة
المبسوطة و نحوها , قال ابن الأثير : " و هذا مثل يريد الاستكثار عليها بحظها
فتكون كمن استفرغ صحفة غيره و قلب ما في إنائه إلى إناء نفسه " . 3 - وقع في "
المعجم " : " .. أبو يحيى الداري [ الرازي ] " ! كأنه يشير إلى اختلاف النسخ أو
القراءة , و الصواب " الرازي " و حذف " الداري " كما يتبين من ترجمته المتقدمة
.
2806 " صيام ثلاثة أيام من كل شهر صيام الدهر و إفطاره " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 723 :
أخرجه أحمد ( 4 / 19 و 5 / 34 و 35 ) عن عفان و وكيع و وهب بن جرير و البزار (
1059 - الكشف ) عن محمد بن جعفر و يحيى بن سعيد القطان , و الطبراني في "
المعجم الكبير " ( 19 / 26 / 53 ) و الدارمي أيضا ( 2 / 19 ) عن أبي الوليد
الطيالسي , ستتهم عن شعبة عن #معاوية بن قرة عن أبيه #عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح كما قال المنذري ( 2 / 82 ) و رجاله
رجال الصحيح كما قال الهيثمي ( 3 / 196 ) , و صححه ابن حبان و قد أخرجه ( 3645
- الإحسان ) من طريق وكيع به . ثم قال ( 3644 ) : أخبرنا أبو يعلى : حدثنا عبيد
الله بن عمر القواريري حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه قال : " و قيامه " مكان :
" و إفطاره " . و قال ابن حبان : " قال وكيع عن شعبة في هذا الخبر : " و إفطاره
" , و قال يحيى القطان عن شعبة : " و قيامه " , و هما جميعا حافظان متقنان " .
كذا قال : و هو يشير بذلك إلى أن اللفظين محفوظان صحيحان ! و أرى أن لفظ " و
قيامه " شاذ غير محفوظ , لمخالفته للفظ الذي اتفق عليه الستة و فيهم القطان : "
و إفطاره " , فاتفاقهم حجة و من شذ عنهم فليس بحجة , و ليس هو القطان كما يشعر
به كلام ابن حبان , بل هو راو ممن دونه كائنا من كان , فالاختلاف ليس بين
القطان و وكيع و إنما بين أحد المشار إليهم في رواية ابن حبان , و من رواه عند
البزار عن القطان وفق رواية الجماعة . حتى لو فرضنا أن رواية البزار هذه خطأ
على القطان , و أن المحفوظ عنه رواية ابن حبان , فهي شاذة أيضا لمخالفته لرواية
الثقات الخمسة . و ما الحديث الشاذ إلا مخالفة الثقة للثقات , بل هذه الرواية
من أحسن الأمثلة عندي للحديث الشاذ . و الله سبحانه و تعالى أعلم . و يشهد
للحديث ما رواه الطبراني عن عبد الله بن عمرو مرفوعا في حديث : " .. و صام
إبراهيم عليه السلام ثلاثة أيام من كل شهر , صام الدهر و أفطر الدهر " . و فيه
ابن لهيعة و هو حسن الحديث في الشواهد , و قد أعله المنذري و الهيثمي بأبي فراس
و هو من رجال مسلم , و لكنهما لم يعرفاه كما كنت بينته قديما في السلسلة الأخرى
( 459 ) . و يؤيد الحديث قوله صلى الله عليه وسلم : " من صام الأبد , فلا صام و
لا أفطر " . أخرجه ابن حبان و غيره بسند صحيح كما في " التعليق الرغيب " ( 2 /
88 ) . و ذلك لأن الشارع الحكيم إذا جعل صيام ثلاثة أيام من كل شهر كما لو صام
الدهر , فمن صامهن فقد صام و أفطر . و الله أعلم .
2807 " اللهم إني أحبه , فأحببه و أحب من يحبه . يعني الحسن بن علي رضي الله عنهما "
.
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 725 :
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1183 ) و أحمد ( 1 / 532 ) و ابنه عبد
الله في " فضائل الصحابة " ( 2 / 788 / 1407 ) و الحاكم ( 3 / 178 ) من طرق عن
هشام بن سعد عن نعيم بن المجمر عن # أبي هريرة # قال : ما رأيت حسنا قط إلا
فاضت عيناي دموعا و ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج يوما فوجدني في المسجد
فأخذ بيدي , فانطلقت معه فما كلمني حتى جئنا سوق بني قينقاع , فطاف به و نظر ,
ثم انصرف و أنا معه حتى جئنا المسجد فجلس فاحتبى ثم قال : " أين لكاع ? ادع لي
لكاع " . فجاء حسن يشتد فوقع في حجره , ثم أدخل يده في لحيته , ثم جعل النبي
صلى الله عليه وسلم يفتح فاه , فيدخل فاه في فيه , ثم قال : فذكره . و قال
الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . و أقول : إنما هو حسن فقط للكلام
اليسير الذي في هشام بن سعد . ( تنبيه ) : وقع عند الحاكم ( الحسين بن علي )
مكان ( حسن ) و لعله وهم من الراوي عنده ( أبو عبيدة بن الفضيل بن عياض ) , فقد
قال الذهبي : " فيه لين , قال ابن الجوزي : ضعيف " . فتعقبه الحافظ بقوله : "
وثقه الدارقطني , فلا يلتفت إلى تضعيف ابن الجوزي بلا سبب . و ذكره ابن حبان في
" الثقات " و أخرج حديثه في " صحيحه " , و كذلك الحاكم .. " . قلت : لم أره في
نسخة " الثقات " المطبوعة و لا في فهرس " صحيحه " و ليس خطأ مطبعيا , فإنه ذكره
في ترجمة ( الحسين ) رضي الله عنه . و مما يؤكد الخطأ أن الحديث أخرجه البخاري
( 5884 ) مختصرا , و كذا مسلم ( 7 / 130 ) و ابن حبان ( 6924 ) و أحمد ( 2 /
331 ) من طريق أخرى عن أبي هريرة به , و فيه ( الحسن ) . و من أوهام الأخ ( وصي
الله ) في تعليقه على " الفضائل " أنه ضعف إسناده بـ ( هشام بن سعد ) . ثم
استدرك فقال : " و لكن الحديث صحيح , فقد أخرجه البخاري .. و مسلم .. " ! و لا
يخفى أن هذا إنما يشهد لبعضه , فلا يتقوى الحديث كله به , لو كان إسناده ضعيفا
كما قال , و إنما هو حسن كما قلنا , و يشهد هذا لبعضه , و كأنه اغتر بعزو فؤاد
عبد الباقي إياه للشيخين , في تخريجه لـ " الأدب المفرد " ( ص 304 ) ! و هذا
عكس شارحه ( الجيلاني ) , فإنه لم يعزه إلا للحاكم !
2808 " إن من بعدكم الكذاب المضل , و إن رأسه من بعده حبك حبك - ثلاث مرات - و إنه
سيقول : أنا ربكم , فمن قال : لست ربنا , لكن ربنا الله عليه توكلنا و إليه
أنبنا , نعوذ بالله من شرك , لم يكن له عليه سلطان " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 727 :
أخرجه الإمام أحمد ( 5 / 372 ) : حدثنا سليمان بن حرب حدثنا حماد بن زيد عن
أيوب عن أبي قلابة قال : رأيت رجلا بالمدينة و قد طاف الناس به , و هو يقول : "
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " , فإذا
# رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم # , قال : فسمعته و هو يقول : فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح غاية رجاله ثقات رجال الشيخين و جهالة الصحابي لا تضر
كما هو مقرر في علم المصطلح . قوله : " من بعده " : أي : من ورائه . " حبك " :
أي : شعر رأسه متكسر من الجعودة مثل الماء الساكن أو الرمل إذا هبت عليهما
الريح فيتجعدان و يصيران طرائق . كما في " النهاية " . و الحديث دليل صريح على
أن الدجال الأكبر هو شخص له رأس و شعر , و ليس معنى و كناية عن الفساد كما يحلو
لبعض ضعفاء الإيمان أن يتناولوا أحاديثه الكثيرة الثابتة عن النبي صلى الله
عليه وسلم بالتواتر كما صرح به أئمة الحديث , فلا تغتر بعد ذلك أيها القارىء
بمن لا علم عنده بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مهما كان شأنه و مقامه في
غير هذا العلم الشريف . و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " ( 2736 و
7222 ) من رواية أحمد و الخطيب عن رجل من الصحابة , و بيض له فلم يبين مرتبته
من الثبوت كما هي عادته على الغالب , و كذلك فعلت اللجنة القائمة على نشره و
التعليق عليه ! و كان عليها على الأقل أن تعلق عليه بقول الهيثمي في " مجمع
الزوائد " ( 7 / 343 ) : " رواه أحمد , و رجاله رجال الصحيح " ! و إن كان هذا
لا يدل القارىء على أن السند صحيح كما نبهنا عليه مرارا . و بأن الهيثمي ذكر له
شاهدا من رواية أحمد أيضا و الطبراني عن هشام بن عامر مرفوعا نحوه , و قال في
رجال أحمد : " رجال الصحيح " . و هو عنده ( 4 / 20 ) من طريق عبد الرزاق , و
هذا في " المصنف " ( 11 / 395 / 20828 ) قال : أخبرنا معمر عن أيوب عن أبي
قلابة عن هشام بن عامر به نحوه . و هذا إسناد صحيح أيضا , استنفدنا منه تسمية
الصحابي الذي لم يسم في الإسناد الأول , و إذا كانت التسمية هذه محفوظة فيه ,
فهي تعطينا فائدة أخرى و هي أن أبا قلابة سمع من هشام بن عامر , خلافا لقيل من
قال : إنه لم يسمع منه , و الله أعلم . ( تنبيه ) : من أخطاء بعض المتهافتين
على وضع الفهارس الحديثية ممن لا معرفة عندهم بهذا العلم الشريف جعله صحابي
حديث الترجمة : " أبو قلاب " !! فهذا خطأ علمي مع خطأ مطبعي !! انظر " فهرس
مجمع الزوائد " ( 1 / 272 ) . ثم رأيت الحديث في " تاريخ بغداد " ( 11 / 161 )
من طريق عبيد الله بن عمرو عن أيوب به . قلت : و هذا سند صحيح أيضا .
2809 " كان يقرأ : *( إنه عمل غير صالح )* " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 729 :
أخرجه البخاري في " التاريخ " ( 1 / 1 / 286 - 287 و 1 / 2 / 252 ) : قال لنا
مالك بن إسماعيل عن إبراهيم بن الزبرقان عن أبي روق عن محمد بن جحادة عن أبيه
عن # عائشة # مرفوعا . و أخرجه الحاكم ( 2 / 241 ) من طريق أخرى عن إبراهيم بن
الزبرقان به . و سكت عنه , و قال الذهبي : " قلت : إسناده مظلم " . قلت : علته
جحادة والد محمد , فإنه في عداد المجهولين , أورده البخاري في ترجمته و لم يذكر
فيه جرحا و لا تعديلا , و كذلك بيض له ابن أبي حاتم , فلم يذكر فيه شيئا , و لا
راويا عنه غير ابنه محمد . و أما ابن حبان فذكره في " ثقاته " ( 4 / 119 ) ! و
أبو روق اسمه عطية بن الحارث صدوق , و وقع في " المستدرك " ( أبو زوقة ) فقال
مصححه : " هكذا في الأصول و لعله تصحيف , فإنه لم يوجد : أبو زوقة عن محمد بن
جحادة " و إبراهيم بن الزبرقان وثقه ابن معين و جمع , و قال أبو حاتم : " محله
الصدق يكتب حديثه و لا يحتج به " . قلت : و قد خولف في إسناده , فقال الطبراني
في " المعجم الأوسط " ( 1 / 259 / 2 / 4460 ) : حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل
قال : أخبرنا إبراهيم بن دينار قال : حدثنا حماد بن خالد الخياط عن بشر بن خالد
عن عطية بن الحارث عن حميد الأزرق عن مسروق عن عائشة به . و قال : " لا يروى عن
مسروق إلا بهذا الإسناد , تفرد به إبراهيم بن دينار " . قلت : و هو ثقة من رجال
مسلم و مثله شيخه الخياط . و أما بشر بن خالد , فلا يعرف إلا برواية الخياط هذه
. و مع ذلك ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 8 / 199 ) و وقع فيه : " بشر بن خالد
بن عطية بن الحارث " تبعا لـ " تاريخ البخاري " ! خلافا لما في " الجرح " , فهو
موافق لهذه الرواية , فهو أرجح . و حميد الأزرق لم أعرفه , و قال الهيثمي في "
مجمع الزوائد " ( 7 / 155 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " و فيه حميد بن
الأزرق و لم أعرفه و بقية رجاله ثقات " ! كذا وقع فيه : " ابن الأزرق " , و هو
خلاف ما في " الأوسط " كما تقدم , و خلاف كتابه الآخر " مجمع البحرين " فالظاهر
أن أداة النسبة " ابن " مقحمة من الناسخ أو الطابع . و الله سبحانه و تعالى
أعلم . و للحديث شاهد من رواية شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مرفوعا . أخرجه
أبو داود ( 3982 - 3983 ) و الترمذي ( 3112 - 3113 ) و غيره , و بسط القول في
تخريجه محله في " صحيح أبي داود " بإذن الله تبارك و تعالى . و شاهد آخر من
طريق سليمان بن قتة عن ابن عباس أنه قرأ : *( عمل غير صالح )* . أخرجه ابن جرير
الطبري في " تفسيره " ( 12 / 33 ) : حدثنا ابن وكيع قال : حدثنا ابن عيينة عن
موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قتة به . قلت : و هذا إسناد رجاله ثقات غير ابن
وكيع و اسمه سفيان و هو ضعيف كما قال الذهبي في " الكاشف " , و قال الحافظ في "
التقريب " مبينا سبب ضعفه : " كان صدوقا إلا أنه ابتلى بوراقه , فأدخل عليه ما
ليس من حديثه فنصح فلم يقبل فسقط حديثه " . و لعله يصلح للشهادة أيضا ما رواه
قتادة و غيره عن عكرمة قال : " في بعض الحروف أنه عمل عملا غير صالح " . و
إسناده إلى عكرمة صحيح . و جملة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح عندي ,
و لاسيما و قد قرأ بهذه القراءة التي جاءت فيه جماعة من السلف كما ذكر ابن جرير
, و إن كان رجح هو قراءة جماهير القراء : *( إنه عمل غير صالح )* , فراجعه إن
شئت . ( تنبيه ) : حديث الترجمة عزاه السيوطي في " الدر المنثور " ( 3 / 336 )
للبخاري في " تاريخه " و ابن مردويه و الخطيب من طرق عن عائشة . كذا قال : " من
طرق " , فإذا صح ذلك فالحديث يزداد قوة بها . و الله أعلم . ثم وجدت ترجمة حميد
الأزرق - بدلالة أحد الإخوة جزاه الله خيرا - في " ثقات ابن حبان " ( 4 / 148 -
149 ) أورده في ( التابعين ) و سمى أباه " زاذويه الأزرق " , و قال : " يروي عن
أنس بن مالك . روى عنه ابن عون . و ليس بحميد الطويل " . و كذا في " تاريخ
البخاري " و " الجرح و التعديل " . و قال ابن ماكولا و تبعه الحافظ في "
التقريب " : " مجهول " . قلت : و فاتهم رواية عطية بن الحارث عنه هذا الحديث ,
إن كانت محفوظة فإن عطية و إن كان صدوقا فالراوي عنه بشر بن خالد فيه جهالة كما
تقدم . و الله أعلم .
2810 " ضحك ربنا عز وجل من قنوط عباده , و قرب غيره , فقال أبو رزين : أويضحك الرب
عز وجل ? قال : نعم . فقال : لن نعدم من رب يضحك خيرا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 732 :
أخرجه الطيالسي في " مسنده " ( 1092 ) : حدثنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن
وكيع بن عدس عن # أبي رزين # قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره . و
من هذا الوجه أخرجه أحمد في " المسند " ( 4 / 12 ) و في " السنة " ( 452 - دار
ابن القيم ) و ابن أبي عاصم في " السنة " ( رقم 554 - بتحقيقي ) و ابن ماجه في
" سننه " ( رقم 281 ) و عبد الله بن أحمد في " زوائد السنة " ( 453 ) و
الدارقطني في " الصفات " ( 46 / 30 - تحقيق الدكتور الفقيهي ) و الآجري في "
الشريعة " ( ص 279 و 279 - 280 ) و البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 473 )
من طريق الطيالسي - كلهم عن حماد بن سلمة به . قلت : و هذا إسناد ضعيف , رجاله
ثقات رجال مسلم غير وكيع بن عدس , و يقال : " حدس " بالحاء بدل العين , قال
الذهبي في " الميزان " : " لا يعرف , تفرد عنه يعلى بن عطاء " . و قال الحافظ
في " التقريب " : " مقبول " . قلت : يعني عند المتابعة كما نص عليه في المقدمة
, و قد توبع كما يأتي . و قال الذهبي عنه في " الكاشف " : " وثق " ! قلت : يشير
إلى أن ابن حبان وثقه , و أن توثيقه هنا غير معتمد لأنه يوثق من لا يعرف , و
هذا اصطلاح منه لطيف عرفته منه في هذا الكتاب , فلا ينبغي أن يفهم على أنه ثقة
عنده كما يتوهم بعض الناشئين في هذا العلم . و ابن حبان أورده في التابعين من "
ثقاته " ( 5 / 496 ) من رواية يعلى عنه فقط , و حكى الخلاف المتقدم في " عدس "
, و قال : " أرجو أن يكون الصواب بالحاء " . و قد أخرج له حديثا آخر عن أبي
رزين في الرؤية , و هو مخرج في " الظلال " ( 459 ) , و لم يخرج له هذا الحديث ,
و هو عجيب منه خالف فيه الجماعة مع أنه على شرطه , و أخشى ما أخشاه أن يكون
الصارف له عنه هو أنه صريح في إثبات صفة الضحك لله تعالى بحيث لا يمكن تأويله
كما فعل بحديث " ضحك الله من رجلين قتل أحدهما صاحبه و كلاهما في الجنة " , فقد
رأيته تأوله تأويلا متكلفا قبيحا <1> , خالف فيه طريقة السلف في الإثبات مع
التنزيه , فانظر كلامه إن شئت في " صحيحه " ( 4647 - الإحسان ) , و الحديث مخرج
في " الصحيحة " ( 1074 و 2525 ) , و لقد كان الأحرى به أن يخرج هذا الحديث - و
هو على شرطه - من أن يخرج حديث الرؤية المشار إليه آنفا , لأن هذا قد توبع عليه
وكيع بن عدس كما سبقت الإشارة إليه , و الآن جاء وقت تخريج المتابع فأقول :
رواه عبد الرحمن بن عياش السمعي الأنصاري القبائي - من بني عمرو بن عوف - عن
دلهم بن الأسود بن عبد الله بن حاجب بن عامر بن المنتفق العقيلي عن أبيه عن عمه
لقيط بن عامر - قال دلهم : و حدثنيه أبي : الأسود عن عاصم بن لقيط أن لقيطا خرج
وافدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. الحديث بطوله في صفحتين كبيرتين , و
فيه مرفوعا : " و علم [ الله ] يوم الغيث يشرف عليكم , آزلين مشفقين , فيظل
يضحك قد علم أن غيركم إلى قرب " . قال لقيط : لن نعدم من رب يضحك خيرا . أخرجه
عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " ( 4 / 13 ) و " السنة " ( 1120 ) هكذا ,
و ابن خزيمة في " التوحيد " ( 122 - 125 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " (
19 / 211 - 214 ) و ليس لابن خزيمة إسناد دلهم الثاني عن عاصم بن لقيط , و هو
للطبراني دون الأول , و لذلك قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 10 / 340 ) :
" رواه عبد الله و الطبراني بنحوه , و أحد طريقي عبد الله إسنادها متصل , و
رجالها ثقات , و الإسناد الآخر و إسناد الطبراني مرسل عن عاصم بن لقيط أن لقيطا
... " . قلت : و قوله : " .. ثقات " . فهو من تساهله الذي عرف به , فإن كلا من
عبد الرحمن السمعي و دلهم بن الأسود و أبيه ثلاثتهم لا يعرفون إلا بهذا الإسناد
, و قد صرح الذهبي في " الميزان " في ترجمة دلهم بأنه لا يعرف . و أشار فيه إلى
أن الآخرين كذلك , لأنه ليس لهما إلا راو واحد . نعم نقل الحافظ في ترجمة
الأسود عن الذهبي أنه قال فيه : " محله الصدق " . و لا أدري وجهه , و قد قال
الحافظ فيه و في كل من الآخرين : " مقبول " . و ثلاثتهم تفرد بتوثيقهم ابن حبان
( 4 / 32 و 6 / 291 و 7 / 71 ) و هو عمدة الهيثمي في قوله السابق ! من أجل ذلك
كنت ضعفت هذا الإسناد في حديث الرؤية المشار إليه في الطريق الأولى , و لكنني
حسنت متنه لمجموع الطريقين كما تراه مخرجا في " ظلال الجنة " ( 459 ) , كما كنت
ضعفت الإسناد نفسه في هذا الحديث في " الظلال " أيضا ( 554 ) لكنني لم أكن قد
وقفت على هذا الطريق الثاني , فتركت الحديث على الضعف الذي يقتضيه إسناده لأنه
لا سبيل لنا لمعرفة الصحيح و الضعيف من الحديث إلا بالإسناد , و لذلك قال من
قال من السلف : " الإسناد من الدين , لولا الإسناد قال من شاء ما شاء " . فلما
يسر الله تعالى لي الوقوف على هذا الطريق بادرت إلى تقوية الحديث كسابقه
فأخرجته هنا . و الحمد لله على توفيقه . و وجدت له طريقا ثالثا , بل شاهدا و
لكنه مما لا يفرح به يرويه سلم بن سالم البلخي : حدثنا خارجة بن مصعب عن زيد بن
أسلم عن عطاء بن يسار عن عائشة أم المؤمنين مرفوعا بلفظ : " إن الله ليضحك من
إياس العباد و قنوطهم و قرب الرحمة منهم " . قالت عائشة : قلت : يا رسول الله
بأبي أنت و أمي أويضحك ربنا تعالى ? قال : " والذي نفس محمد بيده إنه ليضحك " .
فقلت : لن يعدمنا منه خيرا إن ضحك . أخرجه ابن خزيمة أيضا ( ص 153 ) و ابن عدي
( 3 / 924 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 13 / 44 ) من طريق موسى بن خاقان أبي
عمران النحوي قال : حدثنا سلم بن سالم البلخي .. قلت : و هذا إسناد واه , خارجة
بن مصعب متروك كما في " التقريب " . و سلم بن سالم البلخي ضعيف . له ترجمة في "
اللسان " . و الخلاصة أن الحديث بمجموع الطريقين حسن عندي , و لعله الذي يعنيه
ابن تيمية بقوله : " حديث حسن " في " العقيدة الواسطية " بخلاف ابن القيم فقد
صحح الحديث بطوله في " زاد المعاد " في ( الوفود ) و قال : " هذا حديث كبير
جليل , تنادي جلالته و فخامته و عظمته على أنه قد خرج من مشكاة النبوة .. " !
قلت : ثم ذكر من رواه من الأئمة , و لم يعرج على الكلام على أحد من رواته
المجهولين , و بمثل ذاك الكلام الخطابي لا تصحح الأحاديث ! غريب الحديث :1 - (
غيره ) , في " شرح القاموس " : " الغير من تغير الحال , و هو اسم بمعنى القطع و
العتب , و يجوز أن يكون جمعا واحدته غيرة " . قال أبو الحسن السندي في " حاشية
ابن ماجه " : " و الضمير لله , و المعنى أنه تعالى يضحك من أن العبد يصير
مأيوسا من الخير بأدنى شر وقع عليه مع قرب تغييره تعالى الحال من شر إلى خير و
من مرض إلى عافية و من بلاء و محنة إلى سرور و فرحة . لكن الضحك على هذا لا
يمكن تفسيره بالرضا " . 2 - ( قلت : لن نعدم ) من عدم كعلم إذا فقده . قال
السندي : " يريد أن الرب الذي من صفاته الضحك لا نفقد خيره بل كلما احتجنا إلى
خير وجدناه , فإنا إذا أظهرنا الفاقة لديه يضحك فيعطي " . 3 - ( أزلين ) : "
الأزل بسكون الزاي : الشدة , و ( الأزل ) على وزن ( كتف ) هو الذي قد أصابه
الأزل و اشتد به حتى كاد يقنط " . " زاد المعاد " . ( تنبيهات ) : الأول : قوله
في طريق دلهم : ( غيركم ) هكذا وقع في " المسند " و " السنة " و " مجمع الزوائد
" و قد سبق معناه , و يبدو أنه أشكل أمره على بعضهم فتصرفوا فيه , فوقع في "
زاد المعاد " و " التوحيد " ( غوثكم ) و في " معجم الطبراني " المطبوع : (
عودتكم ) ! و قال المعلق عليه : " و في الأصل ( عوتكم ) , و في " المجمع " (
غيركم ) , و اخترت ( عودتكم ) لأن السياق يدل عليه " ! كذا قال , و قد عرفت
الصواب . الثاني : قال ابن كثير في تفسير سورة البقرة : " و في حديث أبي رزين :
" عجب ربك من قنوط عباده و قرب غيثه , فينظر إليهم قنطين , فيظل يضحك يعلم أن
فرجهم قريب " الحديث . و لم أره بهذا اللفظ , فالظاهر أنه رواه بالمعنى . و
الله أعلم . تنبيه ثالث : قد عزا الحديث من الطريق الثاني لأحمد في " مسنده "
غير ما واحد من المتقدمين و المتأخرين , و هو خطأ , و الصواب أنه من زيادات
ابنه عبد الله في " المسند " كما تقدم ذكره في التخريج , و كما في " جامع
المسانيد " ( 10 / 649 / 8160 ) . عظة و عبرة : لقد لفت نظري تناقض موقف
الشيخين الحلبيين الصابوني و الرفاعي حول حديث ابن كثير الذي ذكره بلفظ : " عجب
.. " فالأول لم يورده في " مختصره " , بخلاف الآخر فإنه أورده في " مختصره ( 1
/ 173 ) و قد ذكر في مقدمته أنه لا يورد فيه إلا الأحاديث الصحيحة ! و كذلك ذكر
الأول , و قد أخلا بشرطهما هذا في عشرات الأحاديث كما بينت ذلك في " الضعيفة "
, فليراجع من شاء الوقوف عليها فهرس المواضيع و الفوائد من المجلد الثالث و
الرابع منها . و هذا مثال جديد نذكره هنا يؤكد أن الشيخ نسيب - رحمه الله -
حينما يصحح أو يضعف , فإنما هو " خباط عشوات " كما يروى عن علي , و إلا فكيف
يصحح حديثا لا أصل له في شيء من كتب السنة باللفظ المذكور ?! و بهذه المناسبة
أقول : إن قول صاحبنا الشيخ مقبل بن هادي في تخريجه لحديث ابن كثير هذا ( 1 /
445 - الكويت ) : " رواه أحمد ( ! ) ج 4 ص 13 بمعناه , و هو حديث ضعيف لأنه من
طريق عبد الرحمن بن عياش السمعي عن دلهم بن الأسود و هما مجهولان " . أقول :
فقوله : " بمعناه " ليس بصحيح , لأن " العجب " غير " الضحك " , فهما صفتان لله
عز وجل عند أهل السنة - و هو منهم و الحمد لله - خلافا للأشاعرة , فإنهم لا
يعتقدونهما , بل يتأولونهما بمعنى الرضا ! فلعله لم يتنبه للازم هذا القول , و
لهذا قيل : لازم المذهب ليس بمذهب ! و أما قوله : و هو حديث ضعيف , فهو مسلم
بالنظر لطريق السمعي المذكورة , و قد فاته الطريق الأخرى التي ابتدأنا التخريج
بها , و حسنا الحديث بمجموعهما . فلعله لو وقف عليها يرجع عن جزمه بضعف الحديث
. و الله أعلم . و أما الشيخ الصابوني , فغالب الظن أنه لم يورد الحديث لأنه لم
يرق له لفظه , فإنه من الأشاعرة أو الماتريديين المؤولين , و ليس لأنه عرف أنه
لا أصل له بلفظ أصله !
-----------------------------------------------------------
[1] و قد حكى الإمام الدارمي نحوه في رده على المريسي ثم أبطله , فراجعه فإنه
مهم ( ص 177 - 178 ) . اهـ .
2811 " ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر ? حارس الحرس في أرض خوف لعله أن لا
يرجع إلى أهله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 739 :
أخرجه الروياني في " مسنده " ( ق 247 / 2 ) : أخبرنا محمد بن بشار أخبرنا يحيى
بن سعيد القطان أخبرنا ثور بن يزيد عن عبد الرحمن بن عائذ عن مجاهد عن # ابن
عمر # عن النبي صلى الله عليه وسلم - و ربما لم يرفعه - قال : فذكره . قلت : و
هذا إسناد صحيح , رجاله ثقات رجال البخاري غير عبد الرحمن بن عائذ , و هو ثقة
كما في " التقريب " . و الحديث أخرجه الحاكم ( 2 / 80 - 81 ) و عنه البيهقي ( 9
/ 149 ) من طريق مسدد : حدثنا يحيى بن سعيد به إلا أنه لم يقل : " و ربما لم
يرفعه " . و قال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " ! و وافقه الذهبي ! و ذلك
من أوهامهما لما تقدم من الاستثناء , و قد أقره المنذري أيضا ( 2 / 154 ) ! ثم
قال الحاكم : " و قد أوقفه وكيع بن الجراح عن ثور , و في يحيى بن سعيد قدوة " .
قلت : و هو كما قال , لكن يحيى قد ذكر أن الراوي - و لعله ابن عمر أو من دونه -
كان ربما لم يرفعه , و ذلك مما لا يضر لأن الراوي قد لا ينشط أحيانا فيوقفه , و
لأنه لا يقال من قبل الرأي كما هو ظاهر . ( تنبيه ) : " حارس الحرس " كذا وقع
في " المسند " و في المصدرين الآخرين : " حارس حرس " و لعله الصواب , فإنه كذلك
في " مصنف ابن أبي شيبة " ( 5 / 296 ) : حدثنا وكيع أخبرنا ثور به موقوفا . و
كذا هو في " الترغيب " . و الله أعلم .
2812 " لا تستمتعوا من الميتة بإهاب و لا عصب " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 740 :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 302 / 1 ) : حدثنا هيثم بن خالد حدثنا عبد
الكبير بن المعافى : حدثنا هشيم عن عبيدة عن إبراهيم عن عبد الله بن عبيد الله
الهاشمي عن # عبد الله بن عكيم # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
فذكره . و قال : " لم يروه عن عبيدة إلا هشيم , تفرد به عبد الكبير به المعافى
" . قلت : قال ابن أبي حاتم ( 3 / 1 / 63 ) : " سمع منه أبي و روى عنه و قال :
و كان ثقة رضا , كان يعد من الأبدال " . قلت : و إنما العلة ممن فوقه , فهشيم -
و هو ابن بشير الواسطي - مع كونه ثقة ثبتا , فهو كثير التدليس كما في " التقريب
" . و شيخه عبيدة - و هو ابن معتب الضبي - , قال الذهبي في " الضعفاء " : " قال
أحمد : تركوا حديثه " . و قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 218 ) : " و
فيه عبيدة بن معتب و قد أجمعوا على ضعفه " . و عبد الله بن عبيد الله الهاشمي
هو من طبقة عبد الله بن عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب الهاشمي و هو ثقة من
رجال الشيخين , لكنهم لم يذكروا له رواية عن عبد الله بن عكيم و لا ذكروا
إبراهيم - و هو النخعي - في الرواة عنه . و هيثم بن خالد و هو المصيصي أورده
الذهبي في " الضعفاء " و قال : " قال الدارقطني : ضعيف " . و أقره الحافظ في "
التهذيب " و جزم بضعفه في " التقريب " . لكن قد رواه شبيب بن سعيد عن شعبة عن
الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عبد الله بن عكيم قال : جاءنا كتاب رسول
الله صلى الله عليه وسلم و نحن في أرض جهينة : " إني كنت رخصت لكم في إهاب
الميتة و عصبها , فلا تنتفعوا بعصب و لا إهاب " . أخرجه ابن عدي في ترجمة شبيب
هذا من " الكامل " ( 4 / 1347 ) و الطبراني أيضا كما في " التلخيص الحبير " ( 1
/ 47 ) و قال : " إسناده ثقات , و تابعه فضالة بن المفضل عند الطبراني في (
الأوسط ) " . قلت : فضالة لفظ حديثه يختلف عن هذا فإنه بلفظ : " إني كنت رخصت
لكم في جلود الميتة , فلا تنتفعوا من الميتة بجلد و لا عصب " . فذكر الجلد في
الموضعين مكان الإهاب و المحفوظ ( الإهاب ) و هو الجلد قبل الدبغ , هكذا رواه
جماعة عن شعبة به , و هو مخرج في " الإرواء " ( رقم 38 ) . و فضالة بن مفضل قال
ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 79 ) عن أبيه : " لم يكن بأهل أن يكتب عنه العلم , سألت
عنه سعيد بن عيسى بن تليد ? فثبطني عنه , و قال : الحديث الذي يحدث به موضوع أو
نحو هذا " . و اعلم أن حديث ابن عكيم هذا قد اختلف العلماء فيه رواية و دراية :
و أما رواية , فقد أعله بعضهم بالإرسال و الاضطراب , و هو مردود لأنه إن سلم به
بالنظر لبعض الطرق , فهو غير مسلم بالنسبة للطرق الأخرى كما كنت بينته في
المصدر المذكور آنفا و لذلك قواه بعض المتقدمين و منهم الإمام أحمد رحمه الله
تعالى , فقال ابنه صالح في " مسائله " ( ص 160 ) : " قال أبي : الله قد حرم
الميتة , فالجلد هو من الميتة , و أذهب إلى حديث ابن عكيم , أرجو أن يكون صحيحا
: لا تنتفعوا من الميتة بإهاب و لا عصب " . قال أحمد : " و ليس عندي في دباغ
الميتة حديث صحيح , و حديث ابن عكيم هو أصحها " ! كذا قال رحمه الله , مع أنه
قد ورد في الدباغ خمسة عشر حديثا ساقها الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 1 / 54 )
بعضها في " الصحيحين " و هي مخرجة في " غاية المرام " ( 25 - 29 ) . و أما
الدراية فقد اختلف العلماء في كون الدباغ مطهرا أم لا ? و الجمهور على الأول ,
و اختلفوا في الجواب عن حديث الترجمة , و أصح ما قيل إن الإهاب هو الجلد الذي
لم يدبغ , فهو المنهي عنه , فإذا دبغ فقد طهر . و من شاء التفصيل فليراجع " نيل
الأوطار " و غيره .
2813 " أوتي موسى عليه السلام الألواح , و أوتيت المثاني " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 743 :
أخرجه الإسماعيلي في " معجم شيوخه " ( ق 82 / 1 ) : حدثنا أبو عبد الله الحسين
بن أحمد بن منصور - سجادة - ببغداد : حدثنا أبو معمر حدثنا جرير عن الأعمش عن
مسلم البطين عن سعيد بن جبير عن # ابن عباس # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
: فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير سجادة هذا
, ترجمه الخطيب في " التاريخ " ( 8 / 4 ) برواية جمع من الحفاظ عنه و قال : " و
كان لا بأس به " . و أبو معمر اسمه إسماعيل بن إبراهيم الهذلي , و قد تابعه
عثمان بن أبي شيبة : حدثنا جرير به أتم منه . أخرجه أبو داود عنه , و النسائي و
غيره من طريق أخرى عن جرير به مختصرا , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1312
) . و قد زعم بعض المعاصرين ممن كتب في فضل بعض السور أن حديث أبي داود هذا
موقوف , و هو من أوهامه الظاهرة . و المعصوم من عصمه الله . ( تنبيه ) : حديث
الترجمة كنت أوردته في " ضعيف الجامع الصغير و زيادته " لأنني لم أكن قد وقفت
على إسناده و لذلك كنت بيضت له فيه , فلما وقفت على إسناده و تبين لي صحته
بادرت إلى تخريجه هنا و قررت نقله إلى " صحيح الجامع " , و الله سبحانه و تعالى
هو الموفق , لا إله إلا هو .
2814 " أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين , فلما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة صلى
إلى كل صلاة مثلها غير المغرب , فإنها وتر النهار , و صلاة الصبح لطول قراءتها
, و كان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 744 :
أخرجه الطحاوي في " معاني الآثار " ( 1 / 241 ) من طريق مرجى بن رجاء قال :
حدثنا داود عن الشعبي عن مسروق عن # عائشة # قالت : فذكره . قلت : و هذا إسناد
حسن رجاله ثقات غير مرجى بن رجاء فإنه مختلف فيه و أورده الذهبي في " المتكلم
فيهم بما لا يوجب الرد " , و قال ( 173 / 319 ) : " علق له البخاري , جائز
الحديث " . و قد لخص كلام الأئمة فيه الحافظ , فقال في " التقريب " : " صدوق
ربما وهم " . قلت : قد قام الدليل على أنه قد حفظ و لم يهم , بمتابع له معتبر و
شاهد . أما المتابع فهو محبوب بن الحسن : حدثنا داود به . أخرجه السراج في "
مسنده " ( ق 120 / 2 ) من طريقين عنه , و صححه ابن خزيمة و ابن حبان كما في "
تمام المنة " ( 304 ) , و احتج به الحافظ كما يأتي , و محبوب هذا اسمه محمد و
محبوب لقبه , قال ابن معين : " ليس به بأس " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " .
و قال النسائي : " ضعيف " . و قال أبو حاتم : " ليس بالقوي " . قلت : فمثله
يستشهد به على الأقل , و إلى ذلك أشار الحافظ بقوله : " صدوق فيه لين " . و
تابعهما أبو معاوية الضرير - و هو ثقة - في " مسند ابن راهويه " ( 3 / 933 -
934 ) لكنه لم يذكر فيه ( مسروقا ) . و بعضه في " صحيح البخاري " ( 3935 ) و "
أبي عوانة " ( 2 / 28 ) و ابن راهويه ( 2 / 107 / 31 ) من طريق معمر عن الزهري
عن عروة عن عائشة مختصرا بلفظ : " فرضت الصلاة ركعتين ثم هاجر النبي صلى الله
عليه وسلم ففرضت أربعا و تركت صلاة السفر على الأولى " . و هو متفق عليه دون
ذكر الهجرة , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1082 ) . و أما الشاهد , ففي "
المطالب العالية المسندة " للحافظ ابن حجر ( ق 25 / 2 ) : " إسحاق <1> : قلت
لأبي أسامة : أحدثكم سعد بن سعيد الأنصاري قال : سمعت السائب ابن يزيد يقول :
كانت الصلاة فرضت سجدتين سجدتين : الظهر و العصر , فكانوا يصلون بعد الظهر
ركعتين و بعد العصر ركعتين , فكتب عليهم الظهر أربعا و العصر أربعا , فتركوا
ذاك حين كتب عليهم , و أقرت صلاة السفر [ ركعتين ] , و كانت الحضر أربعا ? فأقر
به , و قال : نعم " . و قال الحافظ : " هذا حديث حسن " . قلت : و إنما لم يصححه
مع أن رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , لأن سعدا الأنصاري مختلف فيه , قال أحمد : "
ضعيف " . و كذا قال ابن معين في رواية . و قال في أخرى : " صالح " . و قال
النسائي : " ليس بالقوي " . و قال ابن سعد : " كان ثقة قليل الحديث " . و قال
الترمذي : " تكلموا فيه من قبل حفظه " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 4 /
298 ) و قال : " كان يخطىء " . قلت : و لهذا أورده الذهبي في رسالته المتقدمة "
المتكلم فيهم " ( 111 / 141 ) فمثله حسن الحديث إن شاء الله تعالى , فهو شاهد
جيد . و قد أخرجه السراج في " مسنده " ( ق 120 / 1 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 7 / 184 - 185 ) من طرق أخرى عن سعيد به مختصرا . و قال الهيثمي ( 2
/ 155 ) : " رواه الطبراني في " الكبير " , و رجاله رجال ( الصحيح ) " . و له
شاهد آخر , و لكنه مما لا يفرح به لشدة ضعف راويه و هو عمرو بن عبد الغفار ,
رواه عن عاصم الأحول عن أبي عثمان عن سلمان قال : " فرضت الصلاة ركعتين [
ركعتين ] , فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى قدم المدينة , و
صلاها في المدينة ما شاء الله , و زيد في صلاة الحضر ركعتين و تركت صلاة السفر
على حالها " . أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 31 / 2 / 5541 - بترقيمي ) و
قال : " لم يروه عن عاصم إلا عمرو , و لا يروى عن سلمان إلا بهذا الإسناد " .
قلت : قال الهيثمي ( 2 / 156 ) : " و فيه عمرو بن عبد الغفار , و هو متروك " .
( تنبيه ) : زيادة ( ركعتين ) في حديث سلمان هذا استدركتها من " مجمع الزوائد "
, كما استدركتها في حديث السائب المتقدم من " المطالب العالية " المطبوعة ( 1 /
180 ) , و قد سقط منها عزو الحديث لإسحاق ! و الظاهر أن محقق الكتاب الشيخ
الأعظمي لم يرجع إلى النسخة المسندة من " المطالب العالية " , و إلا لتدارك هذا
السقط , و لما وقع في خطأ تفسيره لقوله المتقدم في الحديث : " فأقر به " , فإنه
قال : " أي فأقر به سعد بن سعيد " ! و هذا خطأ محض , و الصواب أن يقال : " أي
فأقر به أبو أسامة " كما هو ظاهر من سياق إسناده المتقدم ( ص 745 ) . و هو أبو
أسامة حماد بن أسامة من ثقات شيوخ الأئمة الشافعي و أحمد , و إسحاق بن راهويه .
( فائدة ) : دلت الأحاديث المتقدمة على أن صلاة السفر أصل بنفسها , و أنها ليست
مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم , فهي في ذلك كصلاة العيدين و نحوها , كما
قال عمر رضي الله عنه : " صلاة السفر و صلاة الفطر و صلاة الأضحى و صلاة الجمعة
, ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم " . رواه ابن خزيمة و
ابن حبان في " صحيحيهما " , و هو مخرج في " إرواء الغليل " ( 638 ) . و ذلك هو
الذي رجحه الحافظ في " فتح الباري " بعد أن حكى الاختلاف في حكم القصر في السفر
, و دليل كل , فقال ( 1 / 464 ) : " و الذي يظهر لي - و به تجتمع الأدلة
السابقة - أن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب , ثم زيدت
بعد الهجرة عقب الهجرة إلا الصبح , ( ثم ذكر حديث محبوب , و فاته متابعة المرجى
, و قال : ) ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية
السابقة و هي قوله تعالى : *( فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة )* , و يؤيد
ذلك ما ذكره ابن الأثير في " شرح المسند " : أن قصر الصلاة كان في السنة
الرابعة من الهجرة .. " . و خالف ما تقدم من التحقيق حديثيا و فقهيا بعض ذوي
الأهواء من المعاصرين , و هو الشيخ عبد الله الغماري المعروف بحبه للمخالفة و
حب الظهور , و قديما قيل : حب الظهور يقصم الظهور ! و الأمثلة على ذلك كثيرة
كنت ذكرت بعضها في مقدمة المجلد الثالث من السلسلة الأخرى : " الضعيفة " , و في
تضاعيف أحاديثها . و أمامنا الآن هذا المثال الجديد : لقد زعم في رسالته "
الصبح السافر " ( ص 12 ) في عنوان له : " فرضت الصلاة أربعا لا اثنتين " , و
استدل لذلك - مموها على القراء - بأمور ثلاثة : الأول : الآية السابقة *( فليس
عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة .. )* , و ذكر أنها نزلت في صلاة الخوف في
العهد المدني . الثاني : أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله وضع
عن المسافر الصيام و شطر الصلاة " . رواه أصحاب السنن و غيرهم , و هو مخرج عندي
في " صحيح أبي داود " ( 2083 ) و غيره . الثالث : أنه ساق خمسة أحاديث صريحة في
أن قصر الصلاة كان في مكة حين نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه
وسلم , و صلى به الصلوات الخمس . و الجواب على الترتيب السابق :
1 - أما الآية فقد اعترف هو ( ص 20 ) أنها نزلت بعد الهجرة في السنة الرابعة أو
الخامسة , و زاد ذلك بيانا فقال ( ص 21 ) : " بل الذي وقع أنه كان بين زيادة
صلاة الحضر و قصر صلاة السفر فترة زادت على ثلاث سنوات كما مر " ! قلت : فهو قد
هدم بهذا القول الصريح ذلك العنوان , و ما ساقه تحته من الأدلة , و هذا أولها ,
فإن معنى ذلك أن صلاة الحضر فرضت اثنتين اثنتين , ثم زيدت في المدينة , و هذا
يوافق تماما حديث عائشة و بخاصة حديث الترجمة , و ما استظهره الحافظ كما تقدم ,
و يخالف زعمه أنها فرضت أربعا أربعا في مكة ! 2 - الأحاديث التي ذكرها و أشرت
إليها , و نقلت إلى القراء واحدا منها , لأن الجواب عنه جواب عنها , و هو في
الحقيقة نفس الجواب عن الآية السابقة , لأن الوضع المذكور في الحديث يصح حمله
في كل من الاحتمالين أي سواء كانت الزيادة مكية كما يزعم الغماري , أو مدنية
كما يدل عليه ما تقدم من الأحاديث , فقوله ( ص 12 ) : " فهذه ثلاثة أحاديث تصرح
بأن صلاة المسافر مقصورة من أربع ركعات , لأن معنى وضع شطر الصلاة حط نصفها بعد
أن كان إتمامها واجبا عليه " . قلت : فهذا الكلام لا ينافي ما ذكرته , و لا
دليل فيه يؤيد به انحرافه ! 3 - أما الأحاديث الخمسة الصريحة , فهي في الحقيقة
أربعة لأن الثالث و الخامس منها مدارهما على الحسن البصري مرسلا , و هي كلها
ضعيفة منكرة , و قد دلس فيها على القراء ما شاء له التدليس , و أوهمهم صحة بعض
أسانيدها و صراحة متونها و هو في ذلك غير صادق , و إليك البيان بإيجاز و تفصيل
: أما الإيجاز : فهو أن الأحاديث الخمسة منكرة كلها , لضعف أسانيدها و مخالفتها
للأحاديث الصحيحة التي لم تذكر تربيع الركعات في الظهر و العصر و العشاء , و
بعضها يصرح أن الصلاة فرضت ركعتين ركعتين , فأقرت في السفر و زيدت في الحضر . و
أما التفصيل , فأقول مستعينا بالله عز وجل : 1 - أما الحديث الأول : فذكره ( ص
13 ) من طريق أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبي مسعود الأنصاري قال : " جاء جبريل
إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : قم فصل , و ذلك لدلوك الشمس حين مالت ,
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الظهر أربعا .. " . ثم ذكر مثله في
صلاة العصر و العشاء . و قال : " رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " على شرط
الشيخين " . قلت : هذا من تدليسه فإنه يعلم أن أبا بكر بن عمرو لم يسمعه من أبي
مسعود لأنه نقله من كتاب " نصب الراية " للزيلعي ( 1 / 223 ) و قد نقل عن
البيهقي أنه منقطع , و هذا قد أخرجه في " سننه " ( 1 / 361 ) و كذا الباغندي في
" مسند عمر ابن عبد العزيز " ( رقم 62 ) من طريق أخرى عن أبي بكر به . و قال
البيهقي : " أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم لم يسمعه من أبي مسعود الأنصاري و
إنما هو بلاغ بلغه " . هذا أولا . و ثانيا : هو يعلم أن الحديث في " الصحيحين "
و غيرهما من طريق أخرى عن أبي مسعود مختصرا ليس فيه بيان الصلوات بله الركعات ,
و أخرجه أبو داود ببيان الصلوات دون الركعات , و هذا كله يعني أن ذكر الركعات
منكر لأنها زيادة بسند ضعيف على الرواية الصحيحة , و قد أشار إلى هذه الحقيقة
الحافظ ابن حجر بقوله عقب حديث أبي بكر : " قلت : و أصله في " الصحيحين " من
غير بيان " الأوقات " . و كذا في " نصب الراية " . و هو مخرج في " صحيح أبي
داود " ( 418 ) و " الإرواء " ( 1 / 269 ) . و ثالثا : هو يعلم أيضا أن الحديث
قد جاء عن جماعة من الصحابة بلغوا سبعة نفر ليس في حديثهم عدد الركعات , منهم
عبد الله بن عباس و جابر بن عبد الله و أبو هريرة , و هي مخرجة في " الإرواء "
( 249 ) , و " صحيح أبي داود " ( 417 و 419 و 420 ) و هي كلها مخرجة في " نصب
الراية " , فماذا يقول الإنسان عن رجل يتجاهل كل هذه الروايات , و بعضها صحيح و
حسن لذاته , و بعضها حسن لغيره , و يتشبث برواية ضعيفة منكرة هي رواية أبي بكر
هذه عند إسحاق . على أن هذا قد روى عنه رواية أخرى موافقة لرواية الجماعة , هي
أصح من روايته الأولى المنقطعة , فقد روى معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد
بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده عمرو بن حزم قال : " جاء جبريل فصلى بالنبي صلى
الله عليه وسلم .. " الحديث ليس فيه ذكر الركعات . رواه إسحاق بن راهويه في "
مسنده " كما في " نصب الراية " ( 1 / 225 ) و " المطالب العالية " ( ق 9 / 2 )
من طريق عبد الرزاق , و هذا في " المصنف " ( 1 / 534 ) لكن وقع سقط في إسناده .
و قال الحافظ عقبه في " المطالب " أيضا : " هذا إسناد حسن , إلا أن محمد بن
عمرو بن حزم لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم لصغره , فإن كان الضمير في "
جده " يعود إلى " أبي بكر " توقف على سماع أبي بكر من عمرو " . قلت : هو عن جده
مصرح به - كما ترى - فهو منقطع لأن ( محمد بن عمرو ) لم يدركه , و لكنه صحيح
لشواهده المتقدمة , فإنه ليس فيه شيء من النكارة بخلاف رواية أبي بكر الأولى .
تدليس آخر للغماري هداه الله , قال عقب حديثه المتقدم عن أبي مسعود و فيه عدد
الركعات المنكر : " و رواه البيهقي في " المعرفة " من طريق أيوب بن عتبة :
حدثنا أبو بكر بن عمرو ابن حزم عن عروة بن الزبير عن ابن أبي مسعود الأنصاري عن
أبيه " . قلت : وجه تدليسه على القراء من ناحيتين : الأولى : سكت عن إسناده
فأوهم أن لا شيء فيه و أن البيهقي لم يتكلم عليه , و هو خلاف الواقع , فإن
الزيلعي لما عزاه للبيهقي لم يدلس كما صنع الغماري ! و منه نقله , بل أتبعه
بقوله ( 1 / 223 ) : " قال البيهقي : فأيوب بن عتبة ليس بالقوي " . و الأخرى -
و هي أخطر - : أنه ليس في هذه الطريق تربيع الركعات , و قد أشار لذلك البيهقي
في " المعرفة " بقوله ( 1 / 173 ) عقب الحديث : " و لم أر ذكر العدد إلا في
حديث سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ( يعني : حديثه عن أبي بكر المتقدم و الذي
أعله بالانقطاع ) و قد اختلفوا فيه , و حديث معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة
يدل على أنها فرضت بمكة ركعتين ركعتين , فلما خرج إلى المدينة فرضت أربعا , و
هو أصح " . قلت : و هذا مما لا شك فيه لحديث الترجمة و غيره مما تقدم , و لكن
الغماري لا يقيم وزنا لما صح من الحديث , بل و يضعفه بالرأي لمجرد مخالفته
لهواه كحديث معمر هذا , فإنه قد ضعفه مع كونه في " صحيح البخاري " كما سيأتي
بيانه , و الله المستعان . و يؤيد ما أشار إليه البيهقي , أن الحديث أخرجه
الطبراني في " المعجم الكبير " ( 17 / 260 / 718 ) فقد ساقه فيه بتمامه من طريق
أيوب بن عتبة , و ليس فيه التربيع . و ثمة تدليس ثالث للغماري في قوله عقب
فقرته السابقة : " و رواه الباغندي في " مسند عمر بن عبد العزيز " , و صرح في
روايته باسم بشير ابن أبي مسعود . و بشير قال عنه الحافظ : تابعي جليل ..
فالحديث بمجموع الطريقين صحيح " . قلت : ليتأمل القارىء هذا التدليس الخبيث ,
كيف أنه تكلم عن بشير و أنه ثقة - و هذا حق - و انصرف عن الكلام عن علة الحديث
و هي أيوب بن عتبة الذي في رواية البيهقي موهما القراء أن لا علة فيه ! كما أنه
ليس عند الباغندي ( رقم 64 ) التربيع أيضا ! و قوله : فالحديث صحيح بمجموع
الطريقين إن كان يعني بهما رواية البيهقي و الباغندي فهو واضح البطلان لأنه من
باب تقوية رواية الضعيف بروايته الأخرى , و هذا لا يصدر إلا من مأفون ! و إن
كان يعني طريق أيوب هذه و طريق ابن راهويه , فهو قريب من الأول لأن مدارهما على
أبي بكر , غاية ما في الأمر أن الطريق الأولى منقطعة كما تقدم , و الأخرى متصلة
, لكن الذي وصلها - و هو أيوب - ضعيف , و الأولى رجالها ثقات , و قد قال
الغماري نفسه كما سبق أن إسنادها على شرط الشيخين فكيف يصح تقوية المنقطع
بالمتصل و روايته مرجوحة ! هذا لو كان في متن كل منهما التربيع , و ليس كذلك
كما سبق , و لم يكن ذكر التربيع في رواية أبي بكر منكرا , و هيهات هيهات , فقد
أثبتنا نكارته بما لا قبل لأحد برده مهما كان مكابرا كالغماري . و بهذا ينتهي
الكلام على حديثه الأول . 2 - و أما حديثه الثاني و هو عن أنس , فقد كفانا مؤنة
رده اعتراف الغماري بأن في إسناده مجهولين , لكن هذا ليس بعلة قادحة عندي
لأنهما قد توبعا و إنما هي المخالفة , بل النكارة في المتن , و المخالفة في
السند و المتن ! أما الأولى : فهي قولهما في حديثهما : أن جبريل أمر النبي صلى
الله عليه وسلم أن يؤذن للناس بالصلاة . و معلوم أن الأذان إنما شرع في المدينة
! و الأخرى : أن البيهقي أخرج الحديث بسند صحيح عن شيبان بن عبد الرحمن النحوي
عن قتادة : حدثنا أنس بن مالك أن مالك بن صعصعة حدثهم فذكر حديث المعراج بطوله
و فيه فرض الصلوات الخمس . قال قتادة : و حدثنا الحسن يعني البصري أن النبي صلى
الله عليه وسلم .. قلت : فذكر الحديث نحو رواية المجهولين , لكن دون الأمر
بالأذان , و فيه تربيع الصلوات الثلاث , و قال البيهقي عقبه : " ففي هذا الحديث
, و ما روي في معناه دليل على أن ذلك كان بمكة بعد المعراج , و أن الصلوات
الخمس فرضت حينئذ بأعدادهن , و قد ثبت عن عائشة رضي الله عنها خلاف ذلك " . ثم
ساق البيهقي حديث معمر المتقدم برواية البخاري , و حديث داود بن أبي هند من
طريق ثالث عنه , استغنيت عن ذكره هناك بالطريقين السابقين . قلت : و وجه
المخالفة أن شيبان النحوي بين في روايته عن قتادة عن أنس أنه ليس فيها ذكر
التربيع الذي رواه قتادة عن الحسن مرسلا . و معنى ذلك أن الحسن زادها على أنس ,
فكانت منكرة بهذا الاعتبار , فكيف إذا ضم إلى ذلك مخالفته أيضا للأحاديث
الصحيحة التي سبقت الإشارة إليها ? 3 - و أما حديثه الثالث , و قد ساقه من طريق
سعيد عن قتادة عن الحسن . فقد عرفت الجواب عنه آنفا , و لذلك فمن التدليس
الخبيث قوله : " مرسل صحيح الإسناد , و هو مع حديث أنس حجة , كما تقرر في علم
الحديث و الأصول " ! قلت : يشير إلى قولهم - و اللفظ للنووي في " تقريبه " ( 1
/ 198 - بشرح " التدريب " ) : " فإن صح مخرج المرسل بمجيئه من وجه آخر مسندا أو
مرسلا أرسله من أخذ عن غير رجال الأول كان صحيحا " . و راجع " فتح المغيث " ( 1
/ 138 ) . و جوابنا عن قوله المذكور من وجهين : الأول : أن هذا في غير المرسل
الذي ثبتت نكارته و مخالفته للأحاديث الصحيحة , و مثله أقول في المسند الشاهد
له أنه لا يصلح للشهادة لأنه منكر أيضا كما سبق تحقيقه , فكيف يقوي منكر منكرا
?! و الآخر : أن مراسيل الحسن عند العلماء شبه الريح كما قال الحافظ العراقي
فيما نقله السيوطي في " شرحه " ( 1 / 204 ) , و ذلك لأنه كان ممن يصدق كل من
يحدثه , و لذلك قال ابن سيرين : حدثوا عمن شئتم من المراسيل إلا عن الحسن و أبي
العالية , فإنهما لا يباليان عمن أخذا الحديث . و قال أحمد : ليس في المرسلات
شيء أضعف من مرسلات الحسن و عطاء بن أبي رباح , فإنهما يأخذان عن كل أحد .
نقلتهما من " جامع التحصيل " للعلائي ( ص 44 و 86 و 87 و 97 ) . و إن مما يؤكد
ما ذكر العلماء أن الحسن نفسه قد يروي حديثا عن صحابي دون أن يسمي من حدثه عنه
, ثم هو يفتي بخلافه ! الأمر الذي يشعرنا بأنه هو نفسه كان لا يثق بما يرسله ,
فانظر " الضعيفة " الحديث ( 342 ) . 4 - و أما حديثه الرابع , فقد ذكره من
رواية عبد الرزاق في " المصنف " عن ابن جريج قال : قال نافع بن جبير و غيره :
... فذكر الحديث . و قال عقبه : " إسناده صحيح " ! قلت : و هذا كذب صريح , و
تدليس على القراء خبيث , فإن نافع بن جبير تابعي معروف ثقة , فلو أنه قال :
إسناده مرسل صحيح , لكان كذابا أيضا , فإن في الطريق إليه علتين تحولان دون
التصحيح : الأولى : و هي ظاهرة لكل ذي معرفة بهذا العلم , و ما أظن ذلك مما
يخفى على الغماري , و لكنه الهوى ! و هي قول ابن جريج : قال : قال نافع . فإن
ابن جريج كان من المدلسين المعروفين بذلك و المكثرين منه كما في " التحصيل " (
ص 123 ) للعلائي , فمثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح بالتحديث , و بخاصة أنه كما
قال الدارقطني : " تدليسه قبيح , لا يدلس إلا فيما سمعه من مجروح , مثل إبراهيم
بن أبي يحيى و موسى بن عبيدة " ! و العلة الأخرى : أن عبد الرزاق أخرجه في "
كتاب الصلاة " من " مصنفه " ( 1 / 532 / 2030 ) , و هذا الكتاب يرويه عنه إسحاق
بن إبراهيم الدبري ( انظر ص 349 منه ) و في سماعه منه كلام معروف , قال النسائي
في " الضعفاء " ( ص 297 / 379 ) في ترجمة عبد الرزاق : " فيه نظر لمن كتب عنه
بأخرة " . زاد في " التهذيب " عنه : " كتب عنه أحاديث مناكير " . و قال الذهبي
في " الميزان " في ترجمة إسحاق بن إبراهيم الدبري : " سمع من عبد الرزاق
تصانيفه , و هو ابن سبع سنين أو نحوها , لكن روى عن عبد الرزاق أحاديث منكرة ,
فوقع التردد فيها هل هي منه فانفرد بها , أو هي معروفة مما تفرد به عبد الرزاق
" . و في " اللسان " : " ذكر أحمد أن عبد الرزاق عمي فكان يلقن فيتلقن , فسماع
من سمع منه بعدما عمي لا شيء . قال ابن الصلاح : و قد وجدت فيما روى الدبري عن
عبد الرزاق أحاديث استنكرتها جدا , فأحلت أمرها على الدبري , لأن سماعه منه
متأخر جدا " . قلت : و بالجملة فالحديث ضعيف لإرساله , و انقطاعه بين مرسله و
الراوي عنه , و ضعف السند إليه , ظلمات بعضها فوق بعض , و مع هذا كله يقول فيه
هذا الهالك في عجبه و غروره : إسناده صحيح !! أضف إلى ذلك العلة العامة الشاملة
لأحاديثه الخمسة , و هي مخالفة الأحاديث الصحيحة ! 5 - و أما حديثه الخامس ,
فهو عن الحسن البصري أيضا كما تقدمت الإشارة إليه و تقدم الجواب عنه في حديثه
الثالث بما فيه كفاية و أنه منكر مثل كل أحاديثه ! هذا , و من ضلال هذا المأفون
أنه بعد أن ساق هذه الأحاديث الضعيفة و بنى عليها أن الصلوات الثلاث فرضت أربعا
أربعا , انبرى ليضعف ما صح من الأحاديث المخالفة لها , و هي ثلاثة : الأول :
حديث عائشة المتقدم : فرضت الصلاة ركعتين ... الحديث . و هو مما أخرجه الشيخان
و غيرهما من أصحاب الصحاح , حتى قال ابن رشد في " البداية " ( 3 / 395 - بتخريج
الهداية ) : " إنه حديث ثابت باتفاق " . و أقره مخرجه الشيخ أحمد الغماري أخو
عبد الله هذا , و خرجه و لم يعلق عليه بشيء , و أما هذا المأفون , فزعم ( ص 16
و 18 ) : أنه شاذ , و الشاذ من قبيل الضعيف . بعد أن ادعى أنه موقوف عليها . و
هذه الدعوى و إن كان مسبوقا إليها من بعض فقهاء الشافعية , فقد ردها الحافظ - و
هو شافعي أيضا - بقوله في " الفتح " ( 1 / 464 ) ردا على المخالفين : " فهو مما
لا مجال للرأي فيه , فله حكم الرفع " . قلت : و إني - والله - لأتعجب كل العجب
من أولئك الفقهاء و كيف يجيزون على السيدة عائشة أن تقول من نفسها : " فرض الله
الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر و السفر .. " الحديث , و هو متفق عليه
- كما تقدم - و لو أنها قالت من نفسها : " فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم
... " كما قال ذلك ابن عمر في صدقة الفطر , لو أن ذلك قاله قائل دون توقيف من
رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعتبر القائل من الكاذبين على رسول الله صلى
الله عليه وسلم , فكيف يكون حاله لو قال : " فرض الله .. " ?! تالله إنها لإحدى
الكبر أن يقال في عائشة الصديقة رضي الله عنها أنها قالت ذلك من نفسها دون
توقيف من رسول الله صلى الله عليه وسلم ! و لا يقال : لعلهم لم يقفوا على هذا
اللفظ الصريح في الرفع , و إنما على اللفظ الآخر : " فرضت الصلاة ركعتين ركعتين
.. " . لأننا نقول : هب أن الأمر كذلك بالنسبة لغير الغماري , فإنه في معنى
الأول , ألا ترى أن العلماء ذكروا في " مصطلح الحديث " : " و قول الصحابي : "
أمرنا بكذا " أو " نهينا عن كذا " مرفوع مسند عند أصحاب الحديث " . كذا في "
اختصار علوم الحديث " ( ص 50 ) و غيره . و ليس بخاف على أحد أنه لا فرق بين قول
الصحابي : " أمر " و قوله " فرض " , و بخاصة إذا صرح بالفاعل كما في هذه
الرواية الصحيحة عن عائشة رضي الله عنها , فالحكم على الحديث و الحالة هذه
بالوقف مخالف لقواعد علم الحديث , هذه القواعد التي يتبجح الغماري بالإحالة
إليها كثيرا دون ما فائدة كما فعل في الحديث الثالث المتقدم . و إنما قلت آنفا
: " لغير العماري " , لأن أولئك الفقهاء قد يمكن أن يلتمس لهم العذر من باب
إحسان الظن بهم , و أما هذا الغماري فقد أغلق هذا الباب بينه و بين مخالفيه ,
لكثرة طعنه فيهم بغير حق , كما كنت شرحت ذلك في مقدمة المجلد الثالث المشار
إليه فيما سبق , و لمكابرته في رد النصوص إما بردها و تضعيفها , أو بتأويلها و
إخراجها عن معانيها الظاهرة . و هذا هو المثال بين يديك حديث عائشة يرده بعلة
الوقف , و قد عرفت بطلانها مما بينت آنفا . و هناك شيء ثان و ثالث يدل على
مكابرته و جحوده . أما الأمر الثاني , فهو مخالفته لأئمة الحديث الذين أوردوا
الحديث في " مسانيدهم " كالطيالسي ( 1535 ) و حديثه صريح في الرفع كما يأتي في
الذي بعده , و أحمد ( 6 / 234 و 241 و 265 و 272 ) و أبي يعلى ( 5 / 48 و 8 /
107 ) و غيرهم , و معلوم أن " المسانيد " وضعها مؤلفوها للأحاديث المرفوعة , و
لا يذكرون فيها شيئا من الموقوفات إلا نادرا . أما الأمر الثالث , فهو تقصده
الإعراض عن ذكر الأحاديث المرفوعة صراحة كحديث الترجمة و ما في معناه مما تقدم
تخريجه , لمخالفتها ما ذهب إليه من أن أصل الصلاة التربيع , و هذا مما يؤكد أنه
من أهل الأهواء , لأنهم يذكرون ما لهم , و لا يذكرون ما عليهم بخلاف أهل السنة
فإنهم يذكرون ما لهم و ما عليهم و لا يصح أن يقال : أنه لعله لم يطلع على تلك
الأحاديث , ذلك لأن بعضها في " فتح الباري " , و هو من مراجعه يقينا , و قد رآه
فيه معزوا لصحيح ابن خزيمة و ابن حبان , فلماذا أعرض عنه ?! و لقد زاد في
المكابرة فقال في الوجه العاشر ( ص 18 ) : " و لم يأت في شيء من الطرق التي
استندوا إليها صحيحها و ضعيفها أن الصلاة كانت اثنتين ثم فرضت بعد الهجرة أربعا
" . قلت : يأبى الله بحكمته إلا أن يكشف مكابرة هذا المدبر و ضلاله - بقلمه -
فإنه ينفي ذلك في كل الطرق حتى الضعيفة منها , فكيف يقول هذا و هو في صدد تضعيف
حديث عائشة , و من ألفاظه في رواية معمر المتقدمة بلفظ : " فرضت الصلاة ركعتين
ثم هاجر النبي ففرضت أربعا .. " . و هذا اللفظ قد ذكره هذا المدبر نفسه في
رسالته ( ص 20 ) , فهذا نص صريح ينافي ما نفاه , فهل كان ذلك عن غفلة منه أو
تغافل ? أحلاهما مر , فهذا الحديث صريح في الرفع , فهو يبطل ادعاءه بأنه موقوف
, و حسبك أنه في صحيح البخاري مع وروده من طرق أخرى كما تقدم . و أما زعمه بأنه
شاذ ضعيف , فهو أبطل من سابقه , لأنه لم يقله مسلم من قبله , و قد ذكرت آنفا عن
ابن رشد أنه ثابت باتفاق . بل إنني أقول : إنه صحيح يقينا لأنه من أحاديث
الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول , لا فرق بين من حمله على الوجوب , و من
حمله على الاستحباب , و ما كان كذلك من أحاديثهما فهو يفيد العلم كما هو مقرر
في " المصطلح " , و راجع لذلك " شرح اختصار علوم الحديث " لابن كثير . و لهذا
فإني أخشى أن يشمله وعيد قوله تعالى *( و من يشاقق الرسول من بعد ما تبين له
الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت مصيرا )* (
115 : النساء ) . و لو علم القارىء الأسباب التي حملته على مخالفته للمسلمين
لازداد تعجبا معي من جرأته في المخالفة , و يمكن تلخيصها بما يأتي : أولا :
مخالفته بزعمه للقرآن و حديث وضع شطر الصلاة , و قد سبق بيان بطلان هذه
المخالفة , و أنه موافق لهما , فلا داعي للإعادة . ثانيا : أنه مخالف بزعمه
أيضا لأحاديثه الخمسة , و قد عرفت أنها ضعيفة الأسانيد منكرة مخالفة للأحاديث
الصحيحة , و منها حديث الترجمة . و لذلك لم يصححها أحد ! ثالثا : أنه يجوز أن
يكون شرعت الركعتان حين فرض عليه صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء خمسون صلاة ,
ثم خففت إلى خمس و كملها أربعا أربعا ! و هذا تجويز عقلي - و من عقله هو ! -
يغني حكايته عن رده لمعارضته للنصوص الصحيحة . رابعا : لما تواتر من بيان
ركعاتها من جبريل صبيحة ليلة الإسراء ! و هذا كذب و زور لم يقله أيضا مسلم قبله
, و هو تكرار للمخالفة الثانية . و المتواتر إنما هو صلاة جبريل عليه السلام
بالنبي صلى الله عليه وسلم دون بيان الركعات . بل لو قيل بأن المتواتر أنها
فرضت ركعتين ركعتين لما كان بعيدا عن الصواب , لتلقي الأمة لحديثها بالقبول كما
تقدم آنفا . و بالجملة فالرجل مغرم بالمخالفة للعلماء بسوء فهمه الذي يصور له
الصحيح ضعيفا و الضعيف صحيحا , و مما ضعفه أيضا من الحديث الصحيح حديث عمر
المتقدم ( ص 748 ) : " صلاة السفر .. ركعتان تمام غير قصر .. على لسان نبيكم "
( ص 23 ) و حديث ابن عباس : " إن الله فرض الصلاة على لسان نبيكم على المسافر
ركعتين .. " حكم عليه أيضا بالشذوذ ! ( ص 22 - 23 ) . و إن من خبثه و مكره
بقرائه , أن هذه الأحاديث الصحيحة و التي هو يضعفها , لا يخرجها حتى لا يتنبه
القراء أنها صحيحة فيشكون على الأقل بتضعيفه إياها ! فحديث ابن عباس رواه مسلم
و أبو عوانة و ابن خزيمة و ابن حبان في " صحاحهم " , و حديث عائشة أخرجه
الشيخان كما تقدم , و كذا المذكورون مع مسلم آنفا , و حديث ابن عباس مخرج عندي
في " صحيح أبي داود " ( 1134 ) و " الروض النضير " ( 393 ) و حديث عمر سبق
تخريجه . و من الأحاديث الضعيفة التي صححها هذا الغماري المأفون حديث عائشة : "
كان يسافر فيتم الصلاة و يقصر " ( ص 26 - 28 ) و لا أريد إطالة الكلام في الرد
عليه فإنني قد بينت ضعفه و كشفت عن علته في " إرواء الغليل " ( 3 / 6 - 9 ) و
إنما أريد أن ألفت نظر القراء إلى أمرين هامين : الأول : أن الغماري لم يبين
صحة الحديث على طريقة المحدثين , و بخاصة و هو بصدد الرد على المضعفين له كابن
تيمية و ابن القيم و ابن حجر و إنما اقتصر على تقليد الدارقطني في قوله : "
إسناده صحيح " و قد بينت هناك أن فيه مجهول الحال , و أما الغماري فقال ( ص 30
) : " رجال إسناده ثقات " ! دون أي بيان أو تحقيق ! و الآخر : أن من المضعفين
لهذا الحديث الذي صححه هذا الغماري الصغير أخاه الكبير أحمد الغماري رحمه الله
, فإنه قال معلقا على قول ابن رشد : " لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه أتم
الصلاة قط " . فقال الشيخ أحمد : " قلت : هذا معلوم من سيرته لمن تتبع الأحاديث
و الأخبار في أسفاره صلى الله عليه وسلم , و قد نص الحفاظ على ذلك , قال ابن
القيم في " الهدي النبوي " ... " ثم ساق كلام ابن القيم , و ارتضاه . و أما
الغماري الصغير , فإنه حكاه و رده بتصحيح الدارقطني لإسناده و تقليده إياه كما
تقدم , فتأمل كم هو مغرور بنفسه , هالك في مخالفاته ! نسأل الله العافية و
السلامة . و خلاصة ما تقدم أن حديث الترجمة صحيح بمتابعه و شاهده , و بعضه في "
صحيح البخاري " , و بشاهده الذي حسنه الحافظ . و قد جاء الحديث من طريق أخرى عن
عائشة , و هو الآتي بعده . و الحمد لله تعالى وحده . ثم رأيت المسمى حسن السقاف
الهالك في تقليد شيخه عبد الله الغماري , قد نقل عن كتابه " الصبح " بعض أقواله
في أحكام السفر , نقلها في كتاب له أسماه " صحيح صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
من التكبير إلى التسليم كأنك تنظر إليها " , و هو كتاب مزور مسروق من كتابي
المعروف كما يشعرك به عنوانه , و يؤكد ذلك لكل باحث بصير مضمونه , فإنه جرى فيه
على نهج شيخه في التدليس على القراء و تضعيف الأحاديث الصحيحة و تصحيح الأحاديث
الضعيفة مؤكدا بذلك أنه - على الأقل - من أهل الأهواء بما لا مجال لبيان ذلك
الآن , فحسبي من ذلك هنا الإشارة إلى أنه في كتابه المذكور عقد فصلا في آخره في
قصر الصلاة في السفر , جرى فيه على الإعراض عن دلالة حديث عائشة و غيره في وجوب
قصر الصلاة في السفر , مصرحا بأنه رخصة فقط ! و أتى برواية باطلة عن عائشة , أن
قصره صلى الله عليه وسلم إنما كان في حرب , و أنه كان يخاف !! و من المتواتر عن
النبي صلى الله عليه وسلم و الخلفاء الراشدين أنهم داوموا على القصر في السفر
في حجة الوداع و غيرها , فهل خفي هذا على هذا المقلد , أم هي المكابرة و الجحد
للحقائق ?! ثم لم يكتف بذلك بل زاد في الطين بلة أنه زعم ( ص 276 ) أن سنده حسن
, و هو في ذلك غير صادق , و قد بينت ذلك في " الضعيفة " رقم ( 4141 ) . و الله
المستعان . و إليك الآن بالطريق الآخر الموعود لحديث عائشة الصحيح رضي الله
تبارك و تعالى عنها : " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض , فلما قدم
المدينة , و فرضت عليه الصلاة أربعا , و ثلاثا , صلى و ترك الركعتين كان
يصليهما بمكة تماما للمسافر " .
-----------------------------------------------------------
[1] هو ابن راهويه الإمام الحافظ صاحب " المسند " المعروف به . و انظر الصفحة
الآتية ( 747 ) . اهـ .
2815 " كان يصلي بمكة ركعتين - يعني - الفرائض , فلما قدم المدينة , و فرضت عليه
الصلاة أربعا , و ثلاثا , صلى و ترك الركعتين كان يصليهما بمكة تماما للمسافر "
.
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 765 :
أخرجه الطيالسي في " مسنده " ( 1535 ) : حدثنا حبيب بن يزيد الأنماطي قال :
حدثنا عمرو بن هرم عن جابر بن زيد قال : قالت # عائشة # : .. فذكره . قلت : و
هذا إسناد رجاله ثقات رجال مسلم غير الأنماطي هذا فقد اختلفوا فيه , فقال
الذهبي في " الكاشف " : " فيه لين " . و قال الحافظ : " صدوق يخطىء " . قلت :
فمثله يحسن حديثه و بخاصة إذا توبع , و قد جاء الحديث من طريق أخرى عن عائشة
بنحوه , و هو المذكور قبله . و له طريق ثالث عنها قالت : " كان أول ما افترض
على رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتان ركعتان .. " الحديث مثله , و
فيه : " ثم أتم الله الظهر و العصر .. " الحديث . أخرجه أحمد ( 6 / 272 ) بسند
جيد . و هو من جملة الأدلة على بطلان قول من أعل حديث عائشة في " الصحيحين "
بالوقف و منهم الشيخ عبد الله الغماري كما تقدم الرد عليه في الحديث الذي قبله
مفصلا بما تقر أعين القراء المحبين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
2816 " كان لا يسبح في السفر قبلها و لا بعدها . يعني الفريضة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 766 :
أخرجه السراج في " مسنده " ( ق 120 / 2 ) من طريق وكيع : أخبرنا ابن أبي ذئب عن
عثمان ابن عبد الله بن سراقة عن # ابن عمر # قال : فذكره مرفوعا . قلت : و هذا
إسناد صحيح على شرط البخاري . ثم رواه من طريق ابن أبي فديك : حدثنا ابن أبي
ذئب عن عثمان .. قال : كنا مع ابن عمر في سفر , فرأى حفص بن عاصم يسبح , فقلت :
إن خالك - يعني - عمر يكره هذا , فأتيت ابن عمر فسألته , فقال : رأيت رسول الله
صلى الله عليه وسلم لا يسبح .. إلخ . قلت : و إسناده جيد , رجاله رجال الصحيح ,
و قد أخرجه هو و الشيخان و غيرهم من طريق أخرى عن حفص بن عاصم عن ابن عمر نحوه
أتم منه , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1108 ) . هذا و في الأحاديث الأخرى
الصحيحة ما يدل أن هذا ليس على إطلاقه و شموله , فإنه قد ثبت أنه صلى الله عليه
وسلم كان لا يدع سنة الفجر حضرا و لا سفرا , و كذلك الوتر . انظر " فتح الباري
" ( 2 / 578 - 579 ) .
2817 " كيف بكم إذا جمعكم الله كما يجمع النبل في الكنانة خمسين ألف سنة , ثم لا
ينظر الله إليكم ?! " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 766 :
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 4 / 572 ) عن ابن وهب , أخبرني عبد الرحمن بن
ميسرة , عن أبي هانىء الخولاني عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن #عبد الله بن عمرو
ابن العاص #رضي الله عنهما قال : تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية : *(
يوم يقوم الناس لرب العالمين )* , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره ,
و قال : " هذا حديث صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . قلت : و رجاله ثقات
معروفون غير عبد الرحمن بن ميسرة , و هو الحضرمي المصري , و لم يوثقه غير
الحاكم , و هو متساهل في التوثيق كابن حبان و العجلي , و قد وثقه أيضا ( 835 )
, فلا تطمئن النفس لما تفردوا به من التوثيق , لاسيما و الحافظ قال في عبد
الرحمن هذا : " مقبول " . يعني عند المتابعة . و إلا فلين الحديث كما نبه عليه
في المقدمة . و قد أورده ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 2 / 2 / 285 )
و لم يزد فيه على قوله : " روى عن عقيل بن خالد . روى عنه عبد الله بن وهب " .
قلت : فأحسن أحواله أنه مجهول الحال . ثم بدا لي أنه ينبغي أن يسلك به مسلك
الثقات , لأنه قد روى عنه جمع آخر من الثقات غير ابن وهب , منهم سعيد بن عفير و
يحيى بن بكير , و غيرهم كما في " التهذيب " , و لعله من أجل ذلك أشار إلى
توثيقه الهيثمي , فقال في " المجمع " ( 7 / 135 ) : " رواه الطبراني , و رجاله
ثقات " . و هو غير ( عبد الرحمن بن ميسرة الحضرمي أبي سلمة الحمصي ) الذي وثقه
الذهبي في " الكاشف " . فاقتضى التنبيه . و الحديث عزاه في " الدر المنثور " (
6 / 324 ) لأبي الشيخ أيضا و ابن مردويه و البيهقي في " البعث " , و لم أره في
الجزء المصور عندي , و الذي قام على تكبيره الشيخ حماد الأنصاري , و لا في
المطبوع منه , فالظاهر أنه في الجزء الأخير منه و الله أعلم . ثم إن السيوطي
ساق له شاهدا من حديث أبي هريرة مرفوعا نحوه من رواية ابن مردويه , و في سنده
ضعف , و في متنه نكارة بلفظ : " *( يوم يقوم الناس لرب العالمين )* مقدار
ثلاثمائة سنة " . و لذلك خرجته في " الضعيفة " ( 4149 ) . و لهذا الجزء منه
شاهد صحيح عن أبي هريرة في حديث : " ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي
عليه في نار جهنم . " الحديث , و فيه : " في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة , ثم
يرى سبيله إما إلى الجنة و إما إلى النار .. " الحديث . رواه مسلم و غيره , و
هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1462 ) . و شاهد آخر من حديث أبي سعيد الخدري
نحوه بسند ضعيف كما في " تخريج المشكاة " ( 5563 ) . و حديث أبي هريرة <1> روي
بلفظ : " ينصب للكافر يوم القيامة مقدار خمسين ألف سنة , و إن الكافر ليرى جهنم
و يظن أنها مواقعته من مسيرة أربعين سنة " . أخرجه ابن حبان ( 2581 - موارد ) و
أحمد ( 3 / 75 ) و الحاكم ( 4 / 597 ) و أبو يعلى ( 1385 ) و فيه أبو السمح , و
هو ذو مناكير . ثم أخرجه ابن حبان ( 2578 ) بسند صحيح عنه بسياق آخر مختصرا
بلفظ : " *( يقوم الناس لرب العالمين )* مقدار نصف يوم من خمسين ألف سنة يهون
ذلك على المؤمن , كتدلي الشمس للغروب إلى أن تغرب " . لكن قوله : " نصف يوم " ,
غريب مخالف لما تقدم . و الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] قلت : كذا وقع في " الموارد " من حديث أبي هريرة , و الصواب أنه من حديث
أبي سعيد الخدري كما حققته في " الضعيفة " ( 6490 ) . اهـ .
2818 " كان إذا أتي بالشيء يقول : اذهبوا به إلى فلانة فإنها كانت صديقة خديجة ,
اذهبوا إلى بيت فلانة فإنها كانت تحب خديجة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 769 :
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 232 ) و البزار في " مسنده " ( 1904 -
الكشف ) و الدولابي في " الذرية الطاهرة " ( ق 9 / 1 ) و الحاكم ( 4 / 175 ) من
طريق مبارك بن فضالة عن ثابت عن # أنس # رضي الله عنه قال : فذكره . و قال
الحاكم : " صحيح الإسناد " ! و وافقه الذهبي ! كذا قالا ! و ابن فضالة هذا
أورده الذهبي في " الضعفاء " , و قال : " ضعفه أحمد و النسائي , و قال أبو زرعة
: يدلس . و قال أبو داود و أبو حاتم : إذا قال : " حدثنا " فهو ثقة " . و قال
الحافظ في " التقريب " : " صدوق , يدلس و يسوي " <1> . قلت : و لم يصرح
بالتحديث كما ترى , فالسند ضعيف , و مع ذلك سكت عنه الحافظ في " الفتح " ( 10 /
435 ) و قد عزاه لـ " الأدب المفرد " ! فلعل ذلك لأن له شاهدا من حديث عائشة
رضي الله عنها قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذبح الشاة فيقول
: أرسلوا إلى أصدقاء خديجة " . أخرجه البخاري ( 3816 و 3818 و 6004 ) و مسلم (
7 / 134 ) و اللفظ له , و الترمذي ( 2018 و 3885 ) و أحمد ( 6 / 58 و 202 و 279
) و الطبراني في " الكبير " ( 23 / 11 / 15 ) من طرق عن هشام بن عروة عن أبيه
عنها . و استدركه الحاكم على مسلم فوهم , و صححه الترمذي . ( تنبيه ) : حديث
عائشة عزاه الحافظ في ترجمة خديجة من " الإصابة " لـ ( الصحيح ) بهذا اللفظ , و
زاد : " قال : فذكرت له يوما , فقال : إني لأحب حبيبها " . و لم أجد هذه
الزيادة في ( الصحيح ) و لا في المصادر الأخرى , اللهم إلا رواية لمسلم من طريق
حفص بن غياث عن هشام بن عروة بهذا الحديث , و زاد : قالت : فأغضبته يوما , فقلت
: خديجة ?! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني قد رزقت حبها " .
-----------------------------------------------------------
[1] قلت : و قوله : " و يسوي " فيه نظر بينته في مكان آخر . اهـ .
2819 " يا أيها الناس إني لم أعلم بهذا حتى سمعتموه , ألا و إنه يجير على المسلمين
أدناهم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 770 :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 296 / 2 / 4958 ) قال : حدثنا عبد الله بن
يحيى ابن بكير قال : حدثني أبي قال : أخبرنا ابن لهيعة قال : أخبرنا موسى بن
جبير عن عراك بن مالك عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن # أم سلمة
# : أن زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم مهاجرا استأذنت أبا العاص بن الربيع زوجها أن تذهب إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فأذن لها , فقدمت عليه , ثم إن أبا العاص لحق بالمدينة , فأرسل إليها
: أن خذي لي أمانا من أبيك , فخرجت فأطلت برأسها من باب حجرتها و رسول الله صلى
الله عليه وسلم في الصبح يصلي بالناس , فقالت : يا أيها الناس أنا زينب بنت
رسول الله صلى الله عليه وسلم , و إني قد أجرت أبا العاص . فلما فرغ رسول الله
صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال : فذكره . و قال : " لا يروى عن أم سلمة إلا
بهذا الإسناد , تفرد به ابن لهيعة " . و أخرجه في " المعجم الكبير " ( 23 / 425
/ 1047 ) من طريق أخرى عن ابن لهيعة به . قلت : قال الهيثمي بعد أن عزاه بهذا
السياق لـ " الأوسط " و " الكبير " باختصار ( 5 / 330 ) : " و فيه ابن لهيعة ,
و حديثه حسن و بقية رجاله ثقات " . قلت : المتقرر فيه عند أكثر العلماء أنه حسن
الحديث في الشواهد و المتابعات , إلا في رواية أحد العبادلة عنه , فهو صحيح
الحديث , و قد رواه عنه عبد الله بن وهب , فقال الدولابي في " الذرية الطاهرة "
( ق 12 / 1 ) : حدثني يونس بن عبد الأعلى : أنبأ عبد الله بن وهب أخبرني ابن
لهيعة به . و أخرجه الحاكم ( 4 / 45 ) من طريق آخر عن ابن وهب به . قلت : فصح
الحديث و الحمد لله , و موسى بن جبير الأنصاري روى عنه جمع من الثقات منهم
الليث بن سعد و بكر بن مضر و عمرو بن الحارث و يحيى بن أيوب , و لذلك قال
الذهبي في " الكاشف " : " ثقة " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 7 / 451 ) و
قال : " يخطىء و يخالف " . و قال الحافظ : " مستور " . قلت : و الصواب قول
الذهبي المتقدم : " ثقة " لرواية الجماعة عنه , و قد يكون له أخطاء كما يشير
إليه قول ابن حبان المتقدم . و للحديث شاهد عن يزيد بن رومان مرسلا . أخرجه ابن
هشام في " السيرة " ( 2 / 202 - 203 ) . و آخر من حديث أنس بن مالك نحوه مختصرا
. أخرجه الدولابي ( ق 12 / 2 ) : حدثنا النضر بن سلمة بسند صحيح له عنه . لكن
النضر هذا - و هو شاذان المروزي - متهم بالوضع , و هو مترجم في " اللسان " .
لكن رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " أخصر منه , قال الهيثمي : " و
فيه عباد بن كثير الثقفي , و هو متروك " . و للشطر الثاني من حديث الترجمة شاهد
من حديث ابن عمرو عند أبي داود و غيره بسند حسن , و هو مخرج في " الإرواء " (
2208 ) و شواهد أخرى في " مجمع الزوائد " و " المستدرك " ( 4 / 45 ) .
2820 " توضأ يا أبا جبير ! لا تبدأ بفيك , فإن الكافر يبدأ بفيه " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 772 :
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 148 ) و الدولابي في " الأسماء و الكنى " ( 1 /
23 ) و أبو أحمد الحاكم في " الكنى " ( ق 61 / 2 ) و البيهقي في " السنن الكبرى
" ( 1 / 46 ) و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 17 / 315 / 1 ) من طرق عن معاوية
بن صالح عن عبد الرحمن بن # جبير بن نفير # عن أبيه : أن أبا جبير قدم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم بابنته التي كان تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم
, فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بوضوء , فقال : " توضأ يا أبا جبير " ,
فبدأ أبو جبير بفيه , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تبدأ بفيك .. "
( الحديث ) , ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالوضوء فغسل كفيه حتى
أنقاهما , ثم تمضمض و استنشق ثلاثا , و غسل وجهه ثلاثا , و غسل يده اليمنى إلى
المرفق <1> [ ثلاثا ] و اليسرى ثلاثا و مسح برأسه و غسل رجليه , و السياق
للدولابي . قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله ثقات رجال مسلم , و فيه شبهة
الإرسال , لأن جبير بن نفير ليست له صحبة , و إن كان أدرك الجاهلية لكن الظاهر
أنه تلقاه عن أبيه نفير , و له صحبة معروفة , و قد أخرج النسائي في " الكنى "
من طريق صفوان ابن عمرو : حدثني عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه عن جده . و
كذلك قال غيره عن عبد الرحمن به . فانظر " الإصابة " , و الحديث الآتي ( 2823 )
. ( تنبيه ) : وقع في ( السنن ) " .. عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه
جبير أنه قدم .. " . فجعله من مسند جبير , و أنه الذي قدم على النبي صلى الله
عليه وسلم , و هو خطأ مطبعي بلا ريب لمخالفته للمصادر الأخرى , و الطريق واحدة
.
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل " المرفقين " . اهـ .
2821 " من اقتراب ( و في رواية : أشراط ) الساعة أن ترفع الأشرار و توضع الأخيار و
يفتح القول و يخزن العمل و يقرأ بالقوم المثناة , ليس فيهم أحد ينكرها . قيل :
و ما المثناة ? قال : ما استكتب <1> سوى كتاب الله عز وجل " .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل : " اكتتب " , و التصويب من " النهاية " لابن الأثير و غيره . اهـ .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 774 :
و هو من حديث # عبد الله بن عمرو بن العاص # رضي الله عنهما , يرويه عنه عمرو
ابن قيس الكندي , رواه عنه جمع رفعه بعضهم و أوقفه بعضهم , و هو في حكم المرفوع
لأنه لا يقال بمجرد الرأي , و هم : أولا : يحيى بن حمزة : حدثني عمرو بن قيس
الكندي قال : كنت مع أبي الفوارس و أنا غلام شاب , فرأيت الناس مجتمعين على رجل
, قلت : من هذا ? قالوا : عبد الله بن عمرو بن العاص , فسمعته يحدث عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : فذكره . أخرجه الحاكم ( 4 / 554 ) و أورده
الهيثمي في " المجمع " ( 7 / 326 ) مرفوعا عن عبد الله بن عمرو , و قال : "
رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح " . قلت : لعله عند الطبراني من طريق أخرى
غير طريق الكندي هذا , و إلا فالهيثمي واهم في حشره إياه في جملة ( رجال الصحيح
) ! ثانيا : الأوزاعي عن عمرو بن قيس السكوني قال : خرجت مع أبي في الوفد إلى
معاوية , فسمعت رجلا يحدث الناس يقول : " إن من أشراط الساعة .. " الحديث . قال
: فحدثت بهذا الحديث قوما و فيهم إسماعيل بن عبيد الله , فقال : أنا معك في ذلك
المجلس , تدري من الرجل ? قلت : لا , قال : عبد الله بن عمرو . أخرجه الحاكم
أيضا , و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 13 / 593 - المدينة ) و قال الحاكم : "
صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . ثالثا : معاوية بن صالح قال : أخبرني عمرو
بن قيس الكندي قال : سمعت عبد الله ابن عمرو بن العاص قال : فذكره موقوفا بلفظ
: " .. كل كتاب سوى كتاب الله " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 15 / 165
/ 19395 ) : زيد بن الحباب قال : أخبرنا معاوية بن صالح ... رابعا : إسماعيل بن
عياش عن عمرو بن قيس به إلى قوله : " و يخزن العمل " . أخرجه أبو عمرو الداني
في " الفتن " ( ق 53 / 1 - 2 ) و البيهقي في " الشعب " ( 4 / 306 / 5199 )
بتمامه . خامسا : بشر : حدثني عمرو بن قيس به . أخرجه ابن عساكر . ( فائدة ) :
هذا الحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم , فقد تحقق كل ما فيه من الأنباء
, و بخاصة منها ما يتعلق بـ ( المثناة ) و هي كل ما كتب سوى كتاب الله كما فسره
الراوي , و ما يتعلق به من الأحاديث النبوية و الآثار السلفية , فكأن المقصود
بـ ( المثناة ) الكتب المذهبية المفروضة على المقلدين . التي صرفتهم مع تطاول
الزمن عن كتاب الله , و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما هو مشاهد اليوم مع
الأسف من جماهير المتمذهبين , و فيهم كثير من الدكاترة و المتخرجين من كليات
الشريعة , فإنهم جميعا يتدينون بالتمذهب , و يوجبونه على الناس حتى العلماء
منهم , فهذا كبيرهم أبو الحسن الكرخي الحنفي يقول كلمته المشهورة : " كل آية
تخالف ما عليه أصحابنا فهي مؤولة أو منسوخة , و كل حديث كذلك فهو مؤول أو منسوخ
" <1> . فقد جعلوا المذهب أصلا , و القرآن الكريم تبعا , فذلك هو ( المثناة )
دون ما شك أو ريب . و أما ما جاء في " النهاية " عقب الحديث و فيه تفسير (
المثناة ) : " و قيل : إن المثناة هي أخبار بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام
وضعوا كتابا فيما بينهم على ما أرادوا من غير كتاب الله , فهو ( المثناة ) ,
فكأن ابن عمرو كره الأخذ عن أهل الكتاب , و قد كان عنده كتب وقعت إليه يوم
اليرموك منهم . فقال هذا لمعرفته بما فيها " . قلت : و هذا التفسير بعيد كل
البعد عن ظاهر الحديث , و أن ( المثناة ) من علامات اقتراب الساعة , فلا علاقة
لها بما فعل اليهود قبل بعثته صلى الله عليه وسلم , فلا جرم أن ابن الأثير أشار
إلى تضعيف هذا التفسير بتصديره إياه بصيغة " قيل " و أشد ضعفا منه ما ذكره عقبه
: " قال الجوهري : ( المثناة ) هي التي تسمى بالفارسية ( دوبيتي ) . و هو
الغناء " !
-----------------------------------------------------------
[1] " تاريخ التشريع الإسلامي " للشيخ محمد الخضري . اهـ .
2822 " من كان عليه دين ينوي أداءه كان معه من الله عون و سبب الله له رزقا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 777 :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 181 / 1 / 7758 ) : حدثنا محمد بن إسحاق بن
إبراهيم حدثنا أبي : حدثنا سعد بن الصلت عن هشام بن عروة عن أبيه عن # عائشة #
أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره . و قال : " لم يروه عن
هشام إلا سعد بن الصلت , و لا رواه عن سعد إلا شاذان " . قلت : يعني به إسحاق
بن إبراهيم , فإنه يعرف بـ " شاذان الفارسي قاضي فارس " كما في " الجرح و
التعديل " في ترجمة سعد بن الصلت , و مثله في ترجمة إسحاق نفسه , و قال ( 1 / 1
/ 211 ) : " كتب إلى أبي و إلي , و هو صدوق " . و ترجم لشيخه سعد بن الصلت
بروايته عن جمع آخر من الثقات غير هشام بن عروة , و عنه محمد بن عبد الله
الأنصاري و يحيى الحماني و ابن ابنته إسحاق بن إبراهيم المعروف بشاذان الفارسي
قاضي فارس . و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا . و أورده ابن حبان في " الثقات "
( 6 / 378 ) برواية شاذان عنه , و قال : " ربما أغرب " . و قال الهيثمي في "
المجمع " ( 4 / 132 - 133 ) بعد أن عزاه لأحمد : " و إسناد الطبراني متصل , إلا
أن فيه سعيد بن الصلت عن هشام بن عروة , و لم أجد إلا واحدا يروي عن الصحابة ,
فليس به . و الله أعلم " . قلت : إنما هو سعد , و كأنه وقع في نسخة الهيثمي من
الطبراني " سعيد " , و هو كذلك في بعض المواضع من هذا الحديث و غيره من نسختنا
, و الصواب قد عرف من ترجمته . و إسناد أحمد الذي أشار إليه الهيثمي , إنما
يرويه القاسم بن الفضل عن محمد بن علي أبي جعفر عن عائشة أنها كانت تدان , فقيل
لها : ما لك و للدين ? فقالت : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من
عبد كانت له نية في أداء دينه إلا كان له من الله عز وجل عون " , فأنا ألتمس
ذلك العون . أخرجه أحمد ( 6 / 72 و 99 و 131 و 234 - 235 و 250 ) و كذا
الطيالسي ( 1524 ) و الحاكم ( 2 / 22 ) و من طريقهما البيهقي ( 5 / 354 ) . و
رجاله ثقات رجال مسلم , إلا أنه منقطع بين أبي جعفر و عائشة , لكن قد روي
موصولا و سبق تخريجه برقم ( 1000 ) . و وصله الحاكم من طريق محمد بن عبد الرحمن
بن مجبر : حدثنا عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنها . لكن ابن مجبر ضعيف . و
شذت ورقاء عن الجماعة فروت أن عائشة قالت : سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم
يقول : " من كان عليه دين همه قضاؤه - أو هم بقضائه - لم يزل معه من الله حارس
" . أخرجه أحمد ( 6 / 255 ) و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 219 / 2 / 3913 ) .
و ورقاء هذه - هي بنت هداب كما في " الأوسط " - لم أعرفها . ( تنبيه ) : ذكر
المنذري في " الترغيب " ( 3 / 43 ) هذه الرواية عقب رواية عائشة المنقطعة , و
قال عقبهما : " رواه أحمد , و رواته محتج بهم في الصحيح إلا أن فيه انقطاعا " .
و ليس الأمر كذلك كما يتبين لك من هذا التخريج , و خلاصته أن حديث الترجمة حسن
, و حديث عائشة بطرقه صحيح , إلا رواية ورقاء فضعيفة .
2823 " والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم على أشد حال بعث عليها فيه نبي
من الأنبياء في فترة و جاهلية , ما يرون أن دينا أفضل من عبادة الأوثان , فجاء
بفرقان فرق به بين الحق و الباطل و فرق بين الوالد و ولده حتى إن كان الرجل
ليرى والده و ولده أو أخاه كافرا , و قد فتح الله قفل قلبه للإيمان , يعلم أنه
إن هلك دخل النار , فلا تقر عينه و هو يعلم أن حبيبه في النار , و إنها للتي
قال الله عز وجل : *( الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين
)* " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 779 :
أخرجه أحمد ( 6 / 2 - 3 ) : حدثنا يعمر بن بشر حدثنا عبد الله - يعني ابن
المبارك - : أنبأنا صفوان بن عمرو : حدثني عبد الرحمن بن # جبير بن نفير # عن
أبيه قال : جلسنا إلى # المقداد بن الأسود # يوما , فمر به رجل فقال : طوبى
لهاتين العينين اللتين رأتا رسول الله صلى الله عليه وسلم , والله إنا لوددنا
أن رأينا ما رأيت , و شهدنا ما شهدت , فاستغضب , فجعلت أعجب ما قال إلا خيرا ,
ثم أقبل إليه فقال : ما يحمل الرجل أن يتمنى محضرا غيبه الله عنه , لا يدري لو
شهده كيف كان يكون فيه ?! والله لقد حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوام
أكبهم الله على مناخرهم في جهنم , لم يجيبوه و لم يصدقوه , أولا تحمدون الله إذ
أخرجكم لا تعرفون إلا ربكم , مصدقين لما جاء به نبيكم , قد كفيتم البلاء بغيركم
? والله لقد بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم .. إلخ . قلت : و هذا إسناد
صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير يعمر بن بشر , و هو المروزي , قال الخطيب في "
تاريخ بغداد " ( 14 / 357 ) : " من كبار أصحاب عبد الله بن المبارك , قال أحمد
: ما أرى كان به بأس . و قال علي بن المديني : ثقة . و قال أبو رجاء محمد بن
حمدويه : " من ثقات أهل مرو و متقيهم " . و قال الدارقطني : ثقة ثقة " . و ذكره
ابن حبان في " الثقات " ( 9 / 291 ) . قلت : كأن الهيثمي فاته ما ذكرناه من
النقول الموثقة ليعمر هذا , فقال في حديث آخر له ( 5 / 122 ) : " رواه أحمد عن
شيخه يعمر بن بشر , و يقال : مشايخ أحمد كلهم ثقات " ! و قد تابعه بشر بن محمد
عند البخاري في " الأدب المفرد " ( 87 ) , و حبان بن موسى عند ابن حبان ( 1684
- موارد ) قالا : أنبأنا عبد الله به . و قال الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة
الفرقان " بعد أن عزاه لأحمد بسنده : " و هذا إسناد صحيح , و لم يخرجوه " . (
تنبيه ) : التفريق المذكور في هذا الحديث له أصل في " صحيح البخاري " ( رقم
7281 ) من حديث جابر بن عبد الله قال : " جاءت الملائكة إلى النبي صلى الله
عليه وسلم و هو نائم , فقال بعضهم : إنه نائم , و قال بعضهم : إن العين نائمة و
القلب يقظان .. " الحديث , و فيه : " فمن أطاع محمدا صلى الله عليه وسلم فقد
أطاع الله , و من عصى محمدا فقد عصى الله , و محمد فرق بين الناس " . قلت : ففي
الحديث دليل صريح أن التفريق ليس مذموما لذاته , فتنفير بعض الناس من الدعوة
إلى الكتاب و السنة , و التحذير مما يخالفهما من محدثات الأمور , أو الزعم بأنه
ما جاء وقتها بعد ! بدعوى أنها تنفر الناس و تفرقهم - جهل عظيم بدعوة الحق و ما
يقترن بها من الخلاف و التعادي حولها كما هو مشاهد في كل زمان و مكان , سنة
الله في خلقه , و لن تجد لسنة الله تبديلا و لا تحويلا , *( و لو شاء ربك لجعل
الناس أمة واحدة و لا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك )* .
2824 " شاهت الوجوه [ شاهت الوجوه ] " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 781 :
أخرجه أحمد ( 1 / 303 ) حدثنا إسحاق بن عيسى : حدثنا يحيى بن سليم عن عبد الله
ابن عثمان عن سعيد بن جبير عن # ابن عباس # قال : " إن الملأ من قريش اجتمعوا
في الحجر , فتعاقدوا باللات و العزى و مناة الثالثة الأخرى و نائلة و إساف , لو
قد رأينا محمدا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله , فأقبلت
ابنته فاطمة رضي الله عنها تبكي حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقالت : هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك لو قد رأوك , لقد قاموا إليك
فقتلوك فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك . فقال يا بنية : أريني وضوءا ,
فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد , فلما رأوه قالوا : ها هو ذا , و خفضوا أبصارهم و
سقطت أذقانهم في صدورهم , و عقروا في مجالسهم , فلم يرفعوا إليه بصرا , و لم
يقم إليه منهم رجل ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قام على رؤوسهم ,
فأخذ قبضة من التراب فقال : " شاهت الوجوه " , ثم حصبهم بها , فما أصاب رجلا
منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قتل يوم بدر كافرا " . قلت : و هذا إسناد جيد رجاله
ثقات رجال الصحيح إلا أن يحيى بن سليم , و هو الطائفي , فيه كلام من جهة حفظه ,
لكنه قد توبع من جمع فأمنا بذلك سوء حفظه , و صح الحديث و الحمد لله . أولا :
قال سعيد بن منصور في " سننه " ( 3 / 2 / 354 ) : إسماعيل بن عياش عن عبد الله
بن عثمان بن خثيم . ثانيا : تابعه معمر عن ابن خثيم به . أخرجه أحمد ( 1 / 368
) : حدثنا عبد الرزاق : حدثنا معمر ... قلت : و هذا إسناد جيد على شرط مسلم .
ثالثا : أبو بكر بن عياش عن عبد الله بن عثمان بن خثيم به . أخرجه الحاكم ( 3 /
157 ) مختصرا , و البيهقي في " الدلائل " ( 2 / 277 - 278 ) و قال الحاكم : "
صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . و الحديث قال الهيثمي ( 8 / 228 ) : " رواه
أحمد بإسنادين , و رجال أحدهما رجال الصحيح " . قلت : بل كلاهما من رجال الصحيح
. رابعا : مسلم بن خالد الزنجي : حدثني ابن خثيم به . أخرجه ابن حبان في "
صحيحه " ( 8 / 148 / 6468 - الإحسان ) . و لحديث الترجمة شاهد من حديث سلمة بن
الأكوع في قصة غزوة حنين , و فيه : " فلما غشوا رسول الله صلى الله عليه وسلم
نزل عن البغلة , ثم قبض قبضة من تراب من الأرض ثم استقبل به وجوههم , فقال : "
شاهت الوجوه " , فما خلق الله منهم إنسانا إلا ملأ عينيه ترابا بتلك القبضة ,
فولوا مدبرين .. " . أخرجه مسلم ( 5 / 169 ) و ابن حبان ( 6486 ) بسند حسن . و
شاهد آخر من حديث أبي عبد الرحمن الفهري في القصة ذاتها . أخرجه أحمد ( 5 / 286
) و البزار ( 2 / 350 / 1833 ) و كذا الطيالسي ( 195 / 1371 ) و الدارمي ( 2 /
219 - 220 ) و الدولابي ( 1 / 42 ) من طريق حماد بن سلمة : أخبرني يعلى بن عطاء
عن أبي همام عبد الله بن يسار عنه . و أبو همام هذا مجهول كما في " التقريب " ,
و شذ ابن حبان فذكره في " الثقات " ( 5 / 51 ) . و من طريق الطيالسي البيهقي في
" الدلائل " ( 5 / 141 ) و الطبراني في " الكبير " ( 22 / 288 - 289 ) . و هو
حديث حسن لغيره كما حققته في " صحيح زوائد البزار " , و رواه أبو داود أيضا (
5233 ) و لكنه لم يسقه بتمامه , فليس فيه موضع الشاهد منه , و قال : " و هو
حديث نبيل , جاء به حماد بن سلمة " .
2825 " مثلت لي الحيرة كأنياب الكلاب و إنكم ستفتحونها " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 784 :
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1709 ) و ابن أبي عاصم في " الوحدان " ( ق 269 /
1 ) من طريق محمد بن يحيى بن أبي عمر العدني : حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي
خالد عن قيس بن أبي حازم عن # عدي بن حاتم # قال : قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : ( فذكره ) . فقام رجل فقال : هب لي يا رسول الله ابنة بقيلة , فقال : "
هي لك " , فأعطوها إياه , فجاء أبوها فقال : أتبعنيها ? فقال : نعم : قال :
بكم ? قال : احتكم ما شئت . قال : بألف درهم . قال : قد أخذتها . فقيل : لو قلت
ثلاثين ألفا . قال : و هل عدد أكثر من ألف ? قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات
على شرط مسلم . و أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 17 / 81 / 183 ) و
البيهقي في " السنن " ( 9 / 136 ) و " الدلائل " ( 6 / 326 ) من طرق أخرى عن
العدني به , إلا أن الطبراني قال : " أخوها " مكان " أبوها " . و قال الهيثمي (
6 / 212 ) : " رواه الطبراني , و رجاله رجال الصحيح " . و قال عقب رواية ابن
حبان من " موارد الظمآن " : " قلت : هكذا وقع في هذه الرواية : أن الذي اشتراها
أبوها , و المشهور أن الذي اشتراها : عبد المسيح أخوها . و الله أعلم " .
2826 " كان إذا غزا فلم يقاتل أول النهار لم يعجل حتى تحضر الصلوات و تهب الأرواح و
يطيب القتال " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 785 :
أخرجه ابن جرير الطبري في " التاريخ " ( 2 / 233 - 235 ) و ابن حبان ( 1712 -
الموارد ) و السياق له من طريق : مبارك بن فضالة : حدثنا زياد بن جبير بن حية
قال : ( أخبرني أبي أن عمر بن الخطاب رضوان الله عليه قال للهرمزان : أما إذ
فتني <1> بنفسك فانصح لي . و ذلك أنه قال له : " تكلم لا بأس " , فأمنه , فقال
الهرمزان : نعم , إن فارس اليوم رأس و جناحان . قال : فأين الرأس ? قال :
نهاوند مع بندار <2> , قال : فإنه معه أساورة كسرى و أهل أصفهان . قال : فأين
الجناحان ? فذكر الهرمزان مكانا نسيته , فقال الهرمزان : اقطع الجناحين توهن
الرأس . فقال له عمر رضوان الله عليه : كذبت يا عدو الله , بل أعمد إلى الرأس
فيقطعه الله , فإذا قطعه الله عني انقطع عني الجناحان . فأراد عمر أن يسير إليه
بنفسه , فقالوا : نذكرك الله يا أمير المؤمنين أن تسير بنفسك إلى العجم , فإن
أصبت بها لم يكن للمسلمين نظام , و لكن ابعث الجنود . قال : فبعث أهل المدينة
و بعث فيهم عبد الله بن عمر بن الخطاب , و بعث المهاجرين و الأنصار , و كتب إلى
أبي موسى الأشعري أن سر بأهل البصرة , و كتب إلى حذيفة بن اليمان أن سر بأهل
الكوفة حتى تجتمعوا بنهاوند جميعا , فإذا اجتمعتم فأميركم النعمان بن مقرن
المزني . فلما اجتمعوا بنهاوند أرسل إليهم بندار [ العلج ] أن أرسلوا إلينا يا
معشر العرب رجلا منكم نكلمه , فاختار الناس المغيرة بن شعبة , قال أبي : فكأني
أنظر إليه : رجل طويل أشعر أعور , فأتاه , فلما رجع إلينا سألناه ? فقال لنا :
وجدت العلج قد استشار أصحابه في أي شيء تأذنون لهذا العربي ? أبشارتنا و بهجتنا
و ملكنا ? أو نتقشف له فنزهده عما في أيدينا ? فقالوا : بل نأذن له بأفضل ما
يكون من الشارة و العدة . فلما رأيتهم رأيت تلك الحراب و الدرق يلمع منها البصر
, و رأيتهم قياما على رأسه , فإذا هو على سرير من ذهب , و على رأسه التاج ,
فمضيت كما أنا , و نكست رأسي لأقعد معه على السرير , فقال : فدفعت و نهرت ,
فقلت : إن الرسل لا يفعل بهم هذا . فقالوا لي : إنما أنت كلب , أتقعد مع الملك
?! فقلت : لأنا أشرف في قومي من هذا فيكم , قال : فانتهرني و قال : اجلس .
فجلست . فترجم لي قوله , فقال : يا معشر العرب , إنكم كنتم أطول الناس جوعا ,
و أعظم الناس شقاء , و أقذر الناس قذرا , و أبعد الناس دارا , و أبعده من كل
خير , و ما كان منعني أن آمر هذه الأساورة حولي أن ينتظموكم بالنشاب إلا تنجسا
لجيفكم لأنكم أرجاس , فإن تذهبوا يخلى عنكم , و إن تأبوا نبوئكم مصارعكم . قال
المغيرة : فحمدت الله و أثنيت عليه و قلت : والله ما أخطأت من صفتنا و نعتنا
شيئا , إن كنا لأبعد الناس دارا , و أشد الناس جوعا , و أعظم الناس شقاء , و
أبعد الناس من كل خير , حتى بعث الله إلينا رسولا فوعدنا بالنصر في الدنيا , و
الجنة في الآخرة , فلم نزل نتعرف من ربنا - مذ جاءنا رسوله صلى الله عليه وسلم
- الفلاح و النصر , حتى أتيناكم , و إنا والله نرى لكم ملكا و عيشا لا نرجع إلى
ذلك الشقاء أبدا حتى نغلبكم على ما في أيديكم أو نقتل في أرضكم . فقال : أما
الأعور فقد صدقكم الذي في نفسه . فقمت من عنده و قد والله أرعبت العلج جهدي ,
فأرسل إلينا العلج : إما أن تعبروا إلينا بنهاوند و إما أن نعبر إليكم . فقال
النعمان : اعبروا فعبرنا . فقال أبي : فلم أر كاليوم قط , إن العلوج يجيئون
كأنهم جبال الحديد , و قد تواثقوا أن لا يفروا من العرب , و قد قرن بعضهم إلى
بعض حتى كان سبعة في قران , و ألقوا حسك الحديد خلفهم و قالوا : من فر منا عقره
حسك الحديد . فقال : المغيرة بن شعبة حين رأى كثرتهم : لم أر كاليوم قتيلا <3>
, إن عدونا يتركون أن يتناموا , فلا يعجلوا . أما والله لو أن الأمر إلي لقد
أعجلتهم به . قال : و كان النعمان رجلا بكاء , فقال : قد كان الله جل و عز
يشهدك أمثالها فلا يحزنك و لا يعيبك موقفك . و إني والله ما يمنعني أن أناجزهم
إلا لشيء شهدته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه
وسلم .. ( فذكر الحديث ) . ثم قال النعمان : اللهم إني أسألك أن تقر عيني بفتح
يكون فيه عز الإسلام و أهله , و ذل الكفر و أهله . ثم اختم لي على أثر ذلك
بالشهادة . ثم قال : أمنوا رحمكم الله . فأمنا و بكى فبكينا . فقال النعمان :
إني هاز لوائي فتيسروا للسلاح , ثم هازها الثانية , فكونوا متيسرين لقتال عدوكم
بإزائكم , فإذا هززتها الثالثة فليحمل كل قوم على من يليهم من عدوهم على بركة
الله , قال : فلما حضرت الصلاة وهبت الأرواح كبر و كبرنا . و قال : ريح الفتح
والله إن شاء الله , و إني لأرجو أن يستجيب الله لي , و أن يفتح علينا . فهز
اللواء فتيسروا , ثم هزها الثانية , ثم هزها الثالثة , فحملنا جميعا كل قوم على
من يليهم . و قال النعمان : إن أنا أصبت فعلى الناس حذيفة بن اليمان , فإن أصيب
حذيفة ففلان , فإن أصيب فلان [ ففلان ] حتى عد سبعة آخرهم المغيرة بن شعبة .
قال أبي : فوالله ما علمت من المسلمين أحدا يحب أن يرجع إلى أهله حتى يقتل أو
يظفر . فثبتوا لنا , فلم نسمع إلا وقع الحديد على الحديد , حتى أصيب في
المسلمين عصابة عظيمة . فلما رأوا صبرنا و رأونا لا نريد أن نرجع انهزموا ,
فجعل يقع الرجل فيقع عليه سبعة في قران فيقتلون جميعا , و جعل يعقرهم حسك
الحديد خلفهم . فقال النعمان : قدموا اللواء , فجعلنا نقدم اللواء فنقتلهم و
نهزمهم , فلما رأى النعمان قد استجاب الله له و رأى الفتح , جاءته نشابة فأصابت
خاصرته , فقتلته . فجاء أخوه معقل بن مقرن فسجى عليه ثوبا , و أخذ اللواء ,
فتقدم ثم قال : تقدموا رحمكم الله , فجعلنا نتقدم فنهزمهم و نقتلهم , فلما
فرغنا و اجتمع الناس قالوا : أين الأمير ? فقال معقل : هذا أميركم قد أقر الله
عينه بالفتح , و ختم له بالشهادة . فبايع الناس حذيفة بن اليمان . قال : و كان
عمر بن الخطاب رضوان الله عليه بالمدينة يدعو الله , و ينتظر مثل صيحة الحبلى ,
فكتب حذيفة إلى عمر بالفتح مع رجل من المسلمين , فلما قدم عليه قال : أبشر يا
أمير المؤمنين بفتح أعز الله فيه الإسلام و أهله , و أذل فيه الشرك و أهله . و
قال : النعمان بعثك ? قال : احتسب النعمان يا أمير المؤمنين , فبكى عمر و
استرجع , فقال : و من ويحك ? قال : فلان و فلان - حتى عد ناسا - ثم قال : و
آخرين يا أمير المؤمنين لا تعرفهم . فقال عمر رضوان الله عليه - و هو يبكي - :
لا يضرهم أن لا يعرفهم عمر , لكن الله يعرفهم ) . قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله
ثقات , قد صرح مبارك بن فضالة بالتحديث , و قد تابعه سعيد بن عبيد الله الثقفي
: حدثنا بكر بن عبد الله المزني و زياد بن جبير عن جبير بن حية به إلى قوله : "
و تحضر الصلوات " . أخرجه البخاري ( 3159 و 3160 ) , و فيه زيادة : " و الجناح
قيصر " , و أشار الحافظ ( 6 / 264 ) إلى شذوذها , لمخالفتها لطريق مبارك بن
فضالة هذه , و طريق معقل بن يسار الآتية , و فيها : " أصبهان الرأس , و فارس و
أذربيجان الجناحان " . و هذا أولى كما قال الحافظ فراجعه . قلت : و لعل الوهم
في هذه الزيادة الشاذة من سعيد بن عبيد الله الثقفي , فقد تكلم فيه بعضهم من
قبل حفظه , و قال الحافظ نفسه في " التقريب " : " صدوق ربما وهم " . و للحديث
طريق أخرى من رواية حماد بن سلمة قال : أخبرني أبو عمران الجوني عن علقمة بن
عبد الله المزني عن معقل بن يسار أن عمر بن الخطاب شاور الهرمزان في فارس و
أصبهان و أذربيجان الحديث بطوله مع اختصار بعض الجمل . أخرجه ابن أبي شيبة ( 13
/ 8 - 13 ) . قلت : و إسناده جيد , رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله
المزني , و هو ثقة " . و قال الحافظ في " مقدمة الفتح " ( ص 405 ) : " سنده قوي
" . و عزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 6 / 215 - 217 ) للطبراني , و قال :
" و رجاله رجال الصحيح غير علقمة بن عبد الله المزني , و هو ثقة " . و روى منه
أحمد و غيره حديث الترجمة , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 2385 ) .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل ( أمتني ) , و التصحيح من " الإحسان " ( 4736 ) .
[2] الأصل ( بيداد ) , و التصحيح من " الإحسان " و " تاريخ الطبري " , و منهما
صححت بعض الأخطاء الأخرى .
[3] و كذا في " الإحسان " , و في " التاريخ " ( فشلا ) . اهـ .
2827 " استعد للفاقة . قاله لرجل قال له : إني أحبك " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 789 :
أخرجه البزار في " مسنده " ( 4 / 229 / 3595 ) و الشجري في " الأمالي " ( 2 /
202 ) من طريق إبراهيم بن المنذر : حدثنا بكر بن سليم عن أبي طوالة عن # أنس #
قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل , فقال : إني أحبك , قال : فذكره . قلت
: و هذا إسناد جيد رجاله ثقات معروفون غير بكر بن سليم , ذكره ابن حبان في "
الثقات " ( 8 / 149 ) , و قد روى عنه خمسة من الثقات , فهو صدوق كما قال في "
الكاشف " , و وثقه الهيثمي بقوله عقب الحديث ( 10 / 274 ) : " رواه البزار , و
رجاله رجال الصحيح غير بكر بن سليم , و هو ثقة " . قلت : و أبو طوالة اسمه عبد
الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري . و له شاهد من حديث أبي ذر رضي
الله عنه : أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني أحبكم أهل البيت ,
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : الله ? قال : الله . قال : " فأعد للفقر
تجفافا , فإن الفقر أسرع إلى من يحبنا من السيل من أعلى الأكمة إلى أسفلها " .
أخرجه الحاكم ( 4 / 331 ) و قال : " صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي .
و أقول إنما هو صحيح فقط , فإنه من طريق محمد بن غالب : حدثنا عفان .. إلخ ,
فإن غالبا ليس من رجال الشيخين , و إنما عفان , لكن هذا ليس من شيوخهما , و
إنما يرويان عنه بالواسطة . و للحديث شاهد من حديث عبد الله بن مغفل كنت خرجته
في " الضعيفة " ( 1681 ) قبل الوقوف على هذين الحديثين , و يعود الفضل في ذلك
إلى أحد طلاب العلم السعوديين جزاه الله خيرا في كتيب له كان أرسله إلي . ثم
بلغني أنه توفى فجأة رحمه الله تعالى . و للشطر الثاني من حديث أبي ذر شاهد من
حديث أبي سعيد الخدري , و هو الآتي : " اصبر أبا سعيد ! فإن الفقر إلى من يحبني
منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي و من أعلى الجبل إلى أسفله " .
2828 " اصبر أبا سعيد ! فإن الفقر إلى من يحبني منكم أسرع من السيل على أعلى الوادي
و من أعلى الجبل إلى أسفله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 791 :
أخرجه أحمد ( 3 / 42 ) من طريق عمرو عن سعيد بن # أبي سعيد الخدري # عن أبيه .
أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حاجته , فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ... فذكره . قلت : و رجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن أبي سعيد
الخدري , فلم يوثقه غير ابن حبان ( 4 / 278 ) و ذكر أنه روى عنه عمران بن أبي
أنس و أهل المدينة . لكن حقق الحافظ أن عمران هذا إنما روى عن عبد الرحمن بن
أبي سعيد الخدري , و أن من قال عن عمران عن سعيد بن أبي سعيد الخدري فهو غير
محفوظ , كما بينته في ترجمة سعيد هذا من " تيسير الانتفاع " , و عليه فليس له
راو غير عمرو هذا , و هو ابن الحارث المصري , و على ذلك فسعيد هذا في عداد
المجهولين , حتى أن البخاري و ابن أبي حاتم لم يذكرا له في ترجمته راويا مطلقا
! فهو علة هذا الإسناد . و قد اختلط هذا الراوي على الهيثمي بغيره , فظنه سعيد
بن أبي سعيد المقبري الثقة ! فأورد الحديث في " المجمع " ( 10 / 374 ) هكذا : "
عن سعيد بن أبي سعيد الخدري شكا .." الحديث , و قال : " رواه أحمد , و رجاله
رجال الصحيح , إلا أنه شبه المرسل " . قلت : و هذا خطأ بناء على نقله خطأ طرف
الحديث , و هو قوله : " أن أبا سعيد " و لذلك قال : " إنه شبه المرسل " , و
بناء عليه توهم أن سعيد بن أبي سعيد هو المقبري فقال : رجاله رجال الصحيح ! و
أساس الخطأ أنه سقط من قلمه قوله : " عن أبيه " . و أبو سعيد الخدري ليس أبا
المقبري الثقة , و قلده في ذلك بعض الناشئين ممن لا تحقيق عندهم . لكن للحديث
شاهد من حديث عبد الله بن مغفل أوله : " إن كنت تحبني فأعد للفقر تجفافا " .
كنت خرجته في " الضعيفة " برقم ( 1681 ) , فيمكن تقوية هذا به , و بحديث أبي ذر
المخرج تحت الحديث الذي قبله . و الله أعلم .
2829 " يجيء القرآن يوم القيامة كالرجل الشاحب يقول لصاحبه : هل تعرفني ? أنا الذي
كنت أسهر ليلك و أظمئ هواجرك , و إن كل تاجر من وراء تجارته , و أنا لك اليوم
من وراء كل تاجر , فيعطى الملك بيمينه و الخلد بشماله و يوضع على رأسه تاج
الوقار و يكسى والداه حلتين لا تقوم لهم الدنيا و ما فيها , فيقولان : يا رب !
أنى لنا هذا ? فيقال : بتعليم ولدكما القرآن . و إن صاحب القرآن يقال له يوم
القيامة : اقرأ و ارق في الدرجات و رتل كما كنت ترتل في الدنيا , فإن منزلك عند
آخر آية معك " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 793 :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 53 / 1 - 2 / 5894 - بترقيمي ) : حدثنا
محمد بن عبد الله الحضرمي قال : أخبرنا يحيى بن عبد الحميد الحماني قال :
أخبرنا شريك بن عبد الله بن عيسى عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن # أبي
هريرة # مرفوعا به . و قال : " لم يروه عن عبد الله بن عيسى إلا شريك , و لا
رواه عن شريك إلا يزيد بن هارون , و يحيى الحماني " . قلت : و بالحماني أعله
الهيثمي , فقال في " المجمع " ( 7 / 160 ) : " رواه الطبراني في " الأوسط " , و
فيه يحيى بن عبد العزيز الحماني , و هو ضعيف " . قلت : و فيه نظر من وجهين :
الأول : قوله : ابن عبد العزيز , و إنما هو ابن عبد الحميد كما في كتب الرجال ,
و لعله سبق قلم من المؤلف , أو خطأ من الناسخ . و الآخر : أن الطبراني قد صرح
بأن الحماني قد تابعه يزيد بن هارون , و هو ثقة من رجال الشيخين , فإعلال
الحديث بالحماني خطأ واضح , و الصواب تضعيفه بشريك , و هو ابن عبد الله القاضي
, و هو ضعيف لسوء حفظه . لكن الحديث حسن أو صحيح , لأن له شاهدا من حديث بريدة
بن الحصيب مرفوعا بتمامه . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 10 / 492 - 493
) و أبو القاسم الأصبهاني في " الترغيب " , و غيره ممن كنت ذكرتهم في تخريجي
إياه قديما في " تخريج الطحاوية " ( ص 126 - الطبعة الرابعة ) و بينت أن فيه
بشير بن المهاجر , و هو صدوق لين الحديث كما في " التقريب " , و قلت : " فمثله
يحتمل حديثه التحسين , أما التصحيح - كما فعل الحاكم - فهو بعيد " . و قلدني في
ذلك الشيخ شعيب في تعليقه على " شرح العقيدة الطحاوية " ( 1 / 94 ) ! و أما في
تعليقه على " شرح السنة " ( 4 / 454 ) , فأقر المؤلف البغوي على قوله : " حديث
حسن غريب " ! و كذلك حسن إسناده الحافظ ابن كثير في " تفسير سورة البقرة " ( 1
/ 33 ) , و تكلم على راويه ( بشير ) بكلام حسن , ثم قال : " لكن لبعضه شواهد ..
" . قلت : و كلها تدور حول فضيلة سورة البقرة و آل عمران التي جاءت في أول حديث
بريدة , و أما سائر الحديث الذي هو في حديث الترجمة , فلم يذكر له أي شاهد و
كذلك فعل مخرج أحاديثه صاحبنا الفاضل الشيخ مقبل بن هادي فلم يزد عليه شيئا مع
أن الشطر الأخير من الحديث معروف من حديث ابن عمرو عند الترمذي و حسنه , و ابن
خزيمة و ابن حبان و الحاكم , و قد سبق تخريجه برقم ( 2240 ) . و الحديث بتمامه
له شاهد آخر من رواية يحيى بن أبي كثير بلاغا . أخرجه عبد الرزاق ( 3 / 374 /
6014 ) عن معمر عنه . فهو بلاغ صحيح .
2830 " أما إن كل بناء وبال على صاحبه إلا ما لا , إلا ما لا , يعني : ما لابد منه "
.
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 794 :
هو من حديث # أنس # , و له عنه طرق : الأولى : عن أبي طلحة الأسدي عنه قال : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج , فرأى قبة مشرفة , فقال : " ما هذه ?! " ,
قال له أصحابه : هذه لفلان , رجل من الأنصار , قال : فسكت و حملها في نفسه ,
حتى إذا جاء صاحبها رسول الله صلى الله عليه وسلم يسلم عليه في الناس , أعرض
عنه , صنع ذلك مرارا , حتى عرف الرجل الغضب فيه و الإعراض عنه , فشكا ذلك إلى
أصحابه , فقال : والله إني لأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ? قالوا : خرج
فرأى قبتك . قال : فرجع الرجل إلى قبته فهدمها حتى سواها بالأرض , فخرج رسول
الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم , فلم يرها , قال : " ما فعلت القبة ? " ,
قالوا : شكا إلينا صاحبها إعراضك عنه , فأخبرناه فهدمها , فقال : فذكره . أخرجه
أبو داود ( 2 / 347 - 348 - تازية ) و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 416 )
و أبو يعلى في " مسنده " ( 7 / 308 / 1592 ) و البيهقي في " شعب الإيمان " ( 7
/ 390 / 10704 ) من طريق إبراهيم بن محمد بن حاطب القرشي عن أبي طلحة .. قلت :
و هذا إسناد جيد كما قال الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 4 / 236 -
المعرفة - لبنان ) و كنت خالفته في ذلك في " الضعيفة " ( رقم 176 ) اعتمادا مني
على أن الحافظ قال في ترجمة أبي طلحة الأسدي من " التقريب " : " مقبول " . يعني
عند المتابعة , و إلا فلين الحديث , يضاف إلى ذلك أنه لم يحك في " التهذيب "
توثيقه عن أحد . ثم إن أحد إخواننا المشتغلين بهذا العلم جزاه الله خيرا لفت
نظري - و " الضعيفة " تحت الطبع مجددا - إلى أن ابن حبان وثقه ( 3 / 166 / ب )
من " ترتيب الهيثمي " , فرجعت إلى " ثقات ابن حبان " , فوجدته قد أورده في "
ثقات التابعين " منه ( 5 / 574 ) برواية أبي العميس عنه . و قد روى عنه ثقتان
آخران كما ذكرت في كتابي الجديد " تيسير انتفاع الخلان بكتاب ثقات ابن حبان "
يسر الله إتمامه , أحدهما إبراهيم القرشي هذا , و كأنه لذلك قال الذهبي في
ترجمته من " الكاشف " : " صدوق " . من أجل ذلك رجعت إلى قول العراقي المذكور ,
و اعتمدته , و بخاصة أنه روي من طرق أخرى كما يأتي بيانه . و أخرجه أحمد ( 3 /
220 ) و كذا البخاري في " الكنى " ( 45 / 385 ) و البيهقي أيضا ( 10705 ) من
طريق شريك عن عبد الملك بن عمير عن أبي طلحة عن أنس به مختصرا بلفظ : " .. هد
على صاحبه يوم القيامة , إلا ما كان في مسجد - أو في بناء مسجد , شك أسود (
يعني ابن عامر ) - أو , أو " . ثم مر فلم يلقها , فقال : ما فعلت القبة ? قلت :
بلغ صاحبها ما قلت , فهدمها , فقال : " رحمه الله " . قلت : و شريك هو ابن عبد
الله القاضي , و هو سيىء الحفظ . و قد خالف في سياق لفظ النبي صلى الله عليه
وسلم كما ترى , و زاد : " رحمه الله " . لكن هذه الزيادة رويت في بعض الطرق
الآتية . ثم رأيت الحافظ في " الفتح " ( 11 / 93 ) ساق حديث الترجمة برواية أبي
داود , و قال عقبه : " و رواته موثقون إلا الراوي عن أنس , و هو أبو طلحة
الأسدي , فليس بمعروف " . فهذا يتلقي مع قوله المتقدم فيه : " مقبول " , و قد
عرفت السبب , و هو - و الله أعلم - أنه لم يقف على توثيق ابن حبان و قول الذهبي
المتقدم فيه : " صدوق " . الطريق الثانية : عن ابن أبي خالد عمن حدثه عن الربيع
بن أنس مرفوعا بلفظ : " كل بناء وبال على أهله يوم القيامة إلا مسجدا يذكر فيه
, أو بيت , و قال بيديه " . و فيه القصة باختصار مع زيادة " رحمه الله " .
أخرجه ابن أبي الدنيا في " قصر الأمل " ( 3 / 25 / 2 ) : حدثنا عبد الرحمن بن
صالح العتكي قال : حدثنا المحاربي عن ابن أبي خالد .. قلت : و هذا إسناد رجاله
ثقات غير الذي لم يسم , و ابن أبي خالد هو إسماعيل , و المحاربي اسمه عبد
الرحمن بن محمد , و قد رمي بالتدليس . و أخرجه البيهقي ( 10707 ) من طريق قيس
بن الربيع عن أبي حمزة عن أنس . و أبو حمزة لم أعرفه , و يحتمل أنه جار شعبة
فقد ذكره المزي في الرواة عن أنس , و هو ثقة . الثالثة : عن عطاء بن جبلة :
حدثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن أنس قال : كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه
وسلم في بعض طرق المدينة فإذا قبة ... الحديث نحو لفظ الطريق الأولى , و فيه
زيادة : " يرحمه الله " ( مرتين ) . أخرجه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 1 /
139 ) . و عطاء هذا قال ابن أبي حاتم ( 3 / 1 / 331 ) عن أبيه : " ليس بالقوي ,
يكتب حديثه " . و نقله الذهبي في " الميزان " , و زاد عليه في " اللسان " : " و
قال البرذعي عن أبي زرعة : منكر الحديث " . و هذا في " سؤالاته " ( ص 350 )
المطبوع . و أزيد أنا فأقول : قال الخطيب في ترجمته من " التاريخ " ( 12 / 295
) : " و بلغني عن إبراهيم بن عبد الله بن الجنيد أنه قال ليحيى بن معين : ما
تقول في عطاء بن جبلة الفزاري ? قال : ليس بشيء " . الرابعة : عن إسحاق بن أبي
طلحة عن أنس به مختصرا , و فيه زيادة : " يرحمه الله " ( مرتين ) . أخرجه ابن
ماجه ( 4161 ) : حدثنا العباس بن عثمان الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا
عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة : حدثني إسحاق بن أبي طلحة .. كذا قال : " عيسى
بن عبد الأعلى بن أبي فروة " . و قد ذكر الذهبي و غيره أنه لا يعرف , و قد جاء
هكذا مسمى في حديث آخر في صلاة العيد في المسجد يوم المطر , و هو من رواية
الوليد أيضا عنه , و هو مخرج في " ضعيف أبي داود " ( 212 ) , فلا أدري ممن
الخطأ ? أهو من الوليد نفسه , أم من العباس بن عثمان الراوي عنه . فقد قال ابن
حبان في " ثقاته " ( 8 / 511 ) : " ربما خالف " , و قد خالفه محمد بن جعفر
الرملي فقال : حدثنا الوليد بن مسلم قال : حدثنا عبد الأعلى بن عبد الله ابن
أبي فروة عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة به مختصرا . أخرجه الطبراني في "
الأوسط " ( 1 / 174 / 2 / 3233 ) و من طريقه الضياء المقدسي في " المختارة " (
1 / 484 ) : حدثنا بكر بن سهل قال : حدثنا مهدي بن جعفر الرملي ... , و قال
الطبراني : " لم يروه عن إسحاق بن عبد الله إلا عبد الأعلى بن عبد الله بن أبي
فروة , تفرد به الوليد " . قلت : و هو ثقة من رجال الشيخين , و لكن يخشى منه
تدليس التسوية , و قد صرح بالتحديث في كل السند في رواية العباس الدمشقي
المتقدمة , فلا أدري إذا كان ذلك محفوظا . و تسمية الرملي لشيخ الوليد ( عبد
الأعلى بن عبد الله بن أبي فروة ) أرجح عندي من تسمية العباس إياه بـ ( عيسى بن
عبد الأعلى بن أبي فروة ) , لأنه هو المعروف بروايته عن إسحاق بن عبد الله , و
عنه الوليد بن مسلم , و لعله لذلك أخرجه الضياء في " المختارة " , لكن بكر بن
سهل أورده الذهبي في " الضعفاء " , و قال : " متوسط , ضعفه النسائي " . و هذا
ملخص من قوله في " الميزان " : " حمل الناس عنه , و هو مقارب الحال , قال
النسائي : ضعيف " . قلت : فإن كان هو عيسى , فهو مجهول . و إن كان عبد الأعلى ,
فهو ثقة , و على الأول , فهو إن لم يزد الحديث قوة فلا يضره , و على الآخر ,
يكون الإسناد صحيحا إن سلم من تدليس الوليد بن مسلم . و الله أعلم .
2831 " إن الرجل يؤجر في نفقته كلها إلا في هذا التراب " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 799 :
أخرجه هناد بن السري في " الزهد " ( 2 / 374 / 722 ) : حدثنا أبو معاوية عن
إسماعيل ابن أبي خالد عن قيس عن # خباب # قال : اكتوى سبع كيات , فأتيناه نعوده
, فقال : لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تتمنوا الموت
" لتمنيته , و إذا هو يصلح حائطا له فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : فذكره . و من هذا الوجه أخرجه ابن حبان ( 5 / 99 - 100 ) دون التمني .
قلت : و هذا إسناد صحيح عزيز , و هو على شرط الشيخين , و قد أخرجه البخاري في "
صحيحه " ( 5672 ) و " الأدب المفرد " ( 455 ) و أحمد ( 5 / 110 ) و الحميدي (
154 ) و عنه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 4 / 70 / 3633 ) و كذا أبو نعيم
في " الحلية " ( 1 / 146 ) و الطبراني أيضا ( 3635 ) من طرق عن إسماعيل به
موقوفا على خباب . قلت : و هو أصح , و لكني أرى أنه في حكم المرفوع , و بخاصة
أنه قد جاء مرفوعا صراحة في بعض الطرق و المتابعات و الشواهد , فأذكر ما تيسر
لي منها : أولا : عن إسماعيل بن عياش عن إسماعيل بن أبي خالد به عن خباب قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " كل نفقة ينفقها العبد يؤجر فيها
إلا البنيان " . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 4 / 73 / 3641 ) بسند
صحيح عن ابن عياش , و سائره ثقات إلا ابن عياش , فقد ضعفوه في روايته عن غير
الشاميين و هذه منها , فإن ابن أبي خالد كوفي , فمثله تقبل روايته في المتابعات
و الشواهد . ثانيا : عن عمر بن إسماعيل بن مجالد : حدثنا أبي عن بيان بن بشر و
ابن أبي مجلد به , و لفظه : " إن المسلم يؤجر في نفقته كلها إلا ما يجعله في
التراب " . أخرجه الطبراني أيضا ( 3645 ) . و رجاله كلهم ثقات غير عمر بن
إسماعيل , فهو متروك لا يستشهد به و لا كرامة , و به أعله الحافظ في " الفتح "
( 10 / 129 ) فقال : " و عمر كذبه يحيى بن معين " . و من الغريب أن الحافظ ذكر
هذه الطريق تقوية لكون الموقوف المتقدم في رواية البخاري قد روي مرفوعا , ففاته
الطريق الأولى و هي خير من هذه بكثير , كما فاته إسناد هناد الصحيح , و غيره
مما يأتي , مصداقا للمثل السائر : " كم ترك الأول للآخر ?! " . ثالثا : عن شريك
عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال : دخلنا على خباب , و في داره حائط يبنى ,
فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره بلفظ عمر بن إسماعيل ,
ففيه إشارة إلى أن الكذوب قد يصدق , بله المتهم بالكذب , كما أشار إلى ذلك
النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الشيطان مع أبي هريرة رضي الله عنه : " صدقك و
هو كذوب " . و هذه الطريق شاهد قوي لحديث الترجمة , ذلك لأن رجاله ثقات غير
شريك , و هو ابن عبد الله القاضي , فإنه ضعيف لسوء حفظه , فيصلح للاحتجاج في
المتابعات و الشواهد , بل إن بعضهم صحح حديثه , كالترمذي و الحاكم و غيرهما,
بل الأول منهما قد قوى هذا الحديث بالذات , فقد أخرجه هو ( 2485 ) و ابن ماجه (
4163 ) و الطبراني ( 3675 ) , فقال الترمذي عقبه : " حديث حسن صحيح " . و أقره
الحافظ ( 11 / 92 ) . رابعا : عن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن
أبي أمامة عن خباب قال : سمعت رسول الله يقول : " ما أنفق المؤمن من نفقة إلا
أجر فيها , إلا النفقة في هذا التراب " . أخرجه الطبراني ( 4 / 64 / 3620 ) .
قلت : و إسناده ضعيف , عبيد الله بن زحر صدوق يخطىء , و شيخه علي بن يزيد - و
هو الألهاني - ضعيف . و في الباب عن أنس مرفوعا بلفظ : " النفقة كلها في سبيل
الله , إلا البناء فلا خير فيه " . أخرجه الترمذي ( 2484 ) و استغربه , و ذكره
الحافظ ( 11 / 92 ) شاهدا لحديث خباب المتقدم من رواية الترمذي , و لكني لاحظت
أن الشطر الأول منه يختلف عن الطرق المتقدمة , و لا يلتقي معها إلا في الشطر
الثاني منه , هذا مع ضعف إسناده الذي أشار إليه الترمذي , و قد خرجته و بينت
علته في " الضعيفة " ( 1061 ) . و اعلم أن المراد من هذا الحديث و الذي قبله -
و الله أعلم - إنما هو صرف المسلم عن الاهتمام بالبناء و تشييده فوق حاجته , و
إن مما لا شك فيه أن الحاجة تختلف باختلاف عائلة الباني قلة و كثرة , و من يكون
مضيافا , و من ليس كذلك , فهو من هذه الحيثية يلتقي تماما مع الحديث الصحيح : "
فراش للرجل , و فراش لامرأته , و الثالث للضيف , و الرابع للشيطان " . رواه
مسلم ( 6 / 146 ) و غيره , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " . و لذلك قال الحافظ
بعد أن ساق حديث الترجمة و غيره : " و هذا كله محمول على ما لا تمس الحاجة إليه
, مما لابد منه للتوطن و ما يقي البرد و الحر " . ثم حكى عن بعضهم ما يوهم أن
في البناء كله الإثم ! فعقب عليه الحافظ بقوله : " و ليس كذلك , بل فيه التفصيل
, و ليس كل ما زاد منه على الحاجة يستلزم الإثم .. فإن في بعض البناء ما يحصل
به الأجر , مثل الذي يحصل به النفع لغير الباني , فإنه يحصل للباني به الثواب ,
و الله سبحانه و تعالى أعلم " .
2832 " إن بني إسرائيل كتبوا كتابا فاتبعوه و تركوا التوراة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 803 :
أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 2 / 39 / 1 / 5876 ) : حدثنا محمد بن
عثمان بن أبي شيبة قال : حدثنا جندل بن والق قال : حدثنا عبيد الله بن عمرو عن
عبد الملك ابن عمير عن # أبي بردة عن أبيه #مرفوعا . و قال : " تفرد به جندل
بن والق " . قلت : و هو مختلف فيه , فوثقه ابن حبان ( 8 / 167 ) و أبو زرعة
بروايته عنه , و قال أبو حاتم : " صدوق " , و ضعفه آخرون , فراجع " التهذيب "
إن شئت , فهو إذن وسط حسن الحديث . و الله أعلم . و الحديث عزاه الهيثمي ( 1 /
192 ) للطبراني في " الكبير " , و تبعه السيوطي - رمزا - كما هي عادته في "
الجامع الصغير " و " الجامع الكبير " ( رقم 6405 ) , فلا أدري إذا كان هذا
العزو صحيحا , أو هو سبق قلم , أو خطأ من الناسخ , فإن الجزء الذي فيه مسند أبي
موسى الأشعري , و اسمه عبد الله بن قيس والد أبي بردة , لم يطبع بعد لنرجع إليه
و نتحقق من وجوده فيه أو لا . و يشهد للحديث قوله تعالى في اليهود و غيرهم : *(
و منهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني و إن هم إلا يظنون , فويل للذين
يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل
لهم مما كتبت أيديهم و ويل لهم مما يكسبون )* ( البقرة : 78 و 79 ) . و قد صح
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : " يا معشر المسلمين ! كيف تسألون أهل
الكتاب عن شيء و كتابكم الذي أنزل الله على نبيكم صلى الله عليه وسلم أحدث
الأخبار بالله محضا لم يشب . و قد حدثكم الله أن أهل الكتاب قد بدلوا من كتب
الله و غيروا , فكتبوا بأيديهم [ فـ ] قالوا : *( هذا من عند الله ليشتروا به
ثمنا قليلا )* ?! أولا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم ?! فلا والله ما
رأينا رجلا منهم يسألكم عن الذي أنزل عليكم ! " . أخرجه البخاري ( 2685 و 7363
و 7522 و 7523 ) و عبد الرزاق في " المصنف " ( 11 / 110 / 20060 ) و من طريقه
الحاكم ( 2 / 262 - 263 ) و عنه البيهقي في " الشعب " ( 4 / 308 / 5204 ) و عن
غيره فيه , و في السنن ( 10 / 162 ) و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين , و
لم يخرجاه " . و وافقه الذهبي , و استدراكه على البخاري وهم , فقد أخرجه كما
ترى .
2833 " إن بني إسرائيل استخلفوا خليفة عليهم بعد موسى صلى الله عليه وسلم , فقام
يصلي ليلة فوق بيت المقدس في القمر فذكر أمورا كان صنعها فخرج , فتدلى بسبب ,
فأصبح السبب معلقا في المسجد و قد ذهب . قال : فانطلق حتى أتى قوما على شط
البحر فوجدهم يضربون لبنا أو يصنعون لبنا , فسألهم : كيف تأخذون على هذا اللبن
? قال : فأخبروه , فلبن معهم , فكان يأكل من عمل يده , فإذا كان حين الصلاة قام
يصلي , فرفع ذلك العمال إلى دهقانهم , أن فينا رجلا يفعل كذا و كذا , فأرسل
إليه فأبى أن يأتيه , ثلاث مرات , ثم إنه جاء يسير على دابته فلما رآه فر
فاتبعه فسبقه , فقال : أنظرني أكلمك , قال : فقام حتى كلمه , فأخبره خبره فلما
أخبره أنه كان ملكا و أنه فر من رهبة ربه , قال : إني لأظنني لاحق بك , قال :
فاتبعه , فعبدا الله حتى ماتا برميلة مصر , قال عبد الله : لو أني كنت ثم
لاهتديت إلى قبرهما بصفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي وصف لنا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 805 :
أخرجه البزار في " مسنده " ( 4 / 267 / 3689 ) من طريق عمرو بن أبي قيس عن سماك
- يعني ابن حرب - عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن # عبد الله بن مسعود # عن
النبي صلى الله عليه وسلم ... و قال : " لا نعلم رواه عن سماك عن القاسم إلا
عمرو , و رواه المسعودي عن سماك عن عبد الرحمن عن أبيه , و لم يذكر القاسم " .
قلت : رواية المسعودي أخرجها أحمد ( 1 / 451 ) و أبو يعلى ( 9 / 261 / 5383 )
من طريق يزيد بن هارون : أنبأنا المسعودي عن سماك بن حرب عن عبد الرحمن بن عبد
الله عن ابن مسعود قال : فذكره . و تابعهما قيس بن الربيع عن سماك بن حرب به ,
لم يذكر القاسم أيضا في إسناده . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 10 /
216 / 10370 ) و " الأوسط " أيضا ( 2 / 112 / 1 / 6743 ) و قال : " لم يروه عن
سماك إلا قيس بن الربيع " ! كذا قال ! و قد تابعه المسعودي , و كذا عمرو بن أبي
قيس - كما تقدم - و إن كان خالفهما بذكر القاسم بن عبد الرحمن في السند , و
روايتهما أرجح , و إن كان في حفظهما شيء فأحدهما يقوي الآخر , و عمرو بن أبي
قيس - و هو الرازي - صدوق له أوهام كما في " التقريب " , فإن كان حفظه , فيمكن
القول بأن سماكا سمعه عن القاسم عن أبيه , ثم سمعه من أبيه مباشرة . و لعل صنيع
الهيثمي يشير إلى ذلك بقوله ( 10 / 219 ) : " رواه البزار و الطبراني في "
الأوسط " و " الكبير " , و إسناده حسن " . قلت : فجمع بين رواية البزار و
الطبراني مع اختلاف روايتهما عن سماك , كأنه يشير أنه لا اختلاف بينهما يضر . و
أورد قبل ذلك رواية أحمد و أبي يعلى , و قال عقبها : " و في إسنادهما المسعودي
, و قد اختلط " . و قصر السيوطي في " الجامع الكبير " ( 6404 ) فعزاه لـ "
الطبراني " فقط في " المعجم الكبير " !!
2834 " إنهم يوفرون سبالهم و يحلقون لحاهم فخالفوهم . يعني المجوس " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 806 :
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 5452 - الإحسان ) و البيهقي في " سننه " ( 1 /
151 ) و أبو حامد الحضرمي في " حديثه " ( ق 2 / 2 ) و أبو عروبة الحراني في "
حديث الجزريين " ( ق 146 / 1 ) من طرق عن معقل بن عبيد الله عن ميمون بن مهران
عن # ابن عمر # قال : ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم المجوس فقال : فذكره ,
و زاد : " فكان ابن عمر يجز سباله كما تجز الشاة أو البعير " . قلت : و هذا
إسناد جيد , رجاله ثقات , و في معقل بن عبيد الله كلام يسير لا يضر , و قد أخرج
له مسلم , و لذلك سكت عنه الحافظ العراقي في " تخريج الإحياء " ( 1 / 141 -
بيروت ) و الحافظ ابن حجر في " فتح الباري " ( 10 / 347 - 348 ) و عزاه
للطبراني و البيهقي . و للحديث شواهد خرجت بعضها في " جلباب المرأة المسلمة " (
ص 185 - 187 / طبعة المكتبة الإسلامية ) و " آداب الزفاف " ( ص 209 و 210 /
طبعة المكتبة الإسلامية ) . ( السبال ) جمع ( السبلة ) بالتحريك : ( الشارب )
كما في " النهاية " . هذا , و لقد كان الباعث على تخريج الحديث أنني لم أجده في
" موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " للهيثمي , فظننت أنه تعمد ذلك لورود أصله
في " الصحيحين " كما تراه في " جلباب المرأة " , أو أنه سها عنه , كما سها عن
كثير غيره , و كما سها عنه الحافظ في اقتصاره على عزوه إياه للطبري و البيهقي !
و اعلم أن في هذا الحديث توجيها نبويا كريما طالما غفل عنه كثير من خاصة
المسلمين فضلا عن عامتهم , ألا و هو مخالفة الكفار المجوس و غيرهم كما في
الحديث المتفق عليه : " إن اليهود و النصارى لا يصبغون فخالفوهم " . و الأحاديث
بهذا المعنى كثيرة جدا معروفة . فالذي أريد بيانه إنما هو التنبيه على أن
المخالفة المأمور بها هي أعم من التشبه المنهي عنه , ذلك أن التشبه أن يفعل
المسلم فعل الكافر , و لو لم يقصد التشبه , و بإمكانه أن لا يفعله . فهو مأمور
بأن يتركه . و حكمه يختلف باختلاف ظاهرة التشبه قوة و ضعفا . و أما المخالفة
فهي على العكس من ذلك تماما فإنها تعني أن يفعل المسلم فعلا لا يفعله الكافر ,
إذا لم يكن في فعله مخالفة للشرع , كمثل الصلاة في النعال , فقد أمر النبي صلى
الله عليه وسلم بها مخالفة لليهود , و قد تكون المخالفة لهم فيما هو من خلق
الله في كل البشر لا فرق في ذلك بين مسلم و كافر , و رجل و امرأة , كالشيب مثلا
, و مع ذلك أمر بصبغه مخالفة لهم كما تقدم , و هذا أبلغ ما يكون من الأمر
بالمخالفة , فعلى المسلم الحريص على دينه أن يراعي ذلك في كل شؤون حياته , فإنه
بذلك ينجو من أن يقع في مخالفة الأمر بالمخالفة , فضلا عن نجاته من التشبه
بالكفار , الذي هو الداء العضال في عصرنا هذا . و الله المستعان .
2835 " استو يا سواد ! " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 808 :
أخرجه ابن إسحاق في " السيرة " ( 2 / 266 - سيرة ابن هشام ) و من طريقه أبو
نعيم في " معرفة الصحابة " ( ق 303 / 1 ) و ابن الأثير في " أسد الغابة " ( 2 /
332 ) قال ابن إسحاق : و حدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه : أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر , و في يده قدح يعدل به
القوم , فمر بسواد بن غزية - حليف بني عدي بن النجار - و هو مستنتل من الصف ,
فطعن في بطنه بالقدح , و قال : " استو يا سواد " , فقال : يا رسول الله !
أوجعتني و قد بعثك الله بالحق و العدل , فأقدني . قال : فكشف رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن بطنه , و قال : " استقد " , قال : فاعتنقه فقبل بطنه , فقال
: " ما حملك على هذا يا سواد ? " قال : يا رسول الله ! حضر ما ترى , فأردت أن
يكون آخر العهد بك : أن يمس جلدي جلدك ! فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم
بخير و قال له : فذكره . قلت : و هذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى لأن الأشياخ
من قوم حبان من الأنصار , فإن كانوا من الصحابة فلا إشكال , و إن كانوا من
التابعين فهم من كبارهم , لأن حبان تابعي من الخامسة عند الحافظ , و هم جمع لا
يضر جهالتهم كما هو معروف عند أهل العلم . و روايتهم لهذه القصة تدل على أنها
كانت مشهورة عندهم , متداولة بينهم . و قد ذكر لها الحافظ في " الإصابة " شاهدا
من مرسل جعفر بن محمد عن أبيه : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخطى بعرجون
, فأصاب به سواد بن غزية الأنصاري .. فذكر القصة . قلت : و أخرجها ابن سعد في
ترجمة سواد بن غزية ( 3 / 516 - 517 ) بسند صحيح عن الحسن مرسلا بلفظ : " رأى
سواد بن عمرو .. " قال ابن سعد : هكذا قال إسماعيل . يعني ابن علية . و مال
الحافظ إلى تعدد القصة . و الله أعلم .
2836 " ما من أمتي من أحد إلا و أنا أعرفه يوم القيامة . قالوا : و كيف تعرفهم يا
رسول الله في كثرة الخلائق ? قال : أرأيت لو دخلت صيرة فيها خيل دهم بهم و فيها
فرس أغر محجل , أما كنت تعرفه منها ? قال : بلى . قال : فإن أمتي يومئذ غر من
السجود , محجلون من الوضوء " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 809 :
أخرجه أحمد ( 4 / 189 ) و الضياء المقدسي في " المختارة " ( 55 / 114 / 1 - 2 )
من طرق عن صفوان بن عمرو : حدثنا يزيد بن خمير الرحبي عن #عبد الله بن بسر
المازني #عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : فذكره . قلت : و هذا
إسناد صحيح , و هو على شرط مسلم كما قال الضياء , و أخرج الترمذي ( 607 )
الجملة الأخيرة منه , و قال : " حسن صحيح غريب من هذا الوجه " . و الحديث عزاه
السيوطي في " الجامع الكبير " للطبراني في " الكبير " و البيهقي في " الشعب " .
و للجملة المشار إليها شاهد من حديث أبي هريرة مرفوعا . رواه البخاري و غيره .
و في آخره زيادة : " فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل " , و لكنها مدرجة في
الحديث لا تصح , كما تراه مفصلا في " الضعيفة " ( 1030 ) . غريب الحديث : (
الصيرة ) : حظيرة تتخذ للدواب من الحجارة و أغصان الشجر , جمعها ( صير ) . (
دهم ) : جمع أدهم , و هو الأسود . ( بهم ) : جمع بهيم , و هو في الأصل : الذي
لا يخالط لونه لون سواه كما في " النهاية " , أي أن لون هذه الخيل أسود خالص لا
يخالطه لون آخر . ( محجل ) : هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد ,
و يجاوز الأرساغ , و لا يجاوز الركبتين لأنهما موضع الأحجال , و هي الخلاخيل و
القيود , و لا يكون التحجيل باليد أو اليدين ما لم يكن معها رجل أو رجلان . (
تنبيه ) : وقعت لفظة ( صيرة ) في " المسند " ( صبرة ) , و هو خطأ مطبعي كنت
نقلته هكذا مع الحديث في كتابي " صفة الصلاة / فضل السجود " , و قيدته في
الحاشية بالضم , و فسرت بـ ( الكومة ) , و هذا - والله - منتهى الغفلة , لأن
هذا المعنى لا صلة له بسياق الحديث كما هو ظاهر , و لا غرابة في ذلك , لأنه
يؤكد أنني ألباني حقا ! و قد استمر هذا الخطأ في كل طبعات الكتاب حتى العاشرة
منها , فالمرجو تصحيح هذا الخطأ ممن كان عنده نسخة من الكتاب , كما أرجو أن
يتاح لي إعادة طبع الكتاب هنا في عمان مصححا و مزيدا بإذنه تعالى . و يعود
الفضل في تنبيهي لهذا الخطأ إلى فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد في خطاب
تفضل بإرساله إلي بتاريخ 20 / 2 / 1409 هـ . جزاه الله تبارك و تعالى خيرا . ثم
طبع الكتاب طبعة جديدة في عمان - 1411 هـ , منقحة مزيدة , و قد صحح فيها اللفظ
المذكور , و الحمد لله , مع الإشادة بصاحب الفضل فيه .
2837 " صنعت هذا لكي لا تحرج أمتي . يعني الجمع بين الصلاتين " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 811 :
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 10 / 269 / 10525 ) : حدثنا إدريس بن
عبد الكريم الحداد حدثنا أحمد بن حاتم الطويل حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن
الأعمش عن عبد الرحمن بن ثروان عن زاذان قال : قال # عبد الله بن مسعود # :
قال : جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الأولى و العصر , و بين المغرب و
العشاء , فقيل له , فقال : فذكره . و رواه في " الأوسط " ( 1 / 46 / 1 ) من
طريق أخرى عن ابن القدوس به . ثم أشار إلى رواية ( أحمد الطويل ) المذكورة .
قلت : و هذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات غير عبد الله بن عبد القدوس ذكره ابن
حبان في " الثقات " ( 7 / 48 ) , و حكى الحافظ عنه أنه قال : " ربما أغرب " . و
ليس هذا في النسخة المطبوعة منه , فلعلها في بعض النسخ , فإنه قد تكون في نفسي
أثناء عملي لفهرسته التي أنا في صدد إتمامها أن نسخه مختلفة , فيراجع لهذا "
ترتيب الثقات " للهيثمي , فإن فيه زيادات أحيانا على المطبوعة , و أحيانا فيه
نقص عنها . ثم حكى الحافظ عن البخاري أنه قال فيه : " هو في الأصل صدوق , إلا
أنه يروي عن أقوام ضعاف " . لكنه ذكر عن أبي داود تضعيفه , و كذا عن ابن معين و
غيره , فلا تطمئن النفس للاحتجاج بحديثه , إلا إذا وافق الثقات , و هذا الحديث
من هذا القبيل , فإن له شاهدا من حديث ابن عباس في صحيح مسلم و غيره <1> , و هو
مخرج في " الإرواء " ( 3 / 34 / 579 / 2 ) , فالحديث صحيح بلا ريب , و لكن هل
رواه ابن مسعود ? فهو موضع نظر لما عرفت من حال ابن عبد القدوس . و قال الهيثمي
( 2 / 161 ) بعد أن عزاه لـ ( المعجمين ) : " و فيه عبد الله بن عبد القدوس ,
ضعفه ابن معين و النسائي , و وثقه ابن حبان , و قال البخاري : " صدوق إلا أنه
يروي عن أقوام ضعفاء " . قلت : و قد روى هذا عن الأعمش و هو ثقة " . و قد مال
الشوكاني إلى تقوية الحديث , و من قبله الحافظ في " الفتح " ( 2 / 24 ) , فإنه
جزم به , و أجاب الشوكاني ( 3 / 183 ) عن التضعيف المتقدم بقوله : " لم يتكلم
فيه إلا بسبب روايته عن الضعفاء " . ثم ذكر كلام البخاري في ذلك , و زاد : " و
قال أبو حاتم : لا بأس به " . و هذه الزيادة وهم منه , فإنما قال أبو حاتم ذلك
في الراوي الذي عقب المترجم ( 2 / 2 / 105 ) و أما هذا فلم يحك ابنه فيه إلا
تضعيفه . و أما قوله : " لم يتكلم فيه إلا .. " . فهو تعليل مردود بالنسبة
للمضعفين لأنه ليس في كلام أحدهم ما يشعر بذلك , بل فيه بخلافه , فراجعه إن شئت
في " التهذيب " , و لذلك قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق رمي بالرفض , و
كان أيضا يخطىء " . قلت : فالتعليل بروايته عن الضعفاء , هو بالنسبة للبخاري ,
و أما الآخرون , فالتعليل عندهم سوء الحفظ . و الله أعلم . و قد خولف ابن عبد
القدوس , فأخرجه الطبراني أيضا ( 10 / 47 / 9880 ) من طريق أبي مالك النخعي - و
اسمه عبد الملك بن الحسين - عن حجاج عن عبد الرحمن بن ثروان عن هزيل بن شرحبيل
عن عبد الله قال : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع بين المغرب و
العشاء , يؤخر هذه في آخر وقتها , و يعجل هذه في أول وقتها " . و أبو مالك هذا
ضعفه الهيثمي ( 2 / 159 ) و قال الحافظ في " التقريب " : " متروك " . و حجاج ,
الظاهر أنه ابن أرطاة , و هو مدلس . ثم أخرجه الطبراني ( 9881 ) من طريق ابن
أبي ليلى عن أبي قيس عن هزيل به مختصرا بلفظ : " كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يجمع بين الصلاتين في السفر " . قال الهيثمي : " رواه أبو يعلى و البزار و
الطبراني في " الكبير " , و رجال أبي يعلى رجال الصحيح " . و أقول : هذا وهم
مرتين لأن أبا يعلى أخرجه أيضا ( 9 / 284 / 5413 ) من طريق ابن أبي شيبة , و
هذا في " المصنف " ( 2 / 458 ) من طريق ابن أبي ليلى , و كذا البزار ( 1 / 330
/ 685 ) و قال : " لا يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد " . قلت : هذا هو
الوهم الأول : أنه غاير بين إسناد أبي يعلى و غيره , و إسنادهم واحد . و الآخر
: أنه قال : " رجاله رجال الصحيح " ! و ابن أبي ليلى - و هو محمد بن عبد الرحمن
بن أبي ليلى - ليس من رجال الصحيح , ثم هو إلى ذلك سيىء الحفظ جدا كما في "
التقريب " . و بالجملة , فحديث الترجمة صحيح , من حديث ابن عباس بلا شك رواية و
لكنه صحيح دراية , دون رواية أبي مالك النخعي التي فيها بيان أن الجمع كان جمعا
صوريا . فإنه شديد الضعف كما تقدم . و اعلم أن الشوكاني رحمه الله ذهب إلى أن
المقصود بالحديث إنما هو الجمع الصوري , و أطال البحث في ذلك جدا , و تكلف في
تأويل الحديث و صرف معناه عن الجمع الحقيقي الثابت صراحة في بعض أحاديث الجمع
في السفر . و احتج لذلك بأمور يطول الكلام عليها جدا , و الذي أريد أن ألفت
النظر إليه إنما هو أنه لم يتنبه إلى أن قوله : " كي لا يحرج أمته " نص في
الجمع الحقيقي , لأن رفع الحرج إنما يعني في الاصطلاح الشرعي رفع الإثم و
الحرام ( راجع النهاية ) كما في أحاديث أخرى , الأصل فيها المؤاخذة لولا الحرج
, كمثل ترك صلاة الجمعة و الجماعة من أجل المطر و البرد , كما في حديث ابن عباس
لما أمر المؤذن يوم الجمعة أن يقول : " الصلاة في الرحال " , فأنكر ذلك بعضهم ,
فقال : " كأنكم أنكرتم هذا , إن هذا فعله من هو خير مني . يعني النبي صلى الله
عليه وسلم , إنها عزمة , إني كرهت أن أحرجكم " . رواه البخاري ( 616 و 668 و
901 ) و ابن أبي شيبة ( 2 / 153 ) نحوه , ثم روى ( 2 / 234 ) الموقوف منه . و
حديث نعيم بن النحام قال : " نودي بالصبح في يوم بارد و هو في مرط امرأته ,
فقال : ليت المنادي نادى : " و من قعد فلا حرج " , فنادى منادي النبي صلى الله
عليه وسلم في آخر أذانه : " و من قعد فلا حرج " . رواه عبد الرزاق في " المصنف
" ( 1 / 501 / 1926 ) و أحمد ( 4 / 320 ) و البيهقي ( 1 / 398 و 323 ) و أحد
إسناديه صحيح , و صحح الحافظ ( 2 / 98 - 99 ) إسناد عبد الرزاق ! و قد مضى
تخريجه و ما يستفاد منه في هذا المجلد برقم ( 2605 ) . و من المعلوم وجوب
الحضور لصلاة الجمعة و الجماعة , فإذا ثبت في الشرع أنه لا حرج على على من لم
يحضر في المطر . كان ذلك حكما جديدا لولاه بقي الحكم السابق على ما كان عليه من
العموم و الشمول . فكذلك نقول : لما كان من المعلوم أيضا وجوب أداء كل صلاة في
وقتها المحدد شرعا بفعله صلى الله عليه وسلم , و إمامة جبريل عليه السلام إياه
, و قوله : " الوقت بين هذين ", ثم ثبت أنه صلى الله عليه وسلم جمع بين
الصلاتين , لرفع الحرج عن أمته صلى الله عليه وسلم , كان ذلك دليلا واضحا على
أن جمعه صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت , كان جمعا حقيقيا , فحمله على الجمع
الصوري و الحالة هذه تعطيل للحديث كما هو ظاهر للمنصف المتأمل , إذ إنه لا حرج
في الجمع الصوري أصلا , و لذلك فلم يبالغ الإمام النووي رحمه الله حين قال في
حمل الحديث على الجمع الصوري : "إنه باطل , لأنه مخالف للظاهر مخالفة لا تحتمل
". و إن مما يؤكد ذلك أمران : الأول :إن في حديث ابن عباس أن الجمع كان في
غير خوف و لا مطر , ففيه إشارة قوية إلى أن جمعه صلى الله عليه وسلم في المطر
كان معروفا لدى الحاضرين ,فهل كان الجمع في المطر صوريا أيضا ?! اللهم لا .
يخبرنا بذلك نافع مولى ابن عمر قال : كانت أمراؤنا إذا كانت ليلة مطيرة أبطأوا
بالمغرب ,و عجلوا بالعشاء قبل أن يغيب الشفق , فكان ابن عمر يصلي معهم لا يرى
بذلك بأسا , قال عبيد الله ( هو الراوي عن نافع ) : و رأيت القاسم و سالما
يصليان معهم في مثل تلك الليلة . أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه " ( 2 / 234 )
بسند صحيح غاية . قلت : فقوله : " قبل أن يغيب الشفق "صريح في أن جمعهم كان
جمعا حقيقيا , لأن مغيب الشفق آخر وقت المغرب كما في حديث ابن عمرو عند مسلم (
2 / 104 - 105 ) و غيره , و هو مخرج في "صحيح أبي داود " ( 425 ) . و الأمر
الآخر : أن التعليل المتقدم برفع الحرج قد ثبت أيضا في الجمع في السفر من حديث
معاذ : جمع رسول صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك بين الظهر و العصر
,و بين المغرب و العشاء .قال أبو الطفيل :فقلت :ما حمله على ذلك ? قال :
فقال :أراد أن لا يحرج أمته . أخرجه مسلم , و ابن خزيمة ( 2 / 81 / 966 ) و
غيرهما ,و هو مخرج في "الإرواء " ( 3 / 31 ) و في رواية لأبي داود و غيره
:أن الجمع كان تقديما تارة , و تأخيرا تارة .و هو مخرج في المصدر المذكور
برقم ( 578 ) و ثبت نحوه من حديث أنس و غيره , و هو مخرج هناك ( 579 ) .قلت
:و إذا عرفت ما تقدم تأكدت إن شاء الله أن الصحيح في الجمع المعلل برفع الحرج
إنما هو الجمع الحقيقي , لأن الجمع الصوري في أصله لا حرج فيه مطلقا لا في
السفر و لا في الحضر و لذلك كان من أدلة الجمهور على الحنفية الذين لا يجيزون
الجمع الحقيقي في السفر أيضا أنه ثبت فيه جمع التقديم أيضا , و هو يبطل تأويلهم
الجمع بالجمع الصوري كما ثبت في بعض الأحاديث المشار إليها آنفا جمع التأخير
بلفظ صريح يبطل أيضا تأويلهم , كحديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم :إذا
عجل عليه السفر يؤخر الظهر إلى أول وقت العصر ,فيجمع بينهما , و يؤخر المغرب
حتى يجمع بينها و بين العشاء حين يغيب الشفق .متفق عليه .و بهذه المناسبة
أقول :يبدو لي من تعليل الجمع في حديث ابن عباس برفع الحرج - أنه إنما يجوز
الجمع حيث كان الحرج ,و إلا فلا , و هذا يختلف باختلاف الأفراد و ظروفهم , و
لعل القائلين بجوازه مطلقا من السلف أشاروا إلى ما ذكرته حين اشترطوا أن لا
يتخذ ذلك عادة كما تفعل الشيعة . و لا أتصور ذلك إلا لمن كان حريصا على أداء
الصلوات في أوقاتها الخمسة , و في المساجد مع الجماعة . و الله سبحانه و تعالى
أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] و لفظه " جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر و العصر , و المغرب
و العشاء بالمدينة في غير خوف و لا مطر . قيل لابن عباس : لم فعل ذلك ? قال :
كي لا يحرج أمته " . و هو مخرج في " الإرواء " , و التعليق على " صحيح ابن
خزيمة " ( 2 / 86 ) . اهـ .
2838 " أصبت و أحسنت اللهم وفقه . قاله لعبد الله بن الأرقم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 818 :
أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 3 / 335 ) قال : حدثنا محمد بن صالح بن هانىء
حدثنا الفضل بن محمد البيهقي حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا عبد العزيز بن أبي
سلمة الماجشون عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن # عبد الله بن
عمر # رضي الله عنهما قال : أتى النبي صلى الله عليه وسلم كتاب رجل , فقال لعبد
الله بن الأرقم : " أجب عني " , فكتب جوابه , ثم قرأه عليه , فقال : ( فذكر
الحديث ) . فلما ولي عمر كان يشاوره . و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و
وافقه الذهبي . قلت : فيه نظر , فإن الفضل بن محمد البيهقي , و هو الشعراني ,
أورده المؤلف الذهبي في " المغني " و قال : " قال [ ابن ] <1> أبي حاتم :
تكلموا فيه " . و قد ترجم له الذهبي في " سيره " ( 13 / 317 / - 319 ) ترجمة
جيدة نقل فيها قول ابن أبي حاتم المذكور , ثم أتبعه بقول ابن الأخرم فيه : "
صدوق غال في التشيع " . و قول الحاكم : " لم أر خلافا بين الأئمة الذين سمعوا
منه في ثقته و صدقه رضوان الله عليه , و كان أديبا فقيها عالما عابدا .." . و
ختم ترجمته بقوله : " و أما الحسين القباني فرماه بالكذب , فبالغ " . ثم إن
محمد بن صالح بن هانىء لم أجد له ترجمة <2> . لكني وجدت للحديث طريقا أخرى لا
بأس بإسنادها , فقال البزار في مسنده " البحر الزخار - 267 " , و ( 1 / 104 /
185 - كشف الأستار ) : حدثنا عمر بن الخطاب السجستاني حدثنا إبراهيم بن المنذر
حدثنا محمد بن صدقة الفدكي حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر قال : "
كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب , فقال لعبد الله بن أرقم : " أجب
هؤلاء " , فأخذه عبد الله بن أرقم فكتبه , ثم جاء بالكتاب فعرضه على رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال : " أحسنت " , فما زال ذلك في نفسي حتى وليت , فجعلته
على بيت المال " . و قال البزار : " لا نعلم رواه هكذا إلا مالك " . قلت : لكن
أعله الدارقطني في كتابه " العلل " ( 2 / 143 - 144 ) بقوله : " هو حديث تفرد
به محمد بن صدقة الفدكي - و ليس بالمشهور , و لكن ليس به بأس - عن مالك عن زيد
بن أسلم عن أبيه عن عمر , و غيره يرويه عن مالك مرسلا , و هو الصحيح " . قلت :
و الفدكي هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 9 / 67 ) و قال : " يعتبر حديثه
إذا بين السماع , فإنه كان يدلس " . قلت : قد صرح بالتحديث هنا و السند إليه
صحيح , فالإسناد جيد إن كان الفدكي قد حفظ وصله عن عمر , فإن الدارقطني و إن
أعله بالإرسال بقوله المتقدم , فإنا لم ندر من هو المخالف , فإذا كان أوثق من
الفدكي كما يظهر من إعلال الدارقطني فهو مرسل , فيصلح شاهدا بل هو - أعني
المرسل - حجة عند بعض العلماء فلا أقل من أن يصلح شاهدا لحديث الترجمة , و أما
قول الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 1 / 153 ) : " رواه البزار , و فيه محمد بن
صدقة الفدكي , قال في " الميزان " : حديثه منكر " . قلت : يعني حديثا آخر ذكره
في " الميزان " , و أما هذا فليس منكرا لما عرفت أنه رواه الحاكم من غير طريق
الفدكي بسنده المتقدم عن عبد الواحد بن أبي عون عن القاسم بن محمد عن ابن عمر ,
لكن أورده في " مجمع الزوائد " ( 9 / 370 ) برواية الطبراني ( يعني في " الكبير
" 13 / 192 ) عن عبد الله بن أبي عون معضلا , و قال : " و إسناده حسن " . و
ذكره الحافظ في ترجمة ابن الأرقم من " الإصابة " من رواية البغوي من طريق
الفدكي به موصولا نحوه , و سكت عنه . و بالجملة فالحديث جيد بمجموع طريقيه . و
الله أعلم .
-----------------------------------------------------------
[1] سقطت من " المغني " و غيره , و استدركتها من " الجرح " .
[2] ثم وجدت في بعض كتاباتي على " المستدرك " أنه مترجم في " الطبقات الكبرى "
للسبكي ( 2 / 164 ) , و أن ابن كثير وثقه في " تاريخه " ( 11 / 225 ) . اهـ .
2839 " اذكر الموت في صلاتك , فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته
, و صل صلاة رجل لا يظن أن يصلي صلاة غيرها , و إياك و كل أمر يعتذر منه " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 820 :
أخرجه الديلمي في " مسند الفردوس " ( 1 / 26 / 2 ) من طريق أبي الشيخ ابن حيان
: حدثنا ابن أبي عاصم : حدثنا أبي : حدثنا شبيب بن بشر عن # أنس # قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا إسناد حسن كما قال الحافظ
عقبه في " الغرائب الملتقطة " , و أقره الحافظ السخاوي في " المقاصد الحسنة " (
ص 138 ) , و للجملة الأخيرة منه شواهد كثيرة مذكورة في " المقاصد " , و سبق
تخريج بعضها مع الجملة التي قبلها بنحوها برقم ( 401 ) . ( تنبيه ) : لقد اعتاد
بعض الأئمة أن يأمروا المصلين عند اصطفافهم للصلاة ببعض ما جاء في هذا الحديث
كقوله : " صلوا صلاة مودع " , فأرى أنه لا بأس في ذلك أحيانا , و أما اتخاذه
عادة فمحدثة و بدعة .
2840 " كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا
حسوات من ماء " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 821 :
أخرجه الإمام أحمد , و غيره من أصحاب السنن بإسناد حسن عن # أنس بن مالك # رضي
الله عنه . و حسنه الترمذي , و صححه الحاكم و الذهبي و الضياء في " المختارة "
. و قد خرجته مفصلا في " الإرواء " ( 4 / 45 - 51 ) و " صحيح أبي داود " ( 2040
) . و الغرض من ذكري للحديث مع الإيجاز في التخريج إنما هو التذكير بهذه السنة
التي أهملها أكثر الصائمين , و بخاصة في الدعوات العامة التي يهيأ فيها ما لذ و
طاب من الطعام و الشراب , أما الرطب أو التمر على الأقل فليس له ذكر . و أنكر
من ذلك , إهمالهم الإفطار على حسوات من ماء ! فطوبى لمن كان من *( الذين
يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله و أولئك هم أولوا الألباب
)* ( الزمر : 18 ) .
2841 " لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه و لا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه و لا
يدخل رجل الجنة لا يأمن جاره بوائقه " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 822 :
أخرجه أحمد ( 3 / 198 ) و ابن أبي الدنيا في " الصمت " ( رقم 9 ) و الخرائطي في
" المكارم " ( رقم 442 ) و القضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 75 / 1 ) من طريق
علي بن مسعدة الباهلي : قال : حدثنا قتادة عن # أنس بن مالك # قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و رجاله ثقات رجال مسلم غير الباهلي
هذا , و هو مختلف فيه , و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق له أوهام " . قلت
: فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى , إذ لا يخلو أحد من أوهام , فما لم يثبت
أنه وهم فهو حجة . و قال العراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 94 ) : " رواه ابن
أبي الدنيا في " الصمت " , و الخرائطي في " مكارم الأخلاق " بسند فيه ضعف " .
و قال السيوطي في " الجامع الكبير " : " رواه أحمد و عبد الرزاق , و حسن " . و
له طريقان آخران ضعيفان عن أنس مرفوعا بلفظ : " لا يستكمل أحدكم حقيقة الإيمان
حتى يخزن من لسانه " . أخرجه البيهقي في " شعب الإيمان " ( 2 / 73 / 2 - خط ) .
و له عنده ( 1 / 41 / 8 - ط ) شاهد برجال ثقات عن الحسن البصري عن بعض أصحابه
رفعه دون جملة الجار . و مضى تخريجها برقم ( 549 ) . ( تنبيه ) : هذا الحديث
وقع في " أمثال الماوردي " ( 103 ) تماما لحديث أوله : " لا إيمان لمن لا أمانة
له , و لا دين لمن لا عهد له , والذي نفسي بيده , لا يستقيم دين رجل حتى ... "
إلخ . أورده من طريق حصين بن مذعور عن يونس عن ابن مسعود رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و هذا إسناد مظلم , من دون ابن
مسعود لم أعرفهما , و لم يتكلم عليه الدكتور فؤاد بشيء كعادته , و قال في
تعليقه عليه : " صحيح , أخرجه أحمد ( 3 / 135 .. ) و البيهقي في " سننه " ( 6 /
288 ) و ابن حبان عن أنس . صحيح الجامع 6 : ( الأصل : 3 / 123 الحديث 7056 ) "
. قلت : و هذا يوهم أنهم أخرجوه بهذا التمام , و أنه كذلك هو في " صحيح الجامع
" و ليس كذلك , و إنما هو عندهم جميعا بالطرف الأول منه , دون حديث الترجمة !!
2842 " إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما
يأكل و ليلبسه مما يلبس و لا تكلفوهم ما يغلبهم , فإن كلفتموهم ما يغلبهم
فأعينوهم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 823 :
أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 3 / 123 ) و في " الأدب المفرد " ( 29 ) من حديث
# أبي ذر # . و قد ورد بلفظ : " هو إخوانكم .. " . و هو مخرج في " الإرواء " (
2176 ) . و المراد بـ ( الإخوان ) هنا المماليك , قال ابن الأثير في " النهاية
" : " الخول : حشم الرجل و أتباعه , و أحدهم ( خائل ) , و قد يكون واحدا , و
يقع على العبد و الأمة , و هو مأخوذ من التخويل : التمليك , و قيل : من الرعاية
" .
2843 " إن ربك ليعجب للشاب لا صبوة له " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 824 :
رواه الروياني في " مسنده " ( 9 / 50 / 2 ) عن عبد الله بن وهب , أخبرنا ابن
لهيعة عن مشرح بن هاعان عن # عقبة # مرفوعا . ثم رواه ( 51 / 1 ) بهذا السند
إلا أنه جعل أبا عشانة مكان مشرح . و هكذا رواه أبو سعيد ابن الأعرابي في "
معجمه " ( 86 / 2 ) عن سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة . قلت : و هذا إسناد جيد ,
لأن رواية ابن وهب عن ابن لهيعة صحيحة كما هو معلوم . ثم إن كلا من مشرح بن
هاعان أو أبي عشانة - و اسمه حي بن يومن - صالح الحديث , فلا يضره أنه مرة جاء
عن هذا , و مرة عن هذا , لأنه انتقال من ثقة إلى ثقة , و الثاني أوثق من الأول
, و لعل كونه الثاني أرجح لرواية سعيد بن شرحبيل عن ابن لهيعة عنه , فإن ابن
شرحبيل هذا صدوق من رجال البخاري . و يؤيده رواية قتيبة بن سعيد : حدثنا ابن
لهيعة عن أبي عشانة به . أخرجه أحمد ( 4 / 151 ) بلفظ : " إن الله ليعجب .. " .
و كذلك رواه الطبراني في " الكبير " ( 17 / 309 / 853 ) من طريقين عن ابن لهيعة
, أحدهما عن قتيبة . و كذلك رواه كامل : حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو عشانة به .
أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 1749 ) . و قال ابن أبي عاصم في " السنة " ( 1 /
250 / 571 - الظلال ) : حدثنا هشام بن عمار قال : كتب إلينا ابن لهيعة به . و
كذلك رواه رشدين بن سعد قال : حدثني عمرو بن الحارث عن أبي عشانة به . أخرجه
ابن المبارك في " الزهد " ( 349 ) . و الحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 10 /
270 ) : " رواه أحمد و أبو يعلى و الطبراني , و إسناده حسن " . و رده أخونا
حمدي السلفي في تعليقه على " المعجم " بقوله : " قلت : كلا , ليس أحد من الرواة
عن ابن لهيعة من العبادلة , فهو ضعيف " . و لذلك ضعفه أيضا المعلق على " أبي
يعلى " . قلت : و التضعيف هو الجادة في حديث ابن لهيعة , لكن فاتهما رواية
الروياني إياه من طريق ابن وهب , و هو أحد العبادلة الذين أشار إليهم الأخ
السلفي , فصح الحديث و الحمد لله . و يمكن أن يلحق بالعبادلة قتيبة بن سعيد ,
فقد رواه عن ابن لهيعة كما رأيت , و ذلك لما ذكره الذهبي في ترجمة قتيبة من "
سير أعلام النبلاء " ( 8 / 15 ) من رواية جعفر الفريابي : سمعت بعض أصحابنا
يذكر أنه سمع قتيبة يقول : قال لي أحمد ابن حنبل : أحاديثك عن ابن لهيعة صحاح .
فقلت : لأننا كنا نكتب من كتاب ابن وهب , ثم نسمعه من ابن لهيعة " . قلت : و لا
يناقض هذا ما رواه الأثرم عن أحمد - كما في " التهذيب " - أنه ذكر قتيبة فأثنى
عليه , و قال : هو آخر من سمع من ابن لهيعة " . قلت : و ذلك لأنه كان يعتمد على
كتاب ابن وهب , و ليس على ما يسمعه من ابن لهيعة . و الله أعلم . و يؤيد هذه
الرواية ما ذكره الذهبي أيضا من طريق الآجري عن أبي داود قال : " سمعت قتيبة
يقول : كنا لا نكتب حديث ابن لهيعة إلا من كتب ابن أخيه , أو كتب ابن وهب إلا
ما كان من حديث الأعرج " . ( صبوة ) أي ميل إلى الهوى , و هي المرة منه . "
نهاية " .
2844 " إن رجلا كان يبيع الخمر في سفينة و كان يشوب الخمر بالماء و معه قرد , فأخذ
الكيس فصعد الدقل فجعل يلقي دينارا في البحر و دينارا في السفينة حتى جعله
نصفين " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 826 :
رواه الحربي في " الغريب " ( 5 / 155 / 2 ) : حدثنا موسى حدثنا حماد عن إسحاق
بن أبي طلحة عن أبي صالح عن # أبي هريرة # مرفوعا . قلت : و هذا سند صحيح , و
رواه أحمد ( 2 / 306 و 335 و 407 ) و الحارث في " مسنده " ( 50 / 2 - زوائده )
و البيهقي في " شعب الإيمان " ( 4 / 332 / 5307 ) من طرق عن حماد بن سلمة به .
و للحديث طريقان آخران عن أبي هريرة : أحدهما يرويه عامر بن سيار : حدثنا
سليمان بن أرقم عن الحسن عن أبي هريرة مرفوعا : " لا تشوبوا اللبن للبيع .. " .
ثم ذكر حديث ( المحفلة ) , ثم ذكر حديث الترجمة . أخرجه ابن عدي في " الكامل "
( 3 / 253 ) و من طريقه البيهقي ( 5308 ) و قال : " سليمان بن أرقم ضعيف " . و
الآخر يرويه أحمد بن ملاعب بن حيان : حدثنا صالح بن إسحاق حدثنا يحيى بن كثير
الكاهلي - قال صالح : و كان ثقة , و كان لا بأس به - حدثنا هشام عن ابن سيرين
عنه به . إلا أنه قال : " ثعلب " مكان " قرد " . أخرجه البيهقي أيضا ( 5309 ) .
قلت : و هذا إسناد حسن , أو حسن في الشواهد و المتابعات , فإن رجاله ثقات غير
يحيى بن كثير الكاهلي , فهو مختلف فيه , فقال أبو حاتم : " شيخ " . و قال
النسائي : " ضعيف " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 5 / 527 ) و كذا ابن
شاهين ( 354 / 1525 ) و ذكر قول صالح بن إسحاق المذكور في إسناد هذا الحديث . و
تعقبه الحافظ في " التهذيب " بقوله : " كذا قال ! و إنما روى صالح المذكور عن
يحيى بن كثير صاحب البصري , فإن كان ما قاله محفوظا , فيشبه أن يكون روى عنهما
جميعا . لكن لم يذكر ابن أبي حاتم و ابن حبان و غيرهم للكاهلي راويا إلا مروان
" . فأقول : لا أدري ما هو مستند الحافظ فيما ادعاه من حصر رواية صالح المذكور
عن يحيى صاحب البصري - و هو ضعيف اتفاقا , بل تركه بعضهم - إلا أن يكون المستند
أن أصله " تهذيب المزي " ذكر روايته عنه . و جوابي عليه من وجهين . الأول : أن
ذلك لا ينفي أن يكون روى عن الكاهلي أيضا كما أشار هو في آخر كلامه . و الآخر :
أن القاعدة العلمية تقول : المثبت مقدم على النافي , فإذا أثبت شيئا حافظ كابن
شاهين , فلا يصح التعقيب عليه بمثل النفي الذي في كلام الحافظ , و ما أثبته ابن
شاهين هو في رواية البيهقي هذه , و هي صحيحة الإسناد , رجاله كلهم ثقات من شيخه
فمن فوقه إلى يحيى , فإنه قال : أخبرنا أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن محمد
الغضائري حدثنا أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز حدثنا أحمد بن ملاعب بن حيان ,
فهؤلاء الثلاثة كلهم ثقات : 1 - الغضائري , قال الخطيب ( 8 / 34 ) : " كتبنا
عنه , و كان ثقة فاضلا " . و ترجمه الحافظ الذهبي في " السير " ( 17 / 327 ) و
وصفه بـ " الإمام الصالح الثقة " . 2 - أبو جعفر محمد بن عمرو الرزاز , له
ترجمة جيدة في " تاريخ الخطيب " ( 3 / 132 ) برواية جمع من الحفاظ عنه , و قال
: " كان ثقة ثبتا , كتب الناس عنه بانتخاب عمر البصري " . و وصفه الذهبي في
ترجمة ( الأردبيلي ) بـ " مسند بغداد " . 3 - و أما أحمد بن ملاعب بن حيان ,
فهو من الحفاظ المعروفين , ترجمه الخطيب ( 5 / 168 - 170 ) ترجمة ضافية , روى
فيها توثيقه عن جمع من الحفاظ منهم عبد الله ابن أحمد و الدارقطني , و وصفه
الذهبي في " تذكرة الحفاظ " و غيره بـ " الحافظ الثقة " . و جملة القول : أن
هذا الإسناد يستشهد به على الأقل , فإنه مؤيد لما قبله , فيؤخذ منه ما وافقه ,
و يترك ما خالفه و تفرد به كقوله : " الثعلب " مكان " القرد " و الله أعلم . و
الحديث أورده المنذري في " الترغيب " ( 3 / 23 ) و قال : " رواه الطبراني في "
معجمه الكبير " , و رواه البيهقي أيضا , و لا أعلم في رواته مجروحا , و روي عن
الحسن مرسلا " . ثم ذكر الروايتين بالإسنادين الآخرين , و لم يتكلم عليهما ! (
الدقل ) : خشبة يمد عليها شراع السفينة , و تسميها البحرية : " الصاري " . (
المحفلة ) : الشاة , أو البقرة , أو الناقة , لا يحلبها صاحبها أياما حتى يجتمع
لبنها في ضرعها , فإذا احتلبها المشتري حسبها غزيرة فيزيد في ثمنها !
2845 " إن رجلا من بني إسرائيل سأل رجلا أن يسلفه ألف دينار , فقال له : ائتني
بشهداء أشهدهم عليك , فقال : كفى بالله شهيدا . قال : فائتني بكفيل . قال : كفى
بالله كفيلا . قال : صدقت . قال : فدفع إليه ألف دينار إلى أجل مسمى فخرج في
البحر و قضى حاجته و جاء الأجل الذي أجل له , فطلب مركبا فلم يجده فأخذ خشبة
فنقرها فأدخل فيها ألف دينار , و كتب صحيفة إلى صاحبها ثم زجج موضعها , ثم أتى
بها البحر فقال : اللهم إنك قد علمت أني استسلفت من فلان ألف دينار فسألني
شهودا و سألني كفيلا , فقلت : كفى بالله كفيلا فرضي بك و قد جهدت أن أجد مركبا
أبعث إليه بحقه فلم أجد و إني استودعتكها , فرمى بها في البحر ! فخرج الرجل
الذي كان أسلفه ينظر لعل مركبا يقدم بماله فإذا هو بالخشبة التي فيها المال ,
فأخذها حطبا فلما كسرها وجد المال و الصحيفة فأخذها , فلما قدم الرجل قال له :
إني لم أجد مركبا يخرج , فقال : إن الله قد أدى عنك الذي بعثت به في الخشبة ,
فانصرف بالألف راشدا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 829 :
أخرجه أحمد ( 2 / 348 ) و من طريقه الأصفهاني في " الترغيب " ( ص 610 - مصورة
الجامعة الإسلامية ) عن يونس بن محمد عن الليث : حدثنا جعفر بن ربيعة عن عبد
الرحمن بن هرمز عن # أبي هريرة # رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , و
قد علقه البخاري في أماكن من " صحيحه " ( 1498 و 2063 و 2291 و 2404 و 2430 و
2734 و 6261 ) بصيغة الجزم : " و قال الليث .. " , و قد وصله في رواية أبي ذر و
أبي الوقت فقال : حدثنا عبد الله بن صالح : حدثني الليث .. كما في " الفتح " (
4 / 470 ) و علق طرفا منه في المكان الأخير المشار إليه , فقال : و قال عمر بن
أبي سلمة عن أبيه عن أبي هريرة . و وصله في " الأدب المفرد " ( 1128 ) و ابن
حبان ( 6453 - الإحسان ) و هذا ضعيف , عمر بن أبي سلمة هو الزهري القاضي , قال
الحافظ في " التقريب " : " صدوق يخطىء " . و قال الذهبي في " المغني " : " ضعفه
ابن معين , و قال النسائي و غيره : ليس بالقوي " . قلت : فمثله لا يحتج به , و
إنما في المتابعات و الشواهد , و قد خالف هنا الرواية الأولى الصحيحة في مواضع
منها قوله : " ستمائة دينار " مكان الألف . و زاد في آخره , فقال : " قال أبو
هريرة : فلقد رأيتنا يكثر مراؤنا و لغطنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم
بيننا أيهما آمن " . و غفل عن هذا كله المعلق على " الإحسان / المؤسسة " ( 14 /
409 ) , فزعم أن إسناده حسن ! و هو إلى ذلك لم يتنبه إلى النكارات التي وقعت
فيه ! و لعله لذلك لم يورده الهيثمي في " الموارد " , و قد استدركته عليه في "
ضعيف الموارد " . و على عكس هذا فقد ضعف بعضهم رواية البخاري الموصولة بعبد
الله بن صالح , و يعرف الجواب من تخريج أحمد من طريق غيره . و انظر تعليقي على
" مختصر البخاري " ( 2 / 20 ) .
2846 " إن " عليك السلام " تحية الميت , إن " عليك السلام " تحية الميت ( ثلاثا )
إذا لقي الرجل أخاه المسلم فليقل : السلام عليكم و رحمة الله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 831 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 120 ) من طريق خالد الحذاء عن أبي تميمة الهجيمي عن رجل من
قومه قال : طلبت النبي صلى الله عليه وسلم فلم أقدر عليه , فجلست , فإذا نفر هو
فيهم و لا أعرفه , و هو يصلح بينهم , فلما فرغ قام معه بعضهم فقالوا : يا رسول
الله ! فلما رأيت ذلك قلت : عليك السلام يا رسول الله , عليك السلام يا رسول
الله , عليك السلام يا رسول الله , قال : فذكر الحديث , ثم رد علي النبي صلى
الله عليه وسلم قال : " و عليك و رحمة الله , و عليك و رحمة الله , و عليك و
رحمة الله " . و قال : " حديث حسن صحيح " . و رواه الحاكم ( 4 / 186 ) من طريق
أبي السليل عن أبي تميمة عن جابر بن سليم الهجيمي قال : لقيت رسول الله صلى
الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة و عليه إزار من قطن منتشر الحاشية , فقلت :
عليك السلام يا محمد , أو يا رسول الله ! فقال : " عليك السلام تحية الميت ,
عليك السلام تحية الميت , عليك السلام تحية الميت , سلام عليكم , سلام عليكم ,
سلام عليكم " , أي هكذا فقل , قال : فسألته عن الإزار فأقنع ظهره و أخذ بمعظم
ساقه فقال : ههنا , فإن أبيت فههنا فوق الكعبين , فإن أبيت فإن الله لا يحب كل
مختال فخور " . و قال : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا . و
للحديث شاهد مرسل من رواية قتادة : أن رجلا سلم على النبي صلى الله عليه وسلم
فقال : عليك السلام يا رسول الله ! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم , و قال
: " تيك تحية الموتى " . أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 8 / 617 ) بإسناد
صحيح عنه .
2847 " إن عليك من الحق أن تعدل بين ولدك كما عليهم من الحق أن يبروك " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 832 :
أخرجه الطيالسي ( ص 107 رقم 789 ) : حدثنا شعبة عن مجالد عن الشعبي عن #
النعمان بن بشير # : أن أباه نحله نحلا , فأراد أن يشهد النبي صلى الله عليه
وسلم فقال : " كل ولدك نحلت كما نحلته ? " , فقال : لا , قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم : فذكره . و رجاله ثقات رجال الشيخين غير مجالد , و هو ابن سعيد
و ليس بالقوي , و قد تغير في آخر عمره , و روى له مسلم مقرونا , إلا أنه قد
توبع على هذا الحديث في المعنى , فرواه مسلم ( 5 / 66 ) و البخاري في " الأدب
المفرد " ( 16 ) و ابن ماجه ( 2 / 67 ) و أحمد ( 4 / 269 و 270 ) عن داود بن
أبي هند عن الشعبي به بلفظ : انطلق بي أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال : يا رسول الله ! أشهد أني قد نحلت النعمان كذا و كذا من مالي , فقال
: " أكل بنيك قد نحلت ما نحلت النعمان ? " . قال : لا , قال : " فأشهد على هذا
غيري ! " . ثم قال : " أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء ? " . قال : بلى ,
قال : " فلا إذن " . و قد ورد في هذه القصة ألفاظ أخرى منها : " اتقوا الله , و
اعدلوا في أولادكم " . أخرجه البخاري ( 3 / 134 ) و مسلم , و غيرهما بزيادة : "
فرجع أبي فرد تلك الصدقة " . و قد خرجت بعض ألفاظه في " غاية المرام " ( 272 -
273 ) و " الإرواء " ( 1547 ) .
2848 " إن خير عباد الله من هذه الأمة الموفون المطيبون " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 833 :
رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " ( 4 / 241 / 2 ) عن أحمد بن محمد بن
الحجاج بن رشدين المصري : حدثني خالد بن عبد السلام أخبرنا ابن وهب قال : حدثني
قرة بن عبد الرحمن و عبد الله بن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن ابن شهاب عن
عروة بن الزبير عن # أبي حميد الساعدي # مرفوعا . و فيه قصة . قلت : و هذا
إسناد لا بأس به لولا أن ابن رشدين فيه كلام , و شيخه خالد بن عبد السلام لم
أجده <1> , و قد تابعه غير واحد لكنهم لم يذكروا ابن لهيعة في إسناده . أخرجه
البزار ( 1308 ) و الطبراني في " المعجم الصغير " و قد تكلمت عليه في " الروض
النضير " ( رقم 937 ) . و له شاهد من حديث عائشة أخرجه أحمد ( 6 / 268 ) و
العقيلي في " الضعفاء " ( 432 ) عن مرجى بن رجاء عن هشام بن عروة عن أبيه عنها
, و قال : " مرجى بن يحيى قال ابن معين : " ضعيف " , و هذا يروى بغير هذا
الإسناد من طريق صالح " . قلت : يشير إلى رواية أحمد في " المسند " ( 6 / 268 -
269 ) قال : حدثنا يعقوب قال : حدثنا أبي عن ابن إسحاق قال : حدثني هشام بن
عروة به عنها قالت : ابتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم من رجل من الأعراب
جزورا أو جزائر بوسق من تمر الذخرة و تمر الذخرة العجوة فرجع به رسول الله صلى
الله عليه وسلم إلى بيته , و التمس له التمر , فلم يجده , فخرج إليه رسول الله
صلى الله عليه وسلم فقال له : " يا عبد الله ! إنا قد ابتعنا منك جزورا - أو
جزائر - بوسق من تمر الذخرة , فالتمسناه , فلم نجده " , قال فقال الأعرابي :
واغدراه ! قالت : فنهمه الناس , و قالوا : قاتلك الله أيغدر رسول الله صلى الله
عليه وسلم ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " دعوه , فإن لصاحب الحق
مقالا " . فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين أو ثلاثا , فلما رآه لا
يفقه عنه قال لرجل من أصحابه : " اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية , فقل لها :
إن رسول الله يقول لك : إن كان عندك وسق من تمر الذخرة فأسلفيناه حتى نؤديه
إليك إن شاء الله .. الحديث , و في آخره حديث الترجمة , و قد مضى برقم ( 2677 )
برواية أحمد هذه فقط , مع الإشارة إلى أن بعضه في " الصحيحين " , و هنا فوائد
لم تذكر هناك . و هذا إسناد حسن كما بينت هناك , و قواه المنذري ( 3 / 40 ) . و
له شاهد من حديث أبي سعيد بنحوه . أخرجه ابن ماجه ( 2426 ) بسند جيد , و صححه
البوصيري , و آخر من حديث عبد الله ابن أبي سفيان عند الطبراني , و وقع في "
الترغيب " : " عبد الله ابن مسعود " , و هو خطأ من الطابع أو الناسخ . ( فنهمه
الناس ) : أي زجروه , يقال : نهم الإبل إذا زجرها و صاح بها لتمضي .
-----------------------------------------------------------
[1] هذا قبل وقوفي على كتاب ابن أبي حاتم منذ نحو أربعين سنة , فقد ذكره فيه (
3 / 342 ) و قال : " روى عنه الربيع بن سليمان الجيزي و أبي و قال : صالح
الحديث " . اهـ .
2849 " إن خيار عباد الله من هذه الأمة الذين إذا رؤوا ذكر الله تعالى , و إن شرار
عباد الله من هذه الأمة المشاؤون بالنميمة المفرقون بين الأحبة الباغون للبراء
العنت " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 835 :
رواه الخرائطي في " مساوىء الأخلاق " ( ج 2 / 6 / 1 ) : حدثنا أحمد بن موسى
المعدل البزار حدثنا داود بن مهران حدثنا مروان بن معاوية عن محمد بن أبي موسى
: أخبرني هبيرة بن عبد الرحمن : أخبرني عبد الرحمن بن غنم : حدثنا # أبو مالك
الأشعري # مرفوعا . قلت : و هذا إسناد ضعيف , هبيرة بن عبد الرحمن لم يوثقه غير
ابن حبان ( 5 / 511 ) . و محمد بن أبي موسى لم أعرفه . و انظر " الجرح " ( 4 /
1 / 84 ) . و له شاهد من حديث شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد مرفوعا نحوه .
رواه , البخاري في " الأدب المفرد " ( 323 ) و أبو الشيخ في " التوبيخ " ( 217
) و الخرائطي أيضا , و أحمد ( 6 / 459 ) و الأصبهاني في " الترغيب " ( 1 / 107
/ 189 ) . و في رواية أخرى لأحمد ( 4 / 227 ) عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم
مرفوعا . رواه البيهقي في " الشعب " ( 300 / 2 ) من حديث ابن عمر مرفوعا . و
فيه ابن لهيعة , و هو ضعيف . شاهد ثان , أخرجه الهيثم بن كليب في مسنده ( 159 /
2 ) عن يزيد بن ربيعة عن يزيد ابن أبي مالك عن الأزهر عن عبادة بن الصامت به .
قلت : و هذا إسناد ضعيف . يزيد بن ربيعة متروك , و من طريقه رواه الطبراني كما
في " المجمع " , فهو مما لا يفرح و لا يستشهد بروايته . لكن للشطر الأول شاهد
من حديث ابن عباس و غيره , تقدم تخريجه برقم ( 1646 ) . و للشطر الآخر شاهد من
حديث أبي هريرة مرفوعا . أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " و " الأوسط " , و
هو مخرج في " الروض النضير " ( 1084 ) . ثم وجدت للشطر الأول شاهدا آخر , أخرجه
ابن المبارك في " الزهد " ( ق 201 / 2 ) : أبنا المبارك بن فضالة قال : سمعت
الحسن يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن لله عبادا إذا رؤوا ذكر
الله " . و هذا إسناد مرسل حسن . و انظر " الصحيحة " ( 1646 و 1733 ) .
2850 " إن للإسلام شرة و إن لكل شرة فترة , فإن [ كان ] صاحبهما سدد و قارب فارجوه ,
و إن أشير إليه بالأصابع فلا ترجوه " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 837 :
رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 89 ) و تمام ( 163 / 1 ) عن بكار بن
قتيبة : حدثنا صفوان بن عيسى حدثنا محمد بن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن أبي
صالح عن # أبي هريرة # مرفوعا . قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات على
الخلاف المعروف في ابن عجلان . و بكار بن قتيبة من شيوخ ابن خزيمة , وثقه ابن
حبان ( 8 / 152 ) و له ترجمة جيدة في " تاريخ ابن عساكر " ( 3 / 411 - 415 ) و
كان قاضيا حنفي المذهب . و صفوان بن عيسى , ثقة من رجال مسلم . و تابعه حاتم بن
إسماعيل عن محمد بن عجلان به . أخرجه الترمذي ( 2455 ) و ابن حبان ( 652 ) . و
قال الترمذي : " حسن صحيح غريب " . و للحديث شاهد من رواية ابن إسحاق : حدثني
أبو الزبير المكي عن أبي العباس مولى بني الديل عن عبد الله بن عمرو قال : ذكر
لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجال ينصبون في العبادة من أصحابه نصبا شديدا ,
قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تلك ضراوة الإسلام و شرته , و لكل
ضراوة شرة , و لكل شرة فترة , فمن كانت فترته إلى الكتاب و السنة فلأم <1> ما
هو , و من كانت فترته إلى معاصي الله , فذلك الهالك " . أخرجه أحمد ( 2 / 165 )
. قلت : و هذا إسناد حسن , صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث . و للحديث طريق أخرى من
رواية مجاهد عن مجاهد نحوه . أخرجه أحمد و صححه ابن حبان , و هو مخرج في " ظلال
الجنة " ( 51 ) . و أخرجه البزار ( 1 / 347 / 724 ) من طريق جرير عن مسلم عن
مجاهد عن ابن عباس قال : كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار و
تقوم الليل فقيل له : إنها تصوم النهار و تقوم الليل , فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " إن لكل عمل شرة .. " الحديث , و قال البزار : " تفرد به مسلم " .
قلت : و هو في نقدي : مسلم بن كيسان الملائي الأعور : و هو ضعيف . و قد خالف
فجعل ابن عباس مكان ابن عمرو , لكنه في الشواهد لا بأس به .
-----------------------------------------------------------
[1] أي قصد الطريق المستقيم . انظر " النهاية " . اهـ .
2851 " إن من الشعر حكمة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 838 :
أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 7 / 107 ) و في " الأدب المفرد " ( 124 و 125 ) و
أبو داود ( 2 / 315 ) و الدارمي ( 2 / 296 - 297 ) و ابن ماجه ( 2 / 410 ) و
الطيالسي ( ص 76 رقم 556 ) و أحمد ( 3 / 456 و 5 / 125 ) عن عبد الله بن الأسود
ابن عبد يغوث عن # أبي بن كعب # مرفوعا . و له طريق أخرى عند الطيالسي رقم (
557 ) : حدثنا شعبة عن الحكم عن مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أبي مرفوعا
. و هذا إسناد صحيح على شرط الستة . و له شاهد عن ابن مسعود بهذا اللفظ . رواه
الترمذي ( 2 / 138 ) و قال : " غريب " . قلت : و سنده حسن . ثم قال : " و روي
من غير هذا الوجه عن ابن مسعود مرفوعا " . و له شاهد ثان أقوى منه , يرويه
سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة مرفوعا به . أخرجه البزار ( 3 / 3 /
2301 - كشف الأستار ) : حدثنا نهشل بن كثير الباهلي حدثنا سفيان بن عيينة به .
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله ثقات رجال الشيخين غير ( نهشل ) هذا , و قد
وثقه ابن حبان كما يأتي , و أخرجه في " الثقات " فقال : حدثنا محمد بن المسيب :
حدثنا نهشل بن كثير به , ذكره في ترجمة ( نهشل ) هذا , و قال : ( 9 / 221 ) : "
شيخ . حدثنا عنه ابن خزيمة , لم أر في حديثه شيئا ينكر إلا حديثا واحدا ... "
ثم ساق هذا الحديث . و أتبعه بقوله : " و قد وافقه عليه الهيثم بن جميل عن ابن
عيينة " . قلت : و الهيثم ثقة من رجال البخاري , فليس الحديث بمنكر إذن , و
لاسيما و قد أتبعه في " الكشف " ( 1202 ) بطريق آخر من رواية زمعة عن الزهري به
. ثم ( 1203 ) من طريق هشام بن عروة عن أبيه به . و إسناده صحيح . و له شاهد
ثالث و هو : " إن من الشعر حكما .. و إن من البيان سحرا " . أخرجه البخاري في "
الأدب المفرد " ( 125 - 126 ) و أبو داود ( 2 / 315 ) و الترمذي ( 2 / 138 ) و
ابن ماجه ( 2 / 410 ) و الطيالسي ( ص 348 رقم 2670 ) و أحمد ( 1 / 269 و 303 و
309 و 313 و 327 و 332 ) من طريق سماك بن حرب عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا . و
ليس عند ابن ماجه الجملة الثانية و كذلك الترمذي و قال : " حديث حسن صحيح " . و
سببه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتكلم بكلام بين , فذكره . (
تنبيه ) حديث أبي وقع في " صحيح الجامع و زيادته " معزوا لمسلم أيضا . و كذا
وقع في نسخة الظاهرية المخطوطة من " الزيادة " على " الجامع الصغير " , و هو
خطأ , و على الصواب وقع في " الجامع الكبير " ( 7136 ) , و لم يعزه المزي في "
تحفته " لمسلم , و لا جاء ذكره في " فهرسته " الذي وضعه عبد الباقي في آخر
المجلد الخامس من " مسلم " .
2852 " إن للموت فزعا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 840 :
رواه ابن خزيمة في " حديث علي بن حجر " ( ج 3 رقم 35 ) و الحاكم ( 1 / 356 ) عن
العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه أنه شهد جنازة صلى عليها مروان بن الحكم , فذهب
أبو هريرة مع مروان حتى جلسا في المقبرة , فجاء # أبو سعيد الخدري # فقال
لمروان : أرني يدك , فأعطاه يده , فقال : قم , فقام , ثم قال مروان لأبي سعيد :
لم أقمتني ? قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رأى جنازة قام حتى يمر
بها , و قال : ( فذكره ) , فقال مروان : أصدق يا أبا هريرة ? قال : نعم , قال :
فقال : ما منعك أن تحدثني ? و قال : كنت إماما فجلست فجلست . قلت : و سنده صحيح
على شرط مسلم . و كذا قال الحاكم . و وافقه الذهبي . و إنما آثرت تخريج الحديث
هنا مع أنه تقدم تخريجه مختصرا برقم ( 2017 ) من رواية ابن ماجه و أحمد , لما
في هذه الرواية من تصديق أبي هريرة لأبي سعيد , و تقدم هناك تخريجه من حديث
جابر برواية مسلم و غيره , و أزيد هنا فأقول : رواه عبد بن حميد أيضا في "
المنتخب من مسنده " ( ق 151 / 2 ) و ابن حبان ( 3939 - الإحسان ) و ابن عدي ( ق
188 / 2 ) . و قد روي الحديث بزيادة في متنه بلفظ : " إن للموت فزعا , فإذا أتى
أحدكم وفاة أخيه فليقل : *( إنا لله و إنا إليه راجعون )* , *( و إنا إلى ربنا
لمنقلبون )* , اللهم اكتبه في المحسنين , و اجعل كتابه في عليين , و اخلف عقبه
في الآخرين , اللهم لا تحرمنا أجره , و لا تفتنا بعده " . رواه الطبراني ( 3 /
163 / 1 ) من طريقين عن قيس بن الربيع عن أبي هاشم الرماني عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس مرفوعا . قلت : و هذا إسناد ضعيف , قيس بن الربيع , قال في " التقريب
" : " صدوق , تغير لما كبر , أدخل عليه ابنه ما ليس من حديثه , فحدث به " . لكن
حديثه هذا لا بأس به كشاهد لحديث الترجمة , و سائره غالبه له شاهد في مسلم ( 3
/ 37 - 38 و 39 ) و غيره . و هو مخرج في " أحكام الجنائز " ( ص 12 و 23 ) . و
جملة : " اللهم لا تحرمنا أجره .. " إلخ ثبتت في حديث أبي هريرة فيما كان يقول
صلى الله عليه وسلم إذا صلى على جنازة عند أبي داود , و ابن حبان ( 756 - موارد
) و هو مخرج في " الأحكام " ( ص 124 ) .
2853 " إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 842 :
أخرجه النسائي ( 1 / 189 ) و ابن حبان ( 1392 ) و الحاكم ( 2 / 421 ) و كذا
الدارمي ( 2 / 317 ) و أحمد ( 1 / 441 و 452 ) و ابن المبارك في " الزهد " ( ق
/ 204 / 2 ) و القاضي إسماعيل في " فضل الصلاة على النبي " ( رقم 21 ) و عنه
ابن النجار في " تاريخ المدينة " صفحة ( 398 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " (
2 / 135 / 2 ) و ابن الديباجي في " الفوائد المنتقاة " ( 2 / 80 / 2 ) و
الطبراني في " الكبير " ( 3 / 81 / 2 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 5 /
205 ) و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 9 / 189 / 2 ) من طرق عن سفيان الثوري و
قرن به بعضهم الأعمش , كلاهما عن عبد الله بن السائب عن زاذان عن # عبد الله بن
مسعود # مرفوعا , و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي , و صححه
أيضا ابن القيم في " جلاء الأفهام " ( صفحة 27 ) . و هو كما قالوا . و له شاهد
يرويه أبو يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني من أمتي : فلان سلم عليك و يصلي عليك
, فلان يصلي عليك و سلم عليك " . أخرجه ابن عدي في " الكامل " ( 3 / 238 ) في
ترجمة أبي يحيى هذا , و هو القتات , و ختم ترجمته بقوله : " في حديثه بعض ما
فيه , إلا أنه يكتب حديثه " . يشير إلى أنه صالح للاستشهاد به . و نحوه قول
الحافظ في " التقريب " : " لين الحديث " .
2854 " إن مثل الذي يعمل السيآت ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة قد
خنقته , ثم عمل حسنة فانفكت حلقة , ثم عمل حسنة أخرى فانفكت حلقة أخرى حتى يخرج
إلى الأرض " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 843 :
أخرجه الإمام أحمد ( 4 / 145 ) من طريق عبد الله بن المبارك قال : أنبأنا ابن
لهيعة قال : حدثني يزيد بن أبي حبيب قال : حدثنا أبو الخير أنه سمع # عقب بن
عامر # يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ... قلت : و هذا إسناد رجاله
ثقات إلا أن ابن لهيعة سيىء الحفظ , لكنه من رواية ابن المبارك عنه , و هي
صحيحة كما تقدم مرارا . و من هذا الوجه أخرجه البغوي في " شرح السنة " ( 14 /
339 / 4149 ) و قد توبع فيما يظهر , فقد قال الهيثمي ( 10 / 201 - 202 ) : "
رواه أحمد و الطبراني , و أحد إسنادي الطبراني رجاله رجال الصحيح " . و سبقه
إلى ذلك المنذري فقال ( 4 / 79 ) : " رواه أحمد و الطبراني بإسنادين , رواة
أحدهما رواة الصحيح " . ثم رأيته في " معجم الطبراني الكبير " ( 17 / 284 / 783
) من طريق سعيد ابن عفير : حدثنا ابن لهيعة به . ثم رواه ( رقم 784 ) من طريق
يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب به . قلت : فهذه متابعة قوية من يحيى بن أيوب
, و هو الغافقي , و هو ثقة من رجال الشيخين .
2855 " إنك إذا فعلت ذلك هجمت عيناك و نفهت نفسك . يعني صوم الدهر و قيام الليل " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 844 :
ذكره أبو عبيد في " الغريب " ( 4 - 5 ) معلقا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال لعبد الله بن عمرو بن العاص و ذكر قيام الليل و صيام النهار , فقال : فذكره
قلت : و هو قطعة من حديث صحيح , يرويه أبو العباس المكي سمع # عبد الله بن عمرو
# رضي الله عنهما قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا عبد الله
بن عمرو ! إنك لتصوم الدهر , و تقوم الليل , و إنك إذا فعلت ذلك هجمت له العين
, و نهكت ( و في رواية : و نفهت له النفس ) , لا صام من صام الأبد , صوم ثلاثة
أيام من الشهر صوم الشهر كله " . قلت : فإني أطيق أكثر من ذلك . قال : " فصم
صوم داود , كان يصوم يوما و يفطر يوما , و لا يفر إذا لاقى " . أخرجه البخاري (
1979 ) و مسلم ( 3 / 164 - 165 ) و النسائي ( 1 / 326 ) و أحمد ( 2 / 188 - 189
) . ( هجمت ) أي : غارت أو ضعفت لكثرة السهر . ( نهكت ) أي : هزلت و ضعفت . (
نفهت ) أي : تعبت و كلت " فتح " .
2856 " إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين
" .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 845 :
أخرجه البخاري ( 6 / 416 و 13 / 99 ) و الدارمي ( 2 / 242 ) و ابن أبي عاصم في
" السنة " ( 1112 ) و أحمد ( 4 / 94 ) و الطبراني ( 19 / 337 و 779 - 81 / 3 )
من طريق الزهري قال : كان محمد بن جبير بن مطعم يحدث أنه بلغ معاوية - و هم
عنده في وفد من قريش - أن عبد الله بن عمرو يحدث أنه سيكون ملك من قحطان , فغضب
فقام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال : أما بعد فإنه بلغني أن رجالا منكم
يحدثون أحاديث ليست في كتاب الله , و لا تؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
, و أولئك جهالكم , فإياكم و الأماني التي تضل أهلها , إني سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : فذكر الحديث . قوله : ( ما أقاموا الدين ) أي : مدة
إقامتهم أمور الدين , و مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم , و في
ذلك أحاديث أخرى تقدم أحدها ( 1552 ) و انظر الآتي بعده . و إليها أشار الحافظ
في شرحه لهذا الحديث بقوله ( 13 / 117 ) : " و يؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه
عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من الله أولا , و هو الموجب للخذلان و
فساد التدبير , و قد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية , ثم التهديد بتسليط من
يؤذيهم عليهم , و وجد ذلك في غلبة مواليهم حيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه
, يقتنع بلذاته و يباشر الأمور غيره , ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم ,
فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة , و اقتسم المتغلبون الممالك
في جميع الأقاليم , ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة , حتى انتزع الأمر منهم في
جميع الأقطار , و لم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار " . قلت : ما
أشبه الليلة بالبارحة , بل الأمر أسوأ , فإنه لا خليفة اليوم لهم , لا اسما و
لا رسما , و قد تغلبت اليهود و الشيوعيون و المنافقون على كثير من البلاد
الإسلامية . فالله تعالى هو المسؤول أن يوفق المسلمين أن يأتمروا بأمره في كل
ما شرع لهم , و أن يلهم الحكام منهم أن يتحدوا في دولة واحدة تحكم بشريعته ,
حتى يعزهم الله في الدنيا , و يسعدهم في الآخرة , و إلا فالأمر كما قال تعالى :
*( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )* , و تفسيرها في الحديث
الصحيح : " إذا تبايعتم بالعينة , و أخذتم أذناب البقر , و رضيتم بالزرع و
تركتم الجهاد في سبيل الله , سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى
دينكم " <1> , فإلى دينكم أيها المسلمون حكاما و محكومين .
-----------------------------------------------------------
[1] و قد سبق تخريجه في هذا الكتاب برقم ( 11 ) . اهـ .
2857 " إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و فارقتم
المشركين و أعطيتم من الغنائم الخمس و سهم النبي صلى الله عليه وسلم , و الصفي
- و ربما قال : و صفيه - فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 847 :
أخرجه البيهقي ( 6 / 303 و 9 / 13 ) و أحمد ( 5 / 78 ) و الخطابي في " غريب
الحديث " ( 4 / 236 ) من طريق مرة بن خالد : حدثنا يزيد بن عبد الله بن الخير
قال : بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس , معه قطعة أديم أو قطعة
جراب , فقلنا : كأن هذا ليس من أهل البلد , فقال : أجل , هذا كتاب كتبه لي رسول
الله عليه وسلم , فقال القوم : هات , فأخذته فقرأته فإذا فيه : بسم الله الرحمن
الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش - قال أبو العلاء
: و هم حي من عكل - : إنكم إن شهدتم ... الحديث . و اللفظ للبيهقي . و هذا
إسناد صحيح على شرط الشيخين و جهالة الصحابي لا تضر كما تقرر . و رواه أحمد ( 5
/ 77 ) من طريق عبد الرزاق ( 4 / 300 / 7877 ) عن الجريري عن أبي العلاء ابن
الشخير به نحوه . ( الصفي ) : ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه و يختاره من
عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف , أو ما أحب من شيء , و ذلك من رأس المغنم
قبل أن يخمس , كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث ( يعني المذكورة في
الحديث : الخمس و السهم و الصفي ) عقبة و عوضا عن الصدقة التي حرمت عليه . قاله
الخطابي . قلت : في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى
الإسلام , من ذلك : أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم , و منها : أن
يفارقوا المشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين . و في هذا أحاديث كثيرة , يلتقي
كلها على حض من أسلم على المفارقة , كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من
كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين , لا تتراءى نارهما " , و في بعضها أن النبي
صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك . و في بعضها
قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا ,
أو يفارق المشركين إلى المسلمين " . إلى غير ذلك من الأحاديث , و قد خرجت بعضها
في " الإرواء " ( 5 / 29 - 33 ) و فيما تقدم برقم ( 636 ) . و إن مما يؤسف له
أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم و الحمد لله - لا
يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة , و هجرتهم إلى بلاد الإسلام , إلا القليل
منهم , و أنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين : الأول : تكالبهم على الدنيا , و تيسر
وسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة , لا روح
فيها , كما هو معلوم , فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر
لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم . و الآخر - و هو الأهم - : جهلهم
بهذا الحكم , و هم في ذلك معذورون , لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين
تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية , أو من الذين يذهبون إليهم باسم
الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء و بخاصة منهم جماعة التبليغ , بل إنهم ليزدادون
لصوقا ببلادهم , حينما يرون كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم
إلى بلاد الكفار ! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل
هذا الحكم و المسلمون أنفسهم مخالفون له ?! ألا فليعلم هؤلاء و هؤلاء أن الهجرة
ماضيه كالجهاد , فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو
يقاتل " , و في حديث آخر : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة , و لا تنقطع
التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " و هو مخرج في " الإرواء " ( 1208 ) . و مما
ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع و لأسباب عدة , و لبيانها مجال آخر , و المهم
هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن
الإسلام , أو مقصرين في تطبيق أحكامه , فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد
الكفر أخلاقا و تدينا و سلوكا , و ليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة
الحمقى الهوج من الخطباء : " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود
و بين أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود "
! و زاد على ذلك فقال ما نصه : " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى (
تل أبيب ) " !! كذا قال فض فوه , فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا !
و لتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على
معرفته و اتباعه , الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين , و صراخ الممثلين , و
اضطراب الموتورين من الحاسدين و الحاقدين من الخطباء و الكاتبين : أقول لأولئك
المحبين : تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدهما : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها " . أخرجه
البخاري و مسلم و غيرهما . و الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون " , و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من
الصحابة , و تقدم تخريجه عن جمع منهم برقم ( 270 و 1108 و 1955 و 1956 ) , و "
صحيح أبي داود " ( 1245 ) , و في بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام , و جاء
ذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ , و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : "
إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم , و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث . و في
هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان و ليس
بالحيطان . و قد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو
الدرداء إليه : أن هلم إلى الأرض المقدسة , فكتب إليه سلمان : إن الأرض المقدسة
لا تقدس أحدا , و إنما يقدس الإنسان عمله . ( موطأ مالك 2 / 235 ) . و لذلك فمن
الجهل المميت و الحماقة المتناهية - إن لم أقل و قلة الدين - أن يختار خطيب
أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي , و يوجب على الجزائريين المضطهدين أن
يهاجروا إلى ( تل أبيب ) , دون بلده المسلم ( عمان ) مثلا , بل و دون مكة و
المدينة , متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة , و ( تل أبيب ) و ( حيفا )
و ( يافا ) بخاصة من الفسق و الفجور و الخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من
المسلمين و المسلمات بحكم المجاورة و العدوى , مما لا يخفى على من ساكنهم ثم
نجاه الله منهم , أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان . و ليس بخاف
على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة لصريح قوله تعالى
*( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا : فيم كنتم ? قالوا : كنا
مستضعفين في الأرض , قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ?! فأولئك
مأواهم جهنم و ساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا
يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله
عفوا غفورا , و من يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ( أي تحولا ) كثيرا
و سعة , و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع
أجره على الله و كان الله غفورا رحيما )* ( النساء 97 - 100 ) . قال الحافظ ابن
كثير في " تفسيره " ( 1 / 542 ) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام
بين ظهراني المشركين , و هو قادر على الهجرة , و ليس متمكنا من إقامة الدين ,
فهو ظالم لنفسه , مرتكب حراما بالإجماع , و بنص هذه الآية " . و إن مما لا يشك
فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر , و
قد صرح بذلك الإمام القرطبي , فقال في " تفسيره " ( 5 / 346 ) : " و في هذه
الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي , و قال سعيد ابن جبير :
إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها , و تلا : *( ألم تكن أرض الله واسعة
فتهاجروا فيها ? )* " . و هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2 / 174
/ 1 ) بسند صحيح عن سعيد . و أشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال ( 8 / 263 ) :
" و استنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها
بالمعصية " . و قد يظن بعض الجهلة من الخطباء و الدكاترة و الأساتذة , أن قوله
صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " <1> ناسخ للهجرة مطلقا , و هو جهل
فاضح بالكتاب و السنة و أقوال الأئمة , و قد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من
الأساتذة في مناقشة جرت بيني و بينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب
المشار إليه آنفا , فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم
بلفظ : " لا تنقطع الهجرة .. " إلخ .. لم يحر جوابا ! و بهذه المناسبة أنقل إلى
القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين , و أنه لا
تعارض بينهما , فقال في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 281 ) : " و كلاهما حق ,
فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه , و هي الهجرة إلى المدينة من مكة و
غيرها من أرض العرب , فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة و غيرها دار كفر
و حرب , و كان الإيمان بالمدينة , فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام
واجبة لمن قدر عليها , فلما فتحت مكة و صارت دار الإسلام و دخلت العرب في
الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام , فقال : " لا هجرة بعد الفتح " , و
كون الأرض دار كفر و دار إيمان , أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها : بل هي صفة
عارضة بحسب سكانها , فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في
ذلك الوقت , و كل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت , و كل أرض
سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت , فإن سكنها غير ما ذكرنا و تبدلت
بغيرهم فهي دارهم و كذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو
كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه , و كذلك دار الخمر و الفسوق و نحوها إذا
جعلت مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك , و كذلك الرجل الصالح يصير
فاسقا و الكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك , كل بحسب انتقال
الأحوال من حال إلى حال و قد قال تعالى : *( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة
مطمئنة )* الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر و هي ما زالت في نفسها خير أرض
الله , و أحب أرض الله إليه , و إنما أراد سكانها . فقد روى الترمذي مرفوعا أنه
قال لمكة و هو واقف بالحزورة : " والله إنك لخير أرض الله , و أحب أرض الله إلى
الله , و لولا قومي أخرجوني منك لما خرجت " <2> , و في رواية : " خير أرض الله
و أحب أرض الله إلي " , فبين أنها أحب أرض الله إلى الله و رسوله , و كان مقامه
بالمدينة و مقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم
, و لهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة و المدينة , كما ثبت في الصحيح
: " رباط يوم و ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر و قيامه , و من مات مرابطا
مات مجاهدا , و جرى عليه عمله , و أجرى رزقه من الجنة , و أمن الفتان " <3> . و
في السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " رباط يوم في سبيل
الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " <4> . و قال أبو هريرة <5> : لأن
أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود . و
لهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله و رسوله , و هذا
يختلف باختلاف الأحوال , و لا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل , و إنما
يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى و الطاعة و الخشوع و الخضوع و الحضور ,
و قد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان :
إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله . و كان النبي صلى الله عليه
وسلم قد آخى بين سلمان و أبي الدرداء . و كان سلمان أفقه من أبي الدرداء في
أشياء من جملتها هذا . و قد قال الله تعالى لموسى عليه السلام : *( سأريكم دار
الفاسقين )* و هي الدار التي كان بها أولئك العمالقة , ثم صارت بعد هذا دار
المؤمنين , و هي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة , و أرض مصر التي
أورثها الله بني إسرائيل , فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما
و تارة كافرا , و تارة مؤمنا و تارة منافقا , و تارة برا تقيا و تارة فاسقا , و
تارة فاجرا شقيا . و هكذا المساكن بحسب سكانها , فهجرة الإنسان من مكان الكفر و
المعاصي إلى مكان الإيمان و الطاعة كتوبته و انتقاله من الكفر و المعصية إلى
الإيمان و الطاعة , و هذا أمر باق إلى يوم القيامة , و الله تعالى قال : *( و
الذين آمنوا [ من بعد ] و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم )* [ الأنفال : 75
] . قالت طائفة من السلف : هذا يدخل فيه من آمن و هاجر و جاهد إلى يوم القيامة
, و هكذا قوله تعالى : *( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا و
صبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم )* [ النحل : 110 ] <6> يدخل في معناها كل من
فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات و جاهد نفسه و غيرها من
العدو , و جاهد المنافقين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر , و غير ذلك , و
صبر على ما أصابه من قول أو فعل . و الله سبحانه و تعالى أعلم " . فأقول : هذه
الحقائق و الدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , يجهلها جهلا
تاما أولئك الخطباء و الكتاب و الدكاترة المنكرون لشرع الله *( و هم يحسبون
أنهم يحسنون صنعا )* , فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم و حرموا عليهم
الهجرة منها , و هم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم و دنياهم , و هلاك رجالهم و
فضيحة نسائهم , و انحراف فتيانهم و فتياتهم , كما تواترت الأخبار بذلك عنهم
بسبب تجبر اليهود عليهم , و كبسهم لدورهم و النساء في فروشهن , إلى غير ذلك من
المآسي و المخازي التي يعرفونها , ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد
! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون , و يجهلون أنهم يجهلون , كيف لا و هم في القرآن
يقرؤون : *( و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما
فعلوه إلا قليل منهم )* ! و ليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا
خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين , و تارة باسم نازحين , أيقولون فيهم : إنهم
كانوا من الآثمين , بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود ?! بلى . و ماذا يقولون في
ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى ( بشاور ) مع أن أرضهم لم تكن
محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين ?! و أخيرا .. ماذا يقولون في البوسنيين
الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية و منها الأردن , هل يحرمون
عليهم أيضا خروجهم , و يقول فيهم أيضا رأس الفتنة : " يأتون إلينا ? شو بساووا
هون ?! " . إنه يجهل أيضا قوله تعالى : *( و الذين تبوءوا الدار و الإيمان من
قبلهم يحبون من هاجر إليهم , و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على
أنفسهم و لو كان بهم خصاصة )* , أم هم كما قال تعالى في بعضهم : *( يحلونه عاما
و يحرمونه عاما )* ?!
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأنباء من لم تزود .
-----------------------------------------------------------
[1] متفق عليه , و هو مخرج في" الإرواء " ( 1057 )
[2] إسناده صحيح , و هو مخرج في " المشكاة " ( 2725 ) .
[3] رواه مسلم و غيره , و هو مخرج في " الإرواء " ( 1200 ) .
[4] قلت : و حسنه الترمذي , و صححه الحاكم و الذهبي , و هو مخرج في تعليقي على
" المختارة " ( رقم 307 ) .
[5] بل هو مرفوع , كذلك رواه ابن حبان و غيره بسند صحيح , و هو مخرج في "
الصحيحة " ( 1068 ) .
[6] وقع في هذه الآية خطأ مطبعي في الأصل , كما سقط منه ما بين المعقوفتين في
الآية الأولى . اهـ .
2858 " إن هذا الأمر في قريش ما داموا إذا استرحموا رحموا و إذا حكموا عدلوا و إذا
قسموا أقسطوا , فمن لم يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله و الملائكة و الناس
أجمعين لا يقبل منهم صرف و لا عدل " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 856 :
أخرجه الإمام أحمد ( 4 / 396 ) و البزار ( 2 / 229 / 1582 ) من طريق عوف عن
زياد بن مخراق عن أبي كنانة عن # أبي موسى # قال : قام رسول الله صلى الله عليه
وسلم على باب بيت فيه نفر من قريش , فقام و أخذ بعضاة الباب ثم قال : " هل في
البيت إلا قرشي ? " , قال : فقيل : يا رسول الله غير فلان ابن أختنا , فقال : "
ابن أخت القوم منهم " , ثم قال : فذكره . و أبو كنانة هذا مجهول , و يقال هو
معاوية بن قرة , و لم يثبت كما قال الحافظ في " التقريب " . و الحديث أورده
الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 193 ) و قال : " رواه أحمد و البزار و الطبراني ,
و رجال أحمد ثقات " . كذا قال , و قد علمت ما فيه من الجهالة , و إسناد البزار
كإسناد أحمد . و لأبي داود منه : " ابن أخت القوم منهم " و قد سبق ( 776 ) . و
للحديث شواهد يصح بها و يقوى , منها عن أبي سعيد الخدري مثله . أخرجه الطبراني
في " الصغير " ( ص 43 ) , و كذا في " الأوسط " ( 1 / 142 / 2 / 2736 ) , قال في
" المجمع " ( 5 / 194 ) : " و رجاله ثقات " . قلت : هو من رواية معاذ بن عوذ
الله القرشي : حدثنا عوف عن أبي الصديق الناجي عنه . و قال الطبراني : " تفرد
به معاذ بن عوذ الله " . قلت : و لم أجد له ترجمة فيما عندي من الكتب , و لعله
في " ثقات ابن حبان " . ثم رأيته فيه ( 9 / 178 ) و قال : " مستقيم الحديث " .
و بقية رجاله ثقات رجال الستة غير شيخ الطبراني إبراهيم بن عبد الله بن مسلم
الكجي , و هو ثقة إمام . و له شاهد من حديث ابن مسعود و غيره . و قد مضى الكلام
عليه برقم ( 1552 ) .
2859 " إنما النذر ما ابتغي به وجه الله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 857 :
أخرجه البيهقي ( 10 / 67 ) من طريق عبد الرحمن بن الحارث المخزومي عن #عمرو بن
شعيب عن أبيه عن جده #أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . قلت : و هذا
سند حسن إن شاء الله تعالى , فإن عبد الرحمن بن الحارث هذا صدوق له أوهام كما
في " التقريب " . و عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده محتج به كما تقرر عند المحققين
, و قد أوضحت ذلك في " صحيح سنن أبي داود " / الأم ( رقم 124 ) . و الحديث رواه
البيهقي أيضا ( 10 / 75 ) و أحمد ( 2 / 183 ) من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن
الحارث به , و فيه سبب ورود الحديث . و تابعه أبو الزناد عن عمرو بن شعيب به
عند الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 77 / 1 / 1412 - بترقيمي ) بنحوه , و فيه عبد
الله بن نافع المدني , و هو ضعيف كما في " المجمع " ( 4 / 187 ) .
2860 " إنما النذر يمين كفارتها كفارة يمين " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 858 :
أخرجه أحمد ( 4 / 149 و 156 ) من طريق ابن لهيعة قال : حدثنا كعب بن علقمة قال
: سمعت عبد الرحمن بن شماسة يقول : أتينا أبا الخير فقال : سمعت # عقبة بن عامر
# يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره . قلت : و رجاله ثقات
غير ابن لهيعة , و هو سيىء الحفظ , و لكني وجدت شيخ الإسلام ابن تيمية ( رحمه
الله ) جزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم مستدلا به على أن كل نذر يمين
, فقال في " الفتاوى " ( 3 / 358 ) : " و الدليل على هذا قول النبي صلى الله
عليه وسلم : النذر حلف " . فإن كان شيخ الإسلام وقف للحديث على طريق أخرى غير
هذه فهو قوي , و إلا فلا , و الاحتمال الأول أقرب لأن اللفظ الذي رواه هو غير
هذا , و الله أعلم . نعم جاء الحديث في صحيح مسلم و غيره عن عقبة مختصرا بلفظ :
" كفارة النذر كفارة يمين " , فهو شاهد قوي للحديث , و هو مخرج في " إرواء
الغليل " ( 2586 ) . ثم رأيت الحديث في " معجم الطبراني الكبير " ( 17 / 313 /
866 ) و " مسند الروياني " ( ق 54 / 1 ) من طريق ابن لهيعة أيضا بلفظ قريب من
لفظ ابن تيمية : " النذر يمين , و كفارته كفارة يمين " . لكنه قال : ( ابن
شماسة عن عقبة ) , لم يذكر بينهما ( أبا الخير ) , و لعله من ابن لهيعة , فإنه
متكلم فيه من قبل حفظه , و الأرجح عنه إثباته , كما تقدم في رواية أحمد , فقد
وجدت له متابعا قويا , فقال الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 74 - 75 ) :
حدثنا يونس قال : حدثنا ابن وهب قال : أخبرني عمرو بن الحارث عن كعب بن علقمة
عن عبد الرحمن بن شماسة المهري عن أبي الخير عن عقبة باللفظ المختصر الذي عند
مسلم : " كفارة النذر كفارة يمين " .
2861 " يا عقبة بن عامر ألا أعلمك سورا ما أنزلت في التوارة و لا في الزبور و لا في
الإنجيل و لا في الفرقان مثلهن , لا يأتين عليك ليلة إلا قرأتهن فيها , *( قل
هو الله أحد )* و *( قل أعوذ برب الفلق )* و *( قل أعوذ برب الناس )* " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 859 :
أخرجه أحمد ( 4 / 158 ) من طريق ابن عياش عن أسيد بن عبد الرحمن الخثعمي عن
فروة ابن مجاهد اللخمي عن # عقبة بن عامر # قال : لقيت رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال لي : " يا عقبة بن عامر ! صل من قطعك , و أعط من حرمك , و اعف عمن
ظلمك " . قال : ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : " يا عقبة بن
عامر ! املك لسانك , و ابك على خطيئتك , و ليسعك بيتك " . قال : ثم لقيت رسول
الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : فذكر الحديث . قلت : و هذا إسناد صحيح لأن
ابن عياش ثقة في الشاميين , و روايته هذه عن الشاميين فإن أسيد بن عبد الرحمن
رملي , و هو ثقة و كذا شيخه فروة بن مجاهد كما تقدم بيانه تحت الحديث ( 891 ) .
2862 " تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت و إنه مكتوب بين عينيه [ ك ف ر ] ,
يقرؤه من كره عمله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 860 :
أخرجه مسلم ( 8 / 193 ) و الترمذي ( 2236 ) و ابن منده في " المعرفة " ( 2 /
287 / 2 ) من طريق الزهري قال : و أخبرني عمر بن ثابت الأنصاري أنه أخبره بعض
أصحاب النبي أن النبي قال يومئذ و هو يحذرهم فتنته ( يعني الدجال ) : فذكره . و
قال الترمذي و السياق له : " حسن صحيح " . و عزاه المعلق على " سنن الترمذي "
لأبي داود عن أنس برقم ( 4318 ) . و هو خطأ منه لأنه حديث آخر ليس فيه من حديث
الترجمة إلا جملة الكتابة بين عينيه . ( تنبيه ) : جاء الحديث في " الفتح
الكبير بضم الزيادة إلى الجامع الصغير " بلفظ الترمذي إلى قوله : حتى يموت ,
معزوا لـ ( م , ن ) و النون إشارة إلى " سنن النسائي " , و هو خطأ , و الصواب (
ت ) أي الترمذي , و على الصواب جاء في " الزيادة على الجامع الصغير " نسخة
الظاهرية .
2863 " إنما النساء شقائق الرجال " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 860 :
قال في " الكشف " ( 1 / 214 ) تبعا لأصله : " رواه أحمد و أبو داود و الترمذي
عن # عائشة # , و رواه البزار عن #أنس #, قال ابن القطان : هو من طريق عائشة
ضعيف , و من طريق أنس صحيح " . قلت : أما حديث عائشة فهو من طريق حماد بن خالد
الخياط : حدثنا عبد الله العمري عن عبيد الله عن القاسم عنها . قالت : سئل رسول
الله صلى الله عليه وسلم عن الرجل يجد البلل و لا يذكر احتلاما ? قال : " يغتسل
" , و عن الرجل يرى أنه قد احتلم و لا يرى بللا ? قال : " لا غسل عليه " ,
فقالت أم سليم : هل على المرأة ترى ذلك شيء ? قال : " نعم , إنما النساء .. "
الحديث . أخرجه أبو داود ( 1 / 37 ) و الترمذي ( 1 / 189 - 190 ) و أحمد ( 6 /
256 ) و قال الترمذي : " و عبد الله بن عمر ضعفه يحيى بن سعيد من قبل حفظه في
الحديث " . قلت : فإنما يخشى من سوء حفظه , فإذا توبع في روايته فذلك يدل على
أنه قد حفظ , و الأمر كذلك هنا , فقد روى هذه القصة غيره من حديث أنس , و
إسناده صحيح كما سبق عن ابن القطان , و قد أخرجه الدارمي ( 1 / 195 ) : أخبرنا
محمد بن كثير عن الأوزاعي عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس قال : دخلت
على رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سليم , و عنده أم سلمة , فقالت : المرأة
ترى في منامها ما يرى الرجل ? فقالت أم سلمة : تربت يداك يا أم سليم فضحت
النساء ? فقال النبي صلى الله عليه وسلم منتصرا لأم سليم : " بل أنت تربت يداك
, إن خيركن التي تسأل عما يعنيها , إذا رأت الماء فلتغتسل " , قالت أم سلمة : و
للنساء ماء يا رسول الله ? قال : " نعم , فأين يشبههن الولد ? إنما هن شقائق
الرجال " . و هذا إسناد رجاله ثقات رجال الستة غير محمد بن كثير , و هو أبو
يوسف الصنعاني المصيصي , و هو صدوق كثير الغلط كما في " التقريب " , و لعل
البزار رواه من غير طريقه , و إلا فكيف يصححه ابن القطان إذا كان من طريقه ?
<1> . على أنه لم يتفرد به و إن كان خولف في سنده , فقال الإمام أحمد ( 6 / 377
) : حدثنا [ أبو ] المغيرة ( ما بين المربعين ساقط من المسند ) قال : حدثنا
الأوزاعي قال : حدثني إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري عن جدته أم سليم
قالت : كانت مجاورة أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , فكانت تدخل عليها ,
فدخل النبي صلى الله عليه وسلم فقالت أم سليم : يا رسول الله ! أرأيت إذا رأت
المرأة أن زوجها يجامعها في المنام , أتغتسل ? فقالت أم سلمة : تربت يداك يا أم
سليم , فضحت النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت أم سليم : إن
الله لا يستحي من الحق , و إنا أن نسأل النبي صلى الله عليه وسلم عما أشكل
علينا خير من أن نكون منه على عمياء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأم سلمة
: " بل أنت تربت يداك , نعم يا أم سليم عليها الغسل إذا وجدت الماء " , فقالت
أم سلمة : يا رسول الله ! و هل للمرأة ماء ? فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
" فأني يشبهها ولدها ? هن شقائق الرجال " . و هذا سند رجاله كلهم ثقات رجال
الستة , لكن أعله الهيثمي بالانقطاع , فقال ( 1 / 268 ) : " و إسحاق لم يسمع من
أم سليم " . لكن دلت الرواية الأولى على أن إسحاق أخذها عن أنس , و هو عن أمه
أم سليم , و كذلك رواه مسلم ( 1 / 171 ) و غيره عن عكرمة بن عمار قال : قال
إسحاق بن طلحة : حدثني أنس بن مالك قال : جاءت أم سليم ... الحديث دون قوله :
إنما النساء .. إلخ . فزالت بذلك شبهة الانقطاع , و ثبتت بذلك صحة الحديث . (
تنبيه ) : عزا المناوي حديث عائشة إلى الدارقطني أيضا في الطهارة و لم أجده في
" سننه " , فلينظر .
-----------------------------------------------------------
[1] و لم يذكره الهيثمي في " كشف الأستار " , و لا في " المجمع " , و إنما فيه
( 1 / 268 ) بلفظ آخر و أعله بالانقطاع كما سيأتي . اهـ .
2864 " إنه سيلي أموركم من بعدي رجال يطفئون السنة و يحدثون بدعة و يؤخرون الصلاة عن
مواقيتها . قال ابن مسعود : كيف بي إذا أدركتهم ? قال : ليس - يا ابن أم عبد -
طاعة لمن عصى الله . قالها ثلاثا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 863 :
رواه ابن ماجه ( 2865 ) و البيهقي ( 3 / 127 ) و في " الدلائل " ( 6 / 396 -
397 ) و أحمد , و ابنه في " الزوائد " ( رقم 3790 ) و السياق له , و عنه ابن
عساكر ( 14 / 165 / 2 ) و الطبراني في " معجمه " ( 10 / 213 / 10361 ) عن
القاسم ابن عبد الرحمن عن أبيه عن # عبد الله #مرفوعا . قلت : و هذا سند صحيح
, رجاله رجال الصحيح , و قد مضى تحت الحديث ( 590 ) .
2865 " إني ممسك بحجزكم عن النار و تقاحمون فيها تقاحم الفراش و الجنادب و يوشك أن
أرسل حجزكم , و أنا فرط لكم على الحوض , فتردون علي معا و أشتاتا , يقول جميعا
, فأعرفكم بأسمائكم و بسيماكم كما يعرف الرجل الغريبة من الإبل في إبله , فيذهب
بكم ذات الشمال , و أناشد فيكم رب العالمين , فأقول : يا رب أمتي , فيقال : إنك
لا تدري ما أحدثوا بعدك , إنهم كانوا يمشون القهقرى بعدك . فلا أعرفن أحدكم
يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي : يا محمد , يا محمد ! فأقول : لا
أملك لك من الله شيئا قد بلغت , و لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا
له رغاء ينادي : يا محمد , يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت
, و لا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي : يا محمد , يا
محمد ! فأقول : لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت , و لا أعرفن أحدكم يأتي يوم
القيامة يحمل قشعا من أدم ينادي : يا محمد , يا محمد ! فأقول : لا أملك لك من
الله شيئا قد بلغت " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 864 :
أخرجه البزار ( 1 / 426 / 900 ) و الرامهرمزي في " الأمثال " ( 21 - 22 ) من
طريقين عن مالك بن إسماعيل : حدثنا يعقوب بن عبد الله القمي عن حفص بن حميد عن
عكرمة عن ابن عباس عن # عمر بن الخطاب # رضوان الله عليهم قال : قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت : و هذا إسناد حسن , قال البزار عقبه : " لا
نعلمه عن عمر إلا بهذا الإسناد , و حفص لا نعلم روى عنه إلا القمي " . قلت : قد
روى عنه أيضا أشعث بن إسحاق , كما في " الجرح و التعديل " ( 1 / 2 / 171 ) و
روى عن ابن معين أنه قال فيه : " صالح " . و وثقه النسائي أيضا , و ابن حبان (
6 / 196 ) و قال المنذري في " الترغيب " ( 2 / 277 - 278 ) : " رواه أبو يعلى و
البزار , و إسنادهما جيد " . و قال الهيثمي في " المجمع " ( 3 / 85 ) : " رواه
أبو يعلى في " الكبير " , و البزار , و رجال الجميع ثقات " . قلت : و أشار
بقوله : " الكبير " إلى أن لأبي يعلى مسندين : كبيرا , و صغيرا , و " الصغير "
هو المعروف اليوم , و هو الذي يطبع الآن في دمشق , و صدر منه أكثر من عشرة
أجزاء <1> , و مسند عمر في الأول منها , و ليس الحديث فيه . و كأن الشيخ
الأعظمي في تعليقه على " البزار " لا علم عنده بـ " المسند الكبير " كما يشير
إلى ذلك قوله عقب قول الهيثمي المتقدم : " .. في الكبير " , قال الأعظمي : " (
كذا ) " !
-----------------------------------------------------------
[1] ثم طبع فيما بعد كاملا , بتحقيق الأخ ( حسين سليم الديراني ) , و لي عليه
انتقادات كثيرة سبق ذكر بعضها . اهـ .
2866 " إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به و ليس شيء يقربكم إلى النار
إلا قد نهيتكم عنه , إن روح القدس نفث في روعي : إن نفسا لا تموت حتى تستكمل
رزقها فاتقوا الله و أجملوا في الطلب , و لا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه
بمعاصي الله , فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 865 :
رواه أبو بكر الحداد في " المنتخب من فوائد ابن علويه القطان " ( 168 / 1 ) و
ابن مردويه في " ثلاثة مجالس " ( 188 / 1 - 2 ) من طرق عن يعلى بن عبيد :
أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن [ عبد الملك بن عمير ] و زبيد الأيامي عن # عبد
الله بن مسعود # مرفوعا , و الزيادة لابن مردويه . قلت : و هذا إسناد رجاله
ثقات رجال الشيخين , لكنه منقطع من الوجهين , أما زبيد فإنه لم يدرك ابن مسعود
يقينا , فإنه مات سنة ( 122 ) و مات ابن مسعود سنة ( 32 ) , و أما عبد الملك
فإنه ولد في السنة التي مات ابن مسعود فيها , أو بعدها بسنة . و رواه الحاكم (
2 / 4 ) من طريق سعيد بن أبي هلال عن سعيد بن أبي أمية الثقفي عن يونس بن بكير
عن ابن مسعود مرفوعا به . و هذا إسناد مظلم , سعيد بن أبي أمية , أورده ابن أبي
حاتم ( 2 / 1 / 5 ) فقال : " سعيد بن أبي أمية بن عمرو بن سعيد بن العاص , روى
عن أبي أمامة الباهلي , روى عنه عنبسة بن أبان القرشي " . و لم يذكر فيه جرحا و
لا تعديلا . و علق عليه محققه بقوله : " لم أجد سعيد بن أبي أمية هذا , و ستأتي
ترجمة سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص , و كنيته عمرو بن سعيد أبو أمية , و له
ابن اسمه أمية . فالله أعلم " . و شيخه يونس بن بكير , أظن أنه مقحم هنا من بعض
النساخ , فإنه متأخر عن طبقة التابعين , مات سنة ( 199 ) . و للحديث شاهد ,
فقال الشافعي ( 1 / 13 - " ترتيب المسند و السنن " ) : أخبرنا عبد العزيز بن
محمد عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب , عن المطلب بن حنطب أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال : فذكره دون قوله : " و لا يحملنكم .. " . سكت عنه مرتبه البنا
كعادته , و هو مرسل جيد الإسناد , و المطلب بن حنطب , نسب إلى جده الأعلى ,
فإنه المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب .. المخزومي , و قيل بإسقاط (
المطلب ) في نسبه , و قيل : هما اثنان كما في " التهذيب " , و هو تابعي ثقة ,
يرسل كثيرا . و للقول المذكور آنفا شاهد من حديث جابر بنحوه . أخرجه ابن حبان و
غيره , و هو مخرج في " الظلال " ( 420 ) و " التعليق الرغيب " ( 3 / 7 ) . و
بالجملة فالحديث حسن على أقل الأحوال .
2867 " إنه ليهون علي الموت أن أريتك زوجتي في الجنة . يعني عائشة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 867 :
رواه الحسين المروزي في " زوائد الزهد " ( 207 / 2 ) : حدثنا أبو معاوية حدثنا
أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن الأسود عن # عائشة # قالت : قال لي رسول الله
صلى الله عليه وسلم : فذكره . و من هذا الوجه رواه الخلعي في " الفوائد " ( 2 /
59 / 1 ) , ثم من طريق سعيد بن عنبسة قال : حدثنا أبو معاوية عن مسعر عن حماد
به . قلت : و هذا إسناد ضعيف رجاله ثقات رجال مسلم غير سعيد بن عنبسة , و أظنه
أبا عثمان الخراز الرازي , فقد ذكر ابن أبي حاتم ( 2 / 1 / 52 ) أنه روى عن جمع
سماهم من هذه الطبقة , منهم أبو معاوية الضرير , و قال : " سمع منه أبي , و لم
يحدث عنه , و قال : فيه نظر , و قال مرة : كان لا يصدق " و من هذه الطبقة ما
أورده ابن حبان في الطبقة الرابعة من " الثقات " ( 8 / 268 ) : " سعيد بن عنبسة
, يروي عن ابن إدريس و الكوفيين , روى عنه محمد بن إبراهيم البوشنجي , ربما
خالف " . قلت : فيحتمل أن يكون هو الرازي , و يحتمل أن يكون غيره , و هو ظاهر
صنيع الحافظ في " اللسان " , فإذا كان غيره فالسند حسن . و الله أعلم . و يقويه
أن له طريقا أخرى , فقال أحمد ( 6 / 138 ) : حدثنا وكيع عن إسماعيل عن مصعب بن
إسحاق بن طلحة عن عائشة به مختصرا بلفظ : " إنه ليهون علي أني رأيت بياض كف
عائشة في الجنة " . و هذا إسناد جيد لولا جهالة في مصعب هذا , فقد ذكره ابن أبي
حاتم , و ابن حبان في " الثقات " في ( التابعين ) ( 5 / 412 ) و ( أتباع
التابعين ) ( 7 / 478 ) من رواية إسماعيل هذا فقط عنه , و هو إسماعيل بن أبي
خالد , و كذلك أورده الحافظ في " التعجيل " , و زاد في الحديث بعد أن عزاه لـ "
المسند " : " يعني الموت " , تفسيرا منه لقوله : " ليهون علي " . و يحتمل أن
يكون ذلك في نسخته من " المسند " و هو بعيد , لأنه ليس في " جامع المسانيد " (
37 / 104 / 3004 ) . و الله أعلم . و الحديث أورده ابن أبي حاتم في " العلل " (
2 / 375 ) من طريق المعلى بن عبد الرحمن بإسناده عن عائشة بلفظ الترجمة , و قال
: " موضوع بهذا الإسناد , و المعلى متروك الحديث " . و قوله : " بهذا الإسناد "
كأنه يشير إلى الأسانيد المتقدمة , و أنا أرى أن الحديث حسن بمجموع إسنادي أبي
حنيفة و أحمد , و الله أعلم .
2868 " إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك و غلامك " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 869 :
رواه الضياء في " المختارة ( 41 / 1 ) من طريق أبي داود صاحب " السنن " , و هذا
في " اللباس " منه ( 4106 ) عن أبي جميع سالم بن دينار عن ثابت عن # أنس # : أن
النبي صلى الله عليه وسلم أتى فاطمة بعبد كان قد وهبه لها , قال : و على فاطمة
رضي الله عنها ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها , و إذا غطت به رجليها لم
يبلغ رأسها , فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما تلقى , قال : فذكره . قلت :
و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات , و في سالم بن دينار كلام لين لا يضر , و
قد وثقه ابن معين و ابن حبان ( 6 / 411 ) و غيرهما . و في الحديث دليل واضح على
جواز كشف البنت عن رأسها و رجليها أمام أبيها , بل و غلامها أيضا , ففيه رد
صريح على الأستاذ أبي الأعلى المودودي - رحمه الله - حيث صرح في كتابه " الحجاب
" ( ص 289 - 290 - مؤسسة الرسالة ) أنه لا يحل للمرأة كشف عورتها - إلا الوجه و
الكفين - حتى لأبيها أو عمها أو أخيها أو ابنها ! قال : " و حتى للمرأة مثلها "
! و أكد ذلك في مكان آخر ( ص 272 - 273 ) ! و قد كنت رددت عليه في هذه المسألة
في تعقيب نشر في آخر كتابه من الطبعة الأولى بطلب - بل و إلحاح - من القائمين
عليها , لأنني استبعدت موافقة المؤلف على ذلك دون أن يطلع على التعقيب , فقال
وسيطهم : لا عليك , نحن متفقون مع الأستاذ المودودي على موافقته على ما قد يبدو
لنا من تعليق . و لكن ما كاد الكتاب يصل إلى المؤلف حتى سارع بالكتابة إليهم
بأن لا ينشروا الكتاب حتى يأتيهم برده على " التعقيب " , فطبعوا رده في رسالة
صغيرة . و فيها أخطاء جديدة فقهية و حديثية , بينت بعضها في كتابي " جلباب
المرأة المسلمة " ( ص 42 - 50 - الطبعة الجديدة ) , و هو كثير التناقض في كتابه
المذكور في وجه المرأة تناقضا يدل على أنه كان غير مطمئن لرأي خاص فيه , و هذا
واضح جدا لمن تتبع كلامه فيه , و لا مجال الآن لبيانه .
2869 " أهل الجنة أمشاطهم الذهب و مجامرهم الألوة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 870 :
رواه الحميدي في " مسنده " ( 180 / 1 ) : حدثنا سفيان قال : حدثنا أبو الزناد
عن الأعرج عن # أبي هريرة # مرفوعا . قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ,
و هو قطعة من حديث لأبي هريرة رضي الله عنه , أخرجه البخاري ( 3246 ) من طريق
أخرى عن أبي الزناد به . و تابعه همام بن منبه عن أبي هريرة به . أخرجه البخاري
( 3245 ) و مسلم ( 8 / 147 ) و الترمذي ( 2540 ) و ابن حبان ( 7393 ) و أحمد (
2 / 312 ) و قال الترمذي : " حديث صحيح " . و أنكر هذه الرواية المتعالم المعلق
على الطبعة الثانية من " رياض الصالحين " ( 643 / 1891 - المكتب الإسلامي ) و
فيها زيادة : " لكل واحد منهم زوجتان .. " , فزعم أنها لمسلم دون البخاري ! و
تابعه أبو زرعة به . أخرجه البخاري ( 3327 ) و مسلم أيضا , و ابن حبان ( 7394 )
. و كذا تابعه أبو صالح عنه . رواه مسلم , و أحمد ( 2 / 231 - 232 و 253 ) . و
عبد الرحمن بن أبي عمرة عنه . رواه البخاري ( 3254 ) . و كل هؤلاء رووه عنه
بتمامه . و رواه ابن لهيعة عن أبي يونس عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يقول : فذكره مختصرا بلفظ : " أهل الجنة رشحهم المسك , و وقودهم
الألوة " . قال ابن لهيعة : ( الألوة ) : العود الهندي الجيد . أخرجه أحمد ( 2
/ 357 ) . قلت : و ابن لهيعة ضعيف , لكن حديثه هذا صحيح , لأن جملة : " رشحهم
المسك " ثابتة في بعض الطرق المتقدمة .
2870 " أوتيت الكتاب و ما يعدله ( يعني : و مثله ) , يوشك شبعان على أريكته يقول :
بيننا و بينكم هذا الكتاب , فما كان فيه من حلال أحللناه و ما كان [ فيه ] من
حرام حرمناه , ألا و إنه ليس كذلك . ألا لا يحل ذو ناب من السباع و لا الحمار
الأهلي , و لا اللقطة من مال معاهد إلا أن يستغني عنها , و أيما رجل أضاف قوما
فلم يقروه فإن له أن يعقبهم بمثل قراه " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 871 :
رواه عباس الترقفي في " حديثه " ( 46 / 1 ) : حدثنا محمد بن المبارك قال :
حدثني يحيى بن حمزة قال : حدثني محمد بن الوليد الزبيدي عن مروان بن رؤبة أنه
حدثه عن عبد الرحمن بن أبي عوف الجرشي عن # المقدام بن معدي كرب الكندي #
مرفوعا . و تابعه هشام بن عمار عند الطبراني في " المعجم الكبير " ( 20 / 283 /
669 ) و أبو مسهر عند الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 321 ) كلاهما عن يحيى
بن حمزة به , و لم يذكر الطحاوي : " و لا اللقطة .. " إلخ . و تابع يحيى بن
حمزة محمد بن حرب عن الزبيدي بشطره الثاني : " ألا لا يحل ذو ناب .. " . أخرجه
أبو داود ( 3804 ) . قلت : و هذا إسناد حسن بما بعده , رجاله ثقات , إلا أن
مروان بن رؤبة لم يوثقه غير ابن حبان ( 5 / 425 ) , فقال : " كنيته أبو الحصين
, يروي عن واثلة بن الأسقع , عداده في أهل الشام , روى عنه أهلها " . ذكره في (
الطبقة الثانية ) يعني التابعين , و أنا في شك كبير في كونه تابعيا , و الراجح
أنه من أتباعهم كما حققته في " تيسير الانتفاع " يسر الله لي إتمامه بمنه و
كرمه . و قد تابعه حريز بن عثمان عن عبد الرحمن بن أبي عوف به . أخرجه أبو داود
( 4604 ) و أحمد ( 4 / 130 ) و الطبراني ( 20 / 283 / 270 ) . قلت : و حريز ثقة
ثبت من رجال البخاري , فالسند صحيح . و للنصف الأول منه طريق آخر من رواية
الحسن بن جابر قال : سمعت المقدام بن معدي كرب يقول : حرم رسول الله صلى الله
عليه وسلم يوم خيبر أشياء ثم قال : " يوشك أحدكم أن يكذبني و هو متكئ على
أريكته .. " الحديث نحوه . أخرجه أحمد ( 4 / 132 ) . و إسناده حسن في المتابعات
. و للشطر الثاني شاهد من حديث خالد بن الوليد دون جملة الضيافة . أخرجه أبو
داود ( 3806 ) و غيره , و فيه لفظ " البغال " , و هو منكر , و لذلك خرجته في "
الضعيفة " ( 1149 ) .
2871 " إن الله يوصيكم بالنساء خيرا , إن الله يوصيكم بالنساء خيرا فإنهن أمهاتكم و
بناتكم و خالاتكم , إن الرجل من أهل الكتاب يتزوج المرأة و ما يعلق يداها الخيط
فما يرغب واحد منهما عن صاحبه [ حتى يموتا هرما ] " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 873 :
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 20 / 374 / 648 ) من طريقين عن محمد بن
حرب عن سليمان بن سليم عن يحيى بن جابر عن # المقدام بن معدي كرب # : أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قام في الناس فحمد الله و أثنى عليه , ثم قال : فذكر
الحديث . و هكذا رواه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 18 / 45 / 1 - 2 ) من طريق
داود بن رشيد : أخبرنا محمد بن حرب به , و الزيادة له . و زاد أيضا عقبها : قال
أبو سلمة ( يعني : سليمان بن سليم ) : و حدثت بهذا الحديث العلاء بن سفيان
الغساني , فقال : لقد بلغني : أن من الفواحش التي حرم الله مما بطن , مما لم
يتبين ذكرها في القرآن : أن يتزوج الرجل المرأة , فإذا تقادم صحبتها , و طال
عهدها , و نفضت ما في بطنها , طلقها من غير ريبة . قلت : و هذا إسناد صحيح متصل
عندي كما كنت حققته في " إرواء الغليل " ( 7 / 42 ) , فليراجعه من شاء . و
للجملة الأولى منه طريق أخرى تقدمت برقم ( 1666 ) . قوله : ( و ما يعلق يداها
الخيط ) كناية عن صغر سنها و فقرها . في " النهاية " : " قال الحربي : يقول من
صغرها و قلة رفقها , فيصبر عليها حتى يموتا هرما . و المراد حث أصحابه على
الوصية بالنساء , و الصبر عليهن . أي أن أهل الكتاب يفعلون ذلك بنسائهم " . قلت
: كان ذلك منهم حين كانوا على خلق و تدين و لو بدين مبدل , أما اليوم فهم
يحرمون ما أحل الله من الطلاق , و يبيحون الزنى بل و اللواط علنا !!
2872 " أوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله و لا في قطيعة رحم و لا فيما لا
يملك ابن آدم " <1> .
-----------------------------------------------------------
[1] من أجل الجملة الأخيرة انظر الحديث المتقدم برقم ( 2184 ) و الآتي برقم (
3309 ) , و " الضعيفة " الحديث رقم ( 6549 ) . اهـ .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 874 :
رواه أبو داود ( 3313 ) و الطبراني ( 1 / 134 / 1 ) عن يحيى بن أبي كثير قال :
حدثني أبو قلابة قال : حدثني # ثابت بن الضحاك # قال : نذر رجل على عهد النبي
صلى الله عليه وسلم أن ينحر بـ " بوانة " , فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقال : إني نذرت أن أنحر بـ " بوانة " , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "
هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ? " , قال : لا , قال : " فهل كان فيها
عيد من أعيادهم ? " , قال : لا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : و إسناده صحيح رجاله رجال الشيخين , و قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "
اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم " ( ص 186 ) : " أصل هذا الحديث في
" الصحيحين " , و إسناده كلهم ثقات مشاهير , و هو متصل بلا عنعنة " . و في "
الصحيحين " الجملة الأخيرة منه , بزيادات أخرى هامة , و هو مخرج في " الإرواء "
( 2575 ) . و لقصة ( بوانة ) شاهد من حديث ميمونة بنت كردم بن سفيان عن أبيها
نحوه . أخرجه أبو داود ( 3315 ) و ابن ماجه ( 2131 ) و أحمد ( 3 / 419 ) و لم
يذكر ابن ماجه أباها . و إسناده حسن في الشواهد , و الحديث صحيح بلا ريب . و
فيه من الفقه تحريم الوفاء بنذر المعصية , و أن من ذلك الوفاء بنذر الطاعة في
مكان كان يشرك فيه بالله , أو كان عيدا للكفار , فضلا عن مكان يتعاطى الناس
الشرك فيه , أو المعاصي , و قد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية القول فيه تفصيلا
رائعا لا تجده عند غيره , فراجعه في " الاقتضاء " , فإنه هام جدا .
2873 " ألا تدعو له طبيبا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 875 :
رواه ابن الحمامي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " ( 35 / 1 ) عن حسان بن
إبراهيم الكرماني عن عمرو بن دينار عن # جابر بن عبد الله # أن رسول الله عاد
مريضا فقال : " ألا تدعو له طبيبا ? " . قالوا : يا رسول الله و أنت تأمرنا
بهذا ? قال : فقال : " إن الله عز وجل لم ينزل داء إلا أنزل معه دواء " . قلت :
و هذا إسناد جيد , رجاله رجال الشيخين , على ضعف يسير في الكرماني أشار إليه
الحافظ بقوله في " التقريب " : " صدوق يخطىء " . و لذلك أورده الذهبي في "
معرفة الثقات المتكلم فيهم بما لا يوجب الرد " ( ص 88 ) . و للحديث طريق أخرى ,
فقال أحمد ( 5 / 371 ) : حدثنا إسحاق بن يوسف حدثنا سفيان عن منصور عن هلال بن
يساف عن ذكوان عن رجل من الأنصار قال : عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا
به جرح , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ادعوا له طبيب بني فلان " .
قال : فدعوه , فجاء , فقال : يا رسول الله ! و يغني الدواء شيئا ? فقال : "
سبحان الله ! و هل أنزل الله من داء في الأرض إلا جعل له شفاء ? " . قلت : و
هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير الرجل الأنصاري , فلم يسم , لكن
الظاهر أنه صحابي , و لذلك أورد أحمد الحديث تحت عنوان " أحاديث رجال من أصحاب
النبي صلى الله عليه وسلم " , و الصحابة كلهم عدول عندنا , و لا أستبعد أن يكون
هو جابر بن عبد الله الذي في الإسناد الأول , فإنه من الأنصار . و الله أعلم .
و الحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 84 ) : " رواه أحمد , و رجاله رجال
الصحيح " . و رواه أبو نعيم في " الطب " ( ق 10 / 2 ) من طريق أخرى عن سفيان به
, لكنه أرسله . و روى له في الباب شاهدا من طريقين عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه
عن أبي هريرة به نحوه . و إسناده صحيح .
2874 " ألا تسألوني مما ضحكت ? قلنا : يا رسول الله مما ضحكت ? قال : رأيت ناسا من
أمتي يساقون إلى الجنة في السلاسل , ما أكرهها <1> إليهم ! قلنا : من هم ? قال
: قوم من العجم يسبيهم المهاجرون فيدخلونهم في الإسلام " .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل ( يكرهها ) , و لعل الصواب ما أثبته . اهـ .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 877 :
رواه أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 298 ) قال : حدثنا أبو بكر محمد بن
أحمد ابن الفضل : حدثنا عبد الرحمن بن أبي حاتم : حدثنا يزيد بن سنان بمصر و
عباد بن الوليد قالا : حدثنا حبان بن هلال حدثنا مبارك بن فضالة : حدثني كثير
أبو محمد : حدثني # أبو الطفيل # قال : ضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى
استغرق <1> ضحكا ثم قال : ( الحديث ) . قلت : و هذا إسناد حسن إن شاء الله
تعالى , إما لذاته , و إما لغيره لما يأتي له من المتابعة و الشواهد , فإن
رجاله ثقات مترجمون في " التهذيب " على جهالة في كثير أبي محمد , فقد وثقه ابن
حبان ( 5 / 332 ) . و أما عبد الرحمن بن أبي حاتم فثقة حافظ , و هو مؤلف الكتاب
العظيم : " الجرح و التعديل " . و أما أبو بكر محمد بن أحمد بن الفضل , شيخ أبي
نعيم , و قال فيه : " توفي سنة سبع و ثمانين " يعني بعد الثلاثمائة . و لم يذكر
فيه جرحا و لا تعديلا . و لكنه لم يتفرد به كما يأتي . و الحديث أخرجه البزار
في " مسنده " ( 2 / 289 / 1730 ) : حدثنا بشر بن سهل حدثنا حبان بن هلال به . و
قال في " المجمع " ( 5 / 333 ) : " رواه البزار و الطبراني , و فيه بشر بن سهل
كتب عنه أبو حاتم , ثم ضرب على حديثه , و بقية رجاله وثقوا " . و له شاهد من
حديث أبي غالب عن أبي أمامة : استضحك النبي صلى الله عليه وسلم [ يوما فقيل له
: يا رسول الله ! ما أضحكك ? ] قال : " عجبت لأقوام يساقون إلى الجنة في
السلاسل و هم كارهون " . أخرجه أحمد ( 5 / 249 و 256 ) و الزيادة له , و ليس
عنده : " و هم كارهون " . و السياق للطبراني , و قال الهيثمي :"رواه أحمد و
الطبراني و أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح " . كذا قال , و أبو غالب ليس من
رجال الصحيح , و هو صاحب أبي أمامة , و هو صدوق يخطىء , و قد سقط من إسناد أحمد
الآخر , كما لم يسم الراوي عنه , فإسناده الأول حسن . شاهد آخر : يرويه الفضيل
بن سليمان : حدثنا محمد بن أبي يحيى عن العباس بن سهل ابن سعد الساعدي عن أبيه
قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بالخندق , فأخذ الكرزين فحفر به , فصادف
حجرا , فضحك , قيل : ما يضحكك يا رسول الله ? قال : " ضحكت من ناس يؤتى بهم من
قبل المشرق في النكول يساقون إلى الجنة " . أخرجه أحمد ( 5 / 338 ) و السياق له
, و الطبراني في " الكبير " ( 6 / 157 / 5733 ) و زاد : " و هم كارهون " . و
قال الهيثمي : " رواه أحمد و الطبراني , إلا أنه قال : " يؤتى بهم إلى الجنة في
كبول الحديد " , و في رواية : " يساقون إلى الجنة و هم كارهون " , و رجاله رجال
( الصحيح ) غير محمد بن [ أبي ] يحيى الأسلمي , و هو ثقة " . قلت : و فيه شيئان
: الأول : أن الفضيل بن سليمان و إن كان من رجال الشيخين ,صدوقا , فله خطأ
كثير كما في " التقريب " . و الآخر : أن رواية " الكبول " عند الطبراني ليس
فيها الأسلمي الثقة , فإنها عنده ( 6 / 232 / 5955 ) من طريق أخرى عن الفضيل بن
سليمان عن أبي حازم عن سهل بن سعد به نحوه . فأسقط الفضيل من الإسناد محمد بن
أبي يحيى عن العباس بن سهل , و أحل محلهما " أبي حازم " , و لعل ذلك مما يدل
على خطئه و قلة ضبطه , و قوله : " يؤتى بهم من قبل المشرق " , زيادة منكرة لم
تأت في الأحاديث الأخرى , و لذلك خرجتها في " الضعيفة " ( 4034 ) . شاهد ثالث :
يرويه عبد الحميد بن صالح : حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة قال : استضحك النبي صلى الله عليه وسلم , فقال : " عجبت لأقوام
يقادون إلى الجنة في السلاسل و هم كارهون " . أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 8
/ 307 ) . قلت : و إسناده جيد . و تابعه كامل أبو العلاء قال : سمعت أبا صالح
به مختصرا بلفظ : " عجب ربنا عز وجل من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل " .
أخرجه أحمد ( 2 / 448 ) . و تابعه محمد بن زياد عن أبي هريرة به . أخرجه
البخاري و غيره , و هو مخرج في " ظلال الجنة " ( 573 ) و " صحيح أبي داود " (
2401 ) . و أخرجه البخاري ( 4557 ) من طريق أبي حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه
: *( كنتم خير أمة أخرجت للناس )* قال : " خير الناس للناس , تأتون بهم في
السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام " . قلت : و هذا موقوف في حكم
المرفوع , كما يشهد بذلك الطرق السابقة . ( تنبيه ) : علق الأخ حمدي السلفي على
حديث الفضيل بن سليمان الذي فيه بلفظ الطبراني : " يأتونكم من قبل المشرق " .
فقال : " و رواه أحمد بدون ذكر " كارهون " , و قد أورده شيخنا محمد ناصر الدين
الألباني في " ضعيف الجامع الصغير و زيادته " ( 3588 ) لهذه الزيادة , و قال :
هو صحيح بغير هذا اللفظ " . قلت : و إنما أوردته في " الضعيف " لزيادة جملة "
المشرق " , و ليس لزيادة " و هم كارهون " , بل هذه زيادة صحيحة كما يتبين من
الطرق المتقدمة , و قد نبهت على ذلك في " الضعيفة " ( 4034 ) , و هو المصدر
الذي أحلت عليه في بيان الضعف المذكور في تعليقي على " ضعيف الجامع " , لكن
عبارتي فيه كانت موهمة لما قال السلفي , و لذلك عدلتها تعديلا يبين الذي ذكرته
آنفا . على أن الحديث بلفظ : " و هم كارهون " مذكور في " صحيح الجامع " برقم (
3878 ) بمرتبة ( حسن ) , و بعد هذا التخريج عدلته إلى ( صحيح ) كما هو ظاهر من
مجموع طرقه .
-----------------------------------------------------------
[1] الأصل : " استغرب " . اهـ .
2875 " إذا أنت بايعت فقل : لا خلابة , ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال
فإن رضيت فأمسك و إن سخطت فارددها على صاحبها " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 881 :
أخرجه ابن ماجه ( 2355 ) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الأعلى عن
محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان قال : هو جدي منقذ بن عمرو , و كان رجلا
قد أصابته آفة في رأسه فكسرت لسانه , و كان لا يدع على ذلك التجارة , و كان لا
يزال يغبن , فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له , فقال له : فذكره .
قلت : و هذا إسناد حسن رجاله ثقات على الخلاف المعروف في ابن إسحاق , و الراجح
أنه حسن الحديث إذا صرح بالتحديث , و قد ثبت تصريحه به كما يأتي في غير ما
رواية عنه . و محمد بن يحيى بن حبان تابعي ثقة من رجال الشيخين , و ظاهره أنه
أرسله , لكنه قد ثبت موصولا , بذكر ابن عمر فيه , فقد أخرجه ابن أبي شيبة في "
المصنف " ( 14 / 228 / 18177 ) : حدثنا عباد بن العوام عن محمد بن إسحاق عن
محمد بن يحيى بن حبان قال : إنما جعل ابن الزبير عهدة الرفيق ثلاثة , لقول رسول
الله صلى الله عليه وسلم لمنقذ بن عمرو : " لا خلابة , إذا بعت بيعا فأنت
بالخيار ثلاثا " . و أخرجه الدارقطني في " سننه " ( 3 / 55 / 220 ) من طريق
محمد بن عمرو بن العباس الباهلي أخبرنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق أخبرنا
نافع أن عبد الله بن عمر حدثه : " أن رجلا من الأنصار كان بلسانه لوثة , و كان
لا يزال يغبن في البيع , فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له , فقال
: " إذا بعت فقل : لا خلابة ( مرتين ) " . قال محمد : و حدثني محمد بن يحيى بن
حبان قال : هو جدي .. " . قلت : فذكره مثل رواية ابن ماجه , و زاد : " و قد كان
عمر عمرا طويلا , عاش ثلاثين و مائة سنة , و كان في زمن عثمان رضي الله عنه حين
فشا الناس و كثروا , يتبايع البيع في السوق , و يرجع به إلى أهله و قد غبن غبنا
قبيحا , فيلومونه , و يقولون : لم تبتاع ?! فيقول : أنا بالخيار إن رضيت أخذت ,
و إن سخطت ترددت , قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جعلني بالخيار ثلاثا ,
فيرد السلعة على صاحبها من الغد , و بعد الغد , فيقول <1> : والله لا أقبلها ,
قد أخذت سلعتي و أعطيتني دراهم , قال : يقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قد جعلني بالخيار ثلاثا , فكان يمر الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه
وسلم فيقول للتاجر : ويحك إنه قد صدق , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كان
جعله بالخيار ثلاثا . قال : و أخبرنا محمد بن إسحاق أخبرنا محمد بن يحيى بن
حبان قال : ما علمت ابن الزبير ... " . قلت : فذكر الحديث كما تقدم نقلي إياه
عن " المصنف " . و أخرجه البيهقي في " سننه " ( 5 / 273 ) من طريق يونس : حدثنا
محمد بن إسحاق : حدثني نافع عن ابن عمر قال : سمعت رجلا من الأنصار كانت بلسانه
لوثة .. الحديث مثل رواية الدارقطني دون ما في آخرها من الرواية عن ابن الزبير
, لكن فيه ما في حديث الترجمة من التخيير ثلاث ليال , و فيه : " فيرجع إلى بيعه
فيقول : خذ سلعتك و رد دراهمي , فيقول : لا أفعل , قد رضيت فذهبت به , حتى يمر
به الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " . و رواه سفيان : حدثني
ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر به مختصرا دون الزيادة , و فيه قول ابن عمر : "
فكنت أسمعه يقول : لا خذابة لا خذابة ! و كان يشتري الشيء فيجيء به أهله
فيقولون : هذا غال , فيقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرني في بيعي "
أخرجه الدارقطني , و الحاكم ( 2 / 22 ) و البيهقي , و ابن الجارود ( 567 ) . و
قال أحمد ( 2 / 129 ) : حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاق حدثني نافع به دون
قوله : " و كان يشتري الشيء .. " . و بالجملة , فالحديث حسن لتصريح ابن إسحاق
بالتحديث في كثير من هذه الروايات الثابتة عنه . و إعلال البوصيري إياه بعنعنة
ابن إسحاق , إنما كان منه وقوفا عند رواية ابن ماجه , مع كونها مرسلة , و قد
أورده السيوطي في " الزيادة " من رواية ابن ماجه و البيهقي مرسلا . و قد انجبر
الإرسال بمجيئه موصولا من طريق نافع عن ابن عمر كما تقدم . و الله أعلم . و
للحديث شاهدان مختصران : أحدهما من حديث ابن عمر , عند الشيخين و غيرهما . و
الآخر : من حديث أنس . رواه أصحاب السنن و غيرهم , و صححه ابن حبان ( 5027 و
5028 - الإحسان ) و ابن الجارود ( 568 ) و هما مخرجان في " أحاديث البيوع " , و
ليس فيهما التخيير ثلاثة , فالعمدة فيه على مرسل ابن حبان , و مسند ابن عمر ,
فهو بهما صحيح , و لعل هذا هو ملحظ الحافظ في سكوته عليه , بل و احتجاجه به في
" الفتح " ( 4 / 337 ) و في تثبيت صديق حسن خان للحديث في " الروضة الندية " (
2 / 121 ) و هو الحق الذي لا ريب فيه , و من ضعفه أو أعله , فلم يتتبع طرقه و
ألفاظه . و في الحديث إثبات الخيار ثلاثة أيام لمن يخدع , و في المسألة خلاف
بين العلماء و تفصيل يراجع في " الفتح " و غيره من المطولات .
-----------------------------------------------------------
[1] أي : صاحب السلعة . اهـ .
2876 " في كل ركعتين تشهد و تسليم على المرسلين و على من تبعهم من عباد الله
الصالحين " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 884 :
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 23 / 367 / 869 ) من طريق أبي همام
الخاركي : حدثني عدي بن أبي عدي عن علي بن زيد عن الحسن عن أمه عن # أم سلمة #
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . قلت : و هذا حديث حسن , رجاله ثقات
على ضعف في علي بن زيد , و هو ابن جدعان , و قال الهيثمي في " المجمع " ( 2 /
139 ) : " و اختلف في الاحتجاج به , و قد وثق " . قلت : فمثله يستشهد بحديثه ,
و لذلك حسنت حديثه هذا لأن له شاهدا من حديث علي رضي الله عنه , سبق تخريجه
برقم ( 237 ) . و أم الحسن - و هو البصري - اسمها ( خيرة ) , و هي ثقة كما في "
ثقات ابن حبان " ( 4 / 216 ) و قول الحافظ فيها : " مقبولة " تقصير منه غير
مقبول , فقد روى عنها جمع من الثقات , مع كونها تابعية . و عدي بن أبي عدي هو
الكندي . قال ابن حبان في " ثقات التابعين " ( 5 / 270 ) : " و اسم أبي عدي :
فروة , يروي عن أبيه , و يقال : إن له صحبة . روى عنه عيسى ابن عاصم . مات سنة
ست و عشرين و مائة " . و هو مترجم في " التهذيب " . و أبو همام الخاركي ( الأصل
: الخارجي , و هو تصحيف ) اسمه الصلت بن محمد , و هو ثقة من رجال البخاري , و
قد صرح بسماعه من عدي , فلا أدري إذا كان ذلك محفوظا أم لا , فإن صنيعهم في
ترجمته يشعر بأنه متأخر عن هذه الطبقة , فأورده ابن حبان ( 8 / 324 ) فيمن روى
عن ( أتباع التابعين ) و ليس في ( أتباعهم ) ! و الله أعلم .
2877 " كن مع صاحب البلاء تواضعا لربك و إيمانا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 885 :
أخرجه الطحاوي في " شرح معاني الآثار " ( 2 / 379 ) : حدثنا علي بن زيد قال :
حدثنا موسى بن داود قال : حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن يحيى بن سعيد عن أبي مسلم
الخولاني عن # أبي ذر # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . قلت
: و هذا إسناد جيد , رجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد , و هو ابن عبد الله
أبو الحسن الفرائضي , قال الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 11 / 427 ) : " من أهل (
طرسوس ) , قدم ( سر من رأى ) و حدث بها عن موسى بن داود الضبي و .. و .. قال
ابن يونس المصري : تكلموا فيه " . و كذا في " اللسان " , إلا أنه وقع فيه : "
قدم مصر .. " , و زاد : " و قال مسلمة بن قاسم : ثقة . توفي سنة ثلاث و ستين و
مائتين " . ( تنبيه ) : كذا وقع الحديث في " الشرح " ( كن ) , و وقع في "
الجامع الصغير " و " الكبير " أيضا ( 16760 ) : ( كل ) , فلا أدري أيهما الصواب
, و الثاني في المعنى أخص من الأول , و قد روي ذلك في حديث آخر من مسند جابر
بلفظ : " كل باسم الله , ثقة بالله , و توكلا على الله " . و إسناده ضعيف كما
كنت بينته في " الضعيفة " ( 1144 ) , فإن صح حديث الترجمة باللفظ الثاني , فهو
شاهد قوي لحديث جابر , فينقل حينئذ إلى " سلسلة الأحاديث الصحيحة " من جهة , و
إلى " صحيح الجامع " من جهة أخرى , فإنه حتى الآن في " ضعيف الجامع " ( 4200 )
, كما كنت أوردت فيه ( 4203 ) حديث أبي ذر باللفظ الثاني لعدم وقوفي يومئذ على
إسناده حسب الشرط الذي كنت ذكرته في المقدمة , فإن صح نقل أيضا إلى " الصحيح "
في الطبعة القادمة منه إن شاء الله تعالى . ( تنبيه آخر ) : لم يتكلم المناوي
على إسناد هذا الحديث بشيء , و الظاهر أنه لم يقف عليه , و يؤيده أنه فسر عزو
السيوطي إياه لـ ( الطحاوي ) بقوله : " في مسنده " , و قلدته اللجنة القائمة
على نشر " الجامع الكبير " كما هي عادتهم , و كل ذلك خطأ , لأن الطحاوي رحمه
الله ليس له كتاب يعرف بهذا الاسم " المسند " . و الله أعلم .
2878 " سموه بأحب الأسماء إلي حمزة بن عبد المطلب " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 887 :
أخرجه الحاكم ( 3 / 196 ) من طريق يعقوب بن حميد بن كاسب : حدثنا سفيان بن
عيينة عن عمرو بن دينار عن # جابر بن عبد الله # قال : ولد لرجل منا غلام ,
فقالوا : ما نسميه ? فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره . و قال : " صحيح
الإسناد " . و رده الذهبي بقوله : " قلت : يعقوب ضعيف " . كذا قال , و الرجل
مختلف فيه كما تراه في " تهذيب التهذيب " , و لخص ذلك في " التقريب " , فقال :
" صدوق ربما وهم " . و حكى الذهبي نفسه في " الكاشف " شيئا من ذلك الاختلاف , و
قال : " و قال البخاري : لم نر إلا خيرا ( و في " التهذيب " : لم يزل خيرا ) ,
هو في الأصل صدوق " . و لذلك أورده الذهبي في كتابه : " معرفة الرواة المتكلم
فيهم بما لا يوجب الرد " ( ص 191 ) و رمز له فيه بـ ( م ) , و أظنه خطأ مطبعيا
لمخالفته لجميع المصادر التي ترجمت له , و منها " الكاشف " , فإنه لم يرمز له
فيها إلا بـ ( عخ , ق ) . ثم إنه قد توبع , فأخرجه الحاكم أيضا من طريق يوسف بن
سلمان المازني : حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار , سمع رجلا بالمدينة
يقول : جاء جدي بأبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا ولدي فما
أسميه ? قال : " سمه بأحب الناس إلي حمزة بن عبد المطلب " . و أعله الحاكم
بقوله : " قد قصر هذا الراوي المجهول برواية الحديث عن ابن عيينة , و القول فيه
قول يعقوب بن حميد , و قد كان أبو أحمد الحافظ يناظرني : أن البخاري قد روى عنه
في " الجامع الصحيح " , و كنت آبى عليه " . قلت : قد ذكر الحافظ في " التهذيب "
منشأ الخلاف الذي أشار إليه الحاكم , و مال إلى موافقة أبي أحمد الحافظ ( و هو
الحاكم صاحب كتاب الكنى ) و سبقه إلى ذلك الذهبي في " الكاشف " . و سواء صح هذا
أو ذاك فالرجل وسط , يحتج بحديثه . لكن يبقى النظر في يوسف بن سلمان الذي خالفه
في إسناده و متنه . أما السند فهو أنه قال مكان ( جابر ) : " .. رجلا .. جاء
جدي بأبي " , و أما المتن فقوله : ( الناس ) مكان ( الأسماء ) . و لعل هذا هو
الأرجح , لأنه جاء في " الصحيحين " : " أحب الناس إلي عائشة , و من الرجال
أبوها " , و ما خالفه من الأحاديث فيه ضعف كما بينته في " الضعيفة " ( 1844 و
1843 ) . و يوسف هذا قد روى عنه جماعة من الحفاظ كالترمذي و النسائي و ابن
خزيمة و غيرهم , و وثقه ابن حبان و مسلمة , و قال النسائي : لا بأس به , فلا
وجه لتجهيل الحاكم إياه , و لاسيما و هو يوثق من دونه شهرة بكثير ! هذا , و
قوله : " بأحب الأسماء إلي " كان قبل أن يوحى إليه بحديث " أحب الأسماء إلى
الله عبد الله , و عبد الرحمن " . و تقدم ( 904 و 1040 ) و " الإرواء " ( 1176
) .
2879 " من أنفق زوجين في سبيل الله نودي في الجنة : يا عبد الله ! هذا خير , فمن كان
من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة و من كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد و
من كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة و من كان من أهل الصيام دعي من باب
الريان . قال أبو بكر الصديق : يا رسول الله ! ما على أحد يدعى من تلك الأبواب
من ضرورة , فهل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها ? قال : نعم , و أرجو أن تكون
منهم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 889 :
أخرجه البخاري ( 1897 و 2841 و 3216 و 3666 ) و مسلم ( 3 / 91 ) و الترمذي (
3675 ) و صححه , و النسائي ( 1 / 312 و 332 - 333 و 2 / 58 ) و ابن حبان ( 1 /
263 / 308 ) و مالك في " الموطأ " ( 2 / 24 - 25 ) من طريق حميد بن عبد الرحمن
عن # أبي هريرة # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . و أخرجه مسلم
من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن , و أحمد ( 2 / 366 ) من طريق أبي صالح ,
كلاهما عن أبي هريرة به مختصرا بلفظ : " من أنفق زوجين في سبيل الله , دعاه
خزنة الجنة كل خزنة باب : أي فل ! هلم " . فقال أبو بكر : " يا رسول الله ! ذلك
الذي لا توى عليه " . زاد أبو سلمة : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني
لأرجو أن تكون منهم " . و له شاهد مختصر من حديث أبي ذر مرفوعا بالشطر الأول
منه دون قوله : " يا عبد الله ... " إلخ . أخرجه الدارمي ( 2 / 204 ) و أحمد (
5 / 151 و 153 و 159 و 164 ) و زاد في رواية : قلنا : ما هذان الزوجان ? قال :
إن كانت رجالا , فرجلان , و إن كانت خيلا ففرسان , و إن كانت إبلا فبعيران ,
حتى عد أصناف المال . و إسناده صحيح . و قال الدارمي عقبه : " هو درهمين , أو
أمتين , أو عبدين , أو دابتين " . قوله : ( لا توى عليه ) : أي لا ضياع و لا
خسارة , و هو من التوى : الهلاك .
2880 " من قال : سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلا الله و الله أكبر غرس الله بكل
واحدة منهن شجرة في الجنة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 890 :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 235 / 1 / 8640 ) و في " الدعاء " ( 3 /
1558 / 1676 ) من طريق علي بن عثمان اللاحقي قال : حدثنا عمران بن عبيد الله
مولى عبيد الصيد قال : سمعت الحكم بن أبان يحدث عن عكرمة عن # ابن عباس # قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و قال : " تفرد به علي بن عثمان "
. قلت : و هو ثقة كما في " اللسان " , و العلة من شيخه عمران , ضعفه ابن معين و
البخاري كما يأتي , و وثقه ابن حبان ( 8 / 497 ) و لذا قال الهيثمي ( 10 / 91 )
: " رواه الطبراني في " الأوسط " , و رجاله وثقوا " . يشير بقوله : " وثقوا "
إلى ضعف توثيق أحد رجاله , و هو عمران هذا , و كذلك فعل المنذري , فإنه قال في
" الترغيب " ( 2 / 245 ) : " رواه الطبراني , و إسناده حسن لا بأس به في
المتابعات " . و هو كما قال أو أعلى , فإن له شواهد حسن أحدها المنذري , و صححه
الحاكم , و وافقه الذهبي , كما في تعليقي على " الترغيب " ( 2 / 244 ) و هو عن
أبي هريرة و الحديث رواه إسحاق بن أبي إسرائيل أيضا عن عمران , علقه البخاري في
" التاريخ " ( 3 / 2 / 427 ) في ترجمة عمران بن عبيد الله هذا , و قال : " فيه
نظر " . ثم إن للحديث شاهدا آخر من حديث جابر مختصرا , و قد سبق تخريجه برقم (
64 ) . و لحديث أبي هريرة طريق آخر , رواه البزار ( 3078 - كشف الأستار ) من
طريق حميد مولى علقمة : حدثنا عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة مثله . و قال : "
لا نعلمه يروى عن أبي هريرة إلا بهذا الإسناد , و حميد لا نعلم روى عنه إلا زيد
بن الحباب " ! قلت : و لذلك قال الحافظ فيه : " مجهول " . قلت : و مع ذلك فقد
حسن له الترمذي حديث : " إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا .. " . و قد مضى تخريجه
( 2562 ) . ( تنبيه ) : وقع في " دعاء الطبراني " : ( عمران بن عبيد مولى عبيد
الصيد ) فلم يعرفه المعلق عليه , فقال : " لم أقف على ترجمته , و بقية رجاله
حسن " !
2881 " من تداوى بحرام لم يجعل الله له فيه شفاء " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 892 :
أخرجه أبو نعيم في " الطب " ( ق 14 / 2 ) عن إبراهيم بن أيوب عن النعمان عن عبد
الحكم قال : سمعت ابن سيرين عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : .. فذكره . قلت : و هذا إسناد ضعيف , إبراهيم بن أيوب هو الفرساني
الأصبهاني , قال ابن أبي حاتم عن أبيه : " لا أعرفه " . و ذكره أبو العرب في "
الضعفاء " كما في " الميزان " . و النعمان هو ابن عبد السلام الأصبهاني , و هو
ثقة فقيه . لكن شيخه عبد الحكم لم أعرفه . لكن ذكر له أبو نعيم شاهدا من رواية
يونس بن محمد : حدثنا الهياج أو الصباح بن عبد الله حدثنا غالب القطان عن ابن
سيرين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من أصابه شيء من
الأدواء فلا يفزعن إلى شيء مما حرم الله , فإن الله لم يجعل في شيء مما حرم
شفاء " . و هذا إسناد رجاله ثقات رجال الشيخين غير الهياج - هكذا ظهر لي من
النسخة المصورة و لم أعرفه , أما إن كان : الصباح بن عبد الله , فالظاهر أنه
العبدي المترجم في " التهذيب " برواية موسى بن إسماعيل التبوذكي عنه . قال ابن
معين : ثقة . و قال أبو حاتم : مجهول . و ذكره ابن حبان في " الثقات " - لكن من
دونه أحمد بن إسحاق شيخ أبي نعيم لم أعرفه , و اثنان فوقه لم أعرفهما لغموض
صورة أسمائهما . و له شاهد ثان من حديث أم سلمة مرفوعا , ثالث موقوف على ابن
مسعود سبق تخريجهما تحت الحديث ( 1633 ) , و الموقوف صحيح الإسناد , و الذي
قبله يحتمل التحسين , فإنه ليس في رجاله إلا ثقة , إلا أن حسان بن مخارق لم
يوثقه غير ابن حبان ( 4 / 163 و 6 / 223 ) و قد روى عنه ثقتان مع تابعيته , على
ما ترجح عندي في " تيسير الانتفاع " . و لما تقدم فقد ترجح لدي أن الحديث
بمجموع هذه الطرق حسن على أقل تقدير , و لاسيما و قد ثبت النهي عن التداوي
بالحرام و الدواء الخبيث كما بينته في المكان المشار إليه آنفا . و الله أعلم .
( تنبيه ) حديث ابن سيرين عن أبي هريرة المتقدم من رواية أبي نعيم , قد عزاه
إليه السيوطي في " الجامع الكبير " عن ابن سيرين مرسلا لم يذكر أبا هريرة , فلا
أدري إذا كان وصله عنه سقط من نسخة " الطب " التي نقل عنها السيوطي , أم هو
زيادة من بعض النساخ في نسختنا . و الله أعلم .
2882 " من ضم يتيما له أو لغيره حتى يغنيه الله عنه وجبت له الجنة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 893 :
أخرجه الطبراني في " الأوسط " ( 2 / 26 / 1 / 5477 ) : حدثنا محمد بن أحمد بن
أبي خيثمة قال : حدثنا القاسم بن سعيد عن المسيب بن شريك قال : حدثنا الهيثم
أبو ( الأصل : ابن ) سعيد قال : حدثنا عبد الله بن تميم بن طرفة عن أبيه عن #
عدي بن حاتم # مرفوعا . و قال : " لم يسند عبد الله بن تميم بن طرفة حديثا غير
هذا , و لا يروى عن عدي إلا بهذا الإسناد , تفرد به القاسم بن سعيد عن المسيب
بن شريك " . قلت : و هذا متروك , و به أعله الهيثمي ( 8 / 162 ) . و الراوي عنه
القاسم بن سعيد لم أجد له ترجمة , و مثله عبد الله بن تميم , و قد ذكره المزي
في الرواة عن أبيه مصغرا : " عبيد الله " , و أشار إلى عدم صحة السند بذلك إليه
بقوله : " إن كان محفوظا " .و أما الهيثم أبو سعيد فقد ذكره البخاري و ابن أبي
حاتم في كتابيهما بروايته عن غالب القطان , و لم يذكرا عنه راويا , و أفادا أنه
بصري . فالإسناد مع ذاك المتروك مجهول . و قد روى طرفه الأول سفيان عن أبي
الحويرث عن رجل من جهينة مرفوعا به , و تمامه : " فاتقى الله فيه و أصلح كان
كالمجاهد في سبيل الله القائم ليله لا يرقد , و الصائم نهاره لا يفطر " . أخرجه
ابن منده في " المعرفة " ( 2 / 278 / 2 ) . قلت : و أبو الحويرث هذا اسمه عبد
الرحمن بن معاوية بن الحويرث الأنصاري , و هو ضعيف لسوء حفظه . و أخرج ابن
المبارك في " الزهد " ( 185 / 2 - الكواكب 575 ) : حدثنا سفيان عن علي ابن زيد
عن زرارة بن أبي أوفى عن مالك بن عمرو , أو عمرو بن مالك مرفوعا بلفظ : " من ضم
يتيما بين أبوين مسلمين حتى يستغني , فقد وجبت له الجنة البتة " . و أخرجه أحمد
( 4 / 344 ) من طريق أخرى عن سفيان , و عن هشيم عن علي بن زيد به , و كذلك
أخرجه أحمد في مكان آخر ( 5 / 29 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 19 / 667
- 670 ) من طرق أخرى عن علي بن زيد به . و علي بن زيد هو ابن جدعان , و هو ضعيف
, و يقول الهيثمي فيه هنا في هذا الحديث ( 8 / 161 ) : " و هو حسن الحديث " . و
قال في رواية الطبراني : " و هو حسن الإسناد " . و أقول : إن وجد له شاهد معتبر
بهذه الزيادة " البتة " فهو حسن , و إلا فلا . نعم هو حسن أو أعلى بالشاهد الذي
رواه محمد بن عمرو عن صفوان بن سليم عن أم سعد بنت عمرو الجمحية قالت : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من كفل يتيما له أو لغيره من الناس كنت
أنا و هو في الجنة كهاتين " . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 25 / 98 /
255 - 256 ) و رجاله ثقات كما قال الهيثمي ( 8 / 163 ) , فهو حسن لولا أن في
إسناده اختلافا بينه الحافظ في ترجمة مرة بن عمرو من " الإصابة " , و لكن ذلك
لا يمنع من الاستشهاد به , و قد أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 133 )
مختصرا , و كذلك رواه في " صحيحه " , و قد مضى تخريجه برقم ( 800 ) . لكن
للحديث شاهد قوي رواه مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ : " كافل اليتيم له أو لغيره
أنا و هو كهاتين في الجنة " . و أشار مالك بالسبابة و الوسطى . و قد سبق تخريجه
أيضا برقم ( 962 ) . و جملة القول أن الحديث صحيح بمجموع شواهده , و بخاصة هذا
الأخير منها . و الله تعالى أعلم . و يشهد له أيضا حديث ليث عن محمد بن المنكدر
عن أم درة عن عائشة قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " أنا و
كافل اليتيم له أو لغيره في الجنة , و الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد
في سبيل الله " . أخرجه الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 1 / 291 / 2 / 4878 )
عن سهل بن عثمان قال : حدثنا حفص بن غياث عنه . و قال : " لم يروه عن محمد بن
المنكدر إلا ليث , و لا عن ليث إلا حفص , تفرد به سهل بن عثمان " ! كذا قال ! و
يرده قول أبي يعلى في " مسنده " ( 8 / 280 / 4866 ) : حدثنا عبد الرحمن ابن
صالح الأزدي حدثنا حفص بن غياث به , إلا أنه لم يذكر : " له أو لغيره " . فقد
تابع سهلا عبد الرحمن بن صالح . و لا يقال : لعله - أعني الطبراني - أراد
بالنفي المذكور الحديث بهذه الزيادة , لأن ذلك ليس من عادتهم , كما يعلم ذلك من
يقف على كلامهم . ثم إن أبا يعلى زاد في آخر الحديث : " .. و الصائم القائم لا
يفتر " . و يشهد لهذه الزيادة حديث أبي هريرة المذكور آنفا عند مسلم في رواية
له بلفظ : " الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله , و أحسبه قال
: و كالقائم لا يفتر , و كالصائم لا يفطر " . و رواه البخاري أيضا ( 5353 و
6006 و 6007 ) و لم يقل : " و أحسبه " في رواية . و رواه ابن حبان في " صحيحه "
( 2431 ) بالرواية الأولى , و ذكره الهيثمي في " زوائد ابن حبان " ( 2047 ) ,
فوهم .
2883 " ألا عدلت بينهما . يعني ابنه و بنته في تقبيلهما " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 897 :
أخرجه البزار في " مسنده " ( 2 / 378 / 1893 ) عن عبد الله بن موسى , و ابن
الأعرابي في " معجمه " ( ق 182 / 1 ) و أبو القاسم الهمداني في " الفوائد " ( 1
/ 3 / 2 ) كلاهما من طريق عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر عن الزهري عن #
أنس # قال : كان رجل جالس مع النبي صلى الله عليه وسلم , فجاءه ابن له فأخذه
فقبله ثم أجلسه في حجره , و جاءت ابنة له , فأخذها إلى جنبه , فقال النبي صلى
الله عليه وسلم : فذكره . و قال البزار : " لا نعلم رواه عن معمر إلا عبد الله
, و كان صنعانيا تحول إلى مكة " . قلت : وقع في " كشف الأستار " ( عبد الله بن
موسى ) , و أنا أظن أن ( موسى ) محرف ( معاذ ) , و هذا هو الصواب , كما وقع في
المصدرين الآخرين , و هو ثقة , و من فوقه ثقات كذلك , فالسند صحيح . و قال
الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 156 ) : " رواه البزار فقال : حدثنا بعض أصحابنا -
و لم يسمه - و بقية رجاله ثقات " . قلت : هو متابع في المصدرين الآخرين من
راويين اثنين : أحدهما : محمد بن عباد المكي , و هو صدوق يهم من رجال الشيخين ,
بل من شيوخهما و الآخر : سويد بن سكين , و لم أعرفه .
2884 " أي ذلك عليك أيسر فافعل . يعني إفطار رمضان أو صيامه في السفر " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 898 :
أخرجه تمام في " الفوائد " ( ق 161 / 1 ) : أخبرنا أبو علي أحمد بن محمد بن
فضالة ابن غيلان بن الحسين السوسي الحمصي الصفار : حدثنا أبو عبد الله بحر بن
نصر حدثنا ابن وهب حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عمران ابن أبي أنس
حدثه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن # حمزة بن عمرو # : أنه سأل رسول الله صلى
الله عليه وسلم عن الصيام في السفر ? فقال : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح
رجاله ثقات من رجال " التهذيب " غير السوسي هذا , ترجمه ابن عساكر في " تاريخ
دمشق " ( 2 / 213 ) برواية جمع عنه , و روى عن أبي سعيد بن يونس أنه قال فيه :
" توفي سنة ( 339 ) و كان ثقة , و كانت كتبه جيادا " . و ابن لهيعة في حفظه ضعف
إلا في رواية العبادلة عنه , فإنها صحيحة , و هذه منها كما ترى . و للحديث طرق
أخرى عن حمزة بن عمرو رضي الله عنه بألفاظ أخرى . أحدها في " صحيح مسلم " و هي
مخرجة في " الإرواء " ( 926 ) . و إنما آثرت تخريج هذا اللفظ هنا لعزة مصدره
أولا , و لتضمنه سبب ترخيصه صلى الله عليه وسلم و تخييره للمسافر بالصوم أو
الإفطار ثانيا , و هو التيسير , و الناس يختلفون في ذلك كل الاختلاف كما هو
مشاهد و معلوم من تباين قدراتهم و طبائعهم , فبعضهم الأيسر له أن يصوم مع الناس
, و لا يقضي حين يكونون مفطرين , و بعضهم لا يهمه ذلك فيفطر ترخصا ثم يقضي ,
فصلى الله على النبي الأمي الذي أنزل عليه : *( يريد الله بكم اليسر و لا يريد
بكم العسر )* .
2885 " إن شر الرعاء الحطمة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 899 :
أخرجه مسلم ( 6 / 9 - 10 ) و أبو عوانة ( 4 / 424 ) و ابن حبان ( 7 / 22 / 4494
) و البيهقي في " السنن الكبرى " ( 8 / 161 ) و أحمد ( 5 / 64 ) و الروياني في
" مسنده " ( ق 153 / 2 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 18 / 17 / 26 ) و
الدولابي في " الكنى " ( 1 / 93 ) من طرق عن جرير بن حازم : حدثنا الحسن أن #
عائذ بن عمرو # - و كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل على عبيد
الله بن زياد فقال : أي بني ! إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (
فذكره ) فإياك أن تكون منهم , فقال له : اجلس فإنما أنت من نخالة أصحاب محمد
صلى الله عليه وسلم ! فقال : و هل كانت لهم نخالة ? إنما كانت النخالة بعدهم ,
و في غيرهم ! و تابعه شعبة عن يونس عن الحسن : أن عائذ بن عمرو قال لزياد : كان
يقال لنا : " شر الرعاء الحطمة " .. إلخ . قلت : لكن الحسن - و هو البصري -
كثير الإرسال و التدليس , و قوله : " أن عائذ ابن عمرو .. " صورته صورة المرسل
, و ما وجدت له سماعا منه و لو في غير هذا الحديث , و لو ثبت له ذلك , فذلك مما
لا يستلزم ثبوت اتصال هذا لكون الحسن مدلسا , و مثله لا يقبل حديثه إلا إذا صرح
بالتحديث , و هذا ما لم نجده كما تقدم . بل رأيت علي بن المديني - شيخ البخاري
- ينفي في رسالته " علل الحديث و معرفة الرجال " ( ص 69 ) سماعه منه , فقال :
" ما أراه سمع منه شيئا " . و نقله عنه العلائي في " مراسيله " ( ص 197 ) و
أقره . لكني وجدت للحديث شاهدا من رواية إسحاق بن سعيد : حدثنا عبد الكريم عن
الحسن عن أنس مرفوعا بلفظ : " إن شر الولاة الحطمة " . أخرجه البزار ( 2 / 238
/ 1604 ) و قال : " لا نعلم رواه بهذا اللفظ إلا عبد الكريم , و هو بصري , و
روي عن غير أنس , رواه أبو برزة و عائذ بن عمرو " . قلت : و عبد الكريم هذا
يحتمل أنه ابن أبي أمية , و به جزم الهيثمي ( 5 / 239 - 240 ) و قال : " و هو
ضعيف " . و يحتمل أنه غيره , فإن ابن أبي حاتم في " الجرح " بعد أن ذكر في
ترجمة ابن أبي أمية الحسن البصري قال ( 3 / 1 / 61 ) : " عبد الكريم , روى عن
الحسن , سمع منه محمد بن سلام . قال أبي : مجهول " , و كذا في " الميزان " و "
اللسان " . فالله أعلم أيهما هو ? فإنه لم يذكر في ترجمتهما راوي الحديث عنه
هنا : إسحاق ابن سعيد , و هو القرشي الأموي الكوفي , يحتمل أنهما واحد . و أي
ذلك كان , فالحسن هو البصري المذكور في حديث عائذ , و قد عرفت آنفا أنه يرسل و
يدلس , لكنهم قد صرحوا بصحة سماعه من أنس بن مالك , لو أنه صرح هنا بالتحديث ,
و صح السند إليه . لكن يبدو أن الحديث كان معروفا عند السلف , فقد جزم البزار -
كما رأيت آنفا - أنه رواه أبو برزة أيضا . و يؤيده أن الإمام الأوزاعي جزم
بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قصة سلامه على أبي جعفر العباسي
بالخلافة , و وعظه إياه , في قصة طويلة رواها محمد بن مصعب القرقساني عنه .
أخرجها أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 136 - 140 ) . و بالجملة , فالحديث بهذه
الشواهد اطمأنت النفس لثبوته , مع تصحيح الأئمة الثلاثة إياه : مسلم , و أبو
عوانة , و ابن حبان . و اعلم أن الحديث أورده النووي في " رياض الصالحين " في
موضعين منه , ذكره في الأول منهما ( رقم 197 ) بتمامه معزوا لمسلم , و في الآخر
( 661 ) دون قول ابن زياد : " اجلس .. " إلخ , و قال : " متفق عليه " . و هو
وهم لا ندري من الناسخ هو أو من المؤلف . و قد نبه عليه صاحب المكتب الإسلامي
في طبعته الجديدة لـ " الرياض " لسنة ( 1412 ) التي زينها بتصديرها بصفحتين
مصورتين من مخطوطتين للكتاب زعم أنه رجع إليهما , يعني للتحقيق , و لا أثر لذلك
في طبعته هذه , و إلا فهذا هو المكان المناسب ليثبت للقراء زعمه المذكور بأن
يبين ما في المخطوطتين حول هذا الوهم . و تلك شنشنة نعرفها من أخزم فهو كثيرا
ما يزين مطبوعاته ببعض الصفحات المصورة من مخطوطات يدعي أنها في مكتبته 0 و قد
تكون مصورات - يوهم القراء بأنه رجع إليها في التحقيق , و ليس الأمر كذلك , و
أوضح مثال على ذلك طبعه أخيرا السنن الأربعة التي كنت ميزت صحيحها من ضعيفها
فقدمت إليه فطبعها طبعات تجارية ظاهرة , و قسم كل كتاب منها إلى قسمين : "
الصحيح " و " الضعيف " , فخلط في ذلك خلطا عجيبا لأن ذلك ليس من علمه , و لا
أقول من اختصاصه , فجعل في " الصحيح " ما ينبغي أن يكون في " الضعيف " , و على
العكس , و لبيان هذا مجال آخر , و الشاهد هنا أنه زين هذه الكتب بصور صفحات من
مخطوطات السنن , كأنه كلف أن يقوم بطباعتها من جديد محققة على المخطوطات , و
إنما كلف بطبع التصحيح و التضعيف الذي قمت به على السنن ! و لكنه التشبع بما لم
يعط ! ثم إن المحقق الجديد المدعو بـ ( حسان عبد المنان ) لكتاب " رياض
الصالحين " قد حذف الحديث من المكان الأول منه - و هو الأتم فائدة - و اقتصر
على إيراده إياه في الموضع الآخر منه , و حذف منه قوله : " متفق عليه " . دون
أي بيان منه هل كان الحذف عن رأي منه , أم عن تحقيق وقع له برجوعه إلى بعض
المخطوطات , و هذا مما لم يعن به , و لم يدعه - و الحمد لله - كما فعل غيره .
ثم إن الظاهر أنه لم ينتبه للإرسال الذي فيه أو الانقطاع , و إلا لسارع إلى
التشبث به لتضعيف الحديث كما فعل بغيره مما رواه البخاري و مسلم , فضلا عما
رواه غيرهما من أصحاب السنن , و قدمت نماذج كثيرة منها في الاستدراكات التي
ألحقتها بالمجلد الثاني من " الصحيحة " الطبعة الجديدة . و الله المستعان . (
الرعاء ) : جمع ( راع ) . ( الحطمة ) : هو العنيف برعاية الإبل في السوق و
الإيراد و الإصدار , و يلقي بعضها على بعض , و يعسفها , ضربه مثلا لوالي السوء
. كما في " النهاية " .
2886 " اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا و أنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 902 :
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 2427 ) و ابن السني ( 351 ) و الضياء في "
المختارة " ( 1683 و 1684 ) و أبو نعيم في " أخبار أصفهان " ( 2 / 305 ) و
الأصبهاني في " الترغيب " ( 131 / 1 ) من طريق حماد بن سلمة عن ثابت عن #أنس #
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط
مسلم .
2887 " اجلسي لا يتحدث الناس أن محمدا يغزو بامرأة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 903 :
أخرجه ابن سعد ( 8 / 225 - 226 ) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة حدثنا
حميد بن عبد الرحمن الرواس عن حسن بن صالح عن الأسود بن قيس عن سعيد بن عمرو عن
# أم كبشة # امرأة من قضاعة : أنها استأذنت النبي صلى الله عليه وسلم أن تغزو
معه ? فقال : لا , فقالت : يا رسول الله إني أداوي الجريح , و أقوم على المريض
, قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : .. الحديث . قلت : و هذا إسناد
صحيح على شرط مسلم إلى أم كبشة , لكن أم كبشة هذه ذكرها ابن أبي عاصم " في
الوحدان " ( 6 / 242 ) و الطبراني من طريق ابن أبي شيبة كما تقدم برقم ( 2740 )
, متعقبا الحافظ في إعلاله إياه بالإرسال , و ذكرت له شاهدا يزداد به قوة . و
لقد قدر إعادة تخريجه باللفظ المذكور أعلاه للفائدة الآتية : قلت : و في قبول
خبر " الوحدان " من الصحابة - و هم الذين لم يرو عنهم غير واحد من التابعين -
خلاف عند المحدثين , قال الحافظ في " الإصابة " ( 1 / 15 ) : " ثم من لم يعرف
حاله إلا من جهة نفسه فمقتضى كلام الآمدي الذي سبق و من تبعه أنه لا تثبت صحبته
, و نقل أبو الحسن بن القطان فيه الخلاف , و رجح عدم الثبوت , و أما ابن عبد
البر فجزم بالقبول بناء على أن الظاهر سلامته من الجرح , و قوى ذلك بتصرف أئمة
الحديث في تخريجهم أحاديث هذا الضرب في مسانيدهم , و لا ريب في انحطاط رتبة من
هذا سبيله عن من مضى , و من صور هذا الضرب أن يقول التابعي : " أخبرني فلان
مثلا أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول " , سواء أسماه أم لا " . و قد رجح
الحافظ ثبوت الصحبة بذلك فقد قال قبيل ذلك : " الفصل الثاني : في الطريق إلى
معرفة كون الشخص صحابيا " : " و ذلك بأشياء أولها أن يثبت بطريق التواتر أنه
صحابي , ثم بالاستفاضة و الشهرة , ثم بأن يروي عن أحد من الصحابة أن فلانا له
صحبة مثلا , و كذا عن آحاد التابعين بناء على قبول التزكية من واحد و هو الراجح
" . و الله أعلم . قلت : و على هذا جرى إمام السنة أحمد بن حنبل رحمه الله في "
مسنده " , فإن فيه عشرات الأحاديث عن جماعة من الصحابة لم يسموا , يقول التابعي
فيهم : عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم , أو بعض من شهد النبي صلى الله
عليه وسلم , و تارة : " خادم النبي صلى الله عليه وسلم " , و أحيانا كثيرة : "
رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " , و نحوه كثير و كثير جدا , يتبين ذلك
بوضوح لمن يراجع كتابي " فهرس رواة المسند " المطبوع في أول " المسند " , بحيث
لو جمع ذلك في كتاب لكان في مجلد كبير . و في كتب " التخريج " من ذلك الشيء
الكثير , و منها هذه " السلسلة " .
2888 " وددت أني لقيت إخواني , فقال أصحابه : أوليس نحن إخوانك ? قال : أنتم أصحابي
و لكن إخواني الذين آمنوا بي و لم يروني " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 904 :
أخرجه أحمد ( 3 / 155 ) : حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا جسر ( الأصل : حسن ) عن
ثابت عن # أنس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و هذا إسناد
رجاله ثقات رجال الشيخين غير جسر , و هو ابن فرقد , و هو ضعيف لسوء حفظه , و
اختلفت أقوال الأئمة في تضعيفه , و لعل أعدل ما قيل فيه قول أبي حاتم : " ليس
بالقوي , كان رجلا صالحا " . و مثله قول البخاري في " التاريخ " ( 1 / 1 / 246
) : " ليس بذاك " . و قد أشار إلى هذا الذي ذكرته الذهبي في " الميزان " , فقد
ساق له حديثا في اسم الله الأعظم , فعقب عليه بقوله : " هذا شبه موضوع , و ما
يحتمله جسر " . و أقره الحافظ . قلت : فمثله يستشهد به , و يتقوى بغيره , خلافا
لمن نفى ذلك من بعض المعاصرين الذين لم يتقنوا هذه الصناعة , فإنه قد توبع ,
فقال أبو عبيدة الحداد : حدثنا محتسب بن عبد الرحمن عن ثابت البناني به , و
لفظه : " متى ألقى إخواني ? " . قالوا : يا رسول الله ! ألسنا إخوانك ? قال :
فذكره . أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 6 / 118 ) و عنه ابن عدي ( 6 / 2457 ) و
الطبراني في " المعجم الأوسط " ( 2 / 39 / 5624 ) و قال : " لم يروه عن ثابت
إلا المحتسب " . كذا قال , و رواية أحمد عن جسر ترده , و هذه متابعة لا بأس بها
, فإن المحتسب هذا ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 7 / 528 ) برواية أبي شهاب
الحناط عنه . و زاد في " الجرح " : " و عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة الحداد "
. يعني راوي هذا الحديث عنه . فحديثه يحتمل التحسين , و لم يضعفه أحد سوى ابن
عدي , و لم يزد في ذلك على قوله : " يروي عن ثابت أحاديث ليس محفوظة " . و هذا
معناه أنه يتقى من حديثه ما تفرد به , أو خالف الثقات فيه , و ليس الأمر كذلك
هنا , فإنه لم يتفرد به كما عرفت . ثم إن له شاهدا من حديث أبي هريرة نحوه في
حديث السلام على المقبرة بلفظ : " وددت أنا قد رأينا إخواننا " . قالوا :
أولسنا إخوانك يا رسول الله ? قال : " أنتم أصحابي , و إخواننا الذين لم يأتوا
بعد " الحديث . أخرجه مسلم ( 1 / 150 ) و غيره , و هو مخرج في " الإرواء " ( 3
/ 235 / 776 ) و " أحكام الجنائز " ( ص 190 ) و " التعليق الرغيب " ( 1 / 93 )
. و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 66 ) و قال : " رواه أحمد و أبو
يعلى , و في رجال أبي يعلى ( محتسب أبو عائذ ) , وثقه ابن حبان , و ضعفه ابن
عدي , و بقية رجال أبي يعلى رجال الصحيح غير الفضل بن الصباح , و هو ثقة , و في
إسناد أحمد جسر , و هو ضعيف , و رواه الطبراني في " الأوسط " , و رجاله رجال
الصحيح غير ( محتسب ) , و بسند أبي يعلى إلى أنس قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : " طوبى لمن رآني و آمن بي , و طوبى لمن آمن بي و لم يراني سبع مرات
" . رواه أحمد , و إسناد أبي يعلى - كما تقدم - حسن , و إسناد أحمد فيه جسر و
هو ضعيف " . قلت : تقدم تخريجه بهذا اللفظ , مع شواهد له , بعضها صحيحة برقم (
1241 ) , فراجع إن شئت .
2889 " كان إذا أوى إلى فراشه نام على شقه الأيمن , ثم قال : اللهم أسلمت نفسي إليك
و وجهت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة و رهبة إليك لا ملجأ
و لا منجأ منك إلا إليك , آمنت بكتابك الذي أنزلت و نبيك الذي أرسلت , و قال
صلى الله عليه وسلم : " من قالهن ثم مات تحت ليلته مات على الفطرة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 907 :
أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 11 / 115 / 6315 ) و في " الأدب المفرد " ( 1213
) و من طريقه البغوي في " شرح السنة " ( 5 / 102 / 1316 ) : حدثنا مسدد حدثنا
عبد الواحد بن زياد حدثنا العلاء بن المسيب قال : حدثني أبي عن # البراء بن
عازب # قال : فذكره . و قال البغوي : " متفق على صحته " . كذا قال , و فيه نظر
لأنه يعني عادة أنه أخرجه الشيخان ! و لم يخرجه مسلم من هذه الطريق , و إنما من
طريقين آخرين عن البراء من أمره صلى الله عليه وسلم , و ليس من فعله , و قد خفي
هذا على بعض الكاتبين من المعاصرين كما يأتي . و أخرجه الطبراني في " الدعاء "
( 2 / 905 / 246 ) من طريق مسدد به . ثم أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " (
1211 ) من طريق عبد الله بن سعيد بن حازم أبي بكر النخعي قال : أخبرنا العلاء
بن المسيب به . قلت : و عبد الله بن سعيد هذا , لا بأس به في المتابعات , فقد
روى عنه ثلاثة من الثقات , و لهذا قال الحافظ في " التقريب " : " مقبول " . و
للحديث طريق أخرى , يرويه خلف بن خليفة عن حصين عن سعد بن عبيدة عن البراء به
أخرجه النسائي في " عمل اليوم و الليلة " ( 461 / 785 ) . قلت : و رجاله ثقات
رجال الشيخين غير خلف بن خليفة , فمن رجال مسلم , لكن كان اختلط . و قد خولف في
متنه , فرواه منصور عن سعد بن عبيدة به مرفوعا بلفظ : " إذا أتيت مضجعك فتوضأ
وضوءك للصلاة , ثم اضطجع على شقك الأيمن ثم قل .. " فذكره , و زاد في آخره : "
و اجعلهن آخر ما تتكلم به " . قال : فرددتها على النبي صلى الله عليه وسلم ,
فلما بلغت : " اللهم آمنت بكتابك الذي أنزلت " . قلت : و رسولك ! قال : " لا ,
و نبيك الذي أرسلت " . أخرجه البخاري ( 1 / 357 / 247 ) و مسلم ( 8 / 77 ) و
أبو داود ( 5046 - 5047 ) و الترمذي ( 3569 ) و صححه , و النسائي ( 781 و 782 )
و ابن حبان ( 5511 ) و الطبراني في " الدعاء " ( 2 / 905 / 245 ) و كذا أحمد (
4 / 293 ) و البيهقي في " شعب الإيمان " ( 4 / 173 / 4704 ) من طرق عن منصور به
. و أخرجه مسلم , و النسائي ( 783 - 785 ) , و ابن أبي شيبة ( 9 / 73 / 6577 و
10 / 246 / 9345 ) و أحمد ( 4 / 246 ) من طرق عن سعد بن عبيدة به نحوه . طريق
ثالثة : قال الحميدي في " مسنده " ( 316 / 723 ) : حدثنا سفيان قال : حدثنا أبو
إسحاق الهمداني قال : سمعت البراء بن عازب يقول : كان رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقول عند مضجعه , أو أمر أن يقال عند المضجع , أو أمرني أن أقول عند مضجعي
- شك فيه سفيان لا يدري أيتهن - قال : اللهم .. الحديث . قلت : و هذا إسناد
صحيح متصل بالسماع من سفيان - و هو ابن عيينة - لأبي إسحاق - و هو السبيعي -
قبل اختلاطه , مصرحا بسماعه من البراء , فأمنا بذلك تدليسه و اختلاطه , لكن فيه
شك سفيان في متن الحديث هل هو من فعله صلى الله عليه وسلم كان يقوله عند مضجعه
, أو أمر غيره به , و بكل من الأمرين جاءت به الروايات عن أبي إسحاق من رواية
سفيان و غيره عنه , و عن غيره , و إليك البيان : أولا : عن سفيان بن عيينة عنه
. أخرجه الترمذي ( 3391 ) و الروياني في " مسنده " ( ق 84 / 2 - 85 / 1 ) و
الطبراني في " الدعاء " ( 2 / 903 / 241 ) من طرق عنه بلفظ الأمر , الأول بلفظ
: " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ألا أعلمك كلمات تقولها إذا أويت إلى
فراشك .. " و قال : " حسن صحيح غريب " . و الآخر بلفظ : " سمعت رسول الله صلى
الله عليه وسلم يأمر رجلا إذا أخذ مضجعه من الليل أن يقول .. " فذكره . و رواه
النسائي ( 778 ) من طريق قتيبة بن سعيد عنه بلفظ الفعل : " كان إذا أوى .. " .
ثانيا : سفيان الثوري عنه بلفظ : " إذا أويت .. " . أخرجه النسائي ( 457 / 770
) و أحمد ( 4 / 301 ) من طريق علي بن حفص : أخبرنا الثوري به . ثالثا : شعبة
عنه أنه سمع البراء بن عازب يقول : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا به .
أخرجه البخاري ( 11 / 113 / 6313 ) و مسلم و النسائي ( 775 ) و الطيالسي ( 97 /
708 ) و أحمد ( 4 / 300 ) و الروياني ( ق 84 / 2 ) و الطبراني ( 2 / 902 / 241
) من طرق عنه به . و خالف أبو الوليد الطيالسي فقال عن شعبة ... بلفظ الفعل : "
كان إذا أخذ مضجعه قال : .. " فذكره . أخرجه البيهقي في " الشعب " ( 4 / 173 /
4706 ) و قال : " أخرجاه في " الصحيح " من حديث شعبة " . كذا قال ! و قد عرفت
أنهما إنما أخرجاه من أمره صلى الله عليه وسلم , و ليس من فعله , فكأنه يرى أن
أمره صلى الله عليه وسلم به يستلزم فعله إياه , لقاعدة *( أتأمرون الناس بالبر
و تنسون أنفسكم )* إلا لدليل , و هنا مع أنه لا دليل , فاختلاف الروايات عن
البراء ما بين أمر و فعل يدل على ثبوت الأمرين عنه صلى الله عليه وسلم , و قد
جمع بينهما العلاء بن المسيب في حديث الترجمة , فإنه بعد أن ساقه من فعله صلى
الله عليه وسلم ختمه بقوله صلى الله عليه وسلم : " من قالهن ثم مات .. " الحديث
, و هذا مذكور في أكثر روايات الأمر . و كذلك وقع الجمع في رواية خلف بن خليفة
المتقدمة على ما فيه من ضعف , لكن يقويه رواية العلاء و ما نحن في صدد ذكره من
الطرق , و إلى هذا مال الحافظ في " الفتح " ( 11 / 110 ) . ثم استدركت فقلت :
لعل رواية أبي الوليد عند البيهقي غير محفوظة , أو أن أحد الرواة اختصره فروى
الفعل دون الأمر , فقد قال الدارمي في " سننه " ( 2 / 290 ) : أخبرنا أبو
الوليد : حدثنا شعبة ... أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ
مضجعه أن يقول : فذكره . و قد استوعب الطبراني في " الدعاء " طرقه عن أبي إسحاق
استيعابا واسعا لم أره لغيره , و منها طريق أبي الوليد هذه , و لكنه لم يذكر
معها إلا لفظا واحدا و هو لفظ الأمر , و كذلك هو في " المعجم الصغير " بإحدى
تلك الطرق ( رقم 145 - الروض ) و أخرى في " المعجم الأوسط " ( 1 / 159 / 2975 )
لكن قد أخرجه ابن حبان ( 5502 و 5517 ) بإسناد واحد عن شيخه أبي خليفة الفضل بن
الحباب قال : حدثنا أبو الوليد بالمتنين قوله و فعله , مفرقا في موضعين , فهذا
يؤيد ما ذهبنا إليه من الجمع . و الله الموفق . رابعا : أبو الأحوص : حدثنا أبو
إسحاق الهمداني به بلفظ الأمر : " يا فلان إذا أويت .. " الحديث . أخرجه
البخاري ( 13 / 462 / 7488 ) و مسلم , و ابن أبي شيبة ( 9 / 75 / 6583 و 10 /
246 / 9344 ) و الطبراني ( 2 / 903 / 241 ) . خامسا : معمر عن أبي إسحاق به من
أمره صلى الله عليه وسلم . أخرجه عبد الرزاق في " المصنف " ( 11 / 34 / 19829 )
و الطبراني ( 2 / 902 و 903 ) من طريقين عنه . سادسا و سابعا : عبد الله بن
المختار و حبيب بن الشهيد عن أبي إسحاق به بلفظ : " كان إذا أوى إلى فراشه قال
: " فذكره . أخرجه النسائي ( 774 ) : أخبرنا الحسن بن أحمد بن حبيب قال : حدثنا
إبراهيم - و هو ابن الحجاج - قال : حدثنا حماد عن عبد الله بن المختار و حبيب
بن الشهيد به . قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات معروفون غير الحسن بن
أحمد هذا شيخ النسائي , و قد قال فيه : " لا بأس به " . قلت : لكن قد خالفه في
متنه إبراهيم بن هاشم البغوي , فقال : حدثنا إبراهيم بن الحجاج السامي به .. أن
النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلا إذا أخذ مضجعه .. الحديث . أخرجه الطبراني
في " الدعاء " ( 2 / 902 / 241 ) و في " الأوسط " ( 1 / 159 / 2975 ) و قال فيه
: " لم يروه عن عبد الله بن المختار و حبيب إلا حماد " . قلت : و البغوي هذا
قال الدارقطني : " ثقة " , فالجمع بين روايتهما أن كلتيهما صحيح ثابت , روى
أحدهما هذا , و الآخر هذا كما يشعر بذلك حديث الترجمة و غيره كما تقدم , و يؤيد
ذلك ما يأتي . و لحماد - و هو ابن سلمة - إسناد آخر , إن صح عنه , يرويه محمد
بن السكن الأيلي قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل قال : حدثنا حماد بن سلمة قال :
حدثنا ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن البراء بن عازب قال : " كان
النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال : " فذكره . أخرجه الطبراني في
" الأوسط " ( 1 / 68 / 2 / 1258 و 2 / 72 / 6188 ) من طريق شيخين له قالا :
حدثنا محمد بن السكن الأيلي به . و قال : " تفرد به مؤمل بن إسماعيل " . قلت :
و هو صدوق سيىء الحفظ , كما في " التقريب " . و محمد بن السكن الأيلي لا أدري
إذا كان هو الذي في " الميزان " : " محمد بن السكن عن عبد الله بن بكير . لا
يعرف , و خبره منكر , قال البخاري : في إسناد حديثه نظر .. " . لكن الذي في "
تاريخ البخاري " ( 1 / 1 / 111 ) : " محمد بن سكين .. " . و كذا في " الجرح " ,
و " الثقات " ( 9 / 67 ) . و روي الحديث عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي
رضي الله عنه قال : فذكره من فعله صلى الله عليه وسلم . أخرجه الطبراني ( 2 /
901 / 239 ) من طريق علي بن عابس عنه . و علي بن عابس ضعيف . و قد خالفه
إسرائيل فرواه عن أبي إسحاق به عن علي موقوفا عليه . و هو أصح . أخرجه النسائي
( 454 / 708 ) . و رجاله ثقات . و بالجملة , فالحديث صحيح من فعله صلى الله
عليه وسلم و أمره , و هو على الاستحباب كما ذكر الحافظ في " الفتح " . هذا , و
قد امتحن بحديث الترجمة بعض المتعلقين بهذا العلم الشريف , و المتاجرين به , من
الناشرين المدعين للعلم , و الكاتبين , و لا أقول المؤلفين فيه , يجمعهم في ذلك
أنهم جميعا أنكروا رواية البخاري من فعله صلى الله عليه وسلم , بعضهم صراحة , و
بعضهم ضمنا . الأول : محمد فؤاد عبد الباقي , فإنه قال تحت حديث العلاء بن
المسيب في " الأدب المفرد " ( ص 312 / 1211 ) : " البخاري في : 4 - كتاب الوضوء
, 75 - باب فضل من بات على وضوء . مسلم في : 48 - كتاب الذكر و الدعاء و التوبة
.. ح 56 و 57 و 58 " . و هذا خطأ من ناحيتين : الأولى : أن البخاري إنما روى
الحديث في المكان الذي أشار إليه من " الوضوء " من طريق منصور التي هي من أمره
صلى الله عليه وسلم , و ليس من فعله كما تقدم بيانه , فكان حقه - لو كان يعلم -
أن يعزوه لكتاب " الدعوات " , فإن الحديث فيه كما تقدم مشارا إليه برقمه . و
الأخرى : أن مسلما لم يرو الحديث مطلقا من فعله صلى الله عليه وسلم لا من طريق
العلاء بن المسيب , و لا من غيره , كما تبين لك من هذا التخريج . و الثاني :
الشيخ الجيلاني في شرحه على " الأدب المفرد " ( 2 / 619 ) , فقد بالغ في الوهم
أنه قرن مع مسلم أبا داود و الترمذي ! و أضاف إلى البخاري كتاب التوحيد أيضا .
يشير بذلك إلى رواية أبي الأحوص التي هي من أمره صلى الله عليه وسلم كما تقدم
في ( رابعا ) , و إنما يقع هذا الشيخ الفاضل في مثل هذا الخطأ في التخريج لعدم
ممارسته هذا العلم , و انتباهه للفرق بين القول و الفعل , مع أن هذا ضروري جدا
من الناحية الفقهية كما لا يخفى على العلماء , و قد وقع له و للمذكور الأول مثل
هذا الخطأ في تخريجهما لأحاديث " الأدب المفرد " الشيء الكثير , كما ستراه
منبها عليه في كتابي الجديد " صحيح الأدب المفرد " الذي أرجو أن أنتهي منه
قريبا بإذن الله تبارك و تعالى . ثم انتهيت منه , و طبع و صدر هو و قسيمه "
ضعيف الأدب المفرد " , و الحمد لله على توفيقه . الثالث : جماعة من العلماء
بإشراف زهير شاويش ! كذا قال في الوجه الأول من طبعته الأولى بالترتيب الجديد !
لكتاب " رياض الصالحين " الذي كنت حققته من قبل , و طبعه سنة ( 1979 - 1399 )
الطبعة الأولى , ثم أعادها ثانية سنة ( 1404 ) , و الثالثة سنة ( 1406 ) . ثم
قام بطبعه هذه السنة ( 1412 ) بالترتيب الجديد , و قدم لها بمقدمة ملؤها الكذب
و الزور و قلب الحقائق بما لا مجال لبيان ذلك الآن , فحسب القراء دليلا على ذلك
زعمه أنه " تحقيق جماعة من العلماء " , فانظروا الآن في المثال الآتي : لقد
علقت " جماعة العلماء " على هذا الحديث , و قد قال النووي في تخريجه إياه ( رقم
817 - الطبعة الأولى بتحقيقي ) و ( رقم 818 - تحقيق جماعة من العلماء ) , قال
النووي : " رواه البخاري بهذا اللفظ في كتاب الأدب من صحيحه " . علقت عليه
الجماعة بقولها ( ص 337 ) : " تقدم هذا الحديث برقم ( 81 ) و سيأتي برقم ( 1470
) و رواه الإمام البخاري في الوضوء و الدعوات و التوحيد . بزيادة عما هنا , و
لم أجده في كتاب الأدب . و انظر " فتح الباري " ( 1 / 357 و 11 / 109 , 113 ,
115 , 13 / 462 ) . و لعل المؤلف وهم إذ إن الحديث في كتاب الأدب المفرد
للبخاري " . فتأمل أيها القارىء الكريم في هذا التخريج , هل هو أولا من عمل "
جماعة من العلماء " أم الجهلة , أم هو عمل فرد واحد لا يدري ما ينطق به لسانه ,
و ما يجري به قلمه , ألا و هو الذي أعلن أن التحقيق المذكور هو بإشرافه , بدليل
قوله : " و لم أجده .. " ?! هذا أولا . و ثانيا : هل كان عزوه تحقيق الطبعة
الجديدة لـ " جماعة من العلماء " من باب تغيير شكل من أجل الأكل الذي تمثل جليا
في حشره نفسه و غيره معي في تحقيق كتاب " التنكيل " كما شرحت ذلك في مقدمة
طبعته الجديدة ? أم هو الإعجاب و الغرور بالتحقيق المزعوم هنا فعزاه لنفسه هنا
دونهم ? ( أحلاهما مر ) . و سواء كان هذا أو ذاك , فهذا التخريج وحده أكبر دليل
على أن كاتبه ليس طالب علم , فضلا عن أنه ليس عالما , فكيف " جماعة من العلماء
" ?! و ذلك للوجوه الآتية : أولا : أن الحديث في " صحيح البخاري " كما علمت ,
فإنكار وجوده فيه مع توفر الفهارس الميسرة للاطلاع عليه يؤكد ما ذكرت . ثانيا :
أن الأرقام التي عزاها لـ " فتح الباري " هي ليست من كده و بحثه و تنقيبه , و
إنما هي من سرقاته الكثيرة التي فشت في كتاباته و تعليقاته , فهو استفادها من
الطبعة السلفية التي استقصى أطراف أحاديثها محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله ,
فقد أشار في الموضع الأول لحديث البراء ( 1 / 357 ) إلى أرقام أطرافه , فجاء
هذا المتشبع بما لم يعط ! فحول أرقامها إلى أرقام الصفحات و المجلدات !! تبجحا
و تدليسا على القراء , و إيهاما أن ذلك من تتبعه للحديث الذي لم يجده . ثالثا :
يا لله ! ما أجمل ما قيل : و مهما تكن عند امرىء من خليقة و إن خالها تخفى على
الناس تعلم . كما روي في الحديث الضعيف : " ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله
رداءها , إن خيرا فخير , و إن شرا فشر " , فما أجمله من حديث لو صح <1> . لقد
كشف الله عن سرقة هذا المدعي و عن جهله و عجبه و غروره , بأن ألهمه أن يحول
أرقام أطراف الأحاديث إلى أرقام صفحاتها تدليسا و تمويها - كما سبق - و فيها
صفحة ( 115 ) من المجلد ( 11 ) , و الحديث الذي نفى وجوده فيها ! و بالرقم الذي
رقمه محمد فؤاد ( 6315 ) ! فحوله هو إلى رقم الصفحة كما رأيت , ليعمي عنه , و
قد جمعت أنا بين ذكر المجلد و الصفحة و رقم الحديث في أول هذا التخريج . و له
من مثل هذا النوع من الخلط و العدوان على العلم الشيء الكثير في تعليقاته التي
يعتدي بها علي و على كتبي , و قد سبق له مثال تحت الحديث ( 2840 ) فراجعه . و
الرابع و الأخير إن شاء الله من الممتحنين في هذا الحديث , ألا و هو المدعو
حسان عبد المنان , فقد قام هذا الرجل في هذه السنة بطبع " رياض الصالحين " طبعة
جديدة مسخها مسخا و تصرف فيه تصرفا سيئا بحيث صار نسبة الكتاب إلى الإمام
النووي كذبا و زورا مكشوفا لأسباب كثيرة قد ذكرت شيئا منها في موضع آخر <2> ,
منها أنه حذف منه نحو أربعمائة حديث كما حذف كلام النووي عليه شرحا , أو تحسينا
و تصحيحا . و هذا الحديث من تلك الأحاديث التي حذفها تحت بابه رقم ( 127 - باب
آداب النوم .. ) , و قد ذكر النووي فيه حديث الترجمة هذا , و حديثه من رواية
منصور المتقدم , فاحتفظ بطرفه الأول من هذا مشيرا إلى أنه يأتي بتمامه , و حذف
الأول دون أن يشير إلى ذلك , و السبب واضح لأنه فيما بدا لي من صنيعه في هذا
الكتاب أنه لا معرفة عنده بما في الأصول من الأحاديث , و إنما هو يستفيد من
الكتب الجامعة للأحاديث , و من بعض الكتب التي تعني بتخريج الأحاديث و الكلام
عليها , فإذا وجد فائدة أو نقدا تبناه و ذكره دون أن ينسبه إلى صاحبه , فيظهر
لي أنه ما حذفه إلا و قد شك على الأقل في وجوده في " صحيح البخاري " , و لم
يساعده الوقت للبحث عنه مستعينا بالفهارس , و ليس بالعلم الذي في صدره - إن كان
فيه - , و إلا لم يكن لحذفه معنى معقول لو كان واجدا له , لأن فيه فائدة لا
توجد في رواية منصور و هي مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على النوم على شقه
الأيمن , و الدعاء فيه , و النووي رحمه الله ما أوردها إلا لذلك .
-----------------------------------------------------------
[1] انظر تخريجه في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم ( 237 ) .
[2] انظر الهامش الآتي ( ص 920 ) . و راجع ما جاء تحت الحديث ( 2914 ) . اهـ .
2890 " من صلى صلاة الصبح فهو في ذمة الله , فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء فإنه من
يطلبه من ذمته بشيء يدركه , ثم يكبه على وجهه في نار جهنم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 918 :
أخرجه مسلم ( 2 / 125 ) و أبو عوانة ( 2 / 11 - 12 ) و البيهقي في " السنن " (
1 / 464 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 2 / 179 / 1683 و 1684 ) و كذا
الروياني في " مسنده " ( 164 / 2 ) من طريق خالد الحذاء عن أنس بن سيرين قال :
سمعت # جندبا القسري # يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و
تابعه الحسن عن جندب به مختصرا دون قوله : " فإنه من يطلبه .. " إلخ . أخرجه
مسلم و أبو عوانة و الترمذي ( 222 ) و ابن حبان ( 3 / 120 / 1740 ) و أحمد ( 4
/ 312 / 313 ) و الروياني أيضا ( 165 / 2 ) و أبو يعلى ( 3 / 95 / 1526 ) و
الطبراني أيضا ( 2 / 169 / 1654 - 1661 ) و في " الأوسط " ( 1 / 135 / 2 / 2611
) و البيهقي أيضا من طرق عنه , و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " . قلت : هو
كذلك لو أن الحسن - و هو البصري - صرح بالتحديث , فإنه معروف بالتدليس , بل قال
أبو حاتم : " لم يصح له السماع منه " . لكن أشار الحافظ المزي في " تهذيبه "
إلى رد ذلك بتصريحه بسماعه منه في إسناد صحيح ذكره , و هو يشير بذلك إلى حديث
رواه الشيخان , و سيأتي تخريجه برقم ( 3013 ) , فالعلة إذن عنعنته في حديث
الترجمة عند كل من ذكرنا ممن خرجه . و لعله من أجل ذلك أخرجه مسلم عقب حديث أنس
بن سيرين , كأنه ذكره استشهادا به . و الله أعلم . و قد زاد بعضهم في متنه من
روايته عن الحسن : " فانظر يا ابن آدم ! لا يطلبنك .. " . و هي عند أبي عوانة و
ابن حبان و البيهقي و أحمد و الطبراني دون مسلم , و لعله - رحمه الله - تعمد أن
لا يذكرها إشارة منه إلى ما ذكرته آنفا من العلة , مع عدم ورودها في الطريق
الأولى الصحيحة , فهي شاذة إن لم نقل منكرة , فقد جاء الحديث عن جمع من الصحابة
دون هذه الزيادة , منهم : أبو هريرة عند الترمذي ( 2165 ) و الدارمي ( 1 / 332
) . و سمرة بن جندب عند ابن ماجه ( 3946 ) و أحمد ( 5 / 10 ) . و أبو بكر
الصديق عند ابن ماجه ( 3945 ) . و عبد الله بن عمر , في " المسند " ( 2 / 111 )
و البزار ( 2 / 120 / 3342 ) عن نافع , و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 197 / 2
/ 3608 ) عن سالم كلاهما عنه . و أنس بن مالك , عند البزار أيضا ( 3343 ) و أبي
يعلى ( 7 / 141 / 4107 و 151 / 4120 ) و الطبراني أيضا ( 1 / 158 / 2 / 2962 )
و ابن عدي ( 2 / 276 ) . ( تنبيه على أمور ) : أولا : أورد النووي الحديث في "
رياض الصالحين " ( 1055 ) من رواية مسلم دون قوله : " فإنه من يطلبه .. " إلخ ,
و بالزيادة المنكرة التي في رواية الحسن البصري عند غير مسلم ! و في ظني أنه
نقلها من سنن " البيهقي " لأنه عزاها لمسلم أيضا ! ثانيا : لم يتنبه لهذا الذي
ذكرته حسان عبد المنان في طبعته الجديدة لـ " الرياض " , التي لم يعد من الجائز
نسبتها إلى مؤلفه الإمام النووي لمسخه إياه مسخا غير معالمه بالحذف و التقديم و
التأخير بما يطول ذكره , و قد بينت شيئا من ذلك في غير ما موضع <1> , و المقصود
هنا أن الرجل ادعى من العلم في تحقيقه لهذا الكتاب ما يدل واقعه على أنه ليس
كما يدعي , إنما هو ناقل لا تحقيق عنده و هذا هو المثال أمامك , فإنه على رغم
أنه رجع إلى الحديث في " مسلم " , و وضع بجانبه رقمه فيه ( 632 ) , فإنه لم
ينبه على الاختلاف الذي بينه و بين نصه في " مسلم " , كأنه لا يعنيه من تعقيبه
أحاديث " رياضه " بأرقامها في " البخاري " و " مسلم " إلا إيهام القراء أنه
راجع ألفاظها , و قابلها بأحاديث " الرياض " , و هو لم يصنع من ذلك شيئا (
كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد ) ! ثالثا : و أما صاحب ( المكتب الإسلامي ) ,
فإنه أيضا أعاد طبع " الرياض " في هذه السنة ( 1412 ) , و هي نفسها التي صدرت
فيها طبعة المذكور قبله , و لا أدري أيهما غار من الآخر فطبع طبعته منافسا له !
و الشاهد أن الصاحب المشار إليه علق على الحديث بقوله : " سكت الشيخ ناصر عن
هذا الحديث , و ليس في روايات مسلم 1 / 454 : " فانظر يا ابن آدم " , و في
روايات مسلم زيادة مفادها : فيدركه فيكبه في نار جهنم " . قلت : و فيه ملاحظات
عديدة : الأولى : السكوت الذي نسبه إلي - و قد كرره مرارا ! فيه غمز خبيث ما
أظنه إلا منه , و ليس من " جماعة العلماء " الذين ادعى في مقدمة طبعته الجديدة
أنها من تحقيقهم , فهل يقع العلماء في مثل هذا الغمز الذي لا فائدة منه إلا
التشفي , و بغير حق ! لأنه يريد أن يشعر القراء بإخلالي في تحقيقي السابق
للكتاب : " الرياض " الذي لم يكن هو قد أراد له كل جوانب التحقيق , و إنما على
ما تيسر , فضلا عن أنه لم يكن فيه التزام مقابلة أحاديثه بأصولها , و لا الصاحب
المذكور يرضى بذلك , و لو فعل لأفلس , لأن تأليف الكتاب من جديد أيسر من ذلك
التحقيق . و على الباغي تدور الدوائر , و يؤكد ذلك ما يلي : الثانية : لقد
انتبه لتلك الزيادة أنها ليست في مسلم , و لكنه لم يعزها لمصدر , و لا بين
ضعفها , مع أنه زعم في مقدمة طبعته الجديدة أنها من " تحقيق جماعة من العلماء "
! الثالثة : قوله : " مفادها .. " تعبير غير علمي لأنه يساوي قوله : " معناها "
, فالصواب أن يقال : نصها . كما هو ظاهر لا يخفى إلا على جاهل غبي . الرابعة :
هذا النص هو في رواية لمسلم مختصرة جدا , فكان عليه أو على " جماعة العلماء " -
إن كان صادقا - أن يذكروا رواية مسلم الأخرى التي اعتمدتها في حديث الترجمة ,
لأنها أتم كما ترى . الخامسة : كان عليه أو عليهم ! أن ينبهوا أن هناك في متن
حديث " الرياض " مخالفة أخرى لما في " مسلم " , ففيه : " فلا يطالبنكم " , و في
" الرياض " : " لا يطالبنك " ! لقد ذكرني هذا الغماز اللماز بالمثل العامي : من
كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة ! رابعا : عزا المنذري الحديث في "
الترغيب " ( 1 / 141 ) لأبي داود أيضا , و هو وهم . فاقتضى التنبيه .
-----------------------------------------------------------
[1] انظر مثلا ( ص 945 - 947 ) من " الصحيحة " المجلد الأول / الطبعة الجديدة .
و ( ص 717 - 724 ) من المجلد الثاني / الطبعة الجديدة , و تقدم شيء منه قريبا (
917 ) . اهـ .
2891 " أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر ! فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال و إلا
رجعت عليه ( و في رواية : " على الآخر " ) " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 922 :
أخرجه مسلم ( 1 / 57 ) و أبو عوانة ( 1 / 23 ) و ابن حبان ( 1 / 234 / 250 ) و
أحمد ( 2 / 44 )من طرق عن عبد الله بن دينار أنه سمع # ابن عمر # يقول : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم :فذكره . و أخرجه البخاري ( 6104 ) و أبو عوانة
, و ابن حبان ( 249 ) و الترمذي ( 7 / 293 / 2639 ) ,و أحمد ( 2 / 18 و 47 و
60 و 112 و 113 ) من طرق أخرى عن ابن دينار به دون قوله : " إن كان .. " إلخ ,
و كذا هو في " موطأ مالك " ( 3 / 148 ) و من طريقه أخرجه البخاري و غيره . و
كذلك رواه في " الأدب المفرد " ( 439 ) من طرق عن مالك . و قال الترمذي : "
حديث حسن صحيح " . و خالف الطرق المشار إليها عن مالك أحد الضعفاء , فقال
البخاري في " الأدب المفرد " ( 440 ) : حدثنا سعيد بن داود , قال : حدثنا مالك
أن نافعا حدثه أن عبد الله بن عمر أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
فذكره بمعنى حديث الترجمة . و سعيد هذا هو الزنبري , قال الحافظ في " التقريب "
: " صدوق له مناكير عن مالك , و يقال : اختلط عليه بعض حديثه , و كذبه عبد الله
ابن نافع في دعواه أنه سمع من لفظ مالك " . قلت : و هذا من مناكيره , فإنه خالف
الجماعة في شيخ مالك , فجعله نافعا , و إنما هو عبد الله بن دينار . لكن له أصل
من حديث نافع عن ابن عمر مختصرا دون الزيادة . أخرجه مسلم ( 1 / 56 ) و أبو
عوانة ( 1 / 21 - 22 ) . و له شاهد من حديث أبي ذر مرفوعا بلفظ : " لا يرمي رجل
رجلا بالفسق , و لا يرميه بالكفر , إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك " .
أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 6045 ) و " الأدب المفرد " ( 432 ) و مسلم بنحوه
, و أبو عوانة ( 1 / 23 ) و أحمد ( 5 / 181 ) و البزار ( 4 / 431 / 2034 ) و
قال : " لا نعلمه بهذا اللفظ عن أحد من الصحابة إلا بهذا الإسناد " . ( تنبيه )
: وهم في حديث " الأدب المفرد " من طريق سعيد بن داود الزنبري رجلان : أحدهما :
الشيخ الجيلاني شارح " الأدب " , فقال في تخريجه ( 1 / 529 ) : " أخرجه المصنف
في " صحيح الأدب " و أحمد " . و هذا خطأ , لأن البخاري إنما رواه في " صحيحه "
مختصرا كما تقدم . و كان الأولى به أن يعزوه لمسلم لأنه عنده أتم بنحوه . و
الآخر : محمد فؤاد عبد الباقي , فإنه لم يخرجه , و إنما قال : " هو معنى الحديث
السابق " . يعني حديث صحيح البخاري المختصر الذي آخره : " فقد باء به أحدهما "
. و كان حقه أن يعزوه لمسلم لما تقدم آنفا .
2892 " أرأيت هذا الليل الذي قد كان ألبس عليك كل شيء أين جعل ? فقال : الله أعلم .
قال : فإن الله يفعل ما يشاء " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 924 :
أخرجه إسحاق بن راهويه في " مسند أبي هريرة " ( 1 / 399 / 437 ) : أخبرنا
المخزومي : أخبرنا عبد الواحد بن زياد أخبرنا عبد الله بن عبد الله الأصم
أخبرنا يزيد بن الأصم عن # أبي هريرة # قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال : يا محمد ! أرأيت *( جنة عرضها السماوات و الأرض )* فأين النار
? قال : فذكره . و أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1 / 158 / 103 ) من طريق ابن
راهويه و فيه بعض الأحرف قد حرفت فتصحح من هنا . و توبع إسحاق , فقال البزار في
" مسنده " ( 3 / 43 / 2196 ) : حدثنا محمد بن معمر حدثنا مغيرة بن سلمة أبو
هشام حدثنا عبد الواحد بن زياد به . إلا أنه قال : " قال : حيث شاء الله , قال
: فكذلك النار حيث شاء الله " . و توبع البزار , فقال الحاكم ( 1 / 36 ) :
أخبرني محمد بن عبد الله الجوهري - و اللفظ له - : حدثنا محمد بن إسحاق : أنبأ
محمد بن معمر بن ربعي القيسي : حدثنا أبو هشام المغيرة بن سلمة المخزومي به ,
إلا أنه قال : " قال : كذلك الله يفعل ما يشاء " . و قد توبع المخزومي , فأخرجه
الحاكم أيضا من طريق أبي النعمان محمد بن الفضل : حدثنا عبد الواحد بن زياد به
. و قال : " حديث صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي . و أقول : إنما هو
على شرط مسلم فقط , لأن عبد الله بن عبد الله الأصم لم يرو عنه البخاري , و هو
ثقة كما قال ابن معين و غيره , و هو أخو عبيد الله بن عبد الله الأصم , و
كلاهما ذكرهما ابن حبان في " الثقات " ( 7 / 36 و 142 ) , أكبرهما عبد الله , و
كلاهما يروي عن عمهما يزيد بن الأصم , و عن كل منهما عبد الواحد بن زياد كما في
" الجرح و التعديل " و غيره , فكأنه لذلك اختلف الرواة أو المخرجون في راوي هذا
الحديث هل هو عبد الله المكبر , أم عبيد الله المصغر ? فوقع في " مسند إسحاق "
و " مستدرك الحاكم " مكبرا , و وقع في " الإحسان " و في " مسند البزار " مصغرا
, و كذا وقع في " صحيح مسلم " ( 2 / 59 ) و قد ساق له حديثا آخر فيما يقطع
الصلاة , ساقه عن شيخه إسحاق بن راهويه بإسناده المذكور أعلاه , لكنه قال : "
عبيد الله .. " , و من الغريب أن الحافظ ذكر القطع هذا في ترجمة عبد الله
المكبر , و هو تابع في ذلك لأصله " تهذيب المزي " فإنه ساقه في ترجمته ( 15 /
164 - 165 ) بإسناده المذكور أعلاه ! و عزاه لمسلم ! و قد رأيته في " مسند
السراج " ( ق 43 / 1 ) بإسناده هذا لكن وقع فيه : " عبيد الله " مصغرا ! و هي
نسخة جيدة , و كذلك هو في " مسنده " المطبوع ( 1 / 328 / 314 ) و لكني أعتقد
أنه خطأ من الناسخ لأن صورته في الأصل المخطوط هكذا : " عبد " هكذا بسن واحد
للباء الموحدة بين العين و الدال , و بجانب نقطة الباء ظهرت وسخة في المصورة
نقطة أخرى عن يسار الأولى , و دونها و أكبر منها قليلا توهمها المحقق نقطتين !
و لو كان صوابا لجعل لها ناسخ الأصل سنا أيضا هكذا " عبيد " , و يؤيد الوهم أن
في " مسند ابن راهويه " قبل هذا و بعده حديثين آخرين بسندين آخرين عن عبد الله
هذا عن عمه يزيد بن الأصم به . لكن أحدهما - و هو في أمر الأعمى أن يحضر صلاة
الجماعة إذا سمع النداء - لكن الحديث في " صحيح مسلم " ( 2 / 124 ) من طريق
إسحاق و غيره , و فيه : " عبيد الله " مصغرا ! و كذلك وقع في " أبي عوانة " ( 2
/ 7 ) من طريق أخرى عن شيخ إسحاق مروان بن معاوية الفزاري عنه و بالجملة , فهذا
اختلاف شديد في الراوي لهذه الأحاديث و منها حديث الترجمة عن يزيد بن الأصم ,
حتى إنه ليلقى في البال لعله شخص واحد , اختلف الرواة في اسمه , فمنهم من يكبره
, و منهم من يصغره , و سواء كان هذا أو ذاك , فالمهم أنه ثقة من رجال مسلم , و
قد صححه من سبق ذكرهم , و لاسيما و له شواهد كثيرة و هي و إن كانت جلها موقوفة
, أخرجه ابن جرير في " تفسيره " ( 4 / 60 ) من حديث عمر بن الخطاب , و ابن عباس
, بسندين صحيحين عنهما - فإنها تدل على أن هذا الجواب منه صلى الله عليه وسلم
كان معروفا لديهم , على أنه قد روي مرفوعا في حديث التنوخي رسول هرقل إلى رسول
الله صلى الله عليه وسلم , و فيه قوله صلى الله عليه وسلم : " سبحان الله أين
الليل إذا جاء النهار ? " . أخرجه أحمد ( 4 / 441 - 442 ) و ابن جرير بسند ضعيف
, و قد تكلم عليه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تعليقه على " تفسير ابن جرير "
( 7 / 209 - 210 ) و أطال النفس و أجاد , جزاه الله خيرا . و إن من فقه الحديث
ما ترجم له ابن حبان بقوله : " ذكر الخبر الدال على إجابة العالم السائل
بالأجوبة على سبيل التشبيه و المقايسة دون الفصل في القصة " .
2893 " اركع ركعتين و لا تعودن لمثل هذا . يعني : التأخير في المجيء إلى الجمعة " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 927 :
أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 4 / 92 / 2495 ) و الدارقطني في " سننه " ( 2 /
16 / 11 ) من طريق ابن إسحاق : حدثني أبان بن صالح عن مجاهد عن # جابر بن عبد
الله # قال : دخل سليك الغطفاني المسجد يوم الجمعة و رسول الله صلى الله عليه
وسلم يخطب الناس , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره , قال :
فركعهما ثم جلس . قلت : و هذا إسناد حسن لأن ابن إسحاق قد صرح بالتحديث , فأمنا
بذلك شر تدليسه , و سائر رجاله ثقات , و لعله لذلك أشار الحافظ لتقوية الحديث
بقوله في " الفتح " ( 2 / 408 ) : " أخرجه ابن حبان " , و سكت عليه . و قال ابن
حبان عقبه . " قوله : " لا تعودن لمثل هذا " , أراد الإبطاء في المجيء إلى
الجمعة لا الركعتين اللتين أمر بهما , و الدليل على صحة هذا خبر ابن عجلان الذي
تقدم ذكرنا له أنه أمره في الجمعة الثانية أن يركع ركعتين مثلهما " . قلت :
حديث ابن عجلان الذي أشار إليه ابن حبان , أخرجه ابن حبان قبيل هذا , و إسناده
حسن أيضا , و هو مخرج في " صحيح أبي داود " ( 1470 ) .
2894 " لا وصال في الصيام " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 928 :
أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 1765 ) : حدثنا اليمان أبو حذيفة عن
أبي عيسى عن # جابر # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . قلت : و
هذا إسناد ضعيف , اليمان هذا ضعيف اتفاقا . و أبو عيسى لم أعرفه . و رواه حرام
بن عثمان عن عبد الرحمن و محمد ابني جابر عن أبيهما به . أخرجه عبد الرزاق في "
المصنف " ( 4 / 269 / 7758 ) و البيهقي في " السنن " ( 7 / 319 ) من طريقين عنه
. لكن حرام هذا متروك , حتى قال الشافعي فيه : " الرواية عن حرام حرام " ! و
أخرجه الطيالسي أيضا ( 1764 ) : حدثنا خارجة بن مصعب عن حرام بن عثمان عن أبي
عتيق عن جابر به . و أبو عتيق هو عبد الرحمن بن جابر المتقدم في رواية عبد
الرزاق . و خارجة بن مصعب متروك أيضا . لكن للحديث شاهد خير مما تقدم , فقال
أحمد في " المسند " ( 3 / 62 ) : حدثنا عبد الله بن الوليد حدثنا سفيان عن سلمة
بن كهيل عن قزعة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن الوليد
هذا , و هو العدني , و هو مختلف فيه , و قد قال أحمد فيه : " حديثه صحيح " . و
قال الذهبي في " المغني " : " صدوق " . و كذا قال الحافظ , و زاد : " ربما أخطأ
" . قلت : و قد توبع , فقد أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 5 / 236 / 3570 ) من
طريق أخرى عن أحمد قال : حدثنا مؤمل بن إسماعيل و عبد الله بن الوليد عن سفيان
به . و مؤمل هذا قريب حاله من حال العدني , قال الحافظ : " صدوق سيىء الحفظ " .
فهو متابع قوي , و الحديث صحيح , فقد جاء من طريق أخرى عن أبي سعيد مرفوعا بلفظ
: " لا تواصلوا .. " الحديث . رواه البخاري و غيره , و هو مخرج في " صحيح أبي
داود " ( 2044 ) . و الحديث لم يعزه السيوطي في " الجامع الصغير " إلا للطيالسي
, و أما في " الجامع الكبير " فزاد عليه : " عم , سمويه , حب " . و لعل " عم "
محرف من " حم " , فإن عبد الله بن الوليد هو من شيوخ أحمد . ثم إنني أتعجب من
الهيثمي كيف فات عليه هذا الحديث فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على
شرطه , و كذلك لم يورده في " موارد الظمآن " ! و لعل ملحظه في ذلك أنه بمعنى
رواية البخاري المتقدمة , فهو على ذلك ليس على شرطه . و الله سبحانه و تعالى
أعلم . ثم إن للحديث طريقا ثالثة عن جابر , و شاهدا آخر من حديث علي رضي الله
عنهما , أخرجهما ابن الجوزي في " الواهيات " ( 2 / 152 - 153 ) و بين عللهما ,
و فيما تقدم غنية عنهما , فمن شاء رجع إليه . و له شاهد ثالث فيه زيادة منكرة ,
فلابد من ذكره و بيان علته يرويه جعفر بن سعد ابن سمرة : حدثني خبيب بن سليمان
عن أبيه سليمان بن سمرة عن سمرة قال : " نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
نواصل في شهر الصوم و كرهه , و ليس بعزمة " . أخرجه البزار ( 1 / 482 / 1024 )
و الطبراني في " الكبير " ( 7 / 300 / 7011 و 7012 ) و قال الهيثمي ( 3 / 158 )
: " و إسناده ضعيف " . قلت : و هذا إسناد مظلم , مسلسل بالعلل : 1 - جعفر بن
سعد بن سمرة , قال الحافظ في " التقريب " : " ليس بالقوي " . 2 - خبيب بن
سليمان , مجهول . 3 - أبوه سليمان بن سمرة , مقبول . قلت : و على هذا فالزيادة
منكرة .
2895 " من أحبهما فقد أحبني و من أبغضهما فقد أبغضني . يعني الحسن و الحسين رضي الله
عنهما " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 931 :
أخرجه أحمد في " المسند " ( 2 / 440 ) و في " الفضائل " ( 2 / 777 / 1376 ) و
من طريقه الحاكم ( 3 / 166 ) و البزار ( 3 / 227 / 2627 ) عن جعفر بن إياس عن
عبد الرحمن بن مسعود عن # أبي هريرة # قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه
وسلم و معه حسن و حسين , هذا على عاتقه , و هذا على عاتقه , و هو يلثم هذا مرة
, و يلثم هذا مرة , حتى انتهى إلينا , فقال له رجل : يا رسول الله ! إنك تحبهما
. فقال : فذكره . و قال البزار : " لا نعلم روى عبد الرحمن بن مسعود عن أبي
هريرة إلا هذا " . قلت : بلى له عنه حديث آخر تقدم برقم ( 360 ) , لكن وقع هناك
" عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود " نقلا عن " موارد الظمآن " , و بعد طبع
أصله " صحيح ابن حبان " , و طبع كتاب شيخه فيه " مسند أبي يعلى " تبين أن زيادة
" عبد الله " بين " عبد الرحمن " و " مسعود " خطأ من الناسخ أو الطابع فليصحح .
و قال الحاكم عقب حديث الترجمة : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . و هذا
منهما ذهاب إلى أن عبد الرحمن بن مسعود هذا ثقة , و قد وثقه ابن حبان ( 5 / 106
) و لم يذكر له راويا غير جعفر هذا , و كذلك فعل ابن أبي حاتم , لكن لما ترجمه
الحافظ في " التعجيل " قال : " و عنه جعفر بن إياس و غيره " . و خفي هذا على
المعلق على " الإحسان " ( 10 / 447 - طبع المؤسسة ) , فقال : " و لم يرو عنه
غير جعفر بن إياس " ! و لم يقله قبله غيره ! مع أنه قال عقبه : " مترجم عند ابن
أبي حاتم ( 5 / 285 ) , و " التعجيل " ( ص 258 ) " , و فيه تدليس لا يخفى على
اللبيب , أما بالنسبة لـ " التعجيل " فظاهر لأنه نفى ما أثبته , و أما بالنسبة
لـ " الجرح " فلأنه لم ينف نفيه , و إنما ذكر أنه روى عنه جعفر ! و شتان ما
بينهما !! على أنه لم يتفرد بهذا الحديث , فقد أخرجه الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 3 / 40 - 42 ) و ابن عساكر في " التاريخ " ( 4 / 501 - 503 ) من طرق
عن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكر حديث
الترجمة . و بعض هذه الطرق عند أحمد ( 2 / 288 ) و عبد الرزاق ( 3 / 471 / 6369
) و فيه عنده قصة ذكرتها في " أحكام الجنائز " ( ص 100 - 101 ) , و صححه الحاكم
. و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .
2896 " مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الدائم الذي لا يفتر من صلاة و
لا صيام حتى يرجع " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 933 :
أخرجه مالك في " الموطأ " ( 2 / 2 ) و عنه ابن حبان في " صحيحه " ( 7 / 68 /
4602 - الإحسان ) و أحمد ( 2 / 465 ) عن أبي الزناد عن الأعرج عن # أبي هريرة #
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . و من طريق مالك أيضا أخرجه
البغوي في " شرح السنة " ( 10 / 349 - 350 ) و قال : " متفق على صحته , أخرجاه
من رواية أبي الزناد و غيره , و من طرق عن أبي هريرة " . و من طرقه : عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : ما
يعدل الجهاد في سبيل الله عز وجل ? قال : " لا تستطيعونه " . قال : فأعادوا
عليه مرتين أو ثلاثا , كل ذلك يقول : " لا تستطيعونه " . و قال في الثالثة :
فذكره . أخرجه مسلم ( 6 / 35 ) و أبو بكر بن أبي شيبة ( 5 / 287 ) و من طريقه
ابن حبان ( 4608 ) و الترمذي ( 1619 ) و صححه , و أحمد أيضا ( 2 / 424 ) و كذا
البغوي ( رقم 2612 ) و قال : " حديث متفق على صحته , أخرجاه من أوجه عن أبي
هريرة " . ثم رواه أحمد ( 2 / 459 ) من طريق شعبة عن سهيل به دون السؤال و
الجواب . و رواه النسائي ( 2 / 57 ) من طريق أخرى عن أبي صالح مختصرا , و كذلك
رواه ابن أبي شيبة ( 5 / 333 ) . و منها : عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عنه
مرفوعا مثل حديث مالك , و زاد : " .. بما رجع من غنيمة [ أو أجر ] , أو يتوفاه
الله فيدخله الجنة " . أخرجه ابن حبان ( 4603 ) و أحمد ( 2 / 438 ) و إسناده
حسن . و منها : عن الزهري : أخبرني سعيد بن المسيب أن أبا هريرة قال : .. فذكره
نحوه , و فيه الزيادة بتمامها . أخرجه البخاري ( 2787 ) و النسائي ( 2 / 56 ) .
( تنبيهان ) : الأول : حديث مالك رواه ابن حبان عن شيخه عمر بن سعيد بن سنان
بسنده عن مالك به . و حديث محمد بن عمرو رواه عن شيخه محمد بن أحمد بن عون
بسنده عنه . فاختلط الأمر على الهيثمي في " موارد الظمآن " ( رقم 1584 ) أو على
الناسخ - فجعل متن حديث هذا الشيخ الثاني لشيخه الأول , و لم يسق متن هذا الشيخ
لأنه في متن الآخر كما هو ظاهر لك من هذا التخريج . و من الغريب أن هذا الخطأ
وقع فيه المنذري أيضا في " الترغيب " ( 2 / 179 ) , فعزا متن هذا لذاك الشيخ
الأول !! و الآخر : أن السيوطي أورد الحديث في جامعيه : " الصغير " و " الكبير
" بلفظ كامل ملفق من لفظ مالك في شطره الأول , و من لفظ البخاري في شطره الآخر
! و عزاه للشيخين و الترمذي و النسائي ! و ليس هذا فقط , بل و قال في الشطر
الأول : " و لا صدقة " ! و هذا مما لا أصل له عند المذكورين من المخرجين , و لا
عند غيرهم ممن سبق ذكره في تخريجنا هذا , و إنما هو عندهما بلفظ : " .. صلاة و
لا صيام " . اللهم إلا ابن أبي شيبة فهو باللفظ الذي عند السيوطي ! و هو شاذ ,
لما سبق , و لأحاديث أخرى في الباب , مثل حديث أبي سعيد الخدري بلفظ : " كمثل
الصائم , القائم الذي لا يفتر حتى يرجع " . أخرجه ابن ماجه ( 2754 ) و ابن أبي
شيبة ( 5 / 319 ) من طريق عطية عنه . و حديث النعمان بن بشير مرفوعا مختصرا
بلفظ : " كمثل الصائم نهاره , و القائم ليله حتى يرجع متى رجع " . أخرجه عبد
الرزاق ( 5 / 256 / 9537 ) موقوفا , و أحمد ( 4 / 271 ) مرفوعا , و كذا البزار
( 2 / 256 / 1645 ) بسند جيد . ثم روى البزار ( 1648 ) : حدثنا محمد بن يحيى
أبو الصباح : حدثنا عاصم بن علي بسنده عن الأعرج عن أبي هند مرفوعا به مثل حديث
الترجمة , إلا أنه قال : " و لا صدقة " , مكان " حتى يرجع " . و قال : " هكذا
رواه لنا هذا الرجل , و إنما يعرف من حديث الأعرج عن أبي هريرة " . قلت : و
الرجل المشار إليه هو شيخه أبو الصباح , و لم أعرفه .
2897 " و أنا أشهد , و أشهد : أن لا يشهد بها أحد إلا برئ من الشرك . يعني
الشهادتين " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 936 :
أخرجه النسائي في " عمل اليوم و الليلة " ( 155 / 39 ) و الطبراني في " الأوسط
" ( 2 / 266 / 2 / 9059 ) من طريق أصبغ بن الفرج قال : أخبرني ابن وهب عن عمرو
بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال أن يحيى بن عبد الرحمن حدثه عن عون بن عبد الله
عن يوسف بن # عبد الله بن سلام # عن أبيه قال : بينما نحن نسير مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم سمع رجلا في الوادي يقول : أشهد أن لا إله إلا الله , و أن
محمدا رسول الله , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره , و اللفظ
للنسائي , و زاد الطبراني في أوله : " .. إذ سمع القوم و هم يقولون : أي
الأعمال أفضل يا رسول الله ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إيمان بالله
و رسوله , و جهاد في سبيل الله , و حج مبرور , ثم سمع .. " الحديث . و قال
الطبراني : " لا يروى عن عبد الله بن سلام إلا بهذا الإسناد , تفرد به عمرو بن
الحارث " . قلت : و هو ثقة , و كذلك من فوقه , غير يحيى بن عبد الرحمن , و هو
الثقفي , ذكره ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 166 ) بهذه الرواية , و كذا ابن حبان في
" الثقات " ( 5 / 524 و 527 ) و لهذا قال الذهبي في " الميزان " مشيرا إلى
جهالته : " تفرد عنه سعيد بن أبي هلال " . و الحديث أخرجه سعيد بن منصور في "
سننه " ( 3 / 2 / 141 / 2338 ) قال : أخبرنا عبد الله ابن وهب به إسنادا و متنا
مع زيادة الطبراني . و كذا أخرجه أحمد و ابنه عبد الله ( 5 / 451 ) : حدثنا
هارون بن معروف حدثنا ابن وهب به . و كذلك أخرجه الضياء المقدسي في " المختارة
" ( 58 / 8 / 1 ) من طرق قالوا : أخبرنا ابن وهب به . و خالفهم جميعا في إسناده
حرملة بن يحيى فقال : حدثنا ابن وهب به , إلا أنه قال : " يحيى بن عبد الله بن
سالم " مكان " يحيى بن عبد الرحمن " . أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 7 / 58 /
4576 ) : أخبرنا عبد الله بن محمد بن سلم : حدثنا حرملة بن يحيى به . و ابن
سالم هذا ثقة . و أنا أظن أن هذا وهم من حرملة , فإنه و إن كان ثقة و من شيوخ
مسلم , فقد تكلم فيه بعضهم كما ترى في " التهذيب " , و لذا قال الذهبي في "
الكاشف " : " صدوق يغرب " . و أما ابن سلم - و هو الحمصي - فهو ثقة إمام محدث ,
و وثقه ابن حبان , كما ذكر الذهبي في " سير النبلاء " ( 14 / 306 ) . و قد جهل
هذا التحقيق أو تجاهله المعلق على " الإحسان " ( 10 / 456 / 4596 ) - و أظنه
غير الشيخ شعيب من الذين يعملون تحت يده - فقال : " إسناده قوي على شرط مسلم
غير يوسف بن عبد الله بن سلام , فقد روى عنه أصحاب السنن , و هو صحابي صغير " .
ثم خرجه من رواية سعيد و أحمد , و لم يعرج على المخالفة التي وقعت من حرملة
لروايتهما , كما أنه لم يعزه للنسائي و عبد الله بن أحمد و الطبراني ! و
بالجملة , فهذا الإسناد ضعيف لجهالة يحيى بن عبد الرحمن الثقفي , إلا أن حديثه
بشطريه ثابت صحيح بشواهده . أما حديث الترجمة , فيشهد له حديث عائشة رضي الله
عنها : " كان إذا سمع المؤذن قال : و أنا , و أنا " . أخرجه أبو داود و غيره ,
و هو مخرج في " صحيح أبي داود " رقم ( 538 ) , و رواه ابن حبان , و هو مما سقط
من كتاب الهيثمي " الموارد " ! و يشهد لجملة البراءة من الشرك حديث رجل من
أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ :
*( قل يا أيها الكافرون )* , قال : " أما هذا فقد برىء من الشرك " . و سمع آخر
يقرأ : *( قل هو الله أحد )* , فقال : " أما هذا فقد غفر له " . أخرجه أحمد ( 4
/ 65 و 5 / 376 و 378 ) من طريقين عن مهاجر الصائغ عنه . فهو إسناد صحيح . و
لهذا شاهد من حديث نوفل أبي فروة بلفظ : " اقرأ *( قل يا أيها الكافرون )* , ثم
نم على خاتمتها , فإنها براءة من الشرك " . صححه ابن حبان ( 786 و 787 و 5500 و
5520 و [ .. ] ص 429 ج 7 ) , و الحاكم و الذهبي , و هو في " التعليق الرغيب " (
1 / 209 ) . و أما الزيادة التي فيها السؤال عن أفضل الأعمال , فلها شواهد في "
الصحيحين " و غيرهما من حديث أبي هريرة و أبي ذر , و هذا أخرجه ابن حبان ( 4577
) . فراجع " الترغيب " ( 2 / 172 - 173 ) إن شئت .
2898 " من أطرق فرسه مسلما كان له كأجر سبعين فرسا حمل عليه في سبيل الله فإن لم
تعقب كان له كأجر فرس يحمل عليها في سبيل الله " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 939 :
أخرجه ابن حبان ( 1637 - الموارد ) و أحمد ( 4 / 231 ) و أبو إسحاق الحربي في "
غريب الحديث " ( 5 / 9 / 1 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 22 / 341 / 853
) من طرق عن محمد بن حرب عن الزبيدي عن راشد بن سعد عن أبي عامر الهوزني عن #
أبي كبشة الأنماري # أنه أتى رجلا فقال : أطرقني من فرسك فإني سمعت رسول الله
صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره . قلت : و هذا إسناد شامي صحيح , رجاله كلهم
ثقات من رجال " التهذيب " , و أبو كبشة الأنماري صحابي معروف نزل الشام , اختلف
في اسمه , و جزم الترمذي بأن اسمه عمر بن سعد . و أبو عامر الهوزني اسمه عبد
الله بن لحي . و الزبيدي اسمه محمد بن الوليد . و للحديث شاهد موقوف يرويه
طيسلة بن علي عن ابن عمر قال : ما تعاطى الناس بينهم شيئا قط أفضل من الطرق ,
يطرق الرجل فرسه فيجري له أجره , و يطرق الرجل فحله فيجري له أجره , و يطرق
الرجل كبشه فيجري له أجره . أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 12 / 264 /
13061 ) من طريق زياد بن مخراق عنه . قلت : و إسناده جيد , رجاله كلهم ثقات , و
لولا أن في ( عارم ) , و اسمه محمد بن الفضل السدوسي - شيخ شيخ الطبراني علي بن
عبد العزيز البغوي - كلاما في حفظه لجزمت بصحته , قال الحافظ فيه : " ثقة ثبت ,
تغير في آخر عمره " . و أما قوله في ( طيسلة ) : " مقبول " . فإنه غير مقبول
منه , بل هو ثقة كما قال ابن معين فيما رواه ابن أبي حاتم عنه ( 2 / 1 / 501 )
و هو مما ذكره ابن شاهين في " ثقاته " عن يحيى , يعني ابن معين , و حكاه المزي
في " تهذيبه " ( 13 / 467 ) عنه . و مع ذلك كله لم يذكره الحافظ في " تهذيب
التهذيب " , كأنه صرفه عنه اشتغاله بالرد على المزي في تفريقه بين طيسلة بن علي
الهذلي هذا , و عنه جمع من الثقات ليس فيهم زياد بن مخراق , و بين طيسلة بن
مياس السلمي , و يقال : الهذلي . روى عنه زياد المذكور , و كذا يحيى ابن أبي
كثير , و هو من الرواة عن الأول . فاستدل الحافظ بهذا و بغيره على أن الصواب
أنهما واحد , و نقله عن غير واحد من الحفاظ , و أيد ذلك بأثر أخرجه البخاري في
" الأدب المفرد " ( رقم 8 ) من طريق زياد بن مخراق المتقدم قال : حدثني طيسلة
بن مياس عن ابن عمر . و تابعه أيوب بن عتبة قال : حدثني طيسلة بن علي قال :
أتيت ابن عمر .. فذكره . لكنه صرح برفع الكبائر التسع إلى النبي صلى الله عليه
وسلم . أخرجه البغوي في " مسند ابن الجعد " ( 2 / 1150 / 3426 ) و الخرائطي في
" مساوىء الأخلاق " ( 118 / 247 ) و الخطيب في " الكفاية " ( ص 105 ) و البيهقي
في " السنن " ( 3 / 409 ) من طرقه عنه . فأقول : أيوب بن عتبة و إن كان ضعيفا ,
فإن المقصود إنما هو الاستشهاد بروايته عن طيسلة بن علي أن هذا هو طيسلة بن
مياس الذي روى عنه زياد بن مخراق هذا الحديث نفسه , إلا أنه أوقفه , و هو أصح ,
فدل ذلك على أن طيسلة بن علي هو نفسه طيسلة بن مياس , و لاسيما و قد ذكر
البرديجي في " الأفراد " : " طيسلة بن مياس , و مياس لقب , و اسمه علي " . و
لذلك قال الحافظ في " التقريب " عقب ترجمة ( طيسلة بن علي ) في ترجمة ابن مياس
هذا : " هو الذي قبله , فرقهما المزي فوهم , و قد بينت ذلك في الأصل " . فأقول
: نعم , و لكن هذا التحقيق و التوحيد يباينه قولك فيه : " مقبول " , ما دام أنه
روى عنه جمع من الثقات : يحيى بن أبي كثير , و عكرمة بن عمار , و أبو معشر
البراء , و زياد بن مخراق . زد على ذلك توثيق ابن معين الذي فاته , و ابن حبان
( 4 / 398 و 399 ) , و قد ذكره هو , و أشار شيخه الهيثمي إلى اعتماده , فقال
عقب الشاهد المتقدم ( 5 / 266 ) : " رواه الطبراني , و رجاله ثقات " .
2899 " كان يخمر وجهه و هو محرم " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 941 :
أخرجه الدارقطني في " العلل " ( 3 / 13 ) قال : حدثنا أبو بكر الشافعي قال :
حدثنا موسى بن الحسن قال : حدثنا القعنبي : حدثنا ابن أبي ذئب عن الزهري عن
أبان بن عثمان عن # عثمان بن عفان # : فذكره . و قال : " هكذا كان في كتاب أبي
بكر مرفوعا , و الصواب موقوف " ! كذا قال ! ثم ساق عقبه بسنده الصحيح عن عبد
الله بن عامر بن ربيعة أنه رأى عثمان بن عفان بـ ( العرج ) مخمرا وجهه بقطيفة
أرجوان في يوم صائف و هو محرم . و أقول : لا تعارض بين المرفوع , و هذا الموقوف
, و لاسيما و إسنادهما مختلف , و الأول صحيح أيضا رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين
غير شيخ أبي بكر الشافعي موسى بن الحسن , و لم يعرفه المعلق على كتاب " العلل "
, و هو محدث ثقة يعرف بـ ( الجلاجلي ) لحسن صوته , وثقه محمد بن أبي الفوارس ,
و تبعه الخطيب , و روى عن الدارقطني أنه قال : " لا بأس به " . و هو مترجم في "
تاريخ بغداد " ( 13 / 49 ) و " تاريخ دمشق " ( 17 / 264 - 265 ) و " سير
النبلاء " ( 13 / 378 ) . فالإسناد على شرط الضياء في " الأحاديث المختارة " ,
و لم يخرجه ! و هو أقوى بكثير من بعض أحاديثه , فالظاهر أنه لم يقع له مرويا
بسنده إلى الشافعي أو الدارقطني . و إذا عرفت صحة إسناده , فلا تعارض بينه و
بين الموقوف على عثمان كما هو ظاهر , إذ لا شيء يمنع من القول بجواز أن عثمان
فعل ما يمكن أن يكون صلى الله عليه وسلم فعله . هذا خير من نسبة الخطأ إلى
الثقة لمجرد فعل عثمان بما رواه عن النبي عليه الصلاة و السلام . ألا ترى معي
أنه لا فرق بين تصويب الدارقطني رحمه الله للموقوف على المرفوع , و بين من لو
عكس عليه الأمر , فصوب المرفوع على الموقوف . فالحق أن كلا منهما صحيح , فلا
يعارض أحدهما بالآخر . و قد جاءت آثار كثيرة عن الصحابة و التابعين و الأئمة
المجتهدين بجواز تغطية المحرم لوجهه للحاجة , و بها استدل ابن حزم في " المحلى
" ( 7 / 91 - 93 ) مؤيدا بها الأصل , و خرج بعضها للبيهقي ( 5 / 54 ) . و لا
يخالف ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيمن مات محرما : " اغسلوه بماء و سدر , و
كفنوه في ثوبيه , و لا تخمروا وجهه و رأسه " . رواه مسلم و غيره , و هو مخرج في
" الإرواء " ( 4 / 198 - 199 ) . فإن هذا حكم خاص فيمن مات محرما , و حديث
الترجمة في الأحياء , فاختلفا . انظر لتمام البحث " المحلى " .
2900 " يا أبا بكر ! ما أنا بمستعذرك منها بعد هذا أبدا " .
قال الألباني في " السلسلة الصحيحة " 6 / 943 : أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 319 / 1314 - موارد ) و ( 6 / 191 / 4173 -
الإحسان ) من طريق ابن أبي السري : حدثنا عبد الرزاق : أنبأنا معمر عن الزهري
عن يحيى ابن سعيد بن العاص عن # عائشة # : أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر
أبا بكر من عائشة , و لم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينال منها بالذي نال
منها , فرفع أبو بكر يده فلطمها , و صك في صدرها , فوجد من ذلك النبي صلى الله
عليه وسلم و قال : فذكره . قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير
ابن أبي السري , و هو حافظ صدوق إلا أن له أوهاما كثيرة , و اسمه محمد بن
المتوكل , و قد قال الذهبي في " الكاشف " : " حافظ وثق , و لينه أبو حاتم " .
قلت : فمثله يستشهد به على الأقل , و يتقوى حديثه بالمتابعة , و هذا هو الواقع
, فالحديث في " الجامع " من " مصنف عبد الرزاق " ( 11 / 431 / 20923 ) و هو من
رواية إسحاق الدبري عن عبد الرزاق , فهي متابعة قوية , و بها صح الحديث و الحمد
لله . ثم روى عبد الرزاق عن معمر : و أخبرني رجل من عبد القيس أن النبي صلى
الله عليه وسلم دعا أبا بكر فاستعذره من عائشة , فبينا هما عنده قالت : إنك
لتقول : إنك لنبي ! فقام إليها أبو بكر , فضرب خدها , فقال النبي صلى الله عليه
وسلم : " مه يا أبا بكر ! ما لهذا دعوناك " . و هذا إسناد معضل , و الرجل
القيسي مجهول لا يعرف " . و في " طبقات ابن سعد " ( 8 / 80 - 81 ) بإسناد واه
عن الزهري عن ابن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : ..
فذكر حديث الترجمة بنحوه . و الحديث صححه المعلق على طبعة المؤسسة لـ " الإحسان
" ( 9 / 491 / 4185 ) مع أنه ضعفه بابن أبي السري , لكنه قال : " و قد توبع " .
لكنه لم يذكر المتابع ! قوله : ( بمستعذرك ) يعني : كن عذيري منها إن أدبتها ,
أي قم
بعذري في ذلك . نهاية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق