الأحاديث من 101 إلى 200
101 " من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين و حمد الله ثلاثا و ثلاثين و كبر
الله ثلاثا و ثلاثين , فتلك تسع و تسعون , ثم قال تمام المائة : لا إله إلا
الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد و هو على كل شيء قدير , غفرت له
خطاياه و إن كانت مثل زبد البحر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 161 :
أخرجه مسلم ( 2 / 98 ) و أبو عوانة ( 2 / 247 ) و البيهقي ( 2 / 187 ) و أحمد
( 2 / 373 , 383 ) من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبي عبيد المذحجي عن عطاء
ابن يزيد الليثي عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و قد جاء هذا العدد في حديث آخر , لكنه جعل بدل التهليلة تكبيرة أخرى مع الثلاث
و الثلاثين , و يأتي عقب هذا إن شاء الله تعالى .
( فائدة ) أخرج النسائي ( 1 / 198 ) و الحاكم ( 1 / 253 ) عن زيد ابن ثابت
قال :
" أمروا أن يسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين , و يحمدوا ثلاثا و ثلاثين ,
و يكبروا أربعا و ثلاثين , فأتي رجل من الأنصار في منامه فقيل له : أمركم رسول
الله صلى الله عليه وسلم أن تسبحوا دبر كل صلاة ثلاثا و ثلاثين , و تحمدوا
ثلاثا و ثلاثين , و تكبروا أربعا و ثلاثين ? قال : نعم , قال : فاجعلوها خمسا
و عشرين , و اجعلوا فيها التهليل ( يعني خمسا و عشرين ) ,فلما أصبح أتى النبي
صلى الله عليه وسلم , فذكر ذلك له , قال : اجعلوها كذلك " .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .
و له شاهد من حديث ابن عمر نحوه . أخرجه النسائي بسند صحيح .
102 " معقبات لا يخيب قائلهن أو فاعلهن دبر كل صلاة مكتوبة : ثلاث و ثلاثون تسبيحة
و ثلاث و ثلاثون تحميدة و أربع و ثلاثون تكبيرة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 162 :
رواه مسلم ( 2 / 98 ) و أبو عوانة ( 2 / 247 , 248 ) و النسائي ( 1 / 198 )
و الترمذي ( 2 / 249 ) و البيهقي ( 2 / 187 ) و الطيالسي ( 1060 ) من طرق عن
الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن # كعب بن عجرة # مرفوعا .
( معقبات ) أي كلمات تقال عقب الصلاة , و المعقب ما جاء عقب قبله .
قلت : و الحديث نص على أن هذا الذكر إنما يقال عقب الفريضة مباشرة , و مثله ما
قبله من الأوراد و غيرها , سواء كانت الفريضة لها سنة بعدية أو لا , و من قال
من المذاهب بجعل ذلك عقب السنة فهو مع كونه لا نص لديه بذلك , فإنه مخالف لهذا
الحديث و أمثاله مما هو نص في المسألة .
و الله ولي التوفيق .
103 " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصحابه , و خير الجيران عند الله خيرهم لجاره " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 162 :
رواه الترمذي ( 1 / 353 ) و الدارمي ( 2 / 215 ) و الحاكم ( 4 / 164 )
و أحمد ( 2 / 168 ) و ابن بشران في " الأمالي " ( 143 / 1 ) عن حيوة
و ابن لهيعة قالا : حدثنا شرحبيل بن شريك أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي
يحدث عن # عبد الله بن عمرو # به مرفوعا .
هكذا أخرجوه جميعا عنهما إلا أن الترمذي لم يذكر ابن لهيعة , و كذا الحاكم إلا
أنه خالف في إسناده فقال :
" ... حيوة بن شريح حدثني شرحبيل بن مسلم عن عبد الله بن عمرو " .
فجعل شرحبيل بن مسلم بدل شرحبيل بن شريك , و أسقط من السند أبا عبد الرحمن
الحبلي , و ذلك من أوهامه رحمه الله , ثم وهم وهما آخر فقال :
" حديث صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي !
قلت : و ابن مسلم لم يخرج له الشيخان , و أما ابن شريك فاحتج به مسلم وحده ,
و كلاهما ثقة . و قال ابن بشران عقب الحديث :
" حديث صحيح , و إسناده كلهم ثقات " .
و هو كما قال , و قال الترمذي : " حديث حسن غريب " .
104 " إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم
فقال الرب تبارك و تعالى : وعزتي وجلالي : لا أزال أغفر لهم ما استغفروني "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 163 :
رواه الحاكم ( 4 / 261 ) و البيهقي في " الأسماء " ( ص 134 ) من طريق عمرو
ابن الحارث عن دراج عن أبي الهيثم عن # أبي سعيد # رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : فذكره , و قال :
" صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي و ذلك من أوهامه , فإن دراجا عنده واه كما
يأتي .
و رواه ابن لهيعة عن دراج به و زاد : " و ارتفاع مكاني " .
أخرجه البغوي في " شرح السنة " ( 1 / 146 ) , و أحمد ( 3 / 29 ) بدونها
و أوردها الذهبي في " العلو " ( ص 116 ) من هذا الوجه و لم يعزه لأحد و قال :
" دراج واه " .
قلت : و علة هذه الزيادة عندي من ابن لهيعة و هي من تخاليطه لا من دراج , فقد
رواه عنه عمرو بن الحارث بدونها كما رأيت .
و قد توبع على الحديث , فأخرجه الإمام أحمد ( 3 / 29 / 41 ) من طريق ليث عن
يزيد بن الهاد عن عمرو عن أبي سعيد الخدري مرفوعا بلفظ :
" إن إبليس قال لربه : بعزتك و جلالك لا أبرح أغوي بني آدم ما دامت الأرواح
فيهم فقال الله : فبعزتي و جلالي لا أبرح أغفر لهم ما استغفروني " .
قلت : هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين عمرو - و هو ابن
أبي عمر مولى المطلب - و بين أبي سعيد الخدري , فإنهم , لم يذكروا لعمرو رواية
عن أحد من الصحابة غير أنس بن مالك , و هو متأخر الوفاة جدا عن أبي سعيد , فإن
هذا كانت وفاته سنة ( 75 ) على أكثر ما قيل , و هو توفي سنة ( 92 ) و قيل
( 93 ) .
و الحديث أورده الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 207 ) بلفظ أحمد و قال :
" رواه أحمد و أبو يعلى بسنده , و قال : لا أبرح أغوي عبادك , و الطبراني في
الأوسط , و أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح , و كذلك أحد إسنادي أبي يعلى "
.
و كأنه قد خفي عليه الانقطاع الذي ذكرت , أقول هذا مع العلم أن قول المحدث في
حديث ما " رجاله رجال الصحيح " أو " رجاله ثقات " و نحو ذلك لا يفيد تصحيح
إسناده , خلافا لما يظن البعض , و قد نص على ما ذكرنا الحافظ ابن حجر فقال في
" التلخيص " ( ص 239 ) بعد أن ساق حديثا آخر :
" و لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا , لأن الأعمش مدلس و لم يذكر
سماعه " .
105 " لقيت إبراهيم ليلة أسري بي , فقال : يا محمد أقرئ أمتك مني السلام و أخبرهم
أن الجنة طيبة التربة عذبة الماء و أنها قيعان , غراسها سبحان الله و الحمد لله
و لا إله إلا الله و الله أكبر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 165 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 258 - بولاق ) عن عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم
ابن عبد الرحمن عن ابن مسعود مرفوعا , و قال :
" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه من حديث ابن مسعود " .
قلت : و عبد الرحمن بن إسحاق هذا ضعيف اتفاقا , لكن يقويه أن له شاهدين من حديث
أبي أيوب الأنصاري , و من حديث عبد الله بن عمر .
أما حديث أبي أيوب , فهو من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر عن
سالم بن عبد الله : أخبرني أبو أيوب الأنصاري :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم فقال : من معك
يا جبريل ? قال : هذا محمد , فقال له إبراهيم : مر أمتك فليكثروا من غراس الجنة
فإن تربتها طهور , و أرضها واسعة قال : و ما غراس الجنة ? قال : لا حول و لا
قوة إلا بالله " .
أخرجه أحمد ( 5 / 418 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 6 / 65 / 1 )
و الطبراني كما في " المجمع " ( 10 / 97 ) و قال : " و رجال أحمد رجال الصحيح
غير عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب و هو ثقة لم يتكلم
فيه أحد , و وثقه ابن حبان " .
قلت : و بناء على توثيق ابن حبان إياه أخرج حديثه هذا في " صحيحه " كما في
" الترغيب " ( 2 / 265 ) و عزاه لابن أبي الدنيا أيضا مع أحمد و قال :
" إسناده حسن " .
قلت : و في ذلك نظر عندي لما قررناه مرارا أن توثيق ابن حبان فيه لين , لكن
الحديث لا بأس به بما قبله .
و أما حديث ابن عمر , فأخرجه ابن أبي الدنيا في الذكر و الطبراني بلفظ :
" أكثروا من غراس الجنة , فإنه عذب ماؤها طيب ترابها , فأكثروا من غراسها ,
قالوا : يا رسول الله و ما غراسها ? قال ما شاء الله , لا حول و لا قوة إلا
بالله " .
هكذا أورده في " الترغيب " و سكت عليه , و أورده الهيثمي من رواية الطبراني
وحده دون قوله " ما شاء الله " و قال ( 10 / 98 ) :
" و فيه عقبة بن علي و هو ضعيف " .
( قيعان ) جمع " قاع " و هو المكان المستوي الواسع في وطأة من الأرض يعلوه ماء
السماء , فيمسكه , و يستوي نباته . نهاية .
106 " يا معشر المهاجرين ! خمس إذا ابتليتم بهن و أعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر
الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون و الأوجاع التي لم تكن
مضت في أسلافهم الذين مضوا و لم ينقصوا المكيال و الميزان إلا أخذوا بالسنين
و شدة المؤنة و جور السلطان عليهم و لم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر
من السماء و لولا البهائم لم يمطروا و لم ينقضوا عهد الله و عهد رسوله إلا سلط
الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم و ما لم تحكم أئمتهم بكتاب
الله و يتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 167 :
رواه ابن ماجه ( 4019 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 333 - 334 ) عن
ابن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن #عبد الله ابن عمر # قال :
أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : فذكره .
قلت : و هذا سند ضعيف من أجل ابن أبي مالك و اسمه خالد بن يزيد بن عبد الرحمن
ابن أبي مالك و هو ضعيف مع كونه فقيها و قد اتهمه ابن معين كما في " التقريب "
.
و قال البوصيري في " الزوائد " .
" هذا حديث صالح للعمل به , و قد اختلفوا في ابن أبي مالك و أبيه " .
قلت الأب لا بأس به , و إنما العلة من ابنه , و لذلك أشار الحافظ ابن حجر في
" بذل الماعون " لضعف الحديث بقوله ( ق 55 / 2 ) :
" إن ثبت الخبر " .
قلت : قد ثبت حتما فإنه جاء من طرق أخرى عن عطاء و غيره , فرواه ابن أبي الدنيا
في " العقوبات " ( ق 62 / 2 ) من طريق نافع بن عبد الله عن فروة بن قيس المكي
عن عطاء بن أبي رباح به .
قلت : و هذا سند ضعيف , نافع و فروة لا يعرفان كما في " الميزان " .
و رواه الحاكم ( 4 / 540 ) من طريق أبي معبد حفص بن غيلان عن عطاء بن أبي رباح
به و قال : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : بل هو حسن الإسناد فإن ابن غيلان هذا قد ضعفه بعضهم , لكن وثقه الجمهور ,
و قال الحافظ في " التقريب " :
" صدوق فقيه , رمي بالقدر " .
و رواه الروياني في " مسنده " ( ق 247 / 1 ) عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن
عبد الله بن عمر مرفوعا .
و هذا سند ضعيف , عطاء هذا هو ابن أبي مسلم الخراساني و هو صدوق لكنه مدلس
و قد عنعنه .
و ابنه عثمان ضعيف كما في " التقريب " .
فهذه الطرق كلها ضعيفة إلا طريق الحاكم فهو العمدة , و هي إن لم تزده قوة فلا
توهنه .
( السنين ) جمع سنة أي جدب و قحط .
( يتخيروا ) أي يطلبوا الخير , أي و ما لم يطلبوا الخير و السعادة مما
أنزل الله .
و لبعض الحديث شاهد من حديث بريدة بن الحصيب مرفوعا بلفظ :
" ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم , و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا
سلط الله عز و جل عليهم الموت , و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر "
.
107 " ما نقض قوم العهد قط إلا كان القتل بينهم , و ما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا
سلط الله عز و جل عليهم الموت , و لا منع قوم الزكاة إلا حبس الله عنهم القطر "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 169 :
رواه الحاكم ( 2 / 126 ) و البيهقي ( 3 / 346 ) من طريق بشير بن مهاجر عن
# عبد الله بن بريدة عن أبيه # .
و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " , و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا , غير أن بشيرا هذا قد تكلم فيه من قبل حفظه , و في
" التقريب " أنه صدوق لين الحديث . و قد خولف في إسناده , فقال البيهقي عقبه :
" كذا رواه بشير بن المهاجر " .
ثم ساق بإسناده من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريده عن ابن عباس قال :
" ما نقض قوم العهد إلا سلط الله عليهم عدوهم , و لا فشت الفاحشة في قوم إلا
أخذهم الله بالموت , و ما طفف قوم الميزان إلا أخذهم الله بالسنين , و ما منع
قوم الزكاة إلا منعهم الله القطر من السماء , و ما جار قوم في حكم إلا كان
البأس بينهم - أظنه قال - و القتل " .
قلت : و إسناده صحيح و هو موقوف في حكم المرفوع , لأنه لا يقال من قبل الرأي
و قد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " مرفوعا من طريق أخرى : عن إسحاق
ابن عبد الله بن كيسان المروزي : حدثنا أبي عن الضحاك بن مزاحم عن مجاهد
و طاووس عن ابن عباس .
قلت : و هذا إسناد ضعيف يستشهد به و قال المنذري في " الترغيب " ( 1 / 271 ) :
" و سنده قريب من الحسن , و له شواهد " .
قلت : و يبدو لي أن للحديث أصلا عن بريدة فقد وجدت لبعضه طريقا أخرى رواه
الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 85 / 1 من الجمع بينه و بين الصغير ) و تمام في
" الفوائد " ( ق 148 - 149 ) عن مروان ابن محمد الطاطرى حدثنا سليمان بن موسى
أبو داود الكوفي عن فضيل بن مرزوق ( و في الفوائد فضيل بن غزوان ) عن عبد الله
بن بريدة عن أبيه مرفوعا بلفظ :
" ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين " .
و قال الطبراني :
" لم يروه إلا سليمان تفرد به مروان " .
قلت : مروان ثقة , و سليمان بن موسى أبو داود الكوفي صويلح كما قال الذهبي ,
و فضيل إن كان ابن مرزوق ففيه ضعف , و إن كان ابن غزوان فهو ثقة احتج به
الشيخان , فإن كان هو راوي الحديث فهو حسن إن شاء الله تعالى .
و قد قال المنذري ( 1 / 270 ) بعد ما عزاه للطبراني :
" و رواته ثقات " .
و بالجملة فالحديث بهذه الطرق و الشواهد صحيح بلا ريب , و توقف الحافظ ابن حجر
في ثبوته إنما هو باعتبار الطريق الأولى . و الله أعلم .
108 " إن الله زادكم صلاة و هي الوتر , فصلوها بين صلاة العشاء إلى صلاة الفجر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 171 :
رواه الإمام أحمد ( 6 / 7 ) و الطبراني في " المعجم الكبير ( 1 / 100 / 1 )
من طريقين عن ابن المبارك : أنبأنا سعيد بن يزيد حدثني ابن هبيرة عن أبي تميم
الجيشاني أن عمرو بن العاص خطب الناس يوم الجمعة , فقال : إن # أبا بصرة #
حدثني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قال أبو تميم : فأخذ بيدي أبو ذر فسار في المسجد إلى أبي بصرة فقال له :
أنت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما قال عمرو ? قال أبو بصرة :
أنا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم .
و سعيد بن يزيد هو أبو شجاع الإسكندراني .
و قد تابعه عبد الله بن لهيعة : أنبأنا عبد الله بن هبيرة به .
أخرجه أحمد ( 6 / 379 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 / 250 ) و الطبراني
في " الكبير " ( 1 / 104 / 2 ) و الدولابي في " الكنى " ( 1 / 13 ) من طرق ثلاث
عن ابن لهيعة به .
و إسناده عند الطحاوي صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " رقم ( 416 ) .
و له طرق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجت بعضها هناك , و هذه الطريق هي
العمدة و لذلك اقتصرت عليها هنا .
و ذكر الشيخ الكتاني و صاحبه الأستاذ الزحيلي في تخريج " تحفة الفقهاء "
( 1 / 1 / 355 ) جملة كبيرة منها عن عشرة من الصحابة منها طريق واحدة عن عمرو
ابن العاص , و لكنها واهية , و فاتهما هذه الطريق الصحيحة !
فقه الحديث
------------
يدل ظاهر الأمر في قوله صلى الله عليه وسلم : " فصلوها " على وجوب صلاة الوتر ,
و بذلك قال الحنفية , خلافا للجماهير , و لولا أنه ثبت بالأدلة القاطعة حصر
الصلوات المفروضات في كل يوم و ليلة بخمس صلوات لكان قول الحنفية أقرب إلى
الصواب , و لذلك فلابد من القول بأن الأمر هنا ليس للوجوب , بل لتأكيد
الاستحباب .
و كم من أوامر كريمة صرفت من الوجوب بأدنى من تلك الأدلة القاطعة , و قد انفك
الأحناف عنها بقولهم إنهم لا يقولون بأن الوتر واجب كوجوب الصلوات الخمس , بل
هو واسطة بينها و بين السنن , أضعف من هذه ثبوتا , و أقوى من تلك تأكيدا !
فليعلم أن قول الحنفية هذا قائم على اصطلاح لهم خاص حادث , لا تعرفه الصحابة
و لا السلف الصالح ,و هو تفريقهم بين الفرض و الواجب ثبوتا و جزاء كما هو مفصل
في كتبهم .
و إن قولهم بهذا معناه التسليم بأن تارك الوتر معذب يوم القيامة عذابا دون عذاب
تارك الفرض كما هو مذهبهم في اجتهادهم , و حينئذ يقال لهم : و كيف يصح ذلك مع
قوله صلى الله عليه وسلم لمن عزم على أن لا يصلي غير الصلوات الخمس : " أفلح
الرجل " ? ! و كيف يلتقي الفلاح مع العذاب ?! فلا شك أن قوله صلى الله عليه
وسلم هذا وحده كاف لبيان أن صلاة الوتر ليست بواجبة و لهذا اتفق جماهير العلماء
عى سنيته و عدم وجوبه , و هو الحق , نقول هذا مع التذكير و النصح بالاهتمام
بالوتر , و عدم التهاون عنه لهذا الحديث و غيره . و الله أعلم .
109 " ما السموات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة و فضل العرش على
الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 174 :
رواه محمد بن أبي شيبة في " كتاب العرش " ( 114 / 1 ) :
حدثنا الحسن بن أبي ليلى أنبأنا أحمد بن علي الأسدي عن المختار بن غسان العبدي
عن إسماعيل بن سلم عن أبي إدريس الخولاني عن # أبي ذر الغفاري # قال :
" دخلت المسجد الحرام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده فجلست إليه ,
فقلت : يا رسول الله أيما آية نزلت عليك أفضل ? قال : آية الكرسي : ما السموات
السبع " . الحديث .
قلت : و هذا سند ضعيف , إسماعيل بن سلم لم أعرفه , و غالب الظن أنه إسماعيل
بن مسلم فقد ذكروه في شيوخ المختار بن عبيد , و هو المكي البصري و هو ضعيف .
و المختار روى عنه ثلاثة و لم يوثقه أحد و في " التقريب " : أنه مقبول .
قلت : و لم ينفرد به إسماعيل بن مسلم , بل تابعه يحيى بن يحيى الغساني رواه
حفيده إبراهيم بن هشام بن يحيى بن يحيى الغساني قال : حدثنا أبي عن جدي عن
أبي إدريس الخولاني به .
أخرجه البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 290 ) .
قلت : و هذا سند واه جدا إبراهيم هذا متروك كما قال الذهبي , و قد كذبه
أبو حاتم .
و تابعه القاسم بن محمد الثقفي و لكنه مجهول كما في " التقريب " .
أخرجه ابن مردويه كما في تفسير ابن كثير ( 2 / 13 - طبع المنار ) من طريق محمد
بن أبي السري ( الأصل : اليسري ) العسقلاني أخبرنا محمد بن عبد الله التميمي عن
القاسم به . و العسقلاني و التميمي كلاهما ضعيف .
و للحديث طريقان آخران عن أبي ذر :
الأول عن يحيى بن سعيد السعدي البصري قال : حدثنا عبد الملك ابن جريج عن عطاء
عن عبيد بن عمر الليثي عنه به .
أخرجه البيهقي و قال .
" تفرد به يحيى بن سعيد السعدي , و له شاهد بإسناد أصح " .
قلت : ثم ساقه من طريق الغساني المتقدم , و ما أراه بأصح من هذا , بل هو أوهى ,
لأن إبراهيم متهم كما سبق , و أما هذا فليس فيه من اتهم صراحة , و رجاله ثقات
غير السعدي هذا , قال العقيلي : " لا يتابع على حديثه " . يعني هذا .
و قال ابن حبان : يروى المقلوبات و الملزقات , لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد .
الثاني : عن ابن زيد قال : حدثني أبي قال : قال أبو ذر فذكره .
أخرجه ابن جرير في " تفسيره " ( 5 / 399 ) " حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب
قال : قال ابن زيد به .
قلت و هذا إسناد رجاله كلهم ثقات . لكني أظن أنه منقطع , فإن ابن زيد هو عمر
ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب و هو ثقة من رجال الشيخين يروي
عنه ابن وهب و غيره . و أبوه محمد بن زيد ثقة مثله , روى عن العبادلة الأربعة
جده عبد الله و ابن عمرو و ابن عباس و ابن الزبير و سعيد بن زيد بن عمرو , فإن
هؤلاء ماتوا بعد الخمسين , و أما أبو ذر ففي سنة اثنتين و ثلاثين فما أظنه سمع
منه .
و جملة القول : أن الحديث بهذه الطرق صحيح و خيرها الطريق الأخير و الله أعلم .
و الحديث خرج مخرج التفسير لقوله تعالى : ( وسع كرسيه السماوات و الأرض ) و هو
صريح في كون الكرسي أعظم المخلوقات بعد العرش , و أنه جرم قائم بنفسه و ليس
شيئا معنويا . ففيه رد على من يتأوله بمعنى الملك و سعة السلطان , كما جاء في
بعض التفاسير . و ما روي عن ابن عباس أنه العلم , فلا يصح إسناده إليه لأنه من
رواية جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير عنه . رواه ابن جرير .
قال ابن منده : ابن أبي المغيرة ليس بالقوي في ابن جبير .
و اعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير هذا الحديث , كما في بعض الروايات أنه
موضع القدمين . و أن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد , و أنه يحمله أربعة أملاك ,
لكل ملك أربعة وجوه , و أقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة ... إلخ فهذا
كله لا يصح مرفوعا عن النبي صلى الله عليه وسلم و بعضه أشد ضعفا من بعض , و قد
خرجت بعضها فيما علقناه على كتاب " ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة
القويمة البرهان " ملحقا بآخره طبع المكتب الإسلامي .
110 " سيحان و جيحان و الفرات و النيل كل من أنهار الجنة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 177 :
رواه مسلم ( 8 / 149 ) و أحمد ( 2 / 289 و 440 ) و أبو بكر الأبهري في
" الفوائد المنتقاة " ( 143 / 1 ) و الخطيب ( 1 / 54 - 55 ) من طريق حفص
بن عاصم عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و له طريق أخرى بلفظ :
" فجرت أربعة أنهار من الجنة : الفرات و النيل و السيحان و جيحان " .
111 " فجرت أربعة أنهار من الجنة : الفرات و النيل و السيحان و جيحان " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 177 :
رواه أحمد ( 2 / 261 ) و أبو يعلى في مسنده ( 4 / 1416 مصورة المكتب الإسلامي )
و الخطيب في " تاريخه " ( 1 / 44 , 8 / 185 ) عن محمد بن عمرو عن # أبي سلمة
عنه # مرفوعا . و هذا إسناد حسن .
و له طريق ثالث , أخرجه الخطيب ( 1 / 54 ) من طريق إدريس الأودي عن أبيه مرفوعا
مختصرا بلفظ :
( نهران من الجنة النيل و الفرات ) .
و إدريس هذا مجهول كما في " التقريب " .
و له شاهد من حديث أنس بن مالك مرفوعا بلفظ :
" رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة , نبقها مثل قلال هجر , و ورقها مثل
آذان الفيلة , يخرج من ساقها نهران ظاهران , و نهران باطنان , فقلت : يا جبريل
ما هذان ? قال : أما الباطنان ففي الجنة , و أما الظاهران فالنيل و الفرات " .
112 " رفعت لي سدرة المنتهى في السماء السابعة نبقها مثل قلال هجر و ورقها مثل آذان
الفيلة يخرج من ساقها نهران ظاهران و نهران باطنان , فقلت : يا جبريل ما هذان ?
قال : أما الباطنان ففي الجنة و أما الظاهران فالنيل و الفرات " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 178 :
رواه أحمد ( 3 / 164 ) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة عن # أنس بن
مالك # مرفوعا .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين , و قد أخرجه البخاري ( 334 ) معلقا ,
فقال : و قال : إبراهيم بن طهمان عن شعبة عن قتادة به .
و قد و صله هو ( 3 / 30 - 33 ) و مسلم ( 1 / 103 - 105 ) و أبو عوانة ( 1 / 120
- 124 ) و النسائي ( 1 / 76 - 77 ) و أحمد أيضا ( 4 / 207 - 208 و 208 - 210 )
من طرق عن قتادة عن أنس عن مالك ابن صعصعة مرفوعا بحديث الإسراء بطوله و فيه
هذا . فجعلوه من مسند مالك بن صعصعة و هو الصواب .
ثم وجدت الحاكم أخرجه ( 1 / 81 ) من طريق أحمد و قال :
" صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي .
ثم رواه من طريق حفص بن عبد الله حدثني إبراهيم بن طهمان به .
هذا و لعل المراد من كون هذه الأنهار من الجنة أن أصلها منها كما أن أصل
الإنسان من الجنة , فلا ينافي الحديث ما هو معلوم مشاهد من أن هذه الأنهار
تنبع من منابعها المعروفة في الأرض , فإن لم يكن هذا هو المعنى أو ما يشبهه ,
فالحديث من أمور الغيب التي يجب الإيمان بها , و التسليم للمخبر عنها
( فلا و ربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم , ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا
مما قضيت و يسلموا تسليما ) .
113 " من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد و هو على كل
شيء قدير بعدما يصلي الغداة عشر مرات كتب الله عز و جل له عشر حسنات و محى عنه
عشر سيئات و رفع له عشر درجات و كن له بعدل عتق رقبتين من ولد إسماعيل , فإن
قالها حين يمسي كان له مثل ذلك و كن له حجابا من الشيطان حتى يصبح " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 179 :
رواه الحسن بن عرفة في جزئه ( 5 / 1 ) : حدثنا قران بن تمام الأسدي عن سهيل
بن أبي صالح عن أبيه عن # أبي هريرة # مرفوعا .
و من طريق ابن عرفة رواه الخطيب في " تاريخه " ( 12 / 389 , 472 ) .
قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير قران هذا و هو ثقة .
و له شاهد من حديث أبي أيوب الأنصاري بلفظ :
" من قال : إذا صلى الصبح ... " فذكره بتمامه إلا أنه قال :
" أربع رقاب " و قال : " و إذا قالها بعد المغرب مثل ذلك " .
رواه أحمد ( 5 / 415 ) من طريق محمد بن إسحاق عن يزيد بن يزيد ابن جابر عن
القاسم بن مخيمرة عن عبد الله بن يعيش عنه .
قلت : و رجاله ثقات غير ابن يعيش هذا فلم يوثقه غير ابن حبان و لم يرو عنه غير
القاسم هذا , و لذلك قال الحسيني : " مجهول " .
لكن الحديث عزاه المنذري في " الترغيب " ( 1 / 167 ) لأحمد و النسائي و ابن
حبان في " صحيحه " , فهذا يقتضي أنه عند النسائي من غير طريق ابن يعيش , لأنه
ليس من رجال النسائي .
و قد تابعه أبو رهم السمعي عن أبي أيوب بلفظ :
" من قال حين يصبح لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك و له الحمد ,
يحيى و يميت , و هو على كل شيء قدير عشر مرات , كتب الله له بكل واحدة قالها
عشر حسنات , و حط الله عنه عشر سيئات , و رفعه الله بها عشر درجات , و كن له
كعشر رقاب , و كن له مسلحة من أول النهار إلى آخره , و لم يعمل يومئذ عملا
يقهرهن , فإن قال حين يمسي فمثل ذلك " .
114 " من قال حين يصبح : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك و له الحمد يحيي
و يميت و هو على كل شيء قدير عشر مرات كتب الله له بكل واحدة قالها عشر حسنات
و حط الله عنه عشر سيئات و رفعه الله بها عشر درجات و كن له كعشر رقاب و كن له
مسلحة من أول النهار إلى آخره و لم يعمل يومئذ عملا يقهرهن , فإن قال حين يمسي
فمثل ذلك " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 180 :
أخرجه أحمد ( 5 / 420 ) حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان
بن عمرو عن خالد بن معدان عن # أبي رهم # به .
قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات , و ابن عياش إنما ضعف في روايته عن
غير الشاميين , و أما في روايته عنهم فهو صحيح الحديث كما قال البخاري و غيره
و هذه منها , فإن صفوانا من ثقاتهم .
و في هذه الرواية فائدة عزيزة و هي زيادة " يحيي و يميت " فإنها قلما تثبت في
حديث آخر , و قد رويت من حديث أبي ذر و عمارة بن شبيب و حسنهما الترمذي ,
و إسنادهما ضعيف كما بينته في " التعليق الرغيب على الترغيب و الترهيب " و في
حديث الأول منهما : " من قال في دبر صلاة الفجر و هو ثان رجليه قبل أن يتكلم لا
إله إلا الله .. " فهذا القيد : " و هو ثان ....." لا يصح في الحديث لأنه تفرد
به شهر بن حوشب , و قد اضطرب في إسناد الحديث و في متنه اضطرابا كثيرا كما
أوضحته في المصدر المذكور .
115 " سددوا و قاربوا و اعملوا و خيروا و اعلموا أن خير أعمالكم الصلاة و لا يحافظ
على الوضوء إلا مؤمن " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 181 :
رواه الإمام أحمد ( 5 / 282 ) : " حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن ثوبان حدثني
حسان بن عطية أن أبا كبشة السلولي حدثه أنه سمع # ثوبان # يقول :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
و كذا رواه الدارمي ( 1 / 168 ) و ابن حبان ( 164 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 1 / 72 / 2 ) عن الوليد به .
قلت : و هذا إسناد حسن , رجاله كلهم ثقات رجال البخاري غير ابن ثوبان و اسمه
عبد الرحمن بن ثابت و هو مختلف فيه , و المتقرر أنه حسن الحديث إذا لم يخالف .
و للحديث طرق أخرى و شواهد خرجتها في " إرواء الغليل " ( 405 ) .
116 " إن أحدكم يأتيه الشيطان فيقول : من خلقك ? فيقول : الله , فيقول : فمن خلق
الله ?! فإذا وجد ذلك أحدكم فليقرأ : آمنت بالله و رسله , فإن ذلك يذهب عنه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 182 :
رواه أحمد ( 6 / 258 ) : حدثنا محمد بن إسماعيل قال : حدثنا الضحاك عن هشام
بن عروة عن أبيه عن # عائشة # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : و هذا سند حسن , و هو على شرط مسلم , رجاله كلهم من رجاله الذين احتج بهم
في " صحيحه " , لكن الضحاك و هو ابن عثمان الأسدي الحزامي قد تكلم فيه بعض
الأئمة من قبل حفظه , لكن ذلك لا ينزل حديثه من رتبة الحسن إن شاء الله تعالى .
و قد تابعه سفيان الثوري و ليث بن سالم عند ابن السني ( 201 ) فالحديث صحيح .
و قال المنذري في " الترغيب " ( 2 / 266 ) :
" رواه أحمد بإسناد جيد , و أبو يعلى و البزار , و رواه الطبراني في الكبير
و الأوسط من حديث عبد الله بن عمرو , و رواه أحمد أيضا من حديث خزيمة بن ثابت
رضي الله عنه " .
و هذه شواهد يرقى بها الحديث إلى درجة الصحيح جدا .
و حديث ابن خزيمة عند أحمد ( 5 / 214 ) و رجاله ثقات إلا أن فيهم ابن لهيعة
و هو سيء الحفظ .
و حديث ابن عمرو قال الهيثمي ( 341 ) :
" و رجاله رجال الصحيح خلا أحمد بن نافع الطحان شيخ الطبراني " .
كذا قال , و لم يذكر من حاله شيئا , كأنه لم يقف له على ترجمة , و كذلك أنا فلم
أعرفه و هو مصري كما في " معجم الطبراني الصغير " ( ص 10 ) .
ثم إن الحديث رواه هشام بن عروة عن أبيه عن أبي هريرة أيضا مرفوعا مثله .
أخرجه مسلم ( 1 / 84 ) و أحمد ( 2 / 331 ) من طرق عن هشام به , دون قوله :
" فإن ذلك يذهب عنه " .
و أخرجه أبو داود ( 4121 ) إلى قوله : " آمنت بالله " , و هو رواية لمسلم .
117 " يأتي شيطان أحدكم فيقول : من خلق كذا ? من خلق كذا ? من خلق كذا ? حتى يقول :
من خلق ربك ?! فإذا بلغه فليستعذ بالله و لينته " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 183 :
أخرجه البخاري ( 2 / 321 ) و مسلم و ابن السني .
و للحديث طريق أخرى عن أبي هريرة بلفظ :
" يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق فمن
خلق الله عز و جل ? فإذا قالوا ذلك , فقولوا : ( الله أحد , الله الصمد ,
لم يلد , و لم يولد , و لم يكن له كفوا أحد ) ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا ,
و ليستعذ من الشيطان " .
118 " يوشك الناس يتساءلون بينهم حتى يقول قائلهم : هذا الله خلق الخلق فمن خلق
الله عز وجل ? فإذا قالوا ذلك , فقولوا : *( الله أحد , الله الصمد , لم يلد ,
و لم يولد , و لم يكن له كفوا أحد )* ثم ليتفل أحدكم عن يساره ثلاثا , و ليستعذ
من الشيطان " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 184 :
( عن # أبي هريرة # ) :
أخرجه أبو داود ( 4732 ) و ابن السني ( 621 ) عن محمد بن إسحاق قال : حدثني
عتبة بن مسلم مولى بني تميم عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عنه قال : سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .
قلت : و هذا سند حسن رجاله ثقات , و ابن إسحاق قد صرح بالتحديث فأمنا بذلك
تدليسه .
و رواه عمر بن أبي سلمة عن أبيه به إلى قوله : " فمن خلق الله عز و جل ? "
قال : فقال أبو هريرة : فو الله إني لجالس يوما إذ قال لي رجل من أهل العراق :
هذا الله خالقنا فمن خلق الله عز و جل ? قال أبو هريرة : فجعلت أصبعي في أذني
ثم صحت فقلت : صدق الله و رسوله ( الله الواحد الصمد لم يلد و لم يولد و لم يكن
له كفوا أحد ) .
أخرجه أحمد ( 2 / 387 ) و رجاله ثقات غير عمر هذا فإنه ضعيف .
و له عنده ( 2 / 539 ) طريق أخرى عن جعفر حدثنا يزيد بن الأصم عن أبي هريرة به
مرفوعا مثل الذي قبله , قال يزيد : فحدثني نجمة بن صبيغ السلمي أنه رأى ركبا
أتوا أبا هريرة , فسألوه عن ذلك , فقال : الله أكبر , ما حدثني خليلي بشيء إلا
و قد رأيته و أنا أنتظره . قال جعفر بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا سألكم الناس عن هذا فقولوا : الله قبل كل شيء , و الله خلق كل شيء , و الله
كائن بعد كل شيء .
و إسناد المرفوع صحيح , و أما بلاغ جعفر و هو ابن برقان فمعضل .
و ما بينهما موقوف , لكن نجمة هذا لم أعرفه , و هكذا وقع في المسند " نجمة "
بالميم , و في " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 / 509 ) : " نجبة " بالباء الموحدة
و قال :
" روى عن أبي هريرة , روى عنه يزيد بن الأصم , سمعت أبي يقول ذلك " و لم يزد !
و لم يورده الحافظ في " التعجيل " و هو على شرطه !
فقه الحديث :
-----------
دلت هذه الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله : من
خلق الله ? أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث المذكورة ,
و خلاصتها أن يقول :
" آمنت بالله و رسله , الله أحد , الله الصمد , لم يلد و لم يولد , و لم يكن له
كفوا أحد . ثم يتفل عن يساره ثلاثا , و يستعيذ بالله من الشيطان , ثم ينتهي عن
الانسياق مع الوسوسة .
و أعتقد أن من فعل ذلك طاعة لله و رسوله , مخلصا في ذلك أنه لابد أن تذهب
الوسوسة عنه , و يندحر شيطانه لقوله صلى الله عليه وسلم : " فإن ذلك يذهب عنه "
.
و هذا التعليم النبوي الكريم أنفع و أقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه
القضية , فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها . و من المؤسف أن أكثر الناس في غفلة
عن هذا التعليم النبوي الكريم , فتنبهوا أيها المسلمون , و تعرفوا إلى سنة
نبيكم , و اعملوا بها , فإن فيها شفاءكم و عزكم .
119 " لا تقصوا الرؤيا إلا على عالم أو ناصح " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 186 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 45 ) و الدارمي ( 2 / 126 ) عن يزيد بن زريع حدثنا سعيد
عن قتادة عن ابن سيرين عن # أبي هريرة # عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان
يقول : فذكره .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
قلت : و إسناده صحيح على شرط الشيخين .
و تابعه هشام بن حسان عن ابن سيرين به .
أخرجه الطبراني في " الصغير " ( ص 187 ) و أبو الشيخ في " الطبقات " ( 281 )
عن إسماعيل بن عمرو البجلي حدثنا مبارك بن فضالة عن هشام بن حسان .
قلت : و هذا سند لا بأس به في المتابعات , فإن هشاما ثقة محتج به في الصحيحين
و من دونه فيهما ضعف .
و قد جاء الحديث من طريق أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم و فيه زيادة توضح
سبب هذا النهي و هو :
" إن الرؤيا تقع على ما تعبر , و مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها
فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما " .
120 " إن الرؤيا تقع على ما تعبر و مثل ذلك مثل رجل رفع رجله فهو ينتظر متى يضعها
فإذا رأى أحدكم رؤيا فلا يحدث بها إلا ناصحا أو عالما " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 186 :
أخرجه الحاكم ( 4 / 391 ) من طريق عبد الرزاق أنبأنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة
عن # أنس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و قال : " صحيح الإسناد " .
و وافقه الذهبي و حقهما أن يضيفا إلى ذلك " على شرط البخاري " , فإن رجاله كلهم
من رجال الشيخين سوى الراوي له عن عبد الرزاق و هو يحيى بن جعفر البخاري فمن
شيوخ البخاري وحده . على أن في النفس وقفة في تصحيحه , لأن أبا قلابة قد وصف
بالتدليس و قد عنعنه , فإن كان سمعه من أنس فهو صحيح الإسناد , و إلا فلا .
نعم الحديث صحيح , فقد تقدم له آنفا شاهد لشطره الأخير , و أما شطره الأول ,
فله شاهد بلفظ :
" و الرؤيا على رجل طائر , ما لم تعبر , فإذا عبرت وقعت , ( قال الراوي :
و أحسبه قال ) و لا يقصها إلا على واد أو ذي رأي " .
أخرجه البخاري في " التاريخ " ( 4 / 2 / 178 ) و أبو داود ( 5020 ) و الترمذي
( 2 / 45 ) و الدارمي ( 2 / 126 ) و ابن ماجه ( 3914 ) و الحاكم ( 4 / 390 )
و الطيالسي ( 1088 ) و أحمد ( 4 / 10 - 13 ) و ابن أبي شيبة ( 12 / 189 / 1 )
و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 295 ) و ابن عساكر ( 11 / 219 / 2 ) عن
يعلى بن عطاء سمعت وكيع بن عدس يحدث عن عمه أبي رزين العقيلي قال : قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
و نقل المناوي في " الفيض " عن صاحب " الاقتراح " أنه قال :
" إسناده على شرط مسلم " ! و كل ذلك وهم لاسيما القول الأخير منها فإن وكيع
ابن عدس لم يخرج له مسلم شيئا , ثم هو لم يوثقه أحد غير ابن حبان و لم يرو عنه
غير يعلى بن عطاء و لذلك قال ابن القطان : مجهول الحال .
و قال الذهبي : لا يعرف . و مع ذلك فحديثه كشاهد لا بأس به , و قد حسن سنده
الحافظ ( 12 / 377 ) .
و روى ابن أبي شيبة ( 12 / 193 / 1 ) و الواحدي في " الوسيط " ( 2 / 96 / 2 )
عن يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا بلفظ : " الرؤيا لأول عابر " .
قلت : و يزيد ضعيف .
( على رجل طائر ) أي أنها لا تستقر ما لم تعبر . كما قال الطحاوي و الخطابي
و غيرهما .
و الحديث صريح بأن الرؤيا تقع على مثل ما تعبر , و لذلك أرشدنا رسول الله
صلى الله عليه وسلم إلى أن لا نقصها إلا على ناصح أو عالم , لأن المفروض فيهما
أن يختارا أحسن المعاني في تأويلها فتقع على وفق ذلك , لكن مما لا ريب فيه أن
ذلك مقيد بما إذا كان التعبير مما تحتمله الرؤيا و لو على وجه , و ليس خطأ محضا
و إلا فلا تأثير له حينئذ و الله أعلم .
و قد أشار إلى هذا المعنى الإمام البخاري في " كتاب التعبير " من " صحيحه "
بقوله ( 4 / 362 ) :
" باب من لم ير الرؤيا لأول عابر إذا لم يصب " .
ثم ساق حديث الرجل الذي رأى في المنام ظلة و عبرها أبو بكر الصديق ثم قال :
فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت , قال النبي صلى الله عليه
وسلم : " أصبت بعضا , و أخطأت بعضا " .
121 " أصبت بعضا و أخطأت بعضا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 189 :
و هو من حديث # ابن عباس # و لفظه :
" أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الليلة في المنام
ظلة تنطف بالسمن و العسل , فأرى الناس يتكففون منها , فالمستكثر و المستقل ,
و إذا سبب واصل من الأرض إلى السماء , فأراك أخذت به فعلوت , ثم أخذ به رجل آخر
فعلا به , ثم أخذه رجل آخر فعلا به , ثم أخذه رجل فانقطع , ثم وصل , فقال
أبو بكر : يا رسول الله بأبي أنت و الله لتدعني فأعبرها , فقال النبي صلى الله
عليه وسلم له : أعبرها ,قال : أما الظلة فالإسلام , و أما الذي ينطف من العسل
و السمن فالقرآن حلاوته تنطف , فالمستكثر من القرآن و المستقل , و أما السبب
الواصل من السماء إلى الأرض فالحق الذي أنت عليه تأخذ به , فيعليك الله , ثم
يأخذ به رجل , فيعلو به , ثم يأخذ به رجل آخر فيعلو به , ثم يأخذ به رجل فينقطع
به , ثم يوصل له فيعلو به , فأخبرني يا رسول الله - بأبي أنت - أصبت أم أخطأت ,
قال النبي صلى الله عليه وسلم : أصبت بعضا , و أخطأت بعضا , قال فوالله لتحدثني
بالذي أخطأت , قال : لا تقسم " .
و أخرجه مسلم أيضا ( 7 / 55 - 56 ) و أبو داود ( 3268 , 4632 ) و الترمذي
( 2 / 47 ) و الدارمي ( 2 / 128 ) و ابن ماجه ( 3918 ) و ابن أبي شيبة في
" المصنف " ( 12 / 190 / 2 ) و أحمد ( 1 / 236 ) كلهم عن ابن عباس , إلا أن
بعضهم جعله من روايته عن أبي هريرة , و رجح الإمام البخاري الأول , و هو أنه
عن ابن عباس , ليس لأبي هريرة فيه ذكر .
و تبعه على ذلك الحافظ ابن حجر في " الفتح " و الله أعلم .
غريب الحديث :
------------
( ظلة ) أي سحابة لها ظل , و كل ما أظل من سقيفة و نحوها يسمى ظلة .
( تنطف ) أي تقطر , و النطف القطر .
( يتكففون ) أي يأخذون بأكفهم .
( سبب ) أي حبل .
122 " والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس و يكلم الرجل عذبة
سوطه و شراك نعله و يخبره فخذه بما حدث أهله بعده " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 190 :
رواه الإمام أحمد ( 3 / 83 - 84 ) : حدثنا يزيد أنبأنا القاسم بن الفضل الحدائي
عن أبي نضرة عن # أبي سعيد الخدري # قال :
" عدا الذئب على شاة , فأخذها , فطلبه الراعي , فانتزعها منه , فأقعى الذئب على
ذنبه , قال : ألا تتقي الله تنزع مني رزقا ساقه الله إلي , فقال : يا عجبي ذئب
مقع على ذنبه يكلمني كلام الإنس ! فقال الذئب ألا أخبرك بأعجب من ذلك ? محمد
صلى الله عليه وسلم بيثرب , يخبر الناس بأنباء ما قد سبق ! قال : فأقبل الراعي
يسوق غنمه حتى دخل المدينة , فزواها إلى زاوية من زواياها , ثم أتى رسول الله
صلى الله عليه وسلم فأخبره , فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي بالصلاة
جامعة , ثم خرج , فقال للراعي : أخبرهم , فأخبرهم , فقال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : صدق , و الذي نفسي بيده " . الحديث .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير القاسم هذا و هو ثقة اتفاقا ,
و أخرج له مسلم في المقدمة .
و الحديث أخرجه ابن حبان ( 2109 ) و الحاكم مفرقا ( 4 / 467 , 467 - 468 )
و قال : " صحيح على شرط مسلم " ! و وافقه الذهبي !
و أخرج الترمذي منه قوله : " و الذي نفسي بيده ... " و قال :
" حديث حسن , لا نعرفه إلا من حديث القاسم بن الفضل و هو ثقة مأمون " .
123 " ما أنتم بجزء من مائة ألف جزء ممن يرد علي الحوض من أمتي " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 191 :
أخرجه أبو داود ( 5746 ) و الحاكم ( 1 / 76 ) و صححه و أحمد ( 4 / 367 ,
369 , 371 , 372 ) من طريق شعبة عن عمرو بن مرة قال : سمعت أبا حمزة أنه سمع
# زيد بن أرقم # قال :
" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فنزلنا منزلا فسمعته يقول :
( فذكره ) , قال : كم كنتم يومئذ ? قال : سبعمائة أو ثمانمائة " .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله رجال الشيخين غير أبي حمزة و اسمه طلحة بن يزيد
الأنصاري فمن رجال البخاري , و وثقه ابن حبان و النسائي .
124 " الشمس و القمر ثوران مكوران في النار يوم القيامة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 192 :
أخرجه الإمام الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 66 - 67 ) حدثنا محمد بن خزيمة
: حدثنا معلى بن أسد العمي حدثنا عبد العزيز بن المختار عن عبد الله الداناج
قال :
" شهدت أبا سلمة بن عبد الرحمن جلس في مسجد في زمن خالد بن عبد الله بن خالد
ابن أسيد , قال : فجاء الحسن فجلس إليه فتحدثنا , فقال أبو سلمة : حدثنا
# أبو هريرة # عن النبي صلى الله عليه وسلم قال . ( فذكره ) .
فقال الحسن : ما ذنبهما ?! فقال : إنما أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
فسكت الحسن .
و رواه البيهقي في كتاب " البعث و النشور " , و كذا البزار و الإسماعيلي
و الخطابي كلهم من طريق يونس بن محمد حدثنا عبد العزيز بن المختار به .
قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط البخاري , و قد أخرجه في صحيحه مختصرا فقال
( 2 / 304 - 305 ) : حدثنا مسدد قال : حدثنا عبد العزيز بن المختار به بلفظ :
" الشمس و القمر مكوران يوم القيامة " .
و ليس عنده قصة أبي سلمة مع الحسن , و هي صحيحة , و قد وقع للخطيب التبريزي وهم
في إسناد هذا الحديث و القصة , حيث جعل الحديث من تحديث الحسن عن أبي هريرة ,
و المناقشة بينهما , و قد نبهت عليه في تعليقي على كتابه " مشكاة المصابيح "
رقم ( 5692 ) .
و للحديث شاهد , فقال الطيالسي في " مسنده " ( 2103 ) : حدثنا درست عن يزيد
ابن أبان الرقاشي عن أنس رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ :
" إن الشمس و القمر ثوران عقيران في النار " .
و هذا إسناد ضعيف من أجل الرقاشي فإنه ضعيف , و مثله درست و لكنه قد توبع و من
هذه الطريق أخرجه الطحاوي و أبو يعلى ( 3 / 17 / 10 ) و ابن عدي ( 129 / 2 )
و أبو الشيخ في " العظمة " كما في " اللآلي المصنوعة " ( 1 / 82 ) و ابن مردويه
كما في " الجامع الصغير " و زاد :
" و إن شاء أخرجهما . و إن شاء تركهما " .
و أما المتابعة المشار إليها , فقال أبو الشيخ :
حدثنا أبو معشر الدارمي حدثنا هدبة حدثنا حماد بن سلمة عن يزيد الرقاشي به .
قال السيوطي : و هذه متابعة جليلة . و هو كما قال , و السند رجاله ثقات كما
قال ابن عراق في " تنزيه الشريعة " ( 1 / 190 الطبعة الأولى ) , يعني من دون
الرقاشي و إلا فهو ضعيف كما عرفت , و لكنه ليس شديد الضعف , فيصلح للاستشهاد
به و لذلك فقد أساء ابن الجوزي بإيراده لحديثه في " الموضوعات " ! على أنه قد
تناقض , فقد أورده أيضا في " الواهيات " يعني الأحاديث الواهية غير الموضوعة ,
و كل ذلك سهو منه عن حديث أبي هريرة هذا الصحيح . و الله الموفق .
معنى الحديث :
------------
و ليس المراد من الحديث ما تبادر إلى ذهن الحسن البصري أن الشمس و القمر في
النار يعذبان فيها عقوبة لهما , كلا فإن الله عز و جل لا يعذب من أطاعه من
خلقه و من ذلك الشمس و القمر كما يشير إليه قول الله تبارك و تعالى ( ألم تر
أن الله يسجد له من في السموات و من في الأرض , و الشمس و القمر , و النجوم
و الجبال و الشجر و الدواب , و كثير من الناس , و كثير حق عليه العذاب ) .
فأخبر تعالى أن عذابه إنما يحق على غير من كان يسجد له تعالى في الدنيا , كما
قال الطحاوي , و عليه فإلقاؤهما في النار يحتمل أمرين :
الأول : أنهما من وقود النار .
قال الإسماعيلي :
" لا يلزم من جعلهما في النار تعذيبهما , فإن لله في النار ملائكة و حجارة
و غيرها لتكون لأهل النار عذابا و آلة من آلات العذاب , و ما شاء الله من ذلك
فلا تكون هي معذبة " .
و الثاني : أنهما يلقيان فيها تبكيتا لعبادهما .
قال الخطابي :
" ليس المراد بكونهما في النار تعذيبهما بذلك , و لكنه تبكيت لمن كان يعبدهما
في الدنيا ليعلموا أن عبادتهم لهما كانت باطلا " .
قلت : و هذا هو الأقرب إلى لفظ الحديث و يؤيده أن في حديث أنس عند أبي يعلى -
كما في " الفتح " ( 6 / 214 ) :
" ليراهما من عبدهما " . و لم أرها في " مسنده " و الله تعالى أعلم .
125 " من سره أن ينظر إلى رجل يمشي على الأرض و قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 195 :
أخرجه ابن سعد في " الطبقات " ( 3 / 1 / 155 ) أخبرنا سعيد بن منصور قال :
أنبأنا صالح بن موسى عن معاوية بن إسحاق عن عائشة بنت طلحة عن # عائشة # قالت :
" إني لفي بيتي , و رسول الله صلى الله عليه وسلم و أصحابه بالفناء , و بيني
و بينهم الستر , أقبل طلحة بن عبيد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فذكره .
و كذا رواه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 232 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية "
( 1 / 88 ) من طريق أخرى عن صالح بن موسى به . و رواه أيضا الطبراني في
" الأوسط " كما في " المجمع " ( 9 / 148 ) و قال :
" و فيه صالح بن موسى و هو متروك " .
قلت : و لم ينفرد به , فقد رواه إسحاق بن يحيى بن طلحة عن عمه موسى بن طلحة
قال : " بينما عائشة بنت طلحة تقول لأمها أم كلثوم بنت أبي بكر : أبي خير من
أبيك , فقالت عائشة أم المؤمنين : ألا أقضي بينكما ? إن أبا بكر دخل على النبي
صلى الله عليه وسلم فقال : يا أبا بكر أنت عتيق الله من النار , قالت : فمن
يومئذ سمي عتيقا , و دخل طلحة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال :
" أنت يا طلحة ممن قضى نحبه " .
أخرجه الحاكم ( 2 / 415 / 416 ) و قال : " صحيح الإسناد " .
و تعقبه الذهبي بقوله : " قلت : بل إسحاق متروك , قاله أحمد " .
قلت : و مع ضعفه الشديد , فقد اضطرب في إسناده , فرواه مرة هكذا , و مرة قال :
عن موسى بن طلحة قال : " دخلت على معاوية , فقال : ألا أبشرك ? قلت : بلى قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " طلحة ممن قضى نحبه " .
أخرجه ابن سعد ( 3 / 1 / 155 - 156 ) و الترمذي ( 2 / 219 , 302 ) و قال :
" حديث غريب , لا نعرفه إلا من هذا الوجه , و إنما روي عن موسى بن طلحة عن
أبيه " .
قلت : ثم ساقه هو و أبو يعلى ( ق 45 / 1 ) و الضياء في " المختارة "
( 1 / 278 ) من طريق طلحة بن يحيى عن موسى و عيسى ابني طلحة عن أبيهما طلحة
أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا لأعرابي جاهل : سله عمن قضى نحبه
من هو ? و كانوا لا يجترؤون على مسألته , يوقرونه و يهابونه , فسأله الأعرابي ,
فأعرض عنه , ثم سأله فأعرض عنه , ثم إني اطلعت من باب المسجد و علي ثياب خضر ,
فلما رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أين السائل عمن قضى نحبه ? قال :
أنا يا رسول الله , قال : هذا ممن قضى نحبه .
و قال : " هذا حديث حسن غريب " .
قلت : و إسناده حسن رجاله ثقات رجال مسلم , غير أن طلحة بن يحيى , تكلم فيه
بعضهم من أجل حفظه , و هو مع ذلك لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن .
و لم ينفرد بالحديث , فقد أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 13 / 2 )
عن سليمان بن أيوب حدثني أبي عن جدي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال : كان النبي
صلى الله عليه وسلم إذا رآني قال :
" من أحب أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
.
قلت : و هذا سند ضعيف سليمان هذا صاحب مناكير , و قال ابن مهدي : " عامة
أحاديثه لا يتابع عليها " .
و قال الهيثمي في " المجمع " ( 9 / 149 ) :
" رواه الطبراني , و فيه سليمان بن أيوب الطلحي , و قد وثق , و ضعفه جماعة ,
و فيه جماعة لم أعرفهم " .
و للحديث شاهد جيد مرسل بلفظ :
" من أراد أن ينظر إلى رجل قد قضى نحبه فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله " .
أخرجه ابن سعد ( 3 / 1 / 156 ) : أخبرنا هشام أبو الوليد الطيالسي قال :
حدثنا أبو عوانة عن حصين عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , فذكره .
قلت : و هذا مرسل صحيح الإسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين .
ثم إن صالح بن موسى الذي في الطريق الأول قد رواه بإسناد آخر و لفظ آخر و هو :
" من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
.
126 " من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 198 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 302 - بولاق ) عن صالح بن موسى الطلحي - من ولد طلحة
ابن عبيد الله - عن الصلت بن دينار عن أبي نضرة قال : قال # جابر بن عبد الله #
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره و قال :
" حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث الصلت , و قد تكلم بعض أهل العلم في الصلت
ابن دينار و في صالح بن موسى من قبل حفظهما " .
قلت : هما بعد التحقيق ضعيفان جدا , غير أن صالح بن موسى لم ينفرد به , و هو ما
أشعر به كلام الترمذي نفسه , فقال الطيالسي في " مسنده " ( 1793 ) : حدثنا
الصلت بن دينار ( حدثنا ) أبو نضرة به بلفظ :
" مر طلحة بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال : شهيد يمشي على وجه الأرض " .
و هكذا رواه ابن ماجه ( 125 ) عن وكيع : حدثنا الصلت الأزدي به .
و رواه الواحدي في " الوسيط " ( 3 / 7 / 121 ) عن الصلت به مثل رواية الترمذي ,
و رواه البغوي في " تفسيره " ( 7 / 528 ) من هذا الوجه بلفظ :
" نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى طلحة بن عبد الله فقال : من أحب أن
ينظر إلى رجل يمشي على وجه الأرض قد قضى نحبه فلينظر إلى هذا " .
و قد عزاه صاحب " مشكاة المصابيح " للترمذي في رواية له , و هو وهم منه
رحمه الله .
و بالجملة فالحديث بهذه الطرق و الشواهد يرتقي إلى درجة الصحة , و هي و إن
اختلفت ألفاظها فالمؤدى واحد كما هو ظاهر و قد ثبته الحافظ في " الفتح "
( 8 / 398 - بولاق ) . و الله أعلم .
و في الحديث إشارة إلى قول الله تبارك و تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما
عاهدوا الله عليه , فمنهم من قضى نحبه , و منهم من ينتظر , و ما بدلوا تبديلا )
.
و فيه منقبة عظيمة لطلحة بن عبيد الله رضي الله عنه , حيث أخبر صلى الله عليه
وسلم أنه ممن قضى نحبه مع أنه لا يزال حيا ينتظر الوفاء بما عاهد الله عليه ,
قال ابن الأثير في " النهاية " :
" النحب النذر , كأنه ألزم نفسه أن يصدق أعداء الله في الحرب , فوفى به ,
و قيل : النحب الموت , كأنه يلزم نفسه أن يقاتل حتى يموت " .
و قد قتل رضي الله عنه يوم الجمل . فويل لمن قتله .
127 " قال الله تعالى : يا ابن آدم إنك ما دعوتني و رجوتني غفرت لك على ما كان فيك
و لا أبالي , يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء , ثم استغفرتني غفرت لك
و لا أبالي , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك
بي شيئا , لأتيتك بقرابها مغفرة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 200 :
رواه الترمذي ( 2 / 270 ) من طريق كثير بن فائد : حدثنا سعيد ابن عبيد قال :
سمعت بكر بن عبد الله المزني يقول : حدثنا # أنس ابن مالك # قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره و قال :
" حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه " .
قلت : و رجاله موثقون غير كثير بن فائد , فلم يوثقه غير ابن حبان , و في
" التقريب " أنه مقبول .
قلت : لكن الحديث حسن كما قال الترمذي , فإن له شاهدا من حديث أبي ذر , يرويه
شهر بن حوشب عن عمر بن معد يكرب عنه مرفوعا به مع تقديم و تأخير .
أخرجه الدارمي ( 2 / 322 ) و أحمد ( 5 / 172 ) من طريق غيلان ابن جرير عن شهر
به .
و خالفه عبد الحميد - و هو ابن بهرام - فقال : حدثنا شهر حدثني ابن غنم أن أبا
ذر حدثه به .
أخرجه أحمد ( 5 / 154 ) و شهر فيه ضعف من قبل حفظه , و إن لم يكن هذا الاختلاف
عليه من تردده و سوء حفظه , فالوجه الأول أصح لأن غيلان أوثق من ابن بهرام .
و له شاهد آخر عند الطبراني في " معاجمه " عن ابن عباس , و هو مخرج في
" الروض النضير " ( 432 ) .
و له عن أبي ذر طريق أخرى مختصرا بلفظ :
" قال الله تبارك و تعالى : الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد , و السيئة واحدة
أو أغفرها و لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة "
.
128 " قال الله تبارك و تعالى : الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد و السيئة واحدة
أو أغفرها و لو لقيتني بقراب الأرض خطايا ما لم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرة "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 201 :
رواه الحاكم ( 4 / 241 ) و أحمد ( 5 / 108 ) عن عاصم عن المعرور بن سويد أن
# أبا ذر # رضي الله عنه قال :
" حدثنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك و تعالى
أنه قال : الحسنة ... " .
و قال : " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : عاصم هو ابن بهدلة و هو حسن الحديث , و بقية الرجال ثقات رجال الشيخين ,
فالإسناد حسن .
129 " قد أفلح من أسلم و رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 201 :
رواه مسلم ( 3 / 102 ) و الترمذي ( 2 / 56 ) و أحمد ( 2 / 168 ) و البيهقي
( 4 / 196 ) من طريق عبد الله بن يزيد المقرىء حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني
شرحبيل بن شريك عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن # عبد الله ابن عمرو بن العاصي #
مرفوعا .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و رواه ابن ماجه ( 4138 ) عن ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر , و حميد
ابن هانىء الخولاني أنهما سمعا أبا عبد الرحمن الحبلي يخبر عن عبد الله
ابن عمرو به نحوه .
و ابن لهيعة سيء الحفظ , لكن لا بأس به في المتابعات .
( تنبيه ) :
---------
عزاه السيوطي في " الصغير " و " الكبير " ( 2 / 95 / 1 ) لمسلم و من ذكرنا معه
غير البيهقي فتعقبه المناوي بقوله : " تبع في العزو لما ذكر عبد الحق .
قال في " المنار " : و هذا لم يذكره مسلم و إنما هو عند الترمذي .. " .
قلت : و هذا وهم من صاحب " المنار " ثم المناوي , فالحديث في المكان الذي أشرنا
إليه من مسلم : في " كتاب الزكاة " .
و في الحديث فضل الكفاف و القناعة به , و مثله الحديث الآتي :
" اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " .
130 " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 202 :
أخرجه البخاري ( 4 / 222 ) و مسلم ( 3 / 103 , 8 / 217 ) و أحمد ( 2 / 232 )
من طرق عن محمد بن فضيل عن أبيه عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة عن
# أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و اللفظ لمسلم , و كذا أحمد إلا أنه قال : " بيتي " بدل " محمد " .
و لفظ البخاري : " اللهم ارزق آل محمد قوتا " .
و يؤيد اللفظ الأول أن الأعمش رواه عن عمارة بن القعقاع به .
أخرجه مسلم و الترمذي ( 2 / 57 - بولاق ) و ابن ماجه ( 4139 ) و البيهقي
( 7 / 46 ) من طرق عن وكيع : حدثنا الأعمش به .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و أخرجه مسلم من طريق أبي أسامة قال : سمعت الأعمش به إلا أنه قال : " كفافا "
بدل " قوتا " .
و كذلك رواه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث " ( ج 2 / 5 / 2 ) عن حماد
ابن أسامة قال : حدثنا الأعمش به إلا أنه قال :
" رزقي و رزق آل محمد كفافا " .
فقد اختلف في متنه على الأعمش , و الرواية الأولى التي رواها مسلم أرجح عندي
لموافقتها لرواية بعض الرواة عن الأعمش . و الله أعلم .
( تنبيه ) :
----------
أورد السيوطي الحديث في " الجامع الصغير " بلفظ مسلم و بزيادة :
" في الدنيا " و عزاه لمسلم و الترمذي و ابن ماجه , و كذلك أورده في
" الجامع الكبير " ( 1 / 309 ) من رواية هؤلاء الثلاثة و كذا أحمد و أبي يعلى
و البيهقي . و لا أصل لها عند أحد منهم إلا أن تكون عند أبي يعلى , و ذلك مما
أستبعده , فإن ثبتت عنده فهي زيادة شاذة بلا شك لمخالفتها لرويات الثقات الحفاظ
. و الله أعلم .
فائدة الحديث
--------------
فيه و في الذي قبله دليل على فضل الكفاف , و أخذ البلغة من الدنيا و الزهد فيما
فوق ذلك , رغبة في توفر نعيم الآخرة , و إيثارا لما يبقى على ما يفنى , فينبغي
للأمة أن تقتدي به صلى الله عليه وسلم في ذلك .
و قال القرطبي :
معنى الحديث أنه طلب الكفاف , فإن القوت ما يقوت البدن و يكف عن الحاجة , و في
هذه الحالة سلامة من آفات الغنى و الفقر جميعا . كذا في " فتح الباري "
( 11 / 251 - 252 ) .
قلت : و مما لا ريب فيه أن الكفاف يختلف باختلاف الأشخاص و الأزمان و الأحوال ,
فينبغي للعاقل أن يحرص على تحقيق الوضع الوسط المناسب له , بحيث لا ترهقه
الفاقة , و لا يسعى وراء الفضول الذي يوصله إلي التبسط و الترفه , فإنه في هذه
الحال قلما يسلم من عواقب جمع المال , لاسيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه
مفاتنه , و تيسرت على الأغنياء سبله .
أعاذنا الله تعالى من ذلك , و رزقنا الكفاف من العيش .
131 " هذه بتلك السبقة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 204 :
أخرجه الحميدي في مسنده ( ق 42 / 2 ) و أبو داود ( 2578 ) و النسائي في
" عشرة النساء " ( ق 74 / 1 ) و السياق له و ابن ماجه ( 1979 ) مختصرا
و أحمد ( 6 / 39 / 264 ) مختصرا و مطولا من طريق جماعة عن هشام بن عروة
عن أبيه عن # عائشة # رضي الله عنها :
" أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , في سفر , و هي جارية ( قالت :
لم أحمل اللحم و لم أبدن ) , فقال لأصاحبه : تقدموا , ( فتقدموا ) ثم قال :
تعالي أسابقك , فسابقته , فسبقته على رجلي , فلما كان بعد ( و في رواية : فسكت
عني حتى إذا حملت اللحم و بدنت و نسيت ) خرجت معه في سفر , فقال لأصحابه :
تقدموا , ( فتقدموا ) , ثم قال : تعالي أسابقك .
و نسيت الذي كان , و قد حملت اللحم , فقلت كيف أسابقك يا رسول الله و أنا
على هذا الحال ? فقال لتفعلن , فسابقته فسبقني , فـ ( جعل يضحك , و ) قال :
" فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين و قد صححه العراقي في " تخريج الأحياء "
( 2 / 40 ) .
و خالف الجماعة حماد بن سلمة فقال :
" عن هشام بن عروة عن أبي سلمة عنها مختصرا بلفظ :
" قالت : سابقت النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته " .
أخرجه أحمد ( 6 / 261 ) و حماد ثقة حافظ فيحتمل أن يكون قد حفظ ما لم يحفظ
الجماعة و أن هشاما يرويه عن أبيه و عن أبي سلمة . و يؤيده أن حمادا رواه أيضا
عن علي بن زيد عن أبي سلمة به .
أخرجه أحمد ( 6 / 129 , 182 , 280 ) .
132 " اكتني بابنك عبد الله ـ يعني ابن الزبير ـ أنت أم عبد الله " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 205 :
أخرجه الإمام أحمد ( 6 / 151 ) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن هشام عن أبيه
أن # عائشة # قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله كل نسائك لها كنية
غيري , فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فذكره بدون الزيادة ) .
قال : فكان يقال لها أم عبد الله حتى ماتت و لم تلد قط .
قلت : و هذا سند صحيح , و إن كان ظاهره الإرسال , فإن عروة هو ابن الزبير و هو
ابن أخت عائشة أسماء , فعائشة خالته , فهو محمول على الاتصال , و قد جاء كذلك
فقال أحمد ( 6 / 186 ) و عنه الدولابي في " الكنى و الأسماء " ( 1 / 152 ) :
" حدثنا عمر بن حفص أبو حفص المعيطي قال : حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
به نحوه و فيه الزيادة .
و هذا إسناد صحيح أيضا , فإن عمر هذا قال فيه أبو حاتم : لا بأس به , و ذكره
ابن حبان في " الثقات " .
و قد تابعه حماد بن زيد قال : حدثنا هشام بن عروة به .
أخرجه أبو داود ( 490 ) و أحمد ( 6 / 107 , 260 ) و أبو يعلى ( ق 214 / 2 ) .
و رواه وكيع فقال : عن هشام عن رجل من ولد الزبير عنها .
أخرجه أحمد ( 6 / 186 , 213 ) .
و هذا الرجل هو عروة بن الزبير كما في رواية حماد بن زيد و عمر بن حفص و معمر
كما تقدم . و كذلك رواه قران بن تمام كما قال أبو داود .
و رواه أبو أسامة و حماد بن سلمة و مسلمة بن قعنب عن هشام فسموا الرجل :
" عباد بن حمزة " و هو ابن عبد الله بن الزبير . و هو ثقة , فهو من ولد الزبير
فيحتمل أن يكون هو الذي عناه هشام في رواية وكيع , و سواء كان هذا أو ذاك
فالحديث صحيح لأنه إما عن عروة أو عن عباد و كلاهما ثقة , و الأقرب أنه عنهما
معا , كما يقتضيه صحة الروايتين عن كل منهما .
و في الحديث مشروعية التكني و لو لم يكن له ولد . و هذا أدب إسلامي ليس له نظير
عند الأمم الأخرى فيما أعلم فعلى المسلمين أن يتمسكوا به رجالا و نساء و يدعوا
ما تسرب إليهم من عادات الأعاجم كـ ( البيك ) و ( الأفندي ) و ( الباشا ) و نحو
ذلك كـ ( المسيو ) أو ( السيد ) و ( السيدة ) و ( الآنسة ) إذ كل ذلك دخيل في
الإسلام , و قد نص فقهاء الحنفية على كراهة ( الأفندي ) لما فيه من التزكية كما
في حاشية ابن عابدين . و السيد إنما يطلق على من كان له نوع ولاية و رياسة و في
ذلك جاء حديث " قوموا إلى سيدكم " و قد تقدم برقم ( 66 ) , و لا يطلق على كل
أحد , لأنه من باب التزكية أيضا .
133 " إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم و أمره أن يكتب كل شيء يكون " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 207 :
رواه أبو يعلى ( 126 / 1 ) و البيهقي في " الأسماء و الصفات " ( ص 271 )
من طريق أحمد : حدثنا عبد الله بن المبارك قال : حدثنا رباح ابن زيد عن عمر
بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة عن سعيد بن جبير عن # ابن عباس # مرفوعا .
من فوائد الحديث
-----------------
و في الحديث إشارة إلى ما يتناقله الناس حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثيرة
منهم و هو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك و تعالى . و ليس لذلك
أساس من الصحة , و حديث عبد الرزاق غير معروف إسناده . و لعلنا نفرده بالكلام
في " الأحاديث الضعيفة " إن شاء الله تعالى .
و فيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق , و لا نص في ذلك عن رسول الله
صلى الله عليه وسلم , و إنما يقول به من قاله كابن تيمية و غيره - استنباطا
و اجتهادا فالأخذ بهذا الحديث - و في معناه أحاديث أخرى - أولى لأنه نص في
المسألة , و لا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم .
و تأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل , لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان
هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها و منها القلم , أما و مثل هذا
النص مفقود , فلا يجوز هذا التأويل .
و فيه رد أيضا على من يقول بحوادث لا أول لها , و أنه ما من مخلوق , إلا
و مسبوق بمخلوق قبله , و هكذا إلى مالا بداية له , بحيث لا يمكن أن يقال :
هذا أول مخلوق .
فالحديث يبطل هذا القول و يعين أن القلم هو أول مخلوق , فليس قبله قطعا أي
مخلوق . و لقد أطال ابن تيمية رحمه الله الكلام في رده على الفلاسفة محاولا
إثبات حوادث لا أول لها , و جاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول ,
و لا تقبله أكثر القلوب , حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا
أول لها , مع أنه يقول و يصرح بأن ما من مخلوق إلا و هو مسبوق بالعدم , و لكنه
مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له . كما يقول هو و غيره بتسلسل
الحوادث إلى ما لا نهاية , فذلك القول منه غير مقبول , بل هو مرفوض بهذا الحديث
و كم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج , لأن الكلام فيه شبيه
بالفلسفة و علم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير و التنفير منه , و لكن صدق
الإمام مالك رحمه الله حين قال : " ما منا من أحد إلا رد و رد عليه إلا صاحب
هذا القبر صلى الله عليه وسلم " .
134 " إن نبي الله نوحا صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة قال لابنه : إني قاص
عليك الوصية آمرك باثنتين و أنهاك عن اثنتين آمرك بـ ( لا إله إلا الله ) فإن
السموات السبع و الأرضين السبع لو وضعت في كفة و وضعت لا إله إلا الله في كفة
رجحت بهن لا إله إلا الله و لو أن السموات السبع و الأرضين السبع كن حلقة مبهمة
قصمتهن لا إله إلا الله . و سبحان الله و بحمده فإنها صلاة كل شيء و بها يرزق
الخلق . و أنهاك عن الشرك و الكبر . قال : قلت : أو قيل : يا رسول الله هذا
الشرك قد عرفناه فما الكبر ? - قال - : أن يكون لأحدنا نعلان حسنتان لهما
شراكان حسنان ? قال : لا . قال : هو أن يكون لأحدنا أصحاب يجلسون إليه ? قال :
لا . قيل : يا رسول الله فما الكبر ? قال : سفه الحق و غمص الناس " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 209 :
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 548 ) و أحمد ( 2 / 169 - 170 , 225 )
و البيهقي في " الأسماء " ( 79 هندية ) من طريق الصقعب ابن زهير عن زيد بن أسلم
قال : حماد أظنه عن عطاء بن يسار عن # عبد الله بن عمرو # قال :
كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من أهل البادية عليه جبة سيجان
مزرورة بالديباج فقال : ألا إن صاحبكم هذا قد وضع كل فارس ابن فارس قال يريد أن
يضع كل فارس ابن فارس و يرفع كل راع ابن راع . قال : فأخذ رسول الله صلى الله
عليه وسلم بمجامع جبته و قال : ألا أرى عليك لباس من لا يعقل , ثم قال :
فذكره .
و قلت : و هذا سند صحيح . و قال الهيثمي ( 4 / 220 ) :
" رواه أحمد و الطبراني بنحوه , و زاد في رواية : و أوصيك بالتسبيح فإنها عبادة
الخلق , و بالتكبير . و رواه البزار من حديث ابن عمر , و رجال أحمد ثقات " .
غريب الحديث :
------------
( مبهمة ) أي محرمة مغلقة كما يدل عليه السياق . و لم يورد هذه اللفظة من
الحديث ابن الأثير في " النهاية " و لا الشيخ محمد طاهر الهندي في " مجمع بحار
الأنوار " و هي من شرطهما .
( قصمتهن ) . و في رواية ( فصمتهن ) بالفاء . قال ابن الأثير :
" القصم : كسر الشيء و إبانته , و بالفاء كسره من غير إبانة " .
قلت : فهو بالفاء أليق بالمعنى . و الله أعلم .
( سفه الحق ) أي جهله , و الاستحفاف به , و أن لا يراه على ما هو عليه من
الرجحان و الرزانة . و في حديث لمسلم : " بطر الحق " . و المعنى واحد .
( غمص الناس ) أي احتقارهم و الطعن فيهم و الاستخفاف بهم .
و في الحديث الآخر : " غمط الناس " و المعنى واحد أيضا .
فوائد الحديث :
-------------
قلت : و فيه فوائد كثيرة , اكتفي بالإشارة إلى بعضها :
1 - مشروعية الوصية عند الوفاة .
2 - فضيلة التهليل و التسبيح , و أنها سبب رزق الخلق .
3 - و أن الميزان يوم القيامة حق ثابت و له كفتان , و هو من عقائد أهل السنة
خلافا للمعتزلة و أتباعهم في العصر الحاضر ممن لا يعتقد ما ثبت من العقائد في
الأحاديث الصحيحة , بزعم أنها أخبار آحاد لا تفيد اليقين , و قد بينت بطلان هذا
الزعم في كتابي " مع الأستاذ الطنطاوي " يسر الله إتمامه .
4 - و أن الأرضين سبع كالسماوات . و فيه أحاديث كثيرة في الصحيحين و غيرهما ,
و لعلنا نتفرغ لنتبعها و تخريجها . و يشهد لها قول الله تبارك و تعالى :
( خلق سبع سماوات و من الأرض مثلهن ) أي في الخلق و العدد . فلا تلتفت إلى من
يفسرها بما يؤول إلى نفي المثلية في العدد أيضا اغترارا بما وصل إليه علم
الأوربيين من الرقي و أنهم لا يعلمون سبع أرضين ! مع أنهم لا يعلمون سبع سماوات
أيضا ! أفننكر كلام الله و كلام رسوله بجهل الأوربيين و غيرهم مع اعترافهم
أنهم كلما ازدادوا علما بالكون ازدادوا علما بجهلهم به , و صدق الله العظيم
إذ يقول : ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) .
5 - أن التجمل باللباس الحسن ليس من الكبر في شيء . بل هو أمر مشروع , لأن الله
جميل يحب الجمال كما قال عليه السلام بمثل هذه المناسبة , على ما رواه مسلم في
" صحيحه " .
6 - أن الكبر الذي قرن مع الشرك و الذي لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال
ذرة منه إنما هو الكبر على الحق و رفضه بعد تبينه , و الطعن في الناس الأبرياء
بغير حق .
فليحذر المسلم أن يتصف بشيء من مثل هذا الكبر كما يحذر أن يتصف بشيء من الشرك
الذي يخلد صاحبه في النار .
135 " إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رءوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعة
و تسعين سجلا , كل سجل مثل مد البصر ثم يقول : أتنكر من هذا شيئا ? أظلمك كتبتي
الحافظون ? فيقول : لا يا رب , فيقول أفلك عذر ? فيقول : لا يا رب . فيقول :
بلى إن لك عندنا حسنة فإنه لا ظلم عليك اليوم . فتخرج بطاقة فيها : أشهد أن لا
إله إلا الله و أشهد أن محمدا عبده و رسوله . فيقول :هاحضر وزنك , فيقول : ما
هذه البطاقة مع هذه السجلات ?! فقال : إنك لا تظلم , قال : فتوضع السجلات في
كفة و البطاقة في كفة , فطاشت السجلات و ثقلت البطاقة , فلا يثقل مع اسم الله
شيء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/ 212 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 106 - 107 ) و حسنه و ابن ماجه ( 4300 ) و الحاكم
( 1 / 6 و 529 ) و أحمد ( 2 / 213 ) من طريق الليث بن سعد عن عامر بن يحيى
عن أبي عبد الرحمن الحبلي قال : سمعت # عبد الله ابن عمرو # قال :
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا و أبو عبد الرحمن الحبلي - بضم المهملة و الموحدة - اسمه
عبد الله بن يزيد .
ثم رواه أحمد ( 2 / 221 - 222 ) من طريق ابن لهيعة عن عمرو ابن يحيى عن أبي
عبد الرحمن الحبلي به .
قلت : و ابن لهيعة سيىء الحفظ , فأخشى أن يكون قوله " عمرو ابن يحيى " و هما
منه , أراد أن يقول " عامر " فقال " عمرو " و يحتمل أن يكون الوهم من بعض
النساخ أو الطابع . و الله أعلم .
و في الحديث دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان و أن الأعمال و إن
كانت أعراضا فإنها توزن , و الله على كل شيء قدير , و ذلك من عقائد أهل السنة ,
و الأحاديث في ذلك متضافرة إن لم تكن متواترة انظر "شرح العقيدة الطحاوية "
( 351 - 352 طبع المكتب الإسلامي ) .
136 " قولوا : ما شاء الله ثم شئت , و قولوا : ورب الكعبة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 213 :
أخرجه الطحاوي في " المشكل " ( 1 / 357 ) و الحاكم ( 4 / 297 ) و البيهقي
( 3 / 216 ) و أحمد ( 6 / 371 - 372 ) من طريق المسعودي عن سعيد بن خالد عن
عبد الله بن يسار عن # قتيلة بنت صيفي امرأة من جهينة # قالت :
" إن حبرا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إنكم تشركون ! تقولون ما
شاء الله و شئت , و تقولون : و الكعبة , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "
فذكره .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .
قلت : المسعودي كان اختلط , لكن تابعه مسعر عن معبد بن خالد به .
أخرجه النسائي ( 2 / 140 ) بإسناد صحيح .
و لعبد الله بن يسار حديث آخر نحو هذا . و هو :
" لا تقولوا : ما شاء الله و شاء فلان , و لكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان "
.
137 " لا تقولوا : ما شاء الله و شاء فلان , و لكن قولوا : ما شاء الله ثم شاء فلان
" .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 214 :
رواه أبو داود ( 4980 ) و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 1 / 90 ) و البيهقي
( 3 / 216 ) و أحمد ( 5 / 384 و 394 و 398 ) من طرق عن شعبة عن منصور بن
المعتمر سمعت عبد الله بن يسار عن # حذيفة # به .
قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عبد الله بن يسار
و هو الجهني الكوفي و هو ثقة , وثقه النسائي و ابن حبان و قال الذهبي في
" مختصر البيهقي " ( 1 / 140 / 2 ) : " و إسناده صالح " .
و قد تابعه ربعي بن حراش عن حذيفة بن اليمان قال :
" أتي رجل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت في المنام أني لقيت بعض
أهل الكتاب , فقال : نعم القوم أنتم لولا أنكم تقولون ما شاء الله و شاء محمد ,
فقال النبي صلى الله عليه وسلم : قد كنت أكرهها منكم , فقولوا : ما شاء الله ثم
شاء محمد " .
رواه ابن ماجه ( 2118 ) و أحمد ( 5 / 393 ) و السياق له من طريق سفيان بن عيينة
عن عبد الملك بن عمير عنه .
و هذا سند صحيح في الظاهر , فإن رجاله كلهم ثقات , غير أنه قد اختلف فيه على
ابن عمير , فرواه سفيان عنه هكذا .
و قال معمر عنه عن جابر بن سمرة قال :
" رأى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ... " الحديث نحوه .
أخرجه الطحاوي .
و قال شعبة عنه عن ربعي عن الطفيل أخي عائشة قال :
" قال رجل من المشركين لرجل من المسلمين : نعم القوم ...." الحديث .
أخرجه الدارمي ( 2 / 295 ) . و تابعه أبو عوانة عن عبد الملك به .
أخرجه ابن ماجه ( 2118 / 2 ) .
و تابعه حماد بن سلمة عنه به عن الطفيل ابن سخبرة أخي عائشة لأمها :
" أنه رأى فيما يرى النائم كأنه مر برهط من اليهود , فقال : من أنتم ? قالوا :
نحن اليهود ? قال : إنكم أنتم القوم لولا أنكم تزعمون أن عزيرا ابن الله ,
فقالت اليهود : و أنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله و شاء محمد ! ثم مر
برهط من النصارى فقال : من أنتم ? قالوا نحن النصارى , فقال : إنكم أنتم القوم
لولا أنكم تقولون المسيح ابن الله , قالوا : و إنكم أنتم القوم لولا أنكم
تقولون ما شاء الله و ما شاء محمد ! فلما أصبح أخبر بها من أخبر , ثم أتى النبي
صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال : هل أخبرت بها أحدا ? قال : نعم , فلما صلوا
خطبهم فحمد الله و أثنى عليه ثم قال " , فذكر الحديث بلفظ :
" إن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم , و إنكم كنتم تقولون كلمة كان
يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها , قال : لا تقولوا ما شاء الله , و ما شاء
محمد " .
138 " إن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم و إنكم كنتم تقولون كلمة كان
يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها , قال : لا تقولوا : ما شاء الله و ما شاء
محمد " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 216 :
أخرجه أحمد ( 5 / 72 ) . و هذا هو الصواب عن ربعي عن # الطفيل # ليس عن حذيفة ,
لاتفاق هؤلاء الثلاثة حماد بن سلمة و أبو عوانة و شعبة عليه .
فهو شاهد صحيح لحديث حذيفة .
و روى البخاري في " الأدب المفرد " ( 782 ) عن ابن عمر :
" أنه سمع مولى له يقول : الله و فلان , فقال : لا تقل كذلك , لا تجعل مع الله
أحدا , و لكن قل : فلان بعد الله " .
و رجاله ثقات غير مغيث مولى ابن عمرو و هو مجهول .
و قال الحافظ : " لا استبعد أن يكون ابن سمي " .
قلت : فإن كان هو فهو ثقة .
و للحديث شاهد آخر من حديث ابن عباس قال :
" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فراجعه في بعض الكلام , فقال :
ما شاء الله و شئت ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أجعلتني مع الله عدلا ( و في لفظ : ندا ?! ) , لا بل ما شاء الله وحده " .
139 " أجعلتني مع الله عدلا ( و في لفظ : ندا ?! ) , لا , بل ما شاء الله وحده " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 216 :
( عن # ابن عباس # ) :
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 787 ) و ابن ماجه ( 2117 ) و الطحاوي في
" المشكل " ( 1 / 90 ) و البيهقي ( 3 / 217 ) و أحمد ( 1 / 214 , 224 , 283 ,
347 ) و الطبراني في " الكبير " ( 3 / 186 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية "
( 4 / 99 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 8 / 105 ) و ابن عساكر ( 12 / 7 / 2 )
من طرق عن الأجلح عن يزيد ابن الأصم عن ابن عباس . إلا أن ابن عساكر قال :
" الأعمش " بدل " الأجلح " .
قلت : و الأجلح هذا هو ابن عبد الله أبو حجية الكندي و هو صدوق شيعي كما في
" التقريب " و بقية رجاله ثقات رجال الشيخين , فالإسناد حسن .
فقه الحديث :
-----------
قلت : و في هذه الأحاديث أن قول الرجل لغيره : " ما شاء الله و شئت " يعتبر
شركا في نظر الشارع , و هو من شرك الألفاظ , لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة
مشيئة الرب سبحانه و تعالى , و سببه القرن بين المشيئتين , و مثل ذلك قول بعض
العامة و أشباههم ممن يدعى العلم ما لي غير الله و أنت . و توكلنا على الله
و عليك . و مثله قول بعض المحاضرين " باسم الله و الوطن " . أو " باسم الله
و الشعب " و نحو ذلك من الألفاظ الشركية , التي يجب الانتهاء عنها و التوبة
منها . أدبا مع الله تبارك و تعالى .
و لقد غفل عن هذا الأدب الكريم كثير من العامة , و غير قليل من الخاصة الذين
يبررون النطق بمثل هذه الشركيات كمناداتهم غير الله في الشدائد , و الاستنجاد
بالأموات من الصالحين , و الحلف بهم من دون الله تعالى , و الإقسام بهم
على الله عز و جل , فإذا ما أنكر ذلك عليهم عالم بالكتاب و السنة , فإنهم بدل
أن يكونوا معه عونا على إنكار المنكر عادوا بالإنكار عليه , و قالوا : إن نية
أولئك المنادين غير الله طيبة ! و إنما الأعمال بالنيات كما جاء في الحديث !
فيجهلون أو يتجاهلون - إرضاء للعامة - أن النية الطيبة إن وجدت عند المذكورين ,
فهي لا تجعل العمل السيئ صالحا , و أن معنى الحديث المذكور إنما الأعمال
الصالحة بالنيات الخالصة , لا أن الأعمال المخالفة للشريعة تنقلب إلى أعمال
صالحة مشروعة بسبب اقتران النية الصالحة بها , ذلك ما لا يقوله إلا جاهل أو
مغرض ! ألا ترى أن رجلا لو صلى تجاه القبر لكان ذلك منكرا من العمل لمخالفته
للأحاديث و الآثار الواردة في النهي عن استقبال القبر بالصلاة , فهل يقول عاقل
أن الذي يعود إلى الاستقبال بعد علمه بنهي الشرع عنه أن نيته طيبة و عمله
مشروع ? كلا ثم كلا , فكذلك هؤلاء الذين يستغيثون بغير الله تعالى , و ينسونه
تعالى في حالة هم أحوج ما يكونون فيها إلى عونه و مدده , لا يعقل أن تكون
نياتهم طيبة , فضلا عن أن يكون عملهم صالحا , و هم يصرون على هذا المنكر و هم
يعلمون .
140 " اللهم أكثر ماله و ولده و بارك له فيما رزقته " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 218 :
أخرجه الطيالسي في " مسنده " ( 1987 ) : حدثنا شعبة عن قتادة قال , سمعت أنسا
يقول :
" قالت # أم سليم # : يا رسول الله ! ادع الله له , تعني أنسا , فقال ..."
فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين , و قد أخرجه البخاري ( 4 / 195 , 202 )
و الترمذي ( 2 / 314 ) من طرق عن شعبة به .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و لم يقع عنده و كذا البخاري تصريح قتادة بسماعه من أنس و لذلك خرجته .
طريق أخرى .
قال أحمد ( 3 / 248 ) : حدثنا عفان حدثنا حماد أنبأنا ثابت عن أنس بن مالك :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام , فأتيناه بتمر و سمن فقال :
" ردوا هذا في وعائه , و هذا في سقائه فإني صائم " .
141 عن أنس بن مالك :
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى أم حرام , فأتيناه بتمر و سمن فقال :
" ردوا هذا في وعائه و هذا في سقائه فإني صائم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 219 :
( عن # أنس بن مالك # ) :
قال : ثم قام فصلى بنا ركعتين تطوعا , فأقام أم حرام و أم سليم خلفنا ,
و أقامني عن يمينه , - فيما يحسب ثابت - قال : فصلى بنا تطوعا على بساط , فلما
قضى صلاته , قالت أم سليم : إن لي خويصة : خويدمك أنس , ادع الله له , فما ترك
يومئذ خيرا من خير الدنيا و الآخرة إلا دعا لي به ثم قال : اللهم أكثر ماله و
ولده و بارك له فيه , قال أنس : فأخبرتني ابنتي أني قد رزقت من صلبي بضعا
و تسعين , و ما أصبح في الأنصار رجل أكثر مني مالا , ثم قال أنس : يا ثابت , ما
أملك صفراء و لا بيضاء إلا خاتمي ! " .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط مسلم , و قد أخرجه أبو داود ( 608 ) حدثنا موسى
ابن إسماعيل حدثنا حماد به , دون قوله " فلما قضى صلاته .... " ثم أخرجه أحمد
( 3 / 193 - 194 ) و مسلم ( 2 / 128 ) و أبو عوانة ( 2 / 77 ) و الطيالسي
( 2027 ) من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت به . دون قوله " فأخبرتني ابنتي
... " و زاد : " قال : فقال : قوموا فلأصل بكم في غير وقت صلاة " .
طريق ثالثة : قال أحمد ( 3 / 108 ) : حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس به
بتمامه , إلا أنه لم يذكر الإقامة عن يمينه و زاد .
" ثم دعا لأم سليم و لأهلها " . و قال : قال : " و ذكر أن ابنته الكبرى أمينة
أخبرته أنه دفن من صلبه إلى مقدم الحجاج نيفا على عشرين و مائة " .
قلت : و هذا إسناد ثلاثي صحيح على شرط الشيخين , و شرحه السفاريني في " نفثات
صدر المكمد " ( 2 / 34 طبع المكتب الإسلامي ) . و قد أخرجه البخاري
( 1 / 494 ) من طريقين آخرين عن حميد به , صرح في أحدهما بسماع حميد من أنس .
من فوائد الحديث و فقهه :
-----------------------
في هذا الحديث فوائد جمة أذكر بعضها باختصار إلا ما لا بد فيه من الإطالة
للبيان :
1 - أن الدعاء بكثرة المال و الولد مشروع . و قد ترجم البخاري للحديث " باب
الدعاء بكثرة المال و الولد مع البركة " .
2 - و أن المال و الولد نعمة و خير إذا أطيع الله تبارك و تعالي فيهما .
3 - تحقق استجابة الله لدعاء نبيه صلى الله عليه وسلم في أنس , حتى صار أكثر
الأنصار مالا و ولدا .
4 - أن للصائم المتطوع إذا زار قوما , و قدموا له طعاما أن لا يفطر , و لكن
يدعو لهم بخير , و من أبواب البخاري في الحديث :
" باب من زار قوما و لم يفطر عندهم " .
5 - أن الرجل إذا أئتم بالرجل وقف عن يمين الإمام , و الظاهر أنه يقف محاذيا له
لا يتقدم عليه و لا يتأخر , لأنه لو كان وقع شيء من ذلك لنقله الراوي , لاسيما
و أن الاقتداء به صلى الله عليه وسلم من أفراد الصحابة قد تكرر , فإن في الباب
عن ابن عباس في الصحيحين و عن جابر في مسلم و قد خرجت حديثيهما في " إرواء
الغليل " ( 533 ) , و قد ترجم البخاري لحديث ابن عباس بقوله :
" باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء , إذا كانا اثنين " .
قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 160 ) :
" قوله : سواء " أي لا يتقدم و لا يتأخر , و كأن المصنف أشار بذلك إلى ما وقع
في بعض طرقه عن ابن عباس فلفظ : " فقمت إلى جنبه " و ظاهرة المساواة . و روى
عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : الرجل يصلي مع الرجل أين يكون منه ?
قال : إلى شقه الأيمن , قلت : أيحاذي به حتى يصف معه لا يفوت أحدهما الآخر ?
قال : نعم قلت : أتحب أن يساويه حتى لا تكون بينهما فرجة ? قال : نعم .
و في " الموطأ " عن عبد الله بن عتبة بن مسعود قال : دخلت على عمر ابن الخطاب
بالهاجرة فوجدته يسبح , فقمت وراءه , فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه " .
قلت : و هذا الأثر في " الموطأ " ( 1 / 154 / 32 ) بإسناد صحيح عن عمر رضي الله
عنه , فهو مع الأحاديث المذكورة حجة قوية على المساواة المذكورة , فالقول
باستحباب أن يقف المأموم دون الإمام قليلا , كما جاء في بعض المذاهب على تفصيل
في ذلك لبعضها - مع أنه مما لا دليل عليه في السنة , فهو مخالف لظواهر هذه
الأحاديث , و أثر عمر هذا , و قول عطاء المذكور , و هو الإمام التابعي الجليل
ابن أبي رباح , و ما كان من الأقوال كذلك فالأحرى بالمؤمن أن يدعها لأصحابها ,
معتقدا أنهم مأجورون عليها , لأنهم اجتهدوا قاصدين إلى الحق , و عليه هو أن
يتبع ما ثبت في السنة , فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم .
142 " على المؤمنين في صدقة الثمار - أو مال العقار - عشر ما سقت العين و ما سقت
السماء , و على ما يسقى بالغرب نصف العشر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 222 :
أخرجه ابن أبي شيبة ( 4 / 22 ) و الدارقطني ( 215 ) و البيهقي ( 4 / 130 ) من
طريق ابن جريج : أخبرني نافع عن # ابن عمر # قال :
" كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن إلى الحارث بن عبد كلال و من معه
من معافر و همدان ... " فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين , و قد أخرجه البخاري و أصحاب السنن
الأربعة و غيرهم من طريق سالم عن ابن عمر مرفوعا نحوه .
و ورد من حديث جماعة آخرين من الصحابة كجابر و أبي هريرة و معاذ بن جبل ,
و عبد الله بن عمرو , و عمرو بن حزم , و قد أخرجت أحاديثهم في " إرواء الغليل "
( 790 ) .
( الغرب ) بسكون الراء الدلو العظيمة التي تتخذ من جلد ثور .
فقه الحديث :
-----------
و إنما أوردت هذه الرواية بصورة خاصة لقوله في صدرها :
" على المؤمنين " ففيه فائدة هامة لا توجد في سائر الروايت .
قال البيهقي :
" و فيه كالدلالة على أنها لا تؤخذ من أهل الذمة " .
قلت : و كيف تؤخذ منهم و هم على شركهم و ضلالهم , فالزكاة لا تزكيهم و إنما
تزكي المؤمن المزكي من درن الشرك كما قال تعالى :
( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم و تزكيهم بها , و صل عليهم إن صلاتك سكن لهم ) .
فهذه الآية تدل دلالة ظاهرة على أن الزكاة إنما تؤخذ من المؤمنين , لكن الحديث
أصرح منها دلالة على ذلك ...
و إن من يدرس السيرة النبوية , و تاريخ الخلفاء الراشدين و غيرهم من خلفاء
المسلمين و ملوكهم يعلم يقينا أنهم لم يكونوا يأخذون الزكاة من غير المسلمين من
المواطنين , و إنما كانوا يأخذون منهم الجزية كما ينص عليها الكتاب و السنة .
فمن المؤسف أن ينحرف بعض المتفقهة عن سبيل المؤمنين باسم الإصلاح تارة .
و العدالة الاجتماعية تارة , فينكروا ما ثبت في الكتاب و السنة و جرى عليه عمل
المسلمين بطرق من التأويل أشبه ما تكون بتأويلات الباطنيين من جهة , و من جهة
أخرى يثبتون , ما لم يكونوا يعرفون , بل ما جاء النص بنفيه . و الأمثلة على ذلك
كثيرة , و حسبنا الآن هذه المسألة التي دل عليها هذا الحديث و كذا الآية
الكريمة , فقد قرأنا و سمعنا أن بعض الشيوخ اليوم يقولون : بجواز أن تأخذ
الدولة الزكاة من أغنياء جميع المواطنين على اختلاف أديانهم مؤمنهم و كافرهم ,
ثم توزع على فقرائهم دون أي تفريق , و لقد سمعت منذ أسابيع معنى هذا من أحد
كبار مشايخ الأزهر في ندوة تلفزيونية كان يتكلم فيها عن الضمان الاجتماعي في
الإسلام , و مما ذكره أن الاتحاد القومي في القاهرة سيقوم بجمع الزكاة من جميع
أغنياء المواطنين . و توزيعها على فقرائهم ! فقام أحد الحاضرين أمامه في الندوة
و سأله عن المستند في جواز ذلك فقال : لما عقدنا جلسات الحلقات الاجتماعية
اتخذنا في بعض جلساتها قرارا بجواز ذلك اعتمادا على مذهب من المذاهب الإسلامية
و هو المذهب الشيعي . و أنا أظن أنه يعني المذهب الزيدي .
و هنا موضع العبرة , لقد أعرض هذا الشيخ و من رافقه في تلك الجلسة عن دلالة
الكتاب و السنة و اتفاق السلف على أن الزكاة خاصة بالمؤمنين , و اعتمد في
خلافهم على المذهب الزيدي ! و هل يدري القارىء الكريم ما هو السبب في ذلك ?
ليس هو إلا موافقة بعض الحكام على سياستهم الاجتماعية و الاقتصادية , و ليتها
كانت على منهج إسلامي إذن لهان الأمر بعض الشيء في هذا الخطأ الجزئي و لكنه
منهج غير إسلامي , بل هو قائم على تقليد بعض الأوربيين الذين لا دين لهم !
و الإعراض عن الاستفادة من شريعة الله تعالى التي أنزلها على قلب محمد صلى الله
عليه وسلم لتكون نورا و هداية للناس في كل زمان و مكان , فإلى الله المشتكى من
علماء السوء و الرسوم الذين يؤيدون الحكام الجائرين بفتاويهم المنحرفة عن جادة
الإسلام , و سبيل المسلمين , و الله عز و جل يقول : ( و من يشاقق الرسول من بعد
ما تبين له الهدى و يتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى و نصله جهنم و ساءت
مصيرا ) .
هذا , و في الحديث قاعدة فقهية معروفة و هي أن زكاة الزرع تختلف باختلاف المؤنة
و الكلفة عليه , فإن كان يسقى بماء السماء و العيون و الأنهار فزكاته العشر ,
و إن كان يسقى بالدلاء و النواضح ( الاترتوازية ) و نحوها فزكاته نصف العشر .
و لا تجب هذه الزكاة في كل ما تنتجه الأرض و لو كان قليلا , بل ذلك مقيد بنصاب
معروف في السنة , و في ذلك أحاديث معروفة .
143 " أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الأمثل فالأمثل , يبتلى الرجل على حسب ( و في
رواية : قدر ) دينه , فإن كان دينه صلبا اشتد بلاؤه و إن كان في دينه رقة ابتلي
على حسب دينه , فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض ما عليه خطيئة
" .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 225 :
رواه الترمذي ( 2 / 64 ) و ابن ماجه ( 4023 ) و الدارمي ( 2 /320 ) و الطحاوي
( 3 / 61 ) و ابن حبان ( 699 ) و الحاكم ( 1 / 40 , 41 ) و أحمد ( 1 / 172 ,
174 , 180 , 185 ) و الضياء في " المختارة " ( 1 / 349 ) من طريق عاصم بن بهدلة
حدثني # مصعب بن سعد عن أبيه # قال :
" قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الناس أشد بلاء ? قال : فقال :
الأنبياء ثم ... ? " الحديث .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
قلت : و هذا سند جيد رجاله كلهم رجال الشيخين , غير أن عاصما إنما أخرجا
له مقرونا بغيره , و لم يتفرد به , فقد أخرجه ابن حبان ( 698 ) و المحاملي
( 3 / 92 / 2 ) و الحاكم أيضا من طريق العلاء بن المسيب عن أبيه عن سعد به ,
بالرواية الثانية .
و العلاء بن المسيب و أبوه ثقتان من رجال البخاري . فالحديث صحيح . و الحمد لله
و له شاهد بلفظ :
" أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر , حتى
ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها , و إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح
أحدكم بالرخاء " .
144 " أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الصالحون , إن كان أحدهم ليبتلى بالفقر , حتى
ما يجد أحدهم إلا العباءة التي يحويها , و إن كان أحدهم ليفرح بالبلاء كما يفرح
أحدكم بالرخاء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 226 :
أخرجه ابن ماجه ( 4024 ) و ابن سعد ( 2 / 208 ) و الحاكم ( 4 / 307 ) من طريق
هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن # أبي سعيد الخدري # قال :
" دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم و هو يوعك , فوضعت يدي عليه , فوجدت حره
بين يدي فوق اللحاف , فقلت : يا رسول الله ! ما أشدها عليك ! قال : إنا كذلك ,
يضعف لنا البلاء , و يضعف لنا الأجر . قلت : يا رسول الله ! أي الناس أشد
بلاء ? قال : الأنبياء , قلت : يا رسول الله ! ثم من قال : ثم الصالحون ,
إن كان ... " . الحديث .
و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .
و له شاهد آخر مختصر و هو :
" إن من أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم
الذين يلونهم " .
145 " إن من أشد الناس بلاء الأنبياء , ثم الذين يلونهم , ثم الذين يلونهم , ثم
الذين يلونهم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 226 :
رواه أحمد ( 6 / 369 ) و المحاملي في " الأمالي " ( 3 / 44 / 2 ) عن أبي عبيدة
بن حذيفة عن عمته # فاطمة # أنها قالت :
" أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , نعوده في نسائه , فإذا سقاء معلق نحوه
يقطر ماؤه عليه من شدة ما يجد من حر الحمى , قلنا : يا رسول الله لو دعوت الله
فشفاك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .
و إسناده حسن رجاله كلهم ثقات غير أبي عبيدة هذا فلم يوثقه غير ابن حبان
( 1 / 275 ) , لكن روى عنه جماعة من الثقات .
و في هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيمانا , ازداد
ابتلاء و امتحانا , و العكس بالعكس , ففيها رد على ضعفاء العقول و الأحلام
الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة
و نحوها أن ذلك دليل على أن المؤمن غير مرضي عند الله تعالى ! و هو ظن باطل ,
فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم و هو أفضل البشر , كان أشد الناس حتى
الأنبياء بلاء , فالبلاء غالبا دليل خير , و ليس نذير شر , كما يدل على ذلك
أيضا الحديث الآتي :
" إن عظم الجزاء مع عظم البلاء , و إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم , فمن رضي فله
الرضا , و من سخط فله السخط " .
146 " إن عظم الجزاء مع عظم البلاء , و إن الله إذا أحب قوما ابتلاهم , فمن رضي فله
الرضا , و من سخط فله السخط " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 227 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 64 ) و ابن ماجه ( 4031 ) و أبو بكر البزاز بن نجيح في
" الثاني من حديثه " ( 227 / 2 ) عن سعد بن سنان عن # أنس # عن النبي صلى الله
عليه وسلم .
و قال الترمذي : " حديث حسن غريب " .
قلت : و سنده حسن , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ابن سنان هذا و هو صدوق
له أفراد كما في " التقريب " .
و هذا الحديث يدل على أمر زائد على ما سبق و هو أن البلاء إنما يكون خيرا ,
و أن صاحبه يكون محبوبا عند الله تعالى , إذا صبر على بلاء الله تعالى , و رضي
بقضاء الله عز و جل . و يشهد لذلك الحديث الآتي :
" عجبت لأمر المؤمن , إن أمره كله خير , إن أصابه ما يحب حمد الله و كان له خير
و إن أصابه ما يكره فصبر كان له خير , و ليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن "
.
147 " عجبت لأمر المؤمن , إن أمره كله خير , إن أصابه ما يحب حمد الله و كان له خير
, و إن أصابه ما يكره فصبر كان له خير , و ليس كل أحد أمره كله خير إلا المؤمن
" .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 228 :
أخرجه الدارمي ( 2 / 318 ) و أحمد ( 6 / 16 ) عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت عن
عبد الرحمن بن أبي ليلى عن # صهيب # قال :
" بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد مع أصحابه إذ ضحك , فقال : ألا
تسألوني مم أضحك ? قالوا : يا رسول الله ! و مم تضحك ? قال : " فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط مسلم , و قد أخرج في " صحيحه " ( 8 / 227 ) من
طريق سليمان بن المغيرة حدثنا ثابت به المرفوع فقط نحوه . و هو رواية لأحمد
( 4 / 332 , 333 , 6 / 15 ) .
و له شاهد من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا نحوه . أخرجه الطيالسي ( 211 )
بإسناد صحيح . و له شاهد آخر مختصر بلفظ :
" عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له " .
148 " عجبا للمؤمن لا يقضي الله له شيئا إلا كان خيرا له " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 228 :
رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه ( 5 / 24 ) و أبو الفضل التميمي في " نسخة
أبي مسهر ... " ( 61 / 1 ) و أبو يعلى ( 200 / 2 ) عن # أنس بن مالك # قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكره .
قلت : سنده صحيح رجاله كلهم ثقات غير ثعلبة هذا و قد ذكره ابن حبان في
" الثقات " ( 1 / 8 ) و كناه أبا بحر مولى أنس بن مالك و قال ابن أبي حاتم
( 1 / 1 / 464 ) عن أبيه " صالح الحديث " .
و له طريق أخرى عند أبي يعلى ( 205 / 2 ) و الضياء في " المختارة " ( 1 / 518 )
.
149 " ليس المؤمن الذي يشبع و جاره جائع إلى جنبه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 229 :
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 112 ) و الطبراني في " الكبير " ( 3 / 175
/ 1 ) و الحاكم ( 4 / 167 ) و كذا ابن أبي شيبة في " كتاب الإيمان " ( 189 / 2
) و الخطيب في " تاريخ بغداد " ( 10 / 392 ) و ابن عساكر ( 9 / 136 / 2 )
و الضياء في " المختارة " ( 62 / 292 / 1 ) عن عبد الملك بن أبي بشير عن عبد
الله بن مساور قال : سمعت # ابن عباس # ذكر ابن الزبير فبخله , ثم قال سمعت
رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .
قلت : و رجاله ثقات غير ابن المساور فهو مجهول كما قال الذهبي في " الميزان "
و لم يرو عنه غير عبد الملك هذا كما قال ابن المديني , و أما ابن حبان فذكره في
" الثقات " ( 1 / 110 ) , و كأنه هو عمدة المنذري في " الترغيب " ( 3 / 237 )
ثم الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 167 ) في قولهما :
" رواه الطبراني و أبو يعلى و رجاله ثقات " .
و قال الحاكم " صحيح الإسناد " و وافقه الذهبي .
كذا قالا ! نعم هو صحيح بما له من الشواهد , فقد روي من حديث أنس و ابن عباس
و عائشة .
أما حديث أنس , فيرويه محمد بن سعيد الأثرم : حدثنا همام حدثنا ثابت عنه مرفوعا
بلفظ :
" ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع بجنبه و هو يعلم به " .
أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 1 / 66 / 1 ) , و قال الذهبي في كتابه
" حقوق الجار " ( ق 17 / 1 ) :
" الأثرم ضعفه أبو زرعة , و هذا حديث منكر " .
قلت : و ضعفه أبو حاتم أيضا , لكن قال الهيثمي :
" رواه الطبراني و البزار , و إسناد البزار حسن " .
و كذا في " الترغيب " ( 3 / 236 ) إلا أنه قال : " و إسناده حسن " فهذا يحتمل
أن الضمير يعود إلى الحديث , و يحتمل أنه يعود إلى البزار , و لعله مراد
المنذري بدليل عبارة الهيثمي فإنها صريحة في ذلك .
قلت : فهذا يشعر أنه لم يتفرد به الأثرم هذا . و الله أعلم .
و أما حديث ابن عباس , فيرويه حكيم بن جبير عنه مرفوعا به .
أخرجه ابن عدي ( ق 89 / 1 ) .
و حكيم بن جبير ضعيف كما في " التقريب " .
و أما حديث عائشة , فعزاه المنذري ( 3 / 237 ) للحاكم نحو حديث ابن " عباس "
و لم أره في مستدرك الحاكم الآن بعد مراجعته في مظانه .
قلت : و في الحديث دليل واضح على أنه يحرم على الجار الغني أن يدع جيرانه
جائعين , فيجب عليه أن يقدم إليهم ما يدفعون به الجوع , و كذلك ما يكتسون به إن
كانوا عراة , و نحو ذلك من الضروريات .
ففي الحديث إشارة إلى أن في المال حقا سوى الزكاة , فلا يظنن الأغنياء أنهم قد
برئت ذمتهم بإخراجهم زكاة أموالهم سنويا , بل عليهم حقوق أخرى لظروف و حالات
طارئة , من الواجب عليهم القيام بها , و إلا دخلوا في وعيد قوله تعالى :
( و الذين يكنزون الذهب و الفضة و لا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم
يوم يحمى عليها في نار جهنم , فتكوى بها جباههم و جنوبهم و ظهورهم , هذا ما
كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) .
150 " إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه الأرض , و عنقه منثن تحت العرش
و هو يقول : سبحانك ما أعظمك ربنا , فيرد عليه : ما يعلم ذلك من حلف بي كاذبا "
.
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 231 :
رواه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 156 / 1 ) : حدثنا محمد بن العباس بن الأخرم
حدثنا الفضل بن سهل الأعرج حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا إسرائيل عن معاوية بن
إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد عن # أبي هريرة #مرفوعا . و قال :
" لم يروه عن معاوية إلا إسرائيل تفرد به إسحاق " .
قلت : و هو ثقة من رجال الشيخين و كذا سائر الرواة ثقات أيضا من رجال البخاري
غير ابن الأخرم و هو من الفقهاء الحفاظ المتقنين كما في " لسان الميزان "
فالحديث صحيح الإسناد . و قال الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 180 - 181 ) :
" رواه الطبراني في " الأوسط " و رجاله رجال الصحيح " .
و في هذا الاطلاق نظر لا يخفى , لاسيما و قد قال في مكان آخر ( 8 / 134 ) :
" رواه الطبراني في " الأوسط " و رجاله رجال الصحيح إلا أن شيخ الطبراني محمد
بن العباس عن الفضل بن سهيل الأعرج لم أعرفه " .
قلت : و قد عرفناه و الحمد لله , و أنه ثقة متقن , فصح الحديث , و الموفق الله
تعالى . على أنه لم يتفرد به , فقد أخرجه أبو يعلى ( 309 / 1 ) من طريق أخرى عن
معاوية بن إسحاق به نحوه بلفظ :
" و العرش على منكبيه و هو يقول : سبحانك أين كنت , و أين تكون " .
ثم إن في قول الطبراني : " تفرد به إسحاق " نظرا , فقد تابعه عبيد الله بن موسى
أنبأ إسرائيل به . أخرجه الحاكم ( 4 / 297 ) و قال :
" صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .
و وقع في " المستدرك " " عبد الله " مكبرا و هو خطأ مطبعي .
و الحديث قال المنذري ( 3 / 47 ) :
" رواه الطبراني بإسناد صحيح , و الحاكم و قال : صحيح الإسناد " .
151 " أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش , ما بين شحمة
أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 232 :
رواه أبو داود ( 4727 ) و الطبراني في " الأوسط " كما في " المنتقى منه "
للذهبي ( 6 / 2 ) و في " حديثه عن النسائي " ( 317 / 2 ) و ابن شاهين في
" الفوائد " ( 113 / 2 ) و ابن عساكر في المجلس ( 139 ) من " الأمالي "
( 50 / 1 ) و في " التاريخ " ( 12 / 232 / 1 ) عن إبراهيم ابن طهمان عن موسى
ابن عقبة عن محمد بن المنكدر عن # جابر # مرفوعا .
و هو في " مشيخة ابن طهمان " ( 238 / 2 ) .
و قال الطبراني :
" لم يروه عن موسى بن عقبة إلا إبراهيم بن طهمان " .
قلت : و هو ثقة كما في " التقريب " و لهذا قال الذهبي في " العلو " ( ص 58 طبعة
الأنصار ) :
" إسناده صحيح " . ثم ساق له شاهدا من حديث محمد بن إسحاق عن الفضل بن عيسى عن
يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعا . و قال :
" إسناده واه " .
و قال الهيثمي في الطريق الأولى ( 1 / 80 ) :
" رواه الطبراني في الأوسط و رجاله رجال الصحيح " .
و قد تابعه صدقة بن عبد الله القرشي بلفظ :
" إن لله ملائكة و هم الأكروبيون , من شحمة أذن أحدهم إلى ترقوته مسيرة سبعمائة
عام للطائر السريع في انحطاطه " .
و قد سقت إسناده و تكلمت عليه في " الأحاديث الضعيفة " ( 927 ) .
و له شاهد من حديث جابر و ابن عباس مرفوعا به نحوه .
أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 3 / 158 ) , و فيه من لم أعرفه .
152 " لا يرث الصبي حتى يستهل صارخا , و استهلاله أن يصيح أو يعطس أو يبكي " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 233 :
رواه ابن ماجه ( 2751 ) و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 153 / 2 ) عن العباس
بن الوليد الخلال الدمشقي حدثنا مروان بن محمد الطاطري حدثنا سليمان بن بلال
عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب عن # جابر بن عبد الله و المسور بن مخرمة
# مرفوعا .
و قال الطبراني :
" لم يروه عن يحيى إلا سليمان تفرد به مروان " .
قلت : و هو ثقة و كذلك سائر الرواة فالحديث صحيح .
و أما قول الهيثمي ( 4 / 225 ) :
" رواه الطبراني في " الأوسط " و " الكبير " و فيه العباس بن الوليد الخلال
وثقه أبو مسهر و مروان بن محمد و قال أبو داود , لا أحدث عنه, و بقية رجاله
رجال الصحيح " .
ففيه نظر من وجهين :
الأول : أن مروان ليس من رجال الصحيح .
الثاني : أن قول أبي داود فيه لم يذكره عنه الحافظ في " التهذيب " و إنما نقل
عنه من رواية الآجري أنه قال : " كتبت عنه و كان عالما بالرجال و الأخبار "
و لذلك قال فيه في " تقريب التهذيب " " صدوق " , فلا أدري أذلك وهم من الهيثمي
أم قصور من الحافظ حيث لم يذكره .
ثم إن إيراد الهيثمي لهذا الحديث في كتابه هو على خلاف شرطه , لإخراج ابن ماجه
إياه , فلعله لم يستحضر ذلك عندما أورده .
و للحديث شاهد بلفظ : " إذا استهل المولود ورث " .
153 " إذا استهل المولود ورث " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 234 :
رواه أبو داود ( 2920 ) عن محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن
# أبي هريرة # مرفوعا .
و عن أبي داود رواه البيهقي ( 6 / 257 ) و ذكر أن ابن خزيمة أخرجه من هذا
الوجه .
قلت : و رجاله ثقات , إلا أن ابن إسحاق مدلس , و قد عنعنه .
و لكن له شاهد من حديث جابر مرفوعا .
رواه ابن ماجه ( 2750 ) عن الربيع بن بدر حدثنا أبو الزبير عنه .
قلت : و الربيع بن بدر متروك , لكن تابعه المغيرة بن مسلم و سفيان عن
أبي الزبير به .
أخرجه الحاكم ( 4 / 348 , 349 ) و قال :
" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي .
قلت : بل على شرط مسلم فقط , على أن أبا الزبير مدلس و قد عنعن .
و له شاهد من حديث ابن عباس مرفوعا .
أخرجه ابن عدي ( ق 193 / 1 ) من طريق شريك عن أبي إسحاق عن عطاء عنه .
قلت : و هذا سند لا بأس به في الشواهد , فإن شريكا هو ابن عبد الله القاضي ثقة
إلا أنه سيء الحفظ , و مثله أبو إسحاق و هو السبيعي فإنه كان اختلط .
( فائدة ) في حديث جابر و المسور المتقدم تفسير استهلال الصبي بقوله :
" أن يصيح أو يعطس أو يبكي " . و هو حديث صحيح كما تقدم , فلا يغتر بقول
الصنعاني في " سبل السلام " ( 3 / 133 ) :
" و الاستهلال روي في تفسيره حديث مرفوع ضعيف : " الاستهلال العطاس " . أخرجه
البزار " .
فإن الذي أخرجه البزار . إنما هو من حديث ابن عمر باللفظ الذي ذكره الصنعاني ,
و فيه محمد بن عبد الرحمن بن البيلمان و هو ضعيف .
كما في " المجمع " , فهذا غير حديث جابر و المسور فتنبه .
154 " لا يرد القضاء إلا الدعاء , و لا يزيد في العمر إلا البر " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 236 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 20 ) و الطحاوي في " المشكل " ( 4 / 169 ) و ابن حيويه في
" حديثه " ( 3 / 4 / 2 ) و عبد الغني المقدسي في " الدعاء " ( 142 - 143 ) كلهم
من طريق أبي مودود عن سليمان التميمي عن أبي عثمان النهدي عن # سلمان # به .
و قال الترمذي :
" حديث حسن غريب من حديث سلمان , و أبو مودود اثنان : أحدهما يقال له : فضة ,
و هو الذي روى هذا الحديث , بصري , و الآخر عبد العزيز بن أبي سليمان بصري أيضا
و كانا في مصر واحد " .
قلت : و هو ضعيف كما قال ابن أبي حاتم عن أبيه ( 3 / 2 / 93 ) , فلعل تحسين
الترمذي لحديثه باعتبار أن له شاهدا من حديث ثوبان مرفوعا بزيادة :
" و إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه " .
رواه ابن ماجه ( 4022 ) و أحمد ( 5 / 277 , 280 , 282 ) و ابن أبي شيبة في
" المصنف " ( 12 / 157 / 2 ) و محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند سفيان "
( 1 / 43 / 2 ) و الطحاوي في " المشكل " ( 4 / 169 ) و الطبراني في " المعجم
الكبير " ( 1 / 147 / 2 ) و أبو محمد العدل المخلدي في " الفوائد " ( 2 / 223 /
2 , 246 / 2 , 268 / 2 ) و الروياني في " مسنده " ( 25 / 133 / 1 ) و الحاكم
( 1 / 493 ) و أبو نعيم في أخبار أصبهان " ( 2 / 60 ) و البغوي في " شرح السنة
" ( 4 / 81 / 2 ) و القضاعي ( 71 / 1 ) و عبد الغني المقدسي في " الدعاء "
( 142 - 143 ) من طرق عن سفيان الثوري عن عبد الله بن عيسى عن ابن أبي الجعد عن
ثوبان مرفوعا به .
كذا قال بعض المخرجين : " ابن أبي الجعد " لم يسمه , و سماه بعضهم سالم بن أبي
الجعد , و بعضهم : عبد الله بن أبي الجعد . فإن كان الأول فهو منقطع لأن سالما
لم يسمع من ثوبان , و إن كان الآخر , فهو مجهول كما قال ابن القطان و إن وثقه
ابن حبان , و قد أشار إلى ذلك الذهبي في " الميزان " فقال :
" و عبد الله هذا و إن كان قد وثق , ففيه جهالة " .
ثم أخرجه الروياني ( 162 / 1 ) من طريق عمر بن شبيب حدثنا عبد الله بن عيسى
عن حفص و عبيد الله بن أخي سالم عن سالم عن ثوبان به . و زاد :
" إن في التوراة لمكتوب : يا ابن آدم اتق ربك , و بر والديك , و صل رحمك أمدد
لك في عمرك , و أيسر لك يسرك , و أصرف عنك عسرك " .
قلت : فهذا قد يرجح أن الحديث من رواية سالم بن أبي الجعد لكن عمر بن شبيب ضعيف
كما قال الحافظ في " التقريب " .
و أما حفص و عبيد الله بن أخي سالم فلم أعرفهما .
فإن ثبت هذا الترجيح فهو منقطع , و إلا فمتصل , لكن فيه جهالة كما سبق , فقول
الحاكم عقبه :
" صحيح الإسناد " . مردود و إن وافقه الذهبي , لجهالة المذكور , و قد صرح بها
الذهبي كما تقدم , و هذا من تناقضه الكثير !
و للحديث طريق أخرى عن ثوبان . يرويه أبو علي الدارسي : حدثنا طلحة بن زيد عن
ثور عن راشد بن سعد عن ثوبان .
أخرجه ابن عدي ( ق 34 / 1 ) و قال :
" أبو علي الدارسي بشر بن عبيد منكر الحديث , بين الضعف جدا " .
قلت : و كذبه الأزدي , و ساق له في " الميزان " أحاديث و قال :
" و هذه أحاديث غير صحيحه , فالله المستعان " .
ثم ساق له آخر و قال فيه : " و هذا موضوع " .
و الخلاصة : أن الحديث حسن كما قال الترمذي بالشاهد من حديث ثوبان , دون
الزيادة فيه , فإني لم أجد لها شاهدا , بل روي ما يعارضها بلفظ :
" إن الرزق لا تنقصه المعصية , و لا تزيده الحسنة .. "
قلت : و لكنه موضوع كما حققته في " الأحاديث الضعيفة " ( رقم 179 ) فلا يصلح
لمعارضة الزيادة المشار إليها .
قوله ( القضاء ) , أراد به هنا الأمر المقدر لولا دعاؤه .
و قوله ( و لا يزيد في العمر ) , يعني العمر الذي كان يقصر لولا بره .
155 " أسلم الناس و آمن عمرو بن العاص " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 238 :
رواه الروياني في " مسنده " ( 9 / 50 / 1 - 2 ) من طريق ابن أبي مريم
و عبد الله بن وهب أنبأنا ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان عن # عقبة # مرفوعا .
و رواه أحمد ( 4 / 155 ) حدثنا أبو عبد الرحمن حدثنا ابن لهيعة حدثني مشرح
بن هاعان قال , سمعت عقبة بن عامر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : فذكره .
و رواه الترمذي ( 2 / 316 ) حدثنا قتيبة حدثنا ابن لهيعة به . و قال :
" حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة عن مشرح بن هاعان , و ليس إسناده
بالقوي " .
قلت : مشرح بن هاعان وثقه ابن معين و غيره , و ضعفه بعضهم , و هو حسن الحديث
عندي , و ابن لهيعة و إن كان ضعيفا لسوء حفظه فإن رواية العبادلة عنه يصحح
حديثه كما جاء في ترجمته , و هذا من رواية اثنين منهم , و هما : أبو عبد الرحمن
و اسمه عبد الله بن يزيد المقري , و عبد الله بن وهب .
و في الحديث منقبة عظيمة لعمرو بن العاص رضي الله عنه , إذ شهد له النبي
صلى الله عليه وسلم بأنه مؤمن , فإن هذا يستلزم الشهادة له بالجنة , لقوله
صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح المشهور : " لا يدخل الجنة إلا نفس
مؤمنة " متفق عليه . و قال تعالى ( وعد الله الذين آمنوا و عملوا الصالحات
جنات تجري من تحتها الأنهار ) .
و على هذا فلا يجوز الطعن في عمرو رضي الله عنه - كما يفعل بعض الكتاب
المعاصرين , و غيرهم من المخالفين - بسبب ما وقع له من الخلاف بل القتال
مع علي رضي الله عنه . لأن ذلك لا ينافي الإيمان , فإنه لا يستلزم العصمة
كما لا يخفى , لاسيما إذا قيل : إن ذلك وقع منه بنوع من الاجتهاد , و ليس
اتباعا للهوى .
و في الحديث أيضا إشارة إلى أن مسمى الإسلام غير الإيمان , و قد اختلف العلماء
في ذلك اختلافا كثيرا , و الحق ما ذهب إليه جمهور السلف من التفريق بينهما
لدلالة الكتاب و السنة على ذلك فقال تعالى : ( قالت الأعراب آمنا , قل : لم
تؤمنوا , و لكن قولوا أسلمنا , و لما يدخل الإيمان في قلوبكم ) و حديث جبريل
في التفريق بين الإسلام و الإيمان معروف مشهور , قال شيخ الإسلام ابن تيمية
رحمه الله تعالى في كتاب " الإيمان " ( ص 305 طبع المكتب الإسلامي ) .
" و الرد إلى الله و رسوله في مسألة الإسلام و الإيمان يوجب أن كلا من الاسمين
و إن كان مسماه واجبا , و لا يستحق أحد الجنة إلا بأن يكون مؤمنا مسلما , فالحق
في ذلك ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل , فجعل الدين
و أهله ثلاث طبقات : أولها الإسلام , و أوسطها الإيمان , و أعلاها الإحسان ,
و من وصل إلى العليا , فقد وصل إلى التي تليها , فالمحسن مؤمن , و المؤمن مسلم
و أما المسلم فلا يجب أن يكون مؤمنا " .
و من شاء بسط الكلام على هذه المسألة مع التحقيق الدقيق فليرجع إلى الكتاب
المذكور , فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع .
و يشهد للحديث ما يأتي :
" ابنا العاص مؤمنان : هشام و عمرو " .
156 " ابنا العاص مؤمنان : هشام و عمرو " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 240 :
أخرجه عفان بن مسلم في " حديثه " ( ق 238 / 2 ) حدثنا حماد بن سلمة حدثنا محمد
بن عمرو عن أبي سلمة عن # أبي هريرة # رفعه .
و أخرجه أحمد ( 2 / 354 ) و ابن سعد ( 4 / 191 ) من طريق عفان به , و كذلك
أخرجه الحاكم ( 3 / 452 ) . ثم أخرجه أحمد ( 2 / 304 , 327 , 353 ) و ابن سعد
و أبو علي الصواف في " حديثه ( 3 / 2 / 2 ) و ابن عساكر ( 13 / 52 / 1 ) من طرق
أخرى عن حماد به .
قلت : و هذا سند حسن , و سكت عليه الحاكم و الذهبي , و من عادتهما أن يصححا هذا
الإسناد على شرط مسلم .
و له شاهد , خرجه ابن عساكر من طريق ابن سعد حدثنا عمر بن حكام بن أبي الوضاح
حدثنا شعبة عن عمرو بن دينار عن أبي بكر بن محمد ابن عمرو بن حزم عن عمر مرفوعا
.
قلت : و رجاله ثقات غير ابن حكام هذا فلم أعرفه . ثم استدركت فقلت : هو عمرو
بالواو سقط من قلمي أو من ناسخ ابن عساكر , و عمرو ابن حكام معروف بالرواية
عن شعبة و هو ضعيف , إلا أنه مع ضعفه يكتب حديثه كما قال ابن عدي , فهو صالح
للاستشهاد به .
157 " والذي نفسي بيده لا يسمع بي رجل من هذه الأمة , و لا يهودي و لا نصراني ثم
لم يؤمن بي إلا كان من أهل النار " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 241 :
رواه ابن منده في " التوحيد " ( 44 / 1 ) من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام
بن منبه قال : هذا ما حدثنا # أبو هريرة # فذكره مرفوعا .
ثم رواه من طريق أبي يونس عن أبي هريرة به .
قلت : و هذان إسنادان صحيحان , الأول على شرط الشيخين , و الآخر على شرط مسلم .
و قد أخرجه في صحيحه ( 1 / 93 ) نحوه .
و الحديث صريح في أن من سمع بالنبي صلى الله عليه وسلم و ما أرسل به , بلغه ذلك
على الوجه الذي أنزله الله عليه , ثم لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم أن مصيره
إلى النار , لا فرق في ذلك بين يهودي أو نصراني أو مجوسي أو لا ديني .
و اعتقادي أن كثيرا من الكفار لو أتيح لهم الاطلاع على الأصول و العقائد
و العبادات التي جاء بها الإسلام , لسارعوا إلى الدخول فيه أفواجا , كما وقع
ذلك في أول الأمر , فليت أن بعض الدول الإسلامية ترسل إلى بلاد الغرب من يدعو
إلى الإسلام , ممن هو على علم به على حقيقته و على معرفة بما ألصق به من
الخرافات و البدع و الافتراءات , ليحسن عرضه على المدعوين إليه , و ذلك يستدعي
أن يكون على علم بالكتاب و السنة الصحيحة , و معرفة ببعض اللغات الأجنبية
الرائجة , و هذا شيء عزيز يكاد يكون مفقودا , فالقضية تتطلب استعدادات هامة ,
فلعلهم يفعلون .
158 " لولا أن لا تدافنوا لدعوت الله عز و جل أن يسمعكم ( من ) عذاب القبر
( ما أسمعني ) " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 242 :
قال الإمام أحمد ( 3 / 201 ) : حدثنا يزيد أنبأنا حميد عن # أنس # " أن النبي
صلى الله عليه وسلم مر بنخل لبني النجار , فسمع صوتا فقال : ما هذا ? قالوا :
قبر رجل دفن في الجاهلية , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " فذكره .
قلت : و هذا سند ثلاثي صحيح على شرط الشيخين و قد أخرجه أحمد أيضا ( 3 / 103 )
عن ابن أبي عدي , و ( 3 / 114 ) عن يحيى ابن سعيد , و ابن حبان ( 786 ) عن
إسماعيل , ثلاثتهم عن حميد به .
و هاذان إسنادان صحيحان ثلاثيان أيضا , و زاد ابن أبي عدي بعد قولهم : " في
الجاهلية " : " فأعجبه ذلك " و هي عند النسائي ( 1 / 290 ) من طريق عبد الله
- و هو ابن المبارك - عن حميد بلفظ : " فسر بذلك " .
و صرح يحيى بن سعيد بتحديث حميد به عن أنس .
و قد تابعه ثابت , عند أحمد أيضا ( 3 / 153 , 175 , 284 ) من طريق حماد قال :
أنبأنا ثابت و حميد عن أنس به و زاد :
" و هو على بغلة شهباء , فإذا هو بقبر يعذب ( و في رواية : فسمع أصوات قوم
يعذبون في قبورهم ) فحاصت البغلة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لولا
...." الحديث .
و إسناده صحيح على شرط مسلم .
و تابعه قاسم بن مرثد الرحال فقال أحمد ( 3 / 111 ) : حدثنا سفيان قال : سمع
قاسم الرحال أنسا يقول :
" دخل النبي صلى الله عليه و سلم خربا لبني النجار , و كان يقضي فيها حاجة ,
فخرج إلينا مذعورا أو فزعا و قال : لولا ... " الحديث و فيه الزيادتان .
و هذا سند ثلاثي أيضا صحيح , فسفيان هو ابن عيينة من رجال الستة , و قاسم وثقه
ابن معين و غيره .
و تابعه أيضا قتادة عن أنس المرفوع منه فقط دون القصة أخرجه مسلم ( 8 / 161 )
و أحمد ( 3 / 176 و 273 ) .
و له شاهد من حديث جابر قال :
" دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوما نخلا لبني النجار , فسمع أصوات رجال من
بني النجار ماتوا في الجاهلية يعذبون في قبورهم , فخرج رسول الله صلى الله عليه
وسلم فزعا , فأمر أصحابه أن تعوذوا من عذاب القبر " .
أخرجه أحمد ( 3 / 295 - 296 ) بسند صحيح متصل على شرط مسلم .
و له شاهد آخر من حديث زيد بن ثابت مرفوعا و هو :
" إن هذه الأمة تبتلى في قبورها , فلولا أن تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من
عذاب القبر الذي أسمع منه . قال زيد : ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله
من عذاب النار , قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار , فقال : تعوذوا بالله من
عذاب القبر , قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر , قال : تعوذوا بالله من
الفتن ما ظهر منها و ما بطن , قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما
بطن , قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال , قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال
" .
159 " إن هذه الأمة تبتلى في قبورها , فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من
عذاب القبر الذي أسمع منه . قال زيد : ثم أقبل علينا بوجهه فقال : تعوذوا بالله
من عذاب النار , قالوا : نعوذ بالله من عذاب النار , فقال : تعوذوا بالله من
عذاب القبر , قالوا : نعوذا بالله من عذاب القبر , قال : تعوذوا بالله من الفتن
ما ظهر منها و ما بطن , قالوا : نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها و ما بطن ,
قال : تعوذوا بالله من فتنة الدجال , قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 244 :
أخرجه مسلم ( 8 / 160 - 161 ) من طريق ابن علية قال : و أخبرنا سعيد الجريري
عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري عن زيد بن ثابت قال أبو سعيد : و لم أشهده من
النبي صلى الله عليه وسلم و لكن حدثنيه # زيد بن ثابت # قال :
" بينما النبي صلى الله عليه وسلم في حائط لبني النجار على بغلة له , و نحن معه
إذ حادت به , فكادت تلقيه , و إذا أقبر ستة أو خمسة أو أربعة - شك الجريري -
فقال : من يعرف أصحاب هذه الأقبر ? فقال رجل : أنا قال : فمتى مات هؤلاء ?
قال : ماتوا في الإشراك فقال ... " فذكره .
و أخرجه أحمد ( 5 / 190 ) : حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا أبو مسعود الجريري به
إلا أنه قال : " تعوذوا من فتنة المحيا و الممات " , بدل " تعوذوا من الفتن ما
ظهر منها و ما بطن " .
و أخرجه ابن حبان ( 785 ) بنحو رواية مسلم , لكن لم يذكر فيه زيد بن ثابت .
غريب الحديث
-------------
( تدافنوا ) أصله تتدافنوا فحذف إحدى التاءين . أي : لولا خشية أن يفضي سماعكم
إلى ترك أن يدفن بعضكم بعضا .
( شهباء ) : بيضاء .
( حاصت ) أي حامت كما في رواية لأحمد أي اضطربت .
( خربا ) بكسر الخاء و فتح الراء جمع خربة , كنقمة و نقم .
( تبتلى ) أي تمتحن . و المراد امتحان الملكين للميت بقولهما : " من ربك ? " :
" من نبيك " .
من فوائد الحديث
-----------------
و في هذه الأحاديث فوائد كثيرة أذكر بعضها أو أهمها :
1 - إثبات عذاب القبر , و الأحاديث في ذلك متواترة , فلا مجال للشك فيه بزعم
أنها آحاد ! و لو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها , قال
تعالى : ( و حاق بآل فرعون سوء العذاب . النار يعرضون عليها غدوا و عشيا .
و يوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب ) .
و لو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها , فهي وحدها كافية لإثبات هذه
العقيدة , و الزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل
في الإسلام , لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة و غيرهم , بل هو مما
جاء به بعض علماء الكلام , بدون برهان من الله و لا سلطان , و قد كتبنا فصلا
خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا , أرجو أن أوفق لتبييضه و نشره على
الناس .
2 - أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع ما لا يسمع الناس , و هذا من خصوصياته
عليه الصلاة و السلام , كما أنه كان يرى جبريل و يكلمه و الناس لا يرونه و لا
يسمعون كلامه , فقد ثبت في البخاري و غيره أنه صلى الله عليه وسلم قال يوما
لعائشة رضي الله عنها : هذا جبريل يقرئك السلام , فقالت : و عليه السلام
يا رسول الله , ترى ما لا نرى . و لكن خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص
الصحيح , فلا تثبت بالنص الضعيف و لا بالقياس و الأهواء , و الناس في هذه
المسألة على طرفي نقيض , فمنهم من ينكر كثيرا من خصوصياته الثابتة بالأسانيد
الصحيحة , إما لأنها غير متواترة بزعمه , و إما لأنها غير معقولة لديه ! و منهم
من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت مثل قولهم : إنه أول المخلوقات , و إنه لا
ظل له في الأرض و إنه إذا سار في الرمل لا تؤثر قدمه فيه , بينما إذا داس على
الصخر علم عليه , و غير ذلك من الأباطيل .
و القول الوسط في ذلك أن يقال : إن النبي صلى الله عليه و آله وسلم بشر بنص
القرآن و السنة و إجماع الأمة , فلا يجوز أن يعطى له من الصفات و الخصوصيات إلا
ما صح به النص في الكتاب و السنة , فإذا ثبت ذلك وجب التسليم له , و لم يجز رده
بفلسفة خاصة علمية أو عقلية , زعموا , و من المؤسف , أنه قد انتشر في العصر
الحاضر انتشارا مخيفا رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس , حتى
ليكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من
البشر الذين ليسوا معصومين , فهم يأخذون منها ما شاؤوا , و يدعون ما شاؤوا ,
و من أولئك طائفة ينتمون إلى العلم , و بعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة ! فإنا
لله و إنا إليه راجعون , و نسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين
و الغالين .
3 - إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت , فيجب اعتقاده أيضا , و الأحاديث فيه
أيضا متواترة .
4 - إن فتنة الدجال فتنة عظيمة و لذلك أمر بالاستعاذة من شرها في هذا الحديث
و في أحاديث أخرى , حتى أمر بذلك في الصلاة قبل السلام كما ثبت في البخاري
و غيره . و أحاديث الدجال كثيرة جدا , بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة .
و لذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان , كما جاء فيها
وجوب الإيمان بعذاب القبر و سؤال الملكين .
5 - إن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة و السلام معذبون بشركهم
و كفرهم , و ذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي ,
خلافا لما يظنه بعض المتأخرين . إذ لو كانوا كذلك لم يستحقوا العذاب لقوله
تعالى : ( و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) . و قد قال النووي في شرح حديث
مسلم : " أن رجلا قال يا رسول الله أين أبي ? قال : في النار ..." الحديث .
قال النووي ( 1 / 114 طبع الهند ) :
" فيه أن من مات على الكفر فهو في النار , و لا تنفعه قرابة المقربين , و فيه
أن من مات على الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل
النار , و ليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة , فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة
إبراهيم و غيره من الأنبياء صلوات الله تعالى و سلامه عليهم " .
160 " لا , و لكن تصافحوا . يعني لا ينحني لصديقه و لا يلتزمه , و لا يقبله حين
يلقاه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 248 :
رواه الترمذي ( 2 / 121 ) و ابن ماجه ( 3702 ) و البيهقي ( 7 / 100 ) و أحمد
( 3 / 198 ) من طرق عن حنظلة بن عبد الله السدوسي قال : حدثنا # أنس بن مالك #
قال : " قال رجل : يا رسول الله أحدنا يلقى صديقه أينحني له ? قال : فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا , قال : فيلتزمه و يقبله ? قال : لا ,
قال : فيصافحه ? قال : نعم إن شاء " .
و السياق لأحمد و كذا الترمذي , لكن ليس عنده : " إن شاء " و لفظ ابن ماجه
نحوه و فيه : " لا , و لكن تصافحوا " .
و الحديث رواه أيضا محمد بن يوسف الفريابي في " ما أسند الثوري "
( 1 / 46 / 2 ) و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( 97 / 1 ) و في
" الرباعيات " ( 1 / 93 / 2 ) و الباغندي في " حديث شيبان و غيره "
( 191 / 1 ) و أبو محمد المخلدي في " الفوائد " ( 236 / 2 ) و الضياء
المقدسي في " المصافحة " ( 32 / 2 ) و في " المنتقى من مسموعاته بمرو "
( 28 / 2 ) كلهم عن حنظلة به .
و قال الترمذي : " حديث حسن " .
قلت : و هو كما قال أو أعلا , فإن رجاله كلهم ثقات غير حنظلة هذا فإنهم ضعفوه ,
و لكنهم لم يتهموه , بل ذكر يحيى القطان و غيره أنه اختلط , فمثله يستشهد به ,
و يقوى حديثه عند المتابعة , و قد وجدت له متابعين ثلاثة :
الأول : شعيب بن الحبحاب .
أخرجه الضياء في " المنتقى " ( 87 / 2 ) من طريق أبي بلال الأشعري حدثنا قيس
بن الربيع عن هشام بن حسان عن شعيب به إلا أنه ذكر السجود بدل الالتزام .
و هذا إسناد حسن في المتابعات فإن قيس بن الربيع صدوق , و لكنه كان تغير لما
كبر , و أبو بلال الأشعري اسمه مرداس ضعفه الدارقطني و ذكره ابن حبان في الثقات
و من فوقهما ثقتان من رجال الشيخين .
و هذه المتابعة أخرجها أيضا أبو الحسن المزكي كما أفاده ابن المحب في تعليقه
على " كتاب المصافحة " و من خطه نقلت .
الثاني : كثير بن عبد الله قال : سمعت أنس بن مالك به دون ذكر الانحناء
و الالتزام .
أخرجه ابن شاهين في " رباعياته " ( 172 / 2 ) : حدثنا محمد بن زهير قال : حدثنا
مخلد بن محمد قال : حدثنا كثير بن عبد الله .
و كثير هذا ضعيف كما قال الدارقطني , و قال الذهبي : " و ما أرى رواياته
بالمنكرة جدا , و قد روى له ابن عدي عشرة أحاديث ثم قال :
" و في بعض روايته ما ليس بمحفوظ " .
قلت : فمثله يستشهد به أيضا إن شاء الله تعالى , لكن من دونه لم أجد من ترجمهما
الثالث : المهلب بن أبي صفرة عن أنس مرفوعا بلفظ :
( لا ينحني الرجل للرجل , و لا يقبل الرجل الرجل , قالوا : يصافح الرجل الرجل ?
قال : نعم ) .
رواه الضياء في " المنتقى " ( 23 / 1 ) من طريق عبد العزيز بن أبان حدثنا
إبراهيم بن طهمان عن المهلب به .
قلت : المهلب من ثقات الأمراء كما في " التقريب " , لكن السند إليه واه , فإن
عبد العزيز بن أبان هذا متروك و كذبه ابن معين و غيره كما قال الحافظ , فلا
يستشهد بهذه المتابعة . و لكن ما قبلها من المتابعات يكفي في تقوية الحديث ,
و كأنه لذلك أقر الحافظ في " التلخيص " ( 367 ) تحسين الترمذي إياه .
و منه تعلم أن قول البيهقي :
" تفرد به حنظلة " فليس بصواب و الله أعلم .
إذا عرفت ذلك ففيه رد على بعض المعاصرين من المشتغلين بالحديث , فقد ألف جزءا
صغيرا أسماه " إعلام النبيل بجواز التقبيل " حشد فيه كل ما وقف عليه من أحاديث
التقبيل ما صح منها و ما لم يصح , ثم أورد هذا الحديث و ضعفه بحنظلة و لعله لم
يقف على هذه المتابعات التي تشهد له , ثم تأوله بحمله على ما إذا كان الباعث
على التقبيل مصلحة دنيوية كغنى أو جاه أو رياسة مثلا ! و هذا تأويل باطل , لأن
الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن التقبيل , لا يعنون به قطعا
التقبيل المزعوم , بل تقبيل تحية كما سألوه عن الانحناء و الالتزام و المصافحة
فكل ذلك إنما عنوا به التحية فلم يسمح لهم من ذلك بشيء إلا المصافحة , فهل هي
المصافحة لمصلحة دنيوية ?!اللهم لا .
فالحق أن الحديث نص صريح في عدم مشروعية التقبيل عند اللقاء ,و لا يدخل في ذلك
تقبيل الأولاد و الزوجات , كما هو ظاهر , و أما الأحاديث التي فيها أن النبي
صلى الله عليه وسلم قبل بعض الصحابة في وقائع مختلفة , مثل تقبيله و اعتناقه
لزيد بن حارثة عند قدومه المدينة , و تقبيله و اعتناقه لأبي الهيثم ابن التيهان
و غيرهما , فالجواب عنها من وجوه :
الأول : أنها أحاديث معلولة لا تقوم بها حجة . و لعلنا نتفرغ للكلام عليها ,
و بيان عللها إن شاء الله تعالى .
الثاني : أنه لو صح شيء منها , لم يجز أن يعارض بها هذا الحديث الصحيح , لأنها
فعل من النبي صلى الله عليه وسلم يحتمل الخصوصية , أو غيرها من الاحتمالات التي
توهن الاحتجاج بها على خلاف هذا الحديث , لأنه حديث قولي و خطاب عام موجه إلى
الأمة فهو حجة عليها , لما تقرر في علم الأصول أن القول مقدم على الفعل عند
التعارض , و الحاظر مقدم على المبيح , و هذا الحديث قول و حاظر , فهو المقدم
على الأحاديث المذكورة لو صحت .
و كذلك نقول بالنسبة للالتزام و المعانقة , أنها لا تشرع لنهي الحديث عنها ,
لكن قال أنس رضي الله عنه :
" كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تلاقوا تصافحوا , و إذا قدموا من سفر
تعانقوا " .
رواه الطبراني في الأوسط , و رجاله رجال الصحيح كما قال المنذري ( 3 / 270 )
و الهيثمي ( 8 / 36 ) و روى البيهقي ( 7 / 100 ) بسند صحيح عن الشعبي قال :
" كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا , فإذا قدموا من سفر
عانق بعضهم بعضا " .
و روى البخاري في " الأدب المفرد " ( 970 ) و أحمد ( 3 / 495 ) عن جابر بن
عبد الله قال :
" بلغني حديث عن رجل سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشتريت بعيرا , ثم
شددت عليه رحلي , فسرت إليه شهرا حتى قدمت عليه الشام فإذا عبد الله بن أنيس ,
فقلت للبواب : قل له : جابر على الباب , فقال : ابن عبد الله ? قلت : نعم ,
فخرج يطأ ثوبه فاعتنقني و اعتنقته " الحديث , و إسناده حسن كما قال الحافظ
( 1 / 195 ) و علقه البخاري .
فيمكن أن يقال : إن المعانقة في السفر مستثنى من النهي لفعل الصحابة ذلك ,
و عليه يحمل بعض الأحاديث المتقدمة إن صحت . و الله أعلم .
و أما تقبيل اليد , ففي الباب أحاديث و آثار كثيرة , يدل مجموعها على ثبوت ذلك
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فنرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط
الآتية :
1 - أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته , و يتطبع هؤلاء
على التبرك بذلك , فإن النبي صلى الله عليه وسلم و إن قبلت يده فإنما كان ذلك
على الندرة , و ما كان كذلك فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة , كما هو معلوم من
القواعد الفقهية .
2 - أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره , و رؤيته لنفسه , كما هو الواقع
مع بعض المشايخ اليوم .
3 - أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة , كسنة المصافحة , فإنها مشروعة بفعله
صلى الله عليه وسلم و قوله , و هي سبب تساقط ذنوب المتصافحين كما روي في غير ما
حديث واحد , فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر , أحسن أحواله أنه جائز .
161 " إذهب فوار أباك ( الخطاب لعلي بن أبي طالب ) قال ( لا أواريه ) , ( إنه مات
مشركا ) , ( فقال : اذهب فواره ) ثم لا تحدثن حتى تأتيني , فذهبت فواريته ,
و جئته ( و علي أثر التراب و الغبار ) فأمرني فاغتسلت , و دعا لي ( بدعوات ما
يسرني أن لي بهن ما على الأرض من شيء ) " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 253 :
أبو داود ( 3124 ) و النسائي ( 1 / 282 - 283 ) و ابن سعد في " الطبقات "
( 1 / 123 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 4 / 95 و 142 - طبع الهند ) و ابن
الجارود في " المنتقى " ( ص 269 ) و الطيالسي ( 120 ) و البيهقي ( 3 / 398 )
و أحمد ( 1 / 97 و 131 ) و أبو محمد الخلدي في جزء من " فوائده " ( ق 47 / 1 )
من طرق عن أبي إسحاق عن ناجية بن كعب عن علي قال :
" قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن عمك الشيخ الضال قد مات " فمن يواريه ? "
قال : " فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير ناجية ابن كعب و هو ثقة
كما في " التقريب " , و قد قواه الرافعي و تبعه الحافظ في " التلخيص "كما
بينته في " إرواء الغليل " ( 707 ) .
و له في مسند أحمد ( 1 / 103 ) و " زوائد ابنه عليه " ( 1 / 129 - 130 ) طريق
أخرى عن الحسن بن يزيد الأصم قال : سمعت السدي إسماعيل يذكره عن أبي عبد الرحمن
السلمي عن علي به , و زاد في آخره :
" قال : و كان علي رضي الله عنه إذا غسل الميت اغتسل " .
قلت : و هذا سند حسن , رجاله رجال مسلم غير الحسن هذا و هو صدوق يهم كما في
" التقريب " .
من فوائد الحديث
-----------------
1 - أنه يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك و أن ذلك لا ينافي بغضه إياه
لشركه , ألا ترى أن عليا رضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه معللا
ذلك بقوله : " إنه مات مشركا " ظنا منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في
التولي الممنوع في مثل قوله تعالى : " لا تتولوا قوما غضب الله عليهم " فلما
أعاد صلى الله عليه وسلم الأمر بمواراته بادر لامتثاله , و ترك ما بدا له أول
الأمر . و كذلك تكون الطاعة : أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم
و يبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة
الوالد المشرك في الدنيا , و أما بعد الدفن فليس له أن يدعو له أو يستغفر له
لصريح قوله تعالى ( ما كان للنبي و الذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين و لو
كانوا أولي قربى ) , و إذا كان الأمر كذلك , فما حال من يدعو بالرحمة و المغفرة
على صفحات الجرائد و المجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات
معدودات ! فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته .
2 - أنه لا يشرع له غسل الكافر و لا تكفينه و لا الصلاة عليه و لو كان قريبه
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بذلك عليا , و لو كان ذلك جائزا لبينه
صلى الله عليه وسلم , لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . و هذا
مذهب الحنابلة و غيرهم .
3 - أنه لا يشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته لأن النبي صلى الله عليه وسلم
لم يفعل ذلك مع عمه و قد كان أبر الناس به و أشفقهم عليه حتى إنه دعى الله له
حتى جعل عذابه أخف عذاب في النار , كما سبق بيانه في الحديث ( رقم 53 ) , و في
ذلك كله عبرة لمن يغترون بأنسابهم , و لا يعملون لآخرتهم عند ربهم , و صدق الله
العظيم إذ يقول : ( فلا أنساب بينهم يومئذ و لا يتساءلون ) .
162 " لا يا بنت الصديق , و لكنهم الذين يصومون و يصلون و يتصدقون و هم يخافون أن
لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 255
أخرجه الترمذي ( 2 / 201 ) و ابن جرير ( 18 / 26 ) و الحاكم ( 2 / 393 - 394 )
و البغوي في تفسيره ( 6 / 25 ) و أحمد ( 6 / 159 و 205 ) من طريق مالك بن مغول
عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن # عائشة # زوج النبي صلى الله عليه
وسلم قالت :
" سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم " عن هذه الآية ( و الذين يؤتون ما آتوا
و قلوبهم وجلة ) . قالت عائشة : هم الذين يشربون الخمر و يسرفون ? قال " فذكره
.
و قال الترمذي :
" و قد روي هذا الحديث عن عبد الرحمن بن سعيد عن أبي حازم عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم نحو هذا " .
قلت : و إسناد حديث عائشة رجاله كلهم ثقات , و لذلك قال الحاكم : " صحيح
الإسناد " و وافقه الذهبي .
قلت : و فيه علة , و هي الانقطاع بين عبد الرحمن و عائشة فإنه لم يدركها كما في
" التهذيب " , لكن يقويه حديث أبي هريرة الذي أشار إليه الترمذي فإنه موصول
و قد وصله ابن جرير : حدثنا ابن حميد قال : حدثنا الحكم بن بشير قال : حدثنا
عمر بن قيس عن عبد الرحمن بن سعيد بن وهب الهمداني عن أبي حازم عن أبي هريرة
قال : قالت عائشة : الحديث نحوه .
و هذا سند رجاله ثقات غير ابن حميد , و هو محمد بن حميد بن حيان الرازي و هو
ضعيف مع حفظه , لكن لعله توبع , فقد أخرج الحديث ابن أبي الدنيا و ابن الأنباري
في المصاحف و ابن مردويه كما في " الدر المنثور " ( 5 / 11 ) و ابن أبي الدنيا
من طبقة شيوخ ابن جرير , فاستبعد أن يكون رواه عن شيخه هذا . و الله أعلم .
قلت : و السر في خوف المؤمنين أن لا تقبل منهم عبادتهم , ليس هو خشيتهم أن لا
يوفيهم الله أجورهم , فإن هذا خلاف وعد الله إياهم في مثل قوله تعالى ( فأما
الذين آمنوا و عملوا الصالحات , فيوفيهم أجورهم ) , بل إنه ليزيدهم عليها كما
قال ( ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله ) , و الله تعالى ( لا يخلف وعده ) كما
قال في كتابه , و إنما السر أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة كما أمر الله
عز و جل , و هم لا يستطيعون الجزم بأنهم قاموا بها على مراد الله , بل يظنون
أنهم قصروا في ذلك , و لهذا فهم يخافون أن لا تقبل منهم . فليتأمل المؤمن هذا
عسى أن يزداد حرصا على إحسان العبادة و الإتيان بها كما أمر الله , و ذلك
بالإخلاص فيها له , و اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم في هديه فيها . و ذلك معنى
قوله تعالى ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملا صالحا , و لا يشرك بعبادة ربه
أحدا ) .
163 " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال , أو ثلاثة
فراسخ ( شك شعبة ) قصر الصلاة . ( و في رواية ) : صلى ركعتين " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 257 :
أخرجه الإمام أحمد ( 3 / 129 ) و البيهقي 3 / 146 و السياق له عن محمد بن جعفر
حدثنا شعبة عن يحيي بن يزيد الهنائي قال :
" سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة , و كنت أخرج إلى الكوفة فأصلي ركعتين حتى
أرجع ? فقال # أنس # ..." فذكره .
قلت : و هذا سند جيد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير الهنائي فمن رجال مسلم
وحده , و قد روى عنه جماعة من الثقات , و قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 198 ) عن
أبيه : " هو شيخ " و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 257 ) و سمى جده مرة ,
و قال :
" و من قال : يزيد بن يحيى أو ابن أبي يحيى فقد وهم " .
و الحديث أخرجه مسلم ( 2 / 145 ) و أبو داود ( 1201 ) و ابن أبي شيبة
( 2 / 108 / 1 / 2 ) و عنه أبو يعلى في " مسنده " ( ق 99 / 2 ) من طرق عن محمد
بن جعفر به دون قول الهنائي : " و كنت أخرج إلى الكوفة ... حتى أرجع " . و هي
زيادة صحيحة و من أجلها أوردت الحديث . و كذلك أخرجه أبو عوانة ( 2 / 346 ) من
طريق أبي داود ( و هو الطيالسي ) قال : حدثنا شعبة به . و لم يروه الطيالسي في
" مسنده " .
( الفرسخ ) ثلاثة أميال , و الميل من الأرض منتهى مد البصر لأن البصر يميل عنه
على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه , و بذلك جزم الجوهري , و قيل : حده أن ينظر إلى
الشخص في أرض مسطحة فلا يدري أهو رجل أو امرأة , و هو ذاهب أو آت , كما في
" الفتح " ( 2 / 467 ) و هو في تقدير بعض علماء العصر الحاضر يساوي 1680 مترا .
فقه الحديث
------------
يدل هذا الحديث على أن المسافر إذا سافر مسافة ثلاثة فراسخ ( و الفرسخ نحو ثمان
كيلو مترات ) جاز له القصر , و قد قال الخطابي في " معالم السنن " ( 2 / 49 ) :
" إن ثبت الحديث كانت الثلاثة الفراسخ حدا فيما يقصر إليه الصلاة , إلا أني لا
أعرف أحدا من الفقهاء يقول به " .
و في هذا الكلام نظر من وجوه :
الأول : أن الحديث ثابت كما تقدم , و حسبك أن مسلما أخرجه و لم يضعفه غيره .
الثاني : أنه لا يضر الحديث و لا يمنع العمل به عدم العلم بمن قال به من
الفقهاء , لأن عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود .
الثالث : أنه قد قال به راويه أنس بن مالك رضي الله عنه و أفتى به يحيى بن يزيد
الهنائي راويه عنه كما تقدم , بل ثبت عن بعض الصحابة القصر في أقل من هذه
المسافة , فروى ابن أبي شيبة ( 2 / 108 / 1 ) عن محمد بن زيد بن خليدة عن
ابن عمر قال :
" تقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال " .
و إسناده صحيح كما بينته في " إرواء الغليل " ( رقم 561 ) .
ثم روى من طريق أخرى عنه أنه قال :
" إني لأسافر الساعة من النهار و أقصر " .
و إسناده صحيح , و صححه الحافظ في " الفتح " ( 2 / 467 ) .
ثم روى عنه ( 2 / 111 / 1 ) عنه :
" أنه كان يقيم بمكة , فإذا خرج إلى منى قصر " .
و إسناده صحيح أيضا . و يؤيده أن أهل مكة لما خرجوا مع النبي صلى الله عليه
وسلم إلى منى في حجة الوداع قصروا أيضا كما هو معروف مشهور في كتب الحديث
و السيرة و بين مكة و منى فرسخ كما في " معجم البلدان " .
و قال جبلة بن سحيم سمعت ابن عمر يقول :
" لو خرجت ميلا قصرت الصلاة " .
ذكره الحافظ و صححه .
و لا ينافي هذا ما في الموطأ و غيره بأسانيد صحيحة عن ابن عمر أنه كان يقصر في
مسافة أكثر مما تقدم , لأن ذلك فعل منه , لا ينفي القصر في أقل منها لو سافر
إليها , فهذه النصوص التي ذكرناها صريحة في جواز القصر في أقل منها , فلا يجوز
ردها , مع دلالة الحديث على الأقل منها . و قد قال الحافظ في " الفتح "
( 2 / 467 - 468 ) :
" و هو أصح حديث ورد في بيان ذلك و أصرحه , و قد حمله من خالفه على أن المراد
به المسافة التي يبتدأ منها القصر , لا غاية السفر ! و لا يخفى بعد هذا الحمل ,
مع أن البيهقي ذكره في روايته من هذا الوجه أن يحيى بن يزيد قال : سألت أنسا عن
قصر الصلاة , و كنت أخرج إلى الكوفة يعني من البصرة أصلى ركعتين ركعتين حتى
أرجع فقال أنس : فذكر الحديث , فظهر أنه سأله عن جواز القصر في السفر لا عن
الموضع الذي يبتدئ القصر منه , ثم إن الصحيح في ذلك أنه لا يتقيد بمسافة بل
بمجاوزة البلد الذي يخرج منها . و رده القرطبي بأنه مشكوك فيه فلا يحتج به .
فإن كان المراد به أنه لا يحتج به في التحديد بثلاثة أميال فمسلم , لكن لا
يمتنع أن يحتج به في التحديد بثلاثة فراسخ , فإن الثلاثة أميال مندرجة فيها
فيؤخذ بالأكثر احتياطا . و قد روى ابن أبي شيبة عن حاتم بن إسماعيل عن
عبد الرحمن بن حرملة قال : قلت لسعيد ابن المسيب : أأقصر الصلاة و أفطر في بريد
من المدينة ? قال : نعم . و الله أعلم " .
قلت : و إسناد هذا الأثر عند بن أبي شيبة ( 2 / 15 / 1 ) صحيح .
و روي عن اللجلاج قال :
" كنا نسافر مع عمر رضي الله عنه ثلاثة أميال فنتجوز في الصلاة و نفطر " .
و إسناده محتمل للتحسين رجاله كلهم ثقات غير أبي الورد بن ثمامة روى عنه ثلاثة
و قال ابن سعد : " كان معروفا قليل الحديث " .
و قد دلت هذه الآثار على جواز القصر في أقل من المسافة التي دل عليها الحديث ,
و ذلك من فقه الصحابة رضي الله عنهم , فإن السفر مطلق في الكتاب و السنة , لم
يقيد بمسافة محدودة كقوله تعالى ( و إذا ضربتم في الأرض فلا جناح عليكم أن
تقصروا من الصلاة ) الآية .
و حينئذ فلا تعارض بين الحديث و هذه الآثار , لأنه لم ينف جواز القصر في أقل من
المسافة المذكورة فيه , و لذلك قال العلامة ابن القيم في " زاد المعاد في هدي
خير العباد " ( 1 / 189 ) :
" و لم يحد صلى الله عليه وسلم لأمته مسافة محدودة للقصر و الفطر , بل أطلق لهم
ذلك في مطلق السفر و الضرب في الأرض , كما أطلق لهم التيمم في كل سفر , و أما
ما يروى عنه من التحديد باليوم أو اليومين أو الثلاثة , فلم يصح عنه منها شيء
البتة , و الله أعلم " .
و قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" كل اسم ليس له حد في اللغة و لا في الشرع فالمرجع فيه إلى العرف فما كان سفرا
في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم " .
و قد اختلف العلماء في المسافة التي تقصر فيها الصلاة اختلافا كثيرا جدا , على
نحو عشرين قولا , و ما ذكرناه عن ابن تيمية و ابن القيم أقربها إلى الصواب ,
و أليق بيسر الإسلام , فإن تكليف الناس بالقصر في سفر محدود بيوم أو بثلاثة
أيام و غيرها من التحديدات , يستلزم تكليفهم بمعرفة مسافات الطرق التي قد
يطرقونها , و هذا مما لا يستطيع أكثر الناس , لاسيما إذا كانت مما لم تطرق
من قبل !
و في الحديث فائدة أخرى , و هي أن القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة و هو
مذهب الجمهور من العلماء , كما في " نيل الأوطار " ( 3 / 83 ) , قال :
" و ذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين و لو كان في منزله .
و منهم من قال : إذا ركب قصر إن شاء . و رجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على
أنه يقصر إذا فارق البيوت , و اختلفوا فيما قبل ذلك , فعليه الإتمام على أصل ما
كان عليه حتى يثبت أن له القصر . قال : و لا أعلم النبي صلى الله عليه وسلم قصر
في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة " .
قلت : و الأحاديث في هذا المعني كثيرة , و قد خرجت طائفة منها في " الإرواء "
من حديث أنس و أبي هريرة و ابن عباس و غيرهم فانظر رقم ( 562 ) .
164 " كان صلى الله عليه وسلم في غزو تبوك إذا ارتحل قبل زيغ الشمس أخر الظهر إلى
أن يجمعها إلى العصر فيصليهما جميعا , و إذا ارتحل بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى
الظهر , و صلى الظهر و العصر جميعا , ثم سار و كان إذا ارتحل قبل المغرب أخر
المغرب حتى يصليها مع العشاء , و إذا ارتحل بعد المغرب عجل العشاء فصلاها مع
المغرب " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 263 :
أخرجه أبو داود ( 1220 ) و الترمذي ( 2 / 438 ) و الدارقطني ( 151 ) و البيهقي
( 3 / 163 ) و أحمد ( 5 / 241 - 242 ) كلهم من طريق قتيبة بن سعيد حدثنا الليث
بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة عن # معاذ بن جبل #
مرفوعا . و قال أبو داود :
" لم يرو هذا الحديث إلا قتيبة وحده " .
قلت : و هو ثقة ثبت فلا يضر تفرده لو صح , و لذلك قال الترمذي :
" حديث حسن غريب تفرد به قتيبة , لا نعرف أحدا رواه عن الليث غيره " .
و قال في مكان آخر : " حديث حسن صحيح " .
قلت : و هذا هو الصواب . فإن رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين و قد صححه ابن القيم
و غيره , و أعله الحاكم و غيره بما لا يقدح كما بينته في " إرواء الغليل "
( 571 ) , و ذكرت هناك متابعا لقتيبة و شواهد لحديثه يقطع الواقف عليها بصحته .
و رواه مالك ( 1 / 143 / 2 ) من طريق أخرى عن أبي الطفيل به بلفظ :
" أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تبوك , فكان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يجمع بين الظهر و العصر , و المغرب و العشاء , قال : فأخر
الصلاة يوما , ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا , ثم دخل , ثم خرج فصلى المغرب
و العشاء جميعا " .
و من طريق مالك أخرجه مسلم ( 7 / 60 ) و أبو داود ( 1206 ) و النسائي
( 1 / 98 ) و الدارمي ( 1 / 356 ) و الطحاوي ( 1 / 95 ) و البيهقي ( 3 / 162 )
و أحمد ( 5 / 237 ) , و في رواية لمسلم ( 2 / 152 ) و غيره من طريق أخرى :
" فقلت : ما حمله على ذلك ? قال : أراد ألا يحرج أمته " .
فقه الحديث
------------
فيه مسائل :
1 - جواز الجمع بين الصلاتين في السفر و لو في غير عرفة و مزدلفة , و هو مذهب
جمهور العلماء . خلافا للحنفية , و قد تأولوه بالجمع الصوري أي بتأخير الظهر
إلى قرب وقت العصر , و كذا المغرب مع العشاء , و قد رد عليهم الجمهور من وجوه :
أولا : أنه خلاف الظاهر من الجمع .
ثانيا : أن الغرض من مشروعيته التيسير و رفع الحرج كما صرحت بذلك رواية مسلم ,
و مراعاة الجمع الصوري فيه الحرج كما لا يخفى .
ثالثا : أن في بعض أحاديث الجمع ما يبطل دعواهم كحديث أنس ابن مالك بلفظ :
" أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما " . رواه مسلم ( 2 / 151 )
و غيره .
رابعا : و يبطله أيضا جمع التقديم الذي صرح به حديث معاذ هذا " و إذا ارتحل بعد
زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر " . و الأحاديث بهذا المعنى كثيرة كما سبقت
الإشارة إلى ذلك .
2 - و أن الجمع كما يجوز تأخيرا , يجوز تقديما , و به قال الإمام الشافعي في
" الأم " ( 1 / 67 ) و كذا أحمد و إسحاق كما قال الترمذي ( 2 / 441 ) .
3 - و أنه يجوز الجمع في حال نزوله كما يجوز إذا جد به السير , قال الإمام
الشافعي في " الأم " بعد أن روى الحديث من طريق مالك :
" و هذا و هو نازل غير سائر , لأن قوله " دخل " ثم خرج " لا يكون إلا و هو نازل
فللمسافر أن يجمع نازلا و سائرا " .
قلت : فلا يلتفت بعد هذا النص إلى قول ابن القيم رحمه الله في " الزاد "
( 1 / 189 ) :
" و لم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم الجمع راكبا في سفره كما يفعله كثير من
الناس , و لا الجمع حال نزوله أيضا " .
و قد اغتر بكلامه هذا بعض إخواننا السلفيين في بعض الأقطار , فلذلك وجب التنبيه
عليه .
و من الغريب أن يخفى مثل هذا النص على ابن القيم رحمه الله مع وروده في الموطأ
و صحيح مسلم و غيرهما من الأصول التي ذكرنا , و لكن لعل الغرابة تزول إذا
تذكرنا أنه ألف هذا الكتاب " الزاد " في حالة بعده عن الكتب و هو مسافر , و هذا
هو السبب في وجود كثير من الأخطاء الأخرى فيه , و قد بينت ما ظهر لي منها في
" التعليقات الجياد على زاد المعاد " .
و مما يحمل على الاستغراب أيضا أن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صرح
في بعض كتبه بخلاف ما قال ابن القيم رحمه الله , فكيف خفي عليه ذلك و هو أعرف
الناس به و بأقواله ? قال شيخ الإسلام في " مجموعة الرسائل و المسائل "
( 2 / 26 - 27 ) بعد أن ساق الحديث :
" الجمع على ثلاث درجات , أما إذا كان سائرا في وقت الأولى , فإنما ينزل في وقت
الثانية , فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس و ابن عمر , و هو
نظير جمع مزدلفة , و أما إذا كان وقت الثانية سائرا أو راكبا فجمع في وقت
الأولى , فهذا نظير الجمع بعرفة و قد روي ذلك في السنن ( يعني حديث معاذ هذا )
و أما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا نزولا مستمرا , فهذا ما علمت روي ما يستدل
به عليه إلا حديث معاذ هذا , فإن ظاهره أنه كان نازلا في خيمته في السفر ,
و أنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر و العصر جميعا ثم دخل إلى بيته , ثم خرج
فصلى المغرب و العشاء جميعا , فإن الدخول و الخروج إنما يكون في المنزل , و أما
السائر فلا يقال : دخل و خرج , بل نزل و ركب .
و تبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم , و لم يسافر بعدها إلا حجة
الوداع , و ما نقل أنه جمع فيها إلا بعرفة و مزدلفة . و أما بمنى فلم ينقل أحد
أنه جمع هناك , بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك , و هذا دليل على أنه كان
يجمع أحيانا في السفر , و أحيانا لا يجمع , و هو الأغلب على أسفاره أنه لم يكن
يجمع بينهما . و هذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر كالقصر , بل يفعل للحاجة
سواء أكان في السفر أو في الحضر , فإنه قد جمع أيضا في الحضر لئلا يحرج أمته .
فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع , سواء أكان ذلك لسيره وقت الثانية أو الأولى
و شق النزول عليه , أو كان مع نزوله لحاجة أخرى مثل أن يحتاج إلى النوم
و الاستراحة وقت الظهر و وقت العشاء , فينزل وقت الظهر و هو تعبان سهران جائع
يحتاج إلى راحة و أكل و نوم , فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن يقدم
العشاء مع المغرب و ينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره , فهذا و نحوه يباح
له الجمع . و أما النازل أياما في قرية أو مصر و هو في ذلك المصر , فهذا و إن
كان يقصر لأنه مسافر فلا يجمع , كما أنه لا يصلي على الراحلة و لا يصلي بالتيمم
و لا يأكل الميتة . فهذه الأمور أبيحت للحاجة , و لا حاجة به إلى ذلك بخلاف
القصر فإنه سنة صلاة السفر " .
165 " الوزن وزن أهل مكة ,و المكيال مكيال أهل المدينة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 267 :
رواه ابن الأعرابي في " معجمه " ( 167 / 2 ) و أبو داود ( 2340 ) و النسائي
( 7 / 281 المطبعة المصرية ) و ابن حبان ( 1105 ) و الطبراني ( 3 / 202 / 1 )
و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 99 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 4 / 20 )
و البيهقي ( 6 / 31 ) من طريقين عن سفيان عن حنظلة عن طاووس عن # ابن عمر #
مرفوعا .
قلت : و هذا سند صحيح كما قال ابن الملقن في " الخلاصة " ( 64 - 65 )
و صححه ابن حبان و الدارقطني و النووي و ابن دقيق العيد و العلائي كما
في " فيض القدير " و رواه بعضهم عن سفيان به فقال " عن ابن عباس " بدل
" ابن عمر " و هو خطأ كما بينته في تخريج أحاديث بيوع الموسوعة الفقهية ,
ثم في " الإرواء " ( 1331 ) .
قال الإمام أبو جعفر الطحاوي رحمه الله :
" تأملنا هذا الحديث , فوجدنا مكة لم يكن بها ثمرة و لا زرع حينئذ , و كذلك
كانت قبل ذلك الزمان , ألا ترى إلى قول إبراهيم عليه السلام : ( ربنا إني أسكنت
من ذريتي بواد غير ذي زرع ) , و إنما كانت بلد متجر , يوافي الحاج إليها
بتجارات فيبيعونها هناك , و كانت المدينة بخلاف ذلك , لأنها دار النخل , و من
ثمارها حياتهم , و كانت الصدقات تدخلها فيكون الواجب فيها من صدقة تؤخذ كيلا ,
فجعل النبي صلى الله عليه وسلم الأمصار كلها لهذين المصريين أتباعا , و كان
الناس يحتاجون إلى الوزن في أثمان ما يبتاعون , و فيما سواها مما يتصرفون فيه
من العروض و من أداء الزكوات و ما سوى ذلك مما يستعملونه , فيما يسلمونه فيه من
غيره من الأشياء التي يكيلونها , و كانت السنة قد منعت من إسلام موزون في موزون
و من إسلام مكيل في مكيل , و أجازت إسلام المكيل في موزون , و الموزون في مكيل
و منعت من بيع الموزون بالموزون , إلا مثلا بمثل , و من بيع المكيل بالمكيل إلا
مثلا بمثل , و كان الوزن في ذلك أصله ما كان عليه بمكة , و المكيال مكيال أهل
المدينة , لا يتغير عن ذلك , و إن غيره الناس عما كان عليه إلى ما سواه من ضده
فيرحبون بذلك إلى معرفة الأشياء المكيلات التي لها حكم المكيال إلى ما كان عليه
أهل المكاييل فيها يومئذ , و في الأشياء الموزونات إلى ما كان عليه أهل الميزان
يومئذ , و أن أحكامها لا تتغير عن ذلك و لا تنقلب عنها إلى أضدادها " .
قلت : و من ذلك يتبين لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو أول من وضع أصل توحيد
الموازين و المكاييل , و وجه المسلمين إلى الرجوع في ذلك إلى أهل هذين البلدين
المفضلين : مكة المكرمة و المدينة المنورة . فليتأمل العاقل هذا و لينظر حال
المسلمين اليوم و اختلافهم في مكاييلهم و موازينهم , على أنواع شتى بسبب هجرهم
لهذا التوجيه النبوي الكريم . و لما شعر بعض المسؤولين في بعض الدول العربية
المسلمة بسوء هذا الاختلاف اقترح البعض عليهم توحيد ذلك و غيره كالمقاييس ,
بالرجوع إلى عرف الكفار فيها ! فوا أسفاه , لقد كنا سادة و قادة لغيرنا بعلمنا
و تمسكنا بشريعتنا , و إذا بنا اليوم أتباع و مقلدون ! و لمن ! لمن كانوا في
الأمس القريب يقلدوننا , و يأخذون العلوم عنا ! و لكن لابد لهذا الليل من أن
ينجلي , و لابد للشمس أن تشرق مرة أخرى , و ها قد لاحت تباشير الصبح , و أخذت
الدول الإسلامية تعتمد على نفسها في كل شؤون حياتها , بعد أن كانت فيها عالة
على غيرها , و لعلها تسير في ذلك على هدي كتاب ربها و سنة نبيها .
و لله في خلقه شؤون .
166 " هي لك على أن تحسن صحبتها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 269 :
رواه الطبراني ( 1 / 176 / 1 ) : حدثنا أحمد بن عمرو البزار أنبأنا زيد ابن
أخزم أنبأنا عبد الله بن داود عن موسى بن قيس عن حجر بن قيس - و كان قد أدرك
الجاهلية - قال : : خطب # علي # رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
فاطمة رضي الله عنها فقال : فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات و عبد الله بن داود هو أبو عبد الرحمن
الخريبي , و البزار هو الحافظ صاحب المسند المعروف به .
167 " والذي نفسي بيده لا يضع الله رحمته إلا على رحيم , قالوا : كلنا يرحم ,
قال : ليس برحمة أحدكم صاحبه , يرحم الناس كافة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 270 :
رواه الحافظ العراقي في " المجلس 86 من الأمالي " ( 77 / 2 ) من طريق محمد بن
إسحاق عن يزيد بن أبي حبيب عن سنان بن سعد عن # أنس بن مالك # مرفوعا و قال :
" هذا حديث حسن غريب , و سنان بن سعد قيل فيه : سعد بن سنان و قيل سعيد بن سنان
وثقه ابن معين و ابن حبان و قال : حدث عنه المصريون و هم يختلفون فيه , و أرجو
أن يكون الصحيح سنان بن سعد .
قال : و قد اعتبرت حديثه فرأيت ما روي عن سنان بن سعد يشبه أحاديث الثقات ,
و ما روي عن سعد بن سنان و سعيد بن سنان فيه المناكير , كأنهما اثنان , و لم
يكتب أحد حديثه لاضطرابهم في اسمه . و قال النسائي منكر الحديث . قلت : و لم
ينفرد به سنان بل تابعه عليه أخشن السدوسي عن أنس رويناه في " كتاب الأدب "
للبيهقي بلفظ : " لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم , قالوا : يا رسول الله كلنا
رحيم , قال : ليس رحمة أحدكم نفسه و أهل بيته حتى يرحم الناس " . و أخشن هذا
ذكره ابن حبان في الثقات , و قد أورد الرافعي في أماليه من حديث ثوبان مرفوعا :
" إن أرفعكم درجة في الجنة أشدكم رحمة للعامة , فلم أستحسن إيراده في الإملاء
لأن فيه خمسة رجال على الولاء , ما بين ضعيف و كذاب و مجهول , فإنه من رواية
خالد بن الهياج بن بسطام عن أبيه عن الحسن بن دينار عن الخصيب بن جحدر عن النضر
و هو ابن شفي عن أبي أسماء عن ثوبان .
و الحسن بن دينار و الخصيب متهمان بالكذب , فذكرت بدله حديث أنس المتقدم " .
قلت : و قد وجدت له شاهدا مرسلا جيدا أخرجه ابن المبارك في " الزهد "
( 203 / 1 ) أنبأنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا يونس عن الحسن مرفوعا به .
168 " لا يمنعن رجلا هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه ( أو شهده أو سمعه ) " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 271 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 30 ) و ابن ماجه ( 4007 ) و الحاكم ( 4 / 506 ) و الطيالسي
( 2156 ) و أحمد ( 3 / 19 , 50 , 61 ) و أبو يعلى ( ق 72 / 1 ) و القضاعي في
" مسند الشهاب " ( ق 79 / 2 ) من طريق علي بن زيد ابن جدعان القرشي عن أبي نضرة
عن # أبي سعيد الخدري # مرفوعا به .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
و قال الحاكم : " علي بن زيد لم يحتج به الشيخان " .
قال الذهبي : " قلت : هو صالح الحديث " .
و أقول : الصواب فيه أن العلماء اختلفوا , و الأرجح أنه ضعيف , و به جزم الحافظ
في " التقريب " , و لكنه ضعف بسبب سوء الحفظ , لا لتهمه في نفسه , فمثله يحسن
حديثه أو يصحح إذا توبع . و هذا الحديث لم يتفرد به عن أبي نضرة , بل قد تابعه
عليه جماعة :
الأول : أبو سلمة أنه سمع أبا نضرة به .
أخرجه أحمد ( 3 / 44 ) و ابن عساكر ( 7 / 91 / 2 ) و سمى أبا سلمة سعيد بن زيد
و لم أعرفه , و الظاهر أن هذه التسمية وهم من بعض رواته , فإني لم أجد فيمن
يكنى بأبي سلمة أحدا بهذا الاسم و لا في " الكنى " للدولابي , فالأقرب أنه عباد
بن منصور الناجي البصري القاضي فإنه من هذه الطبقة , و من الرواة عنه شعبة بن
الحجاج , و هو الذي روى عنه هذا الحديث , فإذا صح هذا فالسند حسن بما قبله ,
فإن عبادا هذا فيه ضعف من قبل حفظه أيضا .
الثاني : المستمر بن الريان الإيادي حدثنا أبو نضرة به .
أخرجه الطيالسي ( 2158 ) و أحمد ( 3 / 46 - 47 ) , و أبو يعلى في " مسنده "
( 78 / 2 , 83 / 1 ) .
و المستمر هذا ثقة من رجال مسلم , و كذلك سائر الرواة , فهو سند صحيح على شرط
مسلم .
الثالث : التيمي حدثنا أبو نضرة به إلا أنه قال :
" إذا رآه أو شهده أو سمعه . فقال أبو سعيد : وددت أني لم أكن سمعته , و قال
أبو نضرة : وددت أني لم أكن سمعته " .
أخرجه أحمد ( 3 / 53 ) : حدثنا يحيى عن التيمي به .
قلت : و هذا سند صحيح أيضا على شرط مسلم , و التيمي اسمه سليمان بن طرخان و هو
ثقة احتج به الشيخان .
الرابع : قتادة : سمعت أبا نضرة به . و زاد :
" فقال أبو سعيد الخدري : فما زال بنا البلاء حتى قصرنا , و إنا لنبلغ في الشر
" .
أخرجه الطيالسي ( 2151 ) حدثنا شعبة عن قتادة به , و أحمد ( 3 / 92 ) و البيهقي
( 10 / 90 ) من طريقين آخرين عن شعبة و في رواية عنده ( 3 / 84 ) :
حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن رجل عن أبي
سعيد الخدري مرفوعا به , قال شعبة : فحدثت هذا الحديث قتادة فقال : ما هذا ?
عمرو بن مرة عن أبي البختري عن رجل عن أبي سعيد ! حدثني أبو نضرة به إلا أنه
قال :
" إذا شهده أو علمه . قال أبو سعيد : فحملني على ذلك أني ركبت إلى معاوية فملأت
أذنيه , ثم رجعت . قال شعبة : حدثني هذا الحديث أربعة نفر عن أبي نضرة : قتادة
و أبو سلمة ( و ) الجريري و رجل آخر " .
قلت : و هذا سند صحيح أيضا .
و للحديث طريق أخرى يرويه المعلى بن زياد القردوسي عن الحسن عن أبي سعيد به
بلفظ :
" إذا رآه أو شهد , فإنه لا يقرب من أجل , و لا يباعد من رزق , أو يقول بحق ,
أو يذكر بعظيم " .
أخرجه أحمد ( 3 / 50 , 87 ) و أبو يعلى ( 88 / 1 - 2 ) و صرح الحسن بالتحديث
عنده , فهو صحيح الإسناد .
ثم رواه أحمد ( 3 / 71 ) من طريق على بن زيد عن الحسن عنه به . دون الزيادة .
و رجال هذه الطريق ثقات لولا أن الحسن مدلس و قد عنعنه , و مع ذلك فلا بأس بها
في الشواهد .
و الحديث أورده السيوطي في " الجامع الكبير " من رواية أحمد و عبد بن حميد
و أبي يعلى و الطبراني في الكبير و ابن حبان و البيهقي عن أبي سعيد , و ابن
النجار عن بن عباس , و أورده ( 1 / 293 / 1 ) عن أبي يعلى عن أبي سعيد بالزيادة
:
" فإنه لا يقرب من أجل , و لا يبعد من رزق " .
ففاته أنها في مسند أحمد كما ذكرنا , كما فاته كون الحديث في الترمذي و ابن
ماجه و المستدرك !
و في الحديث : النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفا من الناس , أو طمعا في المعاش .
فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء كالضرب و الشتم ,
و قطع الرزق , أو مخافة عدم احترامهم إياه , و نحو ذلك , فهو داخل في النهي
و مخالف للنبي صلى الله عليه وسلم , و إذا كان هذا حال من يكتم الحق و هو يعلمه
فكيف يكون حال من لا يكتفى بذلك بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء
و يتهمهم في دينهم و عقيدتهم مسايرة منه للرعاع , أو مخافة أن يتهموه هو أيضا
بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم و اتهامهم ?! فاللهم ثبتنا على الحق ,
و إذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين .
169 " كل خطبة ليس فيها تشهد فهي كاليد الجذماء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 275 :
أخرجه أبو داود ( 4841 ) و ابن حبان ( 1994 ) و البيهقي ( 3 / 209 ) و أحمد
( 2 / 302 , 343 ) و الحربي في " غريب الحديث " ( 5 / 82 / 1 ) من طرق عن
عبد الواحد بن زياد حدثنا عاصم بن كليب عن أبيه عن # أبي هريرة # مرفوعا .
ثم روى البيهقي عن أبي الفضل أحمد بن سلمة : سمعت مسلم بن الحجاج يقول :
لم يرو هذا الحديث عن عاصم بن كليب إلا عبد الواحد ابن زياد , فقلت له :
حدثنا أبو هشام الرفاعي حدثنا ابن فضيل عن عاصم به . فقال مسلم : " إنما
تكلم يحيى بن معين في أبي هشام بهذا الذي رواه عن ابن فضيل " .
قال البيهقي :
" عبد الواحد بن زياد من الثقات الذين يقبل منهم ما تفردوا به " .
قلت : و هو ثقة , في حديثه عن الأعمش وحده مقال , و قد احتج به الشيخان , فليس
هذا من روايته عن الأعمش فهو حجة , و بقية رجال الإسناد ثقات , فالسند صحيح .
على أن متابعة أبي هشام الرفاعي - و اسمه محمد بن يزيد بن محمد الكوفي - لا بأس
بها . فإن أبا هشام , و إن ضعفه بعض الأئمة فليس من أجل تهمة فيه , و قد أخرجه
عنه الترمذي ( 1 / 206 ) و قال :
" حديث حسن صحيح غريب " .
( فائدة ) :
-----------
قال المناوي في " فيض القدير " :
" و أراد بالتشهد هنا الشهادتين , من إطلاق الجزء على الكل , كما في التحيات .
قال القاضي : أصل التشهد الإتيان بكلمة الشهادة , و سمي التشهد تشهدا لتضمنه
إياهما , ثم اتسع فيه , فاستعمل في الثناء على الله تعالى و الحمد له " .
قلت : و أنا أظن أن المراد بالتشهد في هذا الحديث إنما هو خطبة الحاجة التي كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه : " إن الحمد لله نحمده و نستعينه
و نستغفره , و نعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا , من يهده الله
فلا مضل له , و من يضلل فلا هادي له , و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك
له , و أشهد أن محمدا عبده و رسوله " .
و دليلي على ذلك حديث جابر بلفظ :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم فيخطب فيحمد الله و يثني عليه بما هو
أهله و يقول : من يهده الله فلا مضل له , و من يضلل فلا هادي له , إن خير
الحديث كتاب الله .... " الحديث .
و في رواية عنه بلفظ :
" كان يقول في خطبته بعد التشهد : إن أحسن الحديث كتاب الله .." الحديث رواه
أحمد و غيره .
فقد أشار في هذا اللفظ إلى أن ما في اللفظ الأول قبيل " إن خير الحديث ... " هو
التشهد , و هو و إن لم يذكر فيه صراحة فقد أشار إليه بقوله فيه : " فيحمد الله
و يثني عليه " و قد تبين في أحاديث أخرى في خطبة الحاجة أن الثناء عليه تعالى
كان يتضمن الشهادتين , و لذلك قلنا : إن التشهد في هذا الحديث إشارة إلى التشهد
المذكور في خطبة الحاجة , فهو يتفق مع اللفظ الثاني في حديث جابر في الإشارة
إلى ذلك . و قد تكلمت عليه في " خطبة الحاجة " ( ص 32 طبع المكتب الإسلامي ) ,
فليراجعه من شاء .
و قوله : " كاليد الجذماء " أي المقطوعة , و الجذم سرعة القطع , يعني أن كل
خطبة لم يؤت فيها بالحمد و الثناء على الله فهي كاليد المقطوعة التي لا فائدة
بها " مناوي .
قلت : و لعل هذا هو السبب أو على الأقل من أسباب عدم حصول الفائدة من كثير من
الدروس و المحاضرات التي تلقى على الطلاب أنها لا تفتتح بالتشهد المذكور , مع
حرص النبي صلى الله عليه وسلم البالغ على تعليمه أصحابه إياه , كما شرحته في
الرسالة المشار إليها . فلعل هذا الحديث يذكر الخطباء بتدارك ما فاتهم من
إهمالهم لهذه السنة التي طالما نبهنا عليها في مقدمة هذه السلسلة و غيرها .
( تنبيه ) :
---------
عزى السيوطي في " الجامع الصغير " الحديث إلى أبي داود فقط و زاد عليه في
" الكبير " العسكري و الحلية و البيهقي في السنن , ففاته الترمذي و أحمد
و الحربي ! و لم أره في فهرست " الحلية " للغماري و الله أعلم .
170 " إذا قلت للناس أنصتوا و هم يتكلمون , فقد ألغيت على نفسك " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 278 :
رواه الإمام أحمد ( 2 / 318 ) : حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام
عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .. قلت : فذكر أحاديث
كثيرة هذا أحدها .
و هذا سند صحيح على شرط الشيخين .
و قد أخرجاه في الصحيحين من طريق سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ :
" إذا قلت لصحابك أنصت يوم الجمعة و الإمام يخطب فقد لغوت " .
و كذلك أخرجه مسلم و غيره من طرق أخرى عن أبي هريرة كما بينته في " إرواء
الغليل " ( رقم 612 ) .
و الظاهر أن هذا حديث آخر يرويه همام - و هو ابن منبه أخو وهب - عن أبي هريرة ,
غير الذي رواه سعيد و من أشرنا إليه عن أبي هريرة . و الله أعلم .
و الحديث مما فات السيوطي في " الجامع الكبير " , فخذه فائدة عزيزة قد لا تجدها
في مكان آخر . و الله الموفق .
( ألغيت ) أي قلت اللغو و ما لا يحسن من الكلام , قال الراغب الأصبهاني في
" المفردات " :
" اللغو من الكلام ما لا يعتد به , و هو الذي يورد لا عن روية فكر , فيجري مجرى
اللغا , و هو صوت العصافير , و نحوها من الطيور , قال أبو عبيدة : لغو و لغا ,
نحو عيب و عاب . و أنشدهم : عن اللغا و رفث الكلم , يقال : لغيت تلغى , نحو
لقيت تلقى , و قد يسمى كل كلام قبيح لغوا " .
قلت : و في الحديث التحذير من الإخلال بأدب رفيع من آداب الحديث و المجالسة ,
و هو أن لا يقطع على الناس كلامهم , بل ينصت هو حتى ينتهي كلامهم , و إن كان
كبير القوم , ثم يتكلم هو بدوره إن شاء , فذلك أدعى إلى حصول الفائدة من الكلام
المتبادل بين الطرفين , لاسيما إذا كان في بحث علمي شرعي , و قد أخل - مع الأسف
- بهذا الأدب أكثر المتباحثين , فإليه نلفت أنظارهم , أدبنا الله تعالى جميعا
بأدب نبيه صلى الله عليه وسلم .
171 " كان صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتى المصلى , و حتى يقضي
الصلاة , فإذا قضى الصلاة قطع التكبير " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 279 :
أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 2 / 1 / 2 ) : حدثنا يزيد بن هارون عن
ابن أبي ذئب عن # الزهري # :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان .. " الحديث .
و من هذا الوجه أخرجه المحاملي في " كتاب صلاة العيدين " ( 2 / 142 / 2 ) .
قلت : و هذا إسناد صحيح لولا أنه مرسل لكن له شاهد موصول يتقوى به , أخرجه
البيهقي ( 3 / 279 ) من طريق عبد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخرج في العيدين مع الفضل بن عباس
و عبد الله و العباس , و علي , و جعفر , و الحسن , و الحسين , و أسامة بن زيد
و زيد بن حارثة , و أيمن بن أم أيمن رضي الله عنهم , رافعا صوته بالتهليل
و التكبير , فيأخذ طريق الحذائين حتى يأتي المصلى , و إذا فرغ رجع على الحذائين
حتى يأتي منزله " .
قلت : و رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , غير أن عبد الله بن عمر و هو العمري
المكبر , قال الذهبي : " صدوق في حفظه شيء " .
قلت : فمثله مما يصلح للاستشهاد به , لأن ضعفه لم يأت من تهمة في نفسه , بل من
حفظه , فضعفه يسير , فهو شاهد قوي لمرسل الزهري , و بذلك يصير الحديث صحيحا كما
تقتضيه قواعد هذا العلم الشريف .
و للحديث طريق أخرى عن ابن عمر , روي من طريق الزهري أخبرني سالم بن عبد الله
أن عبد الله بن عمر أخبره به . مثل المرسل .
غير أن إسناده إلى الزهري واه جدا كما بينته في " إرواء الغليل " ( 643 ) فمثله
لا يستشهد به , فلذلك أعرضت عن إيراده هنا .
و قد صح من طريق نافع عن ابن عمر موقوفا مثله . و لا منافاة بينه و بين المرفوع
لاختلاف المخرج , كما هو ظاهر , فالحديث صحيح عندي مرفوعا و موقوفا .
و لفظ الموقوف :
" كان يجهر بالتكبير يوم الفطر إذا غدا إلى المصلى حتى يخرج الإمام , فيكبر
بتكبيره " .
أخرجه الفريابي في " كتاب أحكام العيدين " ( ق 129 / 1 ) بسند صحيح , و رواه
الدارقطني ( 180 ) و غيره بزيادة : " و يوم الأضحى " . و سنده جيد .
و في الحديث دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهرا في
الطريق إلى المصلى , و إن كان كثير منهم بدأوا يتساهلون بهذه السنة حتى كادت
أن تصبح في خبر كان , و ذلك لضعف الوازع الديني منهم , و خجلهم من الصدع بالسنة
و الجهر بها , و من المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس و تعليمهم , فكأن
الإرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون ! , و أما ما هم بأمس الحاجة إلى
معرفته , فذلك مما لا يلتفتون إليه , بل يعتبرون البحث فيه و التذكير به قولا
و عملا من الأمور التافهة التي لا يحسن العناية بها عملا و تعليما , فإنا لله
و إنا إليه راجعون .
و مما يحسن التذكير به بهذه المناسبة , أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه
الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض و كذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت
أو لا يشرع , فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور , و مثله الأذان من الجماعة
المعروف في دمشق بـ " أذان الجوق " , و كثيرا ما يكون هذا الاجتماع سببا لقطع
الكلمة أو الجملة في مكان لا يجوز الوقف عنده , مثل " لا إله " في تهليل فرض
الصبح و المغرب , كما سمعنا ذلك مرارا .
فنكن في حذر من ذلك و لنذكر دائما قوله صلى الله عليه وسلم :
" و خير الهدي هدي محمد " .
172 " يقول الله لأهون أهل النار عذابا يوم القيامة : يا ابن آدم ! كيف وجدت
مضجعك ? فيقول : شر مضجع , فيقال له : لو كانت لك الدنيا و ما فيها أكنت مفتديا
بها ? فيقول : نعم , فيقول : كذبت قد أردت منك أهون من هذا , و أنت في صلب " و
في رواية : ظهر " آدم أن لا تشرك بي شيئا و لا أدخلك النار , فأبيت إلا الشرك
, فيؤمر به إلى النار " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 282 :
رواه البخاري ( 2 / 333 و 4 / 239 , 242 ) و مسلم ( 8 / 134 , 135 ) و أحمد
( 3 / 127 , 129 ) و كذا أبو عوانة و ابن حبان في صحيحيهما كما في " الجامع
الكبير " ( 3 / 95 / 1 ) من طريق أبي عمران الجوني - و السياق له عند مسلم
و قتادة , كلاهما عن # أنس # عن النبي صلى الله عليه وسلم .
و له طريق ثالث : عن ثابت عن أنس به نحوه .
عزاه الحافظ في " الفتح " ( 6 / 349 ) لمسلم و النسائي , و لم أره عند مسلم ,
و أما النسائي , فالظاهر أنه يعني " السنن الكبرى " له و الله أعلم .
قوله : ( فيقول : كذبت ) قال النووي :
" معناه لو رددناك إلى الدنيا لما افتديت لأنك سئلت أيسر من ذلك , فأبيت فيكون
من معنى قوله تعالى : ( و لو ردوا لعادوا لما نهوا عنه , و إنهم لكاذبون ) ,
و بهذا يجتمع معنى هذا الحديث مع قوله تعالى : ( لو أن لهم ما في الأرض جميعا
و مثله معه لافتدوا به ) .
قوله : ( قد أردت منك ) أي أحببت منك , و الإرادة في الشرع تطلق و يراد بها ما
يعم الخير و الشر و الهدى و الضلال كما في قوله تعالى ( و من يرد الله أن يهديه
يشرح صدره للإسلام , و من يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في
السماء ) . و هذه الإرادة لا تتخلف . و تطلق أحيانا و يراد بها ما يرادف الحب
و الرضا , كما في قوله تعالى ( يريد الله بكم اليسر , و لا يريد بكم العسر ) ,
و هذا المعنى هو المراد من قوله تعالى في هذا الحديث ( أردت منك ) أي أحببت
و الإرادة بهذا المعنى قد تتخلف , لأن الله تبارك و تعالى لا يجبر أحدا على
طاعته و إن كان خلقهم من أجلها ( فمن شاء فليؤمن , و من شاء فليكفر ) , و عليه
فقد يريد الله تبارك و تعالى من عبده ما لا يحبه منه . و يحب منه ما لا يريده ,
و هذه الإرادة يسميها ابن القيم رحمه الله تعالى بالإرادة الكونية أخذا من قوله
تعالى ( إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له : كن فيكون ) , و يسمى الإرادة
الأخرى المرادفة للرضا بالإرادة الشرعية , و هذا التقسيم , من فهمه انحلت له
كثير من مشكلات مسألة القضاء و القدر , و نجا من فتنة القول بالجبر أو الاعتزال
و تفصيل ذلك في الكتاب الجليل " شفاء العليل في القضاء و القدر و الحكمة
و التعليل " لابن القيم رحمه الله تعالى .
قوله ( و أنت في صلب آدم ) .
قال القاضي عياض :
" يشير بذلك إلى قوله تعالى ( و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم )
الآية , فهذا الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم , فمن وفى به بعد وجوده في
الدنيا فهو مؤمن , و من لم يوف به فهو كافر , فمراد الحديث : اردت منك حين أخذت
الميثاق , فأبيت إذ أخرجتك إلى الدنيا إلا الشرك " . ذكره في " الفتح " .
173 " لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه
قاتلك الله , فإنما هو عندك دخيل , يوشك أن يفارقك إلينا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 284 :
أخرجه الترمذي ( 2 / 208 بشرح التحفة ) و ابن ماجه ( 6 / 641 ) و أحمد
( 5 / 242 ) و أبو عبد الله القطان في " حديثه عن الحسن بن عرفة "
( ق 145 / 1 ) و الهيثم بن كليب في " مسنده " ( 167 / 1 ) و أبو العباس الأصم
في " مجلسين من الأمالي " ( ق 3 / 1 ) و أبو نعيم في " صفة الجنة " ( 14 / 2 )
من طرق عن إسماعيل بن عياش عن بحير بن سعد عن خالد بن معدان عن كثير بن مرة
الحضرمي عن # معاذ بن جبل # عن النبي صلى الله عليه وسلم به .
و قال الترمذي :
" حديث غريب , لا نعرفه إلا من هذا الوجه , و رواية إسماعيل بن عياش عن
الشاميين أصلح , و له عن أهل الحجاز و العراق مناكير " .
قلت : و قد وثقه أحمد و ابن معين و البخاري و غيرهم في روايته عن الشاميين
و هذه منها , فإن بحير بن سعد شامي ثقة و كذلك سائر الرواة فالسند صحيح ,
و لا أدري لماذا اقتصر الترمذي على استغرابه , و لم يحسنه على الأقل .
ثم رأيت المنذري في " الترغيب " ( 3 / 78 ) نقل عن الترمذي أنه قال فيه :
" حديث حسن " .
قلت : و كذا في نسخة بولاق من " الترمذي " ( 1 / 220 ) , و هذا أقل ما يمكن أن
يقال فيه .
( دخيل ) أي ضيف و نزيل . يعني هو كالضيف عليك , و أنت لست بأهل له حقيقة ,
و إنما نحن أهله , فيفارقك قريبا , و يلحق بنا .
( يوشك ) أي يقرب , و يسرع , و يكاد .
في الحديث - كما ترى - إنذار للزوجات المؤذيات .
174 " لا بأس بالغنى لمن اتقى , و الصحة لمن اتقى خير من الغنى , و طيب النفس من
النعيم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 285 :
أخرجه ابن ماجه ( 2141 ) و الحاكم ( 2 / 3 ) و أحمد ( 5 / 272 و 381 ) من طريق
عبد الله بن سليمان بن أبي سلمة أنه سمع # معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن
عمه # قال :
" كنا في مجلس , فجاء النبي صلى الله عليه وسلم و على رأسه أثر ماء , فقال له
بعضنا : نراك اليوم طيب النفس , فقال : أجل , و الحمد لله , ثم أفاض القوم في
ذكر الغنى , فقال : " فذكره .
و قال الحاكم :
" صحيح الإسناد , و الصحابى الذي لم يسم هو يسار بن عبد الله الجهني " .
و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا , فإن رجاله ثقات كلهم , و قال البوصيري في الزوائد " :
" إسناده صحيح , و رجاله ثقات " .
175 " لا يشربن أحد منكم قائما " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 286 :
رواه مسلم ( 6 / 110 - 111 ) عن عمر بن حمزة أخبرني أبو غطفان المري أنه سمع
# أبا هريرة # يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و زاد :
" فمن نسي فليستقىء " .
قلت : و عمر هذا و إن احتج به مسلم فقد ضعفه أحمد و ابن معين و النسائي و غيرهم
و لذلك قال الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " , فالحديث بهذه الزيادة ضعيف .لكن
صح بلفظ آخر , و لذلك أوردته هنا بدونها , فقد رواه أبو زياد الطحان قال : سمعت
أبا هريرة يقول , عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه رأى رجلا يشرب قائما فقال
له : قه , قال , لمه ? قال , أيسرك أن يشرب معك الهر ? قال : لا , قال :
فإنه قد شرب معك من هو شر منه ! الشيطان !!
أخرجه أحمد ( 7990 ) و الدارمي ( 2 / 121 ) و الطحاوي في " مشكل الآثار "
( 3 / 19 ) عن شعبة عن أبي زياد به .
و هذا سند صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي زياد هذا , قال ابن معين ثقة .
و قال أبو حاتم : " شيخ صالح الحديث " . كما في " الجرح و التعديل " ( 4 / 2 /
373 ) , فقول الذهبي فيه " لا يعرف " , مما لا يعرج عليه , بعد توثيق هذين
الإمامين له .
و قد ورد الحديث بلفظ آخر و هو :
" لو يعلم الذي يشرب و هو قائم ما في بطنه لاستقاء " .
176 " لو يعلم الذي يشرب و هو قائم ما في بطنه لاستقاء " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 287 :
أخرجه أحمد ( 7795 و 7796 ) عن الزهري عن رجل , و عن الأعمش عن أبي صالح كلاهما
عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
و رواه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 3 / 18 ) عن الأعمش به و زاد :
" فبلغ علي بن أبي طالب , فقام فشرب قائما " .
قلت : و الإسناد الثاني صحيح رجاله الشيخين , و في السند الأول الرجل الذي لم
يسم , فإن كان غير الأعمش , فهو تقوية للحديث , و إن كان هو هو , فلا يعله ,
كما هو ظاهر . و في " مجمع الزوائد " ( 5 / 79 ) :
" رواه أحمد بإسنادين , و البزار , و أحد إسنادي أحمد رجاله رجال الصحيح " .
و في الحديث تلميح لطيف إلى النهي عن الشرب قائما , و قد جاء التصريح بذلك من
حديث أنس رضي الله عنه و هو :
" نهى " و في لفظ : زجر " عن الشرب قائما " .
177 " نهى " و في لفظ : زجر " عن الشرب قائما " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 288 :
رواه مسلم ( 6 / 110 ) و أبو داود ( رقم 3717 ) و الترمذي ( 3 / 111 ) و
الدارمي ( 2 / 120 - 121 ) و ابن ماجه ( 2 / 338 ) و الطحاوي في " شرح المعاني
"
( 2 / 357 ) و " المشكل " ( 3 / 18 ) و الطيالسي ( 2 / 332 ) و أحمد
( 3 / 118 , 131 , 147 , 199 , 214 , 250 , 277 , 291 ) و أبو يعلى
( 156 / 2 , 158 / 2 , 159 / 2 ) و " الضياء " في " المختارة " ( 205 / 2 )
من طريق قتادة عن # أنس # مرفوعا , و زاد الأخيران : " و الأكل قائما " .
و في إسنادهما مطر الوراق , ضعيف , و قد خولف , ففي رواية مسلم و غيره :
" قال قتادة : فقلنا : فالأكل ? فقال : ذاك أشر و أخبث " .
قلت : فروايتهما مدرجة . و لقتادة فيه إسنادان آخران :
فرواه عن أبي عيسى الأسواري عن أبي سعيد الخدري , باللفظ الثاني .
أخرجه مسلم و الطحاوي .
ثم رواه عن أبي مسلم الجذمي عن الجارود بن العلاء رضي الله عنه .
أخرجه الطحاوي و الترمذي و قال :
" حديث حسن غريب " . و له شاهد من حديث أبي هريرة مثله .
أخرجه أحمد ( 2 / 327 ) و الطحاوي و سنده صحيح .
و له شاهد آخر من حديث جابر نحوه . أخرجه أبو عروبة الحراني في
" حديث الجزريين " ( 51 / 1 ) بسند صحيح .
و ظاهر النهي في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشرب قائما بلا عذر , و قد جاءت
أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم شرب قائما , فاختلف العلماء في
التوفيق بينها , و الجمهور على أن النهي للتنزيه , و الأمر بالاستقاء للاستحباب
.
و خالفهم ابن حزم فذهب إلى التحريم , و لعل هذا هو الأقرب للصواب , فإن القول
بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ " زجر " , و لا الأمر بالاستقاء , لأنه أعني
الاستقاء فيه مشقة شديدة على الإنسان , و ما أعلم أن في الشريعة مثل هذا
التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب ! و كذلك قوله " قد شرب معك الشيطان " فيه
تنفير شديد عن الشرب قائما , و ما إخال ذلك يقال في ترك مستحب .
و أحاديث الشرب قائما يمكن أن تحمل على العذر كضيق المكان , أو كون القربة
معلقة و في بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك . و الله أعلم .
178 " ارقيه , و علميها حفصة , كما علمتيها الكتاب , و في رواية الكتابة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 289 :
أخرجه الحاكم ( 4 / 56 - 57 ) من طريق إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان حدثنا
إسماعيل بن محمد بن سعد أن أبا بكر بن سليمان بن أبي حثمة القرشي حدثه أن رجلا
من الأنصار خرجت به نملة , فدل أن # الشفاء بنت عبد الله # ترقي من النملة ,
فجاءها فسألها أن ترقيه , فقالت : و الله ما رقيت منذ أسلمت , فذهب الأنصاري
إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي قالت الشفاء , فدعا رسول الله
صلى الله عليه وسلم الشفاء , فقال اعرضي علي , فعرضتها عليه فقال : فذكر الحديث
و قال : " صحيح على شرط الشيخين " و وافقه الذهبي .
قلت : و قد تابع إبراهيم بن سعد عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز , و لكنه
خالفه في السند و المتن .
أما السند فقال : عن صالح بن كيسان عن أبي بكر بن عبد الرحمن ابن سليمان بن أبي
حثمة عن الشفاء بنت عبد الله . فأسقط منه إسماعيل بن محمد بن سعد .
و أما المتن فرواه بلفظ :
" دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم و أنا عند حفصة , فقال لي : ألا تعلمين
هذه رقية النملة , كما علمتها الكتابة ? " .
فلم يذكر فيه عرضها الرقية عليه صلى الله عليه وسلم و أمره إياها بالرقية ,
و ستعلم أهمية ذلك في فهم الحديث على الوجه الصحيح قريبا إن شاء الله تعالى .
أخرجه أحمد ( 6 / 372 ) و أبو داود ( 2 / 154 ) و الطحاوي في " شرح معاني
الآثار " ( 2 / 388 ) و النسائي أيضا كما في " الفتاوي الحديثية " للسخاوي
( 81 / 2 ) و " نيل الأوطار " للشوكاني ( 8 / 176 ) .
و الرواية الأولى أصح لوجهين :
الأول : أن إبراهيم بن سعد أحفظ من مخالفه عبد العزيز بن عمر .
فإنهما و إن كان الشيخان قد احتجا بهما كليهما , فإن الأول قال فيه الحافظ في
" التقريب " : " ثقة حجة : تكلم فيه بلا قادح " . و أما الآخر , فقال فيه :
" صدوق يخطىء " , و لهذا أورده الذهبي في " الميزان " و في " الضعفاء " , و لم
يورد الأول .
الثاني : أن إبراهيم معه زيادة في السند و المتن , و زيادة الثقة مقبولة كما هو
معروف .
و قد تابعه في الجملة محمد بن المنكدر عن أبي بكر بن سليمان به مختصرا لكنه
خالفه في إسناده فقال :
" عن حفصة أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها , و عندها امرأة يقال لها
شفاء ترقي من النملة , فقال النبي صلى الله عليه وسلم : علميها حفصة " .
فجعل الحديث من مسند حفصة لا الشفاء .
أخرجه أحمد ( 6 / 286 ) و الطحاوي و الحاكم ( 4 / 414 ) و أبو نعيم في " الطب "
( 2 / 28 / 2 ) عن سفيان عن ابن المنكدر .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا أيضا , و الخلاف المذكور لا يضر إن شاء الله تعالى , لأن
من الممكن أن تكون حفصة حدثت به كما حدثت به الشفاء , فإن القصة وقعت بحضورهما
ثم رواه أبو بكر بن سليمان تارة عن هذه , و تارة عن هذه , لكن ذكر السخاوي أنه
اختلف على سفيان في وصله , و إرساله .
قلت : و هذا لا يضر أيضا , فقد رواه عنه موصولا كما أوردناه جماعة من الثقات
عند الحاكم , و غيرهم عند غيره فلا عبرة بمخالفة من خالفهم .
و تابعه أيضا كريب بن سليمان الكندي قال :
" أخذ بيدي علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم حتى انطلق بي إلى رجل من قريش
أحد بني زهرة يقال له : ابن أبي حثمة , و هو يصلي قريبا منه , حتى فرغ ابن أبي
حثمة من صلاته , ثم أقبل علينا بوجهه , فقال له علي بن الحسين : الحديث الذي
ذكرت عن أمك في شأن الرقية ? فقال : نعم : حدثتني أمي أنها كانت ترقي برقية في
الجاهلية فلما أن جاء الإسلام قالت : لا أرقي حتى أستأمر رسول الله صلى الله
عليه وسلم فقال النبي " أرقي ما لم يكن شرك بالله عز و جل " .
أخرجه ابن حبان ( 1414 ) و الحاكم ( 4 / 57 ) من طريق الجراح بن الضحاك الكندي
عن كريب به . و علقه ابن منده من هذا الوجه .
و كريب هذا أورده ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 3 / 2 / 169 ) لكنه
سمى أباه سليما , و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
ثم رواه الحاكم و ابن منده في " المعرفة " ( 2 / 332 / 1 ) من طريق عثمان
ابن عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة القرشي العدوي حدثني أبي عن جدي عثمان
بن سليمان عن أبيه عن أمه الشفاء بنت عبد الله أنها كانت ترقي برقى الجاهلية ,
و أنها لما هاجرت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدمت عليه فقالت : يا رسول الله
إني كنت أرقي برقى في الجاهلية , فقد رأيت أن أعرضها عليك , فقال : اعرضيها
فعرضتها عليه , و كانت منها رقية النملة , فقال ارقي بها و علميها حفصة : بسم
الله , صلوب , حين يعود من أفواهها , و لا تضر أحدا , اللهم اكشف البأس , رب
الناس , قال : ترقي بها على عود كركم سبع مرات , و تضعه مكانا نظيفا , ثم تدلكه
على حجر , و تطليه على النملة .
سكت عليه الحاكم . و قال الذهبي : " سئل ابن معين عن عثمان فلم يعرفه " .
يعني عثمان بن عمر , و قال ابن عدي : " مجهول " .
قلت : و هذه الطريق مع ضعفها و كذا التي قبلها , فلا بأس بهما في المتابعات .
غريب الحديث
------------
( نملة ) هي هنا قروح تخرج في الجنب .
( رقية النملة ) قال الشوكاني في تفسيرها :
" هي كلام كانت نساء العرب تستعمله , يعلم كل من سمعه أنه كلام لا يضر و لا
ينفع , و رقية النملة التي كانت تعرف بينهن أن يقال للعروس تحتفل و تختضب ,
و تكتحل , و كل شيء يفتعل , غير أن لا تعصي الرجل " .
كذا قال , و لا أدري ما مستنده في ذلك , و لاسيما و قد بني عليه قوله الآتي
تعليقا على قوله صلى الله عليه وسلم : " ألا تعلمين هذه ... " :
" فأراد صلى الله عليه وسلم بهذا المقال تأنيب حفصة و التأديب لها تعريضا ,
لأنه ألقى إليها سرا فأفشته على ما شهد به التنزيل في قوله تعالى ( و إذ أسر
النبي إلى بعض أزواجه حديثا ) الآية " .
و ليت شعري ما علاقة الحديث بالتأنيب لإفشاء السر, و هو يقول :
" كما علمتها الكتاب , فهل يصح تشبيه تعليم رقية لا فائدة منها بتعليم
الكتابة ? ! و أيضا فالحديث صريح في أمره صلى الله عليه وسلم للشفاء بترقية
الرجل الأنصاري من النملة و أمره إياها بأن تعلمها لحفصة , فهل يعقل بأن يأمر
صلى الله عليه وسلم بهذه الترقية لو كان باللفظ الذي ذكره الشوكاني بدون أي سند
و هو بلا شك كما قال كلام لا يضر و لا ينفع , فالنبي صلى الله عليه وسلم أسمى
من أن يأمر بمثل هذه الترقية , و لئن كان لفظ رواية أبي داود يحتمل تأويل
الحديث على التأنيب المزعوم , فإن لفظ الحاكم هذا الذي صدرنا به هذا البحث لا
يحتمله إطلاقا , بل هو دليل صريح على بطلان ذلك التأويل بطلانا بينا كما هو
ظاهر لا يخفى , و كأنه لذلك صدر ابن الأثير في " النهاية " تفسير الشوكاني
المذكور لـ ( رقية النملة ) و عنه نقله الشوكاني , صدره بقوله " قيل " مشيرا
بذلك إلى ضعف ذلك التفسير و ما بناه عليه من تأويل قوله " ألا تعلمين ..." !
( كركم ) هو الزعفران , و قيل العصفر , و قيل شجر كالورس , و هو فارسي معرب .
( صلوب ) كذا و لم أعرف له معنى , و لعله - إن سلم من التحريف - لفظ عبري .
و الله أعلم .
من فوائد الحديث
------------------
و في الحديث فوائد كثيرة أهمها اثنتان :
الأولى : مشروعية ترقية المرء لغيره بما لا شرك فيه من الرقى , بخلاف طلب
الرقية من غيره فهو مكروه لحديث " سبقك بها عكاشة " و هو معروف مشهور .
و الأخرى : مشروعية تعليم المرأة الكتابة . و من أبواب البخاري في
" الأدب المفرد " ( رقم 1118 ) : " باب الكتابة إلى النساء و جوابهن " .
ثم روى بسنده الصحيح عن موسى بن عبد الله قال :
" حدثتنا عائشة بنت طلحة قالت : قلت لعائشة - و أنا في حجرها , و كان الناس
يأتونها من كل مصر , فكان الشيوخ ينتابوني لمكاني منها , و كان الشباب يتأخوني
فيهدون إلي , و يكتبون إلي من الأمصار , فأقول لعائشة - يا خالة هذا كتاب فلان
و هديته . فتقول لي عائشة أي بنية ! فأجيبيه و أثيبيه , فإن لم يكن عندك ثواب
أعطيتك , قالت : فتعطيني " .
قلت : و موسى هذا هو ابن عبد الله بن إسحاق به طلحة القرشي , روى عن جماعة من
التابعين , و عنه ثقتان , ذكره ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " ( 4 / 1 /
150 ) و من قبله البخاري في " التاريخ الكبير " ( 4 / 287 ) و لم يذكرا فيه
جرحا و لا تعديلا , و قد ذكره ابن حبان في " الثقات " , و قال الحافظ في
" التقريب " : " مقبول " . يعني عند المتابعة , و إلا فهو لين الحديث .
و قال المجد ابن تيمية في " منتقى الأخبار " عقب الحديث :
" و هو دليل على جواز تعلم النساء الكتابة " .
و تبعه على ذلك الشيخ عبد الرحمن بن محمود البعلبكي الحنبلي في " المطلع "
( ق 107 / 1 ) , ثم الشوكاني في " شرحه " ( 8 / 177 ) و قال :
" و أما حديث " لا تعلموهن الكتابة , و لا تسكنوهن الغرف , و علموهن سورة
النور " , فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من
تعليمها الفساد " .
قلت : و هذا الكلام مردود من وجهين :
الأول : أن الجمع الذي ذكره يشعر أن حديث النهي صحيح , و إلا لما تكلف التوفيق
بينه و بين هذا الحديث الصحيح . و ليس كذلك , فإن حديث النهي موضوع كما قال
الذهبي . و طرقه كلها واهية جدا , و بيان ذلك في " سلسلة الأحاديث الضعيفة "
رقم ( 2017 ) , فإذا كان كذلك فلا حاجة للجمع المذكور , و نحو صنيع الشوكاني
هذا قول السخاوي في هذا الحديث الصحيح " أنه أصح من حديث النهي " ! فإنه يوهم
أن حديث النهي صحيح أيضا .
و الآخر : لو كان المراد من حديث النهي من يخشى عليها الفساد من التعليم لم يكن
هناك فائدة من تخصيص النساء بالنهي , لأن الخشية لا تختص بهن , فكم من رجل كانت
الكتابة عليه ضررا في دينه و خلقه , أفينهى أيضا الرجال أن يعلموا الكتابة ? !
بل و عن تعلم القراءة أيضا لأنها مثل الكتابة من حيث الخشية !
و الحق أن الكتابة و القراءة , نعمة من نعم الله تبارك و تعالى على البشر كما
يشير إلى ذلك قوله عز و جل ( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق . اقرأ
و ربك الأكرم . الذي علم بالقلم ) , و هي كسائر النعم التي امتن الله بها عليهم
و أراد منهم استعمالها في طاعته , فإذا وجد فيهم من يستعملها في غير مرضاته ,
فليس ذلك بالذي يخرجها عن كونها نعمة من نعمه , كنعمة البصر و السمع و الكلام
و غيرها , فكذلك الكتابة و القراءة , فلا ينبغي للآباء أن يحرموا بناتهم من
تعلمها شريطة العناية بتربيتهن على الأخلاق الإسلامية , كما هو الواجب عليهم
بالنسبة لأولادهم الذكور أيضا , فلا فرق في هذا بين الذكور و الإناث .
و الأصل في ذلك أن كل ما يجب للذكور وجب للإناث , و ما يجوز لهم جاز لهن
و لا فرق , كما يشير إلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " إنما النساء شقائق
الرجال " , رواه الدارمي و غيره , فلا يجوز التفريق إلا بنص يدل عليه , و هو
مفقود فيما نحن فيه , بل النص على خلافه , و على وفق الأصل , و هو هذا الحديث
الصحيح , فتشبث به و لا ترض به بديلا , و لا تصغ إلى من قال :
ما للنساء و للكتابة و العمالة و الخطابة
هذا لنا و لهن منا أن يبتن على جنابة !
فإن فيه هضما لحق النساء و تحقيرا لهن , و هن كما عرفت شقائق الرجال .
نسأل الله تعالى أن يرزقنا الإنصاف و الاعتدال في الأمور كلها .
179 " لا طاعة لأحد في معصية الله تبارك و تعالى " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 297 :
رواه أحمد ( 5 / 66 ) عن عبد الله بن الصامت قال :
" أراد زياد أن يبعث عمران بن حصين على خراسان , فأبى عليهم , فقال له أصحابه :
أتركت خراسان أن تكون عليها ? قال : فقال إني و الله ما يسرني أن أصلى بحرها
و تصلون ببردها و إني أخاف إذا كنت في نحور العدو أن يأتيني كتاب من زياد , فإن
أنا مضيت هلكت , و إن رجعت ضربت عنقي , قال : فأراد الحكم بن عمرو الغفاري
عليها , قال : فانقاد لأمره , قال : فقال عمران : ألا أحد يدعو لي الحكم ?
قال : فانطلق الرسول , قال : فأقبل الحكم إليه , قال : فدخل عليه , قال : فقال
عمران للحكم : أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( فذكره ) قال : نعم
قال عمران : لله الحمد أو الله أكبر " .
قلت : و إسناده صحيح على شرط مسلم , و قواه الحافظ في " الفتح " ( 13 / 109 )
و روى الطبراني في " الكبير " ( 1 / 154 / 2 ) المرفوع منه فقط بهذا اللفظ .
و له طريق أخرى عند الطيالسي ( 856 ) و أحمد ( 4 / 432 , 5 / 66 ) و الطبراني
( 155 / 1 ) من طرق عن محمد قال :
" جاء رجل إلى عمران بن حصين و نحن عنده , فقال : استعمل الحكم بن عمرو الغفاري
على خراسان , فتمناه عمران حتى قال له رجل من القوم ألا ندعو لك ? فقال له : لا
ثم قام عمران , فلقيه بين الناس فقال عمران : إنك قد وليت أمرا من أمر المسلمين
عظيما , ثم أمره و نهاه و وعظه , ثم قال : هل تذكر يوم قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الله تبارك و تعالى " ? قال الحكم : نعم ,
قال عمران : الله أكبر " .
و في رواية لأحمد عن محمد :
" أنبئت أن عمران بن حصين قال للحكم الغفاري - و كلاهما من أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم : هل تعلم يوم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا طاعة
في معصية الله تبارك و تعالى ? قال : نعم , قال : الله أكبر , الله أكبر " .
و رجاله ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين محمد و هو ابن سيرين و بين عمران كما
هو صريح الرواية الثانية .
ثم أخرجه أحمد و الطبراني و الحاكم ( 3 / 443 ) من طريقين عن الحسن :
" أن زيادا استعمل الحكم الغفاري على جيش فأتاه عمران بن حصين فلقيه بين الناس
فقال : أتدري لم جئتك ? فقال له " لم ? قال : هل تذكر قول رسول الله صلى الله
عليه وسلم للرجل الذي قال أميره قع في النار ! " فقام الرجل ليقع فيها " فأدرك
فاحتبس , فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : لو وقع فيها لدخلا النار
جميعا , لا طاعة في معصية الله تبارك و تعالى ? قال : قال : إنما أردت أن أذكرك
هذا الحديث " .
و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .
قلت : و هو كما قالا إن كان الحسن - و هو البصري - سمعه من عمران فقد كان
مدلسا و قال الهيثمي في " المجمع " ( 5 / 226 ) بعد أن ساقه من طريق عبد الله
بن الصامت , و طريق الحسن هذه :
" رواه أحمد بألفاظ , و الطبراني باختصار , و في بعض طرقه لا طاعة لمخلوق في
معصية الخالق , و رجال أحمد رجال الصحيح " .
و للمرفوع منه طريق أخرى مختصرا بلفظ :
" لا طاعة في معصية الله تبارك و تعالى " .
180 " لا طاعة في معصية الله تبارك و تعالى " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 300 :
أخرجه أحمد ( 4 / 426 , 427 , 436 ) و كذا الطيالسي ( 850 ) عن قتادة قال :
سمعت أبا مراية العجيلي قال سمعت # عمران بن حصين # يحدث عن النبي صلى الله
عليه وسلم أنه قال : فذكره .
قلت : و رجاله ثقات رجال الشيخين غير أبي مراية هذا ذكره ابن حبان في
" الثقات " .
و أورده الهيثمي ( 5 / 226 ) بهذا اللفظ من حديث عمران و الحكم ابن عمرو
معا و قال :
" رواه البزار و الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " و رجال البزار رجال
الصحيح " .
و أورده السيوطي في " الجامع الكبير " ( 3 / 13 / 1 ) بلفظ الطبراني من رواية
أحمد و ابن جرير و ابن خزيمة و الطبراني في الكبير و ابن قانع عن عمران بن حصين
و الحكم بن عمرو الغفاري معا و أبي نعيم في " معجمه " و الخطيب عن أنس ,
و الشيرازي في " الألقاب " عن جابر , و الطبراني في " الكبير " عن النواس
بن سمعان .
قلت : و في هذا التخريج ما لا يخفى من التساهل , فقد علمت أن اللفظ ليس عند
أحمد و الحاكم , و إنما هو عند الطبراني فقط كما أفاده الهيثمي , و لا أدري هل
هو عند سائر من عزاه إليهم بهذا اللفظ أم بنحوه .
و أكثر من ذلك تسامحا ما فعله في الجامع الصغير , فقد أورده فيه باللفظ المذكور
من رواية أحمد و الحاكم فقط ! و هذا خطأ واضح , و كأن منشأه أنه لما وجد الحديث
في " الجامع الكبير " بهذا اللفظ معزوا للجماعة الذين سبق ذكرهم نسي أنه كان
تسامح في عزوه إليهم جميعا و أن اللفظ إنما هو لأحدهم و هو الطبراني , فلما
اختصر التخريج في " الجامع الصغير " اقتصر فيه على أحمد و الحاكم في العزو فنتج
من ذلك هذا الخطأ . و العصمة لله وحده .
و للحديث شاهد من حديث علي و فيه تفصيل قصة الأمير الذي أمر جنده بدخول النار ,
و هو :
" لا طاعة " لبشر " في معصية الله , إنما الطاعة في المعروف " .
181 " لا طاعة " لبشر " في معصية الله , إنما الطاعة في المعروف " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 301 :
أخرجه البخاري ( 13 / 203 - فتح ) و مسلم ( 6 / 15 ) و أبو داود ( 2625 )
و النسائي ( 2 / 187 ) و الطيالسي ( 109 ) و أحمد ( 1 / 94 ) عن # علي # .
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث جيشا , و أمر عليهم رجلا فأوقد نارا ,
و قال : ادخلوها , فأراد ناس أن يدخلوها , و قال الآخرون : إنا قد فررنا منها ,
فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال للذين أرادوا أن يدخلوها : لو
دخلتموها لم تزالوا فيها إلى يوم القيامة , و قال للآخرين قولا حسنا , و قال "
فذكره . و الزيادة للطيالسي و السياق لمسلم .
و في رواية عنه قال :
" بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية و استعمل عليهم رجلا من الأنصار
و أمرهم أن يسمعوا له و يطيعوا , فأغضبوه إلى شيء , فقال : اجمعوا لي حطبا
فجمعوا له , ثم قال . أوقدوا نارا , فأوقدوا , ثم قال : ألم يأمركم رسول الله
صلى الله عليه وسلم أن تسمعوا لي و تطيعوا ? قالوا : بلى , قال : فادخلوها !
قال : فنظر بعضهم إلى بعض فقالوا ( و في رواية : فقال لهم شاب ) إنما فررنا إلى
رسول الله صلى الله عليه وسلم من النار ( فلا تعجلوا حتى تلقوا النبي صلى الله
عليه وسلم , فإن أمركم أن تدخلوها فادخلوها ) فكانوا كذلك ,
و سكن غضبه و طفئت النار , فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم
فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها , إنما الطاعة في المعروف " .
أخرجه البخاري ( 8 / 47 , 13 / 109 ) و مسلم ( 6 / 16 ) و أحمد ( 1 / 82 , 134
) و الرواية الأخرى مع الزيادة هي له في رواية .
و في الحديث فوائد كثيرة أهمها أنه لا يجوز إطاعة أحد في معصية الله تبارك
و تعالى , سواء في ذلك الأمراء و العلماء و المشايخ . و منه يعلم ضلال طوائف من
الناس :
الأولى : بعض المتصوفة الذين يطيعون شيوخهم و لو أمرهم بمعصية ظاهرة بحجة أنها
في الحقيقة ليست بمعصية , و أن الشيخ يرى ما لا يرى المريد , و أعرف شيخا من
هؤلاء نصب نفسه مرشدا قص على أتباعه في بعض دروسه في المسجد قصة خلاصتها أن أحد
مشايخ الصوفية أمر ليلة أحد مريديه بأن يذهب إلى أبيه فيقتله على فراشه بجانب
زوجته , فلما قتله , عاد إلى شيخه مسرورا لتنفيذ أمر الشيخ ! فنظر إليه الشيخ
و قال : أتظن أنك قتلت أباك حقيقة ? إنما هو صاحب أمك ! و أما أبوك فهو غائب !
ثم بنى على هذه القصة حكما شرعيا بزعمه فقال لهم : إن الشيخ إذا أمر مريده بحكم
مخالف للشرع في الظاهر أن على المريد أن يطيعه في ذلك , قال : ألا ترون إلى هذا
الشيخ أنه في الظاهر أمر الولد بقتل والده , و لكنه في الحقيقة إنما أمره بقتل
الزاني بوالدة الولد , و هو يستحق القتل شرعا ! و لا يخفى بطلان هذه القصة شرعا
من وجوه كثيرة .
أولا : أن تنفيذ الحد ليس من حق الشيخ مهما كان شأنه , و إنما هو من الأمير
أو الوالي .
ثانيا : أنه لو كان له ذلك فلماذا نفذ الحد بالرجل دون المرأة و هما في ذلك
سواء ? .
ثالثا : إن الزاني المحصن حكمه شرعا القتل رجما , و ليس القتل بغير الرجم .
و من ذلك يتبين أن ذلك الشيخ قد خالف الشرع من وجوه , و كذلك شأن ذلك المرشد
الذي بنى على القصة ما بنى من وجوب إطاعة الشيخ و لو خالف الشرع ظاهرا , حتى
لقد قال لهم : إذا رأيتم الشيخ على عنقه الصليب فلا يجوز لكم أن تنكروا عليه !
و مع وضوح بطلان مثل هذا الكلام , و مخالفته للشرع و العقل معا نجد في الناس من
ينطلي عليه كلامه و فيهم بعض الشباب المثقف . و لقد جرت بيني و بين أحدهم
مناقشة حول تلك القصة و كان قد سمعها من ذلك المرشد و ما بنى عليها من حكم ,
و لكن لم تجد المناقشة معه شيئا و ظل مؤمنا بالقصة لأنها من باب الكرامات في
زعمه , قال : و أنتم تنكرون الكرامة و لما قلت له : لو أمرك شيخك بقتل والدك
فهل تفعل ? فقال : إنني لم أصل بعد إلى هذه المنزلة ! ! فتبا لإرشاد يؤدي إلى
تعطيل العقول و الاستسلام للمضلين إلى هذه المنزلة , فهل من عتب بعد ذلك على من
يصف دين هؤلاء بأنه أفيون الشعب ?
الطائفة الثانية : و هم المقلدة الذين يؤثرون اتباع كلام المذهب على كلام النبي
صلى الله عليه وسلم , مع وضوح ما يؤخذ منه , فإذا قيل لأحدهم مثلا : لا تصل سنة
الفجر بعد أن أقيمت الصلاة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك صراحة لم يطع
و قال المذهب : يجيز ذلك , و إذا قيل له : إن نكاح التحليل باطل لأن النبي صلى
الله عليه وسلم لعن فاعله , أجابك بقوله : لا بل هو جائز في المذهب الفلاني ! و
هكذا إلى مئات المسائل , و لهذا ذهب كثير من المحققين إلى أن أمثال هؤلاء
المقلدين ينطبق عليهم قول الله تبارك و تعالى في النصارى ( اتخذوا أحبارهم
و رهبانهم أربابا من دون الله ) كما بين ذلك الفخر الرازي في " تفسيره " .
الطائفة الثالثة : و هم الذين يطيعون ولاة الأمور فيما يشرعونه للناس من نظم
و قرارات مخالفة للشرع كالشيوعية و ما شابهها و شرهم من يحاول أن يظهر أن ذلك
موافق للشرع غير مخالف له . و هذه مصيبة شملت كثيرا ممن يدعي العلم و الإصلاح
في هذا الزمان , حتى اغتر بذلك كثير من العوام , فصح فيهم و في متبوعيهم الآية
السابقة " اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله " نسأل الله الحماية
و السلامة .
182 " إذا زار أحدكم أخاه فجلس عنده , فلا يقومن حتى يستأذنه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 304 :
رواه أبو الشيخ في " تاريخ أصبهان " ( 113 ) : حدثنا إسحق بن محمد ابن حكيم
قال : حدثنا يحيى بن واقد قال : حدثنا ابن أبي غنية قال : حدثنا أبي قال :
حدثنا جبلة بن سحيم عن # ابن عمر # قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات معرفون .
أما جبلة بن سحيم فهو ثقة أخرج له البخاري في " الأدب المفرد " .
و ابن أبي غنية فهو يحيى بن عبد الملك بن حميد بن أبي غنية , فهو ثقة من رجال
الشيخين , و كذا أبوه عبد الملك .
و أما يحيى بن واقد , فترجمه أبو الشيخ فقال :
" كان رأسا في النحو و العربية , كثير الحديث . و قال إبراهيم بن أرومة : يحيى
من الثقات , و ذكر أن مولده سنة خمس و ستين , خلافة المهدي . و من حسان حديثه
.. " .
قلت : ثم ساق له ثلاثة أحاديث هذا أولها .
و أما إسحاق بن محمد بن حكيم , فهو إسحاق بن محمد بن إبراهيم بن حكيم قال
أبو الشيخ ( 267 ) :
" شيخ صدوق من أهل الأدب و المعرفة بالحديث , عنده كتب أبي عبيدة و عبد الرزاق
.. كثير الحديث . و كان صدوقا ثقة , لا يحدث إلا من كتابه . توفي سنة اثنتي
عشرة و ثلاثمائة " .
قلت : و من العجائب أن هذا الحديث مما فات السيوطي في " الجامع الكبير " فلم
يورده فيه , بينما هو ذكره في " الجامع الصغير " من رواية الديلمي عن ابن عمر ,
فكأنه استدركه فيه , و لكنه فاته هذا المصدر العالي و هو " تاريخ أصبهان " كما
فات ذلك شارحه المناوي أيضا و قال معللا سند الديلمي :
" و فيه من لا يعرف " .
قلت : فإما أن يكون إسناد الديلمي غير إسناد أبي الشيخ , و أما أن يكون هو هذا
و لكن خفي عليه بعض رواته لأنهم لم يترجموا في غير هذا " التاريخ " , و هو الذي
أرجحه . و الله أعلم .
و بالجملة فهذا الحديث من الفوائد العزيزة التي لا تراها في كتاب بهذا الإسناد
و التحقيق . فلله الحمد , و هو ولي التوفيق .
و في الحديث تنبيه على أدب رفيع و هو أن الزائر لا ينبغي أن يقوم إلا بعد أن
يستأذن المزور , و قد أخل بهذا التوجيه النبوي الكريم كثير من الناس في بعض
البلاد العربية , فتجدهم يخرجون من المجلس دون استئذان , و ليس هذا فقط , بل
و بدون سلام أيضا ! و هذه مخالفة أخرى لأدب إسلامي آخر , أفاده الحديث الآتى :
" إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم , فإذا أراد أن يقوم فيسلم , فليست الأولى
بأحق من الآخرة " .
183 " إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم , فإذا أراد أن يقوم فيسلم , فليست الأولى
بأحق من الآخرة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 306 :
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1007 و 1008 ) و أبو داود ( 5208 )
و الترمذي ( 2 / 118 ) و الطحاوي في " المشكل " ( 2 / 139 ) و أحمد ( 2 / 230 ,
287 , 429 ) و الحميدي ( 1162 ) و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 306 / 1 )
و الفاكهي في " حديثه عن أبي يحيى بن أبي ميسرة " ( 1 / 5 / 2 ) عن ابن عجلان
عن سعيد المقبري عن # أبي هريرة # مرفوعا به و قال الترمذي : " حديث حسن " .
قلت : و إسناده جيد , رجاله كلهم ثقات , و في ابن عجلان و اسمه محمد , كلام
يسير لا يضر في الاحتجاج بحديثه , لاسيما و قد تابعه يعقوب ابن زيد التيمي عن
المقبري به . و التيمي هذا ثقة : فصح الحديث , و الحمد لله . و له شواهد تقويه
كما يأتي .
و الحديث عزاه السيوطي في " الجامع الصغير " و " الكبير " ( 1 / 45 / 1 ) لابن
حبان و الحاكم في " المستدرك " أيضا , ثم عزاه في مكان آخر من " الكبير "
( 1 / 21 / 1 ) لابن السني في " عمل اليوم و الليلة " و الطبراني في " الكبير "
و لم أره في " المستدرك " بعد أن راجعته فيه في " البر " و " الصلة " و " الأدب
" . و الله أعلم .
و من شواهد الحديث ما أخرجه أحمد ( 3 / 438 ) من طريق ابن لهيعة حدثنا زبان عن
سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" حق على من قام على مجلس أن يسلم عليهم , و حق على من قام من مجلس أن يسلم .
فقام رجل و رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم , و لم يسلم , فقال رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ما أسرع ما نسي ? !
قلت : و هذا سند ضعيف , و لكن لا بأس به في الشواهد . و يقويه أن البخاري أخرجه
في " الأدب المفرد " ( 1009 ) من طريق أخرى عن بسطام قال : سمعت معاوية بن قرة
قال : قال لي أبي :
" يا بني إن كنت في مجلس ترجو خيره فعجلت بك حاجة فقل : سلام عليكم , فإنك
تشركهم فيما أصابوا في ذلك المجلس , و ما من قوم يجلسون مجلسا فيتفرقون عنه لم
يذكروا الله , إلا كأنما تفرقوا عن جيفة حمار " .
و إسناده صحيح , رجاله كلهم ثقات , و هو و إن كان موقوفا , فهو في حكم المرفوع
لأنه لا يقال من قبل الرأي , لاسيما و غالبه قد صح مرفوعا , فطرفه الأول ورد
في حديث أبي هريرة هذا , و الآخر ورد من حديثه أيضا , و قد سبق برقم ( 77 )
و انظر ما قبله و ما بعده .
و السلام عند القيام من المجلس أدب متروك في بعض البلاد , و أحق من يقوم
بإحيائه هم أهل العلم و طلابه , فينبغي لهم إذا دخلوا على الطلاب في غرفة الدرس
مثلا أن يسلموا , و كذلك إذا خرجوا , فليست الأولى بأحق من الأخرى , و ذلك من
إفشاء السلام المأمور به في الحديث الآتى :
" إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض , فأفشوا السلام بينكم " .
184 " إن السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه في الأرض , فأفشوا السلام بينكم " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 308 :
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 989 ) حدثنا شهاب قال : حدثنا حماد بن سلمة
عن حميد عن # أنس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير حماد بن سلمة فمن
رجال مسلم وحده .
و له شاهد من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعا به .
أخرجه أبو الشيخ في " الطبقات " ( 147 , 295 ) من طريق عبد الله بن عمر قال :
حدثنا يحيى بن سعيد عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله به . و قال :
" تفرد به عبد الله بن عمر " .
قلت : و هو عبد الله بن عمر بن يزيد الزهري قال أبو الشيخ :
" يكنى أبا محمد , ولي القضاء بالكرخ , و خرج إليها , مات سنة اثنتين و خمسين
و مائتين , و كان راوية عن يحيى , و عبد الرحمن و روح و حماد بن مسعدة و محمد
بن بكر و أبو قتيبة و غيرهم , و له مصنفات كثيرة , و قد حدث بغير حديث يتفرد به
" .
ثم ساق له أحاديث هذا أولها .
و قد أورده ابن أبي حاتم ( 2 / 2 / 111 ) و لم يذكر فيه جرحا .
قلت : فالرجل يستشهد به إن لم يحتج به , فإنه ليس فيما ساق له أبو الشيخ من
الأحاديث ما ينكر عليه , و الله أعلم .
و الحديث أورده المنذري في " الترغيب " ( 3 / 267 - 268 ) بزيادة :
" فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة
بتذكيره إياهم السلام , فإن لم يردوا عليه رد عليه من هو خير منهم " .
و قال :
" رواه البزار و الطبراني و أحد إسنادي البزار جيد قوي " .
و في الباب عن أبي هريرة مثل حديث أنس .
أخرجه العقيلي كما في " الجامع الكبير " ( 1 / 159 / 1 ) .
و بالجملة فالحديث صحيح لا شك فيه , و الأحاديث في الأمر بإفشاء السلام كثيرة
صحيحة , بعضها في الصحيح , و قد اخترت منها هذا الحديث للكلام عليه , لأنه ليس
في " الصحيح " مع أن إسناده صحيح , و له تلك الشواهد فأحببت أن أبين ذلك .
إذا عرفت هذا فينبغي أن تعلم أن إفشاء السلام المأمور به دائرته واسعة جدا ,
ضيقها بعض الناس جهلا بالسنة , أو تهاملا في العمل بها . فمن ذلك السلام على
المصلي , فإن كثيرا من الناس يظنون أنه غير مشروع , بل صرح النووي في الأذكار
بكراهته , مع أنه صرح في " شرح مسلم " : " أنه يستحب رد السلام بالإشارة "
و هو السنة . فقد جاءت أحاديث كثيرة في سلام الصحابة على النبي صلى الله عليه
وسلم و هو يصلي فأقرهم على ذلك , و رد عليهم السلام , فأنا أذكر هنا حديثا
واحدا منها و هو حديث ابن عمر قال :
" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصل فيه . فجاءته الأنصار فسلموا
عليه و هو يصلي , قال : فقلت لبلال : كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه و هو يصلي ? قال : يقول هكذا , و بسط كفه
و بسط جعفر بن عون كفه , و جعل بطنه أسفل , و جعل ظهره إلى فوق " .
185 " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه . فجاءته الأنصار فسلموا
عليه و هو يصلي , قال : فقلت لبلال : كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه و هو يصلي ? قال : يقول هكذا , و بسط كفه
و بسط جعفر بن عون كفه , و جعل بطنه أسفل , و جعل ظهره إلى فوق " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 310 :
أخرجه أبو داود ( 927 ) بسند جيد و بقية أصحاب السنن .
و قال الترمذي ( 2 / 204 ) : " حديث حسن صحيح " .
و له طريق أخرى في المسند ( 2 / 30 ) و غيره عن ابن عمر .
و سنده صحيح على شرط الشيخين .
و قد ذهب إلى الحديث الإمامان أحمد بن حنبل و إسحاق بن راهويه فقال المروزي في
" المسائل " ( ص 22 ) :
" قلت ( يعني لأحمد ) : يسلم على القوم و هم في الصلاة ? قال : نعم , فذكر قصة
بلال حين سأله ابن عمر , كيف كان يرد ? قال : كان يشير , قال إسحاق : كما قال "
:
و اختار هذا بعض محققي المالكية فقال القاضي أبو بكر بن العربي في " العارضة "
( 2 / 162 ) :
" قد تكون الإشارة في الصلاة لرد السلام لأمر ينزل بالصلاة , و قد تكون في
الحاجة تعرض للمصلي . فإن كانت لرد السلام ففيها الآثار الصحيحة كفعل النبي
صلى الله عليه وسلم في قباء و غيره . و قد كنت في مجلس الطرطوشي , و تذاكرنا
المسألة , و قلنا الحديث و احتججنا به , و عامي في آخر الحلقة , فقام و قال :
و لعله كان يرد عليهم نهيا لئلا يشغلوه ! فعجبنا من فقهه ! ثم رأيت بعد ذلك أن
فهم الراوي أنه كان لرد السلام قطعي في الباب , على حسب ما بيناه في أصول الفقه
" .
و من العجيب أن النووي بعد أن صرح في الأذكار بكراهة السلام على المصلي قال ما
نصه :
" و المستحب أن يرد عليه في الصلاة بالإشارة , و لا يتلفظ بشيء " .
أقول : و وجه التعجب أن استحباب الرد فيه أن يستلزم استحباب السلام عليه
و العكس بالعكس , لأن دليل الأمرين واحد , و هو هذا الحديث و ما في معناه ,
فإذا كان يدل على استحباب الرد , فهو في الوقت نفسه يدل على استحباب الإلقاء ,
فلو كان هذا مكروها لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم و لو بعدم الإشارة
بالرد , لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . و هذا بين ظاهر
و الحمد لله .
و من ذلك أيضا السلام على المؤذن و قارىء القرآن , فإنه مشروع , و الحجة ما
تقدم فإنه إذا ما ثبت استحباب السلام على المصلي , فالسلام على المؤذن
و القارىء أولى و أحرى . و أذكر أنني كنت قرأت في المسند حديثا فيه سلام النبي
صلى الله عليه وسلم على جماعة يتلون القرآن , و كنت أود أن أذكره بهذه المناسبة
و أتكلم على إسناده , و لكنه لم يتيسر لي الآن .
و هل يردان السلام باللفظ أم بالإشارة ? الظاهر الأول , قال النووي : " و أما
المؤذن فلا يكره له رد الجواب بلفظه المعتاد لأن ذلك يسير , لا يبطل الأذان
و لا يخل به " .
و من ذلك تكرار السلام بعد حصول المفارقة و لو بعد مدة يسيرة , لقوله صلى الله
عليه وسلم :
" إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه , فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم
لقيه فليسلم عليه أيضا " .
186 " إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه , فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم
لقيه فليسلم عليه أيضا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 312 :
رواه أبو داود ( 5200 ) من طريق ابن وهب قال . أخبرني معاوية ابن صالح عن أبي
موسى عن أبي مريم عن # أبي هريرة # قال : إذا لقي ... قال معاوية : و حدثني
عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله
عليه وسلم مثله سواء .
قلت : و إسناد المرفوع صحيح رجاله كلهم ثقات , و أما إسناد الموقوف ففيه
أبو موسى هذا و هو مجهول . و قد أسقطه بعضهم من السند , فرواه عبد الله
بن صالح قال : حدثني معاوية عن أبي مريم عن أبي هريرة به موقوفا .
أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 1010 ) . و عبد الله ابن صالح فيه ضعف فلا
يحتج به , و خصوصا عند مخالفته , لكن قد أخرجه أبو يعلى ( 297 / 1 ) عنه هكذا ,
و عنه عن معاوية ابن صالح عن عبد الوهاب بن بخت مثل رواية ابن وهب المرفوعة ,
فهذا أصح .
و قد ثبت أن الصحابة كانوا يفعلون بمقتضى هذا الحديث الصحيح .
فروى البخاري في " الأدب " ( 1011 ) عن الضحاك بن نبراس أبي الحسن عن ثابت عن
أنس بن مالك .
" إن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يكونون , فتستقبلهم الشجرة , فتنطلق
طائفة منهم عن يمينها و طائفة عن شمالها , فإذا التقوا سلم بعضهم على بعض " .
قلت : و الضحاك هذا لين الحديث , لكن عزاه المنذري ( 3 / 268 ) و الهيثمي
( 8 / 34 ) للطبراني في الأوسط و قالا : " و إسناده حسن " .
فلا أدري أهو من طريق أخرى , أم من هذه الطريق ? ثم إنه بلفظ :
" كنا إذا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم , فتفرق بيننا شجرة , فإذا
التقينا يسلم بعضنا على بعض " . ثم رأيته في " عمل اليوم و الليلة " لابن السني
رقم ( 241 ) من طريق أخرى عن حماد بن سلمة حدثنا ثابت و حميد عن أنس به .
و هذا سند صحيح .
و يشهد له حديث المسيء صلاته المشهور عن أبي هريرة .
" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل المسجد , فدخل رجل فصلى , ثم جاء فسلم
على رسول الله صلى الله عليه وسلم , فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام ,
قال : ارجع فصل فإنك لم تصل , فرجع الرجل فصلى كما كان صلى , ثم جاء إلى النبي
صلى الله عليه وسلم فسلم عليه . ( فعل ذلك ثلاث مرات ) " .
أخرجه الشيخان و غيرهما . و به استدل صديق حسن خان في " نزل الأبرار "
( ص 350 - 351 ) على أنه :
" إذا سلم عليه إنسان ثم لقيه على قرب يسن له أن يسلم عليه ثانيا و ثالثا " .
و فيه دليل أيضا على مشروعية السلام على من في المسجد , و قد دل على ذلك حديث
سلام الأنصار على النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد قباء كما تقدم و مع هذا كله
نجد بعض المتعصبين لا يعبؤون بهذه السنة , فيدخل أحدهم المسجد و لا يسلم على من
فيه , زاعمين أنه مكروه . فلعل فيما كتبناه ذكرى لهم و لغيرهم , و الذكرى تنفع
المؤمنين .
187 " تعلم كتاب اليهود , فإني لا آمنهم على كتابنا " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 314 :
رواه أبو داود ( 3645 ) و الترمذي ( 2 / 119 ) و الحاكم ( 1 / 75 ) و صححه
و أحمد ( 5 / 186 ) و الفاكهي في " حديثه " ( 1 / 14 / 2 ) و اللفظ له , كلهم
عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن # خارجه بن زيد عن أبيه # قال :
" لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة , أتي بي إليه , فقرأت عليه ,
فقال لي .. " فذكره , قال : فما مر بي خمس عشرة حتى تعلمته , فكنت أكتب للنبي
صلى الله عليه وسلم , و أقرأ كتبهم إليه " .
و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .
قلت : و إسناده حسن , و إنما صححه الترمذي لأن له طريقا أخرى , و قد قال
الترمذي عقب ذلك :
" و قد روي من غير هذا الوجه عن زيد بن ثابت , رواه الأعمش , عن ثابت بن عبيد
الأنصاري عن زيد بن ثابت قال :
( أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم السريانية ) " .
قلت : وصله أحمد ( 5 / 182 ) و الحاكم ( 3 / 422 ) عن جرير عن الأعمش به بلفظ :
قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أتحسن السريانية ? فقلت : لا , قال : فتعلمها فإنه يأتينا كتب , فتعلمها في
سبعة عشر يوما " .
زاد الحاكم :
" قال الأعمش : كانت تأتيه كتب لا يشتهي أن يطلع عليها إلا من يثق به " .
و قال : " صحيح إن كان ثابت بن عبيد سمعه من زيد بن ثابت " .
قلت : لا أدري الذي حمل الحاكم على التردد في سماع ثابت إياه من زيد و هو مولاه
و لم يتهم بتدليس ! قال ابن حبان في " الثقات " ( 1 / 6 ) :
" ثابت بن عبيد الأنصاري , كوفي يروي عن عمر و زيد بن ثابت , روى عن ابن سيرين
و الأعمش , و هو مولى زيد بن ثابت " :
و قد قيل إن ثابت بن عبيد الأنصاري هو غير ثابت بن عبيد مولى زيد , فرق بينهما
أبو حاتم في " الجرح و التعديل " ( 1 / 1 / 454 ) , و عزى الحافظ في " التهذيب
" هذا التفريق إلى ابن حبان أيضا و هو وهم , بل ما نقلته عن ابن حبان آنفا يدل
عن عدم التفريق و هو الذي اعتمده الحافظ في " التقريب " و سواء كان هذا أو ذاك
فكلاهما ثقة , فالسند صحيح .
و الحديث علقه البخاري في صحيحه فقال : " و قال خارجة بن زيد ابن ثابت عن زيد
بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتعلم كتاب اليهود " .
قال الحافظ ابن حجر في شرحه ( 13 / 161 ) :
" و قد وصله مطولا في ( كتاب التاريخ ) " .
ثم ذكر ابن حجر الطريق الأخرى التي علقها الترمذي ثم قال :
" و هذا الطريق وقعت لي بعلو في " فوائد هلال الحفار " .
و أخرجه أحمد و إسحاق في " مسنديهما " , و أبو بكر بن أبي داود في
" كتاب المصاحف " و أبو يعلى , و عنده : إني أكتب إلى قوم فأخاف أن يزيدوا علي
و ينقصوا فتعلم السريانية . فذكره .
و له طريق أخرى أخرجها ابن سعد . و في كل ذلك رد على من زعم أن عبد الرحمن
بن أبي الزناد تفرد به . نعم لم يروه عن أبيه عن خارجة إلا عبد الرحمن .
فهو تفرد نسبي . و قصة ثابت يمكن أن تتحد مع قصة خارجة , فإن من لازم تعلم
كتابة اليهود تعلم لسانهم , و لسانهم السريانية , لكن المعروف أن لسانهم
العبرانية , فيحتمل أن زيدا تعلم اللسانين لاحتياجه إلى ذلك " .
قلت : و هذا الحديث في معنى الحديث المتداول على الألسنة : " من تعلم لسان قوم
أمن من مكرهم " لكن لا أعلم له أصلا بهذا اللفظ , و لا ذكره أحد ممن ألف في
الأحاديث المشتهرة على الألسنة , فكأنه إنما اشتهر في الأزمنة المتأخرة .
188 " انقضي شعرك و اغتسلي . أي في الحيض " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 317 :
رواه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 26 / 1 ) : أنبأنا وكيع عن هشام عن أبيه
عن # عائشة # أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في الحيض : فذكره .
و أخرجه ابن ماجه ( 641 ) من طريق ابن أبي شيبة و علي بن محمد قالا : حدثنا
وكيع به .
قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين . و هو عندهما في أثناء حديث عائشة في
قصة حيضها في حجة الوداع و أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها :
" انقضي رأسك و امتشطي و أمسكي عن عمرتك .. الحديث و ليس فيه " و اغتسلي " و هي
زيادة صحيحة بهذا السند الصحيح , و سياق الشيخين , يقتضيها ضمنا , و إن لم يصرح
بها لفظا . و لعل هذا هو وجه استدراك السندي على البوصيري قوله في " الزوائد "
: " و هذا إسناد رجاله ثقات " فقال السندي " قلت : ليس الحديث من الزوائد ,
بل هو في الصحيحين و غيرهما " .
و أقول : و لكل وجهة , فالسندي راعى المعنى الذي يقتضيه السياق كما أشرت إليه .
و البوصيري راعى اللفظ , و لا شك أنه بهذه الزيادة " و اغتسلي " إنما هو من
الزوائد على الشيخين , و لذلك أورده البوصيري , و تكلم في إسناده و وثقه .
و كان عليه أن يصرح بصحته كما فعل المجد ابن تيمية في " المنتقى " و الله
الموفق .
و لا تعارض بين الحديث و بين ما رواه أبو الزبير عن عبيد بن عمير قال :
" بلغ عائشة أن عبد الله بن عمرو يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن ,
فقالت : يا عجبا لابن عمرو هذا , يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينقضن رؤوسهن !
أفلا يأمرهن أن يحلقن رؤوسهن ?! لقد كنت أغتسل أنا و رسول الله صلى الله عليه
وسلم من إناء واحد , و لا أزيد على أن أفرغ على رأسي ثلاث إفراغات " .
أخرجه مسلم ( 1 / 179 ) و ابن أبي شيبة ( 1 / 24 / 1 - 2 ) و البيهقي
( 1 / 181 ) و أحمد ( 6 / 43 ) .
أقول : لا تعارض بينه و بين هذا لأمرين :
الأول : أنه أصح من هذا . فإن هذا و إن أخرجه مسلم فإن أبا الزبير مدلس
و قد عنعنه .
الثاني : أنه وارد في الحيض , و هذا في الجنابة , كما هو ظاهر , فيجمع
بينهما بذلك , فيقال يجب النقض في الحيض دون الجنابة . و بهذا قال الإمام
أحمد و غيره من السلف .
و هذا الجمع أولى , فقد جاء ما يشهد لهذا الحديث , عن أم سلمة قالت :
" قلت : يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي , فأنقضه لغسل الجنابة ? قال :
" لا إنما يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك فتطهرين " .
189 " لا إنما يكفيك إن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك فتطهرين " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 319 :
رواه مسلم ( رقم 178 ) و أصحاب السنن الأربعة و أبو علي الحسين ابن محمد
اللحياني في " حديثه " ( ق 123 / 1 ) و ابن أبي شيبة و البيهقي ( 1 / 181 )
و أحمد ( 6 / 289 و 314 - 315 ) من طريق سفيان الثوري و ابن عيينة و اللفظ له
و روح بن القاسم و أيوب ( و هو السختياني ) عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي
سعيد المقبري عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة عن # أم سلمة # قالت : فذكره
و قد رواه عن الثوري ثقتان يزيد بن هارون , و عبد الرزاق بن همام ,و قد اختلفا
عليه , فالأول رواه كرواية ابن عيينة , و الآخر قال في حديثه ,
" أفأنقضه للحيضة و الجنابة " ? .
فزاد فيه ( و الجنابة ) , فأرى أنها زيادة شاذة لتفرد عبد الرزاق بها عن سفيان
الثوري دون يزيد بن هارون , و رواية هذا أرجح لموافقتها للفظ ابن عيينة و روح
بن القاسم و السختياني . و الله أعلم .
و قد أفاض ابن القيم في " التهذيب " في بيان شذوذ هذه الزيادة فمن أراد التحقق
من ذلك فليرجع إليه ( 1 / 167 ) .
190 " لا خير فيها , هي من أهل النار . يعني امرأة تؤذي جيرانها بلسانها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 320 :
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 119 ) و ابن حبان ( 2054 ) و الحاكم
( 4 / 166 ) و أحمد ( 2 / 440 ) و أبو بكر محمد ابن أحمد المعدل في " الأمالي "
( 6 / 1 - 2 ) من طريق الأعمش قال :
حدثنا أبو يحيى مولى جعدة بن هبيرة قال سمعت أبا هريرة يقول :
" قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله إن فلانة تقوم الليل و تصوم
النهار , و تفعل و تصدق , و تؤذي جيرانها بلسانها فقال رسول الله صلى الله عليه
وسلم : لا خير فيها , هي من أهل النار , قال : و فلانه تصلي المكتوبة و تصدق
بأتوار ( من الأقط ) و لا تؤذي أحدا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هي
من أهل الجنة " .
قلت : و إسناده صحيح رجاله كلهم ثقات معروفون غير أبي يحيى هذا و قد بيض
له الحافظ في " التهذيب " فلم يذكر توثيقه عن أحد , و بناء عليه قال في
" التقريب " : مقبول . أي لين الحديث . و هذا منه عجيب , فقد روى ابن أبي حاتم
( 4 / 2 / 457 ) عن ابن معين أنه قال فيه " ثقة " . و اعتمده الذهبي في
" الميزان " فقال أيضا : " ثقة " . و يقوي ذلك أن مسلما أخرج له حديثا واحدا ,
كما في " تهذيب الكمال " .
و الحديث أخرجه البزار و ابن أبي شيبة كما في " الترغيب " ( 4 / 235 ) و صحح
إسناده .
( أتوار ) جمع ( تور ) بالمثناة الفوقية إناء من صفر .
191 " كان يصوم في السفر و يفطر , و يصلي ركعتين لا يدعهما , يقول : لا يزيد عليهما
. يعني الفريضة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 321 :
أخرجه الطحاوي ( 1 / 333 ) و أحمد ( 1 / 402 و 407 ) من طريق حماد عن إبراهيم
عن علقمة عن # ابن مسعود # مرفوعا .
قلت : و هذا سند جيد , و هو على شرط مسلم و حماد هو ابن أبي سليمان الفقيه
و فيه كلام لا يضر , و الحديث صحيح قطعا بشقيه , أما قصر الصلاة ففيه أحاديث
كثيرة مشهورة عن جماعة من الصحابة فلا نطيل الكلام بذكرها . و أما الصوم في
السفر , فقد بدرت من الصنعاني في " سبل السلام " كلمة نفى فيها أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم صام في السفر فرضا فقال ( 2 / 34 ) :
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه لم يتم رباعية في سفر , و لا صام فيه فرضا " !
و لهذا توجهت الهمة إلى ذكر بعض الأحاديث التي تدل على خطأ النفي المذكور ,
فأقول :
ورد صومه صلى الله عليه وسلم في السفر عن جماعة من الصحابة منهم عبد الله
بن مسعود . و عبد الله بن عباس و أنس بن مالك , و أبو الدرداء .
1 - أما حديث ابن مسعود , فهو هذا .
2 - و أما حديث ابن عباس , فقال أبو داود الطيالسي ( 1 / 190 ) :
حدثنا سليمان ( و هو ابن معاذ الضبي ) عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس مرفوعا
بالشطر الأول منه .
و هذا سند حسن رجاله رجال مسلم , و قد أخرجه في صحيحه ( 3 / 141 ) و كذا أحمد
( 1 / 232 ) من طريق طاووس عن ابن عباس قال :
" لا تعب على من صام , و لا على من أفطر , فقد صام رسول الله صلى الله عليه
وسلم في السفر و أفطر " .
و أخرجه البخاري ( 3 / 146 ) و مسلم و غيرهما من طريق عبيد الله بن عتبة عن
ابن عباس :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى مكة في رمضان فصامه حتى بلغ الكديد
أفطر , فأفطر الناس " .
( الكديد ) بفتح الكاف مكان معروف بين عسفان و قديد , و بين الكديد و مكة
مرحلتان , و بينه و بين المدينة عدة أيام كما في " الفتح " ( 3 / 147 ) .
و في رواية للبخاري ( 3 / 151 ) و مسلم ( 3 / 141 ) من طريق مجاهد عن طاووس
عن ابن عباس قال :
" خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة فصام حتى بلغ عسفان ,
ثم دعا بماء فرفعه إلى يده ليراه الناس فأفطر حتى قدم مكة , و ذلك في رمضان ,
فكان ابن عباس يقول : قد صام رسول الله صلى الله عليه وسلم و أفطر , فمن شاء
صام , و من شاء أفطر " .
و أخرجه ابن جرير في تفسيره ( 3 / 468 / 2883 ) عن العوام بن حوشب قال :
" قلت لمجاهد : الصوم في السفر ? قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم
فيه و يفطر , قلت : فأيهما أحب إليك ? قال : إنما هي رخصة , و أن تصوم رمضان
أحب إلي " .
و سنده مرسل صحيح .
3 - و أما حديث أنس , فرواه عنه زياد النميري : حدثني أنس ابن مالك قال :
" وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم رمضان في سفر فصامه , و وافقه رمضان في
سفر فأفطره " .
رواه البيهقي ( 4 / 244 ) , و زياد هذا هو ابن عبد الله النميري البصري ضعيف ,
يكتب حديثه للشواهد .
4 - و أما حديث أبي الدرداء , فيرويه الوليد بن مسلم عن سعيد ابن عبد العزيز
عن إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال :
" خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان , في حر شديد , حتى إن
كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر , و ما فينا صائم إلا رسول الله
صلى الله عليه وسلم و عبد الله بن رواحة " .
أخرجه مسلم ( 3 / 145 ) : حدثنا داود بن رشيد حدثنا الوليد بن مسلم به .
و الوليد بن مسلم و إن كان ثقة فإنه يدلس تدليس التسوية , و قد عنعن الإسناد
كله , لكن أخرجه أبو داود في " سننه " ( 1 / 378 ) :
حدثنا مؤمل بن الفضل حدثنا الوليد حدثنا سعيد بن عبد العزيز ... فساقه مسلسلا
بالتحديث في جميع الرواة إلا في أم الدرداء فقال : عن أبي الدرداء به . إلا أنه
قال :
" في بعض غزواته " و لم يقل " في شهر رمضان " .
و هذا هو الصواب عندي أن حديث أبي الدرداء ليس فيه " في شهر رمضان " , و ذلك
لأمور :
الأول : أن سعيد بن عبد العزيز و إن كان ثقة , فقد كان اختلط قبول موته كما قال
أبو مسهر , و قد اختلف عليه في قوله " في شهر رمضان " فأثبته عنه الوليد بن
مسلم في رواية داود بن رشيد عنه , و لم يثبتها عنه في رواية مؤمل بن الفضل ,
و هو ثقة . و تترجح هذه الرواية عن الوليد بمتابعة بعض الثقات له عليه , منهم
عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز به بلفظ :
" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر ..." .
أخرجه الشافعي في " السنن " ( 1 / 269 ) .
و منهم أبو المغيرة و اسمه عبد القدوس بن الحجاج الحمصي .
أخرجه أحمد ( 5 / 194 ) عنه .
فهؤلاء ثلاثة من الثقات لم يذكروا ذلك الحرف " شهر رمضان " , فروايتهم مقدمة
على رواية الوليد الأخرى كما هو ظاهر لا يخفى , و يؤيده الأمر التالي , و هو :
الثاني : أن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قد تابع سعيدا على رواية الحديث عن
إسماعيل بن عبيد الله بتمامه , و لكنه خالفه في هذا الحرف فقال :
" خرجنا مع رسول الله في بعض أسفارنا ... "
أخرجه البخاري ( 3 / 147 ) , و عبد الرحمن هذا أثبت من سعيد , فروايته عند
المخالفة أرجح , لاسيما إذا وافقه عليها سعيد نفسه في أكثر الروايات عنه كما
تقدم .
الثالث : أن هشام بن سعد قد تابعه أيضا و لكنه لم يذكر فيه الحرف المشار إليه .
أخرجه أحمد ( 6 / 444 ) عن حماد بن خالد قال : حدثنا هشام بن سعد عن عثمان
بن حيان و إسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء عن أبي الدرداء به .
و هشام بن سعد ثقة حسن الحديث , و قد احتج به مسلم كما يأتي .
الرابع : أن الحديث جاء من طريق أخرى عن أم الدرداء لم يرد فيه الحرف المذكور .
أخرجه مسلم ( 3 / 145 ) و ابن ماجه ( 1 / 510 ) و البيهقي ( 4 / 245 ) و أحمد
( 5 / 194 ) من طرق عن هشام بن سعد عن عثمان بن حيان الدمشقي عن أم الدرداء به
بلفظ :
" لقد رأيتنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره .." .
و قرن أحمد في رواية له كما تقدم إسماعيل بن عبيد الله مع عثمان بن حيان , فقد
روى هشام بن سعد الحديث من الطريقين عن أم الدرداء .
قلت : فهذه الوجوه الأربعة ترجح أن قوله في رواية مسلم " في شهر رمضان " شاذ لا
يثبت في الحديث , و قد أوهم الحافظ عبد الغني المقدسي في " عمدة الأحكام " حيث
أورد الحديث ( رقم 183 ) بلفظ مسلم بهذه الزيادة أنها من المتفق عليها بين
الشيخين . لأنه لم يقل على الأقل " و اللفظ لمسلم " كما هو الواجب في مثله ,
و لم أجد من نبه على شذوذ هذه الزيادة , حتى و لا الحافظ ابن حجر , بل إنه
ذكرها من رواية مسلم ثم بنى عليه قوله :
" و بهذه الزيادة يتم المراد من الاستدلال ( يعني على جواز إفطار المسافر في
رمضان ) و يتوجه الرد بها على ابن حزم في زعمه أن حديث أبي الدرداء هذا لا حجة
فيه , لاحتمال أن يكون ذلك الصوم تطوعا " .
فأقول : إن الرد المذكور غير متجه بعد أن حققنا شذوذ رواية مسلم , شذوذا لا يدع
مجالا للشك فيه , و لو أن الحافظ رحمه الله تيسر له تتبع طرق هذا الحديث و
ألفاظه لما قال ما ذكر .
و قد وهم في الحديث الصنعاني في " العدة " و هما آخر فقال ( 3 / 368 ) :
" و هذا الحديث في مسلم لأبي الدرداء و في البخاري نسبة لأم الدرداء " .
و الصواب أن الحديث عند البخاري كما هو عند مسلم من مسند أبي الدرداء , لكنهما
أخرجاه من طريق أم الدرداء عنه .
هذا , و إنما يتجه الرد على ابن حزم بالأحاديث الأخرى التي سقناها عن جماعة من
الصحابة , و كذلك يرد عليه بالحديث الآتي :
" هي رخصة " يعني الفطر في السفر " من الله , فمن أخذ بها فحسن , و من أحب أن
يصوم , فلا جناح عليه " .
192 " هي رخصة ـ يعني الفطر في السفر ـ من الله , فمن أخذ بها فحسن , و من أحب أن
يصوم , فلا جناح عليه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 327 :
رواه مسلم ( 3 / 145 ) و النسائي ( 1 / 317 ) و البيهقي ( 4 / 243 ) من طريق
أبي مراوح عن # حمزة بن عمرو الأسلمي # رضي الله عنه أنه قال :
" يا رسول الله ! أجد بي قوة على الصيام في السفر , فهل علي جناح ? فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم ..." فذكره .
قال مجد الدين بن تيمية في " المنتقى " :
" و هو قوي الدلالة على فضيلة الفطر " .
قلت : و وجه الدلالة قوله في الصائم " فلا جناح عليه " , أي : لا إثم عليه ,
فإنه يشعر بمرجوحية الصيام كما هو ظاهر , لاسيما مع مقابلته بقوله في الفطر
" فحسن " , لكن هذا الظاهر غير مراد عندي , و الله أعلم , و ذلك لأن رفع الجناح
في نص ما عن أمر ما , لا يدل إلا على أنه يجوز فعله و أنه لا حرج على فاعله ,
و أما هل هذا الفعل مما يثاب عليه فاعله أو لا , فشيء آخر لا يمكن أخذه من النص
ذاته بل من نصوص أخرى خارجة عنه , و هذا شيء معروف عند من تتبع الأمور التي ورد
رفع الجناح عن فاعلها و هي على قسمين :
أ - قسم منها يراد بها رفع الحرج فقط مع استواء الفعل و الترك , و هذا هو
الغالب , و من أمثلته قوله صلى الله عليه وسلم :
" خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب , و الحدأة , و الفأرة
و العقرب , و الكلب العقور " .
193 " خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح : الغراب , و الحدأة , و الفأرة
و العقرب , و الكلب العقور " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 328 :
أخرجه الشيخان و مالك و أصحاب السنن الأربعة إلا الترمذي و الدارمي ( 2 / 36 )
و البيهقي و أحمد ( 2 / 8 , 32 , 37 , 48 , 52 , 54 , 65 , 82 , 138 ) من طرق
عن # ابن عمر # مرفوعا به .
و من الواضح أن المراد من رفع الجناح في هذا الحديث هو تجويز القتل , و لا يفهم
منه أن القتل مستحب أو واجب أو تركه أولى .
ب - و قسم يراد به رفع الحرج عن الفعل , مع كونه في نفسه مشروعا له فضيلة , بل
قد يكون واجبا , و إنما يأتي النص برفع الحرج في هذا القسم دفعا لوهم أو زعم من
قد يظن الحرج في فعله , و من أمثلة هذا ما روى الزهري عن عروة قال :
" سألت عائشة رضي الله عنها ? فقلت لها : أرأيت قول الله تعالى ( إن الصفا
و المروة من شعائر الله , فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما )
فوالله ما على أحد جناح أن لا يطوف بالصفا و المروة ! قالت : بئس ما قلت يا ابن
أختي , إن هذه لو كانت كما أولتها عليه كانت " لا جناح عليه أن لا يطوف بهما "
! و لكنها أنزلت في الأنصار , كانوا قبل أن يسلموا يهلون لمناة الطاغية التي
كانوا يعبدونها عند المشلل , فكان من أهل يتحرج أن يطوف بالصفا و المروة , فلما
أسلموا سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك , قالوا : يا رسول الله إنا
كنا نتحرج أن نطوف بالصفا و المروة , فأنزل الله : ( إن الصفا و المروة من
شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) , قالت عائشة
رضي الله عنها : و قد سن رسول الله صلى الله عليه وسلم الطواف بينهما , فليس
لأحد أن يترك الطواف بينهما " .
أخرجه البخاري ( 1 / 414 ) و أحمد ( 6 / 144 , 227 ) .
إذا تبين هذا فقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث " و من أحب أن يصوم فلا جناح
عليه " , لا يدل إلا على رفع الإثم عن الصائم , و ليس فيه ما يدل على ترجيح
الإفطار على الصيام , و لكن إذا كان من المعلوم أن صوم رمضان في السفر عبادة
بدليل صيامه صلى الله عليه وسلم فيه , فمن البدهي حينئذ أنه أمر مشروع حسن ,
و إذا كان كذلك فإن وصف الإفطار في الحديث بأنه حسن , لا يدل على أنه أحسن من
الصيام , لأن الصيام أيضا حسن كما عرفت , و حينئذ فالحديث لا يدل على أفضلية
الفطر المدعاة , بل على أنه و الصيام متماثلان .
و يؤكد ذلك حديث حمزة بن عمرو من رواية عائشة رضي الله عنها : أن حمزة بن عمرو
الأسلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رجل أسرد
الصوم , فأصوم في السفر ? قال :
" صم إن شئت , و أفطر إن شئت " .
194 " صم إن شئت , و أفطر إن شئت " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 330 :
أخرجه الشيخان و غيرهما من أصحاب الستة و ابن أبي شيبة ( 2 / 150 / 1 ) و عنه
أبو حفص الكناني في " الأمالي " ( 17 / 1 ) .
قلت : فخيره صلى الله عليه وسلم بين الأمرين , و لم يفضل له أحدهما على الآخر ,
و القصة واحدة , فدل على أن الحديث ليس فيه الأفضلية المذكورة .
و يقابل هذه الدعوى قول الشيخ علي القاري في " المرقاة " أن الحديث دليل على
أفضلية الصوم . ثم تكلف في توجيه ذلك .
و الحق أن الحديث يفيد التخيير لا التفضيل , على ما ذكرناه من التفصيل .
نعم يمكن الاستدلال لتفضيل الإفطار على الصيام بالأحاديث التي تقول :
" إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته . ( و في رواية ) : كما
يحب أن تؤتى عزائمه " .
و هذا لا مناص من القول به , لكن يمكن أن يقيد ذلك بمن لا يتحرج بالقضاء ,
و ليس عليه حرج في الأداء , و إلا عادت الرخصة عليه بخلاف المقصود . فتأمل .
و أما حديث " من أفطر ( يعني في السفر ) فرخصة , و من صام فالصوم أفضل " .
فهو حديث شاذ لا يصح . و الصواب أنه موقوف على أنس كما بينته في " الأحاديث
الضعيفة " ( رقم 936 ) , و لو صح لكان نصا في محل النزاع , لا يقبل الخلاف ,
و هيهات , فلابد حينئذ من الاجتهاد و الاستنباط , و هو يقتضى خلاف ما أطلقه
هذا الحديث الموقوف , و هو التفصيل الذي ذكرته . و الله الموفق .
195 " إن الله يبغض كل جعظرى جواظ , سخاب في الأسواق , جيفة بالليل , حمار بالنهار
عالم بأمر الدنيا , جاهل بأمر الآخرة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 331 :
رواه بن حبان في " صحيحه " ( 1957 - موارد ) : أخبرنا أحمد ابن محمد بن الحسن :
حدثنا أحمد بن يوسف السلمي : أنبأنا عبد الرزاق : أنبأنا عبد الله بن سعيد بن
أبي هند عن أبيه عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ,
فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال مسلم , غير شيخ ابن
حبان أحمد بن الحسن و هو أبو حامد النيسابوري المعروف بابن الشرقي قال الخطيب
( 4 / 426 - 427 ) :
" و كان ثقة , ثبتا متقنا حافظا " .
و تابعه أبو بكر القطان حدثنا أحمد بن يوسف السلمي به .
أخرجه البيهقي ( 10 / 194 ) .
( الجعظري ) الفظ الغليظ المتكبر .
( الجواظ ) الجموع المنوع .
( السخاب ) كالصخاب : كثير الضجيج و الخصام . و في رواية ذكرها ابن الأثير
( خشب بالليل , سخب بالنهار . أي إذا جن عليهم الليل سقطوا نياما كأنهم خشب
فإذا أصبحوا تساخبوا على الدنيا شحا و حرصا " .
( جيفة ) أي كالجيفة , لأنه يعمل كالحمار طوال النهار لدنياه , و ينام طول ليله
كالجيفة التي لا تتحرك .
قلت : و ما أشد انطباق هذا الحديث على هؤلاء الكفار الذين لا يهتمون لآخرتهم ,
مع علمهم بأمور دنياهم , كما قال تعالى فيهم ( يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا ,
و هم عن الآخرة هم غافلون ) و لبعض المسلمين نصيب كبير من هذا الوصف , الذين
يقضون نهارهم في التجول في الأسواق و الصياح فيها , و يضيعون عليهم الفرائض
و الصلوات , ( فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون . الذين هم يراؤن .
و يمنعون الماعون ) .
196 " كان يقول في دبر كل صلاة مكتوبة " حين يسلم " : لا إله إلا الله وحده لا شريك
له , له الملك و له الحمد " يحيي و يميت , و هو حي لا يموت بيده الخير " , و هو
على كل شيء قدير " ثلاث مرات " , اللهم لا مانع لما أعطيت , و لا معطي لما منعت
و لا ينفع ذا الجد منك الجد " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 333
رواه البخاري ( 2 / 264 - 265 ) و مسلم ( 2 / 95 ) و أبو داود ( 1 / 236 )
و النسائي ( 1 / 197 ) و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 112 )
و أحمد ( 4 / 245 , 247 , 250 , 251 , 254 , 255 ) من طريق وراد كاتب المغيرة
بن شعبة قال :
" أملى علي # المغيرة بن شعبة # في كتاب إلى معاوية أن النبي صلى الله عليه
وسلم " فذكره .
و هذا إسناد صحيح , و حديث معروف بالصحة , و إنما ذكرته لهذه الزيادات فإنها
غير مشهورة عند أكثر الناس , و الزيادة الأولى لأحمد و أبي داود , و الثانية
للطبراني من طريق أخرى عن المغيرة و رواته موثقون كما قال الحافظ , و عند ابن
السني من الطريق الأولى قوله " بيده الخير " و سنده صحيح . و الزيادة الثالثة
للنسائي و أحمد في رواية , و سندها صحيح .
و رواها ابن خزيمة أيضا كما في " الفتح " .
و في الحديث مشروعية هذا الذكر بعد السلام من الفريضة , و قد حرم فضله من ذهب
إلى عدم مشروعية الزيادة على قوله " اللهم أنت السلام .. " الخ عقب الفرض ,
و أن ما سواه من الأوراد إنما تقال عقب السنة البعدية ! و في هذا الحديث رد
صريح عليهم لا يقبل الرد , و مثله الحديث المتقدم برقم ( 102 ) .
197 " إذا رأيتني على مثل هذه الحالة فلا تسلم علي , فإنك إذا فعلت ذلك لم أرد
عليك " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 334 :
رواه بن ماجه ( 1 / 145 / 146 ) و ابن أبي حاتم في " العلل " ( 1 / 34 ) عن
عيسى بن يونس عن هاشم بن البريد عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن # جابر بن عبد
الله # " أن رجلا مر على النبي صلى الله عليه وسلم و هو يبول فسلم عليه , فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " الحديث . و قال ابن أبي حاتم عن أبيه :
" لا أعلم روى هذا الحديث أحد غير هاشم بن البريد " .
قلت : و هو ثقة , و لا يضره أنه رمي بالتشيع , و لهذا قال البوصيري في
" الزوائد " ( ق 27 / 2 ) :
" هذا إسناد حسن " .
قلت : و ظاهر الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك و هو يبول , ففيه دليل على
جواز الكلام على الخلاء , و الحديث الوارد في أن الله يمقت على ذلك مع أنه لا
يصح من قبل إسناده , فهو غير صريح فيه فإنه بلفظ :
" لا يتناجى اثنان على غائطهما , ينظر كل منهما إلى عورة صاحبه , فإن الله يمقت
على ذلك " .
فهذا النص إنما يدل على تحريم هذه الحالة و هي التحدث مع النظر إلى العورة ,
و ليس فيه أن التحدث وحده - و إن كان في نفسه مستهجنا - مما يمقته الله تبارك
و تعالى , بل هذا لابد له من دليل يقتضي تحريمه و هو شيء لم نجده , بخلاف
تحريم النظر إلى العورة , فإن تحريمه ثابت في غير ما حديث .
ثم رأيت للحديث شاهدا من حديث ابن عمر بهذا اللفظ نحوه .
أخرجه ابن الجارود في " المنتقى " ( 27 - 28 ) و سنده حسن أيضا .
ثم رأيته في " فوائد عبد الباقي بن قانع " ( 160 / 1 - 2 ) أخرجه من طريقين
عن نافع عن ابن عمر , و رجالهما ثقات معروفون إلا أن شيخه في الأول منهما محمد
بن عثمان بن أبي شيبة , و فيه كلام , و شيخه في الطريق الأخرى محمد بن عنبسة
بن لقيط الضبي , أورده الخطيب ( 3 / 139 ) و ساق له هذا الحديث من طريق ابن
قانع عنه , و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا , لكنه متابع عند ابن الجارود ,
فالحديث صحيح .
198 " من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر : بسم الله في أوله و آخره
فإنه يستقبل طعاما جديدا , و يمنع الخبيث ما كان يصيب منه " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 335
رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 1340 - موارد ) و ابن السني في " عمل اليوم
و الليلة " ( 453 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 74 / 1 ) عن خليفة
بن خياط حدثنا عمر بن علي المقدمي قال : سمعت موسى الجهني يقول :
أخبرني # القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده # قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات , و موسى الجهني هو ابن عبد الله ,
و يقال : ابن عبد الرحمن أبو سلمة و يقال أبو عبد الله الكوفي .
و الحديث قال الهيثمي ( 5 / 235 ) :
" رواه الطبراني في الأوسط و الكبير و رجاله ثقات " .
قلت و لأبي سلمة الجهني هذا حديث آخر بهذا الإسناد , إلا أنه جاء فيه مكنيا غير
مسمى , فخفي حاله على أئمة الحديث و جهلوه و صرح بذلك الحافظ الذهبي و غيره ,
فاغتررت بذلك برهة من الزمن , فتوقفت عن تصحيح الحديث المشار إليه , إلى أن
وقفت على حديث الطعام هذا و أنه من رواية موسى الجهني ففتح لي طريق معرفة أبي
سلمة و أنه هو نفسه , فرجعت عن التوقف المشار إليه , و وقفت لتصحيح الحديث و
الحمد لله الموفق و الحديث هو :
" ما أصاب أحدا قط هم و لا حزن , فقال : اللهم إني عبدك , و ابن عبدك , و ابن
أمتك , ناصيتي بيدك , ماض في حكمك , عدل في قضاؤك , أسألك بكل اسم هو لك سميت
به نفسك , أو علمته أحدا من خلقك , أو أنزلته في كتابك , أو استأثرت به في علم
الغيب عندك , أن تجعل القرآن ربيع قلبي , و نور صدري , و جلاء حزني , و ذهاب
همي , إلا أذهب الله همه و حزنه , و أبدله مكانه فرجا . قال : فقيل : يا رسول
الله ألا نتعلمها ? فقال بلى , ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها " .
199 " ما أصاب أحدا قط هم و لا حزن , فقال : اللهم إني عبدك و ابن عبدك و ابن أمتك
ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك , أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ,
أو علمته أحدا من خلقك , أو أنزلته في كتابك , أو استأثرت به في علم الغيب عندك
أن تجعل القرآن ربيع قلبي و نور صدري و جلاء حزني و ذهاب همي . إلا أذهب الله
همه و حزنه و أبدله مكانه فرجا . قال : فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ? فقال
بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 337 :
رواه أحمد ( 3712 ) و الحارث بن أبي أسامة في مسنده ( ص 251 من زوائده )
و أبو يعلى ( ق 156 / 1 ) و الطبراني في " الكبير " ( 3 / 74 / 1 ) و ابن حبان
في " صحيحه " ( 2372 ) و الحاكم ( 1 / 509 ) من طريق فضيل بن مرزوق حدثنا
أبو سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن # عبد الله # قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .
و قال الحاكم :
" حديث صحيح على شرط مسلم , إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ,
فإنه مختلف في سماعه من أبيه " .
و تعقبه الذهبي بقوله :
" قلت : و أبو سلمة لا يدري من هو و لا رواية له في الكتب الستة " .
قلت : و أبو سلمة الجهني ترجمه الحافظ في " التعجيل " و قال :
" مجهول . قاله الحسيني . و قال مرة : لا يدري من هو . و هو كلام الذهبي في
" الميزان " , و قد ذكره ابن حبان في " الثقات " , و أخرج حديثه في " صحيحه " ,
و قرأت بخط الحافظ بن عبد الهادي : يحتمل أن يكون خالد بن سلمة .
قلت : و هو بعيد لأن خالدا مخزومي و هذا جهني " .
قلت : و ما استبعده الحافظ هو الصواب , لما سيأتي , و وافقه على ذلك الشيخ أحمد
شاكر رحمه الله تعالى في تعليقه على المسند ( 5 / 267 ) و أضاف إلى ذلك قوله :
" و أقرب منه عندي أن يكون هو " موسى بن عبد الله أو ابن عبد الجهني و يكنى أبا
سلمة , فإنه من هذه الطبقة " .
قلت : و ما استقر به الشيخ هو الذي أجزم به بدليل ما ذكره , مع ضميمة شيء آخر
و هو أن موسى الجهني قد روى حديثا آخر عن القاسم بن عبد الرحمن به , و هو
الحديث الذي قبله فإذا ضمت إحدى الروايتين إلى الأخرى ينتج أن الراوي عن القاسم
هو موسى أبو سلمة الجهني , و ليس في الرواة من اسمه موسى الجهني إلا موسى بن
عبد الله الجهني و هو الذي يكنى بأبي سلمة و هو ثقة من رجال مسلم , و كأن
الحاكم رحمه الله أشار إلى هذه الحقيقة حين قال في الحديث " صحيح على شرط مسلم
... " فإن معنى ذلك أن رجاله رجال مسلم و منهم أبو سلمة الجهني و لا يمكن أن
يكون كذلك إلا إذا كان هو موسى بن عبد الله الجهني . فاغتنم هذا التحقيق فإنك
لا تراه في غير هذا الموضع . و الحمد لله على توفيقه .
بقي الكلام على الانقطاع الذي أشار إليه الحاكم , و أقره الذهبي عليه , و هو
قوله :
" إن سلم من إرسال عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه ... " .
قلت : هو سالم منه , فقد ثبت سماعه منه بشهادة جماعة من الأئمة , منهم سفيان
الثوري و شريك القاضي و ابن معين و البخاري و أبو حاتم , و روى البخاري في
" التاريخ الصغير " بإسناد لا بأس به عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله
بن مسعود عن أبيه قال :
" لما حضر عبد الله الوفاة , قال له ابنه عبد الرحمن : يا أبت أوصني , قال :
ابك من خطيئتك " .
فلا عبرة بعد ذلك بقول من نفى سماعه منه , لأنه لا حجة لديه على ذلك إلا عدم
العلم بالسماع , و من علم حجة على من يعلم .
و الحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 10 / 136 ) :
" رواه أحمد و أبو يعلى و البزار و الطبراني و رجال أحمد رجال الصحيح غير
أبي سلمة الجهني و قد وثقه ابن حبان " !
قلت : و قد عرفت مما سبق من التحقيق أنه ثقة من رجال مسلم و أن اسمه موسى
بن عبد الله . و لم ينفرد بهذا الحديث بل تابعه عبد الرحمن بن إسحاق عن القاسم
بن عبد الله بن مسعود به , لم يذكر عن أبيه .
أخرجه محمد بن الفضل بن غزوان الضبي في " كتاب الدعاء " ( ق 2 / 1 - 2 )
و ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( 335 ) , و عبد الرحمن ابن إسحاق
و هو أبو شيبة الواسطي متفق على تضعيفه .
ثم رأيت الحديث قد رواه محمد بن عبد الباقي الأنصاري في " ستة مجالس "
( ق 8 / 1 ) من طريق الإمام أحمد , و قال مخرجه الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل
البغدادي :
" هذا حديث حسن عالي الإسناد , و رجاله ثقات " .
و للحديث شاهد من حديث فياض عن عبد الله بن زبيد عن أبي موسى رضي الله عنه
قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره نحوه .
أخرجه ابن السني ( 343 ) بسند صحيح إلى فياض و هو ابن غزوان الضبي الكوفي قال
أحمد : ثقة . و شيخه عبد الله بن زبيد هو ابن الحارث اليامي الكوفي .
قال ابن أبي حاتم ( 2 / 2 / 62 ) عن أبيه :
" روى عنه الكوفيون " . و لم يذكر فيه جرحا و لا تعديلا .
قلت : فهو مستور , و مثله يستشهد بحديثه إن شاء الله تعالى .
و الحديث قال الهيثمي :
" رواه الطبراني و فيه من لم أعرفه " .
قلت : و كأنه يعني عبد الله بن زبيد , و عليه فكأنه لم يقف على ترجمته في
" الجرح و التعديل " , و لو أنه لم يذكر فيه تعديلا أو تجريحا , فإن العادة أن
لا يقال في مثله " لم أعرفه " , كما هو معلوم عند المشتغلين بهذا العلم الشريف
.
( تنبيه ) وقع في هامش المجمع تعليقا على الحديث خطأ فاحش , حيث جاء فيه :
" قلت ( القائل هو ابن حجر ) : هذا الحديث أخرجه أبو داود و الترمذي و النسائي
من رواية عبد الجليل بهذا الإسناد , فلا وجه لاستدراكه . ابن حجر " .
و وجه الخطأ أن هذا التعليق ليس محله هذا الحديث , بل هو الحديث الذي في
" المجمع " بعد هذا , فإن هذا لم يروه أحد من أصحاب السنن المذكورين , و ليس في
إسناده عبد الجليل , بل هو في إسناده الحديث الآخر , و هو عن أبي بكرة رضي الله
عنه , فأخطأ الناسخ أو الطابع فربط التعليق بالحديث الأول , و هو للآخر , و خفي
ذلك على الشيخ أحمد شاكر رحمه الله , فإنه بعد أن أشار لهذا الحديث و نقل قول
الهيثمي السابق في تخريج الحديث قال :
" و علق عليه الحافظ ابن حجر بخطه بهامش أصله ... " .
ثم ذكر كلام الحافظ المتقدم !
و جملة القول أن الحديث صحيح من رواية ابن مسعود وحده , فكيف إذا انضم إليه
حديث أبي موسى رضي الله عنهما . و قد صححه شيخ الإسلام ابن تيمية و تلميذه
ابن القيم , هذا و قد صرح بذلك في أكثر من كتاب من كتبه منها " شفاء العليل "
( ص 274 ) , و أما ابن تيمية فلست أذكر الآن في أي كتاب أو رسالة ذكر ذلك .
200 " نهى عن الصلاة بعد العصر إلا و الشمس مرتفعة " .
قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 341
رواه أبو داود ( 1 / 200 ) و النسائي ( 1 / 97 ) و عنه ابن حزم في " المحلى "
( 3 / 31 ) و أبو يعلى في " مسنده " ( 1 / 119 ) و ابن حبان في " صحيحه "
( 621 , 622 ) و ابن الجارود في " المنتقى " ( 281 ) و البيهقي ( 2 / 458 )
و الطيالسي ( 1 / 75 - من ترتيبه ) و أحمد ( 1 / 129 , 141 ) و المحاملي في
" الأمالي " ( 3 / 95 / 1 ) و الضياء في " الأحاديث المختارة , ( 1 / 258 ,
259 ) عن هلال بن يساف عن وهب بن الأجدع عن # علي # رضي الله عنه مرفوعا .
و قال ابن حزم :
" وهب بن الأجدع تابع ثقة مشهور , و سائر الرواة أشهر من أن يسأل عنهم , و هذه
زيادة عدل لا يجوز تركها " .
و صرح ابن حزم في مكان آخر ( 2 / 271 ) بصحة هذا عن علي رضي الله عنه و لا شك
في ذلك , و لهذا قال الحافظ العراقي في " طرح التثريب " ( 2 / 187 ) و تبعه
الحافظ ابن حجر في " الفتح " ( 2 / 50 ) : " و إسناده صحيح " .
و أما البيهقي فقد حاد عن الجادة حين قال :
" و وهب بن الأجدع ليس من شرطهما " .
قلت : و هل من شرط صحة الحديث أن يكون على شرط الشيخين ? أو ليس قد صححا أحاديث
كثيرة خارج كتابيهما و ليست على شرطهما ? ! ثم قال :
" و هذا حديث واحد , و ما مضى في النهي عنهما ممتد إلى غروب الشمس حديث عدد ,
فهو أولي أن يكون محفوظا " .
قلت : كلاهما محفوظ , و إن كان ما رواه العدد أقوى , و لكن ليس من أصول أهل
العلم , رد الحديث القوي لمجرد مخالفة ظاهرة لما هو أقوى منه مع إمكان الجمع
بينهما ! و هو كذلك هنا , فإن هذا الحديث مقيد للأحاديث التي أشار إليها
البيهقي كقوله صلى الله عليه وسلم :
" و لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس " متفق عليه .
فهذا مطلق , يقيده حديث علي رضي الله عنه , و إلى هذا أشار ابن حزم رحمه الله
بقوله المتقدم :
" و هذه زيادة عدل لا يجوز تركها " .
ثم قال البيهقي :
" و قد روي عن علي رضي الله عنه ما يخالف هذا . و روي ما يوافقه " .
ثم ساق هو و الضياء في " المختارة " ( 1 / 185 ) من طريق سفيان قال : أخبرني
أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي رضي الله عنه قال :
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين في دبر كل صلاة مكتوبة ,
إلا الفجر و العصر " .
قلت : و هذا لا يخالف الحديث الأول إطلاقا , لأنه إنما ينفي أن يكون النبي
صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بعد صلاة العصر , و الحديث الأول لا يثبت ذلك
حتى يعارض بهذا , و غاية ما فيه أنه يدل على جواز الصلاة بعد العصر إلى ما قبل
اصفرار الشمس , و ليس يلزم أن يفعل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أثبت جوازه
بالدليل الشرعي كما هو ظاهر .
نعم قد ثبت عن أم سلمة و عائشة رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى
ركعتين سنة الظهر البعدية بعد صلاة العصر , و قالت عائشة : إنه صلى الله عليه
وسلم داوم عليها بعد ذلك , فهذا يعارض حديث علي الثاني , و الجمع بينهما سهل ,
فكل حدث بما علم , و من علم حجة على من لم يعلم , و يظهر أن عليا رضي الله عنه
علم فيما بعد من بعض الصحابة ما نفاه في هذا الحديث , فقد ثبت عنه صلاته صلى
الله عليه وسلم بعد العصر و ذلك قول البيهقي :
" و أما الذي يوافقه ففيما أخبرنا ... " ثم ساق من طريق شعبة عن أبي إسحاق
عن عاصم بن ضمرة قال :
" كنا مع علي رضي الله عنه في سفر فصلى بنا العصر ركعتين ثم دخل فسطاطه و أنا
أنظر , فصلى ركعتين " .
ففي هذا أن عليا رضي الله عنه عمل بما دل عليه حديثه الأول من الجواز .
و روى ابن حزم ( 3 / 4 ) عن بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" لم ينه عن الصلاة إلا عند غروب الشمس " .
قلت : و إسناده صحيح , و هو شاهد قوي لحديث علي رضي الله عنهم .
و أما الركعتان بعد العصر , فقد روى ابن حزم القول بمشروعيتهما عن جماعة من
الصحابة , فمن شاء فليرجع إليه .
و ما دل عليه الحديث من جواز الصلاة و لو نفلا بعد صلاة العصر و قبل اصفرار
الشمس هو الذي ينبغي الاعتماد عليه في هذه المسألة التي كثرت الأقوال فيها ,
و هو الذي ذهب إليه ابن حزم تبعا لابن عمر رضي الله عنه كما ذكره الحافظ
العراقي و غيره , فلا تكن ممن تغره الكثرة , إذا كانت على خلاف السنة .
ثم وجدت للحديث طريقا أخرى عن علي رضي الله عنه بلفظ :
( لا تصلوا بعد العصر , إلا أن تصلوا و الشمس مرتفعة ) .
أخرجه الإمام أحمد ( 1 / 130 ) : حدثنا إسحاق بن يوسف : أخبرنا سفيان عن أبي
إسحاق عن عاصم عن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
فذكره :
قلت : و هذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير عاصم و هو ابن ضمرة
السلولي و هو صدوق . كما في " التقريب " .
قلت : فهذه الطريق مما يعطي الحديث قوة على قوة , لاسيما و هي من طريق عاصم
الذي روى عن علي أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي بعد العصر ,
فادعى البيهقي من أجل هذه الرواية إعلال الحديث , و أجبنا عن ذلك بما تقدم , ثم
تأكدنا من صحة الجواب حين وقفنا على الحديث من طريق عاصم أيضا . فالحمد لله على
توفيقه .
ثم وجدت له شاهدا
حسنا من حديث أنس , سيأتي برقم ( 308 ) .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق