ج2 =المسح علي الجوربين{من صفحة رقم -75
اليصفحة رقم -99-
صفحة رقم -75- والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين المسح على الجوربين لم يروه بقيد ولا شرط مما يدل على أن تقييده لم يكن معروفا في عصورهم التي هي خير القرون . و( ثالثا ) الجورب بين بنفسه في اللغة والعرف كما نقلنا معناه عن أئمة اللغة والفقه ولم يشرط أحد في مفهومه ومسماه نعلا ولا ثخانة . وإذا كان موضوعه في الفقه واللغة مطلقا فيصدق بالجورب الرقيق والغليظ والمنعل وغيره . والله أعلم . ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في المسح على الجوربين . قال رحمه الله في فتاويه : يجوز المسح على الجوربين إذا كان يمشي فيهما سواء كانت مجلدة أو لم تكن في أصح قولي العلماء . ففي السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على جوربيه ونعليه وهذا الحديث إذا لم يثبت فالقياس يقتضي ذلك فإن الفرق بين الجوربين والنعلين إنما هو كون هذا من صوف وهذا من جلود . ومعلوم أن مثل هذا الفرق غير مؤثر في الشريعة فلا فرق بين أن يكون جلودا أو قطنا أو كتانا أو صوفا كما لم يفرق بين سواد اللباس في الإحرام وبياضه وغايته أن الجلد أبقى من الصوف فهذا لا تأثير له كما لا تأثير لكون الجلد قويا بل يجوز المسح
صفحة رقم -76- على ما يبقى وما لا يبقى . وأيضا فمن المعلوم أن الحاجة إلى المسح على هذا كالحاجة إلى المسح على هذا سواء ومع التساوي في الحكمة والحاجة يكون التفريق بينهما تفريقا بين المتماثلين وهذا خلاف العدل والاعتبار الصحيح الذي جاء به الكتاب والسنة وما أنزل الله به من كتبه وأرسل به رسله . ومن فرق بكون هذا ينفد الماء منه وهذا لا ينفذ منه فقد ذكر فرقا طرديا عديم التأثير ولو قال قائل يصل الماء إلى الصوف أكثر من الجلد فيكون المسح عليه أولى للصوق الطهور به أكثر كان هذا الوصف أولى بالاعتبار من ذلك الوصف وأقرب إلى الأوصاف المؤثرة وذلك أقرب إلى الأوصاف الطردية وكلاهما باطل . وخروق الطعن لا تمنع جواز المسح ولو لم تستر الجوارب إلا بالشد جاز المسح عيها وكذلك الزربول الطويل الذي لا يثبت بنفسه ولا يستر إلا بالشد اه . قال رحمه الله في فتوى أخرى : يجوز المسح على الزربول الذي يغطي الكعبين إذا ثبت بنفسه بلا شراع وإن كان لا يثبت إلا بالتزرير أو السيور يجوز المسح عليه أيضا فإنه يستر محل الفرض بنفسه وهكذا الجورب الذي لا يثبت إلا بالخيوط ولو ثبت بشيء منفصل عنه .
صفحة رقم -77- كالجورب الذي لا يثبت إلا بالنعل فإنه يجوز المسح عليه سواء كان من لبد أو صوف أو قطن أو كتان أو جلود . ولا حاجة إلى اعتبار شروط لا أصل لها في الشرع ويعود على مقصود الرخصة بالإبطال ) اه . وقال نور الله ضريحه أيضا في فتوى أخرى : يجوز المسح على اللفائف ( 1 ) وهو أن يلف على الرجل لفائف من البرد أو خوف الحفاء أو من جراح بها ونحو ذلك وهي بالمسح أولى من الخف والجورب فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة وفي نزعها ضرر إما بإصابة البرد أو التأذي بالحفاء وإما التأذي بالجرح فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى اه . وقال نفع الله الأمة بعلومه في خلال فتوى له : معلوم أن البلاد الباردة يحتاج فيها من يمسح التساخين والعصائب - وهي العمائم - ما لا يحتاج إليه في أرض الحجاز فأهل الشام والروم ونحو هذه البلاد أحق بالرخصة في هذا وهذا من أهل الحجاز . ثم قال : فإن منعوا من المسح ( 1 ) أقول : اللفائف يشملها عموم حديث ثوبان المتقدم أنه عليه السلام أمرهم بالمسح على التساخين وقد أسلفنا أن التساخين لغة كل ما يسخن به القدم فتذكر . اه جمال الدين .
صفحة رقم -78- عليها ضيقوا تضييقا يظهر خلافه للشريعة بلا حجة معهم أصلا . اه . كلامه عليه رحمة الله ورضوانه . الخاتمة لا يخفى أن الرخص المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي نعمة عظمى في كل حال وعلى أي حال وإنما يظهر تمام نعمة تشريعها في بعض الأحوال مثل رخصة المسح على الجوربين في أيام البرد وأوقات السفر وحالات المرض أو تشقق القدم أو قشف الرجلين أو تورمهما مما يعرض كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم السرية الذين شكوا إليه ما أصابهم من البرد أن يمسحوا على العصائب والتساخين كما قدمنا وقال من صحب عكرمة رضي الله عنه إلى واسط ( 1 ) : ما رأيته غسل رجليه إنما يمسح عليهما حتى خرج منها : رواه ابن جرير في تفسيره . وتقدم عن البدائع للقاساني أن أبا حنيفة رضي الله عنه رجع إلى قول أبي يوسف ومحمد في المسح على الجوربين في آخر عمره وذلك أنه مسح على جوربيه في مرضه ( 1 ) أي في سفره إليها . فتأمل ترخصه هذا في سفره . والسفر محل الرخص وأعجب من فقهه وعلمه رضي الله عنه .
صفحة رقم -79- ثم قال لعواده : ( فعلت ما كنت أنهى الناس عنه ) فاستدلوا به على رجوعه اه . ورجوع أبي حنيفة رضي الله عنه من فضله وإنصافه . وللمجتهدين من تغير الاجتهاد والرجوع إلى ما فيه قوة وسداد ما عرف عنهم أجمعين وعد من مناقبهم . ومن أكبر العبر - في هذه القصة - قصة رجوع الإمام أبي حنيفة - أن يرجع إمام ويصرح برجوعه ويأبى ألد الخصوم الرجوع للحق ولو تلي عليه من البراهين ما يلين له الحديد ويصدع الجلاميد ولا غرو فالأئمة المجتهدون لهم من اللطف والكمال ومحاسن الأخلاق والإنصاف والاعتراف بالحق ما سارت به الركبان . وليعتبر أيضا بالإمام الشافعي لما رحل من العراق إلى مصر وأعاد البحث في مذهبه القديم كيف رجع عن كثير من مسائله وعد ذلك من أسمى فضائله وسبب ذلك التقوى وإيثار الأخرى فإنها تزع المتقي عن إيثار الهوى والدنيا . وهكذا فعل الإمام أبو حنيفة في رجوعه إلى القول بالمسح على الجوربين . وقد يظن قوم أن التشدد في العزائم ومجافاة الرخص من التقوى وحاشا لله كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم فإن قوما شددوا على أنفسهم فشدد الله عليهم فتلك بقاياهم في w
صفحة رقم -80- الصوامع والديار { رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم } ( 1 ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صحيح ) ( إن الله تعالى يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ) ( 2 ) وعنه صلى الله عليه وسلم : ( ضعيف الإسناد ) ( إن الله تعالى يحب أن تقبل رخصه كما يحب العبد مغفرة ربه ) ( 3 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( ضعيف ) ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ) ( 4 ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( هلك المتنطعون ) ( 5 ) . نعم يوجد من خيار العباد ذوي الجد والاجتهاد من لا يأخذون إلا بالعزائم لا زهدا في المأثور ولا رغبة عن المرخص فيها المبرور بل تربية للنفس على الأفضل وأخذا بها إلى الأمثل والأكمل وهو ما يسميه الفقهاء بالاحتياط والخروج من الخلاف إيثارا لما يكون فيه إجماع وائتلاف وأصله ما صح في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم الليل حتى ترم قدماه فقيل له : أتتكلف هذا ( 1 ) رواه أبو داود عن أنس رضي الله عنه . جمال الدين . ( 2 ) رواه الإمام أحمد عن ابن عمر والطبراني عن ابن عباس وابن مسعود . جمال الدين قلت : وهو حديث صحيح مخرج في ( إرواء الغليل ) ( 557 ) . ( 3 ) رواه الطبراني عن أبي الدرداء وواثلة وأبي أمامة وأنس . جمال الدين قلت : وإسناده ضعيف كما هو مبين في المصدر السابق وفي ( الأحاديث الضعيفة ) أيضا ( 508 ) . ( 4 ) رواه الإمام أحمد وابن حبان والبيهقي عن ابن عمر . جمال الدين . قلت : وهو مخرج في المصدر السابق وفي ( تخريج الطحاوية ) ( 218 ) . ( 5 ) رواه الإمام مسلم عن ابن مسعود . جمال الدين .
صفحة رقم -81- وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟ فيقول : ( أفلا أكون عبدا شكورا ) ؟ . جعلنا الله من عباده الشاكرين وفقهنا في الدين وحشرنا مع الذين أنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين والحمد لله رب العالمين . قال مؤلفها ( محمد جمال الدين القاسمي ) : أعدت النظر إلى مسودتها ثم نقحتها إلى ما ترى وذلك في مجالس آخرها في ربيع الآخر عام 1332 بمنزلنا بدمشق الشام ( 1 ) والحمد لله ذي الإجلال والإكرام . ( 1 ) وكان منزله في قصر حجاج قرب جامع حسان بطريق الميدان بين باب الجابية والسويقة . ساقط من الاصل صفحات 82 و83. و84. ..
صفحة رقم -85- تمام النصح في أحكام المسح بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلما فرغت من التعليق على هذه الرسالة المباركة النافعة رأيت أن من تمام النفع بها أن أحذو حذو مؤلفها رحمه الله تعالى في تحقيق القول في مسائل يكثر الابتلاء بها والسؤال عنها ولها صلة وثقى بموضوعها ألا وهي : 1 - المسح على النعلين . 2 - المسح على الخف أو الجورب المخرق . 3 - خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء . 4 - متى تبدأ مدة المسح ؟ 5 - انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء . فاقول مستعينا بالله وحده متوكلا عليه :
صفحة رقم -86- 1 - المسح على النعلين أما المسح على النعلين فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح عليهما ولا نعلم لهم دليلا على ذلك إلا ما قاله البيهقي في ( سننه ) ( 1/288 ) : ( والأصل وجوب غسل الرجلين غلا ما خصته سنة ثابتة أو إجماع لا يختلف فيه وليس على المسح على النعلين ولا على الجوربين واحد منهما . والله أعلم ) . كذا قال ولا يخفى ما فيه - مع الأسف - من تجاهل للأحاديث المتقدمة في الرسالة في إثبات المسح على الجوربين والنعلين وأسانيد بعضها صحيحة كما سبق بيانه ولذلك تعقبه التركماني الحنفي في ( الجوهر النقي ) فقال ( 1/288 ) : ( قلت : هذا ممنوع فقد تقدم أن الترمذي صحح المسح على الجوربين والنعلين وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة وحسنه أيضا من حديث الضحاك عن أبي موسى . وصححه ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس وصحح ابن خزيمة ( 1 ) حديث ابن عمر في المسح على النعال ( 1 ) ( صحيح ابن خزيمة ) ص 100 طبع المكتب الإسلامي .
صفحة رقم -87- السبتية وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب عن الثوري ( يعني بإسناده عن ابن عباس وقد مضى ) في المسح على النعلين حديث جيد وصححه ابن القطان عن ابن عمر ) . قلت : وإذا عرفت هذا فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوت الحديث بها لأنه كما قال المؤلف فيما سبق : ( وقد صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة ) . لا سيما بعد جريان عمل الصحابة بها وفي مقدمتهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما تقدم وهو مما ذهب إليه بعض الأئمة من السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين . فقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في ( المحلى ) ( 2/103 ) . : ( مسألة : فإن كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين فالمسح جائز عليهما وهو قول الأوزاعي روي عنه أنه قال : يمسح المحرم على الخفين المقطوعين تحت الكعبين . . . وقال غيره : لا يمسح عليهما إلا أن يكونا فوق الكعبين ) .
صفحة رقم -88- 2 - المسح على الخف أو الجورب المخرق وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق فقد اختلفوا فيه اختلافا كثيرا فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم تراه في مبسوطات الكتب الفقهية و( الملحى ) وذهب غيرهم إلى الجواز وهو الذي نختاره . وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حدا فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم : ( صحيح ) ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ) متفق عليه . وأيضا فقد صح عن الثوري أنه قال : ( امسح عليهما ما تعلقت به رجلك وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة مشققة مرقعة ؟ ) . أخرجه عبد الرزاق في ( المصنف ) ( 753 ) ومن طريقه البيهقي ( 1/283 ) . وقال ابن حزم ( 2/100 ) : ( فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولا أو عرضا فظهر منه شيء من القدم أقل القدم أو أكثرها أو كلاهما فكل ذلك سواء والمسح
صفحة رقم -89- على كل ذلك جائز ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء وهو قول سفيان الثوري وداود وأبي ثور وإسحاق بن راهويه ويزيد بن هارون ) . ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض ثم رد عليها وبين أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله : ( لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء . بهذا جاءت السنة { وما كان ربك نسيا } ( 1 ) وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين ومسح على الجوربين - أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقا فاحشا أو غير فاحش وغير المخرق والأحمر والأسود والأبيض والجديد والبالي فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحى به ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان حاشا له من ذلك ( 1 ) مريم /64 .
صفحة رقم -90- فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا ) . وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في ( اختياراته ) ( ص 13 ) : ( ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين حكاه ابن تميم وغيره وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقيا والمشي فيه ممكنا وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء ) . قلت : ونسبه الرافعي في ( شرح الوجيز ) ( 2/370 ) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة فوجب أن يمسح . ولقد أصاب رحمه الله .
صفحة رقم -91- 3 - خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء اختلف العلماء أيضا فيمن خلع الخف ونحوه بعد أن توضأ ومسح عليه على ثلاثة أقوال : الأول : أن وضوءه صحيح ولا شيء عليه . الثاني : أن عليه غسل رجليه فقط . الثالث : أن عليه إعادة الوضوء . وبكل من هذه الأقوال قد قال به طائفة من السلف وقد أخرج الآثار عنهم بذلك عبد الرزاق في ( المصنف ) ( 1/210/809 - 813 ) وابن أبي شيبة ( 1/187 - 188 ) والبيهقي ( 1/289 - 290 ) . ولا شك أن القول الأول هو الأرجح لأنه المناسب لكون المسح رخصة وتيسيرا من الله والقول بغيره ينافي ذلك كما قال الرافعي في المسألة التي قبلها كما تقدم ويترجح على القولين الآخرين بمرجح آخر بل مرجحين : الأول : أنه موافق لعمل الخليفة الراشد علي بن أبي
صفحة رقم -92- طالب فقد قدمنا بالسند الصحيح عنه رضي الله عنه أنه أحدث ثم توضأ ومسح على نعليه ثم خلعهما ثم صلى . والآخر : موافقته للنظر الصحيح فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية فقال في ( اختياراته ) ( ص 15 ) : ( ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما ولا بانقضاء المدة ولا يجب عليه مسح رأسه ولا غسل قدميه وهو مذهب الحسن البصري . كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور ) . وهو مذهب ابن حزم أيضا فراجع كلامه في ذلك ومناقشته لمن خالف . فإنه نفيس . ( المحلى ) ( 2/105 - 109 ) : وأما ما رواه ابن أبي شيبة ( 1/187 ) والبيهقي ( 1/289 ) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدوا له أن ينزع خفيه قال : يغسل قدميه . ففيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني قال الحافظ : صدوق يخطئ كثيرا وكان يدلس . وروى البيهقي عن أبي بكرة نحوه .
صفحة رقم -93- ورجاله ثقات غير علي بن محمد القرشي فلم أعرفه . ثم روى عن المغيرة بن شعبة مرفوعا : ( المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليها للمسافر ويوما وليلة للمقيم ما لم يخلع ) . وقال : ( تفرد به عمر بن رديح وليس بالقوي ) . قلت : هذه الزيادة ( ما لم يخلع ) منكرة لتفرد هذا الضعيف وعدم وجود الشاهد لها .
صفحة رقم -94- 4 - متى تبدأ مدة المسح ؟ للعلماء في هذه المسألة قولان معروفان : الأول : أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس . والآخر : من المسح بعد الحدث . وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم ولا نعلم لهم دليلا يستح الذكر إلا مجرد الرأي ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي ولا علمت لهم سلفا من الصحابة بخلاف القول الثاني فإمامهم الأحاديث الصحيحة وفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه . أما السنة فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح وفي بعضها رخص في المسح وفي غيرها : جعل المسح للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ومن الواضح جدا أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح وهو كالنص أيضا على رد القول الأول لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع
صفحة رقم -95- أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر فليس له المسح بعدها فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوما وليلة ؟ أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا : فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة أيام إن كان مسافرا انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسا على طهارة ( 1 ) . فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة . بناء على هذا الرأي المخالف للسنة ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه - وهو الحريص على أن لا يخالفه ما وجد إلى ذلك سبيلا - لقوة الدليل فقال رحمه الله تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به ( 1/487 ) : ( وقال الأوزاعي وأبو ثور : ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود وهو المختار الراجح دليلا واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتدائها من اللبس واحتج القائلون من حين المسح بقوله صلى الله عليه وسلم : ( يمسح المسافر ثلاثة أيام ) ( 1 ) ذكره النووي في المجموع ( 1/486 ) .
صفحة رقم -96- وهي أحاديث صحاح كما سبق وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح ولأن الشافعي رضي الله عنه قال : إذا أحدث في الحضر ومسح في مسافر فعلق الحكم بالمسح . واحتج أصحابنا برواية رواها الحافظ القاسم بن زكريا المطرزي في حديث صفوان : ( من الحدث إلى الحدث ) وهي زيادة غريبة ليست ثابتة وبالقياس . . . ) . قلت : إن القياس المشار إليه لو كان مسلما بصحته في نفسه فشرط قبوله والاحتجاج به إنما هو إذا لم يخالف السنة أما وهو مخالف لها كما رأيت فلا يجوز الالتفات إليه ولذلك قيل : إذا ورد الأثر بطل النظر . وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل . فيكف وهو مخالف أيضا لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب وعهدي بالمقلدين أن يدعوا الأخذ بالسنة الصحيحة حين تخالف قوله رضي الله عنه كما فعلوا في الطلاق الثلاث فكيف لا يأخذون به حين وافق السنة ؟ فقد روى عبد الرزاق في ( المصنف ) ( 1/209/807 ) عن أبي عثمان النهدي قال : ( صحيح الإسناد ) ( حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين فقال عمر : يمسح عليهما مثل ساعته من يومه وليلته ) . قلت : وإسناده صحيح على شرط الشيخين وهو
صفحة رقم -97- صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة وهو ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح فيما علمنا مما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في ( المصنف ) وعلى سبيل المثال أذكر ما رواه ابن أبي شيبة ( 1/180 ) عن عمرو بن الحارث قال : ( خرجت مع عبد الله إلى المدائن فمسح على الخفين ثلاثا لا ينزعهما ) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين . فقد اتفقت الآثار السلفية مع السنة المحمدية على ما ذكرنا فتمسك بها تكن بإذن الله مهديا .
صفحة رقم -98- 5 - انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء ؟ للعلماء في ذلك أقوال أشهرها قولان في مذهب الشافعي : الأول : يجب استئناف الوضوء . الثاني : يكفيه غسل القدمين . والثالث : لاشيء عليه بل طهارته صحيحة يصلي بها ما لم يحدث . قال النووي رحمه الله . قلت : وهذا القول الثالث أقواها وهو الذي اختاره النووي خلافا لمذهبه أيضا فقال رحمه الله ( 1/527 ) : ( وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب واختاره ابن المنذر وهو المختار الأقوى وحكاه أصحابنا عن داود ) . قلت : وحكاه الشعراني في ( الميزان ) ( 1/150 ) عن الإمام مالك وحكى النووي عنه غيره فليحقق . وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تراه في كلامه السابق في المسألة الثالثة ( ص 92 ) تبعا لابن حزم وذكر هذا في القائلين به إبراهيم النخعي وابن أبي ليلى ثم قال ( ص 2/94 ) :
صفحة رقم -99- ( وهذا هو القول الذي لا يجوز غيره لأنه ليس في شيء من الأخبار أن الطهارة تنتقض عن أعضاء الوضوء ولا عن بعضها بانقضاء وقت المسح وإنما نهى عليه السلام عن أن يمسح أحد أكثر من ثلاث للمسافر أو يوم وليلة للمقيم . فمن قال غير هذا فقد أقحم في الخبر ما ليس فيه وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل فمن فعل ذلك واهما فلا شيء عليه ومن فعل ذلك عامدا بعد قيام الحجة عليه فقد أتى كبيرة من الكبائر والطهارة لا ينقضها إلا الحدث وهذا قد صحت طهارته ولم يحدث فهو طاهر والطاهر يصلي ما لم يحدث أو ما لم يأت نص جلي في أن طهارته انتقضت وإن لم يحدث . وهذا الذي انقضى وقت مسحه لم يحدث ولا جاء نص في أن طهارته انتقضت لا عن بعض أعضائه ولا عن جميعها فهو طاهر يصلي حتى يحدث فيخلع خفيه حينئذ وما على قدميه ويتوضأ ثم يستأنف المسح توقيتا آخر وهكذا أبدا . وبالله تعالى التوفيق ) . بيروت 8/12/1370 محمد ناصر الدين الألباني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق