حذف 12. صفحة من مدونتي

12. صفحة تحذفهم با مفتري حسبي الله ونعم الوكيل

Translate

الأحد، 3 مارس 2024

ج1.لا يذهب الليل و النهار حتى تعبد اللات و العزى , فقالت عائشة : يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله *( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون )* أن ذلك تاما , قال : إنه سيكون من ذلك ما شاء الله " . الحديث .

 


السلسلة الصحيحة الأحاديث من 1 إلى 100*

1 " لا يذهب الليل و النهار حتى تعبد اللات و العزى , فقالت عائشة :

يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله *( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين

الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون )* أن ذلك تاما , قال : إنه سيكون

من ذلك ما شاء الله " . الحديث .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 6 :

المستقبل للإسلام :

------------------

قال الله عز وجل : *( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين

كله و لو كره المشركون )* .

تبشرنا هذه الآية الكريمة بأن المستقبل للإسلام بسيطرته و ظهوره و حكمه على

الأديان كلها , و قد يظن بعض الناس أن ذلك قد تحقق في عهده صلى الله عليه وسلم

و عهد الخلفاء الراشدين و الملوك الصالحين , و ليس كذلك , فالذي تحقق إنما هو

جزء من هذا الوعد الصادق , كما أشار إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :

" لا يذهب الليل و النهار حتى تعبد اللات و العزى , فقالت # عائشة # :

يا رسول الله إن كنت لأظن حين أنزل الله *( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين

الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون )* أن ذلك تاما , قال : إنه سيكون

من ذلك ما شاء الله " . الحديث .

رواه مسلم و غيره , و قد خرجته في " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " (

ص 122 ) .

و قد وردت أحاديث أخرى توضح مبلغ ظهور الإسلام و مدى انتشاره , بحيث لا يدع

مجالا للشك في أن المستقبل للإسلام بإذن الله و توفيقه .

و ها أنا أسوق ما تيسر من هذه الأحاديث عسى أن تكون سببا لشحذ همم العاملين

للإسلام , و حجة على اليائسين المتواكلين .

2 " إن الله زوى ( أي جمع و ضم ) لي الأرض , فرأيت مشارقها و مغاربها و إن أمتي

سيبلغ ملكها ما زوي لي منها " . الحديث .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 7 :

رواه مسلم ( 8 / 171 ) و أبو داود ( 4252 ) و الترمذي ( 2 / 27 ) و صححه .

و ابن ماجه ( رقم 2952 ) و أحمد ( 5 / 278 و 284 ) من حديث # ثوبان #

و أحمد أيضا ( 4 / 123 ) من حديث شداد بن أوس إن كان محفوظا .

و أوضح منه و أعم الحديث :

" ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار , و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر

إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل , عزا يعز الله به الإسلام

و ذلا يذل به الكفر " .

3 " ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل و النهار و لا يترك الله بيت مدر و لا وبر إلا

أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام

و ذلا يذل به الكفر " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 7 :

رواه جماعة ذكرتهم في " تحذير الساجد " ( ص 121 ) . و رواه ابن حبان في

" صحيحه " ( 1631 و 1632 ) .

و أبو عروبة في " المنتقى من الطبقات " ( 2 / 10 / 1 ) .

و مما لا شك فيه أن تحقيق هذا الانتشار يستلزم أن يعود المسلمون أقوياء

في معنوياتهم و مادياتهم و سلاحهم حتى يستطيعوا أن يتغلبوا على قوى الكفر

و الطغيان , و هذا ما يبشرنا به الحديث :

" عن أبي قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي و سئل أي المدينتين

تفتح أولا القسطنطينية أو رومية ? فدعا عبد الله بصندوق له حلق , قال :

فأخرج منه كتابا قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله

عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح

أولا أقسطنطينية أو رومية ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية " .

4 عن أبى قبيل قال : كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاصي و سئل أي المدينتين تفتح

أولا القسطنطينية أو رومية ? فدعا عبد الله بصندوق له حلق , قال : فأخرج منه

كتابا قال : فقال عبد الله : بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب

, إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا أقسطنطينية أو

رومية ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" مدينة هرقل تفتح أولا . يعني قسطنطينية " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 8 :

( عن # أبي قبيل # ) .

رواه أحمد ( 2 / 176 ) و الدارمي ( 1 / 126 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف "

( 47 / 153 / 2 ) و أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( 116 / 2 )

و الحاكم ( 3 / 422 و 4 / 508 ) و عبد الغني المقدسي في " كتاب العلم "

( 2 / 30 / 1 ) , و قال : " حديث حسن الإسناد " .

و صححه الحاكم و وافقه الذهبي و هو كما قالا .

و ( رومية ) هي روما كما في " معجم البلدان " و هي عاصمة إيطاليا اليوم .

و قد تحقق الفتح الأول على يد محمد الفاتح العثماني كما هو معروف , و ذلك بعد

أكثر من ثمانمائة سنة من إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بالفتح , و سيتحقق

الفتح الثاني بإذن الله تعالى و لابد , و لتعلمن نبأه بعد حين .

و لا شك أيضا أن تحقيق الفتح الثاني يستدعي أن تعود الخلافة الراشدة إلى الأمة

المسلمة , و هذا مما يبشرنا به صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث :

" تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها ثم

تكون خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء

أن يرفعها , ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا شاء

الله أن يرفعها , ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها

إذا شاء أن يرفعها , ثم تكون خلافة على منهاج النبوة , ثم سكت " .

5 " تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها

ثم تكون خلافة على منهاج النبوة , فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا

شاء أن يرفعها , ثم تكون ملكا عاضا فيكون ما شاء الله أن تكون , ثم يرفعها إذا

شاء الله أن يرفعها , ثم تكون ملكا جبريا فتكون ما شاء الله أن تكون , ثم

يرفعها إذا شاء أن يرفعها , ثم تكون خلافة على منهاج النبوة . ثم سكت " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 8 :

رواه أحمد ( 4 / 273 ) حدثنا سليمان بن داود الطيالسي حدثنا داود بن إبراهيم

الواسطي حدثنا حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير قال :

كنا قعودا في المسجد , و كان بشير رجلا يكف حديثه , فجاء أبو ثعلبة الخشني

فقال :

يا بشير بن سعد أتحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأمراء ?

فقال # حذيفة # : أنا أحفظ خطبته , فجلس أبو ثعلبة , فقال حذيفة : فذكره

مرفوعا .

قال حبيب : فلما قام عمر بن عبد العزيز و كان يزيد بن النعمان بن بشير في

صحابته فكتبت إليه بهذا الحديث أذكره إياه , فقلت له : إني أرجو أن يكون

أمير المؤمنين - يعني عمر - بعد الملك العاض و الجبرية , فأدخل كتابي على

عمر بن عبد العزيز فسر به و أعجبه .

و من طريق أحمد رواه الحافظ العراقي في " محجة القرب إلى محبة العرب "

( 17 / 2 ) و قال : " هذا حديث صحيح , و إبراهيم بن داود الواسطي وثقه أبو

داود الطيالسي و ابن حبان , و باقي رجاله محتج بهم في الصحيح " .

يعني " صحيح مسلم " , لكن حبيبا هذا قال البخاري : فيه نظر .

و قال ابن عدي : ليس في متون أحاديثه حديث منكر , بل قد اضطرب في أسانيد ما

يروي عنه , إلا أن أبا حاتم و أبا داود و ابن حبان وثقوه , فحديثه حسن على

أقل الأحوال إن شاء الله تعالى , و قد قال فيه الحافظ : " لا بأس به " .

و الحديث في " مسند الطيالسي " ( رقم 438 ) : حدثنا داود الواسطي - و كان

ثقة - قال : سمعت حبيب بن سالم به , لكن وقع في متنه سقط فيستدرك من " مسند

أحمد " .

و قال الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 189 ) :

" رواه أحمد و البزار أتم منه و الطبراني ببعضه في ( الأوسط ) , و رجاله

ثقات " .

و من البعيد عندي حمل الحديث على عمر بن عبد العزيز , لأن خلافته كانت

قريبة العهد بالخلافة الراشدة و لم تكن بعد ملكين : ملك عاض و ملك جبرية , و

الله أعلم .

هذا و إن من المبشرات بعودة القوة إلى المسلمين و استثمارهم الأرض استثمارا

يساعدهم على تحقيق الغرض , و تنبىء عن أن لهم مستقبلا باهرا حتى من الناحية

الاقتصادية و الزراعية قوله صلى الله عليه وسلم :

" لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا و أنهارا " .

6 " لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا و أنهارا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 10 :

رواه مسلم ( 3 / 84 ) و أحمد ( 2 / 703 و 417 ) و الحاكم ( 4 / 477 ) من

حديث # أبي هريرة # .

و قد بدأت تباشير هذا الحديث تتحقق في بعض الجهات من جزيرة العرب بما أفاض

الله عليها من خيرات و بركات و آلات ناضحات تستنبط الماء الغزير من بطن أرض

الصحراء و هناك فكرة بجر نهر الفرات إلى الجزيرة كنا قرأناها في بعض الجرائد

المحلية فلعلها تخرج إلى حيز الوجود , و إن غدا لناظره قريب .

هذا و مما يجب أن يعلم بهذه المناسبة أن قوله صلى الله عليه وسلم :

" لا يأتي عليكم زمان إلا و الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم " .

رواه البخاري في " الفتن " من حديث أنس مرفوعا .

فهذا الحديث ينبغي أن يفهم على ضوء الأحاديث المتقدمة و غيرها مثل أحاديث

المهدي و نزول عيسى عليه السلام فإنها تدل على أن هذا الحديث ليس على عمومه

بل هو من العام المخصوص , فلا يجوز إفهام الناس أنه على عمومه فيقعوا في

اليأس الذي لا يصح أن يتصف به المؤمن ( إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم

الكافرون ) أسأل الله أن يجعلنا مؤمنين به حقا .

7 عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم :

" ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان

له به صدقة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 11 :

( عن # أنس # ) :

رواه البخاري ( 2 / 67 طبع أوربا ) و مسلم ( 5 / 28 ) و أحمد ( 3 / 147 ) .

8 عن جابر مرفوعا :

" ما من مسلم يغرس غرسا إلا كان ما أكل منه له صدقة و ما سرق منه له صدقة و ما

أكل السبع منه فهو له صدقة و ما أكلت الطير فهو له صدقة و لا يرزؤه ( أي ينقصه

و يأخذ منه ) أحد إلا كان له صدقة ( إلى يوم القيامة ) " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 11 :

( عن # جابر # ) :

رواه مسلم عنه . ثم رواه هو و أحمد ( 3 / 391 ) من طرق أخرى عنه بشيء من

الاختصار , و له شاهد من حديث أم مبشر عند مسلم و أحمد ( 6 / 362 و 240 ) ,

و له شواهد أخرى ذكرها المنذري في " الترغيب " ( 3 / 224 و 245 ) .

9 عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

" إن قامت الساعة و في يد أحدكم فسيلة , فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها

فليغرسها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 11 :

( عن # أنس # )

رواه الإمام أحمد ( 3 / 183 , 184 , 191 ) و كذا الطيالسي ( رقم 2068 )

و البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 479 ) و ابن الأعرابي في " معجمه "

( ق 21 / 1 ) عن هشام بن زيد عنه .

و هذا سند صحيح على شرط مسلم , و تابعه يحيى بن سعيد عن أنس . أخرجه ابن عدي

في " الكامل " ( 316 / 1 ) .

و أورده الهيثمي في " المجمع " ( 63 / 4 ) مختصرا و قال :

" رواه البزار و رجاله أثبات ثقات " .

و فاته أنه في " مسند أحمد " بأتم منه كما ذكرناه .

( الفسيلة ) هي النخلة الصغيرة و هي ( الودية ) .

و لا أدل على الحض على الاستثمار من هذه الأحاديث الكريمة , لاسيما الحديث

الأخير منها فإن فيه ترغيبا عظيما على اغتنام آخر فرصة من الحياة في سبيل زرع

ما ينتفع به الناس بعد موته فيجري له أجره و تكتب له صدقته إلى يوم القيامة .

و قد ترجم الإمام البخاري لهذا الحديث بقوله " باب اصطناع المال " ثم روى عن

الحارث بن لقيط قال : كان الرجل منا تنتج فرسه فينحرها فيقول : أنا أعيش حتى

أركب هذه ?

فجاءنا كتاب عمر : أن أصلحوا ما رزقكم الله , فإن في الأمر تنفسا .

و سنده صحيح .

و روى أيضا بسند صحيح عن داود قال : قال لي عبد الله بن سلام : إن سمعت بالدجال

قد خرج و أنت على ودية تغرسها , فلا تعجل أن تصلحه , فإن للناس بعد ذلك عيشا .

و داود هذا هو ابن أبي داود الأنصاري قال الحافظ فيه : " مقبول " .

و روى ابن جرير عن عمارة بن خزيمة بن ثابت قال : سمعت عمر بن الخطاب يقول

لأبي : ما يمنعك أن تغرس أرضك ? فقال له أبي : أنا شيخ كبير أموت غدا , فقال له

عمر : أعزم عليك لتغرسنها ? فلقد رأيت عمر بن الخطاب يغرسها بيده مع أبي .

كذا في " الجامع الكبير " للسيوطي ( 3 / 337 / 2 ) .

و لذلك اعتبر بعض الصحابة الرجل يعمل في إصلاح أرضه عاملا من عمال الله عز وجل

فروى البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 448 ) عن نافع بن عاصم أنه سمع

عبد الله بن عمرو قال لابن أخ له خرج من ( الوهط ) : أيعمل عمالك ? قال : لا

أدري , قال : أما لو كنت ثقفيا لعلمت ما يعمل عمالك , ثم التفت إلينا فقال :

إن الرجل إذا عمل مع عماله في داره ( و قال الراوي مرة : في ماله ) كان عاملا

من عمال الله عز و جل . و سنده حسن إن شاء الله تعالى .

و ( الوهط ) في اللغة هو البستان و هي أرض عظيمة كانت لعمرو بن العاص بالطائف

على ثلاثة أميال من ( وج ) يبدو أنه خلفها لأولاده , و قد روى ابن عساكر في

" تاريخه " ( 13 / 264 / 2 ) بسند صحيح عن عمرو بن دينار قال : دخل عمرو بن

العاص في حائط له بالطائف يقال له : ( الوهط ) ( فيه ) ألف ألف خشبة , اشترى كل

خشبة بدرهم ! يعني يقيم بها الأعناب .

هذه بعض ما أثمرته تلك الأحاديث في جملتها من السلف الصالح رضي الله عنهم .

و قد ترجم البخاري في " صحيحه " للحديثين الأولين بقوله :

" باب فضل الزرع إذا أكل منه " .

قال ابن المنير :

" أشار البخاري إلى إباحة الزرع , و أن من نهى عنه كما ورد عن عمر فمحله ما إذا

شغل الحرث عن الحرب و نحوه من الأمور المطلوبة , و على ذلك يحمل حديث أبي أمامة

المذكور في الباب الذي بعده " .

قلت : سيأتي الكلام على الحديث المشار إليه في المقال الآتي إن شاء الله تعالى

.

10 عن أبي أمامة الباهلي قال - و رأى سكة و شيئا من آلة الحرث فقال : سمعت رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 14 :

التكالب على الدنيا يورث الذل :

------------------------------

ذكرت في المقال السابق بعض الأحاديث الواردة في الحض على استثمار الأرض , مما

لا يدع مجالا للشك في أن الإسلام شرع ذلك للمسلمين و رغبهم فيه أيما ترغيب .

و اليوم نورد بعض الأحاديث التي قد يتبادر لبعض الأذهان الضعيفة أو القلوب

المريضة أنها معارضة للأحاديث المتقدمة , و هي في الحقيقة غير منافية له ,

إذا ما أحسن فهمها , و خلت النفس من اتباع هواها !

الأول : عن # أبي أمامة الباهلي # قال - و رأى سكة و شيئا من آلة الحرث فقال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" لا يدخل هذا بيت قوم إلا أدخله الله الذل " .

أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 5 / 4 بشرح " الفتح " ) , و رواه الطبراني في

" الكبير " من طريق أخرى عن أبي أمامة مرفوعا بلفظ :

" ما من أهل بيت يغدو عليهم فدان إلا ذلوا " .

ذكره في " المجمع " ( 4 / 120 ) .

و قد وفق العلماء بين هذا الحديث و الأحاديث المتقدمة في المقال المشار إليه

بوجهين اثنين :

أ - أن المراد بالذل ما يلزمهم من حقوق الأرض التي تطالبهم بها الولاة من خراج

أو عشر , فمن أدخل نفسه في ذلك فقد عرضها للذل .

قال المناوي في " الفيض " : " و ليس هذا ذما للزراعة فإنها محمودة مثاب عليها

لكثرة أكل العوافي منها , إذ لا تلازم بين ذل الدنيا و حرمان ثواب البعض " .

و لهذا قال ابن التين : " هذا من أخباره صلى الله عليه وسلم بالمغيبات , لأن

المشاهد الآن أن أكثر الظلم إنما هو على أهل الحرث " .

ب - أنه محمول على من شغله الحرث و الزرع عن القيام بالواجبات كالحرب و نحوه ,

و إلى هذا ذهب البخاري حيث ترجم للحديث بقوله :

" باب ما يحذر من عواقب الاشتغال بآلة الزرع , أو مجاوزة الحد الذي أمر به " .

فإن من المعلوم أن الغلو في السعي وراء الكسب يلهي صاحبه عن الواجب و يحمله على

التكالب على الدنيا و الإخلاد إلى الأرض و الإعراض عن الجهاد , كما هو مشاهد من

الكثيرين من الأغنياء .

و يؤيد هذا الوجه قوله صلى الله عليه وسلم :

" إذا تبايعتم بالعينة , و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد

سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .

11 " إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد

سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 15 :

و هو حديث صحيح لمجموع طرقه , و قد وقفت على ثلاث منها كلها عن # ابن عمر #

رضي الله عنه مرفوعا :

الأولى : عن إسحاق أبي عبد الرحمن أن عطاء الخراساني حدثه أن نافعا حدثه عن

ابن عمر قال : فذكره .

أخرجه أبو داود ( رقم 3462 ) و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 65 ) و ابن عدي في

" الكامل " ( 256 / 2 ) و البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5 / 316 ) .

و تابعه فضالة بن حصين عن أيوب عن نافع به .

رواه ابن شاهين في جزء من " الأفراد " ( 1 / 1 ) و قال " تفرد به فضالة "

و قال البيهقي : " روي ذلك من وجهين عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر " .

يشير بذلك إلى تقوية الحديث , و قد وقفت على أحد الوجهين المشار إليهما و هو

الطريق :

الثانية : عن أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عمر .

أخرجه أحمد ( رقم 4825 ) و في " الزهد " ( 20 / 84 / 1 - 2 ) , و الطبراني

في " الكبير " ( 3 / 207 / 1 ) و أبو أمية الطرسوسي في " مسند ابن عمر "

( 202 / 1 ) .

و الوجه الثاني أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 3 / 107 / 1 ) عن ليث عن

عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء .

و أخرجه ابن أبي الدنيا في " العقوبات " ( 79 / 1 ) . و الروياني في " مسنده "

( 247 / 2 ) من وجه آخر عن ليث عن عطاء , أسقط من بينهما ابن أبي سليمان ,

و كذا رواه أبو نعيم في " الحلية " ( 1 / 313 - 314 ) .

الثالثة : عن شهر بن حوشب عن ابن عمر . رواه أحمد ( رقم 5007 ) .

ثم وجدت له شاهدا من رواية بشير بن زياد الخراساني : حدثنا ابن جريج عن عطاء

عن جابر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

أخرجه ابن عدي في ترجمة بشير هذا من " الكامل " و قال : " و هو غير معروف ,

في حديثه بعض النكرة " . و قال الذهبي : " و لم يترك " .

فتأمل كيف بين هذا الحديث ما أجمل في حديث أبي أمامة المتقدمة قبله , فذكر

أن تسليط الذل ليس هو لمجرد الزرع و الحرث بل لما اقترن به من الإخلاد إليه

و الانشغال به عن الجهاد في سبيل الله , فهذا هو المراد بالحديث , و أما الزرع

الذي لم يقترن به شيء من ذلك فهو المراد بالأحاديث المرغبة في الحرث فلا تعارض

بينها و لا إشكال .

12 قوله صلى الله عليه وسلم :

" لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 17 :

رواه الترمذي ( 4 / 264 ) و أبو الشيخ في " الطبقات " ( 298 ) و أبو يعلى في

" مسنده " ( 251 / 1 ) و الحاكم ( 4 / 222 ) و أحمد ( رقم 2589 , 4047 )

و الخطيب ( 1 / 18 ) عن شمر بن عطية عن مغيرة بن سعد بن الأخرم عن أبيه عن

# ابن مسعود # مرفوعا .

و حسنه الترمذي , و قال الحاكم " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي .

ثم رواه أحمد ( رقم 4181 , 4174 ) من طريق أبي التياح عن ابن الأخرم رجل من طيء

عن ابن مسعود مرفوعا بلفظ : " نهى عن التبقر في الأهل و المال " .

و تابعه أبو حمزة قال :

سمعت رجلا من طيىء يحدث عن أبيه عن عبد الله مرفوعا به .

رواه البغوي في " حديث علي بن الجعد " ( ج 6 / 20 / 2 ) فزاد في السند عن أبيه

و هو الصواب لرواية شمر كذلك .

و له شاهد من رواية ليث عن نافع عن ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول .

أخرجه المحاملي في " الأمالي " ( 69 / 2 ) , و سنده حسن في الشواهد .

و أورده الحافظ باللفظ الأول مجزوما به في شرح حديث أنس المتقدم في المقال

السابق ثم قال :

" قال القرطبي : يجمع بينه و بين حديث الباب بحمله على الاستكثار و الاشتغال

به عن أمر الدين , و حمل حديث الباب على اتخاذها للكفاف أو لنفع المسلمين بها

و تحصيل توابعها " .

قلت : و مما يؤيد هذا الجمع اللفظ الثاني من حديث ابن مسعود , فإن ( التبقر )

التكثر و التوسع . و الله أعلم .

و اعلم أن هذا التكثر المفضي إلى الانصراف عن القيام بالواجبات التي منها

الجهاد في سبيل الله هو المراد بالتهلكة المذكورة في قوله تعالى ( و لا تلقوا

بأيديكم إلى التهلكة ) و في ذلك نزلت الآية خلافا لما يظن كثير من الناس ! فقد

قال أسلم أبو عمران :

" غزونا من المدينة , نريد القسطنطينية , ( و على أهل مصر عقبة بن عامر ) و على

الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد , و الروم ملصقو ظهورهم بحائط المدينة ,

فحمل رجل ( منا ) على العدو , فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ! يلقي

بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب الأنصاري : ( إنما تأولون هذه الآية هكذا

أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة , أو يبلي من نفسه ! ) إنما نزلت هذه الآية

فينا معشر الأنصار , لما نصر الله نبيه و أظهر الإسلام قلنا ( بيننا خفيا من

رسول الله صلى الله عليه وسلم ) : هلم نقيم في أموالنا و نصلحها , فأنزل الله

تعالى ( و أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فالإلقاء

بالأيدي إلى التهلكة : أن نقيم في أموالنا و نصلحها و ندع الجهاد .

قال أبو عمران :

" فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية " .

13 " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية ( و على أهل مصر عقبة بن عامر ) و على

الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد و الروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة

فحمل رجل ( منا ) على العدو , فقال الناس : مه مه ! لا إله إلا الله ! يلقي

بيديه إلى التهلكة ! فقال أبو أيوب الأنصاري : ( إنما تأولون هذه الآية هكذا

أن حمل رجل يقاتل يلتمس الشهادة أو يبلي من نفسه ! ) إنما نزلت هذه الآية فينا

معشر الأنصار لما نصر الله نبيه و أظهر الإسلام قلنا ( بيننا خفيا من رسول الله

صلى الله عليه وسلم ) : هلم نقيم في أموالنا و نصلحها , فأنزل الله تعالى ( و

أنفقوا في سبيل الله و لا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ) فالإلقاء بالأيدي إلى

التهلكة : أن نقيم في أموالنا و نصلحها و ندع الجهاد .

قال أبو عمران : فلم يزل أبو أيوب يجاهد في سبيل الله حتى دفن بالقسطنطينية " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 19 :

عن ( # أسلم أبو عمران # ) :

رواه أبو داود ( 1 / 393 ) و ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 1 / 10 / 2 )

و الحاكم ( 2 / 275 ) و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي ,

و قد وهما , فإن الشيخين لم يخرجا لأسلم هذا , فالحديث صحيح فقط .

14 عن قزعة قال :

أرسلني ابن عمر في حاجة , فقال : تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله

صلى الله عليه وسلم و أرسلني في حاجة له فقال :

" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 19 :

من أدبه صلى الله عليه وسلم عند التوديع :

--------------------------------------

فيه ثلاثة أحاديث : الأول عن ابن عمر , و له عنه طرق :

أ - عن قزعة قال :

أرسلني #ابن عمر # في حاجة , فقال : تعال حتى أودعك كما ودعني رسول الله

صلى الله عليه وسلم و أرسلني في حاجة له فقال :

" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .

رواه أبو داود ( رقم 2600 ) و الحاكم ( 2 / 97 ) و أحمد ( 2 / 25 و 38 و 136 )

و ابن عساكر ( 14 / 290 / 2 و 15 / 469 / 1 ) عن عبد العزيز بن عمر ابن عبد

العزيز عنه .

و رجاله ثقات , لكن اختلف فيه على عبد العزيز , فرواه بعضهم هكذا , و أدخل

بعضهم بينه و بين قزعة رجلا سماه بعضهم " إسماعيل بن جرير " و سماه آخرون

" يحيى بن إسماعيل بن جرير " , و قد ساق الحافظ ابن عساكر الروايات المختلفة

في ذلك .

و قال الحافظ في " التقريب " إن الصواب قول من قال : " يحيى بن إسماعيل " .

قلت : و هو ضعيف , لكن يتقوى الحديث بالطرق الأخرى , و في رواية لابن عساكر :

" كما ودعني رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأخذ بيدي يصافحني , ثم قال : "

فذكره .

ب - عن سالم أن ابن عمر كان يقول للرجل إذا أراد سفرا : ادن مني أودعك كما

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يودعنا فيقول : فذكره .

أخرجه الترمذي ( 2 / 255 طبع بولاق ) و أحمد ( 2 / 7 ) و عبد الغني المقدسي

في " الجزء الثالث و الستون ( 41 / 1 ) " عن سعيد بن خثيم عن حنظلة عنه .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه من حديث سالم " .

قلت : و هو على شرط مسلم غير أن سعيدا قد خولف في سنده , فرواه الحاكم

( 1 / 442 و 2 / 97 ) عن إسحاق بن سليمان و الوليد بن مسلم عن حنظلة بن

أبي سفيان عن القاسم بن محمد قال :

كنت عند ابن عمر فجاءه رجل فقال : أردت سفرا , فقال : انتظر حتى أودعك :

فذكره , و قال :

" صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي و هو كما قالا .

و لعل الترمذي إنما استغربه من حديث سالم من أجل مخالفة هذين الثقتين : إسحاق

ابن سليمان و الوليد بن مسلم لابن خثيم حيث جعله من رواية حنظلة عن سالم ,

و جعلاه من رواية حنظلة عن القاسم بن محمد عنه . و لعله أصح .

و أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 270 / 2 ) من طريق الوليد بن مسلم وحده .

ج - عن مجاهد قال :

" خرجت إلى العراق أنا و رجل معي , فشيعنا عبد الله بن عمر , فلما أراد أن

يفارقنا قال : إنه ليس معي ما أعطيكما ( كذا الأصل , و لعله : أعظكما ) ,

و لكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا استودع الله شيئا حفظه ,

و إني أستودع الله دينكما و أمانتكما , و خواتيم عملكما " .

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 2376 ) بسند صحيح .

هـ - عن نافع عنه قال :

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ودع رجلا أخذ بيده فلا يدعها حتى يكون

الرجل هو يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم و يقول : فذكره .

رواه الترمذي ( 2 / 255 طبع بولاق ) و قال : " حديث غريب من هذا الوجه " .

قلت : يعني أنه ضعيف لخصوص هذه الطريق , و ذلك لأنها من رواية إبراهيم

ابن عبد الرحمن بن زيد بن أمية عن نافع و هو أعني إبراهيم هذا مجهول .

لكنه لم ينفرد به , فقد رواه ابن ماجه ( 2 / 943 رقم 2826 ) عن ابن أبي ليلى

عنه . و ابن أبي ليلى سيء الحفظ و اسمه محمد بن عبد الرحمن , و لم يذكر قصة

الأخذ باليد .

15 عن عبد الله الخطمي قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع

الجيش , قال :

" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 21 :

( عن # عبد الله الخطمي # ) قال :

كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يستودع الجيش , قال : فذكره .

رواه أبو داود و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 498 ) بإسناد صحيح

على شرط مسلم .

16 عن أبى هريرة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ودع أحدا قال :

" أستودع الله دينك و أمانتك و خواتيم عملك " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 22 :

أخرجه أحمد ( 2 / 358 ) عن ابن لهيعة عن الحسن بن ثوبان عن موسى ابن وردان عنه

قلت : و رجاله موثقون , غير أن ابن لهيعة سيء الحفظ و قد خالفه في متنه الليث

ابن سعد و سعيد بن أبي أيوب عن الحسن بن ثوبان به بلفظ :

" أستودعك الله الذي لا تضيع ودائعه " .

و هذا عن # أبي هريرة # أصح و سنده جيد , رواه أحمد ( 1 / 403 ) .

ثم رأيت ابن لهيعة قد رواه بهذا اللفظ أيضا عند ابن السني رقم ( 501 ) .

و ابن ماجه ( 2 / 943 رقم 2825 ) فتأكدنا من خطئه في اللفظ الأول .

من فوائد الحديث :

-----------------

يستفاد من هذا الحديث الصحيح جملة فوائد :

الأولى : مشروعية التوديع بالقول الوارد فيه " أستودع الله دينك و أمانتك

و خواتيم عملك " أو يقول : " أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه " .

الثانية : الأخذ باليد الواحدة في المصافحة , و قد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة ,

و على ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة .

ففي " لسان العرب " : " و المصافحة : الأخذ باليد , و التصافح مثله , و الرجل

يصافح الرجل : إذا وضع صفح كفه في صفح كفه , و صفحا كفيهما : وجهاهما , و منه

حديث المصافحة عند اللقاء , و هي مفاعلة من إلصاق صفح الكف بالكف و إقبال الوجه

على الوجه " .

قلت : و في بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا , كحديث حذيفة

مرفوعا : " إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه و أخذ بيده فصافحه تناثرت

خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر " .

قال المنذري ( 3 / 270 ) :

" رواه الطبراني في " الأوسط " و رواته لا أعلم فيهم مجروحا " .

قلت : و له شواهد يرقى بها إلى الصحة , منها : عن أنس عند الضياء المقدسي

في " المختارة " ( ق 240 / 1 - 2 ) و عزاه المنذري لأحمد و غيره .

فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة : الأخذ باليد الواحدة فما

يفعله بعض المشايخ من التصافح باليدين كلتيهما خلاف السنة , فليعلم هذا .

الفائدة الثالثة : أن المصافحة تشرع عند المفارقة أيضا و يؤيده عموم قوله

صلى الله عليه وسلم " من تمام التحية المصافحة " و هو حديث جيد باعتبار طرقه

و لعلنا نفرد له فصلا خاصا إن شاء الله تعالى , ثم تتبعت طرقه , فتبين لي

أنها شديدة الضعف , لا تلصح للاعتبار و تقوية الحديث بها , و لذلك أوردته في

" السلسلة الأخرى " ( 1288 ) . و وجه الاستدلال بل الاستشهاد به إنما يظهر

باستحضار مشروعية السلام عند المفارقة أيضا لقوله صلى الله عليه وسلم :

" إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم , و إذا خرج فليسلم , فليست الأولى بأحق من

الأخرى " . رواه أبو داود و الترمذي و غيرهما بسند حسن .

فقول بعضهم : إن المصافحة عند المفارقة بدعة مما لا وجه له , نعم إن الواقف

على الأحاديث الواردة في المصافحة عند الملاقاة يجدها أكثر و أقوى من الأحاديث

الواردة في المصافحة عند المفارقة , و من كان فقيه النفس يستنتج من ذلك أن

المصافحة الثانية ليست مشروعيتها كالأولى في الرتبة , فالأولى سنة , و الأخرى

مستحبة , و أما أنها بدعة فلا , للدليل الذي ذكرنا .

و أما المصافحة عقب الصلوات فبدعة لا شك فيها إلا أن تكون بين اثنين لم يكونا

قد تلاقيا قبل ذلك فهي سنة كما علمت .

17 " إن نبي الله أيوب صلى الله عليه وسلم لبث به بلاؤه ثمان عشرة سنة فرفضه

القريب و البعيد إلا رجلين من إخوانه كانا يغدوان إليه و يروحان , فقال أحدهما

لصاحبه ذات يوم : تعلم والله لقد أذنب أيوب ذنبا ما أذنبه أحد من العالمين فقال

له صاحبه : و ما ذاك ? قال : منذ ثمان عشرة سنة لم يرحمه الله فيكشف ما به فلما

راحا إلى أيوب لم يصبر الرجل حتى ذكر ذلك له , فقال أيوب : لا أدري ما تقولان

غير أن الله تعالى يعلم أني كنت أمر بالرجلين يتنازعان , فيذكران الله فأرجع

إلى بيتي فأكفر عنهما كراهية أن يذكر الله إلا في حق , قال : و كان يخرج إلى

حاجته فإذا قضى حاجته أمسكته امرأته بيده حتى يبلغ , فلما كان ذات يوم أبطأ

عليها و أوحي إلى أيوب أن *( اركض برجلك هذا مغتسل بارد و شراب )* فاستبطأته

فتلقته تنظر و قد أقبل عليها قد أذهب الله ما به من البلاء و هو أحسن ما كان

فلما رأته قالت : أي بارك الله فيك هل رأيت نبي الله هذا المبتلى , والله على

ذلك ما رأيت أشبه منك إذ كان صحيحا , فقال : فإني أنا هو , و كان له أندران

( أي بيدران ) : أندر للقمح و أندر للشعير , فبعث الله سحابتين , فلما كانت

إحداهما على أندر القمح أفرغت فيه الذهب حتى فاض و أفرغت الأخرى في أندر الشعير

الورق حتى فاض " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 25 :

رواه أبو يعلى في " مسنده " ( 176 / 1 - 177 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية "

( 3 / 374 - 375 ) من طريقين عن سعيد بن أبي مريم حدثنا نافع بن يزيد أخبرني

عقيل عن ابن شهاب عن # أنس بن مالك # مرفوعا و قال :

" غريب من حديث الزهري لم يروه عنه إلا عقيل و رواته متفق على عدالتهم تفرد

به نافع " .

قلت : و هو ثقة كما قال , أخرج له مسلم و بقية رجاله رجال الشيخين .

فالحديث صحيح . و قد صححه الضياء المقدسي فأخرجه في " المختارة "

( 220 / 2 - 221 / 2 ) من هذا الوجه . و رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 2091 )

عن ابن وهيب أنبأنا نافع بن يزيد .

و هذا الحديث مما يدل على بطلان الحديث الذي في " الجامع الصغير " بلفظ :

" أبى الله أن يجعل للبلاء سلطانا على عبده المؤمن " .

و سيأتي تحقيق الكلام عليه في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى .

18 " حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 25 :

رواه الطبراني ( 1 / 19 / 1) حدثنا علي بن عبد العزيز أنبأنا محمد بن أبي نعيم

الواسطي أنبأنا إبراهيم بن سعد عن الزهري عن # عامر بن سعد عن أبيه # قال :

جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أبي كان يصل الرحم و كان

و كان فأين هو ? قال : في النار , فكأن الأعرابي وجد من ذلك فقال : يا رسول

الله فأين أبوك ? قال : فذكره .

قال : فأسلم الأعرابي بعد ذلك , فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلم

تعبا : ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار .

قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون , و طرح ابن معين لمحمد

ابن أبي نعيم لا يتلفت إليه بعد توثيق أحمد و أبي حاتم إياه , لاسيما و قد

توبع في إسناده , أخرجه الضياء في " المختارة " ( 1 / 333 ) من طريقين عن زيد

بن أخزم حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إبراهيم بن سعد به و قال :

" سئل الدارقطني عنه فقال : يرويه محمد بن أبي نعيم و الوليد بن عطاء بن الأغر

عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد , و غيره يرويه عن إبراهيم بن سعد

عن الزهري مرسلا , و هو الصواب .

قلت : و هذه الرواية التي رويناها تقوي المتصل " .

قلت : و زيد بن أخزم ثقة حافظ و كذلك شيخه يزيد بن هارون , فهي متابعة قوية

لابن أبي نعيم الواسطي تشهد لصدقه و ضبطه , لكن قد خولف زيد بن أخزم في إسناده

فقال ابن ماجه ( رقم 1573 ) : حدثنا محمد بن إسماعيل بن البختري الواسطي :

حدثنا يزيد بن هارون عن إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : جاء

أعرابي . الحديث بتمامه .

و هذا ظاهره الصحة , و لذلك قال في " الزوائد " ( ق 97 / 2 ) : " إسناده صحيح

رجاله ثقات , محمد بن إسماعيل وثقه ابن حبان و الدارقطني و الذهبي , و باقي

رجال الإسناد على شرط الشيخين " .

قلت : لكن قال الذهبي فيه : " لكنه غلط غلطة ضخمة " . ثم ساق له حديثا صحيحا

زاد فيه " الرمي عن النساء " و هي زيادة منكرة و قد رواه غيره من الثقات فلم

يذكر فيه هذه الزيادة . و أقره الحافظ ابن حجر على ذلك .

قلت : فالظاهر أنه أخطأ في إسناد هذا الحديث أيضا فقال فيه .. عن سالم عن أبيه

و الصواب عن عامر بن سعد عن أبيه كما في رواية ابن أخزم و غيره , و قد قال

الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 117 - 118 ) بعد أن ساقه من حديث سعد :

" رواه البزار و الطبراني في " الكبير " و رجاله رجال الصحيح " .

من فقه الحديث :

---------------

و في هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه , ألا و هي مشروعية تبشير

الكافر بالنار إذا مر بقبره . و لا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن

و تذكيره بخطورة جرم هذا الكافر حيث ارتكب ذنبا عظيما تهون ذنوب الدنيا كلها

تجاهه و لو اجتمعت , و هو الكفر بالله عز و جل و الإشراك به الذي أبان الله

تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال : ( إن الله لا يغفر أن

يشرك به , و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) , و لهذا قال صلى الله عليه وسلم :

" أكبر الكبائر أن تجعل لله ندا و قد خلقك " متفق عليه .

و إن الجهل بهذه الفائدة مما أودى ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد

الشارع الحكيم منها , فإننا نعلم أن كثيرا من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء

بعض المصالح الخاصة أو العامة , فلا يكتفون بذلك حتى يقصدوا زيارة بعض قبور من

يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار و يضعون على قبورهم الأزهار و الأكاليل

و يقفون أمامها خاشعين محزونين , مما يشعر برضاهم عنهم و عدم مقتهم إياهم ,

مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك كما في هذا الحديث

الصحيح و اسمع قول الله عز و جل : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم و الذين

معه إذ قالوا لقومهم إنا برءآؤ منكم و مما تعبدون من دون الله كفرنا بكم و بدا

بيننا و بينكم العداوة و البغضاء أبدا ) الآية , هذا موقفهم منهم و هم أحياء

فكيف و هم أموات ) ?!

و روى البخاري ( 1 / 120 طبع أوربا ) و مسلم ( 8 / 221 ) عن ابن عمر أنه

صلى الله عليه وسلم قال لهم لما مر بالحجر :

" لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين , إلا أن تكونوا باكين , فإن لم تكونوا

باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم " .

19 " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين , فإن لم تكونوا

باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم ما أصابهم " .

( و تقنع بردائه و هو على الرحل ) .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 27 :

( عن # ابن عمر # ) :

و رواه أحمد ( 2 / 9 , 58 , 66 , 72 , 74 , 91 , 96 , 113 , 137 ) و الزيادة

له .

و قد ترجم لهذا الحديث صديق خان في " نزل الأبرار " ( ص 293 ) بـ " باب البكاء

و الخوف عند المرور بقبور الظالمين و بمصارعهم و إظهار الافتقار إلى الله تعالى

و التحذير من الغفلة عن ذلك " .

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في ديننا و أن يلهمنا العمل به إنه سميع مجيب .

20 " أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها ?! فإنه شكا إلي أنك

تجيعه و تدئبه " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 28 :

رواه أبو داود ( 1 / 400 ) و الحاكم ( 2 / 99 - 100 ) و أحمد ( 1 / 204 - 205 )

و أبو يعلى في " مسنده " ( 318 / 1 ) و البيهقي في " دلائل النبوة " ( ج 2 باب

ذكر المعجزات الثلاث ) و ابن عساكر في " تاريخه " ( ج 9 / 28 / 1 ) .

و الضياء في " الأحاديث المختارة " ( 124 - 125 ) من طريق محمد بن عبد الله

ابن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد مولى الحسن بن علي عن # عبد الله بن جعفر #

قال : أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم , فأسر إلي حديثا لا

أحدث به أحدا من الناس , و كان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم

لحاجته هدف أو حائش النخل , فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل , ( فلما رأى

النبي صلى الله عليه وسلم حن و ذرفت عيناه , فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم

فمسح سراته إلى سنامه و ذفراه فسكن ) فقال : من رب هذا الجمل ? لمن هذا الجمل ?

فجاء فتى من الأنصار فقال : لي يا رسول الله , فقال : فذكر الحديث .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي و هو كما قالا , بل إنهما قد

قصرا فإنه صحيح على شرط مسلم , فقد أخرجه في " صحيحه " ( 1 / 184 - 185 ) بهذا

الإسناد دون قصة الجمل , و ذكر النووي في " رياض الصالحين " ( ص 378 ) أن

البرقاني رواه بإسناد مسلم بتمامه و كأنه لهذا قال ابن عساكر عقبه :

" رواه مسلم " . يعني أصله لا بتمامه .

و الزيادة التي بين القوسين لابن عساكر و الضياء .

21 " اركبوا هذه الدواب سالمة و ايتدعوها سالمة و لا تتخذوها كراسي " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 29 :

أخرجه الحاكم ( 1 / 444 و 2 / 100 ) و البيهقي ( 5 / 225 ) و أحمد ( 3 / 440 ,

4 / 234 ) و ابن عساكر ( 3 / 91 / 1 ) عن الليث بن سعد عن يزيد بن حبيب عن

# سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه # - و كانت له صحبة - مرفوعا .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي و هو كما قالا فإن رجاله كلهم

ثقات , و سهل بن معاذ لا بأس به في غير رواية زبان عنه , و هذه ليست منها .

و قد أخرجه أحمد ( 3 / 439 , 340 ) من طريق ابن لهيعة حدثنا زبان عن سهل به

و زاد " فرب مركوبة خير من راكبها , و أكثر ذكرا لله منه " .

و هذه الزيادة ضعيفة لما عرفت من حال رواية زبان عن سهل , لاسيما و فيه

ابن لهيعة و هو ضعيف أيضا , و لا تغتر بقول الهيثمي ( 8 / 107 ) عقب هذه

الرواية بهذه الزيادة :

" رواه أحمد و الطبراني و أحد أسانيد أحمد رجاله رجال الصحيح غير سهل بن معاذ

ابن أنس وثقه ابن حبان و فيه ضعف " .

فإن السند الذي ينطبق عليه هذا الكلام إنما هو سند الرواية الأولى التي ليس

فيها هذه الزيادة , فتنبه .

22 " إياكم أن تتخذوا ظهور دوابكم منابر , فإن الله تعالى إنما سخرها لكم لتبلغكم

إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس , و جعل لكم الأرض فعليها فاقضوا

حاجاتكم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 30 :

رواه أبو داود ( رقم 2567 ) و عنه البيهقي ( 5 / 255 ) و أبو القاسم السمرقندي

في " المجلس 128 من الأمالي " و عنه ابن عساكر ( 19 / 85 / 1 ) من طريقين عن

يحيى بن أبي عمرو السيباني عن أبي مريم عن # أبي هريرة # مرفوعا .

قلت : و هذا سند صحيح , يحيى بن أبي عمرو السيباني - بفتح المهملة و سكون

التحتانية بعدها موحدة , و هو ثقة , و وقع في ترجمة أبي مريم من " التهذيب "

" الشيباني " بالشين المعجمة و هو تصحيف .

و أبو مريم قال العجلي في " الثقات " ( ص 94 من ترتيب السبكي ) : " أبو مريم

مولى أبي هريرة شامي تابعي ثقة " .

و اعتمده الحافظ فقال في " التقريب " : " ثقة " .

و منه تعلم أن قول ابن القطان المذكور في " فيض القدير " :

" ليس مثل هذا الحديث يصح لأن فيه أبا مريم مولى أبي هريرة و لا يعرف له حال ,

ثم قيل : هو رجل واحد , و قيل : رجلان , و كيفما كان فحاله أو حالهما مجهول

فمثله لا يصح " .

فمردود بتوثيق العجلي له , و قد روى عنه جماعة كما في " التهذيب "

و بقول أحمد : " رأيت أهل حمص يحسنون الثناء عليه " و في رواية عنه :

" هو صالح معروف عندنا , قيل له : هذا الذي يروي عن أبي هريرة ? قال : نعم " .

ذكره ابن عساكر .

( تنبيه ) :

-------------

و قع في نسخة " سنن أبي داود " التي قام على تصحيحها الشيخ محمد محي الدين

عبد الحميد ( ابن أبي مريم ) و الصواب ( أبي مريم ) كما ذكرنا .

23 " اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة , فاركبوها صالحة و كلوها صالحة " .

قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 31 :

رواه أبو داود ( رقم 2448 ) من طريق محمد بن مهاجر عن ربيعة بن زيد عن أبي كبشة

السلولي عن # سهل بن الحنظلية # قال :

" مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه , فقال : " فذكره .

قلت : و سنده صحيح كما قال النووي في " الرياض " و أقره المناوي .

و قد تابعه عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : حدثني ربيعة بن يزيد به أتم منه

و لفظه :

" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة فمر ببعير مناخ على باب المسجد

من أول النهار , ثم مر به آخر النهار و هو على حاله , فقال : أين صاحب هذا

البعير ? ! فابتغي فلم يوجد , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا

الله في هذه البهائم , ثم اركبوها صحاحا , و اركبوها سمانا ) كالمتسخط آنفا " .

رواه ابن حبان ( 844 ) و أحمد ( 4 / 180 - 181 ) و سنده صحيح على شرط البخاري .

( تنبيه ) :

-------------

قوله ( كلوها ) قيدوها بضم الكاف من الأكل و عليه جرى المناوي في شرح هذه

الكلمة , فإذا صحت الرواية بذلك فلا كلام , و إلا فالأقرب عندي أنها ( كلوها )

بكسر الكاف من وكل يكل كل أي اتركووها , هذا هو المتبادر من سياق الحديث .

و يؤيده الحديث المتقدم ( رقم 22 ) بلفظ " اركبوا هذه الدواب سالمة ,

و ايتدعوها سالمة ... " , أي اتركوها سالمة و الله أعلم .

( المعجمة ) : أي التي لا تقدر على النطق فتشكو ما أصابها من جوع أو عطش ,

و أصل الأعجم : الذي لا يفصح بالعربية و لا يجيد التكلم بها عجميا كان أو عربيا

سمي به لعجمة لسانه , و التباس كلامه .

24 " أفلا قبل هذا !أتريد أن تميتها موتتين ?! " .

قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 32 :

رواه الطبراني في " الكبير " ( 3 / 140 / 1 ) و " الأوسط " ( 1 / 31 / 1 من

زوائده ) و البيهقي ( 9 / 280 ) عن يوسف بن عدي حدثنا عبد الرحيم بن سليمان

الرازي عن عاصم الأحول عن عكرمة عن # ابن عباس # قال :

" مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على رجل واضع رجله على صفحة شاة , و هو يحد

شفرته و هي تلحظ إليه ببصرها , فقال : " فذكره .

و قال الطبراني :

" لم يصله بهذا الإسناد إلا عبد الرحيم بن سليمان تفرد به يوسف " .

قلت : و هما ثقتان من رجال البخاري و كذلك سائر الرواة فالحديث صحيح الإسناد ,

و قال الهيثمي ( 5 / 33 ) :

" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " و رجاله رجال الصحيح " .

و في نفي الطبراني المذكور نظر بين , فقد أخرجه الحاكم ( 4 / 231 و 233 ) من

طريق عبد الرحمن بن المبارك حدثنا حماد بن زيد عن عاصم به و لفظه :

( أتريد أن تميتها موتات ?!هلا حددت شفرتك قبل أن تضجعها ?)

و قال الحاكم : " صحيح على شرط البخاري " و وافقه الذهبي .

و قال في الموضع الآخر " على شرط الشيخين " .

25 " من فجع هذه بولدها ?! ردوا ولدها إليها " .

قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 33 :

رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 382 ) و أبو داود ( رقم 2675 )

و الحاكم ( 4 / 239 ) عن # عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه # قال :

" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فانطلق لحاجة , فرأينا حمرة

معها فرخان , فأخذنا فرخيها , فجاءت الحمرة فجعلت تفرش , فجاء النبي صلى الله

عليه وسلم فقال : " فذكره .

و السياق لأبي داود و زاد : " و رأى قرية نمل قد حرقناها , فقال :

من حرق هذه ? قلنا : نحن , قال : إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " .

و سنده صحيح , و قال الحاكم " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

و سيأتي بزيادة في التخريج , و شاهد لبعضه ( 481 - 482 ) .

( الحمرة ) : بضم الحاء و فتح الميم المشددة : طائر صغير كالعصفور أحمر اللون .

( تفرش ) : بحذف إحدى التاءين كـ ( تذكر ) أي ترفرف بجناحيها و تقترب من الأرض

.

26 " و الشاة إن رحمتها رحمك الله " .

قال الألباني في السلسلة الصحيحة 1 / 33 :

رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 373 ) و الطبراني في " المعجم الصغير "

( ص 60 ) و في " الأوسط " ( ج 1 / 121 / 1 من زوائده ) و كذا أحمد ( 3 / 436 ,

5 / 34 ) و الحاكم ( 3 / 586 ) و ابن عدي في الكامل ( ق 259 / 2 ) و أبو نعيم

في " الحلية " ( 2 / 302 و 6 / 343 ) و ابن عساكر ( 6 / 257 / 1 ) من طرق عن #

معاوية بن قرة عن أبيه # قال :

" قال رجل : يا رسول الله إني لأذبح الشاة فأرحمها , قال ... " فذكره و زاد

البخاري " مرتين " .

و سنده صحيح . و قال الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 33 ) :

" رواه أحمد و البزار و الطبراني في " الكبير " و " الصغير " , و له ألفاظ

كثيرة و رجاله ثقات " .

27 " من رحم و لو ذبيحة عصفور رحمه الله يوم القيامة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 34 :

رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 371 ) و تمام في " الفوائد "

( ق 194 / 1 ) عن القاسم بن عبد الرحمن عن # أبي أمامة # مرفوعا .

قلت : و سنده حسن , و قال الهيثمي ( 4 / 33 ) : " رواه الطبراني في " الكبير "

و رجاله ثقات " .

و رواه الضياء المقدسي في " المختارة " كما في " الجامع الصغير " للسيوطي .

28 " عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت , فدخلت فيها النار , لا هي أطعمتها

و سقتها إذ حبستها و لا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 34 :

رواه البخاري في " صحيحه " ( 2 / 78 طبع أوربا ) و في " الأدب المفرد "

( رقم 379 ) و مسلم ( 7 / 43 ) من حديث نافع عن # عبد الله بن عمر # مرفوعا .

و مسلم و أحمد ( 2 / 507 ) من طرق عن أبي هريرة مرفوعا نحوه .

( خشاش الأرض ) هي الحشرات و الهوام .

29 " بينما رجل يمشي بطريق , إذ اشتد عليه العطش , فوجد بئرا فنزل فيها فشرب و خرج

فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش , فقال الرجل : لقد بلغ هذا الكلب من العطش

مثل الذي بلغ مني , فنزل البئر فملأ خفه , ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب

فشكر الله له , فغفر له , فقالوا : يا رسول الله و إن لنا في البهائم لأجرا ?

فقال : في كل ذات كبد رطبة أجر " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 35 :

رواه مالك في " الموطأ " ( ص 929 - 930 ) و عنه البخاري في " صحيحه " ( 2 / 77

- 78 , 103 , 4 / 117 طبع أوربا ) , و في " الأدب المفرد " ( رقم 378 ) و مسلم

( 7 / 44 ) و أبو داود ( رقم 2550 ) و أحمد ( 2 / 375 , 517 ) كلهم عن مالك عن

سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن # أبي هريرة # مرفوعا .

و رواه أحمد ( 2 / 521 ) من طريق أخرى عن أبي صالح به مختصرا .

30 " بينما كلب يطيف بركية قد كاد يقتله العطش , إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل

فنزعت موقها , فاستقت له به فسقته إياه , فغفر لها به " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 35 :

رواه البخاري ( 2 / 376 طبع أوربا ) و مسلم ( 7 / 45 ) و أحمد ( 2 / 507 )

من حديث محمد بن سيرين عن # أبي هريرة # مرفوعا .

و تابعه أنس بن سيرين عن أبي هريرة نحوه .

و رواه أحمد ( 2 / 510 ) و سنده صحيح أيضا .

( الركية ) : بئر لم تطو أو طويت .

و من الآثار في الرفق بالحيوان :

---------------------------------

أ - عن المسيب بن دار قال :

رأيت عمر بن الخطاب ضرب جمالا , و قال : لم تحمل على بعيرك مالا يطيق ? !

رواه ابن سعد في " الطبقات " ( 7 / 127 ) و سنده صحيح إلى المسيب ابن دار ,

و لكني لم أعرف المسيب هذا .

ثم تبين لي أن الصواب في اسم أبيه ( دارم ) , هكذا ورد في سند هذا الأثر عند

أبي الحسن الأخميمي في " حديثه " ( ق 62 / 2 ) , و هكذا أورده ابن أبي حاتم

في " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 294 ) و قال : " مات سنة ست و ثمانين " و لم

يذكر فيه جرحا و لا تعديلا , و أما ابن حبان فذكره في " الثقات " ( 1 / 227 )

و كناه بأبي صالح .

ب - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب :

أن رجلا حد شفرة و أخذ شاة ليذبحها , فضربه عمر بالدرة و قال أتعذب الروح ?!ألا

فعلت هذا قبل أن تأخذها ? ! رواه البيهقي ( 9 / 280 - 281 ) .

ج - عن محمد بن سيرين :

أن عمر رضي الله عنه رأى رجلا يجر شاة ليذبحها فضربه بالدرة و قال : سقها - لا

أم لك - إلى الموت سوقا جميلا .

رواه البيهقي أيضا .

د - عن وهب بن كيسان :

أن ابن عمر رأى راعي غنم في مكان قبيح , و قد رأى ابن عمر مكانا أمثل منه ,

فقال ابن عمر : ويحك يا راعي حولها , فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم

يقول : " كل راع مسؤول عن رعيته " .

رواه أحمد ( رقم 5869 ) و سنده حسن .

هـ - عن معاوية بن قرة قال :

كان لأبي الدرداء جمل يقال له : ( دمون ) , فكان إذا استعاروه منه قال : لا

تحملوا عليه إلا كذا و كذا , فإنه لا يطيق أكثر من ذلك , فلما حضرته الوفاة

قال : يا دمون لا تخاصمني غدا عند ربي , فإني لم أكن أحمل عليك إلا ما تطيق .

رواه أبو الحسن الأخميمي في " حديثه " ( 63 / 1 ) .

و - عن أبي عثمان الثقفي قال :

كان لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه غلام يعمل على بغل له يأتيه بدرهم كل يوم

فجاء يوما بدرهم و نصف , فقال : أما بدا لك ? قال : نفقت السوق , قال :

لا و لكنك أتعبت البغل ! أجمه ثلاثة أيام .

رواه أحمد في " الزهد " ( 19 / 59 / 1 ) بسند صحيح إلى أبي عثمان , و أما هذا

فلم أجد له ترجمة .

تلك هي بعض الآثار التي وقفت عليها حتى الآن , و هي تدل على مبلغ تأثر المسلمين

الأولين بتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم في الرفق بالحيوان , و هي في

الحقيقة قل من جل و نقطة من بحر , و في ذلك بيان واضح أن الإسلام هو الذى وضع

للناس مبدأ ( الرفق بالحيوان ) , خلافا لما يظنه بعض الجهال بالإسلام أنه من

وضع الكفار الأوربيين , بل ذلك من الآداب التي تلقوها عن المسلمين الأولين , ثم

توسعوا فيها , و نظموها تنظيما دقيقا , و تبنتها دولهم حتى صار الرفق بالحيوان

من مزاياهم اليوم , حتى توهم الجهال أنه من خصوصياتهم ! و غرهم في ذلك أنه لا

يكاد يرى هذا النظام مطبقا في دولة من دول الإسلام , و كانوا هم أحق بها

و أهلها !

و لقد بلغ الرفق بالحيوان في بعض البلاد الأوربية درجة لا تخلو من المغالاة ,

و من الأمثلة على ذلك ما قرأته في " مجلة الهلال " ( مجلد 27 ج 9 ص 126 ) تحت

عنوان : " الحيوان و الإنسان " :

" إن محطة السكك الحديدية في كوبنهاجن كان يتعشعش فيها الخفاش زهاء نصف قرن ,

فلما تقرر هدمها و إعادة بنائها أنشأت البلدية برجا كلفته عشرات الألوف من

الجنيهات , منعا من تشرد الخفاش " .

و حدث منذ ثلاث سنوات أن سقط كلب صغير في شق صغير بين صخرتين في إحدى قرى

إنكلترا , فجند له أولو الأمر مائة من رجال المطافئ لقطع الصخور و إنقاذ

الكلب ! و ثار الرأي العام في بعض البلاد أخيرا عندما اتخذ الحيوان وسيلة

لدراسة الظواهر الطبيعية , حين أرسلت روسيا كلبا في صاروخها , و أرسلت أمريكا

قردا .

31 " أقيموا صفوفكم و تراصوا , فإني أراكم من وراء ظهري " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 39 :

رواه البخاري ( 2 / 176 بشرح " الفتح " طبع بولاق ) و أحمد ( 3 / 182 , 263 )

و المخلص في " الفوائد " ( ج 1 / 10 / 2 ) من طرق عن حميد الطويل , حدثنا

# أنس بن مالك # قال :

" أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال : " .

فذكره .

زاد البخاري في رواية : " قبل أن يكبر " و زاد أيضا فى آخره : " و كان أحدنا

يلزق منكبه بمنكب صاحبه . و قدمه بقدمه " .

و هي عند المخلص بلفظ :

قال أنس : " فلقد رأيت أحدنا يلصق منكبه بمنكب صاحبه , و قدمه بقدمه " .

فلو ذهبت تفعل هذا اليوم لنفر أحدكم كأنه بغل شموس .

و سنده صحيح أيضا على شرط الشيخين و عزاها الحافظ لسعيد بن منصور و الإسماعيلي

و ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله :

" باب إلزاق المنكب بالمنكب , و القدم بالقدم في الصف " .

و أما حديث النعمان فهو :

" أقيموا صفوفكم ثلاثا , و الله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم " .

32 " أقيموا صفوفكم ثلاثا , والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن بين قلوبكم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 39 :

أخرجه أبو داود ( رقم 662 ) , و ابن حبان ( 396 ) , و أحمد ( 4 / 276 ) ,

و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 86 ) عن أبي القاسم الجدلي حسين بن الحارث ,

قال : سمعت # النعمان بن بشير # يقول :

" أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال : ..." فذكره ,

قال : " فرأيت الرجل يلصق منكبه بمنكب صاحبه , و ركبته بركبة صاحبه , و كعبه

بكعبه " .

قلت : و سنده صحيح , و علقه البخاري مجزوما به , و وصله ابن خزيمة أيضا في

" صحيحه " كما في " الترغيب " ( 1 / 176 ) و " الفتح " ( 2 / 176 ) .

ثم رواه الدولابي من طريق بقية بن الوليد , حدثنا حريز قال : سمعت غيلان

المقرىء يحدث عن أبي قتيلة مرثد بن وداعة ( قال : سمعت ) النعمان بن بشير

يقول : فذكره .

و هذا سند لا بأس به في المتابعات , و رجاله ثقات غير غيلان المقرىء ,

و لعله غيلان بن أنس الكلبي مولاهم الدمشقي , فإن يكن هو , فهو مجهول الحال ,

روى عنه جماعة , و قال الحافظ : إنه مقبول .

فقه الحديث :

------------

و في هذين الحديثين فوائد هامة :

الأولى : وجوب إقامة الصفوف و تسويتها و التراص فيها , للأمر بذلك , و الأصل

فيه الوجوب إلا لقرينة , كما هو مقرر في الأصول , و القرينة هنا تؤكد الوجوب

و هو قوله صلى الله عليه وسلم : " أو ليخالفن الله بين قلوبكم " . فإن مثل هذا

التهديد لا يقال فيما ليس بواجب , كما لا يخفى .

الثانية : أن التسوية المذكورة إنما تكون بلصق المنكب بالمنكب , و حافة القدم

بالقدم , لأن هذا هو الذي فعله الصحابة رضي الله عنهم حين أمروا بإقامة الصفوف

و لهذا قال الحافظ في " الفتح " بعد أن ساق الزيادة التي أوردتها في الحديث

الأول من قول أنس :

" و أفاد هذا التصريح أن الفعل المذكور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ,

و بهذا يتم الاحتجاج به على بيان المراد بإقامة الصف و تسويته " .

و من المؤسف أن هذه السنة من التسوية قد تهاون بها المسلمون , بل أضاعوها إلا

القليل منهم , فإني لم أرها عند طائفة منهم إلا أهل الحديث , فإني رأيتهم في

مكة سنة ( 1368 ) حريصين على التمسك بها كغيرها من سنن المصطفى عليه الصلاة

و السلام بخلاف غيرهم من أتباع المذاهب الأربعة - لا أستثني منهم حتى الحنابلة

- فقد صارت هذه السنة عندهم نسيا منسيا , بل إنهم تتابعوا على هجرها و الإعراض

عنها , ذلك لأن أكثر مذاهبهم نصت على أن السنة في القيام التفريج بين القدمين

بقدر أربع أصابع , فإن زاد كره , كما جاء مفصلا في " الفقه على المذاهب الأربعة

" ( 1 / 207 ) , و التقدير المذكور لا أصل له في السنة , و إنما هو مجرد رأي ,

و لو صح لوجب تقييده بالإمام و المنفرد حتى لا يعارض به هذه السنة الصحيحة ,

كما تقتضيه القواعد الأصولية .

و خلاصة القول : إنني أهيب بالمسلمين - و خاصة أئمة المساجد - الحريصين على

اتباعه صلى الله عليه وسلم و اكتساب فضيلة إحياء سنته صلى الله عليه وسلم أن

يعملوا بهذه السنة و يحرصوا عليها , و يدعوا الناس , إليها حتى يجتمعوا عليها

جميعا . و بذلك ينجون من تهديد " أو ليخالفن الله بين قلوبكم " .

الثالثة : في الحديث الأول معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم , و هي رؤيته

صلى الله عليه وسلم من ورائه , و لكن ينبغي أن يعلم أنها خاصة في حالة كونه صلى

الله عليه وسلم في الصلاة , إذ لم يرد في شيء من السنة , أنه كان يرى كذلك خارج

الصلاة أيضا . و الله أعلم .

الرابعة : في الحديثين دليل واضح على أمر لا يعلمه كثير من الناس , و إن كان

صار معروفا في علم النفس , و هو أن فساد الظاهر يؤثر في فساد الباطن , و العكس

بالعكس , و في هذا المعنى أحاديث كثيرة , لعلنا نتعرض لجمعها و تخريجها في

مناسبة أخرى إن شاء الله تعالي .

الخامسة : أن شروع الإمام في تكبيرة الإحرام عند قول المؤذن " قد قامت الصلاة "

بدعة , لمخالفتها للسنة الصحيحة كما يدل على ذلك هذان الحديثان , لاسيما الأول

منهما , فإنهما يفيدان أن على الإمام بعد إقامة الصلاة واجبا ينبغي عليه القيام

به , و هو أمر الناس بالتسوية مذكرا لهم بها , فإنه مسؤول عنهم : " كلكم راع

و كلكم مسؤول عن رعيته ... " .

33 " يبصر أحدكم القذاة في عين أخيه , و ينسى الجذع أو الجدل في عينه معترضا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 42 :

رواه ابن صاعد في " زوائد " الزهد " لابن المبارك " ( ق 165 / 1 من " الكواكب "

575 ) و ابن حبان في " صحيحه ( 1848 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 99 )

و القضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 51 / 1 ) من طرق عن محمد ابن حمير قال :

حدثنا جعفر بن برقان عن يزيد بن الأصم عن # أبي هريرة # مرفوعا .

و قال أبو نعيم :

" غريب من حديث يزيد تفرد به محمد بن حمير عن جعفر " .

قلت : و رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , و لا علة فيه , فهو حديث صحيح , و لا

ينافيه قوله " غريب " لأن الغرابة قد تجامع الصحة كما هو مقرر في " مصطلح

الحديث " .

و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " لأبي نعيم فقط ! و قال المناوي :

" قال العامري : حسن " .

و رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 592 ) من طريق مسكين بن بكير الحذاء

الحراني عن جعفر بن برقان به موقوفا على أبي هريرة .

و مسكين هذا صدوق يخطىء , فرواية ابن حمير المرفوعة أرجح , لأنه لم يوصف بالخطأ

و كلاهما من رجال البخاري .

34 " إذا ذكر أصحابي فأمسكوا , و إذا ذكر النجوم فأمسكوا , و إذا ذكر القدر

فأمسكوا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 42 :

روي من حديث # ابن مسعود , و ثوبان , و ابن عمر , و طاووس # مرسلا , و كلها

ضعيفة الأسانيد , و لكن بعضها يشد بعضا .

أما حديث ابن مسعود , فأخرجه الطبراني في " الكبير " ( 2 / 78 / 2 ) و أبو نعيم

في " الحلية " ( 4 / 108 ) من طريق الحسن بن علي الفسوي أنبأنا سعيد ابن سليمان

أنبأنا مسهر بن عبد الملك بن سلع الهمداني عن الأعمش عن أبي وائل عن عبد الله

مرفوعا .

و قال أبو نعيم : " غريب من حديث الأعمش , تفرد به عنه مسهر " .

قلت : و هو ضعيف , قال البخاري : " فيه بعض النظر " كذا رواه عنه ابن عدي

( 343 / 1 ) و كذلك هو في " التهذيب " و في " الميزان " :

" قال البخاري : فيه نظر " بإسقاط لفظة " بعض " و لعله سهو من الذهبي

أو الناسخ .

و قال النسائي " ليس بالقوي " . و أما ابن حبان فذكره في " الثقات " ! و قال

الحافظ في " التقريب " " لين الحديث " .

و بقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير الفسوي هذا , ترجمه الخطيب

( 7 / 372 ) و روى عن الدارقطني أنه قال : " لا بأس به " .

و سعيد بن سليمان هو الضبي الواسطي , ثقة حافظ من رجال الشيخين .

و من هذا البيان تعلم خطأ قول الهيثمي ( 7 / 202 ) .

" رواه الطبراني و فيه مسهر بن عبد الملك وثقه ابن حبان و غيره , و فيه خلاف ,

و بقية رجاله رجال الصحيح " .

فإن الفسوي هذا ليس من رجال الصحيح بل و لا من رجال سائر الستة !

و قال الحافظ العراقي في " تخريج الأحياء " ( 1 / 50 طبع الثقافة الإسلامية ) :

" رواه الطبراني من حديث ابن مسعود بإسناد حسن " .

و له عن ابن مسعود طريق آخر , رواه اللالكائي في " شرح أصول السنة "

( 239 / 1 من " الكواكب " 576 ) و ابن عساكر ( 14 / 155 / 2 ) عن النضر

أبي قحذم عن أبي قلابة عن ابن مسعود مرفوعا .

و هذا سند ضعيف و فيه علتان :

الأولى : الانقطاع بين أبي قلابة - و اسمه عبد الله بن زيد الجرمي - و ابن

مسعود , فإن بين وفاتيهما نحو ( 75 ) سنة , و قد ذكروا أنه لم يسمع من جماعة

من الصحابة منهم علي بن أبي طالب , و قد مات بعد ابن مسعود بثمان سنين .

الثانية : النضر أبو قحذم و هو ابن معبد , ضعيف جدا , قال ابن معين : " ليس

بشيء " , و قال أبو حاتم : " يكتب حديثه " , و قال النسائي : " ليس بثقة " .

و أما حديث ثوبان فأخرجه أبو طاهر الزيادي في " ثلاثة مجالس من الأمالي "

( 191 / 2 ) الطبراني في " الكبير " ( 1 / 71 / 2 ) عن يزيد بن ربيعة قال :

سمعت أبا الأشعث الصنعاني يحدث عن ثوبان به مرفوعا .

قلت . و هذا سند ضعيف جدا , يزيد بن ربيعة هو الرحبي الدمشقي و هو متروك ,

كما قال النسائي و العقيلي و الدارقطني , و قال أبو حاتم . " كان في بدء أمره

مستويا , ثم اختلط قبل موته , قيل له فما تقول فيه ? فقال : ليس بشيء , و أنكر

أحاديثه عن أبي الأشعث " .

و قال الجوزجاني : " أخاف أن تكون أحاديثه موضوعة " .و أما ابن عدي فقال : "

أرجو أنه لا بأس به " !

و أما حديث ابن عمر , فأخرجه ابن عدي ( 295 / 1 ) و عنه السهمي في " تاريخ

جرجان " ( 315 ) من طريق محمد بن فضل عن كرز بن وبرة عن عطاء عنه مرفوعا به

دون ذكر النجوم .

و قال ابن عدي : " محمد بن فضل عامة حديثه مما لا يتابعه الثقات عليه " .

قلت : و هو ابن عطية , قال الفلاس : كذاب .

و ضعفه البخاري جدا فقال : " سكتوا عنه " .

و كرز بن وبرة , ترجم له السهمي ترجمة طويلة ( 295 - 316 ) و ساق له أحاديث

كثيرة من روايته عن عبد الله بن عمر , و الربيع بن خيثم , و طاووس , و نعيم

ابن أبي هند , و عطاء بن أبي رباح , و مجاهد , و أبي أيوب , و قال :

" إنه كان معروفا بالزهد و العبادة " . و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .

طريق ثان عن ابن عمر : أخرجه السهمي ( 254 - 255 ) من طريق محمد بن عمر الرومي

حدثنا الفرات بن السائب حدثنا ميمون بن مهران عنه مرفوعا بتمامه .

و هذا سند ضعيف جدا , الفرات هذا قال الدارقطني و غيره : " متروك " .

و قال البخاري : " منكر الحديث " . و قال أحمد : " قريب من محمد بن زياد الطحان

في ميمون , يتهم بما يتهم به ذاك " .

و قال ابن عدي ( 314 / 2 ) : " و عامة أحاديثه خاصة عن ميمون بن مهران مناكير

" .

و محمد بن عمر الرومي لين الحديث .كما في " التقريب " .

و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الصغير " من رواية الطبراني عن ابن مسعود ,

و ابن عدي عنه و عن ثوبان , و ابن عدي عن عمر . و قال المناوي في شرحه :

" قال الحافظ العراقي : سنده ضعيف , و قال الهيثمي : فيه يزيد بن ربيعة ضعيف .

و قال ابن رجب , روي من وجوه في أسانيدها كلها مقال . و به يعرف ما في رمز

المؤلف لحسنه تبعا لابن صرصري , و لعله اعتضد " .

قلت : قد عرفت أن طرقه كلها ما عدا الأول ضعيفة جدا , فلا يتقوى الحديث بها كما

تقرر في علم أصول الحديث . و الله أعلم .

ثم إن السيوطي عزاه لابن عدي عن عمر , و لم أره عنده عن عمر , بل عن ابنه

عبد الله بن عمر , فلعله سقط من قلم السيوطي أو بعض النساخ كلمة ( ابن )

و الله أعلم .

ثم وجدت للحديث شاهدا مرسلا , أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 39 / 1 )

حدثنا معمر عن ابن طاووس عن أبيه مرفوعا به .

قلت : و هذا سند صحيح لولا إرساله , و لكنه مع ذلك شاهد قوي لما قبله من

الشواهد و الطرق , و خاصة الطريق الأول , فيقوى الحديث به . والله أعلم .

35 " إن الله استقبل بي الشام , و ولى ظهري اليمن , ثم قال لي : يا محمد إني قد

جعلت لك ما تجاهك غنيمة و رزقا , و ما خلف ظهرك مددا , و لا يزال الله يزيد

أو قال يعز الإسلام و أهله , و ينقص الشرك و أهله , حتى يسير الراكب بين كذا

- يعني البحرين - لا يخشى إلا جورا , و ليبلغن هذا الأمر مبلغ الليل " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 46 :

رواه أبو نعيم ( 6 / 107 - 108 ) و ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 1 / 377 -

378 ط ) عن ضمرة عن السيباني عن عمرو بن عبد الله الحضرمي عن # أبي أمامة #

مرفوعا . و قال :

" غريب من حديث السيباني تفرد به ضمرة بن ربيعة " .

قلت : و هو ثقة و كذا السيباني و هو بفتح المهملة و وقع في " الحلية "

و " التاريخ " في مواطن عدة ( الشيباني ) بالمعجمة و هو تصحيف , و اسمه يحيى

ابن أبي عمرو .

و أما الحضرمي هذا فوثقه العجلي و ابن حبان , لكن قال الذهبي :

" ما علمت روى عنه سوى يحيى " .

قلت : و لشطره الثاني شواهد تقدم أحدها في المقال الأول ( رقم 3 ) .

و قد تابعه عبد الله بن هانىء عند ابن عساكر , و لم أعرفه .

و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 141 / 1 ) للطبراني في

" الكبير " أيضا و ابن عساكر .

36 " الأذنان من الرأس " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 47 :

حديث صحيح له طرق كثيرة عن جماعة من الصحابة منهم # أبو أمامة , و أبو هريرة ,

و ابن عمرو , و ابن عباس , و عائشة , و أبو موسى , و أنس , و سمرة بن جندب ,

و عبد الله بن زيد # .

1 - أما حديث أبي أمامة , فله عنه ثلاثة طرق :

الأول : عن سنان بن ربيعة عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة مرفوعا .

رواه أبو داود , و الترمذي , و ابن ماجه , و الدارقطني , و البيهقي , و كذا

أحمد ( 5 / 285 / 268 ) و الطحاوي كلهم عن حماد بن زيد عن سنان به .

و هذا سند حسن لا بأس به في الشواهد , و في سنان و شهر ضعف معروف لكنهما غير

متهمان , و الحديث عندهم عن جماعة عن حماد به . و خالفهم سليمان ابن حرب ,

فرواه عنه به موقوفا .

و رواية الجماعة أولى كما بينته في " صحيح سنن أبي داود " ( رقم 123 ) .

و ذكرت هناك من قواه من الأئمة و العلماء كالترمذي , فإنه حسنه في بعض نسخ

كتابه , و كالمنذري و ابن دقيق العيد و ابن التركماني و الزيلعي , و أشار

إلى تقويته الإمام أحمد , فقال الأثرم في " سننه " ( ق 213 / 1 ) بعد أن ساق

الحديث :

" سمعت أبا عبد الله يسأل : الأذنان من الرأس ? قال : نعم " .

الثاني : عن جعفر بن الزبير عن القاسم عن أبي أمامة به .

أخرجه الدارقطني ( ص 38 - 39 ) و قال :

" جعفر بن الزبير متروك " .

قلت : قد تابعه أبو معاذ الألهاني .

أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " ( 246 / 1 ) من طريق عثمان بن فائد حدثنا

أبو معاذ به .

و الألهاني هذا لم أجد من ذكره , و عثمان بن فائد ضعيف .

الثالث : عن أبي بكر بن أبي مريم قال : سمعت راشد بن سعد عن أبي أمامة به .

أخرجه الدارقطني و قال " أبو بكر بن أبي مريم ضعيف " .

2 - و أما حديث أبي هريرة , فله أربعة طرق :

الأول : أخرجه الدارقطني ( 37 ) و أبو يعلى في " مسنده " ( 298 / 1 ) عن

إسماعيل بن مسلم عن عطاء عنه مرفوعا . و قال : " لا يصح " .

قلت : و علته إسماعيل هذا و هو المكي ضعيف , و قد اختلف عليه في إسناده كما

سيأتي في حديث ابن عباس .

الثاني : عن عمرو بن الحصين حدثنا محمد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم

الجزري عن سعيد بن المسيب عنه .

رواه ابن ماجه ( رقم 445 ) و الدارقطني ( ص 38 ) و قال :

" عمرو بن الحصين و ابن علاثة ضعيفان " .

قلت : و الأول أشد ضعفا .

الثالث : عن البختري بن عبيد عن أبيه عنه .

رواه الدارقطني و قال " البختري بن عبيد ضعيف و أبوه مجهول " .

الرابع : عن علي بن عاصم عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن أبي هريرة .

أخرجه الدارقطني ( 37 ) و عنه ابن الجوزي في " التحقيق " ( 1 / 29 / 1 )

و قال الدارقطني :

" وهم علي بن عاصم في قوله : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .

و الذي قبله أصح عن ابن جريج " قلت : يعني عن سليمان بن موسى مرسلا و سيأتي

ص 51 .

و أجاب ابن الجوزي بما خلاصته :

أن زيادة الثقة مقبولة . يعني أن علي بن عاصم زاد في السند أبا هريرة فهي زيادة

مقبولة . لكن هذا لا يتمشى هنا , فإن ابن عاصم هذا صدوق يخطىء و يصر .

3 - و أما ابن عمر , فله عنه طرق أيضا :

الأول : قال المخلص في " الفوائد المنتقاة " في " الثاني من السادس منها "

( ق 190 / 1 ) : حدثنا يحيى ( يعني ابن صاعد ) قال : حدثنا الجراح بن مخلد

قال : حدثنا يحيى بن العريان الهروي قال : حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة

بن زيد عن نافع عنه .

و بهذا السند رواه الدارقطني ( 36 ) و عنه ابن الجوزي , و رواه الخطيب في

" الموضح " ( 1 / 111 ) عن ابن صاعد , و في " التاريخ " ( 14 / 161 ) من طريقين

آخرين عن الجراح بن مخلد به .

و هذا سند حسن عندي , فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير الهروي هذا فقد ترجمه

الخطيب و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا , غير أنه وصفه بأنه كان محدثا .

و أما الدارقطني فقد أعله بقوله : " كذا قال , و هو وهم , و الصواب عن أسامة

بن زيد , عن هلال بن أسامة الفهري , عن ابن عمر موقوفا " .

و رده ابن الجوزي بقوله : " قلنا : الذي يرفعه يذكر زيادة , و الزيادة من الثقة

مقبولة , و الصحابي قد يروى الشيء مرفوعا , و قد يقوله على سبيل الفتوى " .

قلت : هذا كلام صحيح لو كان رجال السند كلهم ثقات , و قد علمت ما فيه , على أن

أسامة بن زيد فيه ضعف يسير , و قد اختلف عليه فيه , فرواه حاتم ابن إسماعيل عنه

مرفوعا , كما رأيت . و خالفه وكيع فقال عنه به موقوفا على ابن عمر .

أخرجه الخطيب في " الموضح " و قال : " و هو الصواب " .

و تابعه في رفعه عبيد الله عن نافع .

أخرجه الدارقطني و تمام في " الفوائد " ( 104 / 1 ) من طريق محمد بن أبي السري

حدثنا عبد الرزاق عن عبيد الله به .

و قال الدارقطني : " رفعه وهم " .

قلت : و علته ابن أبي السري و هو متهم .

و تابعه يحيى بن سعيد عن نافع به .

أخرجه الدارقطني و ابن عدي " في الكامل " ( 11 / 1 ) عن إسماعيل بن عياش عن

يحيى به .

و قال ابن عدي :

" لا يحدث به عن يحيى غير ابن عياش " .

قلت : و ابن عياش ضعيف في الحجازيين و هذا منها .

الطريق الثاني : عن محمد بن الفضل , عن زيد , عن مجاهد , عن ابن عمر مرفوعا .

رواه الدارقطني و قال : " محمد بن الفضل هو ابن عطية , متروك الحديث " .

ثم رواه هو و الدولابي في " الكنى " ( 2 / 137 ) , من طرق عن ابن عمر موقوفا .

4 - و أما حديث ابن عباس , فله عنه طرق أيضا :

الأول : عن أبي كامل الجحدري , أنبأنا غندر محمد بن جعفر , عن ابن جريج عن عطاء

عنه مرفوعا .

أخرجه ابن عدي ( 218 / 1 - 2 ) و أبو عبد الله الفلاكي في " الفوائد "

( 91 / 1 ) , و الدارقطني ( 36 ) و قال :

" تفرد به أبو كامل عن غندر , و هو وهم , تابعه الربيع بن بدر , و هو متروك ,

عن ابن جريج , و الصواب : عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن النبي صلى الله

عليه وسلم مرسلا " .

و تعقبه ابن الجوزي في " التحقيق " ( 1 / 29 / 1 ) بقوله :

" قلنا : أبو كامل لا نعلم أحدا طعن فيه , و الرفع زيادة , و الزيادة من الثقة

مقبولة , كيف و وافقه غيره , فإن لم يعتد برواية الموافق اعتبر بها . و من عادة

المحدثين أنهم إذا رأوا من أوقف الحديث , و من رفعه , وقفوا مع الواقف احتياطا

و ليس هذا مذهب الفقهاء , و من الممكن أن يكون ابن جريج سمعه من عطاء مرفوعا

رواه له سليمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مسند " .

قلت : و الحق أن هذا الإسناد صحيح , لأن أبا كامل ثقة , حافظ , احتج به مسلم ,

فزيادته مقبولة , إلا أن ابن جريج مدلس و قد عنعنه . فإن كان سمعه من سليمان

فلا محيد من القول بصحته , و قد صرح بالتحديث في رواية له من الوجه المرسل عند

الدارقطني, لكن في الطريق إليه العباس بن يزيد و هو البحراني , و هو ثقة ,

و لكن ضعفه بعضهم , و وصف بأنه يخطىء , فلا تطمئن النفس لزيادته لاسيما

و الطريق كلها عن ابن جريج معنعنة , ثم رأيت الزيلعي نقل في " نصب الراية "

( 1 / 19 ) , عن ابن القطان أنه قال : " إسناده صحيح لاتصاله و ثقة رواته " .

ثم رد على الدارقطني بنحو ما فعل ابن الجوزي , و تبعه عبد الحق على ذلك كما في

" تنقيح التحقيق " لابن عبد الهادي ( 241 / 1 ) .

ثم رأيت في ترجمة ابن جريج من " التهذيب " أنه قال : " إذا قلت : قال عطاء :

فأنا سمعته منه , و إن لم أقل : سمعت " , فهذه فائدة هامة , و لكن ابن جريج لم

يقل هنا : " قال عطاء " , و إنما قال : " عن عطاء " . فهل حكمهما واحد , أم

يختلف ? الظاهر عندي الأول . و الله أعلم .

و له طريق آخر عن عطاء رواه القاسم بن غصن عن إسماعيل بن مسلم عنه .

رواه الخطيب في " التاريخ " ( 6 / 384 ) , و الدارقطني و قال : " إسماعيل

بن مسلم ضعيف , و القاسم بن غصن مثله , خالفه علي بن هاشم فرواه عن إسماعيل

بن مسلم المكي , عن عطاء , عن أبي هريرة , و لا يصح أيضا " .

و تابعه جابر الجعفي عن عطاء عن ابن عباس .

أخرجه المخلص في " الثاني من السادس من الفوائد المنتقاة " ( 190 / 1 ) ,

و الدارقطني , و قال :

" جابر ضعيف و قد اختلف عنه , فأرسله الحكم بن عبد الله أبو مطيع عن إبراهيم

بن طهمان , عن جابر عن عطاء , و هو أشبه بالصواب " .

الثاني : عن محمد بن زياد اليشكري حدثنا ميمون بن مهران عنه .

رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 379 ) , و الدارقطني , و قال :

" محمد بن زياد متروك الحديث " , و رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس موقوفا .

ثم ساقه من طريق علي بن زيد عنه . و ابن زيد فيه ضعف .

الثالث : عن قارظ بن شيبة , عن أبي غطفان عنه .

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 98 / 1 ) : حدثنا عبد الله بن أحمد

ابن حنبل , حدثني أبي أنبأنا وكيع عن ابن أبي ذئب عن قارظ بن شيبة به .

قلت : و هذا سند صحيح و رجاله كلهم ثقات , و لا أعلم له علة , و من الغرائب

أن هذه الطريق مع صحتها أغفلها كل من خرج الحديث من المتأخرين كالزيلعي ,

و ابن حجر , و غيرهما ممن ليس مختصا في التخريج , بل أغفله أيضا الحافظ الهيثمي

فلم يورده في " مجمع الزوائد " مع أنه على شرطه ! و هذا كله مصداق قول القائل :

" كم ترك الأول للآخر " . و هو دليل واضح على أهمية الرجوع إلى الأمهات عند

إرادة التحقيق في حديث ما , فإنه سيجد فيها ما يجعل بحثه أقرب ما يكون نضجا

و صوابا . و الله تعالى هو الموفق .

و إذا عرفت هذا فلا تغتر بقول الحافظ ابن حجر في " الدراية " ( ص 7 ) في حديث

ابن عباس هذا :

" أخرجه الدارقطني و اختلف في وصله و إرساله و الراجح إرساله " .

فإنه يعني الطريق الأولى , و قد عرفت أن الصواب وصله , و أنه صحيح لولا عنعنة

ابن جريج , على أنه قد عرفت الجواب عنها .

5 - و أما حديث عائشة , فأخرجه الدارقطني ( ص 37 ) عن محمد بن الأزهر الجوزجاني

أنبأنا الفضل بن موسى السيناني , عن ابن جريج , عن سليمان بن موسى , عن الزهري

عن عروة عنها . و قال : " كذا قال , و المرسل أصح " .

يعني ابن جريج عن سليمان مرسلا كما تقدم في الطريق الأولى عن ابن عباس , و محمد

بن الأزهر قال الحافظ في " التلخيص " ( 33 ) : " كذبه أحمد " .

6 - و أما حديث أبي موسى , فأخرجه الطبراني في " الأوسط "

( 1 / 4 / 1 من زوائده ) , و ابن عدي ( 23 / 1 ) , و الدارقطني ( 38 ) من طرق

عن أشعث عن الحسن عنه . و قال الطبراني :

" لا يروى عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد " .

و كذا رواه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 9 ) عن أشعث به و قال :

" لا يتابع عليه , و الأسانيد في هذا الباب لينة " .

و قال الدارقطني : " الصواب موقوف , و الحسن لم يسمع من أبي موسى " .

7 - و أما حديث أنس , فأخرجه ابن عدي ( 24 / 1 ) و أبو الحسن الحمامي في

" الفوائد المنتقاة " ( 9 / 1 / 2 ) , و الدارقطني ( 39 ) من طرق عن عبد الحكم

عنه .

و قال الدارقطني : " عبد الحكم لا يحتج به " .

8 - و أما حديث سمرة بن جندب , فرواه تمام الرازي في " مسند المقلين من

الأمراء و السلاطين " ( رقم 3 - نسختي ) , و عنه ابن عساكر في " تاريخه "

( 14 / 387 / 1 ) : حدثني أبو علي محمد بن هارون بن شعيب , حدثنا محمد بن عثمان

ابن أبي سويد البصري , حدثنا هدبة بن خالد , حدثنا همام عن سعيد بن أبي عروبة

قال : كنت عند منبر الحجاج بن يوسف فسمعته يقول : حدثني سمرة بن جندب أن رسول

الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

و أبو علي هذا هو الأنصاري و هو ضعيف جدا , و لكنه لم يتفرد به , فقد أخرجه

تمام ( رقم 4 ) من طريق أخرى عن أحمد بن سعيد الطبري , حدثنا هدبة ابن خالد به

و هدبة و من فوقه ثقات غير الحجاج و هو الأمير المشهور بالظلم .

9 - و أما حديث عبد الله بن زيد , فأخرجه بن ماجة ( رقم 443 ) : حدثنا سويد

ابن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة , عن شعبة عن حبيب ابن زيد ,

عن عباد بن تميم , عن عبد الله بن زيد مرفوعا .

قال الزيلعي ( 1 / 19 ) : " و هذا أمثل إسناد في الباب لاتصاله وثقة رجاله ,

فابن أبي زائدة و شعبة و عباد احتج بهم الشيخان , و حبيب ذكره ابن حبان في

" الثقات " في أتباع التابعين , و سويد بن سعيد احتج به مسلم " .

و تعقبه الحافظ في " الدراية " ( ص 7 ) بأن سويدا هذا قد اختلط .

و قال في " التقريب " : " صدوق في نفسه إلا أنه عمي , فصار يتلقن ما ليس من

حديثه , و أفحش فيه ابن معين القول " .

و لهذا قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 33 / 2 ) :

" هذا إسناد حسن إذا كان سويد بن سعيد حفظه " .

أقول : و لكن ذلك لا يمنع أن يكون حسنا لغيره ما دام أن الرجال كلهم ثقات

ليس فيهم متهم . و إذا ضم إليه طريق ابن عباس الصحيح و طريقه الآخر الذي صححه

ابن القطان , و ابن الجوزي , و الزيلعي و غيرهم , فلا شك حينئذ في ثبوت الحديث

و صحته , و إذا ضم إلى ذلك الطريق الأخرى عن الصحابة الآخرين , ازداد قوة ,

بل إنه ليرتقي إلى درجة المتواتر عند بعض العلماء .

فقه الحديث :

------------

و إذ قد صح الحديث , فهو يدل على مسألتين من مسائل الفقه , اختلفت أنظار

العلماء فيها .

أما المسألة الأولى فهي : أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة ? ذهب إلي الأول

الحنابلة . و حجتهم هذا الحديث , فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس , و ما ذلك إلا

لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه . و ذهب الجمهور إلي أن مسحهما سنة

فقط , كما في الفقه على المذاهب الأربعة ( 1 / 56 ) . و لم نجد لهم حجة يجوز

التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في " المجموع " ( 1 / 415 )

إنه ضعيف من جميع طرقه ! و إذا علمت أن الأمر ليس كذلك , و أن بعض طرقه صحيح لم

يطلع عليه النووي . و البعض الآخر صحيح لغيره , استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة

و وجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين و أنهما في ذلك كالرأس ,

و حسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبد الله أحمد بن حنبل , و سلفه في

ذلك جماعة من الصحابة , تقدم تسمية بعضهم في أثناء تخريج الحديث , و قد عزاه

النووي ( 1 / 413 ) إلى الأكثرين من السلف .

و أما المسألة الأخرى فهي : هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس , أم لابد لذلك

من جديد ? ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة كما في " فيض القدير " للمناوي فقال في

شرح الحديث :

" ( الأذنان من الرأس ) لا من الوجه و لا مستقلتان , يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء

جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء , بل يجزىء مسحهما ببلل ماء الرأس ,

و إلا لكان بيانا للخلقة فقط , و المصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك ,

و به قال الأئمة الثلاثة " .

و خالف في ذلك الشافعية , فذهبوا إلى أنه يسن تجديد الماء للأذنين و مسحهما على

الانفراد , و لا يجب , و احتج النووي لهم بحديث عبد الله بن زيد أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه .

قال النووي في " المجموع " ( 1 / 412 ) :

" حديث حسن , رواه البيهقي , و قال : إسناده صحيح " .

و قال في مكان آخر ( 1 / 414 ) :

" و هو حديث صحيح كما سبق بيانه قريبا , فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس ,

إذ لو كانتا منه لما أخذ لهما ماء جديدا كسائر أجزاء الرأس , و هو صريح في أخذ

ماء جديد " .

قلت : و لا حجة فيه على ما قالوا , إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما ,

و هذا لا ينافي جواز الاكتفاء بماء الرأس , كما دل عليه هذا الحديث , فاتفقا

و لم يتعارضا , و يؤيد ما ذكرت أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم :

" أنه مسح برأسه من فضل ماء كان في يده " .

رواه أبو داود في " سننه " بسند حسن كما بينته في " صحيح سننه " ( رقم 121 )

و له شاهد من حديث ابن عباس في " المستدرك " ( 1 / 147 ) بسند حسن أيضا ,

و رواه غيره . فانظر " تلخيص الحبير " ( ص 33 ) .

و هذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبد الله بن زيد , و لكنه غير ثابت ,

بل هو شاذ كما ذكرت في " صحيح سنن أبي داود " ( رقم 111 ) و بينته في " سلسلة

الأحاديث الضعيفة " تحت رقم ( 997 ) .

و جملة القول , فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل

رضي الله عنهم أجمعين , فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين , و لم يأخذ

به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره .

37 " غطوا الإناء و أوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناء

ليس عليه غطاء أو سقاء ليس عليه وكاء إلا نزل فيه من ذلك الوباء " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 57 :

رواه مسلم ( 6 / 105 ) و أحمد ( 3 / 355 ) من طريق القعقاع بن حكيم عن

# جابر بن عبد الله # مرفوعا .

( أوكوا ) أي شدوا رءوسها بالوكاء و هو الخيط الذي تشد به القربة و نحوها .

و في رواية لمسلم و غيره :

( غطوا الإناء , و أوكوا السقاء , و أغلقوا الباب , و أطفئوا السراج , فإن

الشيطان لا يحل سقاء , و لا يفتح بابا , و لا يكشف إناء , فإن لم يجد أحدكم إلا

أن يعرض على إنائه عودا و يذكر اسم الله فليفعل , فإن الفويسقة ( يعني الفأرة )

تضرم على أهل البيت بيتهم ) .

و للحديث طرق و ألفاظ أخرى , و قد سقتها في " إرواء الغليل في تخريج أحاديث

منار السبيل " رقم ( 38 ) و سيطبع قريبا إن شاء الله تعالى .

38 " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ( كله ) ثم لينتزعه , فإن في إحدى

جناحيه داء و في الأخرى شفاء " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 58 :

ورد من حديث # أبي هريرة , و أبي سعيد الخدري , و أنس بن مالك # .

1 - أما حديث أبي هريرة فله عنه طرق :

الأول : عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول , فذكره .

أخرجه البخاري ( 2 / 329 و 4 / 71 - 72 ) , و الدارمي ( 2 / 99 ) , و ابن ماجه

( 3505 ) , و أحمد ( 2 / 398 ) , و ما بين المربعين زيادة له , و هي للبخاري

في رواية له .

الثاني : عن سعيد بن أبي سعيد عنه .

رواه أبو داود ( 3844 ) من طريق أحمد , و هذا في " المسند " ( 3 / 229 , 246 )

و الحسن بن عرفة في " جزئه " ( ق 91 / 1 ) من طريق محمد بن عجلان عنه به

و زاد : " و إنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء , فليغمسه كله " . و إسناده حسن .

و قد تابعه إبراهيم بن الفضل عن سعيد به .

أخرجه أحمد ( 2 / 443 ) , و إبراهيم هذا هو المخزومي المدني و هو ضعيف .

الثالث : عن ثمامة بن عبد الله بن أنس عنه به .

أخرجه الدارمي و أحمد ( 2 / 263 , 355 , 388 ) , و سنده صحيح على شرط مسلم .

الرابع : عن محمد بن سيرين عنه به .

رواه أحمد ( 2 / 355 , 388 ) , و سنده صحيح أيضا .

الخامس : عن أبي صالح عنه .

رواه أحمد ( 2 / 340 ) , و الفاكهي في " حديثه " ( 2 / 50 / 2 ) , بسند حسن .

2 - و أما حديث أبي سعيد الخدري فلفظه :

" إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام , فاملقوه , فإنه

يقدم السم , و يؤخر الشفاء " .

39 " إن أحد جناحي الذباب سم و الآخر شفاء , فإذا وقع في الطعام فامقلوه , فإنه

يقدم السم و يؤخر الشفاء " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 59 :

رواه أحمد ( 3 / 67 ) : حدثنا يزيد قال : حدثنا ابن أبي ذئب , عن سعيد بن خالد

قال : دخلت على أبي سلمة فأتانا بزبد و كتلة , فأسقط ذباب في الطعام , فجعل

أبو سلمة يمقله بأصبعه فيه , فقلت : يا خال ! ما تصنع ? فقال :

إن # أبا سعيد الخدري # حدثني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

و رواه ابن ماجه ( 3504 ) :

حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا يزيد بن هارون به مرفوعا دون القصة .

و رواه الطيالسي في " مسنده " ( 2188 ) :

حدثنا ابن أبي ذئب به , و عنه رواه النسائي ( 2 / 193 ) , و أبو يعلى في

" مسنده " ( ق 65 / 2 ) و ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 102 ) .

قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير سعيد بن خالد و هو القارظي

و هو صدوق كما قال الذهبي و العسقلاني .

3 - و أما حديث أنس :

فرواه البزار و رجاله رجال الصحيح .

رواه الطبراني في " الأوسط " كما في " مجمع الزوائد " ( 5 / 38 ) ,

و ابن أبي خيثمة في " تاريخه الكبير " .

قال الحافظ : و إسناده صحيح , كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 55 ) .

أما بعد , فقد ثبت الحديث بهذه الأسانيد الصحيحة , عن هؤلاء الصحابة الثلاثة

أبي هريرة و أبي سعيد و أنس , ثبوتا لا مجال لرده و لا للتشكيك فيه , كما ثبت

صدق أبي هريرة رضي الله عنه في روايته إياه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ,

خلافا لبعض غلاة الشيعة من المعاصرين , و من تبعه من الزائغين , حيث طعنوا فيه

رضي الله عنه لروايته إياه , و اتهموه بأنه يكذب فيه على رسول الله صلى الله

عليه وسلم , و حاشاه من ذلك , فهذا هو التحقيق العلمي يثبت أنه بريء من كل ذلك

و أن الطاعن فيه هو الحقيق بالطعن فيه , لأنهم رموا صحابيا بالبهت , و ردوا

حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لمجرد عدم انطباقه على عقولهم المريضة !

و قد رواه عنه جماعة من الصحابة كما علمت , و ليت شعري هل علم هؤلاء بعدم تفرد

أبي هريرة بالحديث , و هو حجة و لو تفرد , أم جهلوا ذلك , فإن كان الأول فلماذا

يتعللون برواية أبي هريرة إياه , و يوهمون الناس أنه لم يتابعه أحد من الأصحاب

الكرام ? ! و إن كان الآخر فهلا سألوا أهل الاختصاص و العلم بالحديث الشريف ?

و ما أحسن ما قيل :

فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة و إن كنت تدري فالمصيبة أعظم

ثم إن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذا الحديث يخالف ما يقرره الأطباء و هو أن

الذباب يحمل بأطرافه الجراثيم , فإذا وقع في الطعام أو في الشراب علقت به تلك

الجراثيم , و الحقيقة أن الحديث لا يخالف الأطباء في ذلك , بل هو يؤيدهم إذ

يخبر أن في أحد جناحيه داء , و لكنه يزيد عليهم فيقول : " و في الآخر شفاء "

فهذا مما لم يحيطوا بعلمه , فوجب عليهم الإيمان به إن كانوا مسلمين , و إلا

فالتوقف إذا كانوا من غيرهم إن كانوا عقلاء علماء ! ذلك لأن العلم الصحيح يشهد

أن عدم العلم بالشيء لا يستلزم العلم بعدمه .

نقول ذلك على افتراض أن الطب الحديث لم يشهد لهذا الحديث بالصحة , و قد اختلفت

آراء الأطباء حوله , و قرأت مقالات كثيرة في مجلات مختلفة كل يؤيد ما ذهب إليه

تأييدا أو ردا , و نحن بصفتنا مؤمنين بصحة الحديث و أن النبي صلى الله عليه

وسلم ( ما ينطق عن الهوى , إن هو إلا وحي يوحى ) , لا يهمنا كثيرا ثبوت الحديث

من وجهة نظر الطب , لأن الحديث برهان قائم في نفسه لا يحتاج إلى دعم خارجي

و مع ذلك فإن النفس تزداد إيمانا حين ترى الحديث الصحيح يوافقه العلم الصحيح ,

و لذلك فلا يخلو من فائدة أن أنقل إلى القراء خلاصة محاضرة ألقاها أحد الأطباء

في جمعية الهداية الإسلامية في مصر حول هذا الحديث قال :

" يقع الذباب على المواد القذرة المملؤة بالجراثيم التي تنشأ منها الأمراض

المختلفة , فينقل بعضها بأطرافه , و يأكل بعضا , فيتكون في جسمه من ذلك مادة

سامة يسميها علماء الطب بـ " مبعد البيكتريا " , و هي تقتل كثيرا من جراثيم

الأمراض , و لا يمكن لتلك الجراثيم أن تبقى حية أو يكون لها تأثير في جسم

الإنسان في حال وجود مبعد البكتريا . و أن هناك خاصية في أحد جناحي الذباب ,

هي أنه يحول البكتريا إلى ناحيته , و على هذا فإذا سقط الذباب في شراب أو طعام

و ألقي الجراثيم العالقة بأطرافه في ذلك الشراب , فإن أقرب مبيد لتلك الجراثيم

و أول واق منها هو مبعد البكتريا الذي يحمله الذباب في جوفه قريبا من أحد

جناحيه , فإذا كان هناك داء فدواؤه قريب منه , و غمس الذباب كله و طرحه كاف

لقتل الجراثيم التي كانت عالقة , و كاف في إبطال عملها " .

و قد قرأت قديما في هذه المجلة بحثا ضافيا في هذا المعنى للطبيب الأستاذ سعيد

السيوطي ( مجلد العام الأول ) و قرأت كلمة في مجلد العام الفائت ( ص 503 ) كلمة

للطبيبين محمود كمال و محمد عبد المنعم حسين نقلا عن مجلة الأزهر .

ثم وقفت على العدد ( 82 ) من " مجلة العربي " الكويتية ص 144 تحت عنوان :

" أنت تسأل , و نحن نجيب " بقلم المدعو عبد الوارث كبير , جوابا له على سؤال

عما لهذا الحديث من الصحة و الضعف ? فقال :

" أما حديث الذباب , و ما في جناحيه من داء و شفاء , فحديث ضعيف , بل هو عقلا

حديث مفترى , فمن المسلم به أن الذباب يحمل من الجراثيم و الأقذار ...

و لم يقل أحد قط أن في جناحي الذبابة داء و في الآخر شفاء , إلا من وضع هذا

الحديث أو افتراه , و لو صح ذلك لكشف عنه العلم الحديث الذي يقطع بمضار الذباب

و يحض على مكافحته " .

و في الكلام على اختصاره من الدس و الجهل ما لابد من الكشف عنه دفاعا عن حديث

رسول الله صلى الله عليه وسلم , و صيانة له أن يكفر به من قد يغتر بزخرف

القول ! فأقول :

أولا : لقد زعم أن الحديث ضعيف , يعني من الناحية العلمية الحديثية بدليل

قوله : " بل هو عقلا حديث مفترى " .

و هذا الزعم واضح البطلان , تعرف ذلك مما سبق من تخريج الحديث من طرق ثلاث عن

رسول الله صلى الله عليه وسلم , و كلها صحيحة . و حسبك دليلا على ذلك أن أحدا

من أهل العلم لم يقل بضعف الحديث كما فعل هذا الكاتب الجريء !

ثانيا : لقد زعم أنه حديث مفترى عقلا .

و هذا الزعم ليس وضوح بطلانه بأقل من سابقه , لأنه مجرد دعوى لم يسق دليلا

يؤيده به سوى الجهل بالعلم الذي لا يمكن الإحاطة به , ألست تراه يقول :

" و لم يقل أحد ... , و لو صح لكشف عنه العلم الحديث ... " .

فهل العلم الحديث - أيها المسكين - قد أحاط بكل شيء علما , أم أن أهله الذين لم

يصابوا بالغرور - كما أصيب من يقلدهم منا - يقولون : إننا كلما ازددنا علما بما

في الكون و أسراره , ازددنا معرفة بجهلنا ! و أن الأمر بحق كما قال الله تبارك

و تعالى : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .

و أما قوله : " إن العلم يقطع بمضار الذباب و يحض على مكافحته " !

فمغالطة مكشوفة , لأننا نقول : إن الحديث لم يقل نقيض هذا , و إنما تحدث عن

قضية أخرى لم يكن العلم يعرف معالجتها , فإذا قال الحديث :

" إذا وقع الذباب .. " فلا أحد يفهم , لا من العرب و لا من العجم , اللهم إلا

العجم في عقولهم و إفهامهم أن الشرع يبارك في الذباب و لا يكافحه ?

ثالثا : قد نقلنا لك فيما سبق ما أثبته الطب اليوم , من أن الذباب يحمل في جوفه

ما سموه بـ " مبعد البكتريا " القاتل للجراثيم . و هذا و إن لم يكن موافقا لما

في الحديث على وجه التفصيل , فهو في الجملة موافق لما استنكره الكاتب المشار

إليه و أمثاله من اجتماع الداء و الدواء في الذباب , و لا يبعد أن يأتي يوم

تنجلي فيه معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثبوت التفاصيل المشار إليها

علميا , ( و لتعلمن نبأه , بعد حين ) .

و إن من عجيب أمر هذا الكاتب و تناقضه , أنه في الوقت الذي ذهب فيه إلى تضعيف

هذا الحديث , ذهب إلى تصحيح حديث " طهور الإناء الذي يلغ فيه الكلب أن يغسل سبع

مرات : إحداهن بالتراب " فقال :

" حديث صحيح متفق عليه " فإنه إذا كانت صحته جاءت من اتفاق العلماء أو الشيخين

على صحته , فالحديث الأول أيضا صحيح عند العلماء بدون خلاف بينهم , فكيف جاز له

تضعيف هذا و تصحيح ذاك ?!ثم تأويله تأويلا باطلا يؤدي إلى أن الحديث غير صحيح

عنده في معناه , لأنه ذكر أن المقصود من العدد مجرد الكثرة , و أن المقصود من

التراب هو استعمال مادة مع الماء من شأنها إزالة ذلك الأثر !

و هذا تأويل باطل , بين البطلان و إن كان عزاه للشيخ محمود شلتوت عفا الله عنه

.

فلا أدري أي خطأيه أعظم , أهو تضعيفه للحديث الأول و هو صحيح , أم تأويله

للحديث الآخر و هو تأويل باطل ! .

و بهذه المناسبة , فإني أنصح القراء الكرام بأن لا يثقوا بكل ما يكتب اليوم في

بعض المجلات السائرة , أو الكتب الذائعة , من البحوث الإسلامية , و خصوصا ما

كان منها في علم الحديث , إلا إذا كانت بقلم من يوثق بدينه أولا , ثم بعلمه

و اختصاصه فيه ثانيا , فقد غلب الغرور على كثير من كتاب العصر الحاضر , و خصوصا

من يحمل منهم لقب " الدكتور " ! . فإنهم يكتبون فيما ليس من اختصاصهم , و ما لا

علم لهم به , و إني لأعرف واحدا من هؤلاء , أخرج حديثا إلى الناس كتابا جله في

الحديث و السيرة , و زعم فيه أنه اعتمد فيه على ما صح من الأحاديث و الأخبار في

كتب السنة و السيرة ! ثم هو أورد فيه من الروايات و الأحاديث ما تفرد به

الضعفاء و المتروكون و المتهمون بالكذب من الرواة كالواقدي و غيره , بل أورد

فيه حديث : " نحن نحكم بالظاهر , و الله يتولى السرائر " , و جزم بنسبته إلى

النبي صلى الله عليه وسلم , مع أنه مما لا أصل له عنه بهذا اللفظ , كما نبه

عليه حفاظ الحديث كالسخاوي و غيره , فاحذروا أيها القراء أمثال هؤلاء .

و الله المستع

40 " إذا كان جنح الليل , فكفوا صبيانكم , فإن الشياطين تنتشر حينئذ , فإذا ذهبت

ساعة من العشاء فخلوهم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 65 :

أخرجه البخاري ( 2 / 322 , 4 / 36 - 37 ) , و مسلم ( 6 / 106 ) , و أبو داود

( 3733 ) من طريق عطاء بن أبي رباح عن # جابر بن عبد الله # مرفوعا .

و رواه أحمد ( 3 / 388 ) بنحوه و زاد :

" فإن للجن انتشارا و خطفة " و سنده صحيح .

( جنح الليل ) أي : إذا أقبل ظلامه , قال الطيبي : " جنح الليل " : طائفة منه ,

و أراد به هنا الطائفة الأولى منه , عند امتداد فحمة العشاء .

41 " يعجب ربكم من راعي غنم في رأس شظية بجبل يؤذن بالصلاة و يصلي فيقول الله

عز و جل : انظروا إلى عبدي هذا يؤذن و يقيم الصلاة يخاف مني , فقد غفرت لعبدي

و أدخلته الجنة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 65 :

رواه أبو داود في " صلاة السفر " رقم ( 1203 ) , و النسائي في " الأذان "

( 1 / 108 ) و ابن حبان ( 260 ) من طريق ابن وهب عن عمرو بن الحارث أن

أبا عشانة حدثه عن #‏عقبة بن عامر # قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقول : فذكره .

قلت : و هذا إسناد مصري صحيح , رجاله كلهم ثقات , و أبو عشانة اسمه حي بن يؤمن

و هو ثقة .

( الشظية ) : قطعة من رأس الجبل مرتفعة .

و في الحديث من الفقه استحباب الأذان لمن يصلي وحده , و بذلك ترجم له النسائي ,

و قد جاء الأمر به و بالإقامة أيضا في بعض طرق حديث المسيء صلاته , فلا ينبغي

التساهل بهما .

42 " من أذن اثنتي عشرة سنة وجبت له الجنة و كتب له بتأذينه في كل مرة ستون حسنة

و بإقامته ثلاثون حسنة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 66 :

رواه ابن ماجه ( رقم 728 ) , و الحاكم ( 1 / 205 ) , و عنه البيهقي ( 1 / 433 )

و ابن عدي ( 220 / 1 ) , و البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 58 / 1 - 2 )

و الضياء في " المنتقى من مسموعاته بمرو " ( 32 / 1 ) , كلهم عن عبد الله

بن صالح حدثنا يحيى بن أيوب عن ابن جريج عن نافع عن # ابن عمر # مرفوعا .

و قال الحاكم :

" صحيح على شرط البخاري " و وافقه الذهبي !

و قال المنذري ( 1 / 111 ) :

" و هو كما قال , فإن عبد الله بن صالح كاتب الليث , و إن كان فيه كلام فقد روى

عنه البخاري في ( الصحيح ) . و هذا من المنذري أولى من موافقة الذهبي المطلقة

على تصحيح الحديث لاسيما و هو قد أورده في ترجمة عبد الله بن صالح هذا في جملة

ما أنكر عليه من الأحاديث .

و قال ابن عدي عقب الحديث :

" لا أعلم من روى بهذا الإسناد عن ابن وهب ( كذا و لعله ابن أيوب ) غير أن

أبي صالح , و هو عندي مستقيم الحديث , إلا أنه يقع في حديثه في أسانيده و متونه

غلط , و لا يتعمد الكذب " .

و قال البغوي :

" عبد الله بن صالح كاتب الليث صدوق , غير أنه وقع في حديثه مناكير " .

و لذلك قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 48 / 2 ) :

" إسناده ضعيف لضعف عبد الله بن صالح " .

و للحديث علة أخرى و هي : عنعنة ابن جريج .

و قد قال البيهقي عقبه :

" و قد رواه يحيى بن المتوكل , عن ابن جريج عمن حدثه , عن نافع . قال البخاري :

و هذا أشبه " .

قلت : فتبين أن هذا الإسناد لا تقوم به حجة , لكن ذكر له الحاكم شاهدا من طريق

ابن وهب , أخبرني ابن لهيعة , عن عبد الله بن أبي جعفر , عن نافع به .

و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات , و ابن لهيعة و إن كان فيه كلام من قبل حفظه

فذلك خاص بما إذا كان من غير رواية العبادلة عنه , و ابن وهب أحدهم .

قال عبد الغني بن سعيد الأزدي و الساجي و غيرهما :

" إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح : ابن المبارك و ابن وهب و المقريء "

.

و بذلك يصير الحديث صحيحا . و الحمد لله على توفيقه .

و في هذا الحديث فضل ظاهر للمؤذن المثابر على أذانه هذه المدة المذكورة فيه

و لا يخفى أن ذلك مشروط بمن أذن خالصا لوجه الله تعالى , لا يبتغي من ورائه

رزقا , و لا رياء , و لا سمعة , للأدلة الكثيرة الثابتة في الكتاب و السنة ,

التي تفيد أن الله تعالى لا يقبل من الأعمال إلا ما خلص له .

( راجع كتاب الرياء في أول " الترغيب و الترهيب " للمنذري ) .

و قد ثبت أن رجلا جاء إلى ابن عمر فقال : إني أحبك في الله , قال : فاشهد علي

أني أبغضك في الله ! قال : و لم ? قال : لأنك تلحن في أذانك , و تأخذ عليه

أجرا !

و إن مما يؤسف له حقا أن هذه العبادة العظيمة , و الشعيرة الإسلامية , قد انصرف

أكثر علماء المسلمين عنها في بلادنا , فلا تكاد ترى أحدا منهم يؤذن في مسجد ما

إلا ما شاء الله , بل ربما خجلوا من القيام بها , بينما تراهم يتهافتون على

الإمامة , بل و يتخاصمون ! فإلى الله المشتكى من غربة هذا الزمان .

43 " يا عائشة لولا أن قومك حديثو عهد بشرك و ليس عندي من النفقة ما يقوي على

بنائه لأنفقت كنز الكعبة في سبيل الله و لهدمت الكعبة فألزقتها بالأرض ثم

لبنيتها على أساس إبراهيم و جعلت لها بابين بابا شرقيا يدخل الناس منه و بابا

غربيا يخرجون منه و ألزقتها بالأرض و زدت فيها ستة أذرع من الحجر .

( و في رواية : و لأدخلت فيها الحجر ) فإن قريشا اقتصرتها حيث بنت الكعبة , فإن

بدا لقومك من بعدي أن يبنوه فهلمي لأريك ما تركوه منه , فأراها قريبا من سبعة

أذرع " .

و في رواية عنها قالت :

" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجدر ( أي الحجر ) , أمن البيت هو ?

قال : نعم , قلت : فلم لم يدخلوه في البيت ? قال : إن قومك قصرت بهم النفقة ,

قلت : فما شأن بابه مرتفعا ? قال : فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاءوا و يمنعوا من

شاءوا , ( و في رواية : تعززا أن لا يدخلها إلا من أرادوا , فكان الرجل إذا

أراد أن يدخلها يدعونه يرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط ) و لولا أن قومك

حديث عهدهم في الجاهلية , فأخاف أن تنكر قلوبهم , لنظرت أن أدخل الجدر في البيت

و أن ألزق بابه بالأرض .

فلما ملك ابن الزبير هدمها و جعل لها بابين .

( و في رواية فذلك الذي حمل ابن الزبير على هدمه , قال يزيد بن رومان : و قد

شهدت ابن الزبير حين هدمه و بناه و أدخل فيه الحجر , و قد رأيت أساس إبراهيم

عليه السلام حجارة متلاحمة كأسنمة الإبل متلاحكة ) " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 69 :

( عن # عائشة # ) :

رواه البخاري ( 1 / 44 , 491 , 3 / 197 , 4 / 412 ) , و مسلم ( 4 / 99 - 100 )

و أبو نعيم في " المستخرج " ( ق 174 / 2 ) , و النسائي ( 2 / 34 - 35 ) ,

و الترمذي ( 1 / 166 ) و صححه , و الدارمي ( 1 / 53 - 54 ) و ابن ماجه ( 2955 )

و مالك ( 1 / 363 ) , و الأزرقي في " أخبار مكة " ( ص 114 - 115 , 218 - 219 )

و أحمد ( 6 / 57 , 67 , 92 , 102 , 113 , 136 , 176 , 179 , 239 , 247 , 253 ,

262 ) من طرق عنها .

من فقه الحديث :

--------------

يدل هذا الحديث على أمرين :

الأول : أن القيام بالإصلاح إذا ترتب عليه مفسدة أكبر منه وجب تأجيله , و منه

أخذ الفقهاء قاعدتهم المشهورة " دفع المفسدة , قبل جلب المصلحة " .

الثاني : أن الكعبة المشرفة بحاجة الآن إلى الإصلاحات التي تضمنها الحديث لزوال

السبب الذي من أجله ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك , و هو أن تنفر قلوب

من كان حديث عهد بشرك في عهده صلى الله عليه وسلم , و قد نقل ابن بطال عن بعض

العلماء " أن النفرة التي خشيها صلى الله عليه وسلم , أن ينسبوه إلى الانفراد

بالفخر دونهم " .

و يمكن حصر تلك الإصلاحات فيما يلي :

1 - توسيع الكعبة و بناؤها على أساس إبراهيم عليه عليه الصلاة و السلام , و ذلك

بضم نحو ستة أذرع من الحجر .

2 - تسوية أرضها بأرض الحرم .

3 - فتح باب آخر لها من الجهة الغربية .

4 - جعل البابين منخفضين مع الأرض لتنظيم و تيسير الدخول إليها و الخروج منها

لكل من شاء .

و لقد كان عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما قد قام بتحقيق هذا الإصلاح

بكامله إبان حكمه في مكة , و لكن السياسة الجائرة أعادت الكعبة بعده إلى وضعها

السابق ! و هاك تفصيل ذلك كما رواه مسلم , و أبو نعيم , بسندهما الصحيح عن عطاء

قال :

" لما احترق البيت زمن يزيد بن معاوية حين غزاها أهل الشام , فكان من أمره ما

كان , تركه ابن الزبير حتى قدم الناس الموسم , يريد أن يجرئهم أو يحربهم على

أهل الشام , فلما صدر الناس قال : يا أيها الناس , أشيروا على في الكعبة أنقضها

ثم أبني بناءها , أو أصلح ما وهي منها ? قال ابن عباس : فإني قد فرق لي رأي

فيها : أرى أن تصلح ما وهي منها , و تدع بيتا أسلم الناس عليه , و أحجارا أسلم

الناس عليها , و بعث عليها النبي صلى الله عليه وسلم , فقال ابن الزبير : لو

كان أحدكم احترق بيته ما رضي حتى يجده , فكيف بيت ربكم ?! إني مستخير ربي ثلاثا

ثم عازم على أمري , فلما مضى الثلاث أجمع رأيه على أن ينقضها , فتحاماه الناس ,

أن ينزل بأول الناس يصعد فيه أمر من السماء ! حتى صعده رجل فألقى منه حجارة ,

فلما لم يره الناس أصابه شيء , تتابعوا فنقضوه حتى بلغوا به الأرض , فجعل ابن

الزبير أعمدة فستر عليها الستور حتى ارتفع بناؤه .

و قال ابن الزبير : إني سمعت عائشة تقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال :

( فذكر الحديث بالزيادة الأولى ثم قال ) : فأنا اليوم أجد ما أنفق و لست أخاف

الناس , فزاد فيه خمس أذرع من الحجر حتى أبدى أسا نظر الناس إليه , فبنى عليه

البناء و كان طول الكعبة ثماني عشرة ذراعا , فلما زاد فيه استقصره فزاد في طوله

عشر أذرع , و جعل له بابين أحدهما يدخل منه , و الآخر يخرج منه , فلما قتل

ابن الزبير كتب الحجاج إلى عبد الملك بن مروان يخبره بذلك , و يخبره أن ابن

الزبير قد وضع البناء على أس نظر إليه العدول من أهل مكة , فكتب إليه

عبد الملك : إنا لسنا من تلطيخ ابن الزبير في شيء , أما ما زاد في طوله فأقره

و أما ما زاد فيه من الحجر فرده إلى بنائه , و سد الباب الذي فتحه , فنقضه ,

و أعاده إلى بنائه " .

ذلك ما فعله الحجاج الظالم بأمر عبد الملك الخاطئ , و ما أظن أنه يبرر له خطأه

ندمه فيما بعد .

فقد روى مسلم و أبو نعيم أيضا عن عبد الله بن عبيد قال :

" وفد الحارث بن عبد الله على عبد الملك بن مروان في خلافته , فقال عبد الملك :

ما أظن أبا حبيب ( يعني : ابن الزبير ) سمع من عائشة ما كان يزعم أنه سمعه منها

قال الحارث : بلى أنا سمعته منها , قال : سمعتها تقول ماذا ? قال : قالت : قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( قلت : فذكر الحديث ) قال عبد الملك للحارث :

أنت سمعتها تقول هذا ? قال : نعم , قال : فنكث ساعة بعصاه ثم قال : وددت أني

تركته و ما تحمل " .

و في رواية لهما عن أبي قزعة :

" أن عبد الملك بن مروان بينما هو يطوف بالبيت إذ قال : قاتل الله ابن الزبير

حيث يكذب على أم المؤمنين يقول : سمعتها تقول : ( فذكر الحديث ) .

فقال الحارث بن عبد الله بن ربيعة : لا تقل هذا يا أمير المؤمنين , فأنا سمعت

أم المؤمنين تحدث هذا , قال : لو كنت سمعته قبل أن أهدمه لتركته على ما بنى

ابن الزبير " .

أقول : كان عليه أن يتثبت قبل الهدم فيسأل عن ذلك أهل العلم , إن كان يجوز له

الطعن في عبد الله بن الزبير , و اتهامه بالكذب على رسول الله صلى الله عليه

وسلم .

و قد تبين لعبد الملك صدقه رضي الله عنه بمتابعة الحارث إياه , كما تابعه جماعة

كثيرة عن عائشة رضي الله عنها , و قد جمعت رواياتهم بعضها إلى بعض في هذا

الحديث , فالحديث مستفيض عن عائشة , و لذلك فإني أخشى أن يكون عبد الملك على

علم سابق بالحديث قبل أن يهدم البيت , و لكنه تظاهر بأنه لم يسمع به إلا من

طريق ابن الزبير , فلما جابهه الحارث بن عبد الله بأنه سمعه من عائشة أيضا أظهر

الندم على ما فعل , ولات حين مندم .

هذا , و قد بلغنا أن هناك فكرة أو مشروعا لتوسيع المطاف حول الكعبة و نقل مقام

إبراهيم عليه الصلاة و السلام إلى مكان آخر , فأقترح بهذه المناسبة على

المسؤولين أن يبادروا إلى توسيع الكعبة قبل كل شيء و إعادة بنائها على أساس

إبراهيم عليه السلام تحقيقا للرغبة النبوية الكريمة المتجلية في هذا الحديث ,

و إنقاذا للناس من مشاكل الزحام على باب الكعبة الذي يشاهد في كل عام , و من

سيطرة الحارس على الباب الذي يمنع من الدخول من شاء و يسمح لمن شاء , من أجل

دريهمات معدودات !

44 " خياركم من أطعم الطعام " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 73 :

رواه لوين في " أحاديثه " ( 25 / 2 ) : حدثنا عبيد الله بن عمر عن عبد الله

بن محمد بن عقيل عن # حمزة بن صهيب عن أبيه # قال :

قال عمر لصهيب : أي رجل أنت , لولا خصال ثلاث فيك ! قال : و ما هن ? قال :

اكتنيت و ليس لك ولد , و انتميت إلى العرب و أنت من الروم , و فيك سرف في

الطعام . قال : أما قولك : اكتنيت و لم يولد لك , فإن رسول الله صلى الله عليه

وسلم كناني أبا يحيى , و أما قولك : انتميت إلى العرب و لست منهم , و أنت رجل

من الروم . فإني رجل من النمر بن قاسط فسبتني الروم من الموصل بعد إذ أنا غلام

عرفت نسبي , و أما قولك : فيك سرف في الطعام , فإني سمعت رسول الله صلى الله

عليه وسلم يقول : فذكره .

و هكذا أخرجه ابن عساكر ( 8 / 194 - 195 ) و الضياء المقدسي في " الأحاديث

المختارة " ( 16 / 1 ) و الحافظ ابن حجر في " الأحاديث العاليات " ( رقم 25 )

و قال :

" حديث حسن رواه ابن ماجه و أبو يعلى و الطبراني " .

قلت : و له شواهد من حديث جابر و غيره , عند ابن عساكر , يرتقي بها الحديث إلى

درجة الصحة . أما ابن ماجه فروى ( 3737 ) قصة الكنية فقط .

و قال البوصيري في " الزوائد " : " إسناده حسن " .

و رواه أحمد ( 6 / 16 ) بتمامه و زاد : " و رد السلام " .

و إسناده حسن , و هو و إن كان فيه زهير و هو ابن محمد التميمي الخراساني فإنه

من رواية غير الشاميين عنه و هي مستقيمة .

ثم رواه أحمد ( 6 / 333 ) من طريق زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال لصهيب :

فذكره نحوه . و رجاله ثقات لكنه منقطع بين زيد و عمر .

و له شاهد عند لوين من حديث أبي هريرة مرفوعا .

و رجاله ثقات غير أبي عبيد مولى عبد الرحمن الراوي له عن أبي هريرة فلم أجد له

ترجمة .

من فوائد الحديث

---------------

و في هذا الحديث فوائد :

الأولى : مشروعية الاكتناء , لمن لم يكن له ولد , بل قد صح في البخاري و غيره

أن النبي صلى الله عليه وسلم كنى طفلة صغيرة حينما كساها ثوبا جميلا فقال لها :

هذا سنا يا أم خالد , هذا سنا يا أم خالد " . و قد هجر المسلمون لاسيما الأعاجم

منهم هذه السنة العربية الإسلامية , فقلما تجد من يكتني منهم و لو كان له طائفة

من الأولاد , فكيف من لا ولد له ? و أقاموا مقام هذه السنة ألقابا مبتدعة ,

مثل : الأفندي , و البيك , و الباشا , ثم السيد , أو الأستاذ , و نحو ذلك مما

يدخل بعضه أو كله في باب التزكية المنهي عنها في أحاديث كثيرة . فليتنبه لهذا .

الثانية : فضل إطعام الطعام , و هو من العادات الجميلة التي امتاز بها العرب

على غيرهم من الأمم , ثم جاء الإسلام و أكد ذلك أيما توكيد كما في هذا الحديث

الشريف , بينما لا تعرف ذلك أوربا , و لا تستذوقه , اللهم إلا من دان بالإسلام

منها كالألبان و نحوهم , و إن مما يؤسف له أن قومنا بدؤوا يتأثرون بأوربا في

طريقة حياتها , ما وافق الإسلام منها و ما خالف , فأخذوا لا يهتمون بالضيافة

و لا يلقون لها بالا , اللهم إلا ما كان منها في المناسبات الرسمية , و لسنا

نريد هذا بل إذا جاءنا أي صديق مسلم وجب علينا أن نفتح له دورنا , و أن نعرض

عليه ضيافتنا , فذلك حق له علينا ثلاثة أيام , كما جاء في الأحاديث الصحيحة ,

و إن من العجائب التي يسمعها المسلم في هذا العصر الاعتزاز بالعربية , ممن لا

يقدرها قدرها الصحيح , إذ لا نجد في كثير من دعاتها اللفظيين من تتمثل فيه

الأخلاق العربية , كالكرم , و الغيرة , و العزة , و غيرها من الأخلاق الكريمة

التي هي من مقومات الأمم , و رحم الله من قال :

و إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا و أحسن منه قول

رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" إنما بعثت لأتمم مكارم ( و في رواية صالح ) الأخلاق " .

45 " إنما بعثت لأتمم مكارم ( و في رواية صالح ) الأخلاق " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 75 :

رواه البخاري في " الأدب المفرد " رقم ( 273 ) , و ابن سعد في " الطبقات "

( 1 / 192 ) , و الحاكم ( 2 / 613 ) , و أحمد ( 2 / 318 ) , و ابن عساكر في

" تاريخ دمشق " ( 6 / 267 / 1 ) من طريق ابن عجلان عن القعقاع بن حكيم عن

أبي صالح عن # أبي هريرة # مرفوعا .

و هذا إسناد حسن , و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " , و وافقه الذهبي !

و ابن عجلان , إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره .

و له شاهد , أخرجه ابن وهب في " الجامع " ( ص 75 ) :

أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم مرفوعا به .

و هذا مرسل حسن الإسناد , فالحديث صحيح . و قد رواه مالك في " الموطأ "

( 2 / 904 / 8 ) بلاغا .

و قال ابن عبد البر :

" هو حديث صحيح متصل من وجوه صحاح عن أبي هريرة و غيره " .

46 " هؤلاء لهذه و هؤلاء لهذه " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 76 :

رواه المخلص في " الفوائد المنتقاة " ( ج 1 / 34 / 2 ) , و الطبراني في

" المعجم الصغير " ( ص 73 ) من حديث # ابن عمر # مرفوعا بزيادة :

" فتفرق الناس , و هم لا يختلفون في القدر " .

و إسناده صحيح .

47 " إن الله عز و جل قبض قبضة فقال : في الجنة برحمتي , و قبض قبضة فقال : في

النار و لا أبالي " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 76 :

رواه أبو يعلى في " مسنده " ( 171 / 2 ) و العقيلي في " الضعفاء " ( ص 93 )

و ابن عدي في " الكامل " ( 66 / 2 ) , و الدولابي في " الأسماء و الكنى "

( 2 / 48 ) من حديث الحكم بن سنان , عن ثابت , عن # أنس # مرفوعا .

و قال ابن عدي :

" الحكم بن سنان بعض ما يرويه مما لا يتابع عليه " .

و نحوه قال العقيلي .

قلت : قد توبع عليه فالحديث صحيح , و قد أشار إلي ذلك العقيلي بقوله :

" و قد روي في القبضتين أحاديث بأسانيد صالحة " .

قلت : و ها نحن موردوها إن شاء الله تعالى .

48 " إن الله عز وجل خلق آدم , ثم أخذ الخلق من ظهره و قال : هؤلاء إلى الجنة

و لا أبالي و هؤلاء إلى النار و لا أبالي , فقال قائل : يا رسول الله فعلى ماذا

نعمل ? قال : على مواقع القدر " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 77 :

رواه أحمد ( 4 / 186 ) و ابن سعد في " الطبقات " ( 1 / 30 , 7 / 417 ) ,

و ابن حبان في " صحيحه " ( 1806 ) , و الحاكم ( 1 / 31 ) و الحافظ عبد الغني

المقدسي في ( الثالث و التسعين من " تخريجه " 41 / 2 ) من طريق أحمد عن

# عبد الرحمن بن قتادة السلمي # , و كان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم

مرفوعا .

و قال الحاكم : " صحيح " .

و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .

49 " خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمنى , فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر ,

و ضرب كتفه اليسرى , فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم , فقال للذي في يمينه :

إلى الجنة و لا أبالي و قال للذي في كتفه اليسرى : إلى النار و لا أبالي " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 77 :

رواه أحمد و ابنه في زوائد " المسند " ( 6 / 441 ) و ابن عساكر في

" تاريخ دمشق " ( ج 15 / 136 / 1 ) .

قلت : و إسناده صحيح .

50 " إن الله تبارك و تعالى قبض قبضة بيمينه فقال : هذه لهذه و لا أبالي و قبض

قبضة أخرى , يعني : بيده الأخرى , فقال : هذه لهذه و لا أبالي " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 78 :

رواه أحمد ( 55 / 68 ) عن # أبي نضرة # قال :

" مرض رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم , فدخل عليه أصحابه يعودونه ,

فبكى , فقيل له : ما يبكيك يا عبد الله ! ألم يقل لك رسول الله صلى الله عليه

وسلم : خذ من شاربك ثم أقره حتى تلقاني ? قال : بلى , و لكني سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكره , و قال في آخره : ) فلا أدري في أي

القبضتين أنا " .

و إسناده صحيح .

و في الباب عن أبي موسى و أبي سعيد و غيرهما فليراجعها من شاء في " مجمع

الزوائد " ( 6 / 186 - 187 ) .

و حديث أبي موسى في " حديث لوين " ( 26 / 1 ) و فيه روح بن المسيب و هو صويلح

كما قال ابن معين .

و اعلم أن الباعث على تخريج هذا الحديث و ذكر طرقه أمران :

الأول : أن أحد أهل العلم و هو الشيخ محمد طاهر الفتني الهندي أورده في كتابه

" تذكرة الموضوعات " ( ص 12 ) و قال فيه : " مضطرب الإسناد " ! و لا أدري ما

وجه ذلك فالحديث صحيح من طرق كما رأيت , و لا اضطراب فيه , إلا أن يكون اشتبه

عليه بحديث آخر مضطرب أو عنى طريقا أخرى من طرقه , ثم لم يتتبع هذه الطرق

الصحيحة له . و الله أعلم .

و الثاني : أن كثيرا من الناس يتوهمون أن هذه الأحاديث - و نحوها أحاديث كثيرة

- تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ

القديم و قبل أن يخلق بالجنة أو النار , و قد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ

فمن وقع في القبضة اليمنى كان من أهل السعادة , و من كان من القبضة الأخرى كان

من أهل الشقاوة , فيجب أن يعلم هؤلاء جميعا أن الله ( ليس كمثله شيء ) لا في

ذاته و لا في صفاته , فإذا قبض قبضة فهي بعلمه و عدله و حكمته , فهو تعالى قبض

باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته , و قبض بالأخرى على من سبق في

علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته , و يستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض

باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى , و العكس بالعكس , كيف

و الله عز و جل يقول : ( أفنجعل المسلمين . كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون ) .

ثم إن كلا من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من

أهل النار , بل هو حكم من الله تبارك و تعالى عليهم بما سيصدر منهم من إيمان

يستلزم الجنة , أو كفر يقتضي النار و العياذ بالله تعالى منها , و كل من

الإيمان أو الكفر أمران اختياريان , لا يكره الله تبارك و تعالى أحدا من خلقه

على واحد منهما ( فمن شاء فليؤمن , و من شاء فليكفر ) , و هذا مشاهد معلوم

بالضرورة , و لولا ذلك لكان الثواب و العقاب عبثا , و الله منزه عن ذلك .

و من المؤسف حقا أن نسمع من كثير من الناس حتى من بعض المشايخ التصريح بأن

الإنسان مجبور لا إرادة له ! و بذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن

يظلم الناس ! مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة , و إعلانه بأنه قادر

على الظلم و لكنه نزه نفسه عنه كما في الحديث القدسي المشهور :

" يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي ... " و إذا جوبهوا بهذه الحقيقة , بادروا

إلى الاحتجاج بقوله تعالى : ( لا يسأل عما يفعل ) , مصرين بذلك على أن الله

تعالى قد يظلم و لكنه لا يسأل عن ذلك ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا

كبيرا , و فاتهم أن الآية حجة عليهم لأن المراد بها - كما حققه العلامة

ابن القيم و غيره - أن الله تعالى لحكمته و عدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما

يفعل , لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح فلا داعي للسؤال .

و للشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية لعله أخذ مادتها من

ابن القيم فلتراجع .

هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها

فإن وفقت لذلك فبها و نعمت , و إلا فإني أحيل القارىء إلي المطولات في هذا

البحث الخطير , مثل كتاب ابن القيم السابق , و كتب شيخه ابن تيمية الشاملة

لمواضيع هامة هذه أحدها .

51 " أيما أهل بيت من العرب و العجم أراد الله بهم خيرا أدخل عليهم الإسلام , ثم

تقع الفتن كأنها الظلل " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 80 :

رواه أحمد ( 3 / 477 ) , و الحاكم ( 1 / 34 ) , و البيهقي أيضا في " الأسماء "

( ص 117 ) , و ابن الأعرابي في " حديث سعدان بن نصر " ( 1 / 4 / 1 ) .

و قال الحاكم : " صحيح و ليس له علة " .

و أقره الذهبي و هو كما قالا .

و روى الحاكم ( 1 / 61 - 62 ) من طريق ابن شهاب قال :

" خرج عمر بن الخطاب إلى الشام و معنا أبو عبيدة بن الجراح , فأتوا على مخاضة

و عمر على ناقة , فنزل عنها و خلع خفيه فوضعهما على عاتقه , و أخذ بزمام ناقته

فخاض بها المخاضة , فقال أبو عبيدة : يا أمير المؤمنين , أأنت تفعل هذا ?! تخلع

خفيك و تضعهما على عاتقك , و تأخذ بزمام ناقتك و تخوض بها المخاضة ?!

ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك ! فقال عمر : أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة

جعلته نكالا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم ! إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله

بالإسلام , فمهما نطلب العز بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله " .

و قال الحاكم :

" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .

و في رواية له :

" يا أمير المؤمنين , تلقاك الجنود و بطارقة الشام و أنت على حالك هذه ?

فقال عمر : إنا قوم أعزنا الله بالإسلام , فلن نبتغي العز بغيره " .

( الظلل ) : هي كل ما أظلك , واحدتها ظلة , أراد كأنها الجبال و السحب .

52 " إن الله عز وجل لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا و ابتغي به وجهه " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 81 :

و سببه كما رواه # أبو أمامة # رضي الله عنه قال :

" جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر

و الذكر ماله ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له , فأعادها ثلاث

مرات , يقول له رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا شيء له . ثم قال .... "

فذكره .

رواه النسائي في " الجهاد " ( 2 / 59 ) و إسناده حسن كما قال الحافظ العراقي

في " تخريج الإحياء " ( 4 / 328 ) .

و الأحاديث بمعناه كثيرة تجدها في أول كتاب " الترغيب " للحافظ المنذري .

فهذا الحديث و غيره يدل على أن المؤمن لا يقبل منه عمله الصالح إذا لم يقصد به

وجه الله عز و جل , و في ذلك يقول تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا

صالحا , و لا يشرك بعبادة ربه أحدا ) . فإذا كان هذا شأن المؤمن فماذا يكون حال

الكافر بربه إذا لم يخلص له في عمله ? الجواب في قول الله تبارك و تعالى :

( و قدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا ) .

و على افتراض أن بعض الكفار يقصدون بعملهم الصالح وجه الله على كفرهم , فإن

الله تعالى لا يضيع ذلك عليهم , بل يجازيهم عليها في الدنيا , و بذلك جاء النص

الصحيح الصريح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو :

" إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته , يعطى بها ( و في رواية : يثاب عليها الرزق في

الدنيا ) و يجزى بها في الآخرة , و أما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في

الدنيا , حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " .

53 " إن الله لا يظلم مؤمنا حسنته يعطى بها ( و في رواية : يثاب عليها الرزق في

الدينا ) و يجزى بها في الآخرة و أما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في

الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 82 :

أخرجه مسلم ( 8 / 135 ) , و أحمد ( 3 / 125 ) , و لتمام في " الفوائد "

( 879 ) الشطر الأول .

تلك هي القاعدة في هذه المسألة : أن الكافر يجازى على عمله الصالح شرعا في

الدنيا , فلا تنفعه حسناته في الآخرة , و لا يخفف عنه العذاب بسببها فضلا عن

أن ينجو منه .

و قد يظن بعض الناس أن في السنة ما ينافي القاعدة المذكورة من مثل الحديث

الآتى :

عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب ,

فقال : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار , يبلغ كعبيه ,

يغلي منه دماغه " .

54 عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب ,

فقال : " لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي

منه دماغه " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 83 :

عن # أبي سعيد الخدري # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب

فقال :

رواه مسلم ( 1 / 135 ) , و أحمد ( 3 / 50 - 55 ) , و ابن عساكر ( 19 / 51 / 1 )

و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 86 / 2 ) .

و جوابنا على ذلك من وجهين أيضا :

الأول : أننا لا نجد في الحديث ما يعارض القاعدة المشار إليها , إذ ليس فيه أن

عمل أبي طالب هو السبب في تخفيف العذاب عنه , بل السبب شفاعته صلى الله عليه

وسلم , فهي التي تنفعه . و يؤيد هذا , الحديث التالي :

عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : يا رسول الله , هل نفعت أبا طالب بشيء ,

فإنه كان يحوطك و يغضب لك ? قال : " نعم , هو في ضحضاح من نار , و لولا أنا

( أي شفاعته ) لكان في الدرك الأسفل من النار " .

55 عن العباس بن عبد المطلب أنه قال : يا رسول الله , هل نفعت أبا طالب بشيء

فإنه كان يحوطك و يغضب لك ? قال : " نعم هو في ضحضاح من نار و لولا أنا ( أي

شفاعته ) لكان في الدرك الأسفل من النار " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 83 :

( عن # العباس بن عبد المطلب # ) :

رواه مسلم ( 1 / 134 - 135 ) , و أحمد ( 1 / 206 , 207 , 210 ) . و أبو يعلى

( 213 / 2 و 313 / 2 ) , و ابن عساكر ( 19 / 51 / 1 ) و استقصى طرقه و ألفاظه .

فهذا الحديث نص في أن السبب في التخفيف إنما هو النبي عليه السلام , أي شفاعته

- كما في الحديث قبله - و ليس هو عمل أبي طالب , فلا تعارض حينئذ بين الحديث

و بين القاعدة السابقة , و يعود أمر الحديث أخيرا إلى أنه خصوصية للرسول صلى

الله عليه وسلم , و كرامة أكرمه الله تبارك و تعالى بها حيث قبل شفاعته في عمه

و قد مات على الشرك , مع أن القاعدة في المشركين أنهم كما قال عز و جل :

( فما تنفعهم شفاعة الشافعين ) , و لكن الله تبارك و تعالى يخص بتفضله من شاء ,

و من أحق بذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء ? عليهم جميعا

صلوات الله .

و الجواب الثاني : أننا لو سلمنا جدلا أن سبب تخفيف العذاب عن أبي طالب هو

انتصاره للنبي صلى الله عليه وسلم مع كفره به , فذلك مستثنى من القاعدة و لا

يجوز ضربها بهذا الحديث كما هو مقرر في علم أصول الفقه , و لكن الذي نعتمده في

الجواب إنما هو الأول لوضوحه . و الله أعلم .

56 " كان يأكل القثاء بالرطب " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 84 :

رواه البخاري ( 2 / 506 ) , و مسلم ( 6 / 122 ) , و أبو داود ( رقم 3835 )

و الترمذي ( 1 / 339 ) , و الدارمي ( 2 / 103 ) , و ابن ماجه ( 3325 ) و أحمد (

1 / 203 ) , و أبو الحسن أحمد بن محمد المعروف بابن الجندي في " الفوائد الحسان

" ( ق 2 / 1 ) , من حديث # عبد الله بن جعفر # مرفوعا ,

و اللفظ لأبي داود , و الترمذي , و قال الآخرون : " رأيت " , بدل : " كان " .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

و في رواية لأحمد ( 1 / 204 ) بلفظ :

" إن آخر ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى يديه رطبات , و في

الأخرى قثاء , و هو يأكل من هذه , و بعض من هذه " .

و في إسناده نصر بن باب و هو واه . و عزاه الهيثمي في " مجمع الزوائد "

( 5 / 38 ) للطبراني في " الأوسط " في حديث طويل , و قال :

" و فيه أصرم بن حوشب و هو متروك " .

و كذلك عزاه إليه فقط الحافظ في " الفتح " ( 9 / 496 ) و قال :

" في سنده ضعف " .

و فاتهما أنه في " المسند " أيضا كما ذكرنا , و في عبارة الحافظ تهوين ضعف

إسناده مع أنه شديد كما يشير إلى ذلك قول الهيثمي في رواية : " و هو متروك " .

و لذلك أقول : إن الحديث بهذه الزيادة ضعيف , و لا يتقوى أحد الإسنادين بالآخر

لشدة ضعفهما , نعم له شاهد من حديث أنس بن مالك بلفظ :

" كان يأخذ الرطب بيمينه و البطيخ بيساره , فيأكل الرطب بالبطيخ , و كان أحب

الفاكهة إليه " .

و لكنه ضعيف أيضا شديد الضعف , فقال الهيثمي :

" رواه الطبراني في " الأوسط " , و فيه يوسف بن عطية الصفار , و هو متروك " .

و من طريقه أخرجه الحاكم ( 4 / 121 ) , و ذكر أنه تفرد به يوسف هذا .

قال الذهبي : " و هو واه " .

و قول الحافظ فيه : " و سنده ضعيف , فيه ما قلناه آنفا في قوله المتقدم في حديث

ابن جعفر .

و هو مع الضعف المذكور فقد ذكر " البطيخ " بدل القثاء . لكن لهذا أصل عن جماعة

من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم أنس رضي الله عنه و يأتي بعد هذا .

و أخرج أبو داود ( 3903 ) و ابن ماجه ( 3324 ) عن عائشة قالت :

" كانت أمي تعالجني للسمنة , تريد أن تدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فما استقام لها ذلك حتى أكلت القثاء بالرطب , فسمنت كأحسن سمنة " .

و إسناده صحيح . و عزاه الحافظ لابن ماجه و النسائي , و كأنه يعني في " السنن

الكبرى " . قال :

" و عند أبي نعيم في " الطب " من وجه آخر عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم

أمر أبويها بذلك " .

قلت : و ينظر في إسناده .

57 كان يأكل البطيخ بالرطب فيقول : " نكسر حر هذا ببرد هذا و برد هذا بحر هذا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 86 :

رواه الحميدي في " مسنده " ( 42 / 1 ) , و أبو داود ( 3835 ) , و الترمذي

( 1 / 338 ) و أبو بكر محمد بن عبد الله الأبهري في " الفوائد " ( ق 144 / 1 )

و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 1 / 103 ) , و كذا أبو جعفر البحتري في

" الفوائد " ( 4 / 77 / 2 ) , و أبو بكر بن أبي داود في " مسند عائشة "

( 54 / 2 ) من حديث # عائشة # رضي الله عنها .

و قال الترمذي :" حديث حسن غريب " .

قلت : و إسناد الحميدي صحيح على شرط الشيخين , و إسناد أبي داود حسن ,

و الزيادة له ,و عزاه الحافظ ( 9 / 496 ) للنسائي بدونها و قال :

" سنده صحيح " .

و له شاهد من حديث أنس مثل رواية النسائي أخرجه ابن الضريسي في " أحاديث مسلم

بن إبراهيم الأزدي " ( 5 / 1 ) بسند رجاله ثقات .

و رواه ابن ماجه ( 3326 ) من حديث سهل بن سعد , لكن إسناده واه جدا , فيه يعقوب

بن الوليد كذبه أحمد و غيره . ففي حديث عائشة غنية .

قال ابن القيم في " زاد المعاد " ( 3 / 175 ) بعد أن ذكره بالزيادة :

" و في البطيخ عدة أحاديث , لا يصح منها شيء غير هذا الحديث الواحد , و المراد

به الأخضر و هو بارد رطب , و فيه جلاء , و هو أسرع انحدارا عن المعدة من القثاء

و الخيار , و هو سريع الاستحالة إلى أي خلط كان صادفه في المعدة , و إذا كان

آكله محرورا انتفع به جدا , و إن كان مبرودا دفع ضرره بيسير من الزنجبيل و نحوه

و ينبغي أكله قبل الطعام , و يتبع به , و إلا غثى و قيأ .

و قال بعض الأطباء :

إنه قبل الطعام يغسل البطن غسلا , و يذهب الداء أصلا " .

و هذا الذي عزاه لبعض الأطباء قد روي مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

و لكنه لا يصح , و قد سبق الكلام عليه في " الأحاديث الضعيفة " ( رقم 144 ) ,

فليراجعه من شاء .

و قوله : " المراد به الأخضر " , هو الظاهر من الحديث . و لكن الحافظ رده في

" الفتح " و ذكر أن المراد به الأصفر , و احتج بالحديث الآتي , و يأتي الجواب

عنه فيه . و هو :

" كان يأكل الرطب مع الخربز يعني البطيخ " .

58 " كان يأكل الرطب مع الخربز . يعني البطيخ " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 87 :

رواه أحمد ( 3 / 142 , 143 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 105 / 2 )

و الضياء في " المختارة " ( 86 / 2 ) عن جرير بن حازم عن حميد عن # أنس #

مرفوعا .

ثم رواه الضياء من طريق أحمد حدثنا وهب بن جرير حدثني أبي به نحوه ثم قال :

" و روي عن مهنا صاحب أحمد بن حنبل عنه أنه قال : ليس هو صحيحا , ليس يعرف من

حديث حميد و لا من غير حديث حميد , و لا يعرف إلا من قبل عبد الله بن جعفر .

قلت : - و الله أعلم - رواية أحمد له في " المسند " يوهن هذا القول أو ( يؤيد )

رجوعه عنه بروايته له و تركه في كتابه و حديث عبد الله بن جعفر في " الصحيحين "

.

قال : " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل القثاء بالرطب " .

قلت : و إسناده صحيح , و لا علة قادحة فيه , و جرير بن حازم و إن كان اختلط

فإنه لم يحدث في اختلاطه كما قال الحافظ في " التقريب " , و لذلك صحح إسناده

في " الفتح " ( 9 / 496 ) بعد أن عزاه للنسائي . يعني في الكبرى . ثم قال :

" و ( الخربز ) و هو بكسر الخاء المعجمة و سكون الراء و كسر الموحدة بعدها زاي

نوع من البطيخ الأصفر , و قد تكبر القثاء فتصفر من شدة الحر فتصير كالخربز كما

شاهدته كذلك بالحجاز , و في هذا تعقب على من زعم أن المراد بالبطيخ في الحديث

الأخضر و اعتل بأن في الأصفر حرارة كما في الرطب , و قد ورد التعليل بأن أحدهما

يطفئ حرارة الآخر .

و الجواب عن ذلك بأن في الأصفر بالنسبة للرطب برودة , و إن كان فيه لحلاوته طرف

حرارة . و الله أعلم " .

أقول : و في هذا التعقب نظر عندي , ذلك لأن الحديثين مختلفا المخرج , فالأول

من حديث عائشة , و هذا من حديث أنس فلا يلزم تفسير أحدهما بالآخر , لاحتمال

التعدد و المغايرة " لاسيما و في الأول تلك الزيادة " نكسر حر هذا ببرد هذا ...

" و لا يظهر هذا المعنى تمام الظهور بالنسبة إلى الخربز , ما دام أنه يشابه

الرطب في الحرارة . والله أعلم .

من فوائد الحديث

---------------

قال الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 79 / 1 - 2 ) بعد أن ساق إسناده إلى

عبد الله بن جعفر :

" في هذا الحديث من الفوائد أن قوما ممن سلك طريق الصلاح و التزهد قالوا : لا

يحل الأكل تلذذا , و لا على سبيل التشهي و الإعجاب , و لا يأكل إلا ما لابد منه

لإقامة الرمق , فلما جاء هذا الحديث سقط قول هذه الطائفة , و صلح أن يأكل الأكل

تشهيا و تفكها و تلذذا . و قالت طائفة من هؤلاء : إنه ليس لأحد أن يجمع بين

شيئين من الطعام , و لا بين أدمين على خوان . فهذا الحديث أيضا يرد على صاحب

هذا القول و يبيح أن يجمع الإنسان بين لونين و بين أدمين فأكثر " .

قلت : و لا يعدم هؤلاء بعض أحاديث يستدلون بها لقولهم , و لكنها أحاديث واهية ,

و قد ذكرت طائفة منها في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " , فانظر( رقم 241 , 257 )

.

59 " يا علي أصب من هذا فهو أنفع لك " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 89 :

رواه أبو داود ( 3856 ) و الترمذي ( 2 / 2 , 3 ) و ابن ماجه ( 2442 ) و أحمد

( 6 / 364 ) و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 225 / 2 ) من طريق فليح

ابن سليمان عن أيوب بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب

عن # أم المنذر بنت قيس الأنصارية # قالت :

" دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم و معه علي عليه السلام , و علي ناقه

و لنا دوالي معلقة , فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل منها , و قام علي

ليأكل , فطفق رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي : مه إنك ناقه , حتى كف

علي عليه السلام , قالت : و صنعت شعيرا و سلقا , فجئت به , فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : فذكره " .

و قال الترمذي :

" حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث فليح " .

قلت : و هو مختلف فيه و قد ضعفه جماعة , و مشاه بعضهم و احتج به الشيخان في

" صحيحيهما " , و الراجح عندنا أنه صدوق في نفسه و أنه يخطىء أحيانا فمثله حسن

الحديث إن شاء الله تعالى إذا لم يتبين خطؤه . و قد أخرج حديثه هذا الحاكم في

" المستدرك " ( 4 / 407 ) و قال :

" صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . و إنما هو حسن فقط كما قال الترمذي .

و الله أعلم .

قال ابن القيم رحمه الله في " زاد المعاد " ( 3 / 97 ) بعد أن ساق الحديث :

" و اعلم أن في منع النبي صلى الله عليه وسلم لعلي من الأكل من الدوالي و هو

ناقه أحسن التدبير , فإن الدوالي أقناء من الرطب تعلق في البيت للأكل بمنزلة

عناقيد العنب , و الفاكهة تضر بالناقه من المرض لسرعة استحالتها و ضعف الطبيعة

عن دفعها , فإنها بعد لم تتمكن قوتها , و هي مشغولة بدفع آثار العلة و إزالتها

من البدن , و في الرطب خاصة نوع ثقل على المعدة , فتشتغل بمعالجته و إصلاحه عما

هي بصدده من إزالة بقية المرض و آثاره , فإما أن تقف تلك البقية , و إما أن

تتزايد . فلما وضع بين يديه السلق و الشعير أمره أن يصيب منه , فإنه من أنفع

الأغذية للناقه , و لاسيما إذا طبخ بأصول السلق , فهذا من أوفق الغذاء لمن في

معدته ضعف , و لا يتولد عنه من الأخلاط ما يخاف منه " .

60 " نهى عن الوحدة : أن يبيت الرجل وحده , أو يسافر وحده " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 90 :

رواه أحمد ( 2 / 91 ) عن عاصم بن محمد عن أبيه عن # ابن عمر # مرفوعا .

قلت : و هذا إسناد صحيح , و هو على شرط البخاري , رجاله كلهم من رجال الشيخين ,

غير أبي عبيدة الحداد و اسمه عبد الواحد بن واصل فمن رجال البخاري وحده و هو

ثقة . و عاصم بن محمد هو ابن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري و قد روى

عن العبادلة الأربعة و منهم جده عبد الله بن عمر .

و الحديث أورده في " المجمع " ( 8 / 104 ) و قال : " رواه أحمد و رجاله رجال

الصحيح " .

و قد رواه جماعة عن عاصم بلفظ آخر , و هو :

" لو يعلم الناس في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ( أبدا ) " .

61 " لو يعلم الناس في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده ( أبدا ) " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 91 :

رواه البخاري ( 2 / 247 ) و الترمذي ( 1 / 314 ) و الدارمي ( 2 / 289 )

و ابن ماجه ( 3768 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 1970 - موارد ) و الحاكم

( 2 / 101 ) و أحمد ( 2 / 23 و 24 , 86 , 120 ) و البيهقي ( 5 / 257 )

و ابن عساكر ( 18 / 89 / 2 ) من طرق عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله

بن عمر عن أبيه عن # ابن عمر # مرفوعا .

و قال الحاكم :

" صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح لا نعرفه إلا من حديث عاصم " .

قلت : قد تابعه أخوه عمر بن محمد فقال أحمد ( 2 / 111 - 112 ) : حدثنا مؤمل

حدثنا عمر بن محمد به , و حدثنا مؤمل مرة أخرى و لم يقل : " عن ابن عمر " .

و للحديث شاهد من حديث جابر بزيادة :

" و لا نام رجل في بيت وحده " .

قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 104 ) :

" رواه الطبراني في الأوسط " و فيه محمد بن القاسم الأسدي وثقه ابن معين ,

و ضعفه أحمد و غيره , و بقية رجاله ثقات " .

قلت : الأسدي هذا قال الحافظ في " التقريب " : " كذبوه " فلا يستشهد به .

و هذه الزيادة و ردت في بعض طرق حديث ابن عمر و هو قبل هذا الحديث , فعليه

الاعتماد فيها .

62 " الراكب شيطان و الراكبان شيطانان و الثلاثة ركب ".

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 92 :

مالك ( 2 / 978 / 35 ) , و عنه أبو داود ( 2607 ) , و كذا الترمذي ( 1 / 314 )

و الحاكم ( 2 / 102 ) , و البيهقي ( 5 / 267 ) , و أحمد ( 2 / 186 , 214 ) من

طريق # عمرو بن شعيب , عن أبيه , عن جده # مرفوعا .

و سببه كما في " المستدرك " و البيهقي :

" أن رجلا قدم من سفر , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من صحبت ? فقال :

ما صحبت أحدا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فذكره .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

و قال الترمذي : " حديث حسن " .

قلت : و إسناده حسن , للخلاف في عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . و المتقرر فيه

أنه حسن كما فصلت القول فيه في " صحيح أبي داود " ( رقم 124 ) .

و في هذه الأحاديث تحريم سفر المسلم وحده و كذا لو كان معه آخر , لظاهر النهي

في الحديث الذي قبل هذا , و لقوله فيه : " شيطان " أي عاص , كقوله تعالى

( شياطين الإنس و الجن ) فإن معناه : عصاتهم كما قال المنذري .

و قال الطبري : " هذا زجر أدب و إرشاد لما يخاف على الواحد من الوحشة , و ليس

بحرام , فالسائر وحده بفلاة , و البائت في بيت وحده لا يأمن من الاستيحاش ,

لاسيما إن كان ذا فكرة رديئة أو قلب ضعيف . و الحق أن الناس يتفاوتون في ذلك ,

فوقع الزجر لحسم المادة فيكره الانفراد سدا للباب , و الكراهة في الاثنين أخف

منها في الواحد " .

ذكره المناوي في " الفيض " .

قلت : و لعل الحديث أراد السفر في الصحارى و الفلوات التي قلما يرى المسافر

فيها أحدا من الناس , فلا يدخل فيها السفر اليوم في الطرق المعبدة الكثيرة

المواصلات . و الله أعلم .

ثم إن فيه ردا صريحا على خروج بعض الصوفية إلى الفلاة وحده للسياحة و تهذيب

النفس , زعموا ! و كثيرا ما تعرضوا في أثناء ذلك للموت عطشا و جوعا , أو لتكفف

أيدي الناس , كما ذكروا ذلك في الحكايات عنهم . و خير الهدي هدي محمد صلى الله

عليه و آله وسلم .

63 " تبايعوني على السمع و الطاعة في النشاط و الكسل و النفقة في العسر و اليسر و

على الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر و أن تقولوا في الله لا تخافون في الله

لومة لائم و على أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم و

أزواجكم و أبناءكم و لكم الجنة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 93 :

رواه أحمد ( 3 / 322 , 323 - 339 ) من طرق عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن

أبي الزبير محمد بن مسلم أنه حدثه عن # جابر # قال :

" مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين , يتبع الناس في منازلهم

بعكاظ و مجنة , و في المواسم بمنى يقول : من يؤويني ? من ينصرني حتى أبلغ رسالة

ربي و له الجنة ? حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر - كذا قال - فيأتيه

قومه فيقولون : احذر غلام قريش لا يفتنك , و يمشي بين رحالهم و هم يشيرون إليه

بالأصابع , حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه و صدقناه , فيخرج الرجل منا

فيؤمن به , و يقرئه القرآن , فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه , حتى لم يبق دار

من دور الأنصار إلا و فيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام , ثم ائتمروا جميعا

فقلنا : حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطرد في جبال مكة و يخاف ?

فرحل إليه منا سبعون رجلا حتى قدموا عليه في الموسم , فواعدناه شعب العقبة

فاجتمعنا عليه من رجل و رجلين حتى توافينا , فقلنا : يا رسول الله نبايعك ?

قال : ( فذكر الحديث ) , قال : فقمنا إليه فبايعناه , و أخذ بيده ابن زرارة

و هو من أصغرهم - فقال : رويدا يا أهل يثرب , فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا

و نحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم و أن إخراجه اليوم مفارقة العرب

كافة , و قتل خياركم , و أن تعضكم السيوف , فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك

و أجركم على الله , و إما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك , فهو

عذر لكم عند الله . قالوا : أمط عنا يا سعد ! فو الله لا ندع هذه البيعة أبدا

و لا نسلبها أبدا . قال : فقمنا إليه فبايعناه , فأخذ علينا و شرط : و يعطينا

على ذلك الجنة " .

قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط مسلم , و قد صرح أبو الزبير بالتحديث في بعض

الطرق عنه , و قال الحافظ ابن كثير في تاريخه " البداية و النهاية "

( 3 / 159 - 160 ) :

" رواه أحمد و البيهقي , و هذا إسناد جيد على شرط مسلم , و لم يخرجوه " .

ثم رأيته في " المستدرك " ( 2 / 624 - 625 ) من الوجه المذكور , و قال :

" صحيح الإسناد , جامع لبيعة العقبة " . و وافقه الذهبي . ثم روى قطعة يسيرة

و أقره الذهبي . من آخره من طريق أخرى عن جابر به . و قال :

" صحيح على شرط مسلم " .

64 " من قال : سبحان الله العظيم و بحمده غرست له نخلة في الجنة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 95 :

رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 12 / 125 / 2 ) و الترمذي ( 2 / 258 / 259 )

و ابن حبان ( ) , و الحاكم ( 1 / 501 - 502 ) من طريق أبي الزبير عن

# جابر # مرفوعا .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

لكن وقع في النسخة المطبوعة من " التلخيص " أنه قال : على شرط ( خ ) . و هو

تحريف , فإن أبا الزبير إنما احتج به مسلم فقط . و لكنه مدلس و قد عنعنه فإن

كان سمعه من جابر فالحديث صحيح .

ثم وجدت ما يشهد له . و هو ما أخرجه ابن أبي شيبة ( 12 / 127 / 1 ) , عن عمرو

ابن شعيب عن عبد الله بن عمرو قال :

" من قال : سبحان الله العظيم و بحمده , غرس له بها نخلة في الجنة " .

و رجاله ثقات , إلا أنه منقطع بين عمرو و جده ابن عمرو , و هو و إن كان موقوفا

فله حكم المرفوع إذ أنه لا يقال بمجرد الرأي .

و له شاهد مرفوع من حديث معاذ بن سهل بلفظ :

" من قال : سبحان الله العظيم نبت له غرس في الجنة " .

رواه أحمد ( 3 / 440 ) , و إسناده ضعيف , لكن يستشهد به لأنه ليس شديد الضعف .

65 " لأن يزني الرجل بعشر نسوة أيسر عليه من أن يزني بامرأة جاره , و لأن يسرق

الرجل من عشر أبيات أيسر عليه من يسرق من جاره " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 96 :

رواه أحمد ( 6 / 8 ) , و البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 103 ) ,

و الطبراني في " الكبير " ( مجموع 6 / 80 / 2 ) عن محمد بن سعد الأنصاري

قال : سمعت أبا ظبية الكلاعي يقول : سمعت # المقداد بن الأسود # قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه :

" ما تقولون في الزنا ? قالوا : حرمه الله و رسوله , فهو حرام إلى يوم القيامة

قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فذكر الشطر الأول من الحديث ثم

سألهم عن السرقة , فأجابوا بنحو ما أجابوا عن الزنا , ثم ذكر صلى الله عليه

وسلم الشطر الثاني منه .

قلت : و هذا إسناد جيد , و رجاله كلهم ثقات , و قول الحافظ في الكلاعي هذا

" مقبول " , يعني عند المتابعة فقط , ليس بمقبول , فقد وثقه ابن معين .

و قال الدارقطني : " ليس به بأس " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 270 )

فهو حجة .

و قال المنذري ( 3 / 195 ) , و الهيثمي ( 8 / 168 ) :

" رواه أحمد و الطبراني في " الكبير " و " الأوسط و رجاله ثقات " .

66 " إذا أدرك أحدكم ( أول ) سجدة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فليتم صلاته

و إذا أدرك ( أول ) سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 97 :

أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 1 / 148 ) : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا شيبان

عن يحيى عن أبي سلمة عن # أبي هريرة # مرفوعا به , دون الزيادتين , و هما عند

النسائي و البيهقي و غيرهما , فقال النسائي ( 1 / 90 ) : أخبرنا عمرو بن منصور

قال حدثنا الفضل بن دكين به .

و هذا سند صحيح , فإن عمرا هذا ثقة ثبت كما في " التقريب " و باقي الرجال

معروفون , و الفضل بن دكين هو أبو نعيم شيخ البخاري فيه و قد توبع هو و الراوي

عنه على الزيادتين .

أما عمرو فتابعه محمد بن الحسين بن أبي الحنين عند البيهقي ( 1 / 368 ) و قال :

" رواه البخاري في " الصحيح " عن أبي نعيم الفضل بن دكين " .

و يعني أصل الحديث كما هي عادته , و إلا فالزيادتان ليستا عند البخاري كما عرفت

و أما أبو نعيم فتابعه حسين بن محمد أبو أحمد المروذي : حدثنا شيبان به .

أخرجه السراج في "مسنده " ( ق 95 / 1 ) . و حسين هذا هو ابن بهرام التميمي ,

و هو ثقة محتج به في " الصحيحين " .

و للحديث عن أبي هريرة ستة طرق و قد خرجتها في كتابي : " إرواء الغليل في تخريج

أحاديث منار السبيل " الذي أنا في صدد تأليفه , يسر الله إتمامه ثم طبعه .

انظر ( رقم 250 منه ) .

و إنما آثرت الكلام على هذه الطريق لورود الزيادتين المذكورتين فيها , فإنهما

تحددان بدقة المعنى المراد من لفظ " الركعة " الوارد في طرق الحديث و هو إدراك

الركوع و السجدة الأولى معا , فمن لم يدرك السجدة لم يدرك الركعة , و من لم

يدرك الركعة لم يدرك الصلاة .

من فوائد الحديث :

------------------

و من ذلك يتبين أن الحديث يعطينا فوائد هامة :

الأولى : إبطال قول بعض المذاهب أن من طلعت عليه الشمس و هو في الركعة الثانية

من صلاة الفجر بطلت صلاته ! و كذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس و هو في آخر

ركعة من صلاة العصر ! و هذا مذهب ظاهر البطلان لمعارضته لنص الحديث كما صرح

بذلك الإمام النووي و غيره . و لا يجوز معارضة الحديث بأحاديث النهي عن الصلاة

في وقت الشروق و الغروب لأنها عامة و هذا خاص , و الخاص يقضي على العام كما هو

مقرر في علم الأصول .

و إن من عجائب التعصب للمذهب ضد الحديث أن يستدل البعض به لمذهبه في مسألة ,

و يخالفه في هذه المسألة التي نتكلم فيها ! و أن يستشكله آخر من أجلها !

فإلى الله المشتكى مما جره التعصب على أهله من المخالفات للسنة الصحيحة !

قال الزيلعي في " نصب الراية " ( 1 / 229 ) بعد أن ساق حديث أبي هريرة هذا و

غيره مما في معناه :

" و هذه الأحاديث أيضا مشكلة عند مذهبنا في القول ببطلان صلاة الصبح إذا طلعت

عليها الشمس , و المصنف استدل به على أن آخر وقت العصر ما لم تغرب الشمس " . !

فيا أيها المتعصبون ! هل المشكلة مخالفة الحديث الصحيح لمذهبكم , أم العكس هو

الصواب ! .

الفائدة الثانية : الرد على من يقول : إن الإدراك يحصل بمجرد إدراك أي جزء من

أجزاء الصلاة و لو بتكبيرة الإحرام و هذا خلاف ظاهر للحديث , و قد حكاه في

" منار السبيل " قولا للشافعي , و إنما هو وجه في مذهبه كما في " المجموع "

للنووي ( 3 / 63 ) و هو مذهب الحنابلة مع أنهم نقلوا عن الإمام أحمد أنه قال :

لا تدرك الصلاة إلا بركعة . فهو أسعد الناس بالحديث . و الله أعلم .

قال عبد الله بن أحمد في مسائله ( ص 46 ) :

" سألت أبي عن رجل يصلي الغداة , فلما صلى ركعة قام في الثانية طلعت الشمس

قال : يتم الصلاة , هي جائزة . قلت لأبي : فمن زعم أن ذلك لا يجزئه ? فقال :

قال النبي صلى الله عليه وسلم : من أدرك من صلاة الغداة ركعة قبل أن تطلع الشمس

فقد أدرك " .

ثم رأيت ابن نجيح البزاز روى في " حديثه " ( ق 111 / 1 ) بسند صحيح عن سعيد

ابن المسيب أنه قال : " إذا رفع رأسه من آخر سجدة فقد تمت صلاته " .

و لعله يعني آخر سجدة من الركعة الأولى , فيكون قولا آخر في المسألة .

و الله أعلم .

الفائدة الثالثة : و اعلم أن الحديث إنما هو في المتعمد تأخير الصلاة إلى هذا

الوقت الضيق , فهو على هذا آثم بالتأخير , و إن أدرك الصلاة , لقوله صلى الله

عليه وسلم " تلك صلاة المنافق , يجلس يرقب الشمس , حتى إذا كانت بين قرني

الشيطان , قام فنقرها أربعا , لا يذكر الله فيها إلا قليلا " . رواه مسلم

( 2 / 110 ) و غيره من حديث أنس رضي الله عنه . و أما غير المتعمد , و ليس هو

إلا النائم و الساهي , فله حكم آخر , و هو أنه يصليها متى تذكرها و لو عند طلوع

الشمس و غروبها , لقوله صلى الله عليه وسلم " من نسي صلاة ( أو نام عنها )

فليصلها إذا ذكرها , لا كفارة لها إلا ذلك , فإن الله تعالى يقول : ( أقم

الصلاة لذكري ) " .

أخرجه مسلم أيضا ( 2 / 142 ) عنه , و كذا البخاري .

فإذن هنا أمران : الادراك و الإثم :

و الأول : هو الذي سيق الحديث لبيانه , فلا يتوهمن أحد من سكوته عن الأمر الآخر

أنه لا إثم عليه بالتأخير كلا , بل هو آثم على كل حال , أدرك الصلاة , أو لم

يدرك , غاية ما فيه أنه اعتبره مدركا للصلاة بإدراك الركعة , و غير مدرك لها

إذا لم يدركها , ففي الصورة الأولى صلاته صحيحة مع الإثم , و في الصورة الأخرى

صلاته غير صحيحة مع الإثم أيضا , بل هو به أولى و أحرى , كما لا يخفى على أولي

النهى .

الفائدة الرابعة : و معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " فليتم صلاته " , أي لأنه

أدركها في وقتها , و صلاها صحيحة , و بذلك برئت ذمته . و أنه إذا لم يدرك

الركعة فلا يتمها . لأنها ليست صحيحة , بسبب خروج وقتها , فليست مبرئة للذمة .

و لا يخفى أن مثله و أولى منه من لم يدرك من صلاته شيئا قبل خروج الوقت , أنه

لا صلاة له , و لا هي مبرئة لذمته . أي أنه إذا كان الذي لم يدرك الركعة لا

يؤمر بإتمام الصلاة , فالذي لم يدركها إطلاقا أولى أن لا يؤمر بها , و ليس ذلك

إلا من باب الزجر و الردع له عن إضاعة الصلاة , فلم يجعل الشارع الحكيم لمثله

كفارة كي لا يعود إلى إضاعتها مرة أخرى , متعللا بأنه يمكنه أن يقضيها بعد

وقتها , كلا , فلا قضاء للمتعمد كما أفاده هذا الحديث الشريف و حديث أنس

السابق : " لا كفارة لها إلا ذلك " .

و من ذلك يتبين لكل من أوتي شيئا من العلم و الفقه في الدين أن قول بعض

المتأخرين " و إذا كان النائم و الناسى للصلاة - و هما معذوران - يقضيانها بعد

خروج وقتها , كان المتعمد لتركها أولى " , أنه قياس خاطئ بل لعله من أفسد قياس

على وجه الأرض , لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه , و هو فاسد بداهة , إذ كيف

يصح قياس غير المعذور على المعذور و المتعمد على الساهي .

و من لم يجعل الله له كفارة , على من جعل الله له كفارة !! و ما سبب ذلك إلا

من الغفلة عن المعنى المراد من هذا الحديث الشريف , و قد وفقنا الله تعالى

لبيانه , و الحمد لله تعالى على توفيقه .

و للعلامة ابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام مفصل في هذه المسألة , أظن أنه لم

يسبق إلى مثله في الإفادة و التحقيق , و أرى من تمام هذا البحث أن أنقل منه

فصلين أحدهما في إبطال هذا القياس . و الآخر في الرد على من استدل بهذا الحديث

على نقيض ما بينا .

قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر القول المتقدم :

" فجوابه من وجوه : أحدها المعارضة بما هو أصح منه أو مثله , و هو أن يقال :

لا يلزم من صحة القضاء بعد الوقت من المعذور - المطيع لله و رسوله الذي لم يكن

منه تفريط في فعل ما أمر به و قبوله منه - صحته و قبوله من متعد لحدود الله ,

مضيع لأمره , تارك لحقه عمدا و عدوانا . فقياس هذا على هذا في صحة العبادة ,

و قبولها منه , و براءة الذمة بها من أفسد القياس " .

الوجه الثاني : أن المعذور بنوم أو نسيان لم يصل الصلاة في غير وقتها , بل في

نفس وقتها الذي وقته الله له , فإن الوقت في حق هذا حين يستيقظ و يذكر , كما

قال صلى الله عليه وسلم : " من نسي صلاة فوقتها إذا ذكرها " رواه البيهقي

و الدارقطني .

فالوقت وقتان : وقت اختيار , و وقت عذر , فوقت المعذور بنوم أو سهو , هو وقت

ذكره و استيقاظه , فهذا لم يصل الصلاة إلا في وقتها , فكيف يقاس عليه من صلاها

في غير وقتها عمدا و عدوانا ?!

الثالث : أن الشريعة قد فرقت في مواردها و مصادرها بين العامد و الناسي , و بين

المعذور و غيره , و هذا مما لا خفاء به . فإلحاق أحد النوعين بالآخر غير جائز .

الرابع : أنا لم نسقطها عن العامد المفرط و نأمر بها المعذور , حتى يكون ما

ذكرتم حجة علينا , بل ألزمنا بها المفرط المتعدي على وجه لا سبيل له إلى

استدراكها تغليظا عليه , و جوزنا للمعذور غير المفرط .

( فصل ) :

-------

و أما استدلالكم بقوله صلى الله عليه وسلم : " من أدرك ركعة من العصر قبل أن

تغرب الشمس فقد أدرك " فما أصحه من حديث . و ما أراه على مقتضى قولكم ! فإنكم

تقولون : هو مدرك للعصر , و لو لم يدرك من وقتها شيئا البتة .

بمعنى أنه مدرك لفعلها صحيحة منه , مبرئة لذمته , فلو كانت تصح بعد خروج وقتها

و تقبل منه , لم يتعلق إدراكها بركعة , و معلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم

يرد أن من أدرك ركعة من العصر صحت صلاته بلا إثم بل هو آثم بتعمد ذلك اتفاقا .

فإنه أمر أن يوقع جميعها في وقتها , فعلم أن هذا الادراك لا يرفع الإثم , بل هو

مدرك آثم , فلو كانت تصح بعد الغروب , لم يكن فرق بين أن يدرك ركعة من الوقت ,

أو لا يدرك منها شيئا .

فإن قلتم : إذا أخرها إلى بعد الغروب كان أعظم إثما .

قيل لكم : النبي صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين إدراك الركعة و عدمها في كثرة

الإثم و خفته , و إنما فرق بينهما في الإدراك و عدمه . و لا ريب أن المفوت

لمجموعها في الوقت أعظم من المفوت لأكثرها , و المفوت لأكثرها فيه , أعظم من

المفوت لركعة منها .

فنحن نسألكم و نقول : ما هذا الإدراك الحاصل بركعة ? أهذا إدراك يرفع الإثم ?

فهذا لا يقوله أحد ! أو إدراك يقتضي الصحة , فلا فرق فيه بين أن يفوتها بالكلية

أو يفوتها إلا ركعة منها " .

67 " قوموا إلى سيدكم فأنزلوه , فقال عمر : سيدنا الله عز وجل , قال : أنزلوه ,

فأنزلوه " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 103 :

أخرجه الإمام أحمد ( 6 / 141 - 142 ) عن محمد بن عمرو عن أبيه عن علقمة

ابن وقاص , قال : أخبرتني #‏عائشة #‏قالت :

" خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس , قالت : فسمعت وئيد الأرض ورائي , يعني حس

الأرض , قالت : فالتفت , فإذا أنا بسعد بن معاذ و معه ابن أخيه الحارث بن أوس

يحمل مجنه , قالت : فجلست إلى الأرض , فمر سعد و عليه درع من حديد قد خرجت منها

أطرافه , فأنا أتخوف على أطراف سعد , قالت : فمر و هو يرتجز و يقول :

ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت : فقمت فاقتحمت

حديقة , فإذا فيها نفر من المسلمين , و إذا فيهم عمر ابن الخطاب , و فيهم رجل

عليه سبغة له , يعني : مغفرا , فقال عمر : ما جاء بك ? لعمري و الله إنك لجريئة

! و ما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز ? قالت : فمازال يلومني حتى تمنيت أن

الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها ! قالت : فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا

طلحة بن عبيد الله , فقال : يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم , و أين التحوز

أو الفرار إلا إلى الله عز و جل ? قالت : و يرمي سعدا رجل من المشركين من قريش

يقال له : ابن العرقة بسهم له , فقال له : خذها و أنا ابن العرقة , فأصاب أكحله

فقطعه , فدعا الله عز و جل سعد فقال : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة ,

قالت : و كانوا حلفاء مواليه في الجاهلية , قالت : فرقى كلمه , ( أي جرحه )

و بعث الله عز و جل الريح على المشركين , فكفى الله المؤمنين القتال و كان الله

قويا عزيزا , فلحق أبو سفيان و من معه بتهامة , و لحق عيينة بن بدر و من معه

بنجد , و رجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم , و رجع رسول الله صلى الله عليه

وسلم إلى المدينة , فوضع السلاح و أمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد ,

قالت : فجاء جبريل عليه السلام و إن على ثناياه لنقع الغبار فقال : أو قد وضعت

السلاح ? والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح , اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم .

قالت : فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته و أذن في الناس بالرحيل أن

يخرجوا . فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنم , و هم جيران

المسجد حوله , فقال : من مر بكم ? قالوا : مر بنا دحية الكلبي , و كان دحية

الكلبي تشبه لحيته و سنه و وجهه جبريل عليه السلام , فقالت : فأتاهم رسول الله

صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا و عشرين ليلة , فلما اشتد حصرهم , و اشتد

البلاء قيل لهم : انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم , فاستشاروا

أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح , قالوا : ننزل على حكم سعد

بن معاذ , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انزلوا على حكم سعد بن معاذ ,

فنزلوا , و بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ , فأتي به على

حمار عليه أكاف من ليف , و قد حمل عليه , و حف به قومه فقالوا : يا أبا عمرو

حلفاؤك و مواليك و أهل النكاية و من قد علمت , فلم يرجع إليهم شيئا و لا يلتفت

إليهم , حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال : قد آن أن لا أبالي في الله

لومة لائم , قال : قال أبو سعيد : فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

قوموا إلى سيدكم ... الحديث , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : احكم فيهم ,

قال سعد : فإني أحكم أن تقتل مقاتلهم , و تسبى ذراريهم , و تقسم أموالهم . فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد حكمت بحكم الله عز وجل و حكم رسوله , قالت

: ثم دعا سعد , قال : اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب

قريش شيئا فأبقني لها , و إن كنت قطعت الحرب بينه و بينهم فاقبضني إليك , قالت

: فانفجر كلمه , و كان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص و رجع إلى قبته

التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , قالت عائشة : فحضره رسول الله

صلى الله عليه وسلم و أبو بكر و عمر , قالت :

فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر و أنا في حجرتى ,

و كانوا كما قال الله عز و جل : ( رحماء بينهم ) قال علقمة : قلت : أي أمه فكيف

كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع ? قالت : كانت عينه لا تدمع على أحد

و لكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته " .

قلت : و هذا إسناد حسن . و قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 6 / 128 ) :

" رواه أحمد و فيه محمد بن عمرو بن علقمة و هو حسن الحديث , و بقية رجاله

ثقات " .

و قال الحافظ في " الفتح " ( 11 / 43 ) : " و سنده حسن " .

قلت : و أخرجه البخاري ( 4 / 175 ) , و أبو داود ( 5215 ) , و أحمد ( 2 / 22 ,

71 ) , و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 77 / 2 ) , من حديث أبي سعيد الخدري :

" أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد , فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه ,

فجاء , فقال : قوموا إلى سيدكم , أو قال : خيركم , فقعد عند النبي صلى الله

عليه وسلم , فقال : هؤلاء نزلوا على حكمك , قال : فإني أحكم أن تقتل مقاتلهم ,

و تسبى ذراريهم , فقال : لقد حكمت بما حكم به الملك " .

فائدتان

-------

1ـ اشتهر رواية هذا الحديث بلفظ : " لسيدكم " , و الرواية في الحديثين كما

رأيت : " إلى سيدكم " , و لا أعلم للفظ الأول أصلا , و قد نتج منه خطأ فقهي

و هو الاستدلال به على استحباب القيام للقادم كما فعل ابن بطال و غيره , قال

الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل في " التنبيه على الألفاظ التي وقع في نقلها

و ضبطها تصحيف و خطأ في تفسيرها و معانيها و تحريف في كتاب الغريبين عن أبي

عبيد الهروي " ( ق 17 / 2 ) :

و من ذلك ما ذكره في هذا الباب من ذكر السيد , و قال كقوله لسعد حين قال :

" قوموا لسيدكم " . أراد أفضلكم رجلا .

قلت : و المعروف أنه قال : " قوموا إلى سيدكم " . قاله صلى الله عليه وسلم

لجماعة من الأنصار لما جاء سعد بن معاذ محمولا على حمار و هو جريح ... أي

أنزلوه و حملوه , لا قوموا له , من القيام له فإنه أراد بالسيد : الرئيس و

المتقدم عليهم , و إن كان غيره أفضل منه " .

2 - اشتهر الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية القيام للداخل , و أنت إذا تأملت

في سياق القصة يتبين لك أنه استدلال ساقط من وجوه كثيرة أقواها قوله صلى الله

عليه وسلم " فأنزلوه " فهو نص قاطع على أن الأمر بالقيام إلى سعد إنما كان

لإنزاله من أجل كونه مريضا , و لذلك قال الحافظ : " و هذه الزيادة تخدش في

الاستدلال بقصة سعد على مشروعية القيام المتنازع فيه . و قد احتج به النووي

في ( كتاب القيام ) ... " .

68 " لقد نزلت علي الليلة آيات ويل لمن قرأها و لم يتفكر فيها : ( إن في خلق

السموات و الأرض ) الآية " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 106 :

رواه أبو الشيخ ابن حبان في " أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم " ( 200 - 201 )

و ابن حبان في " صحيحه " ( 523 - الموارد ) عن يحيى بن زكريا بن إبراهيم بن

سويد النخعي أنبأنا عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء قال :

" دخلت أنا و عبيد بن عمير على # عائشة # رضي الله عنها , فقال عبد الله

ابن عمير : حدثينا بأعجب شيء رأيتيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فبكت , و قالت :

" قام ليلة من الليالي فقال : يا عائشة ذريني أتعبد لربي , قالت : قلت : والله

إني لأحب قربك , و أحب ما يسرك , قالت : فقام فتطهر , ثم قام يصلي , فلم يزل

يبكي حتى بل حجره , ثم بكى . فلم يزل يبكي حتى بل الأرض , و جاء بلال يؤذن

بالصلاة , فلما رآه يبكي قال : يا رسول الله تبكي و قد غفر الله لك ما تقدم من

ذنبك و ما تأخر ? قال : أفلا أكون عبدا شكورا ? لقد نزل " الحديث .

قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات غير يحيى بن زكريا قال ابن أبي حاتم

( 4 / 2 / 145 ) . " سألت أبي عنه ? قال : ليس به بأس , هو صالح الحديث " ?

و الحديث عزاه المنذري في " الترغيب " ( 2 / 220 ) لابن حبان في " صحيحه " .

و له طريق أخرى عن عطاء .

أخرجها أبو الشيخ أيضا ( 190 - 191 ) و رجالها ثقات أيضا , غير أبي جناب الكلبي

و اسمه يحيى بن أبي حية , قال الحافظ في " التقريب " :

" ضعفوه لكثرة تدليسه " .

قلت : و قد صرح هنا بالتحديث فانتفت شبهة تدليسه .

فقه الحديث :

------------

فيه فضل النبي صلى الله عليه وسلم , و كثرة خشيته , و خوفه من ربه , و إكثاره

من عبادته , مع أنه تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر , فهو المنتهى

في الكمال البشري . و لا جرم في ذلك فهو سيد البشر صلى الله عليه وسلم .

لكن ليس فيه ما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قام الليل كله , لأنه لم يقع

فيه بيان أن النبي صلى الله عليه و سلم , ابتدأ القيام من بعد العشاء أو قريبا

من ذلك , بل إن قوله : " قام ليلة من الليالي فقال ... " الظاهر أن معناه " قام

من نومه ...." " أي نام أوله ثم قام , فهو على هذا بمعنى حديثها الآخر " كان

ينام أول الليل , و يحي آخره ... " .

أخرجه مسلم ( 2 / 167 ) .

و إذا تبين هذا فلا يصح حينئذ الاستدلال بالحديث على مشروعية إحياء الليل كله ,

كما فعل الشيخ عبد الحي اللكنوي في " إقامة الحجة على أن الإكثار من التعبد ليس

بدعة " , قال ( ص 13 ) : فدل ذلك على أن نفي عائشة قيام الليل كله محمول على

غالب أوقاته صلى الله عليه وسلم " .

قلت : يشير بـ " نفي عائشة " إلى حديثها الآخر :

" و لم يقم رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة يتمها إلى الصباح , و لم يقرأ

القرآن في ليلة قط " .

أخرجه مسلم ( 2 / 169 - 170 ) و أبو داود ( 1342 ) و اللفظ له .

قلت : فهذا نص في النفي المذكور لا يقبل التأويل , و حمله على غالب الأوقات

إنما يستقيم لو كان حديث الباب صريح الدلالة على أنه صلى الله عليه وسلم قام

تلك الليله بتمامها , أما و هو ليس كذلك كما بينا , فالحمل المذكور مردود ,

و يبقى النفي المذكور سالما من التقييد . و بالتالي تبقى دلالته على عدم

مشروعية قيام الليل كله قائمة , خلافا لما ذهب إليه الشيخ عبد الحي في كتابه

المذكور . و فيه كثير من المؤاخذات التي لا مجال لذكرها الآن .

و إنما أقول : إن طابعه تساهل في سرد الروايات المؤيدة لوجهة نظره , من أحاديث

مرفوعة , و آثار موقوفة , و حسبك مثالا على هذا أنه ذهب إلى تحسين حديث "

أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم " تقليدا منه لبعض المتأخرين .

دون أن ينظر في دعواهم , هل هي تطابق الحقيقة , و توافق القواعد العلمية ?

مع ما في التحسين المذكور من المخالفة لنصوص الأئمة المتقدمين كما بينته في

" الأحاديث الضعيفة " ( 52 ) فراجعه لتزداد بصيرة بما ذكرنا .

69 " مثل القائم على حدود الله و الواقع ( و في رواية : و الراتع ) فيها

و المدهن فيها كمثل قوم استهموا على سفينة في البحر فأصاب بعضهم أعلاها

و أصاب بعضهم أسفلها ( و أوعرها ) فكان الذي ( و في رواية : الذين ) في أسفلها

إذا استقوا من الماء فمروا على من فوقهم فتأذوا به ( و في رواية : فكان الذين

في أسفلها يصعدون فيستقون الماء فيصبون على الذين في أعلاه فقال الذين في

أعلاها : لا ندعكم تصعدون فتؤذوننا ) , فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا

فاستقينا منه و لم نؤذ من فوقنا ( و في رواية : و لم نمر على أصحابنا فنؤذيهم )

فأخذ فأسا فجعل ينقر أسفل السفينة , فأتوه فقالوا : مالك ? قال : تأذيتم بي و

لابد لي من الماء . فإن تركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا و إن أخذوا على أيديهم

نجوا و أنجوا جميعا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 109 :

رواه البخاري ( 2 / 111 , 164 ) و الترمذي ( 2 / 26 ) و البيهقي ( 10 / 288 )

و أحمد ( 4 / 268 , 270 , 273 ) من طريق زكريا بن أبي زائدة و الأعمش عن الشعبي

عن # النعمان بن بشير # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

و قد تابعهما مجالد بن سعيد عند أحمد ( 4 / 273 ) و هو ضعيف و في سياقه زيادة

" ... مثل ثلاثة ركبوا في سفينة فصار لأحدهم أسفلها و أوعرها ... " .

و تابعهما غيره فقال ابن المبارك في " الزاهد " ( ق 219 / 2 ) : أنا الأجلح عن

الشعبي به و لفظه :

" إن قوما ركبوا سفينة فاقتسموها , فأصاب كل رجل منهم مكانا , فأخذ رجل منهم

الفأس فنقر مكانه , قالوا : ما تصنع ? فقال مكاني أصنع به ما شئت ! فإن أخذوا

على يديه نجوا و نجا , و إن تركوه غرق و غرقوا , فخذوا على أيدي سفهائكم قبل

أن تهلكوا " .

و أخرجه ابن المبارك في " حديثه " أيضا ( ج 2 / 107 / 2 ) و من طريقه ابن أبي

الدنيا في " الأمر بالمعروف " ( ق 27 / 2 ) .

لكن الأجلح هذا - و هو ابن عبد الله أبو حجية الكندي - فيه ضعف , لاسيما عن

الشعبي , قال العقيلي : " روى عن الشعبي أحاديث مضطربة لا يتابع عليها " .

قلت : و هذا اللفظ هو الذي شاع في هذا الزمان عند بعض الكتاب و المؤلفين فأحببت

أن أنبه على ضعفه , و أن أرشد إلى أن اللفظ الأول هو الصحيح المعتمد , و قد

ضممت إليه ما وقفت عليه من الزيادات الصحيحة . و الله الموفق .

70 " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليدلع لسانه للحسن بن علي فيرى الصبي حمرة

لسانه فيبهش إليه " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 110 :

رواه أبو الشيخ ابن حبان في " كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم و آدابه "

( ص 90 ) من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن # أبي هريرة # به .

قلت : و هذا إسناد حسن .

( قوله ) فيبهش . أي يسرع . في " النهاية " :

" يقال للإنسان إذا نظر إلى الشيء فأعجبه و اشتهاه و أسرع إليه : قد بهش إليه "

.

71 " كان إذا قرب إليه الطعام يقول : بسم الله , فإذا فرغ قال : اللهم أطعمت

و أسقيت و أقنيت و هديت و أحييت , فلله الحمد على ما أعطيت " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 111 :

رواه أحمد ( 4 / 62 , 5 / 375 ) و أبو الشيخ في " أخلاق النبي صلى الله عليه

وسلم ( ص 238 ) عن بكر بن عمرو عن عبد الله بن هبيرة السبائي عن # عبد الرحمن

ابن جبير أنه حدثه رجل خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان سنين # أنه كان

يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرب " . الحديث .

قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .

( أقنيت ) أي ملكت المال و غيره .

و في هذا الحديث أن التسمية في أول الطعام بلفظ " بسم الله " لا زيادة فيها ,

و كل الأحاديث الصحيحة التي وردت في الباب كهذا الحديث ليس فيها الزيادة , و لا

أعلمها وردت في حديث , فهي بدعة عند الفقهاء بمعنى البدعة , و أما المقلدون

فجوابهم معروف : " شو فيها ?!" .

فنقول : فيها كل شيء و هو الاستدراك على الشارع الحكيم الذي ما ترك شيئا يقربنا

إلى الله إلا أمرنا به و شرعه لنا , فلو كان ذلك مشروعا ليس فيه شيء لفعله و لو

مرة واحدة , و هل هذه الزيادة إلا كزيادة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

من العاطس بعد الحمد .

و قد أنكرها عبد الله بن عمر رضي الله عنه كما في " مستدرك الحاكم " , و جزم

السيوطي في " الحاوي للفتاوي " ( 1 / 338 ) بأنها بدعة مذمومة , فهل يستطيع

المقلدون الإجابة عن السبب الذي حمل السيوطي على الجزم بذلك !! قد يبادر بعض

المغفلين منهم فيتهمه - كما هي عادتهم - بأنه وهابي ! مع أن وفاته كانت قبل

وفاة محمد بن عبد الوهاب بنحو ثلاثمائة سنة ! ! و يذكرني هذا بقصة طريفة في بعض

المدارس في دمشق , فقد كان أحد الأساتذة المشهورين من النصارى يتكلم عن حركة

محمد بن عبد الوهاب في الجزيرة العربية , و محاربتها للشرك و البدع و الخرافات

و يظهر أنه أطرى في ذلك فقال بعض تلامذته : يظهر أن الأستاذ وهابي !!

و قد يسارع آخرون إلى تخطئة السيوطي , و لكن أين الدليل ?!و الدليل معه و هو

قوله صلى الله عليه وسلم :

" من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " . متفق عليه .

و في الباب غيره مما سنجمعه في كتابنا الخاص بالبدعة , نسأل الله تعالى أن ييسر

لنا إتمامه بمنه و فضله .

72 " أحب للناس ما تحب لنفسك " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 112 :

رواه البخاري في " التاريخ الكبير " ( 2 / 4 / 317 / 3155 ) و عبد بن حميد

في " المنتخب من المسند " ( 53 / 2 ) و ابن سعد ( 7 / 428 ) و القطيعي في

" الجزء المعروف بالألف دينار " ( 29 / 2 )‏عن سيار عن # خالد بن عبد الله

القسري عن أبيه # :

" أن النبي صلى الله عليه وسلم , قال لجده يزيد بن أسيد .... " فذكره .

و رواه عن روح بن عطاء بن أبي ميمونة , قال , حدثنا سيار به إلا أنه قال :

حدثني أبي عن جدي قال : " قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :

أتحب الجنة ? و قال فأحب .. " الحديث .

رواه بن عساكر ( 5 / 242 ) عن القطيعي من الوجه الثاني و الحاكم ( 4 / 168 )

و قال : " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي .

قلت : و خالد بن عبد الله القسري هو الدمشقي الأمير قال الذهبي في " الميزان "

" صدوق , لكنه ناصبي بغيض ظلوم , قال بن معين : رجل سوء يقع في علي رضى الله

عنه " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 72 ) .

و أبوه عبد الله بن يزيد أورده ابن أبي حاتم ( 2 / 2 / 197 ) و لم يذكر فيه

جرحا و لا تعديلا . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 123 ) .

و الحديث قال الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 8 / 186 ) !

" رواه عبد الله و الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " بنحوه و رجاله ثقات " .

و للحديث شاهد من حديث أبي هريرة بلفظ :

" و أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا " . الحديث .

أخرجه الترمذي ( 2 / 50 ) و أحمد ( 2 / 310 ) .

و قال الترمذي : " حديث غريب , و الحسن لم يسمع من أبي هريرة " .

قلت : و راويه عن الحسن - و هو البصري - أبو طارق و هو مجهول كما في " التقريب

"

و مما يشهد له أيضا :

" لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( من الخير ) " .

73 " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ( من الخير ) " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 113 :

أخرجه البخاري ( 1 / 11 ) , و مسلم ( 1 / 49 ) , و أبو عوانة في " صحيحه "

( 1 / 33 ) , و النسائي ( 2 / 271 , 274 ) , و الترمذي ( 2 / 84 ) , و الدارمي

( 2 / 307 ) , و ابن ماجه ( رقم 66 ) , و الطيالسي ( رقم 2004 ) , و أحمد

( 3 / 177 , 207 , 275 , 278 ) من حديث # أنس بن مالك # مرفوعا .

و قال الترمذي : " حديث صحيح " .

و الزيادة لأبي عوانة و النسائي و أحمد في رواية لهم و إسنادها صحيح .

و للحديث شاهد من حديث علي مرفوعا بلفظ :

" للمسلم على المسلم ست .... و يحب له ما يحب لنفسه , و ينصح له بالغيب " .

أخرجه الدارمي ( 2 / 275 - 276 ) , و ابن ماجه ( 1433 ) , و أحمد ( 1 / 89 )

بسند ضعيف .

و اعلم أن هذه الزيادة " من الخير " زيادة هامة تحدد المعنى المراد من الحديث

بدقة , إذ أن كلمة ( الخير ) كلمة جامعة تعم الطاعات و المباحات الدنيوية

و الأخروية و تخرج المنهيات , لأن اسم الخير لا يتناولها , كما هو واضح . فمن

كمال خلق المسلم أن يحب لأخيه المسلم من الخير مثلما يحب لنفسه . و كذلك أن

يبغض لأخيه ما يبغض لنفسه من الشر , و هذا و إن لم يذكره في الحديث , فهو من

مضمونه , لأن حب الشيء مستلزم لبغض نقيضه , فترك التنصيص عليه اكتفاء كما قال

الكرماني و نقله الحافظ في " فتح الباري " ( 1 / 54 ) و أقره .

74 " ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه و لم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة

فإن شاء عذبهم و إن شاء غفر لهم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 114 :

أخرجه الترمذي ( 2 / 242 ) , و الحاكم ( 1 / 496 ) , و إسماعيل القاضي في

" فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ( رقم 54 طبع المكتب الإسلامي ) ,

و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 443 ) , و أحمد ( 2 / 446 , 453 ,

481 , 484 , 495 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 130 ) عن سفيان الثوري عن

صالح مولى التوأمة عن # أبي هريرة # مرفوعا .

و قال الترمذي :

" حديث حسن صحيح , و قد روي من غير وجه عن أبي هريرة مرفوعا " .

ثم رواه من طريق أبي إسحاق عن الأغر أبي مسلم عن أبي هريرة و أبي سعيد معا

مرفوعا قال : " مثله " , و لم يسق لفظه .

كذا قال : " مثله " , و عندي وقفة في كون حديث الأغر مثله , فقد أخرجه مسلم

( 8 / 72 ) و ابن ماجه ( 2 / 418 ) بلفظ :

" ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه , إلا حفتهم الملائكة , و تغشتهم الرحمة ,

و نزلت عليهم السكينة , و ذكرهم الله فيمن عنده " .

75 " ما جلس قوم مجلسا يذكرون الله فيه إلا حفتهم الملائكة و تغشتهم الرحمة و نزلت

عليهم السكينة و ذكرهم الله فيمن عنده " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 115 :

و السياق لابن ماجه , و رواه الترمذي قبل حديث الباب بحديثين و قال :

" حسن صحيح " . , و قوله : " مثله " . فالله أعلم .

فإني في شك من ثبوت ذلك عن الترمذي و إن كان ورد ذلك في بعض نسخ كتابه .

فقد أورد السيوطي في " الجامع الصغير " هذا الحديث من رواية الترمذي ,

و ابن ماجه عن # أبي هريرة و أبي سعيد # معا .

و في عزوه لابن ماجه نظر أيضا , فإني لم أجد عنده إلا اللفظ الثاني الذي رواه

مسلم . و العلم عند الله تعالى .

و لم يقع في نسخة " السنن " التي عليها شرح " تحفة الأحوذي " سوق هذا الإسناد

الثاني عقب حديث الباب .

و لهذا اللفظ عنده طريق أخرى عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ :

" .... و ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله , و يتدارسونه

بينهم , إلا نزلت عليهم السكينة ..." و الباقي مثله .

و صالح مولى التوأمة الذي في اللفظ الأول ضعيف لاختلاطه , و لكنه لم يتفرد به

بل تابعه جماعة منهم : أبو صالح السمان ذكوان بلفظ :

" ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا فيه الله عز و جل , و يصلوا على النبي صلى الله

عليه وسلم , إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة , و إن دخلوا الجنة للثواب " .

76 " ما قعد قوم مقعدا لم يذكروا فيه الله عز وجل و يصلوا على النبي صلى الله

عليه وسلم إلا كان عليهم حسرة يوم القيامة و إن دخلوا الجنة للثواب " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 116 :

رواه أحمد ( 2 / 463 ) , و ابن حبان في " صحيحه " ( 2322 - موارد ) , و الحاكم

( 1 / 492 ) , و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 237 / 1 ) , من طريق الأعمش

عن أبي صالح عن # أبي هريرة # مرفوعا .

و إسناده صحيح . و قال الهيثمي ( 10 / 79 ) :

" رواه أحمد و رجاله رجال الصحيح " .

و أخرجه ابن الجوزي في " منهاج القاصدين " ( 1 / 72 / 2 ) لكن وقع عنده عن أبي

سعيد الخدري , بدل " أبي هريرة " , فلعله وهم من بعض رواته .

قلت : و رواه سهيل بن أبي صالح عن أبيه بلفظ :

" ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه , إلا قاموا على مثل جيفة حمار

و كان عليهم حسرة يوم القيامة " .

77 " ما من قوم يقومون من مجلس لا يذكرون الله فيه إلا قاموا على مثل جيفة حمار

و كان عليهم حسرة يوم القيامة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/116:

( عن # سهيل بن أبي صالح عن أبيه # ) :

رواه أبو داود ( 4855 ) , و الطحاوي ( 2 / 367 ) , و أبو الشيخ في " طبقات

الأصبهانيين " ( 229 ) , و ابن بشران في " الأمالي " ( 30 / 6 / 1 عام 3927 ) ,

و ابن السني ( 439 ) , و الحاكم ( 1 / 492 ) , و أبو نعيم ( 7 / 207 ) و أحمد

( 2 / 389 , 515 , 527 ) .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .

و منهم سعيد بن أبي سعيد المقبري و لفظه :

" من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه , كانت عليه من الله ترة , و من اضطجع مضجعا

لا يذكر الله فيه , كانت عليه من الله ترة ".

78 " من قعد مقعدا لم يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة و من اضطجع مضجعا

لا يذكر الله فيه كانت عليه من الله ترة ".

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 117 :

رواه أبو داود ( 4856 , 5059 ) . و الحميدي في " مسنده " ( 1158 ) الشطر الأول

و ابن السني ( 743 ) الشطر الثاني فقط من طريق محمد بن عجلان عنه .

قلت : و هذا إسناد حسن .

و عزاه المنذري في " الترغيب " ( 2 / 235 ) لأبي داود بهذا اللفظ و بزيادة :

" و ما مشى أحد ممشى لم يذكر الله فيه , إلا كان عليه من الله ترة " ,

ثم قال : " و رواه أحمد و ابن أبي الدنيا و النسائي و ابن حبان في " صحيحه "

كلهم بنحو أبي داود " .

و لي عليه ملاحظتان :

الأولى : أن الزيادة المذكورة ليست عند أبي داود في الموضعين المشار إليهما من

كتابه و إنما هي عند ابن حبان ( 2321 ) : و عنده بدل قضية الاضطجاع :

" و ما أوى أحد إلى فراشه و لم يذكر الله فيه إلا كان عليه ترة " .

( ترة ) أي نقصا , و الهاء فيه عوض من الواو المحذوفة .

الثانية : أن أحمد لم يروه من هذا الطريق باللفظ المذكور , و إنما رواه من طريق

أخرى باللفظ الآتي :

و منهم أبو إسحاق مولى الحارث و لفظه :

" ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه , إلا كان عليهم ترة , و ما من رجل مشى

طريقا فلم يذكر الله عز و جل , إلا كان عليه ترة , و ما من رجل أوى إلى فراشه

فلم يذكر الله , إلا كان عليه ترة " .

79 " ما جلس قوم مجلسا فلم يذكروا الله فيه إلا كان عليهم ترة و ما من رجل مشى

طريقا فلم يذكر الله عز و جل إلا كان عليه ترة و ما من رجل أوى إلى فراشه

فلم يذكر الله إلا كان عليه ترة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 118 :

رواه أحمد ( 2 / 432 ) , و ابن السني ( 375 ) , و الحاكم ( 1 / 550 ) عن سعيد

بن أبي سعيد عن # أبي إسحاق # به .

و قال أحمد : " عن إسحاق " و قال الحاكم : " عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث "

و قال : " صحيح على شرط البخاري " . و قال الذهبي : " على شرط مسلم " .

قلت : و في كل ذلك نظر , فإن إسحاق هذا إن كان ابن عبد الله بن الحارث كما

وقع لدى الحاكم فليس من رجال البخاري و لا مسلم و لكنه ثقة روى عنه جماعة .

و إن كان أبا إسحاق مولى الحارث فلا يعرف كما قال الذهبي , و إن كان إسحاق

غير منسوب فلم أعرفه .

و في " المجمع " ( 10 / 80 ) : " رواه أحمد و أبو إسحاق مولى عبد الله بن

الحارث بن نوفل لم يوثقه أحد , و لم يجرحه أحد و بقية رجال أحد إسنادي أحمد

رجال الصحيح " .

و له شاهد من حديث ابن عمرو بلفظ :

" ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه , إلا رأوه حسرة يوم القيامة " .

80 " ما من قوم جلسوا مجلسا لم يذكروا الله فيه إلا رأوه حسرة يوم القيامة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 118 :

(‏عن # ابن عمرو # ) :

أخرجه أحمد ( 2 / 124 ) بإسناد حسن .

و قال الهيثمي : " رواه أحمد و رجاله رجال الصحيح " .

شاهد ثان : أخرجه الطيالسي ( 1756 ) عن جابر بسند على شرط مسلم .

و له شاهد آخر عن عبد الله بن مغفل مثله .

أخرجه ابن الضريسي في " أحاديث مسلم بن إبراهيم الفراهيدي " ( 8 / 1 - 2 ) بسند

لا بأس به في المتابعات و الشواهد , رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط "

و رجالهما رجال الصحيح و البيهقي كما في " الترغيب " ( 2 / 236 ) .

فقه الحديث :

------------

لقد دل هذا الحديث الشريف و ما في معناه على وجوب ذكر الله سبحانه و كذا الصلاة

على النبي صلى الله عليه وسلم في كل مجلس , و دلالة الحديث على ذلك من وجوه :

أولا - قوله : " فإن شاء عذبهم , و إن شاء غفر لهم " فإن هذا لا يقال إلا فيما

كان فعله واجبا و تركه معصية .

ثانيا - قوله : " و إن دخلوا الجنة للثواب " .

فإنه ظاهر في كون تارك الذكر و الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم , يستحق دخول

النار , و إن كان مصيره إلى الجنة ثوابا على إيمانه .

ثالثا : قوله : " و إلا قاموا على مثل جيفة حمار " .

فإن هذا التشبيه يقتضي تقبيح عملهم كل التقبيح , و ما يكون ذلك - إن شاء الله

تعالى - إلا فيما هو حرام ظاهر التحريم . و الله أعلم .

فعلى كل مسلم أن يتنبه لذلك , و لا يغفل عن ذكر الله عز و جل , و الصلاة على

نبيه صلى الله عليه وسلم , في كل مجلس يقعده , و إلا كان عليه ترة و حسرة يوم

القيامة .

قال المناوي في " فيض القدير " :

" فيتأكد ذكر الله , و الصلاة على رسوله عند إرادة القيام من المجلس , و تحصل

السنة في الذكر و الصلاة بأي لفظ كان , لكن الأكمل في الذكر " سبحانك اللهم

و بحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك و أتوب إليك , و في الصلاة على

النبي صلى الله عليه وسلم ما في آخر التشهد " .

قلت : و الذكر المشار إليه هو المعروف بكفارة المجلس , و قد جاء فيه عدة أحاديث

أذكر واحدا منها هو أتمها : و هو كفارة المجلس :

" من قال : سبحان الله و بحمده , سبحانك اللهم و بحمدك , أشهد أن لا إله إلا

أنت , أستغفرك و أتوب إليك , فقالها في مجلس ذكر , كانت كالطابع يطبع عليه ,

و من قالها في مجلس لغو كانت كفارة له " .

81 " من قال : سبحان الله و بحمده سبحانك اللهم و بحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت

أستغفرك و أتوب إليك , فقالها في مجلس ذكر كانت كالطابع يطبع عليه و من قالها

في مجلس لغو كانت كفارة له " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 120 :

أخرجه الطبراني ( 1 / 79 / 2 ) و الحاكم ( 1 / 537 ) من طريق # نافع بن جبير

ابن مطعم عن أبيه # مرفوعا .

و قال : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي و هو كما قالا .

و عزاه المنذري ( 2 / 236 ) للنسائي و الطبراني , قال :

" و رجالهما رجال الصحيح " .

و قال الهيثمي ( 10 / 142 و 423 ) : " رواه الطبراني و رجاله رجال الصحيح " .

قلت : و في رواية للطبراني زيادة : " يقولها ثلاث مرات " و قد سكت عليها

الهيثمي , و ليس بجيد , فإن في سندها خالد بن يزيد العمري و قد كذبه أبو حاتم

و يحيى , و قال ابن حبان : " يروي الموضوعات عن الأثبات " .

فهذه الزيادة واهية لا يلتفت إليها .

82 " لا أشبع الله بطنه . يعني معاوية " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 121 :

رواه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 2746 ) : حدثنا هشام و أبو عوانة عن أبي

حمزة القصاب عن # ابن عباس # :

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى معاوية ليكتب له : فقال : إنه يأكل

ثم بعث إليه , فقال : إنه يأكل , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره .

قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , و في أبي حمزة القصاب

و اسمه عمران بن أبي عطاء كلام من بعضهم لا يضره , فقد وثقه جماعة من الأئمة

منهم أحمد و ابن معين و غيرهما , و من ضعفه لم يبين السبب , فهو جرح مبهم غير

مقبول , و كأنه لذلك احتج به مسلم , و أخرج له هذا الحديث في " صحيحه " ( 8 /

27 ) من طريق شعبة عن أبي حمزة القصاب به .

و أخرجه أحمد ( 1 / 240 , 291 , 335 , 338 ) عن شعبة و أبي عوانة عنه به , دون

قوله : " لا أشبع الله بطنه " و كأنه من اختصار أحمد أو بعض شيوخه , و زاد في

رواية : " و كان كاتبه " و سندها صحيح .

و قد يستغل بعض الفرق هذا الحديث ليتخذوا منه مطعنا في معاوية رضي الله عنه ,

و ليس فيه ما يساعدهم على ذلك , كيف و فيه أنه كان كاتب النبي صلى الله عليه

وسلم ? ! و لذلك قال الحافظ ابن عساكر ( 16 / 349 / 2 ) " إنه أصح ما ورد في

فضل معاوية " فالظاهر أن هذا الدعاء منه صلى الله عليه وسلم غير مقصود , بل هو

ما جرت به عادة العرب في وصل كلامها بلا نية كقوله صلى الله عليه وسلم في بعض

نسائه " عقرى حلقى " و " تربت يمينك " . و يمكن أن يكون ذلك منه صلى الله عليه

وسلم بباعث البشرية التي أفصح عنها هو نفسه عليه السلام في أحاديث كثيرة

متواترة .

منها حديث عائشة رضي الله عنها قالت :

" دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان , فكلماه بشيء لا أدري ما هو

فأغضباه , فلعنهما و سبهما , فلما خرجا قلت : يا رسول الله من أصاب من الخير

شيئا ما أصابه هذان ? قال : و ما ذاك ? قالت : قلت : لعنتهما و سببتهما ,

قال : " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ? قلت : اللهم إنما أنا بشر , فأي

المسلمين لعنته أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا " .

83 " أو ما علمت ما شارطت عليه ربي ? قلت : اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته

أو سببته فاجعله له زكاة و أجرا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 122 :

رواه مسلم مع الحديث الذي قبله في باب واحد هو " باب من لعنه النبي صلى الله

عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه و ليس هو أهلا لذلك كان له زكاة و أجرا و رحمة "

.

ثم ساق فيه من حديث # أنس بن مالك # قال :

" كانت عند أم سليم يتيمة و هي أم أنس , فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم

اليتيمة , فقال : آنت هي ? لقد كبرت لا كبر سنك فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي

فقالت أم سليم : ما لك يا بنية ? فقالت الجارية : دعا علي نبي الله صلى الله

عليه وسلم أن لا يكبر سني أبدا , أو قالت : قرني , فخرجت أم سليم مستعجله تلوث

خمارها حتى لقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها رسول الله صلى الله

عليه وسلم : ما لك يا أم سليم ? فقالت يا نبي الله , أدعوت على يتيمتي ? قال :

و ما ذاك يا أم سليم ? قالت : زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها , و لا يكبر قرنها

قال : فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم , ثم قال :

" يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما

أنا بشر أرضى كما يرضى البشر , و أغضب كما يغضب البشر , فأيما أحد دعوت عليه

من أمتي بدعوة ليس لها بأهل , أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه

يوم القيامة " .

84 " يا أم سليم ! أما تعلمين أن شرطي على ربي ? أني اشترطت على ربي فقلت : إنما

أنا بشر أرضى كما يرضى البشر و أغضب كما يغضب البشر فأيما أحد دعوت عليه من

أمتي بدعوة ليس لها بأهل أن يجعلها له طهورا و زكاة و قربة يقربه بها منه يوم

القيامة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 123 :

( عن # أم سليم # ) :

ثم أتبع الإمام مسلم هذا الحديث بحديث معاوية و به ختم الباب , إشارة منه

رحمه الله إلى أنها من باب واحد , و في معنى واحد , فكما لا يضر اليتيمة دعاؤه

صلى الله عليه وسلم عليه بل هو لها زكاة و قربة , فكذلك دعاؤه صلى الله عليه

وسلم على معاوية .

و قد قال الإمام النووي في " شرحه على مسلم " ( 2 / 325 طبع الهند ) :

" و أما دعاؤه صلى الله عليه وسلم على معاوية ففيه جوابان :

أحدهما : أنه جرى على اللسان بلا قصد .

و الثانى : أنه عقوبة له لتأخره , و قد فهم مسلم رحمه الله من هذا الحديث أن

معاوية لم يكن مستحقا الدعاء عليه , فلهذا أدخله في هذا الباب , و جعله غيره من

مناقب معاوية لأنه في الحقيقة يصير دعاء له " .

و قد أشار الذهبي إلى هذا المعنى الثاني فقال في " سير أعلام النبلاء "

( 9 / 171 / 2 ) :

" قلت : لعل أن , يقال : هذه منقبة لمعاوية لقوله صلى الله عليه وسلم : اللهم

من لعنته أو سببته فاجعل ذلك له زكاة و رحمة " .

و اعلم أن قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث : " إنما أنا بشر أرضى كما

يرضى البشر .." إنما هو تفصيل لقول الله تبارك و تعالى : ( قل إنما أنا بشر

مثلكم , يوحى إلي ....) الآية .

و قد يبادر بعض ذوي الأهواء أو العواطف الهوجاء , إلى إنكار مثل هذا الحديث

بزعم تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم و تنزيهه عن النطق به ! و لا مجال إلى مثل

هذا الإنكار فإن الحديث صحيح , بل هو عندنا متواتر , فقد رواه مسلم من حديث

عائشة و أم سلمة كما ذكرنا , و من حديث أبي هريرة و جابر رضي الله عنهما ,

و ورد من حديث سلمان و أنس و سمرة و أبي الطفيل و أبي سعيد و غيرهم .

انظر " كنز العمال " ( 2 / 124 ) .

و تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم تعظيما مشروعا , إنما يكون بالإيمان بكل ما

جاء عنه صلى الله عليه وسلم صحيحا ثابتا , و بذلك يجتمع الإيمان به صلى الله

عليه وسلم عبدا و رسولا , دون إفراط و لا تفريط , فهو صلى الله عليه وسلم بشر ,

بشهادة الكتاب و السنة , و لكنه سيد البشر و أفضلهم إطلاقا بنص الأحاديث

الصحيحة . و كما يدل عليه تاريخ حياته صلى الله عليه وسلم و سيرته , و ما حباه

الله تعالى به من الأخلاق الكريمة , و الخصال الحميدة , التي لم تكتمل في بشر

اكتمالها فيه صلى الله عليه وسلم , و صدق الله العظيم , إذ خاطبه بقوله

الكريم : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) .

85 " ارحلوا لصاحبيكم و اعملوا لصاحبيكم ! ادنوا فكلا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 124 :

رواه أبو بكر ابن أبي شيبة في " المصنف " ( ج 2 / 149 / 2 ) , و الفريابي في

" الصيام " ( 4 / 64 / 1 ) عنه و عن أخيه عثمان بن أبي شيبة , قالا : حدثنا عمر

بن سعد أبو داود عن سفيان عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن

#أبي هريرة # قال :

" أتي النبي صلى الله عليه وسلم بطعام و هو بـ ( مر الظهران ) , فقال لأبي بكر

و عمر : ادنوا فكلا , فقالا : إنا صائمان , فقال : ارحلوا لصاحبيكم " الحديث .

و كذا أخرجه النسائي ( 1 / 315 ) و ابن دحيم في " الأمالي " ( 2 / 1 ) من طرق

أخرى عن عمر بن سعد به .

ثم أخرجه النسائي من طريق محمد بن شعيب : أخبرني الأوزاعي به مرسلا لم يذكر أبا

هريرة , و كذلك أخرجه من طريق علي - و هو ابن المبارك - عن يحيى به .

و لعل الموصول أرجح , لأن الذي وصله و هو سفيان عن الأوزاعي ثقة , و زيادة

الثقة مقبولة ما لم تكن منافية لمن هو أوثق منه .

قلت : و إسناده صحيح على شرط مسلم , و رواه ابن خزيمة في " صحيحه "

و قال : " فيه دليل على أن للصائم في السفر الفطر بعد مضي بعض النهار " .

كما في " فتح الباري " ( 4 / 158 ) .

و أخرجه الحاكم ( 1 / 433 ) و قال :

" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي ! و إنما هو على شرط مسلم وحده ,

فإن عمر بن سعد لم يخرج له البخاري شيئا .

و الغرض من قوله صلى الله عليه و آله وسلم : " ارحلوا لصاحبيكم ..." الإنكار

و بيان أن الأفضل أن يفطرا و لا يحوجا الناس إلى خدمتهما , و يبين ذلك ما روى

الفريابي ( 67 / 1 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : " لا تصم فى السفر فإنهم

إذا أكلوا طعاما قالوا : ارفعوا للصائم ! و إذا عملوا عملا قالوا : اكفلوا

للصائم ! فيذهبوا بأجرك " . و رجاله ثقات .

قلت : ففي الحديث توجيه كريم , إلى خلق قويم , و هو الاعتماد على النفس , و ترك

التواكل على الغير , أو حملهم على خدمته , و لو لسبب مشروع كالصيام , أفليس في

الحديث إذن رد واضح على أولئك الذين يستغلون عملهم , فيحملون الناس على التسارع

في خدمتهم , حتى في حمل نعالهم ?!

و لئن قال بعضهم : لقد كان الصحابة رضي الله عنهم يخدمون رسول الله صلى الله

عليه وسلم أحسن خدمة , حتى كان فيهم من يحمل نعليه صلى الله عليه وسلم و هو

عبد الله بن مسعود .

فجوابنا نعم , و لكن هل احتجاجهم بهذا لأنفسهم إلا تزكية منهم لها , و اعتراف

بأنهم ينظرون إليها على أنهم و رثته صلى الله عليه وسلم في العلم حتى يصح لهم

هذا القياس ?! وايم الله لو كان لديهم نص على أنهم الورثة لم يجز لهم هذا

القياس , فهؤلاء أصحابه صلى الله عليه وسلم المشهود لهم بالخيرية , و خاصة منهم

العشرة المبشرين بالجنة , فقد كانوا خدام أنفسهم , و لم يكن واحد منهم يخدم من

غيره , عشر معشار ما يخدم أولئك المعنيين من تلامذتهم و مريديهم ! فكيف و هم لا

نص عندهم بذلك , و لذلك فإني أقول : إن هذا القياس فاسد الاعتبار من أصله ,

هدانا الله تعالى جميعا سبيل التواضع و الرشاد .

86 " من أنظر معسرا فله بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين , فإذا حل الدين فأنظره فله

بكل يوم مثليه صدقة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 126 :

رواه أحمد ( 5 / 360 ) عن # سليمان بن بريدة عن أبيه # قال : سمعت رسول الله

صلى الله عليه وسلم يقول :

" من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة , قال : ثم سمعته يقول : من أنظر معسرا

فله بكل يوم مثله صدقة , قلت : سمعتك يا رسول الله تقول : من أنظر معسرا فله

بكل يوم مثله صدقة , ثم سمعتك تقول : من أنظر معسرا فله بكل يوم مثليه صدقة ,

قال : له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم

مثليه صدقة " .

قلت : و إسناده صحيح رجاله ثقات محتج بهم في " صحيح مسلم " .

ثم رأيته في " المستدرك " ( 2 / 29 ) و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه

الذهبي فأخطأ لأن سليمان هذا لم يخرج له البخاري , و إنما الذي أخرج له الشيخان

هو أخوه عبد الله بن بريدة .

87 " يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام و لا صلاة و لا نسك و

لا صدقة و ليسرى على كتاب الله عز و جل في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية و

تبقى طوائف من الناس : الشيخ الكبير و العجوز , يقولون : أدركنا آباءنا على هذه

الكلمة : " لا إله إلا الله " فنحن نقولها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/127:

أخرجه ابن ماجه ( 4049 ) و الحاكم ( 4 / 473 ) من طريق أبي معاوية عن أبي مالك

الأشجعي عن ربعي بن حراش عن # حذيفة بن اليمان # مرفوعا به , و زاد :

" قال صلة بن زفر لحذيفة : ما تغني عنهم لا إله إلا الله و هم لا يدرون ما صلاة

و لا صيام و لا نسك و لا صدقة ? فأعرض عنه حذيفة , ثم ردها عليه ثلاثا , كل ذلك

يعرض عنه حذيفة , ثم أقبل عليه في الثالثة فقال : يا صلة ! تنجيهم من النار .

ثلاثا " .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

قلت : و هو كما قالا .

و قال البوصيري في " الزوائد " ( ق 247 / 1 ) : " إسناده صحيح , رجاله ثقات " .

( يدرس ) من درس الرسم دروسا : إذا عفا و هلك .

( وشي الثوب ) نقشه .

من فوائد الحديث :

----------------

و في هذا الحديث نبأ خطير , و هو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره ,

و على القرآن فيرفع فلا يبقى منه و لا آية واحدة , و ذلك لا يكون قطعا إلا بعد

أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها , و تكون كلمته فيها هي العليا .

كما هو نص قول الله تبارك و تعالى ( هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق

ليظهره على الدين كله ) , و كما شرح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك في

أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها في المقال الأول من هذه المقالات ( الأحاديث

الصحيحة ) .

و ما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان إلا تمهيدا لإقامة الساعة على شرار الخلق

الذين لا يعرفون شيئا من الإسلام البتة , حتى و لا توحيده !

و في الحديث إشارة إلى عظمة القرآن , و أن وجوده بين المسلمين هو السبب لبقاء

دينهم و رسوخ بنيانه و ما ذلك إلا بتدارسه و تدبره و تفهمه و لذلك تعهد الله

تبارك و تعالى بحفظه , إلى أن يأذن الله برفعه . فما أبعد ضلال بعض المقلدة

الذين يذهبون إلى أن الدين محفوظ بالمذاهب الأربعة , و أنه لا ضير على المسلمين

من ضياع قرآنهم لو فرض وقوع ذلك !! هذا ما كان صرح لي به أحد كبار المفتين من

الأعاجم و هو يتكلم العربية الفصحى بطلاقة و ذلك لما جرى الحديث بيني و بينه

حول الاجتهاد و التقليد .

قال - ما يردده كثير من الناس - : إن الاجتهاد أغلق بابه منذ القرن الرابع !

فقلت له : و ماذا نفعل بهذه الحوادث الكثيرة التي تتطلب معرفة حكم الله فيها

اليوم ?

قال : إن هذه الحوادث مهما كثرت فستجد الجواب عنها في كتب علمائنا إما عن عينها

أو مثلها .

قلت : فقد اعترفت ببقاء باب الاجتهاد مفتوحا و لا بد !

قال : و كيف ذلك ?

قلت : لأنك اعترفت أن الجواب قد يكون عن مثلها , لا عن عينها و إذ الأمر كذلك ,

فلابد من النظر في كون الحادثه في هذا العصر , هي مثل التي أجابوا عنها , و حين

ذلك فلا مناص من استعمال النظر و القياس و هو الدليل الرابع من أدلة الشرع ,

و هذا معناه الاجتهاد بعينه لمن هو له أهل ! فكيف تقولون بسد بابه ?!و يذكرني

هذا بحديث آخر جرى بيني و بين أحد المفتين شمال سورية , سألته : هل تصح الصلاة

في الطائرة ? قال : نعم . قلت : هل تقول ذلك تقليدا أم اجتهادا ? قال : ماذا

تعني ? قلت : لا يخفى أن من أصولكم في الإفتاء , أنه لا يجوز الإفتاء باجتهاد ,

بل اعتمادا على نص من إمام , فهل هناك نص بصحة الصلاة في الطائرة ? قال : لا ,

قلت : فكيف إذن خالفتم أصلكم هذا فأفتيتم دون نص ? قال : قياسا .

قلت : ما هو المقيس عليه ? قال : الصلاة في السفينة .

قلت : هذا حسن , و لكنك خالفت بذلك أصلا و فرعا , أما الأصل فما سبق ذكره ,

و أما الفرع فقد ذكر الرافعي في شرحه أن المصلي لو صلى في أرجوحة غير معلقة

بالسقف و لا مدعمة بالأرض فصلاته باطلة . قال : لا علم لي بهذا .

قلت : فراجع الرافعي إذن لتعلم أن ( فوق كل ذي علم عليم ) , فلو أنك تعترف أنك

من أهل القياس و الاجتهاد و أنه يجوز لك ذلك و لو في حدود المذهب فقط , لكانت

النتيجة أن الصلاة في الطائرة باطلة لأنها هي التي يتحقق فيها ما ذكره الرافعي

من الفرضية الخيالية يومئذ . أما نحن فنرى أن الصلاة في الطائرة صحيحة لا شك في

ذلك , و لئن كان السبب في صحة الصلاة في السفينة أنها مدعمة بالماء بينها و بين

الأرض , فالطائرة أيضا مدعمة بالهواء بينها و بين الأرض . و هذا هو الذي بدا

لكم في أول الأمر حين بحثتم استقلالا , و لكنكم لما علمتم بذلك الفرع المذهبي

صدكم عن القول بما أداكم إليه بحثكم !?

أعود إلى إتمام الحديث مع المفتي الأعجمي , قلت له : و إذا كان الأمر كما

تقولون : إن المسلمين ليسوا بحاجة إلى مجتهدين لأن المفتي يجد الجواب عن عين

المسألة أو مثلها , فهل يترتب ضرر ما لو فرض ذهاب القرآن ? قال : هذا لا يقع ,

قلت : إنما أقول : لو فرض , قال : لا يترتب أي ضرر لو فرض وقوع ذلك !

قلت : فما قيمة امتنان الله عز و جل إذن على عباده بحفظ القرآن حين قال : ( إنا

نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون ) , إذا كان هذا الحفظ غير ضروري بعد الأئمة

?!

و الحقيقة أن هذا الجواب الذي حصلنا عليه من المفتي بطريق المحاورة , هو جواب

كل مقلد على وجه الأرض , و إنما الفرق أن بعضهم لا يجرؤ على التصريح به , و إن

كان قلبه قد انطوى عليه . نعوذ بالله من الخذلان .

فتأمل أيها القارىء اللبيب مبلغ ضرر ما نشكو منه , لقد جعلوا القرآن في حكم

المرفوع , و هو لا يزال بين ظهرانينا و الحمد لله , فكيف يكون حالهم حين يسرى

عليه في ليلة , فلا يبقى في الأرض منه آية ?! فاللهم هداك .

حكم تارك الصلاة :

----------------

هذا و في الحديث فائدة فقهية هامة , و هي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي

قائلها من الخلود في النار يوم القيامة و لو كان لا يقوم بشيء من أركان الإسلام

الخمسة الأخرى كالصلاة و غيرها , و من المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك

الصلاة خاصة , مع إيمانه بمشروعيتها , فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك , بل يفسق

و ذهب أحمد إلى أنه يكفر و أنه يقتل ردة , لا حدا , و قد صح عن الصحابة أنهم

كانوا لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة . رواه الترمذي و الحاكم ,

و أنا أرى أن الصواب رأي الجمهور , و أن ما ورد عن الصحابة ليس نصا على أنهم

كانوا يريدون بـ ( الكفر ) هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار و لا يحتمل أن

يغفره الله له , كيف ذلك و هذا حذيفة بن اليمان - و هو من كبار أولئك الصحابة -

يرد على صلة بن زفر و هو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له , فيقول : ما

تغني عنهم لا إله إلا الله , و هم لا يدرون ما صلاة ...."فيجيبه حذيفة بعد

إعراضه عنه :

" يا صلة تنجيهم من النار . ثلاثا " .

فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة , و مثلها بقية الأركان ليس

بكافر , بل هو مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة . فاحفظ هذا فإنه قد لا

تجده في غير هذا المكان .

و في الحديث المرفوع ما يشهد له , و لعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى .

ثم وقفت على " الفتاوى الحديثية " ( 84 / 2 ) للحافظ السخاوي , فرأيته يقول بعد

أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة و هي مشهورة معروفة :

" و لكن كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحدا لوجودها مع كونه ممن

نشأ بين المسلمين , لأنه يكون حينئذ كافرا مرتدا بإجماع المسلمين , فإن رجع إلى

الإسلام قبل منه , و إلا قتل . و أما من تركها بلا عذر , بل تكاسلا مع اعتقاد

وجوبها , فالصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر , و أنه - على

الصحيح أيضا - بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري , كأن يترك الظهر

مثلا حتى تغرب الشمس أو المغرب حتى يطلع الفجر - يستتاب كما يستتاب المرتد ,

ثم يقتل إن لم يتب , و يغسل و يصلى عليه و يدفن في مقابر المسلمين , مع إجراء

سائر أحكام المسلمين عليه . و يؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض

أحكامه . و هو وجوب العمل , جمعا بين هذه النصوص و بين ما صح أيضا عنه

صلى الله عليه وسلم أنه قال : خمس صلوات كتبهن الله - فذكر الحديث . و فيه :

" إن شاء عذبه , و إن شاء غفر له " و قال أيضا : " من مات و هو يعلم أن لا إله

إلا الله دخل الجنة " إلى غير ذلك . و لهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة

و يورثونه و لو كان كافرا لم يغفر له , و لم يرث و لم يورث " .

و قد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في " حاشيته على المقنع " ,

( 1 / 95 - 96 ) و ختم البحث بقوله :

" و لأن ذلك إجماع المسلمين , فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحدا من تاركي

الصلاة , ترك تغسيله و الصلاة عليه , و لا منع ميراث موروثه مع كثرة تاركي

الصلاة , و لو كفر لثبتت هذه الأحكام . و أما الأحاديث المتقدمة , فهي على وجه

التغليظ و التشبيه بالكفار لا على الحقيقة , كقوله عليه الصلاة و السلام :

" سباب المسلم فسوق , و قتاله كفر " , و قوله " من حلف بغير الله فقد أشرك "

و غير ذلك . قال الموفق : و هذا أصوب القولين " .

أقول : نقلت هذا النص من " الحاشية " المذكورة , ليعلم بعض متعصبة الحنابلة ,

أن الذي ذهبت إليه , ليس رأيا لنا تفردنا به دون أهل العلم , بل هو مذهب

جمهورهم , و المحققين من علماء الحنابلة أنفسهم , كالموفق هذا , و هو ابن قدامة

المقدسي , و غيره , ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة , تحملهم إن شاء الله

تعالى , على ترك غلوائهم , و الاعتدال في حكمهم .

بيد أن هنا دقيقة , قل من رأيته تنبه لها , أو نبه عليها , فوجب الكشف عنها

و بيانها .

فأقول : إن التارك للصلاة كسلا إنما يصح الحكم بإسلامه , ما دام لا يوجد هناك

ما يكشف عن مكنون قلبه , أو يدل عليه , و مات على ذلك , قبل أن يستتاب كما هو

الواقع في هذا الزمان , أما لو خير بين القتل و التوبة بالرجوع إلى المحافظة

على الصلاة , فاختار القتل عليها , فقتل , فهو في هذه الحالة يموت كافرا ,

و لا يدفن في مقابر المسلمين , و لا تجري عليه أحكامهم , خلافا لما سبق عن

السخاوي لأنه لا يعقل - لو كان غير جاحد لها في قلبه - أن يختار القتل عليها ,

هذا أمر مستحيل , معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان , لا يحتاج إثباته إلى برهان

.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في " مجموعة الفتاوى " ( 2 / 48 ) :

" و متى امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل , لم يكن في الباطن مقرا بوجوبها و لا

ملتزما بفعلها , و هذا كافر باتفاق المسلمين , كما استفاضت الآثار عن الصحابة

بكفر هذا , و دلت عليه النصوص الصحيحة .... فمن كان مصرا على تركها حتى يموت ,

لا يسجد لله سجدة قط , فهذا لا يكون قط مسلما مقرا بوجوبها , فإن اعتقاد الوجوب

و اعتقاد أن تاركها يستحق القتل , هذا داع تام إلى فعلها , و الداعي مع القدرة

يوجب وجود المقدور , فإذا كان قادرا و لم يفعل قط , علم أن الداعي في حقه لم

يوجد " .

88 " ما اجتمع هذه الخصال في رجل في يوم إلا دخل الجنة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 133 :

رواه مسلم في " صحيحه " ( 7 / 100 ) و البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 515 )

و ابن عساكر في " تاريخه " ( ج 9 / 288 / 1 ) من طريق مروان بن معاوية قال :

حدثنا يزيد بن كيسان عن أبي حازم عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم :

" من أصبح منكم اليوم صائما ? قال أبو بكر : أنا , قال : من عاد منكم اليوم

مريضا ? قال أبو بكر أنا , قال : من شهد منكم اليوم جنازة ? قال أبو بكر :

أنا , قال : من أطعم اليوم مسكينا ? قال أبو بكر : أنا , قال مروان : بلغني أن

النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

و السياق للبخارى . و ليس عند مسلم و ابن عساكر " قال مروان : بلغني " بل هذا

البلاغ عندهما متصل بأصل الحديث من طريقين عن مروان . و هو الأصح إن شاء الله

تعالى .

و الحديث عزاه المنذري في " الترغيب " ( 4 / 162 ) لابن خزيمة فقط في " صحيحه "

! و له طريق أخرى عند ابن عساكر عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة نحوه .

و لبعضه شاهد من حديث عبد الرحمن بن أبي بكر بلفظ :

" هل منكم أحد أطعم اليوم مسكينا ? فقال أبو بكر رضي الله عنه :

دخلت المسجد فإذا أنا بسائل يسأل , فوجدت كسرة خبز في يد عبد الرحمن , فأخذتها

منه , فدفعتها إليه " .

أخرجه أبو داود و غيره و إسناده ضعيف كما بينته في الأحاديث " الضعيفة "

( 1400 ) .

و فيه فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله عنه و البشارة له بالجنة , و الأحاديث في

ذلك كثيرة طيبة .

و فيه فضيلة الجمع بين هذه الخصال في يوم واحد , و أن اجتماعها في شخص بشير له

بالجنة , جعلنا الله من أهلها .

89 " إن أول ما يكفئ - يعني الإسلام - كما يكفأ الإناء - يعني الخمر - , فقيل :

كيف يا رسول الله , و قد بين الله فيها ما بين ? قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم : يسمونها بغير اسمها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 134 :

رواه الدارمي ( 2 / 114 ) : حدثنا زيد بن يحيى حدثنا محمد بن راشد عن أبي وهب

الكلاعي عن القاسم بن محمد عن # عائشة # قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه

وسلم يقول : فذكره .

قلت : و هذا سند حسن , القاسم بن محمد هو ابن أبي بكر الصديق - ثقة أحد الفقهاء

في المدينة , احتج به الجماعة .

و أبو وهب الكلاعي اسمه عبيد الله بن عبيد وثقه دحيم .

و قال ابن معين : لا بأس به .

و محمد بن راشد هو المكحولي الخزاعي الدمشقي , وثقه جماعة من كبار الأئمة كأحمد

و ابن معين و غيرهما , و ضعفه آخرون .

و توسط فيه أبو حاتم فقال : " كان صدوقا حسن الحديث " .

قلت : و هذا هو الراجح لدينا , و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يهم " .

و زيد بن يحيى , هو إما زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي أبو عبد الله الدمشقي ,

و إما زيد بن أبي الزرقاء يزيد الموصلي أبو محمد نزيل الرملة , و لم يترجح لدي

الآن أيهما المراد هنا , فكلاهما روى عن محمد بن راشد , و لكن أيهما كان فهو

ثقة .

و قد وجدت للحديث طريقا أخرى , أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 225 / 1 )

و ابن عدي ( ق 264 / 2 ) عن الفرات بن سلمان عن القاسم به , و لفظه :

" أول ما يكفأ الإسلام كما يكفأ الإناء في شراب يقال له : الطلاء " .

ثم رواه ابن عدي عن الفرات قال : حدثنا أصحاب لنا عن القاسم به .

و قال : " الفرات هذا لم أر المتقدمين صرحوا بضعفه , و أرجو أنه لا بأس به ,

لأني لم أر في رواياته حديثا منكرا " .

قلت : و قال ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 80 ) :

" سألت أبي عنه ? فقال : لا بأس به , محله الصدق , صالح الحديث " .

و قال أحمد : " ثقة " . كما في " الميزان " و " اللسان " .

قلت : فالإسناد صحيح , و لا يضره جهالة أصحاب الفرات , لأنهم جمع ينجبر به

جهالتهم , و لعل منهم أبا وهب الكلاعي فإنه قد رواه عن القاسم كما في الطريق

الأولى , فالحديث صحيح . و قول الذهبي في ترجمة الفرات : " حديث منكر " منكر من

القول , و لعله لم يقف على الطريق الأولى , بل هذا هو الظاهر .

و الله أعلم .

و الحديث مما فات السيوطي فلم يورده في " الجامع الكبير " , لا في بابا " إن "

و لا في " أول " و إنما أورد فيه ما قد يصلح أن يكون شاهدا لهذا فقال

( 1 / 274 / 2 ) :

" أول ما يكفأ أمتي عن الإسلام كما يكفأ الإناء , في الخمر . ابن عساكر عن ابن

عمرو " .

ثم رأيته في " تاريخه " ( 18 / 76 / 1 ) عن زيد بن يحيى بن عبيد حدثني ابن ثابت

ابن ثوبان عن إسماعيل بن عبد الله قال : سمعت ابن محيريز يقول : سمعت عبد الله

بن عمرو يقول فذكره و زاد في آخره " قال : و قلت ( لعله . و قطب ) رسول الله

صلى الله عليه وسلم " . و هذا إسناد لا بأس به في الشواهد .

و للحديث طريق أخرى بلفظ آخر عن عائشة , يأتي في الذي بعده .

( الطلاء ) قال في " النهاية " :

" بالكسر و المد : الشراب المطبوخ من عصير العنب , و هو الرب " .

ثم ذكر الحديث ثم قال :

" هذا نحو الحديث الآخر : سيشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها .

يريد : أنهم يشربون النبيذ المسكر , المطبوخ , و يسمونه طلاء , تحرجا من أن

يسموه خمرا " .

و للحديث شاهد صحيح بلفظ :

" ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه , ( و في رواية ) : يسمونها

بغير اسمها " .

90 " ليستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه , ( و في رواية ) : يسمونها

بغير اسمها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 136 :

أخرجه ابن ماجه ( 3385 ) و أحمد ( 5 / 318 ) و ابن أبي الدنيا في " ذم المسكر "

( ق 4 / 2 ) عن سعيد بن أوس الكاتب عن بلال بن يحيى العبسي عن أبي بكر ابن حفص

عن ابن محيريز عن ثابت بن السمط عن # عبادة بن الصامت # قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم .

قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات , و ابن محيريز اسمه عبد الله .

و هو ثقة من رجال الشيخين .

و أبو بكر بن حفص , هو عبد الله بن حفص بن عمر بن سعد بن أبي وقاص و هو ثقة

محتج به في " الصحيحين " أيضا .

و بلال بن يحيى العبسي , قال ابن معين : " ليس به بأس " . و وثقه ابن حبان .

و قد تابعه شعبة , لكنه أسقط من الإسناد " ثابت بن السمط " و قال :

" عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم " بالرواية الثانية .

أخرجه النسائي ( 2 / 330 ) , و أحمد ( 4 / 237 ) , و إسناده صحيح , و هو أصح

من الأول .

و روي عن أبي بكر بن حفص على وجه آخر , من طريق محمد بن عبد الوهاب أبي شهاب

عن أبي إسحاق الشيباني عن أبي بكر بن حفص عن ابن عمر قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

أخرجه الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 6 / 205 ) .

قلت : و رجاله ثقات غير أبي شهاب هذا فلم أعرفه .

و للحديث شاهد يرويه سعيد بن أبي هلال عن محمد بن عبد الله بن مسلم أن أبا مسلم

الخولاني حج , فدخل على عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فجعلت تسأله عن

الشام و عن بردها , فجعل يخبرها , فقالت : كيف تصبرون على بردها ? فقال : يا أم

المؤمنين إنهم يشربون شرابا لهم , يقال له : الطلاء , فقالت : صدق الله و بلغ

حبي , سمعت حبي رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" إن ناسا من أمتي يشربون الخمر , يسمونها بغير اسمها " .

أخرجه الحاكم ( 2 / 147 ) و البيهقي ( 7 / 294 - 295 ) .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " .

و تعقبه الذهبي بقوله :

" قلت : كذا قال : " محمد " , فمحمد مجهول , و إن كان ابن أخي الزهري فالسند

منقطع " .

قلت : و سعيد بن أبي هلال كان اختلط , و قد تقدم الحديث عن عائشة بلفظ آخر قبل

هذا الحديث .

و له شاهد ثان , من حديث أبي أمامة الباهلي قال : قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم :

" لا تذهب الليالي و الأيام , حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر , يسمونها بغير

اسمها " .

أخرجه ابن ماجه ( 3384 ) , و أبو نعيم في " الحلية " ( 6 / 97 ) عن عبد السلام

بن عبد القدوس , حدثنا ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عنه .

و قال أبو نعيم :

" كذا حدثناه عن أبي أمامة , و روي عن ثور عن خالد عن أبي هريرة رضي الله تعالى

عنه مثله " .

قلت : و رجاله ثقات غير عبد السلام هذا و هو ضعيف كما في " التقريب " .

و له شاهد ثالث يرويه أبو عامر الخزاز عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

" إن أمتي يشربون الخمر في آخر الزمان , يسمونها بغير اسمها " .

أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 3 / 114 / 3 ) . و أبو عامر اسمه صالح بن رستم

المزني , و هو صدوق كثير الخطأ كما في " التقريب " , فمثله يستشهد به .

و الله أعلم .

و له شاهد رابع يرويه حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال :

دخل علينا عبد الرحمن بن غنم فتذاكرنا الطلاء , فقال : حدثني أبو مالك الأشعري

أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" ليشربن ناس من أمتي الخمر , يسمونها بغير اسمها " .

أخرجه أبو داود ( 3688 ) , و البخاري في " التاريخ الكبير " ( 1 / 1 / 305 و

4 / 1 / 222 ) , و ابن ماجه ( 4020 ) , و ابن حبان ( 1384 ) , و البيهقي

( 8 / 295 و 10 / 231 ) , و أحمد ( 5 / 342 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "

( 1 / 167 / 2 ) , و ابن عساكر ( 16 / 115 / 2 ) , كلهم عن معاوية بن صالح عن

حاتم به .

قلت : و رجاله ثقات غير مالك بن أبي مريم , قال الذهبي :

" لا يعرف " . و وثقه ابن حبان على قاعدته !

هذا هو علة هذا الإسناد , و أما المنذري فأعله في " مختصره " ( 5 / 271 )

بقوله : " في إسناده حاتم بن حريث الطائي الحمصي , سئل عنه أبو حاتم الرازي ,

فقال : شيخ . و قال ابن معين : لا أعرفه " .

قلت : قد عرفه غيره , فقال عثمان بن سعيد الدارمي : " ثقة " . و ذكره ابن حبان

في " الثقات " , و قال ابن عدي :

" لعزة حديثه لم يعرفه ابن معين , و أرجو أنه لا بأس به " .

قلت : فإعلاله بشيخه مالك بن أبي مريم - كما فعلنا - أولى , لأنه لم يوثقه غير

ابن حبان كما ذكرنا .

هذا و في الحديث زيادة عن ابن ماجه و البيهقي و ابن عساكر بلفظ :

" يعزف على رؤوسهم بالمعازف و المغنيات , يخسف الله بهم الأرض , و يجعل منهم

القردة و الخنازير " .

و الحديث صحيح بكامله , أما أصله فقد تقدمت له شواهد .

و أما الزيادة فقد جاءت من طريق أخرى عن عبد الرحمن بن غنم نحوه , و لفظه يأتي

بعده , و قال البيهقي عقبه :

" و لهذا شواهد من حديث علي , و عمران بن حصين , و عبد الله بن بسر , و سهل بن

سعد , و أنس بن مالك , و عائشة , رضي الله عنهم عن النبي صلى الله عليه وسلم "

.

91 " ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر و الحرير و الخمر و المعازف , و لينزلن

أقوام إلى جنب علم , يروح عليهم بسارحة لهم , يأتيهم لحاجة , فيقولون : ارجع

إلينا غدا , فيبيتهم الله , و يضع العلم , و يمسخ آخرين قردة و خنازير إلى يوم

القيامة " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 139 :

رواه البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال ( 4 / 30 ) :

" باب ما جاء فيمن يستحل الخمر و يسميه بغير اسمه . و قال هشام بن عمار :

حدثنا صدقة بن خالد حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر حدثنا عطية بن قيس

الكلابي حدثني عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : حدثني أبو عامر أو أبو مالك

الأشعري - و الله ما كذبني - سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ... " فذكره .

و قد وصله الطبراني ( 1 / 167 / 1 ) و البيهقي ( 10 / 221 ) و ابن عساكر

( 19 / 79 / 2 ) و غيرهم من طرق عن هشام بن عمار به .

و له طريق أخرى عن عبد الرحمن بن يزيد , فقال أبو داود ( 4039 ) :

حدثنا عبد الوهاب بن نجدة حدثنا بشر بن بكر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر به .

و رواه ابن عساكر من طريق أخرى عن بشر به .

قلت : و هذا إسناد صحيح و متابعة قوية لهشام بن عمار و صدقة بن خالد , و لم يقف

على ذلك ابن حزم في " المحلى " , و لا في رسالته في إباحة الملاهي , فأعل إسناد

البخاري بالانقطاع بينه و بين هشام , و بغير ذلك من العلل الواهية , التي بينها

العلماء من بعده و ردوا عليه تضعيفه للحديث من أجلها , مثل المحقق ابن القيم في

" تهذيب السنن " ( 5 / 270 - 272 ) و الحافظ ابن حجر في " الفتح " و غيرهما ,

و قد فصلت القول في ذلك في جزء عندي في الرد على رسالة ابن حزم المشار إليها ,

يسر الله تبيضه و نشره .

و ابن حزم رحمه الله مع علمه و فضله و عقله , فهو ليس طويل الباع في الاطلاع

على الأحاديث و طرقها و رواتها . و من الأدلة على ذلك تضعيفه لهذا الحديث .

و قوله في الإمام الترمذي صاحب السنن : " مجهول " و ذلك مما حمل العلامة محمد

بن عبد الهادي - تلميذ ابن تيمية - على أن يقول في ترجمته في " مختصر طبقات

علماء الحديث " ( ص 401 ) :

" و هو كثير الوهم في الكلام على تصحيح الحديث و تضعيفه , و على أحوال الرواة "

.

قلت : فينبغي أن لا يؤخذ كلامه على الأحاديث إلا بعد التثبيت من صحته و عدم

شذوذه , شأنه في ذلك شأنه في الفقه الذي يتفرد به , و علم الكلام الذي يخالف

السلف فيه , فقد قال ابن عبد الهادي بعد أن وصفه " بقوة الذكاء و كثرة

الاطلاع " :

" و لكن تبين لي منه أنه جهمي جلد , لا يثبت معاني أسماء الله الحسنى إلا

القليل , كالخالق , و الحق , و سائر الأسماء عنده لا يدل على معنى أصلا ,

كالرحيم و العليم و القدير , و نحوها , بل العلم عنده هو القدرة , و القدرة هي

العلم , و هما عين الذات , و لا يدل العلم على شيء زائد على الذات المجردة أصلا

و هذا عين السفسطة و المكابرة . و قد كان ابن حزم قد اشتغل في المنطق و الفلسفة

, و أمعن في ذلك , فتقرر في ذهنه لهذا السبب معاني باطلة " .

غريب الحديث :

------------

( الحر ) الفرج , و المراد : الزنا .

( المعازف ) جمع معزفة و هي آلات الملاهي كما في " الفتح " .

( علم ) هو الجبل العالي .

( يروح عليهم ) بحذف الفاعل و هو الراعي بقرينة المقام , إذ السارحة لابد لها

من حافظ .

( بسارحة ) هي الماشية التي تسرح بالغداة إلى رعيها , و تروح أي ترجع بالعشي

إلى مألفها .

( يأتيهم لحاجة ) بيانه في رواية الإسماعيلي في " مستخرجه على الصحيح " :

" يأتيهم طالب حاجة " .

( فيبيتهم الله ) أي يهلكهم ليلا .

( و يضع العلم ) أي يوقعه عليهم .

فقه الأحاديث :

-------------

يستفاد من الأحاديث المتقدمة فوائد هامة نذكر بعضها :

أولا : تحريم الخمر , و هذا أمر مجمع عليه بين المسلمين و الحمد لله , غير أن

طائفة منهم - و فيهم بعض المتبوعين - خصوا التحريم بما كان من عصير العنب خاصة

! و أما ما سوى ذلك من المشروبات المسكرة , مثل ( السكر ) و هو نقيع التمر إذا

غلى بغير طبخ , و ( الجعة ) و هو نبيذ الشعير , و ( السكركة ) و هو خمر الحبشة

من الذرة , فذلك كله حلال عندهم إلا المقدار الذي يسكر منه , و أما القليل منه

فحلال ! بخلاف خمر العنب فقليله ككثيره في التحريم .

و هذا التفريق مع مصادمته للنصوص القاطعة في تحريم كل مسكر , كقول عمر رضي الله

عنه : " نزل تحريم الخمر يوم نزل و هي من خمسة أشياء من العنب و التمر و العسل

و الحنطة و الشعير . و الخمر ما خامر العقل " و كقوله صلى الله عليه وسلم :

" كل مسكر خمر , و كل خمر حرام " و قوله : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " .

أقول : هذا التفريق مع مصادمته لهذه النصوص و غيرها , فهو مخالف للقياس الصحيح

و النظر الرجيح , إن أي فرق بين تحريم القليل الذي لا يسكر من خمر العنب المسكر

كثيره , و بين تحليل القليل الذي لا يسكر من خمر الذرة المسكر ? ! و هل حرم

القليل إلا لأنه ذريعة إلى الكثير المسكر , فكيف يحلل هذا و يحرم ذاك و العلة

واحدة ?! تالله إن هذا من الغرائب التي لا تكاد تصدق نسبتها إلى أحد من أهل

العلم لولا صحة ذلك عنهم , و أعجب منه الذي تبنى القول به هو من المشهورين بأنه

من أهل القياس و الرأي !!قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 5 / 263 ) بعد

أن ساق بعض النصوص المذكورة :

" فهذه النصوص الصحيحة الصريحة في دخول هذه الأشربة المتخذة من غير العنب في

اسم الخمر في اللغة التي نزل بها القرآن و خوطب بها الصحابة مغنية عن التكلف في

إثبات تسميتها خمرا بالقياس , مع كثرة النزاع فيه . فإذ قد ثبت تسميتها خمرا

نصا فتناول لفظ النصوص لها كتناوله لشراب العنب سواء تناولا واحدا . فهذه طريقة

منصوصة سهلة تريح من كلمة القياس في الاسم , و القياس في الحكم . ثم إن محض

القياس الجلي يقتضي التسوية بينها , لأن تحريم قليل شراب العنب مجمع عليه ,

و إن لم يسكر , و هذا لأن النفوس لا تقتصر على الحد الذي لا يسكر منه , و قليله

يدعو إلى كثيره . و هذا المعنى بعينه في سائر الأشربة المسكرة , فالتفريق بينها

في ذلك تفريق بين المتماثلات و هو باطل , فلو لم يكن في المسألة إلا القياس

لكان كافيا في التحريم , فكيف و فيها ما ذكرناه من النصوص التي لا مطعن في

سندها , و لا اشتباه في معناها , بل هي صحيحة . و بالله التوفيق " .

و أيضا فإن إباحة القليل الذي لا يسكر من الكثير الذي يسكر غير عملي , لأنه لا

يمكن معرفته إذ أن ذلك يختلف باختلاف نسبة كمية المادة المسكرة ( الكحول ) في

الشراب , فرب شراب قليل , كمية الكحول فيه كثيرة و هو يسكر , و رب شراب أكثر

منه كمية , الكحول فيه أقل لا يسكر و كما أن ذلك يختلف باختلاف بنية الشاربين

و صحتهم , كما هو ظاهر بين , و حكمة الشريعة تنافي القول بإباحة مثل هذا الشراب

و هي التي تقول : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " , " و من حام حول الحمى يوشك

أن يقع فيه " .

و اعلم أن ورود مثل هذه الأقوال المخالفة للسنة و القياس الصحيح معا في بعض

المذاهب مما يوجب على المسلم البصير في دينه , الرحيم بنفسه أن لا يسلم قيادة

عقله و تفكيره و عقيدته لغير معصوم , مهما كان شأنه في العلم و التقوى و الصلاح

بل عليه أن يأخذ من حيث أخذوا من الكتاب و السنة إن كان أهلا لذلك , و إلا سأل

المتأهلين لذلك , و الله تعالى يقول : ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )

.

و بالإضافة إلى ذلك فإنا نعتقد أن من قال بهذا القول من العلماء المشار إليهم

فهو مأجور على خطئه , للحديث المعروف , لأنهم قصدوا الحق فأخطؤوه , و أما من

وقف من أتباعهم على هذه الاحاديث التي ذكرنا , ثم أصر على تقليدهم على خطأهم ,

و أعرض عن اتباع الأحاديث المذكورة فهو - و لا شك - على ضلال مبين , و هو داخل

في وعيد هذه الأحاديث التي خرجناها و لا يفيده شيئا تسميته لما يشرب بغير اسمه

مثل الطلاء , و النبيذ , أو ( الويسكى ) أو ( الكونياك ) و غير ذلك من الأسماء

التي أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث الكريمة .

و صدق الله العظيم إذ يقول : ( إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم و آبائكم ما أنزل

الله بها من سلطان ) .

ثانيا : تحريم آلات العزف و الطرب , و دلالة الحديث على ذلك من وجوه :

أ - قوله : " يستحلون " فإنه صريح بأن المذكورات و منها المعازف هي في الشرع

محرمة , فيستحلها أولئك القوم .

ب - قرن ( المعازف ) مع المقطوع حرمته : الزنا و الخمر , و لو لم تكن محرمة ما

قرنها معها إن شاء الله تعالى .

و قد جاءت أحاديث كثيرة بعضها صحيح في تحريم أنواع من آلات العزف التي كانت

معروفة يومئذ , كالطبل و القنين و هو العود و غيرها , و لم يأت ما يخالف ذلك

أو يخصه , اللهم إلا الدف في النكاح و العيد , فإنه مباح على تفصيل مذكور في

الفقه , و قد ذكرته في ردي على ابن حزم . و لذلك اتفقت المذاهب الأربعة على

تحريم آلات الطرب كلها , و استثنى بعضهم - بالإضافة إلى ما ذكرنا - الطبل في

الحرب , و ألحق به بعض المعاصرين الموسيقى العسكرية , و لا وجه لذلك ألبتة

لأمور :

الأول : أنه تخصيص لأحاديث التحريم , بدون مخصص , سوى مجرد الرأي و الاستحسان ,

و هو باطل .

الثاني : أن المفروض في المسلمين في حالة الحرب أن يقبلوا بقلوبهم على ربهم ,

و أن يطلبوا منه نصرهم على عدوهم , فذلك أدعى لطمأنينة نفوسهم , و أربط لقلوبهم

فاستعمال الموسيقى مما يفسد ذلك عليهم , و يصرفهم عن ذكر ربهم , قال تعالى :

( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا , و اذكروا الله كثيرا لعلكم

تفلحون ) .

الثالث : أن استعمالها من عادة الكفار ( الذين لا يؤمنون بالله و لا باليوم

الآخر , و لا يحرمون ما حرم الله و رسوله , و لا يدينون دين الحق ) فلا يجوز

لنا أن نتشبه بهم , لا سيما فيما حرمه الله تبارك و تعالى علينا تحريما عاما

كالموسيقى .

و لا تغتر أيها القارئ الكريم بما قد تسمع عن بعض المشهورين اليوم من المتفقهة

من القول بإباحة آلات الطرب و الموسيقى , فإنهم - و الله - عن تقليد يفتون ,

و لهوى الناس اليوم ينصرون , و من يقلدون ? إنما يقلدون ابن حزم الذي أخطأ

فأباح آلات الطرب و الملاهي , لأن حديث أبي مالك الأشعري لم يصح عنده , و قد

عرفت أنه صحيح قطعا , و أن ابن حزم أتي من قصر باعه في علم الحديث كما سبق

بيانه , و ليت شعري ما الذي حملهم على تقليده هنا دون الأئمة الأربعة , مع أنهم

أفقه منه و أعلم و أكثر عددا و أقوى حجة ? ! لو كان الحامل لهم على ذلك إنما هو

التحقيق العلمي فليس لأحد عليهم من سبيل , و معنى التحقيق العلمي كما لا يخفى

أن يتتبعوا الاحاديث كلها الواردة في هذا الباب و يدرسوا طرقها و رجالها , ثم

يحكموا عليها بما تستحق من صحة أو ضعف , ثم إذا صح عندهم شيء منها درسوها من

ناحية دلالتها و فقهها و عامها و خاصها , و ذلك كله حسبما تقتضيه قواعد علم

أصول الحديث و أصول الفقه , لو فعلوا ذلك لم يستطع أحد انتقادهم و لكانوا

مأجورين , و لكنهم - و الله - لا يصنعون شيئا من ذلك , و لكنهم إذا عرضت لهم

مسألة نظروا في أقوال العلماء فيها , ثم أخذوا ما هو الأيسر أو الأقرب إلى

تحقيق المصلحة زعموا . دون أن ينظروا موافقة ذلك للدليل من الكتاب و السنة ,

و كم شرعوا للناس - بهذه الطريقة - أمورا باسم الشريعة الإسلامية , يبرأ

الإسلام منها . فإلى الله المشتكى .

فاحرص أيها المسلم على أن تعرف إسلامك من كتاب ربك , و سنة نبيك , و لا تقل :

قال فلان , فإن الحق لا يعرف بالرجال , بل اعرف الحق تعرف الرجال , و رحمة الله

على من قال :

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول و بين رأي فقيه

كلا و لا جحد الصفات و نفيها حذرا من التمثيل و التشبيه

ثالثا : أن الله عز و جل قد يعاقب بعض الفساق عقوبة دنيوية مادية , فيمسخهم

فيقلب صورهم , و بالتالي عقولهم إلى بهيمة ..

قال الحافظ في " الفتح " ( 10 / 49 ) في صدد كلامه على المسخ المذكور في

الحديث :

" قال ابن العربي : يحتمل الحقيقة كما وقع للأمم السالفة , و يحتمل أن يكون

كناية عن تبدل أخلاقهم . قلت : و الأول أليق بالسياق " .

أقول : و لا مانع من الجمع بين القولين كما ذكرنا بل هو المتبادر من الحديثين .

و الله أعلم .

و قد ذهب بعض المفسرين في العصر الحاضر إلى أن مسخ بعض اليهود قردة و خنازير لم

يكن مسخا حقيقيا بدنيا , و إنما كان مسخا خلقيا ! و هذا خلاف ظاهر الآيات

و الأحاديث الواردة فيهم , فلا تلتفت إلى قولهم فإنهم لا حجة لهم فيه إلا

الاستبعاد العقلي , المشعر بضعف الإيمان بالغيب . نسأل الله السلامة .

رابعا : ثم قال الحافظ :

" و في هذا الحديث وعيد شديد على من يتحيل في تحليل ما يحرم بتغيير اسمه , و أن

الحكم يدور مع العلة , و العلة في تحريم الخمر الإسكار , فمهما وجد الإسكار ,

وجد التحريم , و لو لم يستمر الاسم , قال ابن العربي : هو أصل في أن الأحكام

إنما تتعلق بمعاني الأسماء لا بألقابها , ردا على من حمله على اللفظ " !

92 " ما أنا بأقدر على أن أدع لكم ذلك على أن تشعلوا لي منها شعلة . يعني الشمس "

.

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 147 :

رواه أبو جعفر البختري في " حديث أبي الفضل أحمد بن ملاعب " ( 47 / 1 - 2 )

و ابن عساكر ( 11 / 363 / 1 , 19 / 44 / 201 ) من طريق أبي يعلى و غيره

كلاهما عن يونس بن بكير أنبأنا طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة حدثني

# عقيل بن أبي طالب # قال :

" جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا : أرأيت أحمد ? يؤذينا في نادينا , و في

مسجدنا , فانهه عن أذانا , فقال : يا عقيل , ائتني بمحمد , فذهبت فأتيته به ,

فقال : يا ابن أخي إن بني عمك زعموا أنك تؤذيهم في ناديهم , و في مسجدهم ,

فانته عن ذلك , قال : فلحظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره ( و في رواية :

فحلق رسول الله صلى الله عليه وسلم ببصره ) إلى السماء فقال : فذكره .

قال : فقال أبو طالب : ما كذب ابن أخي . فارجعوا " .

قلت : و هذا إسناد حسن رجاله كلهم رجال مسلم و في يونس به بكير و طلحة ابن يحيى

كلام لا يضر .

و أما حديث : " يا عم و الله لو وضعوا الشمس في يميني , و القمر في يساري على

أن أترك هذا الأمر حتى يظهره أو أهلك فيه ما تركته " .

فليس له إسناد ثابت و لذلك أوردته في " الأحاديث الضعيفة " ( 913 ) .

93 " تكون إبل للشياطين و بيوت للشياطين , فأما إبل الشياطين , فقد رأيتها يخرج

أحدكم بجنيبات معه قد أسمنها فلا يعلو بعيرا منها و يمر بأخيه قد انقطع به فلا

يحمله . و أما بيوت الشياطين فلم أرها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 148 :

رواه أبو داود في " الجهاد " رقم ( 2568 ) من طريق ابن أبي فديك :

حدثني عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند قال : قال # أبو هريرة #

.. فذكره مرفوعا به و زاد .

" و كان سعيد يقول : " لا أراها إلا هذه الأقفاص التي تستر الناس بالديباج " .

قلت : و هذا إسناد حسن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , غير عبد الله ابن أبي

يحيى و هو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي الملقب بـ " سحبل " و هو ثقة ,

و ابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل , و فيه كلام يسير .

و الظاهر أنه عليه الصلاة و السلام عني بـ " بيوت الشياطين " هذه السيارات

الفخمة التي يركبها بعض الناس مفاخرة و مباهاة , و إذا مروا ببعض المحتاجين إلى

الركوب لم يركبوهم , و يرون أن إركابهم يتنافى مع كبريائهم و غطرستهم ?

فالحديث من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم .

94 " من حلف بالأمانة فليس منا " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 149 :

رواه أبو داود ( 3253 ) : حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير حدثنا الوليد بن ثعلبة

الطائي عن # ابن بريدة عن أبيه # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات . و ابن بريدة اثنان : عبد الله

و سليمان , و الأول أوثق و قد احتج به الشيخان .

و زهير هو ابن معاوية أبو خيثمة الكوفي و هو ثقة احتج به الشيخان أيضا .

و مثله أحمد بن يونس و اسم أبيه عبد الله بن يونس .

و الوليد بن ثعلبة وثقه ابن معين و ابن حبان , و قد أخرج حديثه هذا في

" صحيحه " ( 1318 ) .

قال الخطابي في " معالم السنن " ( 4 / 358 ) تعليقا على الحديث :

" هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله و صفاته ,

و ليست الأمانة من صفاته , و إنما هي أمر من أمره , و فرض من فروضه , فنهوا عنه

لما في ذلك من التسوية بينها و بين أسماء الله عز و جل و صفاته " .

95 " انظر إليها , فإن في أعين الأنصار شيئا . يعني الصغر " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 149 :

أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 4 / 142 ) و سعيد بن منصور في " سننه " ( 523 )

و كذا النسائي ( 2 / 73 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 8 ) و الدارقطني

( 396 ) و البيهقي ( 7 / 84 ) عن أبي حازم عن # أبي هريرة # :

" أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة من نساء الأنصار , فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم " .

قلت : فذكره . و السياق للطحاوي , و لفظ مسلم و البيهقي :

" كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم , فأتاه رجل , فأخبره أنه تزوج امرأة من

الأنصار , فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنظرت إليها ? قال : لا ,

قال : فانظر ..." الحديث .

و قد جاء تعليل هذا الأمر في حديث صحيح و هو :

" انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .

96 " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 150 :

أخرجه سعيد بن منصور في " سننه " ( 515 - 518 ) و كذا النسائي ( 2 / 73 )

و الترمذي ( 1 / 202 ) و الدارمي ( 2 / 134 ) و ابن ماجه ( 1866 ) و الطحاوي

( 2 / 8 ) و ابن الجارود في " المنتقى " ( ص 313 ) و الدارقطني ( ص 395 )

و البيهقي ( 7 / 84 ) و أحمد ( 4 / 144 - 245 / 246 ) و ابن عساكر ( 17 / 44

/ 2 ) عن بكر بن عبد الله المزني عن # المغيرة بن شعبة # .

أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره .

و زاد أحمد و البيهقي . " فأتيتها و عندها أبواها و هي في خدرها , قال : فقلت :

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرني أن أنظر إليها , قال : فسكتا , قال :

فرفعت الجارية جانب الخدر فقالت : أحرج عليك إن كان رسول الله صلى الله عليه

وسلم أمرك أن تنظر , لما نظرت , و إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لم

يأمرك أن تنظر , فلا تنظر . قال : فنظرت إليها , ثم تزوجتها , فما وقعت عندي

امرأة بمنزلتها , و لقد تزوجت سبعين , أو بضعا و سبعين امرأة " .

و قال الترمذي : " حديث حسن " .

قلت : و رجاله كلهم ثقات إلا أن يحيى بن معين قال : " لم يسمع بكر من المغيرة "

.

قلت : لكن قال الحافظ في " التلخيص ( ص 291 ) بعد أن عزاه إلى ابن حبان و بعض

من ذكرنا : " و ذكره الدارقطني في " العلل " و ذكر الخلاف فيه , و أثبت سماع

بكر بن عبد الله المزني من المغيرة " .

قلت : و لعله لذلك قال البوصيري في " الزوائد " ( ص 118 ) :

" إسناد صحيح رجاله ثقات " .

قلت : و على فرض أنه لم يسمع منه , فلعل الواسطة بينهما أنس بن مالك رضي الله

عنه , فقد سمع منه بكر المزني و أكثر عنه , و هو قد رواه عن المغيرة رضي الله

عنهما .

أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 - 2 ) و ابن ماجه ( 1865 )

و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 170 / 1 ) و ابن حبان ( 1236 ) و ابن الجارود

و الدارقطني و الحاكم ( 2 / 165 ) و الضياء في " المختارة " ( ق 88 / 2 )

و البيهقي كلهم من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن أنس قال :

" أراد المغيرة أن يتزوج , فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال ... " فذكره

و زاد قال : ففعل ذلك , فتزوجها , فذكر من موافقتها " .

و قال الحاكم :

" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي , و قال البوصيري في " الزوائد "

( 118 / 1 ) .

" هذا إسناد صحيح و رجاله ثقات و رواه ابن حبان في " صحيحه " و عبد بن حميد في

" مسنده " عن عبد الرزاق به " .

قلت : لكن أعله الدارقطني بقوله : " الصواب عن ثابت عن بكر المزني " .

ثم ساق من طريق ابن مخلد الجرجاني أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا معمر عن ثابت عن

بكر المزني أن المغيرة بن شعبة قال : " أتيت النبي صلى الله عليه وسلم نحوه " .

قلت : و كذا رواه ابن ماجه : حدثنا الحسن بن أبي الربيع أنبأنا عبد الرزاق به .

و لكن الرواة الذين رووه عن عبد الرزاق بإسناده عن ثابت عن أنس , أكثر , فهو

أرجح , إلا أن يكون الخطأ من عبد الرزاق أو شيخه معمر , و الله أعلم .

( يؤدم ) أي تدوم المودة .

قلت : و يجوز النظر إليها و لو لم تعلم أو تشعر به , لقوله صلى الله عليه

وسلم : " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر

إليها لخطبته , و إن كانت لا تعلم " .

97 " إذا خطب أحدكم امرأة فلا جناح عليه أن ينظر إليها إذا كان إنما ينظر إليها

لخطبته , و إن كانت لا تعلم " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 152 :

أخرجه الطحاوي و أحمد ( 5 / 424 ) عن زهير بن معاوية قال : حدثنا عبد الله

ابن عيسى عن موسى بن عبد الله بن يزيد عن # أبي حميد # - و كان قد رأى النبي

صلى الله عليه وسلم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .

قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .

و قد رواه الطبراني أيضا في " الأوسط " و " الكبير " كما في " المجمع "

( 4 / 276 ) و قال : " و رجال أحمد رجال الصحيح " .

و سكت عليه الحافظ في " التلخيص " .

و قد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة و هو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل

ابن أبي حثمة :

" رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك فوق إجار لها ببصره طردا شديدا ,

فقلت : أتفعل هذا و أنت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ? ! فقال : إني

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" إذا ألقي في قلب امرىء خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .

98 " إذا ألقي في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 153 :

رواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 519 ) و كذا ابن ماجه ( 1864 ) و الطحاوي

( 2 / 8 ) و البيهقي و الطيالسي ( 1186 ) و أحمد ( 4 / 225 ) عن حجاج ابن أرطاة

عن محمد بن سليمان بن أبي حثمة عن عمه # سليمان ابن أبي حثمة # .

قلت : و هذا إسناد ضعيف من أجل الحجاج فإنه مدلس و قد عنعنه .

و قال البيهقي :

" إسناده مختلف , و مداره على الحجاج بن أرطاة , و فيما مضى كفاية " .

و تعقبه الحافظ البوصيري فقال في " الزوائد " ( 117 / 2 ) :

" قلت : لم ينفرد به الحجاج بن أرطاة , فقد رواه ابن حبان في " صحيحه "

عن أبي يعلى عن أبي خيثمة عن أبي حازم , عن سهل بن أبي حثمة عن عمه سليمان

ابن أبي حثمة قال : رأيت محمد بن سلمة فذكره " .

قلت : كذا وجدته بخطي نقلا عن " الزوائد " , فلعله سقط مني أو من ناسخ الأصل

شيء من سنده - و ذاك ما استبعده - فإنه منقطع بين أبي خيثمة و أبي حازم , فإن

أبا خيثمة و اسمه زهير بن حرب توفي سنة ( 274 ) , و أما أبو حازم فهو إما سلمان

الأشجعي و إما سلمة بن دينار الأعرج و هو الأرجح و كلاهما تابعي , و الثاني

متأخر الوفاة , مات سنة ( 140 ) .

ثم رأيت الحديث في " زوائد ابن حبان " ( 1225 ) مثلما نقلته عن البوصيري :

إلا أنه وقع فيه " أبو خازم " بالخاء المعجمة - عن " سهل بن محمد ابن أبي

حثمة " مكان " سهيل بن أبي حثمة " و سهل بن محمد بن أبي حثمة لم أجد له ترجمة

و لعله في " ثقات ابن حبان " فليراجع .

لكن للحديث طريقان آخران :

الأولى : عن إبراهيم بن صرمة عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن محمد بن سليمان بن

أبي حثمة به .

أخرجه الحاكم ( 3 / 434 ) و قال :

" حديث غريب , و إبراهيم بن صرمة ليس من شرط هذا الكتاب " .

قال الذهبي في " تلخيصه " :

" قلت : ضعفه الدارقطني , و قال أبو حاتم : شيخ " .

الثانية : عن رجل من أهل البصرة عن محمد بن سلمة مرفوعا به .

أخرجه أحمد ( 4 / 226 ) : حدثنا وكيع عن ثور عنه .

قلت : و رجاله ثقات غير الرجل الذي لم يسم .

و بالجملة فالحديث قوي بهذه الطرق , و الله أعلم .

و قد ورد عن جابر مثل ما ذكرنا عن بن مسلمة كما يأتي .

و ما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي " فتح الباري " ( 9 / 157 ) :

" و قال الجمهور : يجوز أن ينظر إليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , و عن مالك

رواية : يشترط إذنها , و نقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة

قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , و رد عليهم بالأحاديث المذكورة " .

فائدة :

------

روى عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 46 / 1 ) بسند صحيح عن ابن طاووس قال :

أردت أن أتزوج امرأة , فقال لي أبي : اذهب فانظر إليها , فذهبت فغسلت رأسي

و ترجلت و لبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة قال : لا تذهب !

قلت : و يجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه و الكفين لإطلاق الأحاديث

المتقدمة و لقوله صلي الله عليه وسلم :

" إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "

.

99 " إذا خطب أحدكم المرأة , فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "

.

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 155 :

أخرجه أبو داود ( 2082 ) و الطحاوي و الحاكم و البيهقي و أحمد ( 3 / 334 ,

360 ) , عن محمد بن إسحاق عن داود بن حصين عن واقد بن عبد الرحمن بن سعد بن

معاذ عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

قال :

" فخطبت جارية فكنت أتخبأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها و تزوجها " .

و السياق لأبي داود , و قال الحاكم :

" هذا حديث صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

قلت : ابن إسحاق إنما أخرج له مسلم متابعة , ثم هو مدلس و قد عنعنه , لكن قد

صرح بالتحديث في إحدى روايتي أحمد , فإسناده حسن , و كذا قال الحافظ في

" الفتح " ( 9 / 156 ) , و قال في " التلخيص " :

" و أعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن , و قال : المعروف واقد بن عمرو " .

قلت : رواية الحاكم فيها عن واقد بن عمرو و كذا هو عند الشافعي و عبد الرزاق "

.

أقول : و كذلك هو عند جميع من ذكرنا غير أبي داود و أحمد في روايته الأخرى

فقالا : " واقد بن عبد الرحمن " , و قد تفرد به عبد الواحد بن زياد خلافا لمن

قال : " واقد بن عمرو " و هم أكثر , و روايتهم أولى , و واقد بن عمرو ثقة من

رجال مسلم , أما واقد بن عبد الرحمن فمجهول . و الله أعلم .

فقه الحديث :

-----------

و الحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , و أيده عمل راويه به , و هو الصحابي

الجليل جابر بن عبد الله رضي الله عنه , و قد صنع مثله محمد بن مسلمة كما

ذكرناه في الحديث الذي قبله , و كفى بهما حجة , و لا يضرنا بعد ذلك , مذهب من

قيد الحديث بالنظر إلى الوجه و الكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد ,

و تعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لاسيما و قد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن

الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في " التلخيص " ( ص 291 - 292 ) :

( فائدة ) :

----------

روى عبد الرزاق و سعيد بن منصور في " سننه " ( 520 - 521 ) و ابن أبي عمر

و سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن على بن الحنفية :

أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له صغرها , ( فقيل له : إن ردك ,

فعاوده ) , فقال ( له علي ) : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها

إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت : لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك . و هذا

يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه و الكفين " .

و هذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية و الشافعية .

قال ابن القيم في " تهذيب السنن " ( 3 / 25 - 26 ) :

" و قال داود : ينظر إلى سائر جسدها . و عن أحمد ثلاث روايات :

إحداهن : ينظر إلى وجهها و يديها .

و الثانية : ينظر ما يظهر غالبا كالرقبة و الساقين و نحوهما .

و الثالثة : ينظر إليها كلها عورة و غيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر

إليها متجردة ! "

قلت : و الرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , و تطبيق الصحابة له

و الله أعلم .

و قال ابن قدامة في " المغني " ( 7 / 454 ) :

" و وجه جواز النظر ( إلى ) ما يظهر غالبا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أذن

في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة ,

إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , و لأنه يظهر

غالبا فأبيح النظر إليه كالوجه , و لأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر

الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم " .

ثم وقفت على كتاب " ردود على أباطيل " لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول

( ص 43 ) :

" فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه و الكفين من المخطوبة باطل لا يقبل " .

و هذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ أن المسألة خلافية كما

سبق بيانه , و لا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته

و دليله كهذه الأحاديث , و هو لم يصنع شيئا من ذلك , بل إنه لم يشر إلى

الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلا , و الواقع

خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف

لا و هو مخالف لخصوص قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 99 ) : " ما يدعوه

إلى نكاحها " , فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه و الكفان فقط ,

و مثله في الدلالة قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث ( 97 ) : " و إن كانت لا

تعلم " .

و تأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , عمله مع سنته صلى الله عليه وسلم ,

و منهم محمد ابن مسلمة و جابر بن عبد الله , فإن كلا منهما تخبأ لخطيبته ليرى

منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبآ للنظر إلى الوجه

و الكفين فقط ! و مثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي رضي

الله عنهم . فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة أحدهم الخليفة الراشد أجازوا النظر

إلى أكثر من الوجه و الكفين , و لا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري

كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ?! و عهدى بأمثال الشيخ أن

يقيموا القيامة على من خالف أحدا من الصحابة اتباعا للسنة الصحيحة , و لو كانت

الرواية عنه لا تثبت كما فعلوا في عدد ركعات التراويح ! و من عجيب أمر الشيخ

عفا الله عنا و عنه أنه قال في آخر البحث : " قال الله تعالى : فإن تنازعتم في

شيء فردوه إلى الله و الرسول إن كنتم تؤمنون بالله و اليوم الآخر ذلك خير

و أحسن تأويلا " . ! فندعو أنفسنا و إياه إلى تحقيق هذه الآية و رد هذه المسألة

إلى السنة بعد ما تبينت . و الله المستعان و لا حول و لا قوة إلا بالله .

هذا و مع صحة الأحاديث في هذه المسألة , و قول جماهير العلماء بها - على خلاف

السابق - فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم

لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - و لو في حدود القول الضيق .

تورعا منهم , زعموا , و من عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لابنته بالخروج

إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي ! ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها , و بين

أهلها بثياب الشارع !

و في مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم . تقليدا

منهم لأسيادهم الأوربيين , فيسمحون للمصور أن يصورهن و هن سافرات سفورا غير

مشروع , و المصور رجل أجنبي عنهن , و قد يكون كافرا , ثم يقدمن صورهن إلى بعض

الشبان , بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , و تظل صور

بناتهم معهم , ليتغزلوا بها , و ليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها ! .

ألا فتعسا للآباء الذين لا يغارون . و إنا لله و إنا إليه راجعون .

100 " يا أبا ذر ألا أعلمك كلمات تدرك بهن من سبقك و لا يلحقك من خلفك إلا من أخذ

بمثل عملك ? تكبر الله دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين , و تحمده ثلاثا و ثلاثين

و تسبحه ثلاثا و ثلاثين و تختمها بـ ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له

الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير ) " .

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 159 :

رواه أبو داود ( 1504 ) : حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم , حدثنا الوليد بن مسلم

حدثنا الأوزاعي , حدثني حسان بن عطية قال : حدثني محمد بن أبي عائشة قال :

حدثني # أبو هريرة # قال :

" قال أبو ذر : يا رسول الله , ذهب أهل الدثور بالأجور , يصلون كما نصلي ,

و يصومون كما نصوم , و لهم فضول أموال يتصدقون بها , و ليس لنا مال نتصدق به ,

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره , و زاد في آخره :

" غفرت له ذنوبه و لو كانت مثل زبد البحر " .

قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , و لكني في شك من صحة هذه

الزيادة في الحديث بهذا الإسناد , فقد أخرجه أحمد ( 2 / 238 ) بهذا الإسناد :

حدثنا الوليد به , دونها . و كذلك أخرجه الدارمي من طريق أخرى فقال ( 1 / 312 )

: " أخبرنا الحكم بن موسى , حدثنا هقل عن الأوزاعي به , دونها " .

و من الظاهر أنها غير منسجمة مع سياق الحديث , و قد جاءت هذه الزيادة في حديث

آخر لأبي هريرة , فأخشى أن يكون اختلط على بعض الرواة أحد الحديثين بالآخر

فدمجهما في سياق واحد ! و لفظ الحديث المشار إليه يأتي في أول الجزء التالي إن

شاء الله .

و سبحانك اللهم و بحمدك , أشهد أن لا إله إلا أنت , أستغفرك و أتوب إليك .

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية

  مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية ( وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه م...