حذف 12. صفحة من مدونتي

12. صفحة تحذفهم با مفتري حسبي الله ونعم الوكيل

Translate

الأحد، 3 مارس 2024

ج3.الأحاديث من 201 إلى 300*

 

💥ج3.

الأحاديث من 201 إلى 300*

201  " من حدثكم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول قائما فلا تصدقوه , ما كان

يبول إلا قاعدا " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 345 :

 

أخرجه النسائي ( 1 / 11 ) و الترمذي ( 1 / 17 ) و ابن ماجه ( 1 / 130 )

و الطيالسي ( 1 / 45 من ترتيبه ) كلهم عن شريك بن المقدام عن شريح عن أبيه عن

# عائشة # قالت ... فذكره .

و قال الترمذي :

" حديث عائشة أحسن شيء في الباب و أصح " .

 

قلت ... و هذا ليس معناه تحسين الحديث بله تصحيحه كما هو معروف في علم المصطلح

و كأن ذلك لضعف شريك القاضي , و لكنه لم ينفرد به . بل تابعه سفيان الثوري عن

المقدام بن شريح به .

أخرجه أبو عوانة في " صحيحه " ( 1 / 198 ) و الحاكم ( 1 / 181 ) و البيهقي

( 1 / 101 ) و أحمد ( 1 / 136 , 192 , 213 ) من طرق عن سفيان به .

و قال الحاكم :

" صحيح على شرط الشيخين " , و وافقه الذهبي , و فيه نظر , فإن المقدام ابن شريح

و أبوه لم يحتج بهما البخاري فهو على شرط مسلم وحده .

و قال الذهبي في " المهذب " ( 1 / 22 / 2 ) : " سنده صحيح " .

فتبين مما سبق أن الحديث صحيح بهذه المتابعة , و قد خفيت على الترمذي فلم يصحح

الحديث , و ليس ذلك غريبا , و لكن الغريب أن يخفى ذلك على غير واحد من الحفاظ

المتأخرين , أمثال العراقي و السيوطي و غيرهما , فأعلا الحديث بشريك , و ردا

على الحاكم تصحيحه إياه متوهمين أنه عنده من طريقه , و ليس كذلك كما عرفت ,

و كنت اغتررت بكلامهم هذا لما وضعت التعليق على " مشكاة المصابيح " , و كان

تعليقا سريعا اقتضته ظروف خاصة , لم تساعدنا على استقصاء طرق الحديث كما هي

عادتنا , فقلت في التعليق على هذا الحديث من " المشكاة " ( 365 ) .

" و إسناده ضعيف فيه شريك , و هو ابن عبد الله القاضي و هو سيء الحفظ " .

و الآن أجزم بصحة الحديث للمتابعة المذكورة . و نسأل الله تعالى أن لا يؤاخذنا

بتقصيرنا .

 

قلت آنفا : اغتررنا بكلام العراقي و السيوطي , و ذلك أن الأخير قال في " حاشيته

على النسائي " ( 1 / 12 ) .

" قال الشيخ ولي الدين ( هو العراقي ) : هذا الحديث فيه لين , لأن فيه شريكا

القاضي و هو متكلم فيه بسوء الحفظ , و ما قال الترمذي : إنه أصح شيء في هذا

الباب لا يدل على صحته , و لذلك قال ابن القطان : إنه لا يقال فيه : صحيح ,

و تساهل الحاكم في التصحيح معروف , و كيف يكون على شرط الشيخين مع أن البخاري

لم يخرج لشريك بالكلية , و مسلم خرج له استشهادا , لا احتجاجا " .

نقله السيوطي و أقره ! ثم تتابع العلماء على تقليدهما كالسندي في حاشيته على

النسائي , ثم الشيخ عبد الله الرحماني المباركفوري في " مرقاة المفاتيح شرح

مشكاة المصابيح " ( 1 / 253 ) , و غيرهم , و لم أجد حتى الآن من نبه على أوهام

هؤلاء العلماء , و لا على هذه المتابعة , إلا أن الحافظ رحمه الله كأنه أشار

إليها في " الفتح " ( 1 / 382 ) حين ذكر الحديث : و قال :

" رواه أبو عوانة في " صحيحه " و " الحاكم " .

فاقتصر في العزو عليهما لأنه ليس في طريقهما شريك , بخلاف أصحاب " السنن "

و لذلك لم يعزه إليهم , و الحمد لله الذي هدانا لهذا و ما كنا لنهتدي لولا أن

هدانا الله .

و اعلم أن قول عائشة إنما هو باعتبار علمها , و إلا فقد ثبت في " الصحيحين "

و غيرهما من حديث حذيفة رضي الله عنه قال :

" أتى النبي صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما " .

و لذلك فالصواب جواز البول قاعدا و قائما , و المهم أمن الرشاش , فبأيهما حصل

وجب .

و أما النهي عن البول قائما فلم يصح فيه حديث , مثل حديث " لا تبل قائما " و قد

تكلمت عليه في " الأحاديث الضعيفة " رقم ( 938 ) .

202  " إن الشمس لم تحبس على بشر إلا ليوشع ليالي سار إلى بيت المقدس " و في رواية "

غزا نبي من الأنبياء , فقال لقومه : لا يتبعني رجل قد ملك بضع امرأة , و هو

يريد أن يبني بها , و لما يبن " بها " , و لا آخر قد بنى بنيانا , و لما يرفع

سقفها , و لا آخر قد اشترى غنما أو خلفات , و هو منتظر ولادها , قال : فغزا ,

فأدنى للقرية حين صلاة العصر , أو قريبا من ذلك , " و في رواية : فلقي العدو

عند غيبوبة الشمس " , فقال للشمس : أنت مأمورة , و أنا مأمور , اللهم احبسها

علي شيئا , فحبست عليه , حتى فتح الله عليه , " فغنموا الغنائم " , قال :

فجمعوا ما غنموا , فأقبلت النار لتأكله , فأبت أن تطعمه " و كانوا إذا غنموا

الغنمية بعث الله تعالى عليها النار فأكلتها " فقال : فيكم غلول , فليبايعني من

كل قبيلة رجل , فبايعوه , فلصقت يد رجل بيده , فقال : فيكم الغلول , فلتبايعني

قبيلتك , فبايعته , قال : فلصقت بيد رجلين أو ثلاثة " يده " , فقال : فيكم

الغلول , أنتم غللتم , " قال : أجل قد غللنا صورة وجه بقرة من ذهب " , قال :

فأخرجوه له مثل رأس بقرة من ذهب , قال : فوضعوه في المال , و هو بالصعيد ,

فأقبلت النار فأكلته , فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا , ذلك بأن الله تبارك

و تعالى رأى ضعفنا و عجزنا فطيبها لنا , " و في رواية " فقال رسول الله صلى

الله عليه وسلم عند ذلك : إن الله أطعمنا الغنائم رحمة بنا و تخفيفا , لما علم

من ضعفنا " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 348 :

 

هذا حديث صحيح جليل , مما حفظه لنا أبو هريرة رضي الله عنه و له عنه أربع طرق :

 

الأولى : قال الإمام أحمد ( 2 / 325 ) . حدثنا أسود بن عامر , حدثنا أبو بكر عن

هشام عن ابن سيرين عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

.... فذكر الرواية الأولى .

و هكذا أخرجه الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 10 ) من طريقين آخرين عن الأسود

بن عامر به .

 

قلت : و هذا إسناد جيد , رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين عدا أبا بكر و هو

ابن عياش , فإنه من رجال البخاري وحده , و فيه كلام , لا ينزل به حديثه عن

رتبة الحسن , و أحسن ما قرأت فيه قول ابن حبان في ترجمته من " الثقات "

( 2 / 324 ) :

" كان أبو بكر من الحفاظ المتقنين , و كان يحيى القطان , و ابن المديني يسيئان

الرأي فيه , و ذلك أنه لما كبر سنه , ساء حفظه , فكان يهم إذا روى , و الخطأ

و الوهم شيئان لا ينفك عنهما البشر , فلو كثر الخطأ حتى كان غالبا على صوابه

لاستحق مجانبة رواياته , فأما عند الوهم يهم , أو الخطأ يخطىء , لا يستحق ترك

حديثه بعد تقدم عدالته و صحة سماعه " . ثم قال :

" و الصواب في أمره مجانبة ما علم أنه أخطأ فيه , و الاحتجاج بما يرويه , سواء

وافق الثقات " أولا " , لأنه داخل في جملة أهل العدالة , و من صحت عدالته لم

يستحق القدح و لا الجرح , إلا بعد زوال العدالة عنه بأحد أسباب الجرح .

و هذا حكم كل محدث ثقة صحت عدالته , و تيقن خطؤه " .

 

قلت : و لهذا صرح الحافظ ابن حجر في " الفتح " بصحة هذا السند , ثم قال

( 6 / 154 ) :

" فإن رجال إسناده محتج بهم في الصحيح " .

و سبقه إلى نحوه الحافظ ابن كثير كما سيأتي , و كذا الذهبي كما في " تنزيه

الشريعة " ( 1 / 379 ) .

 

الطريق الثانية : قال الإمام أحمد أيضا ( 2 / 318 ) :

" حدثنا عبد الرزاق بن همام حدثنا معمر عن همام عن أبي هريرة قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .... فذكر أحاديث كثيرة فوق المائة بهذا

الإسناد , هذا الحديث أحدها , و هي جميعها في " صحيفة همام بن منبه " التي

رواها أبو الحسن أحمد ابن يوسف السلمي عن عبد الرزاق به , و هذا الحديث فيها

برقم ( 123 ) .

و قد أخرجه مسلم في " صحيحه " ( 5 / 145 ) من طريق محمد بن رافع :

حدثنا عبد الرزاق به بالرواية الثانية , و اللفظ لمسلم .

ثم أخرجه هو و البخاري في " صحيحه " ( 6 / 154 - 156 , 9 / 193 بشرح

" الفتح " ) عن عبد الله بن المبارك عن معمر به .

 

الطريق الثالثة : قال الطحاوي ( 2 / 10 - 11 ) :

" حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ , حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة

يعني القواريري , حدثنا معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن

أبي هريرة به مثل الرواية الثانية , و فيها أكثر الزيادات التي جعلناها بين

القوسين ( ) .

و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن إسماعيل هذا .

قال ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 190 ) :

" سمعت منه بمكة , و هو صدوق " .

و هذه الطريق عزاها الحافظ ( 6 / 155 ) للنسائي و أبي عوانة و ابن حبان .

 

الطريق الرابعة : أخرجها الحاكم ( 2 / 129 ) عن مبارك بن فضالة عن عبيد الله

ابن عمر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة مثل الرواية الثانية , و زاد في آخره :

" فقال كعب : صدق الله و رسوله , هكذا و الله في كتاب الله , يعني في التوراة ,

ثم قال : يا أبا هريرة أحدثكم النبي صلى الله عليه وسلم أي نبي كان ? قال : لا

قال كعب : هو يوشع بن نون , قال : فحدثكم أي قرية هي ? قال : لا , قال : هي

مدينة أريحا " .

و قال الحاكم :

" حديث غريب صحيح " . و وافقه الذهبي !

كذا قالا , و مبارك بن فضالة مدلس و قد عنعنه , فليس إسناده صحيحا , بل و لا

حسنا , و من هذه الطريق رواه البزار أيضا , كما في " البداية و النهاية " لابن

كثير ( 1 / 324 ) .

ثم إن في هذه الطريق نكارة واضحة , و هي في هذه الزيادة , فإن فيها تسميته

النبي بـ ( يوشع ) موقوفا على كعب , و هي في الرواية الأولى مرفوعة إلى النبي

صلى الله عليه وسلم .

و فيها تسمية المدينة بـ ( أريحا ) , و في الرواية الأولى أنها بيت المقدس

و هذا هو الصواب , و من الغريب أن يغفل عن هذا الحافظ ابن حجر , فيقول في تفسير

( القرية ) المذكورة في رواية " الصحيحين " :

" هي أريحا , بفتح الهمزة و كسر الراء , بعدها تحتانية ساكنة و مهملة مع القصر

سماها الحاكم في روايته عن كعب " .

فغفل عما ذكرنا من تسميتها بـ " بيت المقدس " في الحديث المرفوع مع أنه قد ذكره

قبيل ذلك في كتابه و صححه كما نقلته عنه آنفا .

و قد تنبه لذلك الحافظ ابن كثير , فإنه بعد أن نقل عن أهل الكتاب أن حبس الشمس

ليوشع وقع في فتح ( أريحا ) قال ( 1 / 323 ) :

" فيه نظر , و الأشبه - و الله أعلم - أن هذا كان في فتح بيت المقدس الذي هو

المقصود الأعظم , و فتح ( أريحا ) كان وسيلة إليه " .

ثم استدل على ذلك بالرواية الأولى للحديث , ثم قال بعد أن ساقه من طريق أحمد

وحده :

" انفرد به أحمد من هذا الوجه , و هو على شرط البخاري . و فيه دلالة على أن

الذي فتح بيت المقدس هو يوشع بن نون عليه السلام لا موسى , و أن حبس الشمس كان

في فتح بيت المقدس لا أريحا لما قلنا " .

 

غريب الحديث

------------

( بضع امرأة ) . قال الحافظ :

" بضم الموحدة و سكون المعجمة , البضع يطلق على الفرج و التزويج و الجماع

و المعاني الثلاثة لائقة هنا , و يطلق أيضا على المهر و على الطلاق " .

( و لما يبن بها ) أي لم يدخل عليها , لكن التعبير بـ ( لما ) يشعر بتوقع ذلك .

( خلفات ) بفتح المعجمة و كسر اللام بعدها فاء خفيفة جمع ( خلفة ) و هي الحامل

من النوق , و قد يطلق على غير النوق .

( احبسها على شيئا ) هو منصوب نصب المصدر , أي قدر ما تقتضي حاجتنا من فتح

البلد . قال عياض , اختلف في حبس الشمس هنا , فقيل : ردت على أدراجها , و قيل :

وقفت , و قيل : بطئت حركتها . و كل ذلك محتمل , و الثالث أرجح عند ابن بطال

و غيره .

 

قلت : و أيها كان الأرجح , فالمتبادر من الحبس أن الغرض منه أن يتمكن النبي

يوشع و قومه من صلاة العصر قبل غروب الشمس , و ليس هذا هو المراد , بل الغرض ,

أن يتمكن من الفتح قبل الليل , لأن الفتح كان يوم الجمعة , فإذا دخل الليل دخل

يوم السبت الذي حرم الله عليهم العمل , و هذا إذا صح ما ذكره ابن كثير عن أهل

الكتاب :

" و ذكروا أنه انتهى من محاصرته لها يوم الجمعة بعد العصر , فلما غربت الشمس

أو كادت تغرب , و يدخل عليهم السبت الذي جعل عليهم و شرع لهم ذلك الزمان ...

و الله أعلم .

 

من فوائد الحديث

-----------------

1 - قال المهلب : فيه أن فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع و محبة البقاء .

لأن من ملك بضع امرأة , و لم يدخل بها , أو دخل بها , و كان على قرب من ذلك ,

فإن قلبه متعلق بالرجوع إليها , و يجد الشيطان السبيل إلى شغل قلبه عما هو عليه

و كذلك غير المرأة من أحوال الدنيا .

 

2 - قال ابن المنير : يستفاد منه الرد على العامة في تقديمهم الحج على الزواج ,

ظنا منهم أن التعفف إنما يتأكد بعد الحج , بل الأولى أن يتعفف ثم يحج .

قلت : و قد روي في موضوع الحج قبل الزواج أو بعده حديثان كلاهما عن أبي هريرة

مرفوعا , و لكنهما موضوعان , كما بينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة "

( رقم 221 - 222 ) .

 

3 - و فيه أن الشمس لم تحبس لأحد إلا ليوشع عليه السلام , ففيه إشارة إلى ضعف

ما يروى أنه وقع ذلك لغيره , و من تمام الفائدة أن أسوق ما وقفنا عليه من ذلك :

 

1 - ما ذكره ابن إسحاق في " المبتدأ " من طريق يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه

أن الشمس حبست لموسى عليه السلام لما حمل تابوت يوسف صلى الله عليه وسلم .

 

قلت : و هذا موقوف , و الظاهر أنه من الإسرائيليات . و قصة نقل موسى لعظام يوسف

عليهما السلام من قبره في مصر في " المستدرك " ( 2 / 571 - 572 ) بسند صحيح عنه

صلى الله عليه وسلم و ليس فيها ذكر لحبس الشمس .

 

2 - أنها حبست لداود عليه السلام .

أخرجه الخطيب في " ذم النجوم " له من طريق أبي حذيفة , و ابن إسحاق في

" المبتدأ " بإسناد له عن علي موقوفا مطولا .

قال الحافظ :

و إسناده ضعيف جدا , و حديث أبي هريرة المشار إليه عند أحمد أولى , فإن رجال

إسناده محتج بهم في الصحيح , فالمعتمد أنها لم تحبس إلا ليوشع " .

 

3 - أنها حبست لسليمان بن داود عليهما السلام , في قصة عرضه للخيل , و قوله

الذي حكاه الله عنه في القرآن : " ردوها علي " .

رواه الثعلبي ثم البغوي عن ابن عباس . قال الحافظ :

" و هذا لا يثبت عن ابن عباس و لا عن غيره , و الثابت عن جمهور أهل العلم

بالتفسير من الصحابة و من بعدهم أن الضمير المؤنث في قوله : ( ردوها علي )

للخيل . و الله أعلم " .

 

4 - ما حكاه عياض أن الشمس ردت للنبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق لما شغلوا

عن صلاة العصر حتى غربت الشمس , فردها الله عليه حتى صلى العصر .

قال الحافظ :

" كذا قال ! و عزاه للطحاوي , و الذي رأيته في " مشكل الآثار " للطحاوي ما قدمت

ذكره من حديث أسماء " .

 

قلت : و يأتي حديث أسماء قريبا إن شاء الله تعالى . و قصة انشغاله صلى الله

عليه وسلم عن صلاة العصر في " الصحيحين " و غيرهما و ليس فيها ذكر لرد الشمس

عليه صلى الله عليه وسلم , انظر " نصب الراية " ( 2 / 164 ) .

 

5 - و من هذا القبيل ما ذكره يونس بن بكير في زياداته في " مغازي ابن إسحاق "

أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أخبر قريشا صبيحة الإسراء أنه رأى العير التي

لهم و أنها تقدم مع شروق الشمس , فدعا الله فحبست الشمس حتى دخلت العير .

 

قلت : و هذا معضل , و أما الحافظ فقال :

" و هذا منقطع , لكن وقع في " الأوسط " للطبراني من حديث جابر أن النبي

صلى الله عليه وسلم أم  ط SB Univers

203  " افترقت اليهود على إحدى أو اثنتين و سبعين فرقة , و تفرقت النصارى على إحدى

أو اثنتين و سبعين فرقة , و تفترق أمتي على ثلاث و سبعين فرقة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 356 :

 

أخرجه أبو داود ( 2 / 503 - طبع الحلبي ) و الترمذي ( 3 / 367 ) و ابن ماجه

( 2 / 479 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 1834 ) و الآجري في " الشريعة "

( ص 25 ) و الحاكم ( 1 / 128 ) و أحمد ( 2 / 332 ) و أبو يعلى في " مسنده "

( ق 280 / 2 ) من طرق عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن # أبي هريرة # مرفوعا به

.

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : و فيه نظر فإن محمد بن عمرو , فيه كلام و لذلك لم يحتج به مسلم , و إنما

روى له متابعة , و هو حسن الحديث , و أما قول الكوثري في مقدمة " التبصير في

الدين " ( ص 5 ) أنه لا يحتج به إذا لم يتابع , فمن مغالطاته , أو مخالفاته

المعروفة , فإن الذي استقر عليه رأي المحدثين من المحققين الذين درسوا أقوال

الأئمة المتقدمين فيه أنه حسن الحديث يحتج به , من هؤلاء النووي و الذهبي

و العسقلاني و غيره . على أن الكوثري إنما حاول الطعن في هذا الحديث لظنه أن

فيه الزيادة المعروفة بلفظ : " كلها في النار إلا واحدة " , و هو ظن باطل ,

فإنها لم ترد في شيء من المصادر التي وقفت عليها من حديث أبي هريرة رضي الله

عنه من هذا الوجه عنه .

و قد ذكره السيوطي في " الجامع الصغير " كما أوردته بدون الزيادة , و لكنه عزاه

لأصحاب " السنن " الأربعة , و هذا وهم آخر , فإن النسائي منهم و لم يخرجه ,

و قد نص على ذلك كله الحافظ في " تخريج الكشاف " ( 4 / 63 ) بقوله :

" رواه أصحاب " السنن " إلا النسائي من رواية أبي هريرة دون قوله :

( كلها الخ ) " .

و الكوثري إنما اغتر في ذلك بكلام السخاوي على الحديث في " المقاصد الحسنة "

( ص 158) فإنه ذكره من حديثه بهذه الزيادة , و عزاه للثلاثة و ابن حبان

و الحاكم ! و أما العجلوني في " الكشف " فقد قلد أصله " المقاصد " فيها ,

و لكنه اقتصر في العزو على ابن ماجه و ابن حبان و الحاكم . و كل ذلك وهم نشأ

من التقليد و عدم الرجوع إلى الأصول , و ممن وقع في هذا التقليد مع أنه كثير

التنديد به العلامة الشوكاني فإنه أورده في " الفوائد المجموعة " بهذه الزيادة

و قال ( 502 ) :

" قال في " المقاصد " : حسن صحيح , و روي عن أبي هريرة و سعد و ابن عمر و أنس

و جابر و غيرهم " .

و هذا منه تلخيص لكلام " المقاصد " , و إلا فليس هذا لفظه , و لا قال : حسن

صحيح , و إنما هو قول الترمذي كما تقدم , و قد نقله السخاوي عنه و أقره ,

و لذلك استساغ الشوكاني جعله من كلامه , و هو جائز لا غبار عليه . و إذا كان

كذلك فالشوكاني قد قلد أيضا الحافظ السخاوي في كلامه على هذا الحديث مع ما فيه

من الخطأ . و العصمة لله وحده .

على أن للشوكاني في هذا المقام خطأ آخر أفحش من هذا . و هو تضعيفه في

" تفسيره " لهذه الزيادة مقلدا أيضا في ذلك غيره , مع أنها زيادة صحيحة ,

و ردت عن غير واحد من الصحابة بأسانيد جيدة كما قال بعض الأئمة , و إن تجاهل

ذلك كله الكوثري اتباعا منه للهوى , و إلا فمثله لا يخفى عليه ذلك , و الله

المستعان .

و قد وردت الزيادة المشار إليها من حديث معاوية رضي الله عنه , و هذا لفظه :

" ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين و سبعين ملة , و إن هذه

الملة ستفترق على ثلاث و سبعين , ثنتان و سبعون في النار , و واحدة في الجنة ,

و هي الجماعة " .

204  " ألا إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين و سبعين ملة , و إن هذه

الملة ستفترق على ثلاث و سبعين , ثنتان و سبعون في النار , و واحدة في الجنة ,

و هي الجماعة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 358 :

 

أخرجه أبو داود ( 2 / 503 - 504 ) , و الدارمي ( 2 / 241 ) و أحمد ( 4 / 102 )

و كذا الحاكم ( 1 / 128 ) و الآجري في " الشريعة " ( 18 ) و ابن بطة في

" الإبانة " ( 2 / 108 / 2 , 119 / 1 ) و اللالكائي في " شرح السنة "

( 1 / 23 / 1 ) من طريق صفوان قال : حدثني أزهر بن عبد الله الهوزني عن

أبي عامر عبد الله بن لحي عن # معاوية بن أبي سفيان # أنه قام فينا فقال : ألا

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فينا فقال .... فذكره .

و قال الحاكم و قد ساقه عقب أبي هريرة المتقدم :

" هذه أسانيد تقام بها الحجة في تصحيح هذا الحديث " . و وافقه الذهبي .

و قال الحافظ في " تخريج الكشاف " ( ص 63 ) : " و إسناده حسن " .

 

قلت : و إنما لم يصححه , لأن أزهر بن عبد الله هذا لم يوثقه غير العجلي

و ابن حبان و لما ذكر الحافظ في " التهذيب " قول الأزدي : " يتكلمون فيه " ,

تعقبه بقوله :

" لم يتكلموا إلا في مذهبه " . و لهذا قال في " التقريب " .

" صدوق , تكلموا فيه للنصب " .

و الحديث أورده الحافظ ابن كثير في تفسيره ( 1 / 390 ) من رواية أحمد , و لم

يتكلم على سنده بشيء , و لكنه أشار إلى تقويته بقوله :

" و قد ورد هذا الحديث من طرق " .

و لهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية في " المسائل " ( 83 / 2 ) .

" هو حديث صحيح مشهور " . و صححه أيضا الشاطبي في " الاعتصام " ( 3 / 38 ) .

و من طرق الحديث التي أشار إليها ابن كثير , و فيها الزيادة , ما ذكره الحافظ

العراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 199 ) قال :

" رواه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو و حسنه , و أبو داود من حديث معاوية ,

و ابن ماجه من حديث أنس و عوف بن مالك , و أسانيدها جياد " .

 

قلت : و لحديث أنس طرق كثيرة جدا تجمع عندي منها سبعة , و فيها كلها الزيادة

المشار إليها , مع زيادة أخرى يأتي التنبيه عليها , و هذه هي :

 

الطريق الأولى : عن قتادة عنه .

أخرجه ابن ماجة ( 2 / 480 ) , و قال البوصيري في " الزوائد " :

" إسناده صحيح , رجاله ثقات " .

 

قلت : و في تصحيحه نظر عندي لا ضرورة لذكره الآن , فإنه لا بأس به في الشواهد .

 

الثانية : عن العميري عنه .

أخرجه أحمد ( 3 / 120 ) , و العميري هذا لم أعرفه , و غالب الظن أنه محرف من

( النميري ) و اسمه زياد بن عبد الله فقد روى عن أنس , و عنه صدقة بن يسار ,

و هو الذي روى هذا الحديث عنه , و النميري ضعيف , و بقية رجاله ثقات .

 

الثالثة : عن ابن لهيعة حدثنا خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال عنه . و زاد :

" قالوا : يا رسول الله من تلك الفرقة ? قال : الجماعة الجماعة " .

أخرجه أحمد أيضا ( 3 / 145 ) و سنده حسن في الشواهد .

 

الرابعة : عن سلمان أو سليمان بن طريف عنه .

أخرجه الآجري في " الشريعة " ( 17 ) و ابن بطة في " الإبانة " ( 2 / 118 / 2 )

و ابن طريف هذا لم أجد له ترجمة .

 

الخامسة : عن سويد بن سعيد قال : حدثنا مبارك بن سحيم عن عبد العزيز ابن صهيب

عن أنس .

أخرجه الآجري , و سويد ضعيف , و أخرجه ابن بطة أيضا , و لكني لا أدري إذا كان

من هذا الوجه أو من طريق آخر عن عبد العزيز فإن كتابه بعيد عني الآن .

 

السادسة : عن أبي معشر عن يعقوب بن زيد بن طلحة عن زيد بن أسلم عن أنس به .

و فيه الزيادة .

أخرجه الآجري ( 16 ) . و أبو معشر اسمه نجيح بن عبد الرحمن السندي و هو ضعيف .

و من طريقه رواه ابن مردويه كما في " تفسير ابن كثير " ( 2 / 76 - 77 ) .

 

السابعة : عن عبد الله بن سفيان المدني عن يحيى بن سعيد الأنصاري عنه .

و فيه الزيادة بلفظ : " قال : ما أنا عليه و أصحابي " .

أخرجه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 207 - 208 ) و الطبراني في " الصغير "

( 150 ) و قال :

" لم يروه عن يحيى إلا عبد الله بن سفيان " .

و قال العقيلي : " لا يتابع على حديثه " .

 

قلت : و هو على كل حال خير من الأبرد بن أشرس فإنه روى هذا الحديث أيضا عن يحيى

بن سعيد به , فإنه قلب متنه , و جعله بلفظ :

" تفترق أمتي على سبعين أو إحدى و سبعين فرقة كلهم في الجنة إلا فرقة واحدة ,

قالوا : يا رسول الله من هم ? قال : الزنادقة و هم القدرية " .

أورده العقيلي أيضا و قال :

" ليس له أصل من حديث يحيى بن سعيد " و قال الذهبي في " الميزان " :

" أبرد بن أشرس قال ابن خزيمة : كذاب و ضاع " .

 

قلت : و قد حاول بعض ذوي الأهواء من المعاصرين تمشية حال هذا الحديث بهذا اللفظ

الباطل , و تضعيف هذا الحديث الصحيح , و قد بينت وضع ذاك في " سلسلة الأحاديث

الضعيفة " رقم ( 1035 ) , و الغرض الآن إتمام الكلام على هذا اللفظ الصحيح ,

فقد تبين بوضوح أن الحديث ثابت لا شك فيه , و لذلك تتابع العلماء خلفا عن سلف

على الاحتجاج به حتى قال الحاكم في أول كتابه " المستدرك " : " إنه حديث كبير

في الأصول " و لا أعلم أحدا قد طعن فيه , إلا بعض من لا يعتد بتفرده و شذوذه ,

أمثال الكوثري الذي سبق أن أشرنا إلى شيء من تنطعه و تحامله على الطريق الأولى

لهذا الحديث , التي ليس فيها الزيادة المتقدمة : " كلها في النار " , جاهلا بل

متجاهلا حديث معاوية و أنس على كثرة طرقه عن أنس كما رأيت . و ليته لم يقتصر

على ذلك إذن لما التفتنا إليه كثيرا , و لكنه دعم رأيه بالنقل عن بعض الأفاضل ,

ألا و هو العلامة ابن الوزير اليمني , و ذكر أنه قال في كتابه : " العواصم

و القواصم " ما نصه :

" إياك أن تغتر بزيادة " كلها في النار إلا واحدة " فإنها زيادة فاسدة , و لا

يبعد أن تكون من دسيس الملاحدة . و قد قال ابن حزم : إن هذا الحديث لا يصح " .

وقفت على هذا التضعيف منذ سنوات . ثم أوقفني بعض الطلاب في " الجامعة الإسلامية

" على قول الشوكاني في تفسيره " فتح القدير " ( 2 / 56 ) :

" قال ابن كثير في تفسيره : و حديث افتراق الأمم إلى بضع و سبعين , مروي من طرق

عديدة , قد ذكرناها في موضع آخر . انتهى . قلت : أما زيادة كونها في النار إلا

واحدة " فقد ضعفها جماعة من المحدثين ( ! ) , بل قال ابن حزم : إنها موضوعة " .

و لا أدري من الذين أشار إليهم بقوله : " جماعة ... " فإني لا أعلم أحدا من

المحدثين المتقدمين ضعف هذه الزيادة , بل إن الجماعة قد صححوها و قد سبق ذكر

أسمائهم , و أما ابن حزم فلا أدري أين ذكر ذلك , و أول ما يتبادر للذهن أنه في

كتابه " الفصل في الملل و النحل " و قد رجعت إليه , و قلبت مظانه فلم أعثر عليه

ثم إن النقل عنه مختلف , فابن الوزير قال عنه : " لا يصح " , و الشوكاني قال

عنه : " إنها موضوعة " , و شتان بين النقلين كما لا يخفى , فإن صح ذلك عن ابن

حزم , فهو مردود من وجهين :

 

الأول : أن النقد العلمي الحديثي قد دل على صحة هذه الزيادة , فلا عبرة بقول من

ضعفها .

و الآخر : أن الذين صححوها أكثر و أعلم بالحديث من ابن حزم , لاسيما و هو معروف

عند أهل العلم بتشدده في النقد , فلا ينبغي أن يحتج به إذا تفرد عند عدم

المخالفة فكيف إذا خالف ?!

و أما ابن الوزير , فكلامه الذي نقله الكوثري يشعر بأنه لم يطعن في الزيادة من

جهة إسنادها , بل من حيث معناها , و ما كان كذلك فلا ينبغي الجزم بفساد المعنى

لامكان توجيهه وجهة صالحة ينتفي به الفساد الذي ادعاه . و كيف يستطاع الجزم

بفساد معنى حديث تلقاه كبار الأئمة و العلماء من مختلف الطبقات بالقبول و صرحوا

بصحته , هذا يكاد يكون مستحيلا !

و إن مما يؤيد ما ذكرته أمرين :

الأول : أن ابن الوزير في كتاب آخر له قد صحح حديث معاوية هذا , ألا و هو كتابه

القيم : " الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم " فقد عقد فيه فصلا خاصا في

الصحابة الذين طعن فيهم الشيعة و ردوا أحاديثهم , و منهم معاوية رضي الله عنه ,

فسرد ما له من الأحاديث في كتب السنة مع الشواهد من طريق جماعة آخرين من

الصحابة لم تطعن فيه الشيعة , فكان هذا الحديث منها !

الأمر الآخر : أن بعض المحققين من العلماء اليمانيين ممن نقطع أنه وقف على كتب

ابن الوزير , ألا و هو الشيخ صالح المقبلي , قد تكلم على هذا الحديث بكلام جيد

من جهة ثبوته و معناه , و قد ذكر فيه أن بعضهم ضعف هذا الحديث فكأنه يشير بذلك

إلى ابن الوزير . و أنت إذا تأملت كلامه وجدته يشير إلى أن التضعيف لم يكن من

جهة السند , و إنما من قبل استشكال معناه , و أرى أن أنقل خلاصة كلامه المشار

إليه لما فيه من الفوائد . قال رحمه الله تعالى في " العلم الشامخ في إيثار

الحق على الآباء و المشايخ " ( ص 414 ) :

" حديث افتراق الأمة إلى ثلاث و سبعين فرقة , رواياته كثيرة يشد بعضها بعضا

بحيث لا يبقى ريبة في حاصل معناها . ( ثم ذكر حديث معاوية هذا , و حديث ابن

عمرو بن العاص الذي أشار إليه الحافظ العراقي و حسنه الترمذي ثم قال : )

و الإشكال في قوله : " كلها في النار إلا ملة " , فمن المعلوم أنهم خير الأمم ,

و أن المرجو أن يكونوا نصف أهل الجنة , مع أنهم في سائر الأمم كالشعرة البيضاء

في الثور الأسود حسبما صرحت به الأحاديث , فكيف يتمشى هذا ? فبعض الناس تكلم في

ضعف هذه الجملة , و قال : هي زيادة غير ثابتة . و بعضهم تأول الكلام . قال :

و من المعلوم أن ليس المراد من الفرقة الناجية أن لا يقع منها أدنى اختلاف ,

فإن ذلك قد كان في فضلاء الصحابة . إنما الكلام في مخالفة تصير صاحبها فرقة

مستقلة ابتدعها . و إذا حققت ذلك فهذه البدع الواقعة في مهمات المسائل , و فيما

يترتب عليه عظائم المفاسد لا تكاد تنحصر , و لكنها لم تخص معينا من هذه الفرق

التي قد تحزبت و التأم بعضهم إلى قوم و خالف آخرون بحسب مسائل عديدة .

ثم أجاب عن الإشكال بما خلاصته :

" إن الناس عامة و خاصة , فالعامة آخرهم كأولهم , كالنساء و العبيد و الفلاحين

و السوقة و نحوهم ممن ليس من أمر الخاصة في شيء , فلا شك في براءة آخرهم من

الابتداع كأولهم .

و أما الخاصة , فمنهم مبتدع اخترع البدعة و جعلها نصب عينيه , و بلغ في تقويتها

كل مبلغ , و جعلها أصلا يرد إليها صرائح الكتاب و السنة , ثم تبعه أقوام من

نمطه في الفقه و التعصب , و ربما جددوا بدعته و فرعوا عليها و حملوه ما لم

يتحمله , و لكنه إمامهم المقدم و هؤلاء هم المبتدعة حقا , و هو شيء كبير ( تكاد

السماوات يتفطرن منه و تنشق الأرض و تخر الجبال هدا ) , كنفي حكمة الله تعالى ,

و نفي إقداره المكلف , و ككونه يكلف ما لا يطاق , و يفعل سائر القبائح و لا

تقبح منه , و أخواتهن ! و منها ما هو دون ذلك , و حقائقها جميعها عند الله

تعالى , و لا ندري بأيها يصير صاحبها من إحدى الثلاث و سبعين فرقة .

و من الناس من تبع هؤلاء و ناصرهم و قوى سوادهم بالتدريس و التصنيف , و لكنه

عند نفسه راجع إلى الحق , و قد دس في تلك الأبحاث نقوضها في مواضع لكن على وجه

خفي , و لعله تخيل مصلحة دنيئة , أو عظم عليه انحطاط نفسه و إيذاؤهم له في عرضه

و ربما بلغت الأذية إلى نفسه . و على الجملة فالرجل قد عرف الحق من الباطل , و

تخبط في تصرفاته ,  و حسابه على الله سبحانه , إما أن يحشره مع من أحب بظاهر

حاله , أو يقبل عذره , و ما تكاد تجد أحدا من هؤلاء النظار إلا قد فعل ذلك ,

لكن شرهم و الله كثير , فلربما لم يقع خبرهم بمكان , و ذلك لأنه لا يفطن لتلك

اللمحة الخفية التي دسوها إلا الأذكياء المحيطون بالبحث , و قد أغناهم الله

بعلمهم عن تلك اللمحة , و ليس بكبير فائدة أن يعلموا أن الرجل كان يعلم الحق

و يخفيه . و الله المستعان .

و من الناس من ليس من أهل التحقيق , و لا هيء للهجوم على الحقائق , و قد تدرب

في كلام الناس , و عرف أوائل الأبحاث , و حفظ كثيرا من غثاء ما حصلوه و لكن

أرواح الأبحاث بينه و بينها حائل . و قد يكون ذلك لقصور الهمة و الاكتفاء

و الرضا عن السلف لوقعهم في النفوس . و هؤلاء هم الأكثرون عددا , و الأرذلون

قدرا , فإنهم لم يحظوا بخصيصة الخاصة , و لا أدركوا سلامة العامة . فالقسم

الأول من الخاصة مبتدعة قطعا . و الثاني ظاهره الابتداع , و الثالث له حكم

الابتداع .

و من الخاصة قسم رابع ثلة من الأولين , و قليل من الآخرين , أقبلوا على الكتاب

و السنة و ساروا بسيرها , و سكتوا عما سكتا عنه , و أقدموا و أحجموا بهما

و تركوا تكلف مالا يعنيهم , و كان تهمهم السلامة , و حياة السنة آثر عندهم من

حياة نفوسهم , و قرة عين أحدهم تلاوة كتاب الله تعالى , و فهم معانيه على

السليقة العربية و التفسيرات المروية , و معرفة ثبوت حديث نبوي لفظا و حكما .

فهؤلاء هم السنية حقا , و هم الفرقة الناجية , و إليهم العامة بأسرهم , و من

شاء ربك من أقسام الخاصة الثلاثة المذكورين , بحسب علمه بقدر بدعتهم و نياتهم .

إذا حققت جميع ما ذكرنا لك , لم يلزمك السؤال المحذور و هو الهلاك على معظم

الأمة , لأن الأكثر عددا هم العامة قديما و حديثا , و كذلك الخاصة في الأعصار

المتقدمة , و لعل القسمين الأوسطين , و كذا من خفت بدعته من الأول , تنقذهم

رحمة ربك من النظام في سلك الابتداع بحسب المجازاة الأخروية , و رحمة ربك أوسع

لكل مسلم , لكنا تكلمنا على مقتضى الحديث و مصداقة , و أن أفراد الفرق المبتدعة

و إن كثرت الفرق فلعله لا يكون مجموع أفرادهم جزءا من ألف جزء من سائر المسلمين

: فتأمل هذا تسلم من اعتقاد مناقضة الحديث لأحاديث فضائل الأمة المرحومة " .

 

قلت : و هذا آخر كلام الشيخ المقبلي رحمه الله , و هو كلام متين يدل على علم

الرجل و فضله و دقة نظره , و منه تعلم سلامة الحديث من الإشكال الذي أظن أنه

عمدة ابن الوزير رحمه الله في إعلاله إياه . و الحمد لله على أن وفقنا للإبانة

عن صحة هذا الحديث من حيث إسناده , و إزالة الشبهة عنه من حيث متنه .

و هو الموفق لا إله إلا هو .

 

ثم وقفت على كلام لأحد الكتاب في العصر الحاضر ينكر في كتابه " أدب الجاحظ "

( ص 90 ) صحة هذا الحديث للدفاع عن شيخه الجاحظ ! فهو يقول : " و لو صح هذا

الحديث لكان نكبة كبرى على جمهور الأمة الإسلامية . إذ يسجل على أغلبيتها

الخلود في الجحيم و لو صح هذا الحديث لما قام أبو بكر في وجه مانعي الزكاة

معتبرا إياهم في حالة ردة ..." إلى آخر كلامه الذي يغني حكايته عن تكلف الرد

عليه , لوضوح بطلانه لاسيما بعد قراءة كلام الشيخ المقبلي المتقدم .

على أن قوله " الخلود في الجحيم " ليس له أصل في الحديث , و إنما أورده الكاتب

المشار إليه من عند نفسه ليتخذ ذلك ذريعة للطعن في الحديث . و هو سالم من ذلك

كله كما بينا و الحمد لله على توفيقه .

205  " إذا رأيت الناس قد مرجت عهودهم , و خفت أماناتهم و كانوا هكذا : و شبك بين

أصابعه , قال ( الراوي ) : فقمت إليه فقلت له : كيف أفعل عند ذلك جعلني الله

فداك ? قال : الزم بيتك , و املك عليك لسانك , و خذ ما تعرف , و دع ما تنكر ,

و عليك بأمر خاصة نفسك , و دع عنك أمر العامة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 368 :

 

أخرجه أبو داود ( 2 / 438 ) و الحاكم ( 4 / 525 ) و أحمد ( 2 / 212 ) و اللفظ

له عن هلال بن خباب أبي العلاء قال : حدثني # عبد الله بن عمرو # قال :

" بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم , إذ ذكروا الفتنة , أو ذكرت

عنده , قال " فذكره .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

و قال المنذري و العراقي : " سنده حسن " .

نقله المناوي في " الفيض " و أقرهما و هو كما قالا , فإن هلالا هذا فيه كلام

يسير لا ينزل حديثه عن رتبة الحسن إلا إذا خولف , و قد توبع على أصل الحديث كما

يأتي .

و الحديث عزاه السيوطي للحاكم وحده بهذا اللفظ . و فيه مؤاخذتان :

الأولى : إيهامه أنه لم يخرجه أحد من أصحاب السنن و لا من هو أعلى طبقة من

الحاكم , و ليس كذلك كما هو بين .

الثانية : إيهامه أيضا أن اللفظ للحاكم و هو لأحمد :

و للحديث عن ابن عمرو ثلاث طرق أخر :

 

الأول : عن أبي حازم عن عمارة بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن عمرو بلفظ :

" كيف بكم و بزمان , أو يوشك أن يأتي زمان يغربل الناس فيه غربلة , تبقى حثالة

من الناس قد مرجت عهودهم و أماناتهم و اختلفوا فكانوا هكذا : و شبك بين أصابعه

...." الحديث مثله دون قوله " الزم بيتك و املك عليك لسانك " .

 

أخرجه أبو داود ( 2 / 437 - 438 ) و ابن ماجه ( 2 / 467 - 468 ) و الحاكم

( 4 / 435 ) و أحمد ( 2 / 221 ) .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي . و هو كما قالا , فإن رجاله

ثقات معروفون غير عمارة هذا فقد وثقه العجلي و ابن حبان و روى عنه جماعة من

الثقات .

 

الطريق الثاني : عن أبي حازم أيضا عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا .

" يأتي على الناس زمان يغربلون فيه غربلة يبقى منهم حثالة قد مرجت عهودهم ..."

الحديث مثل الذي قبله .

أخرجه أحمد ( 2 / 220 ) و سنده حسن .

 

الطريق الثالث : عن الحسن عن عبد الله بن عمرو قال : قال لي رسول الله صلى الله

عليه وسلم :

" كيف أنت إذا بقيت فى حثالة من الناس , قال : قلت : يا رسول الله كيف ذلك ?

قال إذا مرجت عهودهم و أماناتهم ..." الحديث مثله .

أخرجه أحمد ( 2 / 162 ) و رجاله ثقات رجال الشيخين غير أن الحسن البصري في

سماعه من ابن عمرو خلاف , و أيهما كان , فهو مدلس و قد عنعنه .

و مما يلاحظ أن هذه الطرق الثلاث , ليس فيها الزيادة التي فى الطريق التي قبل

هذه " الزم بيتك و املك عليك لسانك " . فالقلب يميل إلى أنها زيادة شاذة لأن

الذي تفرد بها و هو هلال بن خباب فيه كلام كما سبق , فلا يحتج به إذا خالف

الثقات .

نعم قد جاءت هذه الزيادة فى حديث أبي ثعلبة الخشني نحو هذا , لكن لا يصح إسناده

كما بينته فى المائة التي بعد الألف من " الأحاديث الضعيفة " .

و إن مما يؤيد شذوذها أنني وجدت لحديث ابن عمرو هذا شاهدا من حديث أبي هريرة

مثله ليس فيه الزيادة , و لفظه :

" كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم

و أماناتهم , و اختلفوا فصاروا هكذا : و شبك بين أصابعه قال : قلت : يا رسول

الله ما تأمرني ? قال : عليك بخاصتك , و دع عنك عوامهم " .

206  " كيف بك يا عبد الله بن عمرو إذا بقيت في حثالة من الناس مرجت عهودهم

و أماناتهم , و اختلفوا فصاروا هكذا : و شبك بين أصابعه قال : قلت :

يا رسول الله ما تأمرني ? قال : عليك بخاصتك , و دع عنك عوامهم " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 370 :

 

أخرجه الدولابي في " الكنى " ( 2 / 35 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 1849 )

و أبو عمرو الداني في " السنن الواردة في الفتن " ( ق 16 / 2 ) و ابن السماك

في " الأول من الرابع من حديثه " ( 108 ) من طريقين عن العلاء بن عبد الرحمن عن

أبيه عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرط مسلم .

و علقه البخاري في صحيحه ( 1 / 548 ) من طريق عاصم بن محمد عن أخيه واقد و هو

ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أبيه قال :

سمعت أبي و هو يقول : و قال عبد الله : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" يا عبد الله بن عمرو كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس " .

و وصله إبراهيم الحربي في " غريب الحديث " , و حنبل بن إسحاق فى " كتاب الفتن "

و أبو يعلى ( ق 267 / 2 ) من هذا الوجه عن ابن عمر به , مثل حديث أبي هريرة

سواء كما في " الفتح " ( 13 / 32 ) . فهو شاهد قوي لحديث أبي هريرة .

و له شاهد آخر من حديث سهل بن سعد الساعدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم يوما لعبد الله بن عمرو بن العاص : فذكره .

 

أخرجه ابن أبي الدنيا في " الأمر بالمعروف " ( ق 55 / 1 ) و ابن شاهين في

" جزء من حديثه " ( ق 210 / 1 - محمودية ) و ابن عدى ( 36 / 1 ) و كذا الطبراني

كما في " الفتح " عن أبي حازم عنه .

و أحد الإسنادين عن أبي حازم عند ابن شاهين حسن .

207  " كان يغير الاسم القبيح إلى الاسم الحسن " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 370 :

 

أخرجه الترمذي ( 2 / 137 ) و ابن عدي ( 245 / 2 ) عن أبي بكر بن نافع البصري

حدثنا عمر بن علي المقدمي عن # هشام بن عروة عن أبيه , قال مرة : عن عائشة #

ثم أوقفه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث .

سكت عليه الترمذي , و قال ابن عدي :

" و هذا قد اختلفوا على هشام بن عروة , فمنهم من أوقفه , و منهم من أرسله ,

و منهم من قال " عائشة " . و منهم من قال : " عن أبي هريرة " , و لعمر بن علي

هذا أحاديث حسان , و أرجو أنه لا بأس به " .

 

قلت : هو في نفسه ثقة , لكنه كان يدلس تدليسا سيئا جدا بحيث يبدو أنه لا يعتد

بحديثه حتى لو صرح بالتحديث كما هو مذكور في ترجمته من " التهذيب " , و لكنه لم

يتفرد به كما يأتي , و بقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين غير أبي بكر بن

نافع و اسمه محمد بن أحمد , فمن أفراد مسلم .

و ممن تابع المقدمي محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة به .

أخرجه ابن عدي ( 300 / 2 ) و قال :

" هذا الحديث ضعيف " .

 

قلت : بل هو صحيح لما له من المتابعات و الشاهد كما يأتي . و الطفاوي هذا قد

احتج به البخاري و في حفظه ضعف يسير فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى .

و قد تابعه شريك بن عبد الله القاضي أيضا بلفظ :

" كان إذا سمع اسما قبيحا غيره , فمر على قرية يقال لها " عفرة " فسماها

خضرة " .

208  " كان إذا سمع اسما قبيحا غيره , فمر على قرية يقال لها " عفرة " فسماها خضرة

" .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 371 :

 

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " ( ص 70 ) من طريق إسحاق بن يوسف الأزرق

حدثنا # شريك # به . و قال :

" لم يروه عن شريك إلا إسحاق " .

 

قلت : و هو ثقة . و كذلك سائر الرواة , غير أن شريكا في حفظه ضعف , لكن قد توبع

في بعضه , أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 344 ) من طريق عبدة بن

سليمان عن هشام بن عروة به بلفظ :

" أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بأرض تسمى عزرة فسماها خضرة " .

 

قلت : و هذا سند صحيح , و هو يدل على أن من أرسله و لم يذكر فيه عائشة أنه قصر

.

و عزاه الهيثمي ( 8 / 51 ) لأبي يعلى و الطبراني في الأوسط و قال :

" و رجال أبي يعلى رجال الصحيح " , و قال في طريق " المعجم الصغير " :

" و رجاله رجال الصحيح " .

كذا قال , و شريك إنما أخرج له مسلم مقرونا بغيره .

 

( تنبيه ) : " عزرة " كذا في الطحاوي بالزاي , و في " المجمع " :

" عذرة " بالذال و لعله الصواب .

و للحديث شاهد صحيح بلفظ :

" كان إذا أتاه الرجل و له اسم لا يحبه حوله " .

209  " كان إذا أتاه الرجل و له اسم لا يحبه حوله " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 372 :

 

أخرجه الخلال في " أصحاب ابن منده " ( ق 153 / 2 ) قال : أخبرنا سعيد بن يزيد

الحمصي حدثنا محمد بن عوف بن سفيان : حدثنا أبو اليمان حدثنا إسماعيل بن عياش

عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال : قال # عتبة بن عبد السلمي # : فذكره

مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات معرفون , غير سعيد بن يزيد الحمصي ,

و الظاهر أنه ابن معيوف الحجوي و هو ثقة كما في " مختصر تاريخ ابن عساكر "

( 6 / 179 ) , و إسماعيل بن عياش صحيح الحديث عن الشاميين كما قال البخاري

و غيره , و هذا عنهم .

و الحديث قال الهيثمي ( 8 / 52 ) :

" رواه الطبراني , و رجاله ثقات , و في بعضهم خلاف " .

 

قلت : و كأنه يشير إلى ابن عياش , و قد عرفت الجواب .

و هذه بعض الأسماء التي غيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في

الأحاديث الصحيحة برة . عاصية . حزن . شهاب . جثامة .

و إليك بعض الأحاديث في ذلك :

" لا تزكوا أنفسكم , فإن الله هو أعلم بالبرة منكن و الفاجرة , سميها زينب " .

210  " لا تزكوا أنفسكم , فإن الله هو أعلم بالبرة منكن و الفاجرة , سميها زينب " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 373 :

 

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 821 ) و أبو داود ( 4953 ) عن محمد بن

إسحاق قال : حدثني محمد بن عمرو بن عطاء أنه دخل على # زينب بنت أبي سلمة #

فسألته عن اسم أخت له عنده ? قال : فقلت : اسمها برة , قالت : غير اسمها , فإن

النبي صلى الله عليه وسلم نكح زينب بنت جحش و اسمها برة , فغير اسمها إلى زينب

فدخل على أم سلمة حين تزوجها و اسمي برة , فسمعها تدعوني برة , فقال : فذكره

.فقالت ( أم سلمة ) : فهي زينب , فقلت لها : اسمي ? فقالت : غير إلى ما غير

إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , سمها زينب .

 

قلت : و هذا سند حسن . و في ابن إسحاق كلام لا يضر و قد صرح بالتحديث .

و قد تابعه الوليد بن كثير حدثني محمد بن عمرو به مختصرا و يزيد بن أبي حبيب

عن محمد بن عمرو به , و فيه " لا تزكوا أنفسكم ..." . أخرجه مسلم ( 6 / 173 -

174 ) .

و للحديث شاهد صحيح بلفظ :

" كان اسم زينب برة ( فقيل : تزكي نفسها ) فسماها النبي صلى الله عليه وسلم :

زينب " .

211  " كان اسم زينب برة ( فقيل : تزكي نفسها ) فسماها النبي صلى الله عليه وسلم :

زينب " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 374 :

 

أخرجه البخاري ( 4 / 157 ) و مسلم ( 6 / 173 ) و الدارمي ( 2 / 295 )

و ابن ماجه ( 3732 ) و أحمد ( 2 / 430 - 459 ) من طرق عن شعبة عن عطاء

ابن أبي ميمونة عن أبي رافع عن # أبي هريرة # قال : فذكره .

 

و اللفظ لأحمد و الزيادة له . و لمسلم فى رواية و ابن ماجه .

و رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 832 ) : حدثنا عمرو بن مرزوق قال : حدثنا

شعبة به , بلفظ :

" كان اسم ميمونة برة , فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة " .

 

قلت : و هو بهذا الفظ شاذ لمخالفة ابن مرزوق لرواية الجماعة لاسيما و هو ذو

أوهام كما في " التقريب " , و قد تابعه أبو داود الطيالسي لكن على الشك فقال

( 2445 ) : حدثنا شعبة به بلفظ : " ميمونة أو زينب " .

و قد أشار الحافظ في " الفتح " ( 10 / 475 ) إلى شذوذ رواية ابن مرزوق هذه .

و ترجم البخاري للحديث بقوله " باب تحويل الاسم إلى اسم أحسن منه " .

و في الباب عن ابن عباس قال :

" كانت جويرية اسمها برة , فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية ,

و كان يكره أن يقال : خرج من عند برة " .

212  " كانت جويرية اسمها برة , فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها جويرية ,

و كان يكره أن يقال : خرج من عند برة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 374 :

 

أخرجه مسلم ( 6 / 173 ) و البخاري في الأدب ( 831 ) و أحمد ( 1 / 258 - 326 -

353 ) و ابن سعد في " الطبقات " ( 8 / 84 / 85 ) .

213  " أنت جميلة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 375 :

 

رواه مسلم ( 6 / 173 ) و البخاري في " الأدب المفرد " ( 820 ) و أبو داود

( 4952 ) و الترمذي ( 2 / 137 ) و أحمد ( 2 / 18 ) عن يحيى بن سعيد عن عبيد

الله : أخبرني نافع عن # ابن عمر # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير اسم

عاصية و قال : فذكره .

 

و قال الترمذي : " هذا حديث حسن غريب , و إنما أسنده يحيى بن سعيد القطان " .

 

قلت : بل هو صحيح , فإن القطان ثقة متقن حافظ إمام قدوة كما في " التقريب "

للحافظ , و قد تابعه حماد بن سلمة عن عبيد الله به , و زاد أنها ابنة لعمر

رضي الله عنه .

رواه مسلم و كذا الدارمي ( 2 / 295 ) و لكنه لم يذكر هذه الزيادة .

و أثبتها ابن ماجه ( 3733 ) .

214  " أنت سهل " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 375 :

 

رواه البخاري ( 10 / 474 - فتح ) و في " الأدب المفرد " ( 841 ) و أبو داود

( رقم 4956 ) و أحمد ( 5 / 433 ) عن الزهري عن # سعيد بن المسيب عن أبيه عن

جده # " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : ما اسمك ? قال ! حزن , قال :

فذكره . قال : لا , السهل يوطأ و يمتهن . قال سعيد : فظننت أنه سيصيبنا بعده

حزونة , لفظ أبي داود , و لفظ البخاري مثله إلا أنه قال : قال : لا أغير اسما

سمانيه أبي .

قال ابن المسيب : فما زالت الحزونة فينا بعد .

 

و رواه علي بن زيد عن سعيد بن المسيب به نحوه , إلا أنه جعله من مسند المسيب

بن حزن , و ليس من رواية حزن نفسه , و هو رواية أحمد عن الزهري , و رواية

للبخاري , و الراجح الأول كما قرره الحافظ , و في رواية علي :

" قال : يا رسول الله اسم سمانيه أبواي عرفت به فى الناس . قال : فسكت عنه

النبي صلى الله عليه وسلم " .

 

قلت : و من المعلوم أن سكوته صلى الله عليه وسلم إقرار , لكن علي بن زيد و هو

ابن جدعان ضعيف لاسيما و قد زاد على الإمام الزهري , فلا تقبل زيادته .

215  " بل أنت هشام " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 376 :

 

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( 825 ) عن عمران القطان عن قتادة عن زرارة

بن أبي أوفي عن سعد بن هشام عن # عائشة # رضي الله عنها :

" ذكر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل يقال له : شهاب , فقال رسول الله

صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .

 

قلت : و هذا إسناد حسن , رجاله ثقات رجال البخاري غير عمران و هو ابن داور ,

و هو صدوق يهم كما في " التقريب " .

و الحديث مما علقه أبو داود في هذا الباب .

216  " بل أنت حسانة المزنية " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 376 :

 

أخرجه ابن الأعرابي في " معجمه " ( ق 75 / 2 ) و عنه القضاعي في " مسند الشهاب

" ( ق 82 / 1 ) و الحاكم في " المستدرك " ( 1 / 15 - 16 ) من طريق صالح بن رستم

عن ابن أبي مليكة عن # عائشة # قالت :

" جاءت عجوز إلى النبي صلى الله عليه وسلم , و هو عندي , فقال لها رسول الله

صلى الله عليه وسلم : من أنت ? قالت : أنا جثامة المزنية , فقال : بل أنت حسانة

المزنية , كيف أنتم ? كيف حالكم , كيف كنتم بعدنا ? قالت : بخير بأبي أنت

و أمي يا رسول الله . فلما خرجت , قلت : يا رسول الله , تقبل على هذه العجوز

هذا الإقبال ? فقال : " إنها كانت تأتينا زمن خديجة , و إن حسن العهد من

الإيمان " .

و قال الحاكم :

" حديث صحيح على شرط الشيخين , فقد اتفقا على الاحتجاج برواته في أحاديث كثيرة

و ليس له علة " .

كذا قال ! و وافقه الذهبي ! و صالح بن رستم و هو أبو عامر الخزاز البصري لم

يخرج له البخاري في " صحيحه " إلا تعليقا , و أخرج له في " الأدب المفرد " أيضا

ثم هو مختلف فيه , فقال الذهبي نفسه في " الضعفاء " :

" وثقه أبو داود , و قال ابن معين :ضعيف الحديث . و قال أحمد : صالح الحديث "

.

و هذا هو الذي اعتمده في " الميزان " فقال :

" و أبو عامر الخزاز حديثه لعله يبلغ خمسين حديثا , و هو كما قال أحمد : صالح

الحديث " .

 

قلت : فهو حسن الحديث إن شاء الله تعالى , فقد قال ابن عدى :

" و هو عندي لا بأس به , و لم أر له حديثا منكرا جدا " .

و أما الحافظ فقال في " التقريب " :

" صدوق , كثير الخطأ " .

و هذا ميل منه إلى تضعيفه . و الله أعلم .

و لكنه على كل حال , فالحديث صحيح , لأنه لم يتفرد به , كما يدل عليه كلام

الحافظ في " الفتح " ( 10 / 365 ) فإنه قال بعد أن ذكره من هذا الوجه من رواية

الحاكم و البيهقي في " الشعب " :

" و أخرجه البيهقي أيضا من طريق مسلم بن جنادة عن حفص بن غياث عن هشام بن عروة

عن أبيه عن عائشة مثله , بمعنى القصة , و قال : " غريب " .

و من طريق أبي سلمة عن عائشة نحوه , و إسناده ضعيف " .

 

قلت : و طريق أبي سلمة , أخرجها أبو عبد الرحمن السلمي في " آداب الصحبة "

( 24 ) عن محمد بن ثمال الصنعاني حدثنا عبد المؤمن بن يحيى بن أبي كثير عن

أبي سلمة به .

و محمد بن ثمال و شيخه عبد المؤمن لم أجد لهما ترجمة .

و قد وجدت له طريقا أخرى مختصرا , أخرجه القاسم السرقسطي في " غريب الحديث "

( 2 / 20 / 1 ) عن الحميدي قال : حدثنا سفيان قال : حدثنا عبد الواحد ابن أيمن

و غيره عن ابن أبي نجيح عن عائشة :

" أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم , فقرب إليه لحم , فجعل يناولها ,

قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله لا تغمر يدك ! فقال صلى الله عليه وسلم :

( يا عائشة إن هذه كانت تأتينا أيام خديجة , و إن حسن العهد من الإيمان ) ,

فلما ذكر خديجة قلت : قد أبدلك الله من كبيرة السن حديثة السن , فشدقني ,

و قال : ما علي - أو نحو هذا - إن كان الله رزقها مني الولد , و لم يرزقكيه ,

فقلت : و الذى بعثك بالحق لا أذكرها إلا بخير أبدا .

قال الحميدي : ثم قال سفيان : عبد الواحد و غيره يزيد أحدهما على الآخر في

الحديث " .

 

قلت : و هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين لكنه منقطع بين ابن أبي نجيح

- و اسمه عبد الله - و عائشة , فإنه لم يسمع منها كما قال أبو حاتم , خلافا

لابن المديني , و وقع التصريح بسماعه منها في " صحيح البخاري " فالله أعلم .

و قصة غيرة عائشة من خديجة رضي الله عنهما ثابتة في " صحيح البخاري "

" و مسلم " و الترمذي ( 2 / 363 ) و أحمد ( 6 / 118 , 150 , 154 ) من طرق عنها

.

هذا و لقد كان الباعث على تحرير القول في هذا الحديث خاصة أن الله تبارك

و تعالى رزقني بعد ظهر الثلاثاء في عشرين ربيع الآخر سنة 1385 طفلة جميلة ,

فلما عزمت على أن أختار لها اسما من أسماء الصحابيات الكريمات , و قع بصري على

هذا الاسم " حسانة " , فمال إليه قلبي , لتحقيق الاقتداء به ( صلى الله عليه

وسلم ) في تسميته " جثامة " به , و لكن لم أبادر إلى ذلك حتى درست إسناد الحديث

على نحو ما سبق , و تحققت من صحته . و الحمد لله على توفيقه , و أسأله تعالى أن

يجعلها من المؤمنات الصالحات , و العابدات العالمات , السعيدات فى الدنيا

و الآخرة .

 

فقه الأحاديث

--------------

قال الطبري :

" لا ينبغي التسمية باسم قبيح المعنى و لا باسم يقتضي التزكية له , و لا باسم

معناه السب , و لو كانت الأسماء إنما هي أعلام للأشخاص لا يقصد بها حقيقة الصفة

لكن وجه الكراهة أن يسمع سامع بالاسم فيظن أنه صفة للمسمى , فلذلك كان ( صلى

الله عليه وسلم ) يحول الاسم إلى ما إذا دعي به صاحبه كان صدقا . قال : و قد

غير رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) عدة أسماء " .

ذكره في " الفتح " ( 10 / 476 ) .

 

قلت : و على ذلك فلا يجوز التسمية بعز الدين و محي الدين و ناصر الدين , و نحو

ذلك .

و من أقبح الأسماء التي راجت فى هذا العصر و يجب المبادرة إلى تغييرها لقبح

معانيها هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم مثل ( وصال )

و ( سهام ) و ( نهاد ) و ( غادة ) و ( فتنة ) و نحو ذلك . و الله المستعان .

217  " إنما المدينة كالكير تنفي خبثها , و ينصع طيبها " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 379 :

 

أخرجه البخاري ( 4 / 77 , 13 / 174 , 258 ) و مسلم ( 9 / 155 ) و مالك

( 3 / 84 ) و النسائي ( 2 / 184 ) و الترمذي ( 4 / 373 ) و الطيالسي في

" مسنده " ( 2 / 204 ) و أحمد ( 3 / 292 , 306 , 307 , 365 , 385 , 392 , 393 )

عن # جابر بن عبد الله # .

" أن أعرابيا بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الإسلام فأصاب الأعرابي

وعك بالمدينة , فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أقلني

بيعتي , فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاءه فقال : أقلني بيعتي , فأبى

ثم جاءه فقال : أقلني بيعتي , فأبى , فخرج الأعرابي , فقال رسول الله صلى الله

عليه وسلم ... " . فذكره .

 

و قال الترمذي : " حديث حسن " .

و له شاهد من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه قال في هذه الآية ( فما لكم في

المنافقين فئتين ) قال :

" رجع ناس من أصحاب النبي يوم أحد ( و في رواية : من أحد ) , فكان الناس فيهم

فريقين , فريق منهم يقول : اقتلهم , و فريق يقول : لا , فنزلت هذه الآية ( فما

لكم في المنافقين فئتين ) , فقال :

" إنها طيبة , و إنها تنفي الخبث , كما تنفي النار خبث الحديد " .

218  " إنها طيبة , و إنها تنفي الخبث , كما تنفي النار خبث الحديد " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 380 :

 

أخرجه البخاري ( 4 / 77 - 78 , 8 / 206 ) و مسلم ( 9 / 155 - 156 ) و الترمذي

( 4 / 89 - 90 ) و أحمد ( 6 / 184 / 187 , 188 ) من طريق عبد الله ابن يزيد

و هو الخطمي عن # زيد بن ثابت # .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

قال العلماء : خبث الحديد : وسخه و قذره الذي تخرجه النار منها .

قال القاضي : الأظهر أن هذا مختص بزمن النبي صلى الله عليه وسلم , لأنه لم يكن

يصبر على الهجرة و المقام معه إلا من ثبت إيمانه , و أما المنافقون و جهلة

الأعراب فلا يصبرون على شدة المدينة و لا يحتسبون الأجر في ذلك كما قال ذلك

الأعرابي الذي أصابه الوعك :

" أقلني بيعتي " . هذا كلام القاضي . و هذا الذي ادعى أنه الأظهر ليس بالأظهر ,

لحديث أبي هريرة المتقدم بلفظ : " لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها .."

فهذا و الله أعلم في زمن الدجال كما جاء في الحديث الصحيح الذي ذكره مسلم في

أواخر الكتاب في " أحاديث الدجال " : أنه يقصد المدينة فترجف المدينة ثلاث

رجفات يخرج الله بها منها كل كافر منافق . فيحتمل أنه مختص بزمن الدجال ,

و يحتمل أنه في أزمان متفرقة . كذا في " شرح مسلم " للنووي ( 9 / 154 ) .

و أقول : بل الأظهر أن ذلك كان خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم لحديث الأعرابي

المتقدم , و في بعض الأوقات لا دائما لقول الله عز و جل ( و من أهل المدينة

مردوا على النفاق ) , و المنافق خبيث بلا شك كما قال الحافظ , بل هو المراد

صراحة في حديث زيد بن ثابت , فعلى هذا فقوله في هذه الأحاديث " تنفي " ليست

للاستمرار , بل للتكرار , فقد وقع ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم ما شاء الله

و سيقع أيضا مرة أخرى زمن الدجال كما في حديث أنس المشار إليه , و إلى هذا مال

الحافظ في " الفتح " ( 4 / 70 ) و ختم كلامه بقوله :

" و أما ما بين ذلك فلا " .

فهذا هو الراجح بل الصواب , و الواقع يشهد بذلك . و الله أعلم .

219  " كان يقبلني و هو صائم و أنا صائمة . يعني عائشة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 381 :

 

أخرجه أبو داود ( 1 / 374 ) و أحمد ( 6 / 179 ) من طريقين عن سفيان عن سعد

بن إبراهيم عن طلحة بن عبد الله يعني ابن عثمان القرشي عن # عائشة # رضي الله

عنها مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرط البخاري .

ثم أخرجه أحمد ( 6 / 134 , 175 - 176 , 269 - 270 , 270 ) و كذا النسائي في

" الكبرى " ( ق 83 / 2 ) و الطيالسي ( 1 / 187 ) و الشافعي في " سننه "

( 1 / 260 ) و الطحاوي في " شرح المعاني " ( 1 / 346 ) و البيهقي ( 4 / 223 )

و أبو يعلى في " مسنده " ( 215 / 2 ) من طرق أخرى عن سعد بن إبراهيم به بلفظ :

" أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقبلني , فقلت : إني صائمة ! فقال :

و أنا صائم ! ثم قبلني " .

و في هذا الحديث رد للحديث الذي رواه محمد بن الأشعث عن عائشة قالت :

" كان لا يمس من وجهي شيئا و أنا صائمة " .

و إسناده ضعيف كما بينته في " الأحاديث الضعيفة " رقم ( 962 ) .

و الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " ( 4 / 123 ) باللفظ الثاني للنسائي .

و للشطر الثاني منه طريق آخر عن عائشة رضي الله عنها , يرويه إسرائيل عن زياد

عن عمرو بن ميمون عنها قالت :

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلني و أنا صائمة " .

أخرجه الطحاوي بسند صحيح , و إسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق السبيعي ,

و أما زياد فهو ابن علاقة . و قد أخرجه أحمد ( 6 / 258 ) من طريق شيبان عن

زياد بن علاقة عن عمرو بن ميمون قال :

سألت عائشة عن الرجل يقبل و هو صائم ? قالت :

" و قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل و هو صائم " .

 

قلت : و سنده صحيح , و شيبان هو ابن عبد الرحمن التميمي البصري , و هو على شرط

مسلم , و قد أخرجه في " صحيحه " ( 3 / 136 ) من طرق أخرى عن زياد دون السؤال

و زاد " في رمضان " و هو رواية لأحمد ( 6 / 130 ) .

و في أخرى له ( 6 / 292 ) من طريق عكرمة عنها :

" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل و هو صائم , و لكم في رسول الله أسوة

حسنة " .

و سنده صحيح , و عكرمة هو البربري مولى ابن عباس و قد سمع من عائشة و قد روى

أحمد ( 6 / 291 ) عن أم سلمة مثل حديث عائشة الأول . و سنده حسن في " الشواهد "

.

و الحديث دليل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان , و قد اختلف العلماء في

ذلك على أكثر من أربعة أقوال أرجحها الجواز , على أن يراعى حال المقبل , بحيث

أنه إذا كان شابا يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه , امتنع

من ذلك , و إلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية عنها

" .. و أيكم يملك إربه " بل قد روى ذلك عنها صريحا , فقد أخرج الطحاوي

( 1 / 346 ) من طريق حريث بن عمرو عن الشعبي عن مسروق عنها قالت : ربما قبلني

رسول الله صلى الله عليه وسلم و باشرني و هو صائم ! أما أنتم فلا بأس به للشيخ

الكبير الضعيف . و حريث هذا أورده ابن أبي حاتم ( 2 / 2 / 263 ) و لم يذكر فيه

جرحا و لا تعديلا , بل جاء هذا مرفوعا من طرق عن النبي صلى الله عليه وسلم يقوي

بعضها بعضا , بعضها عن عائشة نفسها , و يؤيده قوله صلى الله عليه وسلم :

" دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " و لكن ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيخ , ليس على

سبيل التحديد بل التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة , و إلا

فالضابط في ذلك قوة الشهوة و ضعفها , أو ضعف الإرادة و قوتها , و على هذا

التفصيل نحمل الروايات المختلفة عن عائشة رضي الله عنها , فإن بعضها صريح عنها

في الجواز مطلقا كحديثها هذا , لاسيما و قد خرج جوابا على سؤال عمرو بن ميمون

لها في بعض الروايات . و قال : ( و لكم في رسول الله أسوة حسنة ) و بعضها يدل

على الجواز حتى للشاب , لقولها " و أنا صائمة " فقد توفي عنها رسول الله صلى

الله عليه وسلم و عمرها ( 18 ) سنة , و مثله ما حدثت به عائشة بنت طلحة أنها

كانت عند عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , فدخل عليها زوجها عبد الله

بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق و هو صائم , فقالت له عائشة ما منعك أن تدنو

من أهلك فتقبلها و تلاعبها ? فقال : أقبلها و أنا صائم ?! قالت : نعم .

أخرجه مالك ( 1 / 274 ) و عنه الطحاوي ( 1 / 327 ) بسند صحيح .

قال ابن حزم ( 6 / 211 ) :

" عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها , و كانت أيام عائشة هي و زوجها

فتيين في عنفوان الحداثة " .

و هذا و مثله محمول على أنها كانت تأمن عليهما , و لهذا قال الحافظ في

" الفتح " ( 4 / 123 ) بعد أن ذكر هذا الحديث من طريق النسائي : " .. فقال :

و أنا صائم , فقبلني " :

" و هذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتأثر بالمباشرة و التقبيل لا

للتفرقة بين الشاب و الشيخ , لأن عائشة كانت شابة , نعم لما كان الشاب مظنة

لهيجان الشهوة فرق من فرق " .

220  " كان يقبل و هو صائم , و يباشر و هو صائم , و كان أملككم لإربه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 384 :

 

أخرجه البخاري ( 4 / 120 - 121 فتح ) و مسلم ( 3 / 135 ) و الشافعي في " سننه "

( 1 / 261 ) و أبو داود ( 2 / 284 - عون ) و الترمذي ( 2 / 48 - تحفة ) و ابن

ماجه ( 1 / 516 و 517 ) و الطحاوي ( 1 / 345 ) و البيهقي ( 4 / 230 ) و أحمد

( 6 / 42 - 126 ) من طرق عن # عائشة # به .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

و في الحديث فائدة أخرى على الحديث الذي قبله , و هي جواز المباشرة من الصائم ,

و هي شيء زائد على القبلة , و قد اختلفوا في المراد منها هنا , فقال القري :

" قيل : هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج و قيل هي القبلة و اللمس  باليد " .

 

قلت : و لا شك أن القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا لأن الواو تفيد المغايرة ,

فلم يبق إلا أن يكون المراد بها إما القول الأول أو اللمس باليد , و الأول , هو

الأرجح لأمرين :

 

الأول : حديث عائشة الآخر قالت : " كانت إحدانا إذا كانت حائضا , فأراد

رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباشرها أمرها أن تتزر في فور حيضتها ثم

يباشرها قالت : و أيكم يملك إربه " .

رواه البخاري ( 1 / 320 ) و مسلم ( 1 / 166 , 167 ) و غيرهما .

فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام فإن اللفظ واحد , و الدلالة واحدة

و الرواية واحدة أيضا , و كما أنه ليس هنا ما يدل على تخصيص المباشرة بمعنى دون

المعنى الأول , فكذلك الأمر في حديث الصيام , بل إن هناك ما يؤيد المعنى

المذكور , و هو الأمر الآخر , و هو أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت

المباشرة بما يدل على هذا المعنى و هو قولها في رواية عنها :

" كان يباشر و هو صائم , ثم يجعل بينه و بينها ثوبا يعني الفرج " .

221  " كان يباشر و هو صائم , ثم يجعل بينه و بينها ثوبا . يعني الفرج " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 385 :

 

أخرجه الإمام أحمد ( 6 / 59 ) : حدثنا ابن نمير عن طلحة بن يحيى قال : حدثتني

عائشة بنت طلحة عن # عائشة # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ... و أخرجه

ابن خزيمة في " صحيحه " ( 1 / 201 / 2 ) .

 

قلت : و هذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , و لولا أن طلحة هذا فيه

كلام يسير من قبل حفظه , لقلت : إنه صحيح الإسناد , و لكن تكلم فيه بعضهم ,

و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يخطىء " .

 

قلت : و في هذا الحديث فائدة هامة و هو تفسير المباشرة بأنه مس المرأة فيما

دون الفرج , فهو يؤيد التفسير الذي سبق نقله عن القاري , و إن كان حكاه بصيغة

التمريض ( قيل ) : فهذا الحديث يدل على أنه قول معتمد , و ليس في أدلة الشريعة

ما ينافيه , بل قد وجدنا في أقوال السلف ما يزيده قوة , فمنهم راوية الحديث

عائشة نفسها رضي الله عنها , فروى الطحاوي ( 1 / 347 ) بسند صحيح عن حكيم

بن عقال أنه قال : سألت عائشة : ما يحرم علي من امرأتي و أنا صائم ? قالت :

فرجها و حكيم هذا وثقه ابن حبان و قال العجيلي : " بصري تابعي ثقة " .

و قد علقه البخاري ( 4 / 120 بصيغة الجزم : " باب المباشرة للصائم , و قالت

عائشة رضي الله عنها : يحرم عليه فرجها " .

و قال الحافظ :

" وصله الطحاوي من طريق أبي مرة مولى عقيل عن حكيم بن عقال .... و إسناده إلى

حكيم صحيح , و يؤدي معناه أيضا ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن مسروق : سألت

عائشة : ما يحل للرجل من امرأته صائما ? قالت . كل شيء إلا الجماع " .

 

قلت : و ذكره ابن حزم ( 6 / 211 ) محتجا به على من كره المباشرة للصائم , ثم

تيسر لي الرجوع إلى نسخة " الثقات " في المكتبة الظاهرية , فرأيته يقول فيه

( 1 / 25 ) :

" يروي عن ابن عمر , روى عنه قتادة , و قد سمع حكيم من عثمان بن عفان " .

و وجدت بعض المحدثين قد كتب على هامشه :

" العجلي : هو بصري تابعي ثقة " .

ثم ذكر ابن حزم عن سعيد بن جبير أن رجلا قال لابن عباس : إني تزوجت ابنة عم لي

جميلة , فبني بي في رمضان , فهل لي - بأبي أنت و أمي - إلى قبلتها من سبيل ?

فقال له ابن عباس : هل تملك نفسك ? قال : نعم , قال : قبل , قال : فبأبي أنت

و أمي هل إلى مباشرتها من سبيل ?!قال : هل تملك نفسك ? قال : نعم , قال :

فباشرها , قال : فهل لي أن أضرب بيدي على فرجها من سبيل ? قال : و هل تملك نفسك

? قال : نعم , قال : اضرب .

قال ابن حزم : " و هذه أصح طريق عن ابن عباس " .

قال : " و من طريق صحاح عن سعد بن أبي وقاص أنه سئل أتقبل و أنت صائم ?

قال : نعم , و أقبض على متاعها , و عن عمرو بن شرحبيل أن ابن مسعود كان يباشر

امرأته نصف النهار و هو صائم . و هذه أصح طريق عن ابن مسعود " .

 

قلت : أثر ابن مسعود هذا أخرجه ابن أبي شيبة ( 2 / 167 / 2 ) بسند صحيح على

شرطهما , و أثر سعد هو عنده بلفظ " قال : نعم و آخذ بجهازها " و سنده صحيح على

شرط مسلم , و أثر ابن عباس عنده أيضا و لكنه مختصر بلفظ :

" فرخص له في القبلة و المباشرة و وضع اليد ما لم يعده إلى غيره " .

و سنده صحيح على شرط البخاري .

و روى ابن أبي شيبة ( 2 / 170 / 1 ) عن عمرو بن هرم قال :

سئل جابر بن زيد عن رجل نظر إلى امرأته في رمضان فأمنى من شهوتها هل يفطر ?

قال : لا , و يتم صومه " .

و ترجم ابن خزيمة للحديث بقوله :

" باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم , و الدليل على أن اسم

الواحد قد يقع على فعلين أحدهما مباح , و الآخر محظور " .

222  " من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة و تفلته بين عينيه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 388 :

 

أخرجه أبو داود ( 3 / 425 - عون ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 332 ) من طريق

ابن خزيمة عن جرير عن أبي إسحاق الشيباني عن عدي بن ثابت عن زر بن حبيش عن

# حذيفة بن اليمان # مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , غير زر فمن رجال مسلم

وحده . و جرير هو ابن عبد الحميد الضبي الكوفي , و أبو إسحاق هو سليمان بن

أبي سليمان الكوفي .

و للحديث شاهد بلفظ :

" يجيء صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة و هي في وجهه " .

223  " يجيء صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة و هي في وجهه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 388 :

 

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 333 ) : أخبرنا عبد الرحمن بن زياد الكناني

- بالأبلة - حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح : حدثنا شبابة حدثنا عاصم ابن محمد

عن محمد بن سوقة عن نافع عن # ابن عمر # مرفوعا .

 

قلت : و هذا إسناد رجاله كلهم ثقات معروفون من رجال البخاري غير الكناني هذا ,

فلم أجد له الآن ترجمة , لكنه لم يتفرد به , فقد عزاه المنذري في " الترغيب "

( 1 / 122 ) للبزار و ابن خزيمة و ابن حبان في " صحيحيهما , و ابن خزيمة من

طبقة الكناني المذكور فالغالب أنه رواه من غير طريقه , إما عن ابن الصباح

مباشرة أو عن غيره , و أما البزار فطريقه غير طريق الكناني قطعا , فإن في

إسناده عاصم بن عمر كما ذكر الهيثمي ( 2 / 19 ) , و قال : " ضعفه البخاري

و جماعة , و ذكره ابن حبان في " الثقات " .

 

قلت : و في " التقريب " : ضعيف .

 

قلت : و لكنه إن لم يفد في تقوية الحديث كشاهد أو متابع , فهو على الأقل لا يضر

و الحديث صحيح على كل حال .

و في الحديث دلالة على تحريم البصاق إلى القبلة مطلقا , سواء ذلك في المسجد

أو في غيره , و على المصلي و غيره , كما قال الصنعاني في " سبل السلام "

( 1 / 230 ) . قال :

" و قد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة و خارجها و في المسجد

أو غيره " .

 

قلت : و هو الصواب , و الأحاديث الواردة في النهي عن البصق في الصلاة تجاه

القبلة كثيرة مشهورة في الصحيحين و غيرها , و إنما آثرت هذا دون غيره , لعزته

و قلة من أحاط علمه به . و لأن فيه أدبا رفيعا مع الكعبة المشرفة , طالما غفل

عنه كثير من الخاصة , فضلا عن العامة , فكم رأيت في أئمة المساجد من يبصق إلى

القبلة من نافذة المسجد !

و في الحديث أيضا فائدة هامة و هي الإشارة إلى أن النهي عن استقبال القبلة ببول

أو غائط إنما هو مطلق يشمل الصحراء و البنيان , لأنه إذا أفاد الحديث أن البصق

تجاه القبلة لا يجوز مطلقا , فالبول و الغائط مستقبلا لها لا يجوز بالأولى ,

فمن العجائب إطلاق النووي النهي في البصق , و تخصيصه في البول و الغائط !

( إن في ذلك لذكري لمن كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد ) .

224  " الصوم يوم تصومون , و الفطر يوم تفطرون , و الأضحى يوم تضحون " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 389 :

 

أخرجه الترمذي ( 2 / 37 - تحفة ) عن إسحاق بن جعفر بن محمد قال :

حدثني عبد الله بن جعفر عن عثمان بن محمد عن # أبي هريرة # أن النبي صلى الله

عليه وسلم قال : فذكره .

و قال الترمذي : " هذا حديث غريب حسن " .

 

قلت : و إسناده جيد , رجاله كلهم ثقات , و في عثمان بن محمد و هو ابن المغيرة

ابن الأخنس كلام يسير .

و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق له أوهام " .

و عبد الله بن جعفر هو ابن عبد الرحمن بن المسور المخرمي المدني و هو ثقة روى

له مسلم .

و إسحاق بن جعفر بن محمد هو الهاشمي الجعفري , و هو صدوق كما في " التقريب "

و قد تابعه أبو سعيد مولى بني هاشم و هو ثقة من رجال البخاري قال : حدثنا

عبد الله بن جعفر المخرمي به , دون الجملة الوسطى : " و الفطر يوم تفطرون " .

أخرجه البيهقي في " سننه " ( 4 / 252 ) .

و للحديث طريق أخرى عن أبي هريرة , فقال ابن ماجه ( 1 / 509 ) :

" حدثنا محمد بن عمر المقرىء حدثنا إسحاق بن عيسى حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن

محمد بن سيرين عن أبي هريرة به دون الجملة الأولى .

و هذا سند رجاله كلهم ثقات غير محمد بن عمر المقرىء و لا يعرف كما في

" التقريب " و أرى أنه وهم في قوله " محمد بن سيرين " و إنما هو " محمد بن

المنكدر " هكذا رواه العباس بن محمد بن هارون و علي بن سهل قالا : أنبأنا إسحاق

بن عيسى الطباع عن حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن المنكدر عن أبي هريرة به .

أخرجه الدارقطني في " سننه " ( 257 - 258 ) .

و هكذا رواه محمد بن عبيد و هو ابن حساب ثقة من رجال مسلم عن حماد ابن زيد به .

أخرجه أبو داود ( 1 / 366 ) : حدثنا محمد بن عبيد به .

و هكذا رواه روح بن القاسم و عبد الوارث و معمر عن محمد بن المنكدر به .

أخرجه الدارقطني و أبو علي الهروي في " الأول من الثاني من الفوائد "

( ق 20 / 1 ) عن روح .

و أخرجه البيهقي عن عبد الوارث .

و أخرجه الهروي عن معمر قرنه مع روح , رواه عنهما يزيد بن زريع , و قد خالفه في

روايته عن معمر يحيى بن اليمان فقال : عن معمر عن محمد بن المنكدر عن عائشة

قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره دون الجملة الأولى أيضا .

أخرجه الترمذي ( 2 / 71 ) و الدارقطني ( 258 ) .

و قال الترمذي :

" سألت محمدا - يعني البخاري - قلت له : محمد بن المنكدر سمع من عائشة ? قال :

نعم , يقول في حديثه سمعت عائشة . قال الترمذي : و هذا حديث حسن غريب من هذا

الوجه " .

 

قلت : كذا قال الترمذي , و هو عندي ضعيف من هذا الوجه , لأن يحيى ابن اليمان

ضعيف من قبل حفظه , و في " التقريب " : " صدوق عابد , يخطىء كثيرا و قد تغير "

قلت : و مع ذلك فقد خالفه يزيد بن زريع و هو ثقة ثبت فقال عن معمر عن محمد

بن المنكدر عن أبي هريرة , و هذا هو الصواب بلا ريب , أنه من مسند أبي هريرة ,

ليس من مسند عائشة , و إذا كان كذلك فهو منقطع لأن ابن المنكدر لم يسمع من

أبي هريرة كما قال البزار و غيره , و إذا كان كذلك فلم يسمع من عائشة أيضا

لأنها ماتت قبل أبي هريرة و بذلك جزم الحافظ في " التهذيب " , فهو منقطع على كل

حال . و قد روى حديث عائشة موقوفا عليها , أخرجه البيهقي من طريق أبي حنيفة

قال . حدثني علي بن الأقمر عن مسروق قال :

" دخلت على عائشة يوم عرفة فقالت : اسقوا مسروقا سويقا , و أكثروا حلواه ,

قال : فقلت : إني لم يمنعني أن أصوم اليوم إلا أني خفت أن يكون يوم النحر ,

فقالت عائشة : النحر يوم ينحر الناس , و الفطر يوم يفطر الناس " .

 

قلت : و هذا سند جيد بما قبله .

 

فقه الحديث

-----------

قال الترمذي عقب الحديث :

" و فسر بعض أهل العلم هذا الحديث , فقال : إنما معنى هذا الصوم و الفطر مع

الجماعة و عظم الناس " . و قال الصنعاني في " سبل السلام " ( 2 / 72 ) :

" فيه دليل على أنه يعتبر في ثبوت العيد الموافقة للناس , و أن المتفرد بمعرفة

يوم العيد بالرؤية يجب عليه موافقة غيره , و يلزمه حكمهم في الصلاة و الإفطار

و الأضحية " .

و ذكر معنى هذا ابن القيم رحمه الله في " تهذيب السنن " ( 3 / 214 ) , و قال :

" و قيل : فيه الرد على من يقول إن من عرف طلوع القمر بتقدير حساب المنازل جاز

له أن يصوم و يفطر , دون من لم يعلم , و قيل : إن الشاهد الواحد إذا رأى الهلال

و لم يحكم القاضي بشهادته أنه لا يكون هذا له صوما , كما لم يكن للناس " .

و قال أبو الحسن السندي في " حاشيته على ابن ماجه " بعد أن ذكر حديث أبي هريرة

عند الترمذي :

" و الظاهر أن معناه أن هذه الأمور ليس للآحاد فيها دخل , و ليس لهم التفرد

فيها , بل الأمر فيها إلى الإمام و الجماعة , و يجب على الآحاد اتباعهم للإمام

و الجماعة , و على هذا , فإذا رأى أحد الهلال , و رد الإمام شهادته ينبغي أن لا

يثبت في حقه شيء من هذه الأمور , و يجب عليه أن يتبع الجماعة في ذلك " .

 

قلت : و هذا المعنى هو المتبادر من الحديث , و يؤيده احتجاج عائشة به على مسروق

حين امتنع من صيام يوم عرفة خشية أن يكون يوم النحر , فبينت له أنه لا عبرة

برأيه و أن عليه اتباع الجماعة فقالت :

" النحر يوم ينحر الناس , و الفطر يوم يفطر الناس " .

 

قلت : و هذا هو اللائق بالشريعة السمحة التي من غاياتها تجميع الناس و توحيد

صفوفهم , و إبعادهم عن كل ما يفرق جمعهم من الآراء الفردية , فلا تعتبر الشريعة

رأي الفرد - و لو كان صوابا في وجهة نظره - في عبادة جماعية كالصوم و التعبيد

و صلاة الجماعة , ألا ترى أن الصحابة رضي الله عنهم كان يصلي بعضهم وراء بعض

و فيهم من يرى أن مس المرأة و العضو و خروج الدم من نواقض الوضوء , و منهم من

لا يرى ذلك , و منهم من يتم في السفر , و منهم من يقصر , فلم يكن اختلافهم هذا

و غيره ليمنعهم من الاجتماع في الصلاة وراء الإمام الواحد , و الاعتداد بها ,

و ذلك لعلمهم بأن التفرق في الدين شر من الاختلاف في بعض الآراء , و لقد بلغ

الأمر ببعضهم في عدم الإعتداد بالرأي المخالف لرأى الإمام الأعظم في المجتمع

الأكبر كمنى , إلى حد ترك العمل برأيه إطلاقا في ذلك المجتمع فرارا مما قد ينتج

من الشر بسبب العمل برأيه , فروى أبو داود ( 1 / 307 ) أن عثمان رضي الله عنه

صلى بمنى أربعا , فقال عبد الله بن مسعود منكرا عليه : صليت مع النبي صلى الله

عليه وسلم ركعتين , و مع أبي بكر ركعتين , و مع عمر ركعتين , و مع عثمان صدرا

من إمارته ثم أتمها , ثم تفرقت بكم الطرق فلوددت أن لي من أربع ركعات ركعتين

متقبلتين , ثم إن ابن مسعود صلى أربعا ! فقيل له : عبت على عثمان ثم صليت

أربعا ?! قال : الخلاف شر . و سنده صحيح . و روى أحمد ( 5 / 155 ) نحو هذا عن

أبي ذر رضي الله عنهم أجمعين .

فليتأمل في هذا الحديث و في الأثر المذكور أولئك الذين لا يزالون يتفرقون في

صلواتهم , و لا يقتدون ببعض أئمة المساجد , و خاصة في صلاة الوتر في رمضان ,

بحجة كونهم على خلاف مذهبهم ! و بعض أولئك الذين يدعون العلم بالفلك , ممن يصوم

و يفطر وحده متقدما أو متأخرا عن جماعة المسلمين , معتدا برأيه و علمه , غير

مبال بالخروج عنهم , فليتأمل هؤلاء جميعا فيما ذكرناه من العلم , لعلهم يجدون

شفاء لما في نفوسهم من جهل و غرور , فيكونوا صفا واحدا مع إخوانهم المسلمين فإن

يد الله مع الجماعة .

 

 

225  " إذا ولج الرجل في بيته فليقل : اللهم إني أسألك خير المولج , و خير المخرج ,

بسم الله ولجنا , و بسم الله خرجنا , و على الله ربنا توكلنا , ثم ليسلم على

أهله " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 394 :

 

أخرجه أبو داود في " سننه " ( رقم 5096 ) عن إسماعيل : حدثني ضمضم عن شريح عن

# أبي مالك الأشعري # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 

قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات , و إسماعيل هو ابن عياش , و هو صحيح

الحديث عن الشاميين , و هذا منها , فإن ضمضم و هو ابن زرعة بن ثوب شامي حمصي .

و شريح هو ابن عبيد الحضرمي الحمصي ثقة , فالسند كله شامي حمصي .

 

( تنبيه ) الحديث كما ترى من أوراد دخول البيت , و بذلك ترجم له أبو داود ,

فأورده في " باب ما جاء فيمن دخل بيت ما يقول " و في مثله أورده النووي و صديق

خان و غيرهما . و قد وهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث جعل الحديث من

أوراد الدخول إلى المسجد , فإنه قال في " الرد على الأخنائي " ( ص 95 ) :

" و عن محمد بن سيرين : كان الناس يقولون إذا دخلوا المسجد : صلى الله و

ملائكته على محمد , السلام عليك أيها النبي و رحمة الله و بركاته , بسم الله

دخلنا , و بسم الله خرجنا , و على الله توكلنا , و كانوا يقولون إذا خرجوا مثل

ذلك " .

 

قلت : فقال ابن تيمية بعد أن ذكر هذا :

" قلت : هذا فيه حديث مرفوع في " سنن أبي داود " و غيره أنه يقال عند دخول

المسجد : اللهم إني أسألك خير المولج ... " .

و عزاه مخرجه فضيلة الشيخ اليماني لسنن أبي داود و لم يتنبه لهذا الذي نبهنا

عليه .

226  " لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير من أن يمس امرأة لا تحل له " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 395 :

 

رواه الروياني في " مسنده " ( 227 / 2 ) : أنبأنا نصر بن علي : أنبأنا , أبي ,

أنبأنا شداد ابن سعيد عن أبي العلاء قال : حدثنى # معقل بن يسار # مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات من رجال الشيخين غير شداد بن سعيد , فمن

رجال مسلم وحده , و فيه كلام يسير لا ينزل به حديثه عن رتبة الحسن , و لذلك فإن

مسلما إنما أخرج له في الشواهد و قال الذهبي في " الميزان " : " صالح الحديث "

و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق يخطىء " .

و أبو العلاء هو يزيد بن عبد الله بن الشخير .

و الحديث قال المنذري في " الترغيب " ( 3 / 66 ) :

" رواه الطبراني , و البيهقي , و رجال الطبراني ثقات رجال الصحيح " .

و قد روي مرسلا من حديث عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي . قال : قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم :

" لأن يقرع الرجل قرعا يخلص إلى عظم رأسه خير له من أن تضع امرأة يدها على رأسه

لا تحل له , و لأن يبرص الرجل برصا حتى يخلص البرص إلى عظم ساعده خير له من أن

تضع امرأة يدها على ساعده لا تحل له " .

أخرجه أبو نعيم في " الطب " ( 2 / 33 - 34 ) عن هشيم عن داود بن عمرو أنبأ

عبد الله بن أبي زكريا الخزاعي .

 

قلت : و هذا مع إرساله أو إعضاله , فإن هشيما كان مدلسا و قد عنعنه .

( المخيط ) بكسر الميم و فتح الياء : هو ما يخاط به كالإبرة و المسلة و نحوهما

.

و في الحديث وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له , ففيه دليل على تحريم مصافحة

النساء لأن ذلك مما يشمله المس دون شك , و قد بلي بها كثير من المسلمين في هذا

العصر و فيهم بعض أهل العلم , و لو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم , لهان الخطب بعض

الشيء , و لكنهم يستحلون ذلك , بشتى الطرق و التأويلات , و قد بلغنا أن شخصية

كبيرة جدا في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء , فإلى الله المشتكى من غربة

الإسلام .

بل إن بعض الأحزاب الإسلامية , قد ذهبت إلى القول بجواز المصافحة المذكورة ,

و فرضت على كل حزبي تبنيه , و احتجت لذلك بما لا يصلح , معرضة عن الاعتبار بهذا

الحديث , و الأحاديث الأخرى الصريحة في عدم مشروعية المصافحة , و سيأتي ذكرها

إن شاء الله تعالى برقم ( 526 و 527 ) .

227  " ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك ( به ) ? ( أن ) تقولي إذا أصبحت و إذا أمسيت :

يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث , و أصلح لي شأني كله , و لا تكلني إلى نفسي طرفة

عين أبدا " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 397 :

 

رواه ابن السني في " عمل اليوم و الليلة " ( رقم 46 ) و البيهقي في " الأسماء "

( 112 ) من طريق زيد بن الحباب : حدثنا عثمان بن موهب ( في الأصل : وهب و هو

تصحيف ) مولى بني هاشم قال : سمعت #  أنس بن مالك # رضي الله عنه يقول : قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها : فذكره .

 

قلت : و هذا سند حسن , رجاله كلهم ثقات غير عثمان بن موهب و هو غير عثمان

بن عبد الله بن موهب قال ابن أبي حاتم ( 3 / 169 ) عن أبيه : " صالح الحديث " .

و قال الحافظ في " التقريب " : " مقبول " .

و الحديث رواه النسائي أيضا في " الكبرى " له و البزار كما في " الترغيب "

( 1 / 232 ) و قال : " بإسناد صحيح " .

و رواه الحاكم أيضا و صححه على شرط الشيخين و وافقه الذهبي لوهم وقع لهما بينته

في " التعليق الرغيب " .

و قال الهيثمي ( 10 / 117 ) :

" رواه البزار و رجاله رجال الصحيح غير عثمان بن موهب و هو ثقة " .

228  " لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه , و لكن افسحوا يفسح الله لكم " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 398 :

 

أخرجه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2 / 483 ) : حدثنا سريج حدثنا فليح عن أيوب

بن عبد الرحمن بن صعصعة الأنصاري عن يعقوب بن أبي يعقوب عن # أبي هريرة #

مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند حسن , رجاله موثقون .

أما يعقوب بن أبي يعقوب , فقال في " التهذيب " :

" قال أبو حاتم : صدوق , و ذكره ابن حبان في الثقات ".

 

قلت : و قد ترجمه ابن أبي حاتم في " الجرح و التعديل " , لكن لم يذكر قول أبيه

" صدوق " .

و أما ابن صعصعة , فقد ذكره ابن حبان في " الثقات " و روى عنه جماعة , و قال

الخزرجي في " الخلاصة " و الحافظ في " التقريب " : " صدوق " .

و أما بقية الرجال فمن رجال الشيخين .

و للحديث شاهدان ذكرهما الحافظ في " الفتح " ( 11 / 53 ) و فاته هذا الحديث

المشهود له ! فقال تعليقا على قول البخاري :

" و كان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه , ثم يجلس مكانه " قال :

" أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " بلفظ : و كان ابن عمر إذا قام له رجل من

مجلسه لم يجلس فيه . و كذا أخرجه مسلم . و قد ورد ذلك عن ابن عمر مرفوعا .

أخرجه أبو داود من طريق أبي الخصيب و اسمه زياد بن عبد الرحمن عن ابن عمر : جاء

رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام له رجل من مجلسه فذهب ليجلس , فنهاه

رسول الله صلى الله عليه وسلم . و له أيضا من طريق سعيد بن أبي الحسن : جاءنا

أبو بكرة فقام له رجل من مجلسه , فأبى أن يجلس فيه و قال : إن النبي صلى الله

عليه وسلم نهى عن ذا . و أخرجه الحاكم و صححه من هذا الوجه " .

 

قلت : ما عزاه للأدب المفرد هو عنده ( رقم 1153 ) بسند صحيح على شرط الشيخين

و هو عقب حديثه المرفوع بلفظ :

( نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يقيم الرجل من المجلس ثم يجلس فيه ) .

و هو عند مسلم أيضا .

و ما عزاه لأبي داود من حديث ابن عمر هو عنده ( 4 / 406 ) بإسناد رجاله كلهم

ثقات غير أبي الخصيب قال أبو داود عقبه كما قال الحافظ :

" اسمه زياد بن عبد الرحمن " .

 

قلت : و قد أورده ابن أبي حاتم ( 1 / 2 / 538 ) و لم يذكر جرحا و لا تعديلا ,

و ذكره ابن حبان في " الثقات " و في " التقريب " : " مقبول " .

و الحديث سكت عليه المنذري في " مختصر السنن " ( 7 / 184 ) , فهو في الشواهد لا

بأس به إن شاء الله تعالى . و صححه أحمد شاكر في تعليقه على " المسند " !

و أما حديث أبي بكرة , فرجاله ثقات أيضا من رجال الشيخين غير أبي عبد الله مولى

لآل أبي بردة فحاله كحال أبي الخصيب , أورده ابن أبي حاتم أيضا ( 4 / 2 / 401 )

و لم يذكر فيه جرحا , و قال الحافظ : " مقبول " . و في " الفتح " ( 11 / 53 ) :

" بصري لا يعرف " .

و من هذا الوجه أخرجه الحاكم ( 4 / 272 ) لكن لفظه مثل لفظ ابن عمر الذي في

الصحيح : " لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه " .

و قال : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : و مداره على شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن أبي عبد الله مولى آل أبي بردة

عن سعيد بن أبي الحسن .

و قد اختلف عليه مسلم بن إبراهيم عند أبي داود , و عمرو بن مرزوق عند الحاكم ,

فقال الأول عنه بلفظ نحو لفظ ابن عمر عند أبي داود كما تقدم , و قال عمرو

بن مرزوق مثل لفظ ابن عمر في " الصحيح " , و إذا اختلف هذا مع مسلم بن إبراهيم

فمسلم أرجح رواية من عمرو , لأن مسلما ثقة مأمون , و أما عمرو فثقة له أوهام

كما في التقريب , فروايته مرجوحة . و الله أعلم .

 

و جملة القول : إن حديث أبي هريرة صحيح بشاهديه المذكورين .

و هو ظاهر الدلالة على أنه ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه

ليجلس فيه غيره , يفعل ذلك احتراما له , بل عليه أن يفسح له في المجلس و أن

يتزحزح له إذا كان الجلوس على الأرض بخلاف ما إذا كان على الكرسي , فذلك غير

ممكن , فالقيام و الحالة هذه مخالف لهذا التوجيه النبوي الكريم . و لذلك كان

ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه , ثم يجلس هو فيه كما تقدم عن البخاري ,

و الكراهة هو أقل ما يدل عليه قوله " لا يقوم الرجل للرجل ... " فإنه نفي بمعنى

النهي , و الأصل فيه التحريم لا الكراهة . و الله أعلم .

ثم إنه لا منافاة بين هذا الحديث و بين حديث ابن عمر المتقدم في " الصحيح " ,

لأن فيه زيادة حكم عليه , و الأصل أنه يؤخذ بالزائد فالزائد من الأحكام ,

و حديث ابن عمر إنما فيه النهي عن الإقامة , و ليس فيه نهي الرجل عن القيام ,

بخلاف هذا الحديث ففيه هذا النهي و ليس فيه النهي الأول إلا ضمنا , فإنه إذا

كان قد نهي عن القيام فلأن ينهى عن الإقامة من باب أولى . و هذا بين لا يخفى إن

شاء الله تعالى , و عليه يدل حديث ابن عمر فإنه مع أنه روى النهي عن الإقامة

كان يكره الجلوس في مجلس من قام عنه له , و إن كان هو لم يقمه , و لعل ذلك سدا

للذريعة و خشية أن يوحي إلى الجالس بالقيام و لو لم يقمه مباشرة و الله أعلم .

229  " إذا دخل أحدكم المسجد و الناس ركوع , فليركع , حين يدخل ثم يدب راكعا حتى

يدخل في الصف , فإن ذلك السنة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 401 :

 

رواه الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 33 / 1 من " زوائد المعجمين " : الأوسط

و الصغير ) :

حدثنا محمد بن نصر حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب أخبرني ابن جريج عن عطاء

أنه سمع # ابن الزبير # على المنبر يقول : فذكره موقوفا .

قال عطاء : و قد رأيته يصنع ذلك , قال ابن جريج و قد رأيت عطاء يصنع ذلك .

قال الطبراني :

" لا يروى عن ابن الزبير إلا بهذا الإسناد تفرد به حرملة " .

 

قلت : و هو ثقة من رجال مسلم , و من فوقه ثقات من رجال الشيخين , و محمد بن نصر

هو ابن حميد الوازع البزار , و سماه غير الطبراني أحمد كما ذكر الخطيب

( ج 3 ترجمته 1411 , و ج 5 ترجمته 2625 ) و قال : و كان ثقة .

و الحديث قال الهيثمي ( 2 / 96 ) :

" رواه الطبراني في " الأوسط " و رجاله رجال الصحيح " .

 

قلت : فالسند صحيح إن كان ابن جريج سمعه من عطاء فقد كان مدلسا و قد عنعنه ,

و لكن قوله في آخر الحديث : " و قد رأيت عطاء يصنع ذلك " مما يشعر أنه تلقى ذلك

عنه مباشرة , لأنه يبعد جدا أن يكون سمعه عنه بالواسطة ثم يراه يعمل بما حدث به

عنه , ثم لا يسأله عن الحديث و لا يعلو به . هذا بعيد جدا , فالصواب أن الإسناد

صحيح .

و الحديث أخرجه الحاكم ( 1 / 214 ) و عنه البيهقي ( 3 / 106 ) من طريق سعيد

بن الحكم بن أبي مريم أخبرني عبد الله بن وهب به .

و قال الحاكم :

" صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .

و مما يشهد لصحته عمل الصحابة به من بعد النبي صلى الله عليه وسلم , منهم

أبو بكر الصديق , و زيد بن ثابت , و عبد الله بن مسعود .

 

1 - روى البيهقي ( 2 / 90 ) عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام , أن

أبا بكر الصديق و زيد بن ثابت دخلا المسجد و الإمام راكع , فركعا , ثم دنيا

و هما راكعان حتى لحقا بالصف .

 

قلت : و رجاله ثقات , و لولا أن مكحولا قد عنعنه عن أبي بكر بن الحارث لحسنته ,

و لكنه عن زيد بن ثابت صحيح كما يأتي .

 

2 - عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد و الإمام راكع

فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف و هو راكع كبر فركع ثم دب و هو راكع حتى وصل الصف .

رواه البيهقي ( 2 / 90 , 3 / 106 ) و سنده صحيح .

 

3 - عن زيد بن وهب قال :

" خرجت مع عبد الله , يعني ابن مسعود - من داره إلى المسجد , فلما توسطنا

المسجد ركع الإمام , فكبر عبد الله و ركع , و ركعت معه , ثم مشينا راكعين حتى

انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم , فلما قضى الإمام الصلاة قمت و أنا أرى

أني لم أدرك , فأخذ عبد الله بيدي و أجلسني ثم قال : إنك قد أدركت " .

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 99 / 1 - 2 ) و الطحاوي في

" شرح المعانى " ( 1 / 231 - 232 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 32 /

1 ) و البيهقي في " سننه " ( 2 / 90 - 91 ) بسند صحيح . و له عند الطبراني طرق

أخرى . و هذه الآثار تدل على شيء آخر غير ما دل الحديث عليه . و هو أن من أدرك

الركوع مع الإمام فقد أدرك الركعة , و قد ثبت ذلك من قول ابن مسعود و ابن عمر

بإسنادين صحيحين عنهما , و قد خرجتهما في " إرواء الغليل " ( رقم 119 ) و فيه

حديث حسن مرفوع عن أبي هريرة خرجته هناك .

و أما ما رواه البخاري في " جزء القراءة " ( ص 24 ) عن معقل بن مالك قال :

حدثنا أبو عوانة عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن الأعرج عن أبي هريرة قال :

" إذا أدركت القوم ركوعا لم تعتد بتلك الركعة " .

فإنه مع مخالفته لتلك الآثار ضعيف الإسناد , من أجل معقل هذا , فإنه لم يوثقه

غير ابن حبان : و قال الأزدي : متروك , ثم إن فيه عنعنة ابن إسحاق و هو مدلس :

فسكوت الحافظ عليه في " التلخيص " ( 127 ) غير جيد .

نعم رواه البخاري من طريق أخرى عن ابن إسحاق قال : حدثني الأعرج به لكنه بلفظ :

" لا يجزئك إلا أن تدرك الإمام قائما " .

و هذا إسناد حسن , و هذا لا يخالف الآثار المتقدمة بل يوافقها في الظاهر إلا

أنه يشترط إدراك الإمام قائما , و هذا من عند أبي هريرة , و لا نرى له وجها ,

و الذين خالفوه أفقه منه و أكثر , و رضي الله عنهم جميعا .

فإن قيل : هناك حديث آخر صحيح يخالف بظاهره هذا الحديث و هو :

" زادك الله حرصا , و لا تعد " .

 

230  " زادك الله حرصا , و لا تعد " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 404 :

 

رواه أبو داود و الطحاوي و أحمد و البيهقي و ابن حزم من حديث # أبي بكرة # أنه

جاء و رسول الله صلى الله عليه وسلم راكع , فركع دون الصف , ثم مشى إلى الصف ,

فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم صلاته , قال : أيكم الذي ركع دون الصف ثم

مشى إلى الصف ? فقال أبو بكرة : أنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و إسناده صحيح على شرط مسلم , و أصله في " صحيح البخاري " و قد خرجته في

" إرواء الغليل " ( رقم 684 , 685 ) .

و القصد من ذكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي

إليه , على خلاف ما دل عليه الحديث السابق , فكيف التوفيق بينهما ? فأقول :

إن هذا الحديث لا يدل على ما ذكر , إلا بطريق الاستنباط لا النص , فإن قوله صلى

الله عليه وسلم : " لا تعد " يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه في هذه الحادثة ,

و قد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور :

 

الأول : اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط .

 

الثاني : إسراعه في المشي , كما في رواية لأحمد ( 5 / 42 ) من طريق أخرى عن

أبي بكرة أنه جاء و النبي صلى الله عليه وسلم راكع , فسمع النبي صلى الله عليه

وسلم صوت نعل أبي بكرة و هو يحضر ( أي يعدو ) يريد أن يدرك الركعة , فلما انصرف

النبي صلى الله عليه وسلم قال : من الساعي ? قال أبو بكرة : أنا . قال : فذكره

و إسناده حسن في المتابعات , و قد رواه ابن السكن في " صحيحه " نحوه و فيه

قوله : " انطلقت أسعى ... " و أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من الساعي

..." و يشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأولى بلفظ .

" جئت و رسول الله صلى الله عليه وسلم راكع , و قد حفزني النفس فركعت دون الصف

.. " الحديث . و إسناده صحيح , فإن قوله " حفزني النفس " معناه اشتد , من الحفز

و هو الحث و الإعجال , و ذلك كناية عن العدو .

 

الثالث : ركوعه دون الصف ثم مشيه إليه .

و إذا تبين لنا ما سبق , فهل قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تعد " نهي عن هذه

الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها . ذلك ما أريد البحث فيه و تحقيق الكلام

عليه فأقول :

 

أما الأمر الأول , فالظاهر أنه لا يدخل في النهي , لأنه لو كان نهاه عنه لأمره

بإعادة الصلاة لكونها خداجا ناقصة الركعة , فإذ لم يأمره بذلك دل على صحتها ,

و على عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدراك ركوعها , و قول الصنعاني في

" سبل السلام " ( 2 / 23 ) :

" لعله صلى الله عليه وسلم لم يأمره لأنه كان جاهلا للحكم , و الجهل عذر " .

فبعيد جدا , إذ قد ثبت في " الصحيحين " من حديث أبي هريرة أمره صلى الله عليه

وسلم للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات مع أنه كان جاهلا أيضا فكيف يأمره

بالإعادة و هو لم يفوت ركعة من صلاته و إنما الاطمئنان فيها , و لا يأمر

أبا بكرة بإعادة الصلاة و قد فوت على نفسه ركعة , لو كانت لا تدرك بالركوع ,

ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهيا و قد فعله كبار الصحابة , كما تقدم في الحديث

الذي قبله ? ! فلذلك فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله صلى الله

عليه وسلم " لا تعد " .

 

و أما الأمر الثاني , فلا نشك في دخوله في النهي لما سبق ذكره من الروايات

و لأنه لا معارض له , بل هناك ما يشهد له , و هو حديث أبي هريرة مرفوعا :

" إذا أتيم الصلاة فلا تأتوها و أنتم تسعون , و أتوها و عليكم السكينة

و الوقار " الحديث متفق عليه .

 

و أما الأمر الثالث , فهو موضع نظر و تأمل , و ذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه

: " أيكم الذي ركع دون الصف , ثم مشى إلى الصف , مع قوله له :

" لا تعد " , يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر , و إن كان ليس نصا في ذلك

لاحتمال أنه يعني شيئا آخر غير هذا مما فعل , و ليس يعني نهيه عن كل ما فعل ,

بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره . فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا

الأمر الثالث أيضا . و هذا و إن كان خلاف الظاهر , فإن العلماء كثيرا ما يضطرون

لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع , مثل ترك

مفهوم النص لمنطوق نص آخر , و ترك العام للخاص , و نحو ذلك , و أنا أرى أن ما

نحن فيه الآن من هذا القبيل , فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون

الصف مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبد الله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة ,

و إذا كان الأمر كذلك فلابد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر , و لا يشك

عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما , لأن هذا دلالته

على وجه الاحتمال بخلاف الذي قبله , و قد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث

أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقا به و ما تضمنه الحديث الآخر يكون

محتملا . و مما لا شك فيه أيضا أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة

بل محتملة , بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم فإن دلالته عليها قاطعة ,

فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث .

 

و ثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور :

أولا : خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد

الحرام و إعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد .

 

ثانيا : عمل كبار الصحابة به كأبي بكر و ابن مسعود و زيد بن ثابت كما تقدم

و غيرهم . فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول . بخلاف هذا الحديث فإننا

لا نعلم أن أحدا من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة , فكان ذلك

كله دليلا قويا على أن دلالته فيها مرجوحة , و أن حديث ابن الزبير هو الراجح في

الدلالة عليها . و الله أعلم .

 

و قد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث :

" و قد رأيت عطاء يصنع ذلك " . قال الصنعاني ( 2 / 24 ) :

" قلت . و كأنه مبني على أن لفظ " و لا تعد " بضم المثناة الفوقية , من الإعادة

أي زادك الله حرصا على طلب الخير و لا تعد صلاتك فإنها صحيحة و روي بسكون العين

المهملة من العدو , و تؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة ( ثم ساقها ,

و قد سبق نحوها من رواية أحمد مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه , ثم قال )

و الأقرب أن رواية ( لا تعد ) من العود أي لا تعد ساعيا إلى الدخول قبل وصولك

الصف , فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صلى الله عليه وسلم

بأن لا يعيدها , بل قوله " زادك الله حرصا " يشعر بأجزائها , أو " لا تعد " من

( العدو ) " .

 

قلت : لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع

و لما دخل فيه الركوع خارج الصف, و لم يوجد بالتالي أي تعارض بينه و بين حديث

ابن الزبير , و لكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يثبت , فقد وقع في " صحيح البخاري "

و غيره باللفظ المشهور : " لا تعد " . قال الحافظ في " الفتح " ( 2 / 214 ) :

" ضبطناه في جميع الروايات بفتح أوله و ضم العين من العود " .

ثم ذكر هذا اللفظ , و لكنه رجح ما في البخاري فراجعه إن شئت .

و يتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة و لا الركوع دون الصف

و إنما هو خاص بالإسراع لمنافاته للسكينة و الوقار كما تقدم التصريح بذلك من

حديث أبي هريرة , و بهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى :

" قوله : لا تعد . يشبه قوله : لا تأتوا الصلاة تسعون " . ذكره البيهقي في

" سننه " ( 2 / 90 ) .

فإن قيل : قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للإسراع و يخالف حديث ابن الزبير صراحة

و هو حديث أبي هريرة مرفوعا .

" إذا أتى أحدكم الصلاة فلا يركع دون الصف حتى يأخذ مكانه من الصف " .

قلنا : لكنه حديث معلول بعلة خفية , و ليس هذا مكان بيانها , فراجع " سلسلة

الأحاديث الضعيفة " ( رقم 981 ) .

231  " حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 409

 

أخرجه ابن ماجه ( 2 / 111 ) : حدثنا عمرو بن رافع حدثنا عبد الله بن المبارك

أنبأنا عيسى بن يزيد أظنه عن جرير بن يزيد عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير عن

# أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .

 

و أخرجه النسائي ( 2 / 257 ) و أحمد ( 2 / 402 ) و كذا ابن الجارود في

" المنتقى " ( 801 ) و أبو يعلى في " مسنده " ( 287 / 1 ) من طرق عن ابن

المبارك به . إلا أنهم قالوا : " ثلاثين " بدل " أربعين " . و جمع بينهما على

الشك الإمام أحمد ( 2 / 362 ) في رواية من طريق زكريا بن عدي أنبأنا ابن مبارك

به فقال : " ثلاثين أو أربعين صباحا " .

و الظاهر أن الشك من ابن المبارك و أن الصواب رواية عمرو بن رافع عنه بلفظ

" أربعين " بدون شك لمجيئه كذلك من طريق أخرى كما يأتي .

 

و هذا الإسناد رجاله ثقات غير جرير بن يزيد و هو البجلي و هو ضعيف كما في

" التقريب " , لكنه لم يتفرد به , فقد أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1507 )

من طريق يونس بن عبيد عن عمرو بن سعيد عن أبي زرعة به و لفظه :

" إقامة حد بأرض خير لأهلها من مطر أربعين صباحا " .

و سنده صحيح رجاله كلهم ثقات .

ثم استدركت فقلت : إنه معلول , فإن إسناده عند ابن حبان هكذا :

أخبرنا ابن قتيبة حدثنا محمد بن قدامة حدثنا ابن علية عن يونس بن عبيد به .

و كذا رواه أبو إسحاق المزكي في " الفوائد المنتخبة " ( 1 / 114 / 1 ) من طريق

أخرى عن ابن قدامة به و قال : " تفرد به محمد بن قدامة " .

 

و هذا الإسناد و إن كان ظاهر الصحة , و رجاله كلهم ثقات , و منهم محمد بن قدامة

و هو ابن أيمن المصيصي قال النسائي : لا بأس به , و قال مرة : صالح .

و قال الدارقطني : ثقة , و قال مسلمة بن قاسم : ثقة صدوق .

أقول : فهو و إن كان ثقة كما رأيت , فقد خالفه في إسناده من هو أوثق منه و أحفظ

, فقال النسائي عقب روايته السابقة :

" أخبرنا عمرو بن زرارة قال : أنبأنا إسماعيل , قال : حدثنا يونس بن عبيد

عن جرير بن يزيد عن أبي زرعة قال : قال أبو هريرة : إقامة حد ... " .

فعمرو بن زرارة هذا هو ابن واقد النيسابوري المقرىء الحافظ , و قد اتفقوا على

وصفه بأنه ثقة , بل قال فيه محمد بن عبد الوهاب ( و هو ابن حبيب النيسابوري

الثقة العارف ) : ثقة ثقة . فهو بلا شك أوثق من ابن قدامة الذي قيل فيه :

" لا بأس به " , " صدوق " , و لذلك احتج به الشيخان بخلاف المذكور , و قد خالفه

فى موضعين :

 

الأول : أنه أوقفه على أبي هريرة , و ذاك رفعه .

 

و الآخر : أنه سمى شيخ يونس بن عبيد جرير بن زيد . و ذاك سماه عمرو ابن سعيد

و هذا ثقة , و الذي قبله ضعيف كما سبق , و إذا اختلفا في تسميته فالراجح رواية

ابن زرارة لأنه أوثق من مخالفه , و إذا كان كذلك فقد رجعت هذه الرواية إلى أنها

من الوجه الأول , و هو ضعيف كما عرفت .

 

ثم رأيت لابن زرارة متابعا و هو الحسن بن محمد الزعفراني , رواه عنه المحاملي

في " الأمالي " ( 1 / 72 / 1 ) .

نعم الحديث حسن لغيره فإن له شاهدا من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ :

" حد يقام في الأرض أزكى فيها من مطر أربعين يوما " .

أخرجه سمويه في " الفوائد " و الطبراني في " الكبير " و الأوسط بإسناد .

قال المنذري و العراقي : " حسن " و فيه نظر بينته في " الأحاديث الضعيفة "

و لكنه لا بأس به في الشواهد .

 

و له شاهد آخر من حديث ابن عمر , رواه ابن ماجه , و الضياء في " المختارة "

( ق 90 / 1 ) , لكن إسناده ضعيف جدا فيه سعيد بن سنان و هو الحمصي قال في

" التقريب " : " متروك , رماه الدارقطني و غيره بالوضع " .

فمثله لا يستشهد به .

232  " ما من صلاة مفروضة إلا و بين يديها ركعتان " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 411 :

 

أخرجه عباس الترقفي في " حديثه " ( ق 41 / 1 ) و ابن نصر في " قيام الليل "

( ص 26 ) و الروياني في " مسنده " ( ق 238 / 1 ) و ابن حبان في " صحيحه "

( رقم 615 ) و الطبراني في " المعجم الكبير " ( ج 69 / 210 / 2 ) و ابن عدي في

" الكامل " ( ق 46 / 2 ) و الدارقطني في " سننه " ( ص 99 ) من طريقين عن ثابت

بن عجلان عن سليم بن عامر عن # عبد الله بن الزبير # مرفوعا .

و قال ابن عدي : " ثابت بن عجلان ليس حديثه بالكثير " .

 

قلت : هو ثقة كما قال الإمام أحمد و ابن معين . و قال دحيم و النسائي : " ليس

به بأس " و لذلك أشار الذهبي في ترجمته إلى أنه صحيح الحديث .

و قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق " و أشار في " التهذيب " إلى أنه ثقة

و قال : " مثل هذا لا يضره إلا مخالفته الثقات لا غير , فيكون حديثه حينئذ شاذا

" .

 

قلت : فحديثه هذا صحيح , لأنه لم يخالف فيه الثقات , بل وافق فيه حديث عبد الله

بن مغفل مرفوعا بلفظ :

( بين كل أذانين صلاة . قال في الثالثة : لمن شاء ) .

أخرجه الستة و ابن نصر .

 

و قد استدل بالحديث بعض المتأخرين على مشروعية صلاة سنة الجمعة القبلية ,

و هو استدلال باطل , لأنه قد ثبت في البخاري و غيره أنه لم يكن في عهد النبي

صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة سوى الأذان الأول و الإقامة , و بينهما الخطبة

كما فصلته في رسالتي " الأجوبة النافعة " . و لذلك قال البوصيري في " الزوائد "

و قد ذكر حديث عبد الله هذا ( ق 72 / 1 ) و أنه أحسن ما يستدل به لسنة الجمعة

المزعومة ! قال :

" و هذا متعذر في صلاته صلى الله عليه وسلم , لأنه كان بين الأذان و الإقامة

الخطبة , فلا صلاة حينئذ بينهما " .

و كل ما ورد من الأحاديث في صلاته صلى الله عليه وسلم سنة الجمعة القبلية ,

لا يصح منها شيء البتة , و بعضها أشد ضعفا من بعض كما بينه الزيلعي في

" نصب الراية " " 2 / 206 - 207 ) و ابن حجر في " الفتح " ( 2 / 341 ) و غيرهما

و تكلمت على بعضها في الرسالة المشار إليها ( ص 23 - 26 ) و في سلسلة الأحاديث

الضعيفة " .

 

و الحق أن الحديث إنما يدل على مشروعية الصلاة بين يدي كل صلاة مكتوبة ثبت أن

النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك أو أمر به , أو أقره , كصلاة المغرب ,

فقد صح في ذلك الفعل و الأمر و الإقرار .

 

أما الفعل و الأمر , فقد ثبت فيه حديث صريح من رواية عبد الله المزني :

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين ثم قال :

" صلوا قبل المغرب ركعتين . ثم قال في الثالثة : لمن شاء , خاف أن يحسبها الناس

سنة " .

233  " صلوا قبل المغرب ركعتين . ثم قال في الثالثة : لمن شاء , خاف أن يحسبها الناس

سنة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 413 :

 

أخرجه ابن نصر في " قيام الليل " ( 28 ) :

حدثني عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد حدثني أبي حدثنا حسين عن

ابن بريدة أن # عبد الله المزني # رضي الله عنه حدثه به , و قال مختصره العلامة

المقريزي أحمد بن علي :

" هذا إسناد صحيح على شرط مسلم , فإن عبد الوارث بن عبد الصمد احتج به مسلم ,

و الباقون احتج بهم الجماعة , و قد صح في " ابن حبان " حديث آخر أن النبي

صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين قبل المغرب " .

 

قلت : و هو صحيح كما قال , إلا أن جعله ما في ابن حبان حديثا آخر , فيه نظر ,

ظاهر ذلك لأنه عنده من هذا الوجه بهذا المتن تماما , فكيف يكون حديثا آخر ,

و الأعجب من ذلك أن المقريزي قد ساقه من طريق ابن حبان هكذا :

" قال ابن حبان : أخبرني محمد بن خزيمة حدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد ابن عبد

الوارث حدثني أبي حدثنا حسين المعلم عن عبد الله بن بريدة أن عبد الله المزني

رضي الله عنه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى قبل المغرب ركعتين " !

و الحديث في " موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " برقم ( 617 ) , و قال عقبه :

" قلت : فذكر الحديث " .

 

فهذا يشير إلى أن الحديث عند ابن حبان ليس بهذا القدر الذي نقله المقريزي ,

بل له تتمة , و من الظاهر أنها قوله " ثم قال : صلوا ..." و عليه فالحديث يمكن

أن يقال في تخريجه . " رواه ابن نصر و ابن حبان في صحيحه " .

و هو عند البخاري و غيره من " الستة " من طرق أخره عن عبد الوارث بن سعيد جد

عبد الوارث بن عبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد عن حسين المعلم به دون قوله في

أوله : " صلى قبل المغرب ركعتين " .

 

( فائدة ) : و في الحديث دليل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب

حتى يقوم دليل الإباحة , و كذلك نهيه على التحريم إلا ما يعرف إباحته . كذا في

" شرح السنة " ( 1 / 706 - 707 ) للبغوي .

و أما تقريره صلى الله عليه وسلم لهاتين الركعتين فهو الحديث الآتى :

" كان المؤذن يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة المغرب , فيبتدر

لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري , يصلون الركعتين قبل المغرب

حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم و هم يصلون , فيجيء الغريب فيحسب أن

الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما و كان بين الأذان و الإقامة يسير " .

234  " كان المؤذن يؤذن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة المغرب , فيبتدر

لباب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم السواري , يصلون الركعتين قبل المغرب

حتى يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم و هم يصلون , فيجيء الغريب فيحسب أن

الصلاة قد صليت من كثرة من يصليهما و كان بين الأذان و الإقامة يسير " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 414 :

 

أخرجه البخاري ( 2 / 85 ) و ابن نصر ( ص 26 ) و أحمد ( 3 / 280 ) من طرق عن

شعبة عن عمرو بن عامر قال : سمعت # أنس بن مالك # يقول : فذكره .

و السياق لابن نصر , و الزيادة الثانية للبخاري و أحمد , و رواية لابن نصر

و اللفظ له .

 

و أخرجه مسلم ( 2 / 212 ) و أبو عوانة في " صحيحه " ( 2 / 265 ) و البيهقي

( 2 / 475 ) من طريق عبد العزيز بن صهيب عن أنس به نحوه , و فيه الزيادة الأولى

و له عند ابن نصر " و المسند " ( 3 / 129 , 199 , 282 ) طرق أخرى عن أنس نحوه .

 

و في هذا الحديث نص صريح على مشروعية الركعتين قبل صلاة المغرب , لتسابق كبار

الصحابة عليهما , و إقرار النبي صلى الله عليه وسلم لهم على ذلك . و يؤيده عموم

الحديثين قبله . و إلى استحبابهما ذهب الإمام أحمد و إسحاق و أصحاب الحديث .

و من خالفهم كالحنفية و غيرهم لا حجة لديهم تستحق النظر فيها سوى ما روى شعبة

عن أبي شعيب عن طاووس قال :

" سئل ابن عمر عن الركعتين قبل المغرب ? فقال : ما رأيت أحدا على عهد رسول الله

صلى الله عليه وسلم يصليهما " .

 

أخرجه أبو داود ( 1 / 202 ) و عنه البيهقي ( 2 / 476 - 477 ) و الدولابي في

" الكنى " ( 2 / 5 ) , و قال أبو داود :

" سمعت يحيى بن معين يقول : هو شعيب . يعني وهم شعبة في اسمه " .

 

قلت : و لم أدر ما هو حجته في التوهيم المذكور , إلا أن يكون مخالفة شعبة ليحيى

بن عبد الملك ابن أبي غنية , فإنه سماه شعيبا كما يستفاد من " التهذيب " , فإن

كان هو هذا , فلا أراه يسلم له , فإن شعبة أحفظ من ابن أبي غنية كما يتبين

للناظر في ترجمتيهما , فالقول قول شعبة عند اختلافهما , و قد روى ابن أبي حاتم

( 4 / 389 / 2 ) عن ابن معين أنه قال :

" أبو شعيب الذي روى عن طاووس عن ابن عمر مشهور بصري " .

فلم يذكر عنه ما ذكر أبو داود عنه , مما يشعر أن ابن معين لم يكن جازما بذلك ,

و يؤيده أن أحدا من الأئمة لم ينقل عنه ما ذكر أبو داود ,بل قال الدولابي :

" سمعت عبد الله بن أحمد بن حنبل قال : سمعت أبي يقول : أبو شعيب سمع طاووسا

يروي عنه شعبة " .

 

قلت : و هو عندي مستور , و إن قال الحافظ في " التقريب " : " لا بأس به " فإن

هذا إنما قاله أبو زرعة في " شعيب السمان " كما ذكره الحافظ نفسه في

" التهذيب " , و ذهب أنه غير صاحب الترجمة , و بذلك يشعر صنيع ابن أبي حاتم

فإنه فرق بينهما , و لم أر أحدا ممن يوثق به قد عدله . و الله أعلم .

 

و جملة القول أن القلب لا يطمئن لصحة هذا الأثر عن ابن عمر , و قد أشار الحافظ

في " الفتح " ( 2 / 86 ) لتضعيفه , فإن صح فرواية أنس المثبتة مقدمة على نفيه ,

كما قال البيهقي ثم الحافظ و غيرهما , و يؤيده أن ابن نصر روى ( 27 ) أن رجلا

سأل ابن عمر فقال : ممن أنت ? قال : من أهل الكوفة , قال : من الذين يحافظون

على ركعتي الضحى ? ! فقال : و أنتم تحافظون على الركعتين قبل المغرب ? فقال

ابن عمر : كنا نحدث أن أبواب السماء تفتح عند كل أذان " .

 

قلت : فهذا نص من ابن عمر على مشروعية الركعتين على خلاف ما أفاده ذلك الحديث

الضعيف عنه , و لكن هذا النص قد حذف المقريزي إسناده كما هو الغالب عليه في

كتاب " قيام الليل " فلم يتسن لي الحكم عليه بشيء من الصحة أو الضعف .

و من الطرائف أن يرد بعض المقلدين لهذه الدلالات الصريحة على مشروعية الركعتين

قبل المغرب , فلا يقول بذلك . ثم يذهب إلى سنية صلاة السنة القبلية يوم الجمعة

و يستدل عليه بحديث ابن الزبير و عبد الله بن مغفل , يستدل بعمومها , مع أن هذا

الدليل نفسه يدل أيضا على ما نفاه من مشروعية الركعتين , مع وجود الفارق الكبير

بين المسألتين , فالأولى قد تأيدت بجريان العمل بها في عهده صلى الله عليه وسلم

و إقراره , و بأمره الخاص بها , بخلاف الأخرى فإنها لم تتأيد بشيء من ذلك , بل

ثبت أنه لم يكن هناك مكان لها يومئذ , فهل من معتبر ? !

235  " مرت بي فلانة , فوقع في قلبي شهوة النساء , فأتيت بعض أزواجي فأصبتها , فكذلك

فافعلوا , فإنه من أماثل أعمالكم إتيان الحلال " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 417

 

رواه أحمد ( 4 / 231 ) و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 168 / 1 - 2 ) و أبو بكر

محمد بن أحمد المعدل في " الأمالي " ( 8 / 1 ) عن أزهر بن سعيد الحرازي قال :

سمعت # أبا كبشة الأنماري # قال :

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في أصحابه , فدخل ثم خرج و قد اغتسل

فقلنا , يا رسول الله ! قد كان شيء ! قال : أجل , مرت بي فلانة ..." .

 

قلت : و هذا سند حسن إن شاء الله تعالى , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير

الحرازي و يقال فيه عبد الله بن سعيد الحرازي .

قال الحافظ في " التهذيب " :

" لم يتكلموا إلا في مذهبه ( يعني النصب ) و قد وثقه العجلي و ابن حبان " .

و قال في " التقريب " : " صدوق " .

و الحديث أورده الهيثمي في " مجمع الزوائد " ( 6 / 292 ) و قال :

" رواه أحمد و الطبراني , و رجال أحمد ثقات " .

 

قلت : و للحديث شاهد من حديث أبي الزبير عن جابر .

" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى امرأة فأعجبته , فأتي زينب و هي تمعس

منيئة فقضى حاجته , و قال :

إن المرأة تقبل في صورة شيطان , و تدبر في صورة شيطان , فإذا رأى أحدكم امرأة

فأعجبته , فليأت أهله , فإن ذاك يرد ما في نفسه " .

أخرجه مسلم ( 6 / 129 - 130 ) و أبو داود ( 2151 ) و البيهقي ( 7 / 90 )

و أحمد ( 3 / 330 , 341 , 348 , 395 ) و اللفظ له من طرق عن أبي الزبير به .

 

قلت : و أبو الزبير مدلس و قد عنعنه , لكن حديثه في الشواهد لا بأس به ,

لاسيما و قد صرح بالتحديث في رواية ابن لهيعة عنه , و أما مسلم فقد احتج به !

و له شاهد آخر عن عبد الله بن مسعود قال :

" رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فأعجبته , فأتى سودة , و هي تصنع

طيبا و عندها نساء , فأخلينه , فقضى حاجته ثم قال :

أيما رجل رأى امرأة تعجبه , فليقم إلى أهله , فإن معها مثل الذي معها " .

أخرجه الدارمي ( 2 / 146 ) و السري بن يحيى في " حديث الثوري " ( ق 205 / 1 )

عن أبي إسحاق عن ابن مسعود .

236  " طهروا أفنيتكم فإن اليهود لا تطهر أفنيتها " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 418 :

 

رواه الطبراني في " الأوسط " ( 11 / 2 من " الجمع بين زوائد المعجمين " ) :

حدثنا علي بن سعيد حدثنا زيد بن أخزم حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا إبراهيم

بن سعد عن الزهري عن # عامر بن سعد عن أبيه # مرفوعا , و قال :

" لم يروه عن الزهري إلا إبراهيم و لا عنه إلا الطيالسي تفرد به زيد " .

 

قلت : و هو ثقة حافظ و بقية رجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن سعيد و هو الرازي

قال الذهبي : " حافظ رحال جوال " .

قال الدارقطني ليس بذاك , تفرد بأشياء . قال ابن يونس : كان يفهم و يحفظ " و

زاد الحافظ في " اللسان " :

" و قال مسلمة بن قاسم : و كان ثقة عالما بالحديث " .

و قال المناوي : " قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح خلا شيخ الطبراني " .

 

قلت : كأن الهيثمي توقف فيه فسكت عنه , و هو مختلف فيه . و مثله حسن الحديث إذا

لم يخالف , لاسيما إذا لم يتفرد بما روى , و هذا الحديث كذلك .

فقد أخرجه الترمذي ( 2 / 131 ) من طريق خالد بن إلياس - و يقال ابن إياس - عن

صالح بن أبي حسان قال : سمعت سعيد بن المسيب عن صالح بن أبي حسان قال : سمعت

سعيد بن المسيب يقول : إن الله طيب يحب الطيب , نظيف يحب النظافة , كريم يحب

الكرم , جواد يحب الجود , فنظفوا - أراه قال - أفنيتكم , و لا تشبهوا باليهود ,

قال . فذكرت ذلك لمهاجر بن مسمار فقال : حدثنيه عامر ابن سعد عن أبيه عن النبي

صلى الله عليه وسلم مثله , إلا أنه قال : نظفوا أفنيتكم " .

و قال الترمذي : " هذا حديث غريب , و خالد بن إلياس يضعف " .

 

قلت : و في التقريب : " متروك الحديث " .

و الحديث أورده ابن القيم في " زاد المعاد " ( 3 / 208 ) فقال :

" و في مسند البزار عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : إن الله طيب ...

الحديث فنظفوا أفناءكم و ساحاتكم , و لا تشبهوا باليهود , يجمعون الأكباء في

دورهم " .

فلا أدري إذا كان عند البزار من طريق خالد هذا أم من طريق أخرى .

فقد وجدت له طريقا آخر , و لكنه مما لا يفرح به , أخرجه الدولابي في " الكنى "

( 2 / 16 ) عن أبي الطيب هارون بن محمد قال : حدثنا بكير بن مسمار عن عامر ابن

سعد به . و رجاله كلهم ثقات غير أبي الطيب هذا فليس بطيب ! قال ابن معين : كان

كذابا .

و وجدت للحديث شاهدا بلفظ " نظفوا أفنيتكم فإن اليهود أنتن الناس " .

رواه وكيع في " الزهد " ( 2 / 65 / 1 ) : حدثنا إبراهيم المكي عن عمرو ابن

دينار عن أبي جعفر مرفوعا .

و هذا سند ضعيف , إبراهيم المكي هو ابن يزيد الخوزي متروك الحديث كما في

" التقريب " . و أبو جعفر لم أعرفه . و الظاهر أنه تابعي فهو مرسل .

 

و بالجملة , فطرق هذا الحديث واهية , إلا الأولى , فهي حسنة , فعليها العمدة ,

و يستثنى من ذلك طريق البزار لما سبق . و الله أعلم .

( الأفنية ) جمع ( فناء ) و هو الساحة أمام البيت .

237  " كان إذا صلى الفجر أمهل , حتى إذا كانت الشمس من ههنا - يعني من قبل المشرق -

مقدارها من صلاة العصر من ههنا - من قبل المغرب - قام فصلى ركعتين ثم يمهل ,

حتى إذا كانت الشمس من ههنا يعني من قبل المشرق , مقدارها من صلاة الظهر من

ههنا - يعني من قبل المغرب - قام فصلى أربعا , و أربعا قبل الظهر إذا زالت

الشمس , و ركعتين بعدها , و أربعا قبل العصر , يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على

الملائكة المقربين , و النبيين , و من تبعهم من المسلمين , " يجعل التسليم في

آخره " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 421 :

 

أخرجه أحمد ( رقم 650 / 1375 ) و ابنه ( 1202 ) و الترمذي ( 2 / 294 , 493 -

494 ) و النسائي ( 1 / 139 - 140 ) و ابن ماجه ( 1 / 354 ) و الطيالسي

( 1 / 113 - 114 ) و عنه البيهقي ( 2 / 273 ) و الترمذي أيضا في " الشمائل "

( 2 / 103 - 104 ) من طرق عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة قال :

" سألنا # عليا # عن تطوع النبي صلى الله عليه وسلم بالنهار , فقال : إنكم لا

تطيقونه , قال : قلنا : أخبرنا به نأخذ منه ما أطقنا , قال : " فذكره .

و قال الترمذي :

" حديث حسن , و قال إسحاق بن إبراهيم : أحسن شيء روي في تطوع النبي صلى الله

عليه وسلم , في النهار هذا . و روي عن عبد الله بن المبارك أنه كان يضعف هذا

الحديث .

و إنما ضعفه عندنا - و الله أعلم - لأنه لا يروى مثل هذا عن النبي صلى الله

عليه وسلم إلا من هذا الوجه عن عاصم بن ضمرة عن علي , و هو ثقة عند بعض أهل

العلم " .

 

قلت : و هو صدوق كما قال الحافظ في " التقريب " . و قد وثقه ابن المديني و غيره

و قال النسائي : " ليس به بأس " , فهو حسن الحديث .

و الزيادة التي في آخره للنسائي .

و روى منه أبو داود ( 1 / 200 ) و عنه الضياء في " المختارة " ( 1 / 187 ) من

طريق شعبة عن أبي إسحاق به الصلاة قبل العصر فقط لكنه قال : " ركعتين " و هو

بهذا اللفظ شاذ عندي لأنه في المسند و غيره من هذا الوجه باللفظ المتقدم

" أربعا " . و كذلك في الطرق الأخرى عن أبي إسحاق كما تقدم .

و مثل هذا في الشذوذ أن بعض الرواة عن أبي إسحاق قال : " قبل الجمعة " بدل

" قبل الظهر " كما أخرجه الخلعي في " فوائده " بإسناد جيد كما قال العراقي

و البوصيري في زوائده ( 72 / 1 ) , و لم يتنبها لشذوذه , كما نبهت عليه في

" سلسلة الأحاديث الضعيفة " . و الله أعلم .

 

فقه الحديث

-----------

دل قوله " يجعل التسليم في آخره " . على أن السنة في السنن الرباعية النهارية

أن تصلى بتسليمة واحدة , و لا يسلم فيها بين الركعتين , و قد فهم بعضهم من قوله

" يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين - و من تبعهم من المؤمنين

" أنه يعني تسليم التحلل من الصلاة . و رده الشيخ على القاري في " شرح الشمائل

" بقوله :

" و لا يخفى أن سلام التحليل إنما يكون مخصوصا بمن حضر المصلى من الملائكة

و المؤمنين . و لفظ الحديث أعم منه حيث ذكر الملائكة و المقربين و النبيين و من

تبعهم من المؤمنين و المسلمين إلى يوم الدين " .

و لهذا جزم المناوي في شرحه على " الشمائل " أن المراد به التشهد قال :

" لاشتماله على التسليم على الكل في قولنا : " السلام علينا و على عباد الله

الصالحين " .

 

قلت : و يؤيده حديث ابن مسعود المتفق عليه قال :

" كنا إذا صلينا مع النبي صلى الله عليه وسلم قلنا السلام على الله قبل عباده ,

السلام على جبريل , السلام على ميكائيل , السلام على فلان , فلما انصرف النبي

صلى الله عليه وسلم أقبل علينا بوجهه فقال : إن الله هو السلام , فإذا جلس

أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله ... السلام علينا و على عباد الله

الصالحين , فإنه إذا قال ذلك أصاب كل عبد صالح في السماء و الأرض .... "

 

قلت : و هذه الزيادة التي في آخر الحديث , تقطع بذلك , فلا مجال للاختلاف بعدها

فهي صريحة في الدلالة على ما ذكرنا من أن الرباعية النهارية من السنن لا يسلم

في التشهد الأول منها . و على هذا فالحديث مخالف لظاهر قوله صلى الله عليه وسلم

:

" صلاة الليل و النهار مثنى مثنى " .

و هو حديث صحيح كما بينته في " الحوض المورود في زوائد منتقى ابن الجارود " رقم

( 123 ) يسر الله لنا إتمامه , و لعل التوفيق بينهما بأن يحمل حديث الباب على

الجواز . و حديث ابن عمر على الأفضلية كما هو الشأن في الرباعية الليلية أيضا .

و الله أعلم .

238  " قضى أن على أهل الحوائط حفظها في النهار , و أن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن

على أهلها " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 423 :

 

أخرجه مالك في " الموطأ " ( 3 / 220 ) عن ابن شهاب عن # حرام بن سعد ابن محيصة

# أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائط رجل فأفسدت فيه , فقضى رسول الله صلى الله

عليه وسلم ... فذكره .

 

قلت : و هذا سند مرسل صحيح , و قد أخرجه الطحاوي ( 2 / 116 ) و البيهقي

( 8 / 341 ) و أحمد ( 5 / 435 ) من طريق مالك به .

و تابعه الليث بن سعد عن ابن شهاب به مرسلا .

أخرجه ابن ماجه ( 2 / 54 - 55 ) .

و تابعهما سفيان بن عيينة عن الزهري عن سعيد بن المسيب و حرام بن سعد بن محيصة

أن ناقة للبراء ...

أخرجه أحمد ( 5 / 436 ) و البيهقي ( 8 / 342 ) .

و تابعهم الأوزاعي , لكن اختلفوا عليه في سنده , فقال أبو المغيرة :

حدثنا الأوزاعي عن الزهري عن حرام بن محيصة الأنصاري به مرسلا .

أخرجه البيهقي ( 8 / 341 ) .

و قال الفريابي عن الأوزاعي به إلا أنه قال : " عن البراء بن عازب " فوصله .

أخرجه أبو داود ( 2 / 267 ) و عنه البيهقي و الحاكم ( 2 / 48 ) .

و كذا قال محمد بن مصعب حدثنا الأوزاعي به موصولا .

أخرجه أحمد ( 4 / 295 ) و البيهقي .

و كذا قال أيوب بن سويد حدثنا الأوزاعي به .

أخرجه الطحاوي ( 2 / 116 ) و البيهقي , فقد اتفق هؤلاء الثلاثة الفريابي و محمد

ابن مصعب و أيوب بن سويد على وصله عن الأوزاعي , فهو أولى من رواية أبي المغيرة

عنه مرسلا لأنهم جماعة , و هو فرد .

و تابعهم معمر , و اختلفوا عليه أيضا , فقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن الزهري

عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء ... الحديث , فزاد في السند

" عن أبيه " .

أخرجه أبو داود و ابن حبان ( 1168 ) و أحمد ( 5 / 436 ) و البيهقي و قال :

" و خالفه وهيب و أبو مسعود الزجاج عن معمر , فلم يقولا : " عن أبيه " .

قال ابن التركماني :

" و ذكر ابن عبد البر بسنده عن أبي داود قال : لم يتابع أحد عبد الرزاق على

قوله : " عن أبيه . و قال أبو عمر : أنكروا عليه قوله فيه : " عن أبيه " ,

و قال ابن حزم هو مرسل " .

 

قلت : لكن قد وصله الأوزاعي بذكر البراء فيه , في أرجح الروايتين عنه و قد

تابعه عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء به .

أخرجه ابن ماجه و البيهقي ( 8 / 341 - 342 ) .

و عبد الله بن عيسى هو ابن عبد الرحمن بن أبي ليلى و هو ثقة محتج به في

الصحيحين فهي متابعة قوية للأوزاعي على وصله , فصح بذلك الحديث , و لا يضره

إرسال من أرسله , لأن زيادة الثقة مقبولة , فكيف إذا كانا ثقتين ? و قد قال

الحاكم عقب رواية الأوزاعي :

" صحيح الإسناد , على خلاف فيه بين معمر و الأوزاعي " . و وافقه الذهبي  .

كذا قالا , و خلاف معمر مما لا يلتفت إليه لمخالفته لروايات جميع الثقات في

قوله " عن أبيه " على أنه لم يتفقوا عليه في ذلك كما سبق , فلو أنهما أشارا إلى

خلاف مالك و الليث و ابن عيينة في وصله لكان أقرب إلى الصواب , و لو أن هذا لا

يعل به الحديث لثبوته موصولا من طريق الثقتين كما تقدم .

239  " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 425 :

 

أخرجه أحمد ( 1 / 234 ) : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن سلمة عن الحسن العرني

عن # ابن عباس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره , ثم قال

( 1 / 344 ) : حدثنا وكيع و عبد الرحمن قالا : حدثنا سفيان به . إلا أنه لم

يقل : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

و زاد في آخره في الموضعين :

" فقال رجل : و الطيب ( يا أبا العباس ) , فقال ابن عباس : أما أنا فقد رأيت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك , أفطيب ذاك أم لا ? " .

 

ثم أخرجه ( 1 / 369 ) : حدثنا يزيد أنبأنا سفيان به موقوفا أيضا قال :

" سئل ابن عباس عن الرجل إذا رمى الجمرة أيتطيب ? فقال : أما أنا .... " الحديث

 

و أخرجه النسائي ( 2 / 52 ) و ابن ماجه ( 2 / 245 ) من طريق يحيى بن سعيد

و ابن ماجه أيضا عن وكيع و هو و أبو يعلى في " مسنده " ( ق 143 / 1 ) عن

عبد الرحمن , و البيهقي ( 5 / 133 ) عن ابن وهب و ( 5 / 204 ) عن أبي داود

الحفري كلهم عن سفيان به مثل رواية عبد الرحمن عند أحمد الموقوفة مع الزيادة

و قد رواه الطحاوي ( 1 / 419 ) من طريق أبي عاصم عن سفيان به .

 

قلت : و هذا إسناد رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , لكنه منقطع بين الحسن العرني

و هو ابن عبد الله و بين ابن عباس فإنه لم يسمع منه كما قال أحمد , بل قال

أبو حاتم : لم يدركه . ثم إن أكثر الرواة عن سفيان أوقفوه على ابن عباس , و لم

يرفعه إلا وكيع في الرواية الأولى , و أما في روايته المقرونة مع عبد الرحمن

فهي موقوفة أيضا , و كذلك هي عند ابن ماجه . فالصواب أن الحديث مع انقطاعه

موقوف .

لكن له شاهد من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :

" طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي بذريرة لحجة الوداع للحل و الإحرام ,

حين أحرم , و حين رمى جمرة العقبة يوم النحر , قبل أن يطوف بالبيت " .

أخرجه أحمد ( 6 / 244 ) عن عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة و القاسم

يخبران عن عائشة به .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين , و أصله عندهما .

و قد تابعه الزهري عن عروة وحده به نحوه .

أخرجه النسائي ( 2 / 10 - 11 ) عن سفيان عنه , و سنده صحيح أيضا , و رجاله رجال

الشيخين غير سعيد بن عبد الرحمن أبي عبيد المخزومي شيخ النسائي و هو ثقة , خاصة

في سفيان بن عيينة و هذا من روايته عنه .

و قد خالفه عن الزهري الحجاج بن أرطاة , فقال : عن الزهري عن عمرة بنت

عبد الرحمن عن عائشة مرفوعا بلفظ :

" إذا رمى أحدكم جمرة العقبة فقد حل له كل شيء إلا النساء " .

و الحجاج مدلس و قد عنعنه في جميع الروايات عنه , و اختلفوا عليه في متنه , كما

بينته في " الأحاديث الضعيفة " في رقم ( 1013 ) .

و قد روي الحديث من طريق عمرة عن عائشة مرفوعا , مثل حديث ابن عباس هذا , لكن

بزيادة " و ذبحتم و حلقتم " . و هي زيادة منكرة لا تثبت , و لذلك أوردته في

" الأحاديث الضعيفة " , و بينت هناك علته , فليراجع و ذكرت بعده شاهدا آخر من

حديث أم سلمة فيه زيادة أخرى منكرة أيضا .

ثم وجدت لحديث عائشة الشاهد طريقا أخرى عند البيهقي ( 5 / 135 ) عن عبد الرزاق

أنبأنا معمر عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : سمعت عمر رضي الله عنه يقول :

" إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات , و ذبحتم و حلقتم , فقد حل كل شيء إلا النساء

و الطيب . قال سالم : و قالت عائشة رضي الله عنها : حل له كل شيء إلا النساء .

قال : و قالت عائشة رضي الله عنها : أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم

يعني لحله " .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرطهما , ثم روى البيهقي من طريق عمرو بن دينار عن

سالم قال : قالت عائشة رضي الله عنها :

" أنا طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم لحله و إحرامه , قال سالم : و سنة

رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع " .

 

قلت : و سنده صحيح أيضا , و أخرجه الطحاوي أيضا ( 1 / 421 ) و كذا سعيد

بن منصور كما في " المحلى " ( 7 / 139 ) .

 

و في الحديث دلالة ظاهرة على أن الحاج يحل له بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من

محظورات الإحرام إلا الوطئ للنساء , فإنه لا يحل به بالإجماع , و ما دل عليه

الحديث عزاه الشوكاني ( 5 / 60 ) للحنفية و الشافعية و العترة , و المعروف عن

الحنفية أن ذلك لا يحل إلا بعد الرمي و الحلق , و احتج لهم الطحاوي بحديث عمرة

عن عائشة المتقدم و قد عرفت ضعفه , فلا حجة فيه لاسيما مع مخالفته لحديثها

الصحيح الذي احتجت به على قول عمر الموافق لمذهبهم . نعم ذكر ابن عابدين في

" حاشيته " على " البحر الرائق " ( 2 / 373 ) عن أبي يوسف ما يوافق ما حكاه

الشوكاني عن الحنفية , فالظاهر أن في مذهبهم خلافا , و قول أبي يوسف هو الصواب

لموافقته للحديث , و من الغرائب قول الصنعاني في شرح حديث عائشة الضعيف :

" و الظاهر أنه مجمع على حل الطيب و غيره إلا الوطء بعد الرمي , و إن لم يحلق "

فإن هذا و إن كان هو الصواب , فقد خالف فيه عمر و غيره من السلف و حكى الخلاف

فيه غير واحد من أهل العلم منهم ابن رشد في " البداية " ( 1 / 295 ) فأين

الإجماع ? ! لكن الصحيح ما أفاده الحديث , و هو مذهب ابن حزم في " المحلى " ,

( 7 / 139 ) و قال :

" و هو قول عائشة و ابن الزبير و طاووس و علقمة و خارجة بن زيد بن ثابت " .

240  " أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ آخر سبع

أرضين , ثم يطوقه إلى يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 429 :

 

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1167 ) و أحمد ( 4 / 173 ) و كذا ابنه عن زائدة

عن الربيع بن عبد الله عن أيمن بن نابل - قال ابن حبان : ابن ثابت - عن

# يعلى بن مرة # قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .

 

قلت : و هذا سند جيد , رجاله ثقات معروفون غير أيمن , فإن كان هو ابن نابل كما

في " المسند " فإنه مشهور وثقه جماعة و روى له البخاري متابعة . و إن كان هو

ابن ثابت كما في ابن حبان فقال أبو داود : لا بأس به , و ذكره ابن حبان في

" الثقات " . و يرجح هذا عندي شيئان :

 

الأول : أن ابن أبي حاتم قد قال في ترجمته ( 1 / 1 / 319 ) :

" روى عن ابن عباس و يعلى بن مرة , و عنه أبو يعفور عبد الرحمن بن عبيد بن

نسطاس و الربيع بن عبد الله " .

ثم ترجم لأيمن بن نابل و ذكر أنه روى عن قدامة بن عبد الله الكلابي و طاووس

و غيره من التابعين . فلم يذكر هو و لا غيره أنه روى عن يعلى بن مرة , و لا ذكر

في الرواة عنه الربيع بن عبد الله .

 

الثاني : أن رواية أبي يعفور عنه في " المسند " ( 4 / 172 / 173 ) , لكنه وقع

فيه " أبو يعقوب " و هو تصحيف , و كذلك تصحف في نسختين من " الجرح و التعديل "

كما نبه عليه محققه العلامة عبد الرحمن المعلمي في ترجمة ابن ثابت هذا .

و قد يعكر على هذا الترجيح , أن الطبراني أخرجه في " المعجم الصغير " ( ص 219 )

من طريق أخرى عن إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي عن أيمن ابن نابل عن يعلى

بن مرة به نحوه , فهذا يرجح أنه ابن نابل . لكني أظن أنه محرف أيضا عن

" ابن ثابت " , فإن الشعبي إنما ذكروه في الرواة عن هذا لا عن ابن نابل .

و الله أعلم .

 

و الحديث قال الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 175 ) :

" رواه أحمد و الطبراني في الكبير و الصغير بنحوه بأسانيد , و رجال بعضها رجال

الصحيح " .

241  " إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ,

و ينذرهم شر ما يعلمه لهم , و إن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها , و سيصيب

آخرها بلاء و أمور تنكرونها , و تجيء فتنة , فيرقق بعضها بعضا , و تجيء الفتنة

فيقول المؤمن : هذه مهلكتي , ثم تنكشف , و تجيء الفتنة فيقول المؤمن : هذه هذه

, فمن أحب أن يزحزح عن النار و يدخل الجنة , فلتأته منيته و هو يؤمن بالله

و اليوم الأخر , و ليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه , و من بايع إماما

فأعطاه صفقة يده , و ثمرة قلبه , فليطعه إن استطاع , فإن جاء آخر ينازعه

فاضربوا عنق الآخر " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 430 :

 

أخرجه مسلم ( 6 / 18 ) و السياق له و النسائي ( 2 / 185 ) و ابن ماجه ( 2 / 466

- 467 ) و أحمد ( 2 / 191 ) من طرق عن الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الرحمن

بن عبد رب الكعبة قال :

دخلت المسجد , فإذا # عبد الله بن عمرو بن العاص # جالس في ظل الكعبة , و الناس

مجتمعون عليه , فأتيتهم فجلست إليه , فقال :

" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فنزلنا منزلا , فمنا من يصلح

خباءه , و منا من ينتضل , و منا من هو في جشره , إذ نادى منادي رسول الله صلى

الله عليه وسلم : الصلاة جامعة , فاجتمعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقال : " فذكره . و زاد في آخره : " فدنوت منه , فقلت له : أنشدك الله آنت سمعت

هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ? فأهوى إلى أذنيه و قلبه بيديه , و قال :

سمعته أذناي , و وعاه قلبي , فقلت له : هذا ابن عمك معاوية يأمرنا أن نأكل

أموالنا بيننا بالباطل , و نقتل أنفسنا , و الله يقول : ( يا أيها الذين آمنوا

لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم , و لا تقتلوا

أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) قال : فسكت ساعة ثم قال : أطعه في طاعة الله ,

و اعصه في معصية الله " .

و ليس عند غير مسلم قوله : " فقلت له هذا ابن عمك ..." الخ .

ثم أخرجه أحمد من طريق الشعبي عن عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة به , و كذا رواه

مسلم في رواية و لم يسوقا لفظ الحديث , و إنما أحالا فيه على حديث الأعمش .

 

غريب الحديث

------------

1 - ( فيرقق بعضها بعضا ) . أي يجعل بعضها بعضا رقيقا , أي : خفيفا لعظم ما

بعده , فالثاني يجعل الأول رقيقا .

2 - ( صفقة يده ) أي : معاهدته له و التزام طاعته , و هي المرة من التصفيق

باليدين , و ذلك عند البيعة بالخلافة .

3 - ( ثمرة قلبه ) أي خالص عهده أو محبته بقلبه .

4 - ( فاضربوا عنق الآخر ) . قال النووي :

" معناه : ادفعوا الثاني فإنه خارج على الإمام , فإن لم يندفع إلا بحرب ,

و قاتل , فقاتلوه . فإن دعت المقاتلة إلى قتله , جاز قتله , و لا ضمان فيه لأنه

ظالم متعد في قتاله " .

 

و في الحديث فوائد كثيرة , من أهمها أن النبي يجب عليه أن يدعو أمته إلى الخير

و يدلهم عليه , و ينذرهم شر ما يعلمه لهم , ففيه رد صريح على ما ذكر في بعض كتب

الكلام أن النبي من أوحي إليه , و لم يؤمر بالتبليغ !

242  " من أخذ أرضا بغير حقها كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 432 :

 

أخرجه أحمد ( 4 / 173 ) : حدثنا عفان حدثنا عبد الواحد بن زياد حدثنا أبو يعقوب

عبد الله جدي حدثنا أبو ثابت قال : سمعت # يعلى بن مرة الثقفي # يقول : سمعت

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره . ثم قال أحمد ( 4 / 172 ) : حدثنا

إسماعيل بن محمد و هو أبو إبراهيم المعقب حدثنا مروان الفزاري حدثنا أبو يعقوب

عن أبي ثابت به .

 

قلت : و هذا سند رجاله ثقات معروفون غير أبي يعقوب هذا , و قد سماه عبد الواحد

بن زياد " عبد الله " , و ذكر أنه جده كما ترى , و لم أعرفه , و قد أغفلوه فلم

يذكروه , لا في الكنى و لا في الأسماء , و يحتمل عندي أن يكون هو عبد الله بن

عبد الله بن الأصم , فقد ذكروا في الرواة عنه عبد الواحد بن زياد و مروان

الفزاري و هما اللذان رويا هذا الحديث عنه كما ترى , لكن يشكل عليه أنهم لم

يذكروا أنه يكنى بأبي يعقوب , و إنما ذكروا له كنيتين أخريين : " أبو سليمان "

و " أبو العنبس " .

و يحتمل أن تكون هذه الكنية : " أبو يعقوب " محرفة عن أبي يعفور , و اسمه عبد

الرحمن بن عبيد بن نسطاس الكوفي , فقد روى هذا عن أبي ثابت أيمن بن ثابت و عنه

مروان الفزاري كما في " التهذيب " , فإن كان هو هذا فهو ثقة من رجال الشيخين

فالسند صحيح , لكن يرد عليه , أن عبد الواحد بن زياد قد سماه عبد الله جده ,

إلا أن يقال : إن هذه الزيادة في رواية عبد الواحد مقحمة من بعض النساخ للمسند

 

و جملة القول أن هذا الإسناد من المشكلات عندي , فلعلنا نقف فيما بعد على ما

يكشف الصواب فيه . و الله المستعان .

و لعله من أجل ما ذكرنا سكت عن هذا الإسناد المنذري في " الترغيب " ( 3 / 54 )

و تبعه الهيثمي ( 4 / 175 ) و عزياه للطبراني أيضا .

و قد ثبت الحديث من طريق أخرى عن أبي ثابت به بلفظ آخر فراجع " أيما رجل ظلم

شبرا من الأرض ... " .

243  " صدق الله , و كذب بطن أخيك " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 433 :

 

أخرجه مسلم ( 7 / 26 ) عن # أبي سعيد الخدري # قال :

" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إن أخي استطلق بطنه , فقال

رسول الله صلى الله عليه وسلم اسقه عسلا . فسقاه , ثم جاءه فقال : إني سقيته

عسلا فلم يزده إلا استطلاقا فقال له ثلاث مرات , ثم جاءه الرابعة فقال : اسقه

عسلا , فقال : لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا , فقال رسول الله صلى الله عليه

وسلم ( فذكره ) فسقاه فبرأ " .

 

و أخرجه البخاري ( 10 / 115 / 137 - 138 ) بشيء من الاختصار و استدركه الحاكم

( 4 / 402 ) على الشيخين و أقره الذهبي ! !

 

قال ابن القيم في " الزاد " ( 3 / 97 - 98 ) بعد أن ذكر كثيرا من فوائد العسل :

" فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل كان استطلاق بطنه عن تخمة

أصابته عن امتلاء فأمر بشرب العسل , لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة

و الأمعاء , فإن العسل فيه جلاء و دفع للفضول , و كان قد أصاب المعدة أخلاط

لزجة تمنع استقرار الغذاء فيه للزوجتها , فإن المعدة لها خمل كخمل المنشفة ,

فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها و أفسدت الغذاء , فدواؤها بما يجلوها من

تلك الاخلاط , و العسل من أحسن ما عولج به هذا الداء , لاسيما إن مزج بالماء

الحار . و في تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع , و هو أن الدواء يجب أن يكون له

مقدار و كمية بحسب حال الداء , إن قصر عنه لم يزله بالكلية , و إن جاوزه أوهن

القوى فأحدث ضررا آخر , فلما أمره أن يسقيه العسل , سقاه مقدارا لا يفي بمقاومة

الداء , و لا يبلغ الغرض , فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة ,

فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أكد عليه المعاودة ليصل إلى

المقدار المقاوم للداء , فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برىء بإذن الله .

و اعتبار مقادير الأدوية و كيفياتها , و مقدار قوة المرض و المريض من أكبر

قواعد الطب . و قوله صلى الله عليه وسلم : " صدق الله و كذب بطن أخيك " إشارة

إلى تحقيق نفع هذا الدواء , و أن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه , و لكن

لكذب البطن و كثرة المادة الفاسدة فيه , فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة .

و ليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء , فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم

متيقن قطعي إلهي , صادر عن الوحي و مشكاة النبوة و كمال العقل , و طب غيره

أكثره حدس و ظنون و تجارب . و لا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة ,

فإنه إنما ينتفع به من تلقاه بالقبول و اعتقاد الشفاء به , و كمال التلقي له

بالإيمان و الإذعان . فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور , إن لم يتلق هذا

التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائه , بل لا يزيد المنافقين إلا رجسا إلى

رجسهم و مرضا إلى مرضهم , و أين يقع طب الأبدان منه , فطب النبوة لا يناسب إلا

الأبدان الطيبة كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة و القلوب الحية

فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء

النافع و ليس ذلك لقصور في الدواء , و لكن لخبث الطبيعة , و فساد المحل , و عدم

قبوله , و بالله التوفيق " .

244  " من اكتوى أو استرقى , فقد برئ من التوكل " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 435 :

 

رواه الترمذي ( 3 / 164 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( رقم 1408 ) و ابن ماجه

( 2 / 1154 / 3489 ) و الحاكم ( 4 / 415 ) و أحمد ( 4 / 249 , 253 ) من طريق

# عقار بن المغيرة بن شعبة عن أبيه # مرفوعا .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي , و هو كما قالوا .

 

قلت : و فيه كراهة الاكتواء , و الاسترقاء . أما الأول فلما فيه من التعذيب

بالنار , و أما الآخر , فلما فيه من الاحتياج إلى الغير فيما الفائدة فيه

مظنونة غير راجحة , و لذلك كان من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم

لا يسترقون , و لا يكتوون , و لا يتطيرون , و على ربهم يتوكلون . كما في حديث

ابن عباس عند الشيخين . و زاد مسلم في روايته فقال : " لا يرقون و لا يسترقون "

و هي زيادة شاذة كما بينته فيما علقته على كتابي " مختصر صحيح مسلم "

( رقم 254 ) .

245  " إن كان في شيء من أدويتكم خير ففي شرطة محجم , أو شربة من عسل أو لذعة بنار ,

و ما أحب أن أكتوي " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 436 :

 

أخرجه البخاري ( 10 / 114 - 115 و 125 , 126 ) و مسلم ( 7 / 21 - 22 ) و أحمد

( 3 / 343 ) عن # جابر بن عبد الله # مرفوعا .

و هو من رواية عاصم بن عمر ابن قتادة عنه .

و في رواية لمسلم عن عاصم أن جابر بن عبد الله عاد المقنع ثم قال :

لا أبرح حتى تحتجم فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" إن فيه شفاء " .

و هو رواية لأحمد ( 3 / 335 ) و كذا البخاري ( 10 / 124 ) و استدركه الحاكم

( 4 / 409 ) على الشيخين و أقره الذهبي ! !

و للحديث شاهد من حديث ابن عمر مرفوعا باللفظ الأول .

أخرجه الحاكم ( 4 / 209 ) و قال :

" صحيح على شرط الشيخين " و رده الذهبي بقوله :

" أسيد بن زيد الحمال متروك " .

246  " أحصوا لي كل من تلفظ بالإسلام " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 436 :

 

أخرجه مسلم ( 1 / 91 ) و أبو عوانة ( 1 / 102 ) و ابن ماجه ( 2 / 492 ) و أحمد

( 5 / 384 ) و المحاملي في " الأمالي " ( 1 / 71 / 2 ) من طرق كثيرة عن أبي

معاوية عن الأعمش عن شقيق عن # حذيفة # قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره . و زاد :

" قال : قلنا : يا رسول الله أتخاف علينا ? و نحن ما بين الستمائة إلى

السبعمائة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنكم لا تدرون لعلكم أن

تبتلوا , قال : فابتلينا حتى جعل الرجل منا ما يصلي إلا سرا " .

و اللفظ لابن ماجه . و تابعه سفيان , فقال أبو بكر الشافعي في " الفوائد "

( 8 / 91 / 2 ) حدثني إسحاق ( يعني الحربي ) أنبأنا أبو حذيفة أنبأنا سفيان

عن الأعمش به . إلا أنه قال : " و نحن ألف و خمسمائة ? " .

و هو وهم من أبي حذيفة و اسمه موسى بن مسعود النهدي و هو صدوق سيىء الحفظ ,

و سائر رواته ثقات .

247  " إذا أسلم العبد , فحسن إسلامه , كتب الله له كل حسنة كان أزلفها , و محيت عنه

كل سيئة كان أزلفها , ثم كان بعد ذلك القصاص , الحسنة بعشر أمثالها إلى سبع

مائة ضعف , و السيئة بمثلها إلا أن يتجاوز الله عز وجل عنها " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 437 :

 

أخرجه النسائي ( 2 / 267 - 268 ) من طريق صفوان بن صالح قال : حدثنا الوليد قال

: حدثنا مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن # أبي سعيد الخدري # قال : قال

رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح , و قد علقه البخاري في " صحيحه " فقال : قال مالك :

أخبرني زيد بن أسلم به دون كتب الحسنات . و قد وصله الحسن بن سفيان و البزار

و الإسماعيلي و الدارقطني في " غرائب مالك " و البيهقي في " الشعب " من طرق

أخرى عن مالك به .

قال حافظ في " الفتح " ( 1 / 82 ) :

" و قد ثبت في جميع الروايات ما سقط من رواية البخاري و هو كتابة الحسنات

المتقدمة قبل الإسلام . و قوله " كتب الله " أي أمر أن يكتب , و للدارقطني من

طريق زيد بن شعيب عن مالك بلفظ " يقول الله لملائكته اكتبوا " , فقيل : إن

المصنف أسقط ما رواه غيره عمدا , لأنه مشكل على القواعد .

و قال المازري :

الكافر ليس كذلك , فلا يثاب على العمل الصالح الصادر منه في شركه , لأن من شرط

المتقرب أن يكون عارفا لمن يتقرب إليه , و الكافر ليس كذلك .

و تابعه القاضي عياض على تقرير هذا الإشكال . و استضعف ذلك النووي فقال :

" و الصواب الذي عليه المحققون , بل نقل بعضهم فيه الإجماع أن الكافر إذا فعل

أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم , ثم أسلم , ثم مات على الإسلام أن ثواب ذلك

يكتب له . و أما دعوى أنه مخالف للقواعد , فغير مسلم , لأنه قد يعتد ببعض أفعال

الكفار في الدنيا ككفارة الظهار , فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم و تجزئه "

انتهى .

ثم قال الحافظ :

و الحق أنه لا يلزم من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلا من الله

و إحسانا أن يكون ذلك لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولا . و الحديث إنما

تضمن كتابة الثواب , و لم يتعرض للقبول . و يحتمل أن يكون القبول يصير معلقا

على إسلامه , فيقبل و يثاب إن أسلم , و إلا فلا . و هذا قوي . و قد جزم بما

جزم به النووي : إبراهيم الحربي و ابن بطال و غيرهما من القدماء , و القرطبي

و ابن المنير من المتأخرين .

قال ابن المنير :

المخالف للقواعد , دعوى أن يكتب له ذلك في حال كفره , و أما أن الله يضيف إلى

حسناته في الإسلام ثواب ما كان صدر منه مما كان يظنه خيرا , فلا مانع منه كما

لو تفضل عليه ابتداء من غير عمل , و كما تفضل على العاجز بثواب ما كان يعمل

و هو قادر , فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لم يعمل البتة جاز أن يكتب ثواب ما

عمله غير موفى الشروط . و استدل غيره بأن من آمن من أهل الكتاب يؤتى أجره مرتين

كما دل عليه القرآن و الحديث الصحيح , و هو لو مات على إيمانه الأول لم ينفعه

شيء من عمله الصالح , بل يكون هباء منثورا , فدل على أن ثواب عمله الأول يكتب

له مضافا إلى عمله الثاني , و بقوله صلى الله عليه وسلم لما سألته عائشة عن

ابن جدعان و ما كان يصنعه من الخير :

هل ينفعه ? فقال : إنه لم يقل يوما , رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين , فدل على

أنه لو قالها بعد أن أسلم نفعه ما عمله في الكفر " .

 

قلت : و هذا هو الصواب الذي لا يجوز القول بخلافه لتضافر الأحاديث على ذلك ,

و لهذا قال السندي في حاشيته على النسائي :

" و هذا الحديث يدل على أن حسنات الكافر موقوفة , إن أسلم تقبل , و إلا ترد .

و على هذا فنحو قوله تعالى : ( و الذين كفروا أعمالهم كسراب ) محمول على من مات

على الكفر , و الظاهر أنه لا دليل على خلافه , و فضل الله أوسع من هذا و أكثر

فلا استبعاد فيه , و حديث " الإيمان يجب ما قبله " من الخطايا في السيئات لا في

الحسنات " .

 

قلت : و مثل الآية التي ذكرها السندي رحمه الله سائر الآيات الواردة في إحباط

العمل بالشرك كقوله تعالى : ( و لقد أوحي إليك و إلى الذين من قبلك لئن أشركت

ليحبطن عملك , و لتكونن من الخاسرين ) , فإنها كلها محمولة على من مات مشركا ,

و من الدليل على ذلك قوله عز و جل : ( و من يرتدد منكم عن دينه فيمت و هو كافر

فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا و الآخرة و أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون )

و يترتب على ذلك مسألة فقهية و هي أن المسلم إذا حج , ثم ارتد , ثم عاد إلى

الإسلام , لم يحبط , حجه و لم يجب عليه إعادته , و هو مذهب الإمام الشافعي

و أحد قولي الليث بن سعد , و اختاره ابن حزم و انتصر له بكلام جيد متين , أرى

أنه لابد من ذكره , قال رحمه الله تعالى ( 7 / 277 ) :

" مسألة - من حج و اعتمر , ثم ارتد , ثم هداه الله تعالى و استنقذه من النار

فأسلم فليس عليه أن يعيد الحج و لا العمرة , و هو قول الشافعي و أحد قولي الليث

و قال أبو حنيفة و مالك و أبو سليمان : يعيد الحج و العمرة , و احتجوا بقول

الله تعالى : ( لئن أشركت ليحبطن عملك و لتكونن من الخاسرين ) , ما نعلم لهم

حجة غيرها , و لا حجة لهم فيها , لأن الله تعالى لم يقل فيها : لئن أشركت

ليحبطن عملك الذي عملت قبل أن تشرك , و هذه زيادة على الله لا تجوز , و إنما

أخبر تعالى أنه يحبط عمله بعد الشرك إذا مات أيضا على شركه , لا إذا أسلم ,

و هذا حق بلا شك . و لو حج مشرك أو اعتمر أو صلى أو صام أو زكى لم يجزه شيء من

ذلك عن الواجب , و أيضا فإن قوله تعالى فيها : ( و لتكونن من الخاسرين ) بيان

أن المرتد إذا رجع إلى الإسلام لم يحبط ما عمل قبل إسلامه أصلا بل هو مكتوب له

و مجازى عليه بالجنة , لأنه لا خلاف بين أحد من الأمة في أن المرتد إذا رجع إلى

الإسلام ليس من الخاسرين بل من المربحين المفلحين الفائزين , فصح أن الذي يحبط

عمله هو الميت على كفره , مرتدا أو غير مرتد , و هذا هو من الخاسرين بلا شك ,

لا من أسلم بعد كفره أو راجع الإسلام بعد ردته , و قال تعالى : ( و من يرتدد

منكم عن دينه فيمت و هو كافر فأولئك حبطت أعمالهم ) فصح نص قولنا : من أنه لا

يحبط عمله إن ارتد إلا بأن يموت و هو كافر , و وجدنا الله تعالى يقول : ( إني

لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى ) , و قال تعالى : ( فمن يعمل مثقال ذرة

خيرا يره ) , و هذا عموم لا يجوز تخصيصه , فصح أن حجه و عمرته إذا راجع الإسلام

سيراهما , و لا يضيعان له .

و روينا من طرق كالشمس عن الزهري و عن هشام بن عروة المعنى كلاهما عن عروة

بن الزبير أن حكيم بن حزام أخبره أنه قال لرسول الله عليه السلام : أي رسول

الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة أو عتاقة أو صلة رحم ,

أفيها أجر ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

" أسلمت على ما أسلفت من خير " .

248  " أسلمت على ما أسلفت من خير " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 441 :

 

قال ابن حزم : فصح أن المرتد إذا أسلم , و الكافر الذي لم يكن أسلم قط إذا

أسلما , فقد أسلما على ما أسلفا من الخير , و قد كان المرتد إذ حج و هو مسلم

قد أدى ما أمر به و ما كلف كما أمر به , فقد أسلم الآن عليه فهو له كما كان .

و أما الكافر يحج كالصابئين الذين يرون الحج إلى مكة في دينهم , فإن أسلم بعد

ذلك لم يجزه لأنه لم يؤده كما أمر الله تعالى به , لأن من فرض الحج و سائر

الشرائع كلها أن لا تؤدى إلا كما أمر بها رسول الله محمد بن عبد الله عليه

السلام في الدين الذي جاء به الذي لا يقبل الله تعالى دينا غيره , و قال عليه

السلام :

" من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " .

و الصابئ إنما حج كما أمره يوراسف  أو هرمس فلا يجزئه , و بالله تعالى التوفيق

.

و يلزم من أسقط حجه بردته أن يسقط إحصانه و طلاقه الثلاث و بيعه و ابتياعه

و عطاياه التي كانت في الإسلام , و هم لا يقولون بهذا , فظهر فساد قولهم ,

و بالله تعالى نتأيد " .

و إذا تبين هذا فلا منافاة بينه و بين الحديث المتقدم برقم ( 52 ) " أن الكافر

يثاب على حسناته ما عمل بها لله في الدنيا " لأن المراد به الكافر الذي سبق في

علم الله أنه يموت كافرا بدليل قوله في آخره : " حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم

يكن له حسنة يجزى بها " , و أما الكافر الذي سبق في علم الله أنه يسلم و يموت

مؤمنا فهو يجازى على حسناته التي عملها حالة كفره في الآخرة , كما أفادته

الأحاديث المتقدمة , و منها حديث حكيم بن حزام الذي أورده ابن حزم في كلامه

المتقدم و صححه و لم يعزه لأحد من المؤلفين , و قد أخرجه البخاري في " صحيحه "

( 4 / 327 , 5 / 127 , 10 / 348 ) و مسلم ( 1 / 79 ) و أبو عوانة في " صحيحه "

أيضا ( 1 / 72 - 73 ) و أحمد ( 3 / 402 ) .

و منها حديث عائشة في ابن جدعان الذي ذكره الحافظ غير معزو لأحد , فأنا أسوقه

الآن و أخرجه و هو :

" لا يا عائشة , إنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " .

249  " لا يا عائشة , إنه لم يقل يوما : رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 442 :

 

أخرجه مسلم ( 1 / 136 ) و أبو عوانة ( 1 / 100 ) و أحمد في " المسند " و ابنه

عبد الله في " زوائده " ( 6 / 93 ) و أبو بكر العدل في " اثنا عشر مجلسا "

( ق 6 / 1 ) و الواحدي في " الوسيط " ( 3 / 167 / 1 ) من طرق عن داود عن الشعبي

عن مسروق ( و لم يذكر الأخيران مسروقا ) عن # عائشة # قالت :

" قلت : يا رسول الله ابن جدعان كان في الجاهلية يصل الرحم و يطعم المساكين ,

فهل ذاك نافعه ? قال : " فذكره .

و له عنها طريق أخرى , فقال عبد الواحد بن زياد : حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن

عبيد بن عمير عنها أنها قالت :

" قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : إن عبد الله بن جدعان كان في الجاهلية يقري

الضيف و يصل الرحم و يفك العاني و يحسن الجوار - فأثنيت عليه - هل نفعه ذلك ?

قال : " فذكره .

 

أخرجه أبو عوانة و أبو القاسم إسماعيل الحلبي في " حديثه " ( ق 114 - 115 ) من

طرق عن عبد الواحد به .

و وجدت له طريقا ثالثا , رواه يزيد بن زريع حدثنا عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة

عنها به نحوه .

أخرجه يحيى بن صاعد في " حديثه " ( 4 / 288 / 1 - 2 ) من طريقين عن يزيد به .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرط البخاري على اختلاف قولي أبي حاتم في سماع عكرمة

- و هو مولى ابن عباس - من عائشة , فأثبته في أحدهما و نفاه في الآخر , لكن

المثبت مقدم على النافي , كما هو في علم الأصول مقرر .

 

و في الحديث دلالة ظاهرة على أن الكافر إذا أسلم نفعه عمله الصالح في الجاهلية

بخلاف ما إذا مات على كفره فإنه لا ينفعه بل يحبط بكفره , و قد سبق بسط الكلام

في هذا في الحديث الذي قبله .

و فيه دليل أيضا على أن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل البعثة المحمدية ليسوا من

أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة رسول , إذ لو كانوا كذلك لم يستحق ابن جدعان

العذاب و لما حبط عمله الصالح , و في هذا أحاديث أخرى كثيرة سبق أن ذكرنا بعضها

.

250  " لا ضرر , و لا ضرار " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 443 :

 

حديث صحيح ورد مرسلا , و روي موصولا عن # أبي سعيد الخدري , و عبد الله

ابن عباس , و عبادة بن الصامت , و عائشة , و أبي هريرة , و جابر بن عبد الله ,

و ثعلبة بن مالك # رضي الله عنهم .

أما المرسل , فقال مالك في " الموطأ " ( 2 / 218 ) : عن عمرو ابن يحيى المازني

عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح مرسلا . و قد روي موصولا عن أبي سعيد الخدري رواه عثمان

بن محمد بن عثمان بن ربيعة بن أبي عبد الرحمن , حدثنا عبد العزيز بن محمد

الدراوردي عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله

صلى الله عليه وسلم قال : فذكره و زاد :

" من ضار ضاره الله , و من شاق شاق الله عليه " .

أخرجه الحاكم ( 2 / 57 - 58 ) و البيهقي ( 6 / 69 - 70 ) و قال : " تفرد به

عثمان بن محمد عن الدراوردي " .

 

قلت : و تعقبه ابن التركماني فقال :

" قلت : لم ينفرد به , بل تابعه عبد الملك بن معاذ النصيبي , فرواه كذلك عن

الدراوردي . كذا أخرجه أبو عمر في كتابيه ( التمهيد ) و ( الاستذكار ) .

 

قلت : و كأنه لهذه المتابعة قال الحاكم عقبه :

" صحيح على شرط مسلم " , و وافقه الذهبي , و إلا فلولا المتابعة هذه لم يكن

الحديث على شرط مسلم لأن عثمان بن محمد ليس من رجاله , و فوق ذلك فهو متكلم فيه

قال الدارقطني : ضعيف .

و قال عبد الحق : الغالب على حديثه الوهم . و لكن قد يتقوى حديثه بمتابعة

النصيبي هذا له , و إن كان لا يعرف حاله , كما قال ابن القطان و تابعه الذهبي ,

و هو بالتالي ليس من رجال مسلم أيضا , فهو ليس على شرطه أيضا , و لكنهم قد

يتساهلون في الرواية المتابعة ما لا يتساهلون في الرواية الفردة , فيقولون في

الأول : إنه على شرط مسلم باعتبار من فوق المتابعين مثلما هنا كما هو معروف ,

و لذلك فقد رأينا الحافظ ابن رجب في " شرح الأربعين النووية " ( 219 ) لم يعل

الحديث بعثمان هذا و لا بمتابعة النصيبي , و إنما أعله بشيخهما , فقد قال عقب

قول البيهقي المتقدم :

" قال ابن عبد البر : لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث . قال : و لا بسند

من وجه صحيح . ثم خرجه من رواية عبد الملك بن معاذ النصيبي عن الدراوردي موصولا

و الدراوردي كان الإمام أحمد يضعف ما حدث به من حفظه و لا يعبأ به , و لا شك في

تقديم قول مالك على قوله " .

 

قلت : يعني أن الصواب في الحديث عن عمرو بن يحيى عن أبيه مرسلا كما رواه مالك ,

و لسنا نشك في ذلك فإن الدراوردي و إن كان ثقة من رجال مسلم فإن فيه كلاما

يسيرا من قبل حفظه , فلا تقبل مخالفته للثقة , لاسيما إذا كان مثل مالك رحمه

الله تعالى .

 

و الحديث أخرجه الدارقطني أيضا ( ص 522 ) موصولا من الوجه المتقدم لكن بدون

الزيادة : " من ضار ... " ثم رأيته قد أخرجه في مكان آخر (  ص 321 ) من الوجه

المذكور بالزيادة .

و أما حديث ابن عباس , فيرويه عنه عكرمة , و له عنه ثلاث طرق :

 

الأولى : عن جابر الجعفي عنه به .

أخرجه ابن ماجه ( 2 / 57 ) و أحمد ( 1 / 313 ) كلاهما عن عبد الرزاق :

أنبأنا معمر عن جابر الجعفي به .

قال ابن رجب  : " و جابر الجعفي ضعفه الأكثرون " .

 

الثانية : عن إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن عكرمة به .

أخرجه الدارقطني ( 522 ) .

قال ابن رجب : " و إبراهيم ضعفه جماعة , و روايات داود عن عكرمة مناكير " .

 

قلت : لكن تابعه سعيد بن أبي أيوب عند الطبراني في " الكبير " ( 3 / 127 / 1 )

قال : حدثنا أحمد بن رشدين المصري أنبأنا روح بن صلاح أنبأنا سعيد بن أبي أيوب

عن داود بن الحصين به , إلا أنه أوقفه على ابن عباس . لكن السند واه , فإن روح

ابن صلاح ضعيف . و ابن رشدين كذبوه , فلا تثبت المتابعة .

 

الثالثة : قال ابن أبي شيبة كما في " نصب الراية " ( 4 /384 ) : حدثنا معاوية

بن عمرو حدثنا زائدة عن سماك عن عكرمة به .

 

قلت : و هذا سند رجاله كلهم ثقات رجال الصحيح , غير أن سماكا روايته عن عكرمة

خاصة مضطربة , و قد تغير بآخره فكان , ربما يلقن كما في " التقريب " .

و أما حديث عبادة بن الصامت , فيرويه الفضيل بن سليمان حدثنا موسى بن عقبة

عن إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة مرفوعا به .

أخرجه ابن ماجه و عبد الله بن أحمد في " زوائد المسند " ( 5 / 326 ) .

 

قلت : و هذا سند ضعيف منقطع بين عبادة و حفيده إسحاق .

قال الحافظ : " أرسل عن عبادة , و هو مجهول الحال " .

و أما حديث عائشة , فله عنها طريقان :

 

الأولى : يرويها الواقدي : أنبأنا خارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت

عن أبي الرجال عن عمرة عنها .

أخرجه الدارقطني ( 522 ) , قال ابن رجب :

" و الواقدي متروك , و شيخه مختلف في تضعيفه " .

 

الثانية : عن روح بن صلاح حدثنا سعيد بن أبي أيوب عن أبي سهيل عن القاسم ابن

محمد عنها , و عن أبي بكر بن أبي سبرة عن نافع بن مالك أبي سهيل عن القاسم به .

أخرجه الطبراني في " المعجم الوسط " و قال :

" لم يروه عن القاسم إلا نافع بن مالك " .

 

قلت : هو ثقة محتج به في " الصحيحين " , لكن الطريقان إليه ضعيفان كما قال ابن

رجب , ففي الأولى روح بن صلاح و هو ضعيف , و في الأخرى أبو بكر بن أبي سبرة ,

و هو أشد ضعفا , قال في " التقريب " : " رموه بالوضع " .

و أما حديث أبي هريرة , فيرويه أبو بكر بن عياش قال : عن ابن عطاء عن أبيه عن

أبي هريرة مرفوعا .

أخرجه الدارقطني , و أعله الزيلعي بأبي بكر هذا فقال :

" مختلف فيه " . و أعله ابن رجب بابن عطاء فقال :

" و هو يعقوب و هو ضعيف " .

و أما حديث جابر فيرويه حيان بن بشر القاضي قال : حدثنا حماد بن سلمة عن محمد

بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان عنه .

رواه الطبراني في " الأوسط " , و سكت عليه الزيلعي .

و قال ابن رجب : " هذا إسناد مقارب , و هو غريب خرجه أبو داود في " المراسيل "

من رواية عبد الرحمن بن مغراء عن ابن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه

واسع مرسلا . و هذا أصح " .

 

قلت : و مداره على ابن إسحاق و هو مدلس و قد عنعنه , و حيان بن بشر الذي في

الطريق الموصولة , قال ابن معين : لا بأس به . و له ترجمة في " تاريخ بغداد "

( 8 / 285 ) , و قد روي عن واسع بن حبان عن أبي لبابة عن النبي صلى الله عليه

وسلم .

رواه أبو داود في " المراسيل " , كما نقله الزيلعي و لم يسق إسناده لننظر فيه .

و أما حديث ثعلبة فهو من رواية إسحاق بن إبراهيم مولى مزينة عن صفوان ابن سليم

عنه .

رواه الطبراني في " معجمه " كما في " الزيلعي " ( 4 / 385 ) و سكت عليه ,

و إسحاق بن إبراهيم هذا لم أعرفه , و فات هذا الحديث الحافظ الهيثمي فلم يورده

في " المجمع " ( 4 / 110 ) و أورد فيه فقط حديث جابر و عائشة .

 

و بالجملة فهذه طرق كثيرة أشار إليها النووي في " أربعينه " ثم قال :

" يقوي بعضها بعضا " . و نحوه قول ابن الصلاح :

" مجموعها يقوي الحديث , و يحسنه , و قد تقبله جماهير أهل العلم و احتجوا به .

و قول أبي داود : إنه من الأحاديث التي يدور الفقه عليها يشعر بكونه غير ضعيف "

.

251  " حريم البئر أربعون ذراعا من حواليها كلها لأعطان الإبل و الغنم " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 448 :

 

أخرجه الإمام أحمد ( 2 / 494 ) : حدثنا هشيم قال : أنبأنا عوف عن رجل حدثه عن

# أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا سند ضعيف لجهالة الرجل الذي لم يسم , و قال الهيثمي في " مجمع

الزوائد " ( 3 / 125 ) :

" رواه أحمد , و فيه رجل لم يسم , و بقية رجاله ثقات " .

 

قلت : و هكذا أخرجه البيهقي ( 6 / 155 ) من طريق أخرى عن هشيم به ثم قال :

" و قد كتبناه من حديث مسدد عن هشيم : أخبرنا عوف حدثنا محمد بن سيرين عن أبي

هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره . أخبرناه أبو الحسن المقري

... " .

ثم ساق السند إلى مسدد به . و مسدد ثقة من رجال البخاري , لكن في السند إليه من

لم أعرفه . و لم يتعرض الحافظ الزيلعي في " نصب الراية " ( 4 / 292 ) و كذا

الحافظ العسقلاني في " التلخيص " ( ص 256 ) لهذه الطريق . و الله أعلم .

و للحديث شاهد من رواية عبد الله بن مغفل مرفوعا بلفظ :

" من حفر بئرا فله أربعون ذراعا عطنا لماشيته " .

أخرجه الدارمي ( 2 / 273 ) و ابن ماجه ( 2 / 96 ) من طريق إسماعيل بن مسلم

المكي عن الحسن عنه .

و هذا سند ضعيف و له علتان :

الأولى : عنعنة الحسن و هو البصري فقد كان مدلسا .

و الأخرى : ضعف إسماعيل بن مسلم المكي قال الحافظ في " التقريب " :

" كان فقيها , ضعيف الحديث " . و قال في " التلخيص " ( 256 ) بعد أن عزاه لابن

ماجه وحده :

" و في سنده إسماعيل بن مسلم و هو ضعيف , و قد أخرجه الطبراني من طريق أشعث عن

الحسن , و في الباب عن أبي هريرة عند أحمد " .

 

قلت : فما دام أنه قد تابعه أشعث , فإعلال الحديث بالعلة الأولى أولى كما لا

يخفى . و أشعث هذا واحد من أربعة , كلهم يروون عن الحسن :

الأول : أشعث بن إسحاق بن سعد الأشعري القمي .

الثاني : أشعث بن سوار الكندي .

الثالث : أشعث بن عبد الله بن جابر الحداني .

الرابع : أشعث بن عبد الملك الحمراني .

و كل هؤلاء ثقات غير الثاني ففيه ضعف , و لكن لا بأس به في المتابعات , كما

يشير إلى ذلك ما حكاه البرقاني عن الدارقطني , قال :

" قلت للدارقطني : أشعث عن الحسن ? قال : هم ثلاثة يحدثون جميعا عن الحسن :

الحمراني و هو ابن عبد الملك أبو هاني ثقة . و ابن عبد الله بن جابر الحداني

يعتبر به , و ابن سوار , يعتبر به و هو أضعفهم " .

 

قلت : و قد فاته الأول , و هو ثقة أيضا كما قال ابن معين و غيره .

 

و بالجملة , فهذا شاهد لا بأس به , فالحديث به حسن عندي و الله أعلم . و قد ذهب

إلى العمل به أبو حنيفة و الشافعي كما في " سبل السلام " ( 3 / 78 - 79 ) .

252  " تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 /450 :

 

صحيح من حديث # أبي هريرة # مصرحا بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم , و له

عنه طريقان :

الأولى : عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم قال :

" كنت خلف أبي هريرة و هو يتوضأ للصلاة , فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه ,

فقلت له : يا أبا هريرة ما هذا الوضوء ? فقال : يا بني فروخ أنتم ها هنا ?! لو

علمت أنكم ها هنا ما توضأت هذا الوضوء ! سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول :

" فذكره .

أخرجه مسلم ( 1 / 151 ) و أبو عوانة ( 1 / 244 ) و النسائي ( 1 / 35 )

و البيهقي ( 1 / 56 ) و أحمد ( 2 / 371 ) عنه .

و خلف هذا فيه ضعف من قبل حفظه و كان اختلط , لكنه قد توبع فرواه أبو عوانة من

طريق عبد الله بن إدريس قال : سمعت أبا مالك الأشجعي به بلفظ :

" قال : رأيته يتوضأ فيبلغ بالماء عضديه , فقلت : ما هذا ? قال : و أنتم حولي

يا بني فروخ ? ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الحلية تبلغ مواضع

الطهور " .

و هذا إسناد صحيح لا غبار عليه .

و الطريق الأخرى عن يحيى بن أيوب البجلي عن أبي زرعة قال :

" دخلت على أبي هريرة فتوضأ إلى منكبيه , و إلى ركبته , فقلت له : ألا تكتفي

بما فرض الله عليك من هذا ? قال : بلى , و لكني سمعت رسول الله صلى الله عليه

وسلم يقول : مبلغ الحلية مبلغ الوضوء , فأحببت أن يزيدني في حليتي " .

أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 40 ) : حدثنا ابن المبارك عن يحيى به .

و علقه عنه أبو عوانة في " صحيحه " ( 1 / 243 ) .

 

قلت : و هذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات رجال " الصحيحين " غير يحيى هذا و هو

ثقة اتفاقا إلا رواية عن ابن معين , و قال الحافظ : " لا بأس " به . و لا يضره

إن شاء الله تعالى أن خالفه غيره من الثقات فأوقفه , لأن الرفع زيادة , و هي من

ثقة فهي مقبولة , لاسيما و يشهد لها الطريق الأولى , فأخرج البخاري ( 10 / 317

) و ابن أبي شيبة ( 1 / 41 - 42 ) و أحمد ( 2 / 232 ) عن عمارة بن القعقاع عن

أبي زرعة قال :

" دخلت مع أبي هريرة دار مروان فدعا بوضوء فتوضأ , فلما غسل ذراعيه جاوز

المرفقين , فلما غسل رجليه جاوز الكعبين إلى الساقين , فقلت : ما هذا ? قال :

هذا مبلغ الحلية " .

و اللفظ لابن أبي شيبة . قال الشيخ إبراهيم الناجي متعقبا رواية مسلم الأولى

و قد أوردها المنذري في " الترغيب " :

" و هذه الرواية تدل على أن آخره ليس بمرفوع أيضا " .

قلت : يعني قوله : " تبلغ الحلية ..." . و قد عرفت الجواب عن هذا الإعلال أنفا

و غالب ظني أن الناجي لم يقف على المتابعة المذكورة لخلف عند أبي عوانة و لا

على هذه الطريق الأخرى الصحيحة أيضا , و إلا لما قال ذلك .

على أنه قد بدى لي أن هذه الرواية و إن كانت موقوفة ظاهرا , فهي في الحقيقة

مرفوعة , لأن قوله : " هذا مبلغ الحلية " فيه إشارة قوية جدا إلى أن المخاطب

يعلم أن هناك حديثا مرفوعا بلفظ " مبلغ الحلية مبلغ الوضوء " كما هو مصرح به في

الطريق الثانية , فاكتفى الراوي بذلك عن التصريح برفعه إلى النبي صلى الله عليه

وسلم فتأمل .

 

و جملة القول : أن الحديث مرفوع من الطريقين , و لا يعله الموقوف لأنه في حكم

المرفوع كما سبق بيانه .

إذا عرفت هذا , فهل في الحديث ما يدل على استحباب إطالة الغرة و التحجيل ?

و الذي نراه إذا لم نعتد برأي أبي هريرة رضي الله عنه - أنه لا يدل على ذلك ,

لأن قوله : " مبلغ الوضوء " من الواضح أنه أراد الوضوء الشرعي , فإذا لم يثبت

في الشرع الإطالة , لم يجز الزيادة عليه كما لا يخفى .

على أنه إن دل الحديث على ذلك , فلن يدل على غسل العضد لأنه ليس من الغرة و لا

التحجيل , و لذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في " حادي الأرواح إلى بلاد

الأفراح " ( 1 / 315 - 316 ) :

" و قد احتج بهذا الحديث من يرى استحباب غسل العضد و إطالته , و الصحيح أنه لا

يستحب , و هو قول أهل المدينة , و عن أحمد روايتان , و الحديث لا يدل على

الإطالة فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد و المعصم , لا في العضد و الكتف "

.

و اعلم أن هناك حديثا آخر يستدل به من يذهب إلى استحباب إطالة الغرة و التحجيل

و هو بلفظ :

" إن أمتي يأتون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن

يطيل غرته فليفعل " .

و هو متفق عليه بين الشيخين , لكن قوله : " فمن استطاع ..." مدرج من قول أبي

هريرة ليس من حديثه صلى الله عليه وسلم كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ كالمنذري

و ابن تيمية و ابن القيم و العسقلاني و غيرهم و قد بينت ذلك بيانا شافيا في

" الأحاديث الضعيفة " فأغنى عن الإعادة , و لو صحت هذه الجملة لكانت نصا على

استحباب إطالة الغرة و التحجيل لا على إطالة العضد . و الله ولى التوفيق .

253  " من استعاذ بالله فأعيذوه , و من سألكم بوجه الله فأعطوه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 453 :

 

أخرجه أبو داود ( 2 / 622 - الحلبية ) و أحمد ( رقم 2248 ) و الخطيب في

" تاريخه " ( 4 / 258 ) من طرق عن خالد بن الحارث حدثنا سعيد ( بن أبي عروبة )

عن قتادة عن أبي نهيك عن # ابن عباس # مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند جيد إن شاء الله تعالى , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير

أبي نهيك و اسمه عثمان بن نهيك كما جزم الحافظ تبعا لابن أبي حاتم في " الجرح

و التعديل " ( 3 / 1 / 171 ) و ذكر أنه روى عنه جماعة من الثقات , و لم يذكر

فيه جرحا و لا تعديلا , و ذكره ابن حبان في " الثقات " . و قال ابن القطان : لا

يعرف . و تناقض فيه الحافظ فإنه في الأسماء قال : " مقبول " , و في " الكنى "

قال : " ثقة " . و الظاهر أنه وسط حسن الحديث , لأنه تابعي و قد روى عنه

الجماعة , فهو حكم مستوري التابعين الذين يحتج بحديثهم ما لم يظهر خطؤهم فيه ,

و هذا الحديث من هذا القبيل , بل قد وجدنا ما شهد لصحته , و هو حديث عبد الله

ابن عمر رضي الله عنه و هو الحديث الآتي بعده .

 

( فائدة ) روى ابن أبي شيبة ( 4/68 ) بسند صحيح إلى ابن جريج عن عطاء أنه كره

أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا .

254  " من استعاذكم بالله فأعيذوه , و من سألكم بالله فأعطوه , و من دعاكم فأجيبوه ,

( و من استجار بالله فأجيروه ) , و من أتى إليكم معروفا فكافئوه , فإن لم تجدوا

فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 454 :

 

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 216 ) و أبو داود ( 1 / 389 , 2 /

622 ) و النسائي ( 1 / 358 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( رقم 2071 ) و الحاكم

( 1 / 412 ) و البيهقي ( 4 / 199 ) و أحمد ( 2 / 68 , 99 ) و أبو نعيم في "

الحلية " ( 9 / 56 ) من طرق عن الأعمش عن مجاهد عن # ابن عمر # مرفوعا .

و الزيادة لأحمد في رواية , و هي عند النسائي بديل التي قبلها .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي , و هو كما قالا .

و تابعه ليث عن مجاهد به دون الجملة الأولى و الرابعة .

 

أخرجه أحمد ( 2 / 95 - 96 ) , و لابن أبي شيبة ( 4 / 68 ) الجملة الثانية فقط ,

و ليث هو ابن أبي سليم و هو ضعيف .

و قد خالف الجماعة أبو بكر بن عياش فقال : عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره دون الجملة الرابعة و ما بعدها

و جعله من مسند أبي هريرة و من رواية أبي حازم عنه .

 

أخرجه أحمد ( 2 / 512 ) و الحاكم ( 1 / 413 ) و قال :

" إسناد صحيح , فقد صح عند الأعمش الإسنادان جميعا على شرط الشيخين , و نحن على

أصلنا في قبول الزيادات من الثقات في الأسانيد و المتون " . و وافقه الذهبي ,

و في ذلك نظر عندي من وجهين :

الأول : أن أبا بكر بن عياش لم يخرج له مسلم شيئا , و إنما البخاري فقط .

الآخر : أن أبا بكر فيه ضعف من قبل حفظه و إن كان ثقة في نفسه فلا يحتج به فيما

خالف الثقات . قال الذهبي نفسه في " الميزان " من ترجمته :

" صدوق , ثبت في القراءة , لكنه في الحديث يغلط و يهم " .

و قال الحافظ في " التقريب " :

" ثقة عابد , إلا أنه لما كبر ساء حفظه , و كتابه صحيح " .

255  " ألا أخبركم بخير الناس منزلة ? قلنا : بلى , قال : رجل ممسك برأس فرسه

- أو قال : فرس - في سبيل الله حتى يموت أو يقتل , قال : فأخبركم بالذي يليه ?

فقلنا : نعم يا رسول الله قال : امرؤ معتزل في شعب يقيم الصلاة , و يؤتي الزكاة

و يعتزل الناس , قال : فأخبركم بشر الناس منزلة ? قلنا : نعم يا رسول الله قال

: الذي يسأل بالله العظيم , و لا يعطي به " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 456 :

 

أخرجه النسائي ( 1 / 358 ) و الدارمي ( 2 / 201 - 202 ) و ابن حبان في " صحيحه

" ( 1593 ) و أحمد ( 1 / 237 , 319 , 322 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "

( 3 / 97 / 1 ) من طرق عن ابن أبي ذئب عن سعيد بن خالد عن إسماعيل ابن عبد

الرحمن بن ذؤيب عن عطاء بن يسار عن # ابن عباس # .

" أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج عليهم و هم جلوس فقال ... " فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات .

و أخرجه الترمذي ( 3 / 14 ) من طريق ابن لهيعة عن بكير بن الأشج عن عطاء بن

يسار به نحوه باختصار ألفاظ , و قال :

" هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه , و يروى من غير وجه عن ابن عباس عن النبي

صلى الله عليه وسلم " .

 

قلت : و ابن لهيعة سيء الحفظ , لكنه قد توبع , فأخرجه ابن حبان ( 1594 )

و الطبراني في " الكبير " ( 3 / 97 / 1 ) عن عمرو بن الحارث أن بكرا حدثه به ,

فصح بهذا الإسناد أيضا عن عطاء .

 

( فائدة ) في الحديث تحريم سؤال شيء من أمور الدنيا بوجه الله تعالى , و تحريم

عدم إعطاء من سأل به تعالى . قال السندي في حاشيته على النسائي :

" ( الذي يسأل بالله ) على بناء الفاعل , أي الذي يجمع بين القبحتين أحدهما

السؤال بالله , و الثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى , فما يراعي حرمة اسمه

تعالى في الوقتين جميعا . و أما جعله مبنيا للمفعول فبعيد إذ لا صنع للعبد في

أن يسأله السائل بالله , فلا وجه للجمع بينه و بين ترك الإعطاء في هذا المحل "

.

قلت : و مما يدل على تحريم عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى حديث ابن عمر و ابن

عباس المتقدمين : " و من سألكم بالله فأعطوه " .

و يدل على تحريم السؤال به تعالى حديث : " لا يسأل بوجه الله إلا الجنة " .

و لكنه ضعيف الإسناد كما بينه المنذري و غيره , و لكن النظر الصحيح يشهد له ,

فإنه إذا ثبت وجوب الإعطاء لمن سأل به تعالى كما تقدم , فسؤال السائل به , قد

يعرض المسؤول للوقوع في المخالفة و هي عدم إعطائه إياه ما سأل و هو حرام , و ما

أدى إلى محرم فهو محرم , فتأمل . و قد تقدم قريبا عن عطاء أنه كره أن يسأل بوجه

الله أو بالقرآن شيء من أمر الدنيا .

و وجوب الإعطاء إنما هو إذا كان المسؤول قادرا على الإعطاء و لا يلحقه ضرر به

أو بأهله , و إلا فلا يجب عليه . و الله أعلم .

256  " من أخذ على تعليم القرآن قوسا , قلده الله قوسا من نار يوم القيامة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 457 :

 

رواه أبو محمد المخلدي في " الفوائد " ( ق 268 / 1 ) : حدثنا أحمد بن منصور

الرمادي , حدثنا عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل بن عبيد الله بن أبي المهاجر

المخزومي الدمشقي , حدثنا الوليد بن مسلم , حدثنا سعيد بن عبد العزيز عن

إسماعيل بن عبيد الله قال : قال لي عبد الملك بن مروان : يا إسماعيل علم ولدي ,

فإني معطيك أو مثيبك , قال إسماعيل : يا أمير المؤمنين ! و كيف بذلك و قد

حدثتني أم الدرداء عن # أبي الدرداء # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

فذكره . قال عبد الملك : يا إسماعيل لست أعطيك أو أثيبك على القرآن , إنما

أعطيك أو أثيبك على النحو .

و أخرجه ابن عساكر في " تاريخ دمشق " ( 2 / 427 / 2 ) من طريق أخرى عن أحمد بن

منصور الرمادي به .

و أخرجه البيهقي في " سننه " ( 6 / 126 ) من طريق عثمان بن سعيد الدارمي حدثنا

عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل به .

ثم روى البيهقي عن عثمان بن سعيد الدارمي عن دحيم قال :

" حديث أبي الدرداء هذا ليس له أصل " .

 

قلت : كذا قال , و قد رده ابن التركماني بقوله :" قلت : أخرجه البيهقي هنا

بسند جيد فلا أدري ما وجه ضعفه و كونه لا أصل له " .

 

قلت : و هذا رد قوي , و يؤيده قول الحافظ في " التلخيص " ( 333 ) :

" رواه الدارمي بسند على شرط مسلم , لكن شيخه عبد الرحمن بن يحيى ابن إسماعيل

لم يخرج له مسلم , و قال فيه أبو حاتم : ما به بأس " .

ثم ذكر قول دحيم .

 

قلت : و لم يتفرد به عبد الرحمن بن يحيى بن إسماعيل , بل تابعه إبراهيم ابن

يحيى بن إسماعيل أخوه , أخرجه ابن عساكر في ترجمته ( 2 / 284 / 2 ) و لم يذكر

فيه جرحا و لا تعديلا .

ثم أخرجه ابن عساكر من طريق هشام بن عمار أنبأنا عمرو بن واقد أنبأنا إسماعيل

ابن عبيد الله به .

 

قلت : فهذه طريق أخرى عن إسماعيل , و لكنها واهية , فإن عمرو بن واقد متروك كما

في " التقريب " , فالاعتماد على الطريق الأول , و قد علمت أن ابن التركماني جود

إسناده , و أشار إلى ذلك الحافظ , و هو حري بذلك لولا أن فيه علتين :

 

الأولى : أن سعيد بن عبد العزيز و إن كان على شرط مسلم فقد اختلط في آخر عمره

كما في " التقريب " , و لا ندري أحدث بهذا قبل الاختلاط أم بعده .

 

الثانية : أن الوليد بن مسلم و إن كان من رجال الشيخين , فإنه كثير التدليس

و التسوية , فيخشى أن يكون أسقط رجلا بين سعيد و إسماعيل و عليه فيحتمل أن يكون

المسقط ضعيفا , مثل عمرو بن واقد أو غيره , و لعل هذا هو وجه قول دحيم في هذا

الحديث " ليس له أصل " . غير أن له شاهدا يدل على أن له أصلا أصيلا , و هو من

حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه , و له طريقان :

 

الأولى : عن مغيرة بن زياد عن عبادة بن نسي , عن الأسود بن ثعلبة عنه قال :

" علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب و القرآن , فأهدى إلي رجل منهم قوسا , فقلت :

ليست بمال , و أرمي عنها في سبيل الله عز و جل , لآتين رسول الله صلى الله عليه

وسلم فلأسألنه , فأتيته فقلت : يا رسول الله رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه

الكتاب و القرآن , و ليست بمال , و أرمي عنها في سبيل الله ? قال : إن كنت تحب

أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " .

 

أخرجه أبو داود ( 2 / 237 - الحلبي ) و ابن ماجه ( 2 / 8 ) و الطحاوي

( 2 / 10 ) و أبو نعيم في " أخبار أصبهان " ( 2 / 82 ) و الحاكم ( 2 / 41 )

و البيهقي ( 6 / 125 ) و أحمد ( 5 / 315 ) .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " .

و قال الذهبي : " قلت : مغيرة صالح الحديث , و قد تركه ابن حبان " .

و قال البيهقي عن ابن المديني :

" إسناده كله معروف إلا الأسود بن ثعلبة , فإنا لا نحفظ عنه إلا هذا الحديث " .

كذا قال , و له أحاديث أخرى ثلاثة أشار إليهما ابن التركماني و ابن حجر ,

و انصرفا بذلك عن بيان حال الأسود هذا و هو مجهول كما في " التقريب " .

و قال في " الميزان " : " لا يعرف " , لكنه لم يتفرد به , فقال بقية : حدثني

بشر ابن عبد الله بن يسار : و حدثني عبادة بن نسي عن جنادة بن أبي أمية عن

عبادة ابن الصامت نحو هذا الخبر و الأول أتم : فقلت : ما ترى فيها يا رسول الله

! فقال :

جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقها .

أخرجه أبو داود و عنه البيهقي و قال :

" هذا حديث مختلف فيه على عبادة بن نسي كما ترى " .

يعني أن المغيرة بن زياد سمى شيخ ابن نسي الأسود بن ثعلبة , و بشر بن عبد الله

بن يسار سماه جنادة بن أبي أمية , و ليس هذا في نقدي اختلافا , لاحتمال أن يكون

لابن نسي فيه شيخان , فكان يرويه تارة عن هذا , و تارة عن هذا , فروى كل من

المغيرة و بشر ما سمع منه , و كأنه لما ذكرنا لم يعله ابن حزم بالاختلاف

المذكور , بل أعل الطريق الأولى بجهالة الأسود , و أعل الأخرى بقوله : " بقية

ضعيف " .

قلت : و المتقرر في بقية أنه صدوق فهو حسن الحديث إلا إذا عنعن فلا يحتج به

حينئذ , و في هذا الحديث قد صرح بالتحديث فأمنا بذلك تدليسه , على أنه لم يتفرد

به , فقال الإمام أحمد ( 5 / 324 ) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا بشر بن عبد الله

يعني ابن يسار به . و من هذا الوجه أخرجه الحاكم ( 3 / 356 ) أيضا و قال :

" صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : و هو كما قالا إن شاء الله تعالى فإن رجاله كلهم ثقات معروفون غير بشر

هذا , و قد روى عنه جماعة و وثقه ابن حبان , و قال الحافظ فيه : " صدوق " .

 

( تنبيه ) عزى الحافظ في " التلخيص " ( ص 333 ) هذا الحديث للدارمي و تبعه على

ذلك الشوكاني في " نيل الأوطار " ( 5 / 243 ) , و من المصطلح عليه عند أهل

العلم أن الدارمي إذا أطلق فإنما يراد به الإمام عبد الله بن عبد الرحمن صاحب

كتاب " السنن " المعروف بـ " المسند " , و عليه فإني أخذت أبحث عنه فيه , و لكن

عبثا , و كان ذلك قبل أن أقف على سند الحديث في سنن البيهقي , و حينذاك تبين لي

أنه ليس هو المراد , و إنما هو عثمان بن سعيد الدارمي الذي من طريقه رواه

البيهقي , فرأيت التنبيه على ذلك .

و أيضا فقد وقع من الشوكاني ما هو أبعد عن الصواب , و ذلك أنه قال : إن إسناد

الدارمي على شرط مسلم . و لم يذكر الاستثناء الذي تقدم على الحافظ !

ثم إن للحديث شاهد آخر من حديث أبي بن كعب , و لكن سنده ضعيف , و قد تكلمت عليه

في " الإرواء " ( 1488 ) , و فيما تقدم كفاية .

257  " من قرأ القرآن فليسأل الله به , فإنه سيجيء أقوام يقرءون القران يسألون

به الناس " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 461 :

 

أخرجه الترمذي ( 4 / 55 ) و أحمد ( 4 / 432 - 433 و 439 ) عن سفيان عن الأعمش

عن خيثمة عن الحسن عن # عمران بن حصين # أنه مر على قارىء يقرأ , ثم سأل ,

فاسترجع ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .

و قال الترمذي :

" و قال محمود ( يعني شيخه ابن غيلان ) : هذا خيثمة البصري الذي روى عنه جابر

الجعفي , و ليس هو خيثمة بن عبد الرحمن , هذا حديث حسن , و خيثمة هذا شيخ بصري

يكنى أبا نصر " .

 

قلت : قال فيه ابن معين : ليس بشيء . و أما ابن حبان فذكره في " الثقات " ,

و قال الحافظ : " لين الحديث " .

 

قلت : و الحسن هو البصري و هو مدلس و قد عنعنه , لكن أخرجه أحمد ( 4 / 436 ) من

طريق شريك بن عبد الله عن منصور عن خيثمة عن الحسن قال :

" كنت أمشي مع عمران بن حصين , أحدنا آخذ بيد صاحبه , فمررنا بسائل يقرأ القرآن

..." الحديث نحوه .

 

قلت : و شريك هذا هو القاضي , و هو سييء الحفظ فلا يحتج به , لاسيما مع

مخالفته لرواية سفيان . و إنما حسن الترمذي هذا الحديث مع ضعف إسناده لما له

من الشواهد الكثيرة , و ذلك اصطلاح منه نص عليه في " العلل " التي في آخر

" السنن " فقال ( 4 / 400 ) :

" و ما ذكرنا في هذا الكتاب " حديث حسن " , فإنما أردنا حسن إسناده عندنا كل

حديث يروى لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب , و لا يكون الحديث شاذا , و يروى

من غير وجه نحو ذلك , فهو عندنا حديث حسن " .

 

و من الغرائب أن يخفى قول الترمذي هذا على الحافظ ابن كثير , فإنه لما ذكره في

" اختصار علوم الحديث " عن ابن الصلاح تعقبه بقوله ( ص 40 ) :

" و هذا إذا كان قد روي عن الترمذي أنه قاله , ففي أي كتاب له قاله ?!" .

فقد عرفت في أي كتاب له قاله , فسبحان من لا تخفى عليه خافية .

ثم إن الحديث نقل الشوكاني ( 5 / 243 ) عن الترمذي أنه قال بعد إخراجه :

" هذا حديث حسن , ليس إسناده بذاك " .

و ليس في نسختنا منه هذا : ليس إسناده بذاك . و الله أعلم . ثم رأيتها في نسخة

بولاق من " السنن " ( 2 / 151 ) .

أما شواهد الحديث , فهي عن جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة و هاك بعضها :

" تعلموا القرآن , و سلوا الله به الجنة , قبل أن يتعلمه قوم , يسألون به

الدنيا , فإن القرآن يتعلمه ثلاثة : رجل يباهي به , و رجل يستأكل به , و رجل

يقرأه لله " .

258  " تعلموا القرآن , و سلوا الله به الجنة , قبل أن يتعلمه قوم , يسألون به

الدنيا , فإن القرآن يتعلمه ثلاثة : رجل يباهي به , و رجل يستأكل به , و رجل

يقرأه لله " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 463 :

 

رواه ابن نصر في " قيام الليل " ( ص 74 ) عن ابن لهيعة عن موسى بن وردان عن أبي

الهيثم عن # أبي سعيد الخدري # أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره

.

قلت : و هذا سند ضعيف , من أجل ابن لهيعة , فإنه سييء الحفظ , لكنه لم يتفرد به

كما يأتي فالحديث جيد . و أبو الهيثم اسمه سليمان بن عمرو العتواري المصري .

و الحديث عزاه الحافظ في " الفتح " ( 9 / 82 ) لأبي عبيد في " فضائل القرآن "

عن أبي سعيد و صححه الحاكم , و أقره الحافظ عليه , و لم أجده الآن في

" المستدرك " , و لعله من غير طريق ابن لهيعة .

و له طريق أخرى عند البخاري في " خلق أفعال العباد " ( ص 96 ) و الحاكم

( 4 / 547 ) و أحمد ( 3 / 38 - 39 ) و ابن أبي حاتم كما " في تفسير ابن كثير "

( 3 / 128 ) عن بشير بن أبي عمرو الخولاني أن الوليد بن قيس التجيبي حدثه أنه

سمع أبا سعيد الخدري يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :

" يخلف قوم من بعد ستين سنة أضاعوا الصلاة و اتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ,

ثم يكون قوم يقرؤون القرآن لا يعدو تراقيهم , و يقرأ القرآن ثلاثة : مؤمن

و منافق و فاجر قال بشير : فقلت للوليد : ما هؤلاء الثلاثة ? قال : المنافق

كافر به , و الفاجر يتأكل به , و المؤمن يؤمن به " .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي .

 

قلت : و رجاله ثقات غير أن الوليد هذا لم يوثقه غير ابن حبان و العجلي , لكن

روى عنه جماعة , و قال الحافظ في " التقريب " : " مقبول " , فحديثه يحتمل

التحسين , و هو على كل حال شاهد صالح .

و للحديث شواهد أخرى تؤيد صحته عن جماعة من الصحابة لابد من ذكرها إن شاء الله

تعالى .

259  " اقرءوا فكل حسن , و سيجىء أقوام يقيمونه كما يقام القدح , يتعجلونه , و لا

يتأجلونه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 464 :

 

أخرجه أبو داود ( 1 / 132 - الطبعة التازية ) : حدثنا وهب بن بقية , أخبرنا

خالد عن حميد الأعرج عن محمد بن المنكدر عن # جابر بن عبد الله # قال :

" خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم , و نحن نقرأ القرآن , و فينا

الأعرابي و العجمي , فقال " فذكره . و أخرجه أحمد ( 3 / 397 ) : حدثنا خلف

بن الوليد حدثنا خالد به . و وقع فيه خالد بن حميد الأعرج . و هو تصحيف .

 

قلت : و هذا سند صحيح , رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين , غير وهب ابن بقية فمن

رجال مسلم وحده , و تابعه خلف بن الوليد و لا بأس به في " المتابعات " .

و تابعه أسامة بن زيد الليثي عن محمد بن المنكدر به .

أخرجه أحمد ( 3 / 357 ) و إسناده حسن .

و له شاهد من حديث سهل بن سعد الساعدي قال :

" خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم و نحن نقترئ , فقال : " الحمد لله

كتاب الله واحد , و فيكم الأحمر , و فيكم الأبيض , و فيكم الأسود , اقرؤوه .. "

الحديث .

أخرجه أبو داود و ابن حبان في " صحيحه " ( رقم 1876 ) عن عمرو بن الحارث ( زاد

الأول منهما : و ابن لهيعة ) عن بكر بن سوادة عن وفاء بن شريح الصدفي عن سهل بن

سعد به إلا أنه قال : " يتعجل أجره , و لا يتأجله " .

 

قلت : و رجاله ثقات رجال مسلم باستثناء ابن لهيعة - غير وفاء هذا , فلم يوثقه

غير ابن حبان , و لم يرو عنه سوى بكر هذا , و زياد بن نعيم , و لهذا قال الحافظ

فيه " مقبول " و لم يوثقه .

و رواية ابن لهيعة , قد أخرجها الإمام في " المسند " ( 3 / 146 , 155 ) من

طريقين عنه به إلا أنه جعله من مسند أنس بن مالك , لا من مسند سهل , و لعل ذلك

من أوهامه , فإنه معروف بسوء الحفظ , و قال في رواية " عن وفاء الخولاني " و في

الأخرى " عن أبي حمزة الخولاني " . فإن كان حفظه , فهذه فائدة عزيزة لا توجد في

التراجم , فقد نسبه خولانيا و كناه بأبي حمزة , و هذا مما لم يذكر في ترجمته من

" التهذيب " و غيره . نعم أورده ابن أبي حاتم في " الكنى " فقال :

( 4 / 2 / 361 ) :

" أبو حمزة الخولاني , سمع جابرا . روى عنه بكر بن سوادة . قال أبو زرعة : هه

مصري لا يعرف اسمه " .

و أورده في " الأسماء " فقال ( 4 / 2 / 49 ) :

" و فاء ( في الأصل : و قاء بالقاف ) بن شريح الصدفي , روى عن سهل ابن سعد

و رويفع بن ثابت , روى عنه زياد بن نعم و بكر بن سوادة " .

 

قلت : و الظاهر أنهما واحد إذا صحت رواية ابن لهيعة . و الله أعلم .

260  " اقرءوا القرآن , و لا تأكلوا به , و لا تستكثروا به , و لا تجفوا عنه , و لا

تغلوا فيه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 465 :

 

أخرجه الطحاوي في " شرح المعاني " ( 2 / 10 ) و أحمد ( 3 / 428 , 444 )

و الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 142 / 2 , 170 / 2 - من " زوائد المعجمين " )

و ابن عساكر ( 9 / 486 / 2 ) من طرق عن يحيى بن أبي كثير عن ( و في رواية :

حدثنا ) زيد بن سلام عن أبي سلام ( و لم يقل الطبراني : عن أبي سلام ) عن أبي

راشد الحبراني عن # عبد الرحمن بن شبل الأنصاري # أن معاوية قال له : إذا أتيت

فسطاطي فقم فأخبر ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال : سمعت رسول

الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره و السياق لأحمد , و رواه الطبراني في

" الكبير " أيضا كما في " المجمع " ( 4 / 73 ) : و قال :

" و رجاله ثقات " .

 

قلت : و هو كما قال , بل هو إسناده صحيح , رجاله كلهم رجال مسلم غير أبي راشد

الحبراني بضم المهملة و سكون الموحدة , و هو ثقة , روى عنه جماعة من الثقات ,

و قد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة العليا التي تلي الصحابة .

و قال العجلي : " تابعي ثقة , لم يكن في زمانه بدمشق أفضل منه " .

و ذكره ابن حبان في " الثقات " . و قال الحافظ في " التقريب " :

" قيل اسمه أخضر , و قيل النعمان , ثقة من الثالثة " .

 

قلت : فلا يقبل بعد هذا قول ابن حزم فيه ( 8 / 196 ) : " و هو مجهول " و أعل

الحديث به , فإنه لا سلف له في ذلك , و قد وثقه هؤلاء الأئمة .

و لهذا قال الحافظ في " الفتح " ( 9 / 82 ) بعد أن عزاه لأحمد و أبي يعلى :

" و سنده قوي " .

261  " هذا وضوئي و وضوء الأنبياء قبلي " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 466 :

 

رواه ابن شاهين في " الترغيب " ( 262 / 1 - 2 ) عن محمد بن مصفى أنبأنا ابن

أبي فديك قال : حدثني طلحة بن يحيى عن # أنس بن مالك # قال :

" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء , فغسل وجهه مرة و يديه مرة ,

و رجليه مرة مرة و قال : هذا وضوء لا يقبل الله عز و جل الصلاة إلا به , ثم

دعا بوضوء فتوضأ مرتين مرتين , و قال : هذا وضوء من توضأ ضاعف الله له الأجر

مرتين ثم دعا بوضوء فتوضأ ثلاثا و قال : هكذا وضوء نبيكم صلى الله عليه وسلم

و النبيين قبله , أو قال : هذا ..." فذكره .

 

قلت : و هذا إسناد رجاله ثقات , و في بعضهم خلاف , و لكنه منقطع , فإن طلحة

بن يحيى و هو ابن النعمان بن أبي عياش الزرقي لم يذكروا له رواية عن أحد من

الصحابة , بل و لا عن التابعين .

و الحديث ذكره الحافظ في " التلخيص " ( ص 30 ) من رواية ابن السكن في " صحيحه "

عن أنس به . و سكت عليه , و ليس بجيد , إذا كان عنده من هذا الوجه المنقطع .

لكن للحديث شواهد كثيرة يرتقي بها إلى درجة الحسن إن لم نقل الصحة , و هي

من حديث ابن عمر , و له عنه طريقان , و من حديث أبي بن كعب و زيد ابن ثابت

و أبي هريرة و عبيد الله بن عكراش عن أبيه . و قد خرجتها في  إرواء الغليل "

( رقم 85 ) فلا داعي للإعادة , و قد أشار الصنعاني في " سبل السلام " ( 1 / 73

- طبع المكتبة التجارية ) إلى تقوية الحديث بقوله :

" و له طرق يشد بعضها بعضا " .

و قد ذكره من حديث ابن عمر , و زيد بن ثابت و أبي هريرة فقط ! و ساقه بلفظ :

" توضأ صلى الله عليه وسلم على الولاء ثم قال : هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة

إلا به " .

فقوله " على الولاء " مما لا أصل له في شيء من الطرق التي ذكرها , و لا فيما

زدنا عليه من الطرق الأخرى ! و مثله قول الشيخ إبراهيم بن ضويان في " منار

السبيل " ( 1 / 25 ) " توضأ صلى الله عليه وسلم مرتبا و قال ..." ! و الحديث

مع أنه لم يذكر فيه الترتيب صراحة فلا يؤخذ ذلك من قوله فيه " فغسل وجهه مرة ,

و يديه مرة و رجليه مرة , و قال هذا .. " لما اشتهر أن الواو لمطلق الجمع فلا

تفيد الترتيب , لاسيما و الأحاديث الأخرى التي أشرنا إليها لم يذكر فيها أعضاء

الوضوء , بل جاءت مختصرة بلفظ " توضأ مرة مرة , ثم قال : هذا وضوء لا يقبل الله

الصلاة إلا به " .

و من الواضح , أن الإشارة بـ ( هذا ) هنا إنما هو إلى الوضوء مرة مرة كما أن

الإشارة بذلك في الفقرتين الأخريين إنما هو للوضوء مرتين مرتين و الوضوء ثلاثا

ثلاثا . فلا دلالة في الحديث على الموالاة , و لا على الترتيب و الله أعلم .

و ليس هناك ما يدل على وجوب الترتيب .

و قول ابن القيم في " الزاد " ( 1 / 69 ) :

" و كان وضوؤه صلى الله عليه وسلم مرتبا متواليا لم يخل به مرة واحدة البتة "

غير مسلم في الترتيب , لحديث المقدام بن معدي كرب قال :

" أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فتوضأ , فغسل كفيه ثلاثا , ثم غسل

وجهه ثلاثا , ثم غسل ذراعيه ثلاثا , ثم مضمض و استنشق ثلاثا , و مسح برأسه

و أذنيه ظاهرهما و باطنهما , و غسل رجليه ثلاثا ثلاثا " .

رواه أحمد ( 4 / 132 ) و عنه أبو داود ( 1 / 19 ) بإسناد صحيح .

و قال الشوكاني ( 1 / 125 ) :

" إسناده صالح , و قد أخرجه الضياء في " المختارة " .

فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم لم يلتزم الترتيب في بعض المرات , فذلك

دليل على أن الترتيب غير واجب , و محافظته عليه في غالب أحواله دليل على سنيته

و الله أعلم .

262  " كان إذا أصبح قال : اللهم بك أصبحنا و بك أمسينا و بك نحيا و بك نموت و إليك

النشور و إذا أمسى قال : اللهم بك أمسينا و بك أصبحنا و بك نحيا و بك نموت

و إليك المصير " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 468 :

 

أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 1199 ) : حدثنا معلى قال : حدثنا وهيب

قال : حدثنا سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن # أبي هريرة # قال : فذكره مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم , و معلى هو ابن منصور الرازي

احتج به البخاري أيضا في " صحيحه " , و قد توبع فقال أبو داود ( 2 / 611 - طبع

الحلبي ) حدثنا موسى بن إسماعيل : حدثنا وهيب به , إلا أنه قال : " و إليك

النشور " في دعاء المساء أيضا . و رواه ابن حبان في " صحيحه " ( 2354 ) من طريق

عبد الأعلى بن حماد حدثنا وهيب به . إلا أنه قال : " و إليك المصير و إليك

النشور " جمعهما معا في دعاء الصباح ! و لعله سهو من بعض النساخ .

و تابعه حماد و هو ابن سلمة : أخبرني سهيل به , دون دعاء المساء و قال :

" و إليك المصير " بدل " و إليك النشور " .

 

أخرجه أحمد ( 2 / 354 - 522 ) .

و رواه آخران عن سهيل به من قوله صلى الله عليه وسلم و أمره , و هو الحديث

الآتي بعده :

" إذا أصبحتم فقولوا : اللهم بك أصبحنا , و بك أمسينا , و بك نحيا , و بك نموت

( و إليك النشور ) , و إذا أمسيتم فقولوا : اللهم بك أمسينا , و بك أصبحنا ,

و بك نحيا , و بك نموت , و إليك المصير " .

263  " إذا أصبحتم فقولوا : اللهم بك أصبحنا و بك أمسينا و بك نحيا و بك نموت

( و إليك النشور ) و إذا أمسيتم فقولوا : اللهم بك أمسينا و بك أصبحنا

و بك نحيا و بك نموت و إليك المصير " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 469 :

 

أخرجه ابن ماجه ( 2 / 440 ) : حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب حدثنا عبد العزيز

ابن أبي حازم عن سهيل عن أبيه عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا سند جيد , رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير يعقوب بن حميد .

قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق ربما وهم " .

 

قلت : و قد توبع على الشطر الأول منه . فقال ابن السني في " عمل اليوم

و الليلة " ( رقم 33 ) : أخبرنا أبو محمد بن صاعد , حدثنا محمد بن زنبور حدثنا

عبد العزيز بن أبي حازم به . و فيه الزيادة التي بين القوسين .

 

قلت : و محمد بن زنبور صدوق له أوهام كما قال الحافظ , فمتابعته قوية .

و لم يتفرد به عبد العزيز بن أبي حازم , بل تابعه عبد الله بن جعفر أنبأنا سهيل

ابن أبي صالح به , و فيه الزيادة .

أخرجه الترمذي في " سننه " ( 4 / 229 - بشرح التحفة ) و قال :

" هذا حديث حسن " .

 

قلت : و هو كما قال : و يعني أنه حسن لغيره كما نص عليه في آخر كتابه و ذلك لأن

عبد الله بن جعفر هذا هو أبو جعفر المدني والد علي بن المديني - و هو ضعيف ,

و لكن يتقوى حديثه بمتابعة عبد العزيز بن أبي حازم إياه و هو ثقة محتج به في

" الصحيحين " , فلو قال الترمذي : " حديث صحيح " لكان أقرب إلى الصواب .

و قد رأيت ابن تيمية قد نقل عنه أنه قال : " حديث حسن صحيح " .

و هذا هو الأولى به , و لكني لم أجد ذلك في نسختنا المشار إليها من الترمذي .

و الله أعلم .

264  " إذا أويت إلى فراشك فقل : أعوذ بكلمات الله التامة , من غضبه و عقابه , و من

شر عباده , و من همزات الشياطين , و أن يحضرون " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 470 :

 

أخرجه ابن السني ( رقم 238 ) من طريق أبي هشام الرفاعي حدثنا وكيع بن الجراح

حدثنا سفيان عن # محمد بن المنكدر # قال :

" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فشكا إليه أهاويل يراها في المنام

فقال " فذكره .

 

قلت : و هذا سند رجاله ثقات غير أبي هشام هذا و اسمه محمد بن محمد بن يزيد

الرفاعي العجلي قال الذهبي في " الضعفاء " :

" قال البخاري : رأيتهم مجمعين على ضعفه " .

و اتهمه عثمان ابن أبي شيبة بأنه يسرق حديث غيره فيرويه على وجه الكذب ,

انظر " التهذيب " .

و إذا كان كذلك , فلعل أصل الحديث ما رواه مسدد : حدثنا سفيان بن عيينة عن أيوب

بن موسى عن محمد بن محمد بن يحيى بن حبان .

" أن خالد بن الوليد رضي الله عنه كان يؤرق , أو أصابه أرق فشكا إلى النبي صلى

الله عليه وسلم فأمره أن يتعوذ عند منامه بكلمات الله التامة ..." الحديث .

أخرجه ابن السني أيضا ( رقم 736 ) , و رجاله ثقات غير شيخه علي بن محمد ابن

عامر فلم أعرفه .

لكن يشهد له حديث محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال :

" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا كلمات نقولهن عند النوم من الفزع :

بسم الله أعوذ بكلمات الله التامة ... " الحديث بالحرف الواحد , و زاد :

" قال : فكان عبد الله بن عمرو يعلمها من بلغ من ولده أن يقولها عند نومه ,

و من كان منهم صغيرا لا يعقل أن يحفظها كتبها له فعلقها في عنقه " .

أخرجه أبو داود ( 2 / 239 ) و الحاكم ( 1 / 548 ) و أحمد ( 2 / 181 ) و اللفظ

له من طرق صحيحه عن ابن إسحاق به . و رواه الترمذي ( 4 / 266 ) من طريق إسماعيل

بن عياش عن محمد بن إسحاق به , بلفظ :

" إذا فزع أحدكم في النوم فليقل : أعوذ بكلمات الله التامة . الحديث بتمامه مع

الزيادة . و كذا أخرجه ابن السني ( 745 ) من طريق يونس بن بكير عن محمد بن

إسحاق به . ثم قال الترمذي : " هذا حديث حسن غريب " .

 

قلت : لكن ابن إسحاق مدلس و قد عنعنه في جميع الطرق عنه , و هذه الزيادة منكرة

عندي , لتفرده بها . و الله أعلم .

 

و جملة القول : أن الحديث بهذا الشاهد حسن و قد علقه البخاري في " أفعال

العباد " ( ص 88 طبع الهند ) : قال أحمد بن خالد حدثنا محمد بن إسحاق به مثل

لفظ ابن عياش .

265  " كان إذا رأى ما يحب قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات , و إذا رأى ما

يكرهه قال : الحمد لله على كل حال " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 472 :

 

أخرجه ابن ماجه ( 2 / 422 ) و ابن السني ( رقم 372 ) و الحاكم ( 1 / 499 ) من

طريق الوليد بن مسلم حدثنا زهير بن محمد عن منصور بن عبد الرحمن عن أمه صفية

بنت شيبة عن # عائشة # قالت : فذكره .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " .

و أقره الذهبي فلم يتعقبه بشيء , و في ذلك نظر , لأن زهير بن محمد هذا و هو

التميمي الخراساني ثم الشامي متكلم فيه .

فقال الحافظ في " التقريب " :

" رواية أهل الشام عنه غير مستقيمة فضعف بسببها , قال البخاري عن أحمد : كأن

زهير الذي يروي عنه الشاميون آخر ! و قال أبو حاتم : حدث بالشام من حفظه فكثر

غلطه " .

 

قلت : و هذا من رواية الشاميين عنه و هو الوليد بن مسلم , ثم إن هذا كان يدلس

تدليس التسوية , و لم يصرح بالتحديث في بقية رجال السند , فهذه علة أخرى .

و من ذلك تعلم خطأ تصحيح الحاكم إياه و مثله قول البوصيري في " الزوائد " :

" إسناده صحيح و رجاله ثقات " ! و مثله قول النووي في " الأذكار " و إن أقره

شارحه ابن علان ( 6 / 271 ) :

" رواه ابن ماجه و ابن السني بإسناد جيد " !

كل ذلك ذهول عما بيناه من علة الحديث من هذا الوجه .

نعم وجدت للحديث شاهدا من رواية أبي هريرة بلفظ :

" كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمدان يعرفان : إذا جاءه ما يكره قال :

الحمد لله على كل حال , و إذا جاءه ما يسره قال : الحمد لله رب العالمين الرحمن

الرحيم , بنعمته تتم الصالحات " .

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 3 / 157 ) من طريق الفضل الرقاشي عن محمد بن

المنكدر عن أبي هريرة . و قال :

" غريب من حديث محمد , و الفضل الرقاشي , لم نكتبه إلا من هذا الوجه " .

 

قلت : و هو ضعيف من أجل الرقاشي هذا , و هو الفضل بن عيسى فإنه متفق على تضعيفه

و قال الحافظ في " التقريب " : " منكر الحديث " .

و قد رواه ابن ماجه ( 2 / 423 ) من طريق أخرى عن موسى بن عبيدة عن محمد بن ثابت

عن أبي هريرة مرفوعا مختصرا بلفظ .

" كان يقول : الحمد لله على كل حال , رب أعوذ بك من حال أهل النار " .

و هذا ضعيف أيضا , قال في " الزوائد " :

" موسى بن عبيدة ضعيف , و شيخه محمد بن ثابت مجهول " .

 

قلت : و قد اختلط بعض هذا الحديث من هذه الطريق بحديث عائشة في " الجامع الصغير

" للسيوطي , فإنه أورد حديث عائشة فيه من رواية ابن ماجه بزيادة في آخره و هي

" رب أعوذ بك من حال أهل النار " ! و تبعه على ذلك بعض المعلقين على كتاب

" الكلم الطيب " لابن تيمية ! و السبب في ذلك أن حديث أبي هريرة عند ابن ماجه

عقب حديث عائشة , فاختلط على السيوطي حديث بحديث , فوجب التنبيه على ذلك .

 

بقي شيء واحد , و هو هل يصلح حديث الرقاشي شاهدا لهذا الحديث ? ذلك مما أنا

متوقف فيه الآن , و يخيل إلي أن للحديث شاهدا أو طريقا آخر و لكن لم يحضرني

الساعة , فنظرة إلى ميسرة .

266  " اللهم اكفني بحلالك عن حرامك , و أغنني بفضلك عمن سواك " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 474 :

 

أخرجه الترمذي ( 4 / 276 ) و الحاكم ( 1 / 538 ) و أحمد ( 1 / 153 ) عن عبد

الرحمن بن إسحاق القرشي عن سيار أبي الحكم عن أبي وائل قال :

" أتى عليا رجل فقال : يا أمير المؤمنين إني عجزت عن مكاتبتي فأعني , فقال #

علي # رضي الله عنه : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو

كان عليك مثل جبل صير دنانير لأداه الله عنك ? قلت : بلى , قال : قل " فذكره .

و قال الترمذي : " حديث حسن غريب " .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : و الصواب أنه حسن الإسناد , كما قال الترمذي , فإن عبد الرحمن بن إسحاق

هذا و هو عبد الرحمن بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة العامري القرشي

مولاهم مختلف فيه , و قد وثقه ابن معين و البخاري .

و قال أحمد : "صالح الحديث " .

و قال أبو حاتم : " يكتب حديثه , و لا يحتج به , و هو قريب من ابن إسحاق صاحب

المغازي , و هو حسن الحديث , و ليس بثبت , و هو أصلح من الواسطي " .

و قال النسائي و ابن خزيمة : " ليس به بأس " .

و قال ابن عدي : " في حديثه بعض ما ينكر و لا يتابع عليه , و هو صالح الحديث

كما قال أحمد " .

و قال الدارقطني : " ضعيف " .

و قال العجلي : " يكتب حديثه , و ليس بالقوي " .

و لخص ذلك الحافظ بقوله في " التقريب " " صدوق " .

و قد أخرج له مسلم في " الشواهد " .

و قد وقع اسمه في الترمذي " عبد الرحمن بن إسحاق " غير منسوب إلى قريش فظن

شارحه المبارك فوري رحمه الله أنه الواسطي الذي سبقت الإشارة إليه فقال :

" هو الواسطي الكوفي المكنى بأبي شيبة " .

 

قلت : و هو عبد الرحمن بن إسحاق بن سعد بن الحارث أبو شيبة الواسطي الأنصاري

و يقال : الكوفي ابن أخت النعمان بن سعد , فهذا ضعيف اتفاقا و ليس هو راوي هذا

الحديث , فإنه أنصاري كما رأيت , و الأول قرشي , و الذي أوقع المبارك فوري في

ذلك الوهم أمور .

أولا : أنه لم ينسب قرشيا كما سبق .

ثانيا : أنهما من طبقة واحدة .

ثالثا : أنه رأى في ترجمته من " التهذيب " أنه روى عن سيار أبي الحكم و عنه

أبو معاوية , و هو كذلك في هذا الحديث . و لم ير مثل ذلك في ترجمة الأول .

و لكنه لو رجع إلى ترجمتها في " الجرح و التعديل " لوجد عكس ذلك تماما في سيار

فإنه ذكره في شيوخ الأول , لا في شيوخ هذا . فلو رأى ذلك لم يجزم بأنه الثاني

بل لتوقف , حتى إذا ما وقف على الزيادة التي وقفنا عليها في سنده و هي

( القرشي ) إذن لجزم بما جزمنا نحن به و هو أنه العامري الحسن الحديث .

267  " من قال : اللهم إني أشهدك , و أشهد ملائكتك , و حملة عرشك , و أشهد من في

السموات و من في الأرض أنك أنت الله , لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ,

و أشهد أن محمدا عبدك و رسولك , من قالها مرة أعتق الله ثلثه من النار , و من

قالها مرتين أعتق الله ثلثيه من النار , و من قالها ثلاثا أعتق الله كله من

النار " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 476 :

 

أخرجه الحاكم ( 1 / 523 ) من طريق حميد بن مهران حدثنا عطاء عن أبي هريرة

رضي الله عنه قال : حدثنا # سلمان الفارسي # قال : قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم : فذكره .

 

و قال : " صحيح الإسناد " , و وافقه الذهبي و هو كما قالا .

و له شاهد من حديث أنس مرفوعا نحوه مقيدا بالصباح و المساء , و سنده ضعيف كما

بينته في " سلسلة الأحاديث الضعيفة " رقم ( 1041 ) .

268  " أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا , ثم قال : أول جيش من أمتي يغزون

مدينة قيصر مغفور لهم " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 476 :

 

أخرجه البخاري في " صحيحه " ( 6 / 77 - 78 ) و الحسن بن سفيان في " مسنده "

و عنه أبو نعيم في " الحلية " ( 2 / 62 ) و الطبراني في " مسند الشاميين " عن

يحيى بن حمزة قال : حدثني ثور بن يزيد عن خالد بن معدان أن عمير بن الأسود

العنسي حدثه أنه أتى عبادة بن الصامت و هو نازل في ساحل حمص و هو في بناء له

و معه أم حرام , قال عمير : فحدثتنا # أم حرام # أنها سمعت النبي صلى الله عليه

وسلم يقول : فذكره , و فيه بعد قوله " قد أوجبوا " : " قالت أم حرام : قلت : يا

رسول الله أنا فيهم ? قال : أنت فيهم " و بعد قوله " مغفور لهم " : " فقلت :

أنا فيهم يا رسول الله ? قال : لا " .

و تابعه أيوب بن حسان الجرشي حدثنا ثور بن يزيد به .

269  " من تعزى بعزى الجاهلية , فأعضوه بهن أبيه و لا تكنوا " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 477 :

 

رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 963 , 964 ) و النسائي في " السير " من

" السنن الكبرى " له ( 1 / 36 / 1 - 2 ) و أحمد في " المسند " ( 5 / 136 )

و أبو عبيد في " غريب الحديث " ( ق 22 / 2 و 53 / 1 ) و ابن مخلد في

" الفوائد " ( ق 3 / 1 ) و الهيثم بن كليب في " مسنده " ( ق 187 / 1 )

و الطبراني في " المعجم الكبير " ( ق 27 / 2 ) و البغوي في " شرح السنة "

( 4 / 99 / 2 ) و الضياء المقدسي في " الأحاديث المختارة " ( 1 / 407 ) من طرق

عن الحسن عن عتي بن ضمرة السعدي عن # أبي بن كعب # أنه سمع رجلا يقول :

يال فلان ! فقال له : اعضض بهن أبيك , و لم يكن , فقال له : يا أبا المنذر ما

كنت فحاشا , فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .

 

قلت : و هذا إسناد رجاله ثقات , فهو صحيح إن كان الحسن سمعه من عتي بن ضمرة ,

فإنه كان مدلسا و قد عنعنه , و قد رواه ابن السني ( 427 ) من طريق سعيد بن بشير

عن قتادة عن الحسن عن مكحول عن عجر بن مدراع التميمي قال : يا آل تميم - و كان

من بني تميم , فقال و هو عند أبي بن كعب - فقال أبي : أعضك الله بهن أبيك .

الحديث نحوه .

 

فهذا خلاف السند الأول , و ذاك أصح لأن هذا فيه سعيد بن بشير , و فيه ضعف

و لعله وهم فيه , و إلا فيكون للحسن فيه إسنادان عن أبي .

و قد وجدت للحديث إسنادا آخر عن أبي فقال عبد الله بن أحمد ( 5 / 133 ) :

حدثنا محمد بن عمرو بن العباس الباهلي حدثنا سفيان عن عاصم عن أبي عثمان عن أبي

رضي الله عنه أن رجلا اعتزى فأعضه أبي بهن أبيه , فقالوا : ما كنت فحاشا ,

قال : إنا أمرنا بذلك .

 

و من طريق عبد الله رواه الضياء في " المختارة " ( 1 / 405 ) .

 

قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير محمد بن عمرو و هو ثقة

كما قال أبو داود و غيره , و عاصم هو ابن سليمان الأحول , و سفيان هو ابن عيينة

.

( تنبيه ) لم يقع ( أبي ) منسوبا في " الأدب المفرد " فكان ذلك سببا لغفلة

عجيبة من المعلق عليه محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله , فإن لفظه فيه " ... عن

عتي بن ضمرة قال : رأيت عند أبي رجلا تعزى ..." . فظن المذكور أن لفظة " أبي "

بفتح الهمزة بإضافة ياء النسبة إلى لفظ " الأب " أي أبي المتكلم عتي بن ضمرة ,

فيكون على ذلك أبوه ضمرة صحابي الحديث , فقال في تعليقه عليه :

" ليس لهذا الصحابي ذكر عندي " !

و إنما هو ( أبي ) بضم الهمزة و هو أبي بن كعب الصحابي المشهور .

و قد عمل بهذا الحديث الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال :

" من اعتز بالقبائل فأعضوه , أو فأمصوه " .

رواه ابن أبي شيبة كما في " الجامع الكبير " ( 3 / 235 / 2 ) .

270  " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى تقوم الساعة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 478 :

 

الرامهرمزي في " المحدث الفاصل " ( 6 / 1 ) حدثنا الحسن بن عثمان التستري حدثنا

أحمد بن أبي سريج الرازي حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن

مطرف عن # عمران بن حصين # مرفوعا به . و زاد في آخره :

" قال يزيد بن هارون : إن لم يكونوا أصحاب الحديث فلا أدري من هم ? " .

 

قلت : و هذا الإسناد رجاله كلهم ثقات من رجال الصحيح غير التستري و ليس بثقة ,

فاتهم بالكذب و سرقة الحديث , لكن يظهر أن للحديث أصلا من غير طريقه , فقد ذكره

السيوطي في " الجامع الكبير " ( 1 / 341 / 1 ) من رواية ابن قانع و ابن عساكر

و الضياء المقدسي في " المختارة " عن قتادة عن أنس , ثم قال :

" قال البخاري : هذا خطأ , إنما هو قتادة عن مطرف عن عمران " .

 

قلت : فهذا نص من البخاري على أن الحديث محفوظ من حديث عمران ابن حصين .

و اعلم أن الحديث صحيح ثابت مستفيض عن جماعة من الصحابة :

1 - معاوية بن أبي سفيان . عند الشيخين و أحمد .

2 - المغيرة بن شعبة . عندهما .

3 - ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم . عند مسلم و الترمذي و ابن ماجه

و أحمد ( 5 / 278 , 279 ) و أبي داود في " الفتن " و الحاكم ( 4 / 449 ) .

4 - عقبة بن عامر . عند مسلم .

5 - قرة المزني . في " المسند " ( 3 / 436 و 5 / 34 ) بسند صحيح و صححه الترمذي

6 - أبو أمامة . في " المسند " ( 5 / 269 ) .

7 - عمران بن حصين . عند أحمد أيضا ( 5 / 429 , 437 ) من طرق أخرى عن حماد

ابن سلمة به دون الزيادة . و كذا رواه أبو داود في أول " الجهاد " و الحاكم

( 4 / 450 ) و صححه و وافقه الذهبي .

8 -  عمر بن الخطاب . في " المستدرك " ( 4 / 449 ) و صححه و وافقه الذهبي .

 

فالحديث صحيح قطعا , و إنما أوردته من أجل هذه الزيادة , و قد عرفت أن سندها

إلى يزيد بن هارون ضعيف , و بهذا الإسناد رواه أبو بكر الخطيب في كتابه

" شرف أصحاب الحديث " ( ق / 34 / 1 ) . و قد عزاها الحافظ في " الفتح "

( 13 / 249 / بولاق ) إلى الحاكم في " علوم الحديث " , و ما أظنه إلا وهما ,

فإني قد بحثت عنها فيه , فلم أجدها , و إنما وجدت عنده ما يأتي عن الإمام أحمد

.

بيد أن هذه الزيادة معروفة و ثابتة عن جماعة من أهل الحديث من طبقة يزيد

ابن هارون و غيرها , و هم :

 

1 - عبد الله بن المبارك ( 118 - 181 ) , فروى الخطيب بسنده عن سعيد ابن يعقوب

الطالقاني أو غيره قال :

" ذكر ابن المبارك حديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا تزال طائفة ... قال ابن

المبارك : هم عندي أصحاب الحديث " .

 

2 - علي بن المديني ( 161 - 234 ) , و روى الخطيب أيضا من طريق الترمذي و هذا

في " سننه " ( 2 / 30 ) و قد ساق الحديث من رواية المزني المتقدمة ( رقم 5 )

ثم قال :

" قال محمد بن إسماعيل ( هو البخاري ) قال علي بن المديني : هم أصحاب الحديث "

3 - أحمد بن حنبل ( 164 - 241 ) , روى الحاكم في " معرفة علوم الحديث " ( ص 2 )

و الخطيب بإسنادين , صحح أحدهما الحافظ ابن حجر عن الإمام أحمد أنه سئل عن معنى

هذا الحديث فقال :

" إن لم تكن هذه الطائفة المنصورة أصحاب الحديث , فلا أدري من هم " .

و روى الخطيب ( 33 / 3 ) مثل هذا في تفسير الفرقة الناجية .

 

4 - أحمد بن سنان الثقة الحافظ ( ... - 259 ) روى الخطيب عن أبي حاتم قال :

سمعت أحمد بن سنان و ذكر حديث " لا تزال طائفة من أمتي على الحق " فقال : هم

أهل العلم و أصحاب الآثار .

 

5 - البخاري محمد بن إسماعيل ( 194 - 256 ) , روى الخطيب عن إسحاق بن أحمد

قال : حدثنا محمد بن إسماعيل البخاري - و ذكر حديث موسى بن عقبة عن أبي الزبير

عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تزال طائفة من أمتي " , فقال

البخاري : يعني أصحاب الحديث . و قال في " صحيحه " و قد علق الحديث و جعله

بابا : " و هم أهل العلم " و لا منافاة بينه و بين ما قبله كما هو ظاهر , لأن

أهل العلم هم أهل الحديث , و كلما كان المرء أعلم بالحديث كان أعلم في العلم

ممن هو دونه في الحديث كما لا يخفى . و قال في كتابه " خلق أفعال العباد "

( ص 77 - طبع الهند ) و قد ذكر بسنده حديث أبي سعيد الخدري في قوله تعالى

( و كذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ) قال البخاري :

" هم الطائفة التي قال النبي صلى الله عليه وسلم : " فذكر الحديث .

و قد يستغرب بعض الناس تفسير هؤلاء الأئمة للطائفة الظاهرة و الفرقة الناجية

بأنهم أهل الحديث , و لا غرابة في ذلك إذا تذكرنا ما يأتي .

 

أولا : أن أهل الحديث هم بحكم اختصاصهم في دراسة السنة و ما يتعلق من معرفة

تراجم الرواة و علل الحديث و طرقه أعلم الناس قاطبة بسنة نبيهم صلى الله عليه

وسلم و هديه و أخلاقه و غزواته و ما يتصل به صلى الله عليه وسلم .

 

ثانيا : أن الأمة قد انقسمت إلى فرق و مذاهب لم تكن في القرن الأول , و لكل

مذهب أصوله و فروعه , و أحاديثه التي يستدل بها و يعتمد عليها . و أن المتمذهب

بواحد منها يتعصب له و يتمسك بكل ما فيه , دون أن يلتفت إلى المذاهب الأخرى

و ينظر لعله يجد فيها من الأحاديث ما لا يجده في مذهبه الذي قلده , فإن من

الثابت لدى أهل العلم أن في كل مذهب من السنة و الأحاديث ما لا يوجد في المذهب

الآخر , فالمتمسك بالمذهب الواحد يضل و لابد عن قسم عظيم من السنة المحفوظة لدى

المذاهب الأخرى , و ليس على هذا أهل الحديث فإنهم يأخذون بكل حديث صح إسناده ,

في أي مذهب كان , و من أي طائفة كان راويه ما دام أنه مسلم ثقة , حتى لو كان

شيعيا أو قدريا أو خارجيا فضلا عن أن يكون حنفيا أو مالكيا أو غير ذلك , و قد

صرح بهذا الإمام الشافعي رضي الله عنه حين خاطب الإمام أحمد بقوله :

" أنتم أعلم بالحديث مني , فإذا جاءكم الحديث صحيحا فأخبرني به حتى أذهب إليه

سواء كان حجازيا أم كوفيا أم مصريا " فأهل الحديث - حشرنا الله معهم - لا

يتعصبون لقول شخص معين مهما علا و سما حاشا محمد صلى الله عليه وسلم , بخلاف

غيرهم ممن لا ينتمي إلى الحديث و العمل به , فإنهم يتعصبون لأقوال أئمتهم -

و قد نهوهم عن ذلك - كما يتعصب أهل الحديث لأقوال نبيهم !!فلا عجب بعد هذا

البيان أن يكون أهل الحديث . هم الطائفة الظاهرة و الفرقة الناجية . بل و الأمة

الوسط , الشهداء على الخلق .

 

و يعجبني بهذا الصدد قول الخطيب البغدادي في مقدمة كتابه " شرف أصحاب الحديث "

انتصارا لهم و ردا على من خالفهم :

" و لو أن صاحب الرأي المذموم شغل بما ينفعه من العلوم , و طلب سنن رسول رب

العالمين , و اقتفى آثار الفقهاء و المحدثين , لوجد في ذلك ما يغنيه عن سواه ,

و اكتفي بالأثر عن رأيه الذي يراه , لأن الحديث يشتمل على معرفة أصول التوحيد

و بيان ما جاء من وجوه الوعد و الوعيد , و صفات رب العالمين - تعالى عن مقالات

الملحدين - و الإخبار عن صفة الجنة و النار , و ما أعد الله فيها للمتقين

و الفجار , و ما خلق الله في الأرضين و السماوات و صنوف العجائب و عظيم الآيات

و ذكر الملائكة المقربين , و نعت الصافين و المسبحين .

 

و في الحديث قصص الأنبياء و أخبار الزهاد و الأولياء و مواعظ البلغاء , و كلام

الفقهاء , و سير ملوك العرب و العجم , و أقاصيص المتقدمين من الأمم , و شرح

مغازي الرسول صلى الله عليه وسلم , و سراياه , و جمل أحكامه و قضاياه , و خطبه

و عظاته , و أعلامه و معجزاته , و عدة أزواجه و أولاده , و أصهاره و أصحابه ,

و ذكر فضائلهم و مآثرهم , و شرح أخبارهم و مناقبهم , و مبلغ أعمارهم , و بيان

أنسابهم .

 

و فيه تفسير القرآن العظيم , و ما فيه من النبأ و الذكر الحكيم , و أقاويل

الصحابة في الأحكام المحفوظة عنهم , و تسمية من ذهب إلى قول كل واحد منهم ,

من الأئمة الخالفين , و الفقهاء المجتهدين .

 

و قد جعل الله أهله أركان الشريعة , و هدم بهم كل بدعة شنيعة , فهم أمناء الله

في خليقته , و الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم و أمته , و المجتهدون في

حفظ ملته , أنوارهم زاهرة , و فضائلهم سائرة , و آياتهم باهرة , و مذاهبهم

ظاهرة , و حججهم قاهرة . و كل فئة تتحيز إلى هوى ترجع إليه , و تستحسن رأيا

تعكف عليه , سوى أصحاب الحديث , فإن الكتاب عدتهم , و السنة حجتهم , و الرسول

فئتهم , و إليه نسبتهم , لا يعرجون على الأهواء , و لا يلتفتون إلى الآراء .

يقبل منهم ما رووا عن الرسول , و هم المأمونون عليه العدول . حفظة الدين

و خزنته , و أوعية العلم و حملته , إذا اختلف في حديث كان إليهم الرجوع , فما

حكموا به فهو المقبول المسموع . منهم كل عالم فقيه , و إمام رفيع نبيه , و زاهد

في قبيلة , و مخصوص بفضيلة , و قارىء متقن , و خطيب محسن . و هم الجمهور العظيم

و سبيلهم السبيل المستقيم , و كل مبتدع باعتقادهم يتظاهر , و على الإفصاح بغير

مذاهبهم لا يتجاسر , من كادهم قصمهم الله , و من عاندهم خذله الله , لا يضرهم

من خذلهم , و لا يفلح من اعتزلهم , المحتاط لدينه إلى إرشادهم فقير , و بصر

الناظر بالسوء إليهم حسير , و إن الله على نصرهم لقدير . ( ثم ساق الحديث من

رواية قرة ثم روى بسنده عن علي بن المديني أنه قال : هم أهل الحديث و الذين

يتعاهدون مذاهب الرسول , و يذبون عن العلم لولاهم لم تجد عند المعتزلة

و الرافضة و الجهمية و أهل الإرجاء و الرأي شيئا من السنن : قال الخطيب ) فقد

جعل رب العالمين الطائفة المنصورة حراس الدين , و صرف عنهم كيد العاندين ,

لتمسكهم بالشرع المتين , و اقتفائهم آثار الصحابة و التابعين , فشأنهم حفظ

الآثار , و قطع المفاوز و القفار , و ركوب البراري و البحار في اقتباس ما شرع

الرسول المصطفى , لا يعرجون عنه إلى رأي و لا هوى . قبلوا شريعته قولا و فعلا ,

و حرسوا سنته حفظا و نقلا , حتى ثبتوا بذلك أصلها , و كانوا أحق بها و أهلها ,

و كم من ملحد يروم أن يخلط بالشريعة ما ليس منها , و الله تعالى يذب بأصحاب

الحديث عنها , فهم الحفاظ لأركانها , و القوامون بأمرها و شأنها , إذا صدف

عن الدفاع عنها , فهم دونها يناضلون , أولئك حزب الله , ألا إن حزب الله هم

المفلحون " .

 

ثم ساق الخطيب رحمه الله تعالى الأبواب التي تدل على شرف أصحاب الحديث و فضلهم

لا بأس من ذكر بعضها , و إن طال المقال , لتتم الفائدة , لكني أقتصر على أهمها

و أمسها بالموضوع :

1 - قوله صلى الله عليه وسلم : نضر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه .

2 - وصية النبي صلى الله عليه وسلم بإكرام أصحاب الحديث .

3 - قول النبي صلى الله عليه وسلم : يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله .

4 - كون أصحاب الحديث خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في التبليغ عنه .

5 - وصف الرسول صلى الله عليه وسلم إيمان أصحاب الحديث .

6 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالرسول صلى الله عليه وسلم لدوام صلاتهم عليه

7 - بشارة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بكون طلبة الحديث بعده و اتصال

الإسناد بينهم و بينه .

8 - البيان أن الأسانيد هي الطريق إلى معرفة أحكام الشريعة .

9 - كون أصحاب الحديث أمناء الرسل صلى الله عليهم و سلم لحفظهم السنن و تبيينهم

لها .

10 - كون أصحاب الحديث حماة الدين بذبهم عن السنن .

11 - كون أصحاب الحديث ورثة الرسول صلى الله عليه وسلم ما خلفه من السنة

و أنواع الحكمة .

12 - كونهم الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر .

13 - كونهم خيار الناس .

14 - من قال : إن الأبدال و الأولياء أصحاب الحديث .

15 - من قال : لولا أهل الحديث لا ندرس الإسلام .

16 - كون أصحاب الحديث أولى الناس بالنجاة في الآخرة , و أسبق الخلق إلى الجنة

17 - اجتماع صلاح الدنيا و الآخرة في سماع الحديث و كتبه .

18 - ثبوت حجة صاحب الحديث .

19 - الاستدلال على أهل السنة بحبهم أصحاب الحديث .

20 - الاستدلال على المبتدعة ببغض الحديث و أهله .

21 - من جمع بين مدح أصحاب الحديث و ذم أهل الرأي و الكلام الخبيث .

22 - من قال : طلب الحديث من أفضل العبادات .

23 - من قال : رواية الحديث أفضل من التسبيح .

24 - من قال : التحديث أفضل من صلاة النافلة .

25 - من تمنى رواية الحديث من الخلفاء و رأى أن المحدثين أفضل العلماء .

 

هذه هي أهم أبواب الكتاب و فصوله . أسأل الله تعالى أن ييسر له من يقوم بطبعه

من أنصار الحديث و أهله , حتى يسوغ لمثلي أن يحيل عليه من شاء التفصيل في معرفة

ما جاء في هذه الفصول الرائعة من الأحاديث و النقول عن الأئمة الفحول !

و أختم هذه الكلمة بشهادة عظيمة لأهل الحديث من عالم من كبار علماء الحنفية في

الهند , ألا و هو أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي ( 1264 - 1304 )

قال رحمه الله :

" و من نظر بنظر الإنصاف , و غاص في بحار الفقه و الأصول متجنبا الاعتساف ,

يعلم علما يقينيا أن أكثر المسائل الفرعية و الأصلية التي اختلف العلماء فيها ,

فمذهب المحدثين فيها أقوى من مذاهب غيرهم , و إني كلما أسير في شعب الاختلاف

أجد قول المحدثين فيه قريبا من الإنصاف , فلله درهم , و عليه شكرهم ( كذا ) كيف

لا وهم ورثة النبي صلى الله عليه وسلم حقا , و نواب شرعه صدقا , حشرنا الله في

زمرتهم , و أماتنا على حبهم و سيرتهم " .

271  " يا أيها الناس ابتاعوا أنفسكم من الله من مال الله , فإن بخل أحدكم أن يعطي

ماله للناس فليبدأ بنفسه , و ليتصدق على نفسه فليأكل و ليكتس مما رزقه الله

عز وجل " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 487 :

 

أخرجه الخرائطي في " مكارم الأخلاق " ( 54 ) : حدثنا حماد بن الحسن الوراق

حدثنا حبان بن هلال حدثنا سليم بن حيان حدثنا حميد بن هلال عن # أبي قتادة #

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال مسلم غير سليم بن حيان و قد وثقه

أحمد و ابن معين و غيرهما و ترجمته في " الجرح و التعديل " ( 2 / 1 / 314 ) .

272  " قال الله تعالى " إذا ابتليت عبدي المؤمن , و لم يشكني إلى عواده أطلقته من

أساري , ثم أبدلته لحما خيرا من لحمه , و دما خيرا من دمه , ثم يستأنف العمل "

.

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 487 :

 

أخرجه الحاكم في " المستدرك " ( 1 / 349 ) و من طريقه البيهقي في " سننه "

( 3 / 375 ) من طريق أبي بكر الحنفي حدثنا عاصم بن محمد بن زيد عن سعيد ابن أبي

سعيد المقبري عن أبيه عن # أبي هريرة # قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

و قال : " صحيح على شرط الشيخين , و لم يخرجاه " .

و وافقه الذهبي في " تلخيصه " .

و أما في " المهذب " و هو مختصر سنن البيهقي , فأشار إلى أن له علة , فقال :

" لم يخرجه الستة , لعلته " .

و كأنه يريد بها الوقف , فقد أخرجه البيهقي عقب هذا المرفوع من طريق أبي صخر

حميد بن زياد أن سعيد المقبري حدثه قال : سمعت أبا هريرة يقول :

" قال الله عز و جل : أبتلي عبدي المؤمن , فإذا لم يشك إلى عواده ذلك , حللت

عنه عقدي , و أبدلته دما خيرا من دمه , و لحما خيرا من لحمه , ثم قلت له :

أئتنف العمل " .

 

قلت : و رجاله ثقات رجال مسلم إلا أن أبا صخر هذا فيه كلام من قبل حفظه , و في

" التقريب " : " صدوق يهم " .

 

قلت : فمثله حسن الحديث , لكنه لا يصلح لمعارضة الرواية المرفوعة , لأن رواتها

كلهم ثقات لا مغمز فيهم , فإما أن يقال : إن أبا صخر وهم في وقفه و الصواب

المرفوع , و إما أن يقال : إن أبا هريرة كان يرفعه تارة , و يوقفه أخرى , و كل

حفظ ما وصل إليه , و الرفع لا يعارض الوقف , و لاسيما و هو في حكم المرفوع .

لكن وجدت له علة أخرى غريبة , فقد قال الحافظ ابن رجب الحنبلي في شرح علل

الترمذي آخر السنن ( 206 / 1 ) .

 

" قاعدة مهمة : حذاق النقاد من الحفاظ لكثرة ممارستهم للحديث , و معرفتهم

للرجال و أحاديث كل واحد منهم , لهم فهم خاص يفهمون به أن هذا الحديث يشبه حديث

فلان , و لا يشبه حديث فلان , فيعللون الأحاديث بذلك , و هذا مما لا يعبر عنه

بعبارة مختصرة , و إنما يرجع فيه أهله إلى مجرد الفهم و المعرفة التي خصوا بها

عن سائر أهل العلم , كما سبق ذكره في غير موضع , فمن ذلك ... " ثم ذكر أمثلة

كثيرة , بعضها مسلم , و بعضها غير مسلم , و من ذلك هذا الحديث مع وهمه في عزوه

فقال ( 207 / 1 - 2 ) :

" و من ذلك أن مسلما خرج في " صحيحه " ( ! ) عن القواريري عن أبي بكر الحنفي عن

عاصم بن محمد العمري : حدثنا سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة ( فذكر الحديث

ثم قال : ) قال الحافظ أبو الفضل بن عمار الهروي الشهيد :

هذا حديث منكر , و إنما رواه عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد المقبري عن أبيه

و عبد الله بن سعيد شديد الضعف , قال يحيى القطان : ما رأيت أحدا أضعف منه .

و رواه معاذ بن معاذ عن عاصم بن محمد عن عبد الله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة

و هو يشبه أحاديث عبد الله بن سعيد . انتهى " .

 

قلت : معاذ بن معاذ و هو العنبري , و أبو بكر الحنفي و اسمه : عبد الكبير

ابن عبد المجيد كلاهما ثقة محتج به في " الصحيحين " , فلا أرى استنكار حديث هذا

برواية ذاك بدون حجة ظاهرة , سوى دعوى أن حديثه يشبه أحاديث عبد الله ابن سعيد

الواهي ! فإن هذه المشابهة إن كانت كافية لإقناع من كان من النقاد الحذاق فليس

ذلك بالذي يكفي لاقناع الآخرين الذين قنعوا بصدق الراوي و حفظه و ضبطه , ثم لم

يشعروا بذلك الشبه , أو شعروا به , و لكن لم يروا من الصواب في شيء جعله علة

قادحة يستنكر الحديث من أجلها , و يسلم للقادح بها مع مخالفته لقاعدة أخرى هي

أهم و أقوى من القاعدة التي بنى ابن رجب عليها رد هذا الحديث و هي أن زيادة

الثقة مقبولة . و من حفظ حجة على من لم يحفظ , و ما المانع أن يكون الحديث قد

رواه عن أبي سعيد المقبري كل من ولديه : سعيد الثقة , و عبد الله الضعيف , و أن

عاصما أخذ الحديث عنهما كليهما , فكان يرويه تارة عن سعيد فحفظه عنه أبو بكر

الحنفي , و تارة عن عبد الله فحفظه معاذ بن معاذ ?! لا يوجد قطعا ما يمنع من

القول بهذا , بل هو أمر لابد منه , للمحافظة على القاعدة التي ذكرناها , لقوتها

و اضطرادها , بخلاف القاعدة الأخرى فإنها غير مضطردة و لا هي منضبطة كما لا

يخفى عمن له فهم و علم في هذا الفن الشريف , فإن كون الحديث الثقة مشابها لحديث

الضعيف , لا يوجد في العلم الصحيح ما يدل على أن حديث حديث الضعيف , و أن الثقة

وهم فيه , إذ قد يروي الضعيف ما يشبه أحاديث الثقات على قاعدة

" صدقك و هو كذوب " , فكيف يجوز مع ذلك أن نرد حديث الثقة لمجرد مشابهته لحديث

الضعيف ?! بل العكس هو الصواب : أن نقبل من حديث الضعيف ما يشبه حديث الثقة

و يوافقه . بل إن الراوي المجهول حفظه و ضبطه لا يعرف ذلك منه إلا بعرضه على

أحاديث الثقات , فما وافقها من حديثه قبل , و ما عارضه و خالفه ترك . و هذا علم

معروف في " مصطلح الحديث " .

 

و مما يؤيد صحة هذا الحديث , و أن أبا بكر الحنفي قد حفظه , و ليس هو من حديث

عبد الله بن سعيد وحده , أن الإمام مالك قال في " الموطأ " ( 2 / 940 / 5 ) :

" عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا

مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين , فقال : انظروا ماذا يقول لعواده , فإن

هو إذا جاؤوه حمد الله و أثنى عليه , رفعا ذلك إلى الله عز و جل - و هو أعلم -

فيقول : لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة , و إن أنا شفيته أن أبدل له لحما

خيرا من لحمه , و دما خيرا من دمه , و أن أكفر عنه سيئاته " .

 

و هذا سند مرسل صحيح , فهو شاهد قوي لحديث أبي بكر الحنفي الموصول و الحمد لله

على توفيقه .

 

ثم رأيته موصولا عن مالك , أخرجه أبو الحسين الأبنوسي في " جزء فيه فوائد عوال

حسان منتقاة غرائب " ( 3 / 2 ) : أخبرنا علي ( هو الدارقطني ) قال : حدثنا

أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث إملاء سنة ست عشرة و ثلاثمائة قال :

حدثنا علي بن محمد الزياداباذي قال : حدثنا معن بن عيسى قال : حدثنا مالك عن

سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه

وسلم :و قال : " قال الدارقطني : تفرد به علي بن محمد عن معن عن مالك , و ما

نكتبه إلا عن ابن أبي داود " .

 

قلت : لكن الزباداباذي هذا كأنه مجهول , فقد أورده السمعاني في هذه النسبة ,

و ذكر أنه روى عنه جماعة ( و في النسخة سقط ) و لم يحك فيه جرحا و لا تعديلا .

و أورده في " الميزان " و تبعه في " اللسان " من أجل هذا الحديث و قال :

" و أشار الدارقطني في " غرائب مالك " إلى لينه . و أنه تفرد عن معن عن مالك به

و قال : إنما هو في " الموطأ " بسند منقطع عن غير سهيل " .

273  " أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء و إن كان محقا , و بيت في وسط

الجنة لمن ترك الكذب و إن كان مازحا , و بيت في أعلى الجنة لمن حسن خلق " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 491 :

 

رواه أبو داود في سننه ( 4800 ) : حدثنا محمد بن عثمان الدمشقي أبو الجماهر

قال : حدثنا أبو كعب أيوب بن محمد السعدي قال : حدثني سليمان بن حبيب المحاربي

عن # أبي أمامة # مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند رجاله ثقات معروفون غير أيوب بن محمد السعدي , كذا وقع في

رواية أبي داود , قال الحافظ في " التهذيب " :

" و رواه أبو زرعة الدمشقي و يزيد بن محمد بن عبد الصمد , و هارون بن أبي جميل

و أبو حاتم و غيرهم عن أبي الجماهر فقالوا : " أيوب بن موسى " . قال ابن عساكر

: و هو الصواب " .

 

قلت : رواية هارون بن أبي جميل , أخرجها ابن عساكر في ترجمته من " تاريخ دمشق "

( 17 / 493 / 1 ) لكن وقع في نسختنا منه " حدثنا أبو أيوب بن موسى " فالظاهر

أنه سقط منها " كعب " فإنه أبو كعب أيوب بن موسى .

و في اسمه اختلاف آخر , فقد رواه الدولابي في " الكنى " ( 2 / 133 ) هكذا :

حدثنا عبد الصمد بن عبد الوهاب - صعيد - قال : حدثنا محمد بن عثمان أبو الجماهر

قال : حدثنا أبو موسى كعب السعدي عن سليمان بن حبيب - دون الفقرة الوسطى و ليس

هذا خطأ مطبعيا أو من بعض النساخ , فإن الدولابي أورده في " باب من كنيته موسى

" ثم سرد من يكنى بذلك من الرواة فقال " ... و أبو موسى كعب السعدي عن سليمان

بن حبيب , روى عنه محمد بن عثمان أبو الجماهر " .

 

و على كل حال فالصواب كما قال ابن عساكر " أيوب بن موسى " لاتفاق الجماعة عليه

ثم هو قد أورده الذهبي في " الميزان " فقال :

" روى عنه أبو الجماهر وحده لكنه وثقه " .

 

قلت : و سكت عنه ابن أبي حاتم ( 1 / 1 / 258 ) و قال الحافظ في " التقريب " :

" صدوق " . و لا يطمئن القلب لذلك لتفرد أبي الجماهر عنه , بل هو بوصف الجهالة

أولى كما تقتضيه القواعد الحديثية أن الراوي لا ترتفع عنه الجهالة برواية

الواحد .

 

لكن للحديث شواهد يرتقي بها إلى درجة الحسن على أقل الأحوال . فمنها حديث

ابن عباس و لفظه :

" أنا الزعيم ببيت في رياض الجنة , و بيت في أعلاها , و بيت في أسفلها , لمن

ترك الجدل و هو محق , و ترك الكذب و هو لاعب , و حسن خلقه " .

رواه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 116 / 1 ) من طريق سويد أبي حاتم ,

أنبأنا عبد الملك - رواية عطاء - عن عطاء عن ابن عباس مرفوعا .

 

قلت : و هذا سند ضعيف من أجل سويد هذا و هو ابن إبراهيم , أورده الذهبي في

" الضعفاء " و قال :

" ضعفه النسائي " . و قال الحافظ في " التقريب " .

" صدوق سيء الحفظ , له أغلاط , و قد أفحش ابن حبان فيه القول " .

و قال الهيثمي بعد أن عزاه للطبراني ( 8 / 23 ) :

" و فيه أبو حاتم سويد بن إبراهيم ضعفه الجمهور , و وثقه ابن معين , و بقية

رجاله رجال الصحيح " .

 

قلت : لو قال : " و وثقه ابن معين في رواية " لكان أقرب إلى الصواب فقد قال

أبو داود : " سمعت يحيى بن معين يضعفه " .

فابن معين في هذه الرواية يلتقي مع الجمهور , فهي أولى بالقبول .

و أما قول الهيثمي في مكان آخر ( 1 / 157 ) :

" و إسناده حسن إن شاء الله تعالى " .

فتساهل منه لا يخفى , بل إن هذا الحديث ليدل على ضعفه , فإنه قد خلط في هذا

الحديث و أفسد معناه , فإن المعروف في حديث غيره توزيع هذه المنازل الثلاث ,

على ثلاثة أشخاص , و في ذلك أحاديث عن أبي أمامة و أنس بن مالك و قد اتفقا على

أن البيت الذي في أعلى الجنة لمن حسن خلقه , على خلاف هذا , فإنه جعل له البيت

الذي في أسفلها , هذا إن اعتبرنا الترتيب المذكور فيه من قبيل لف و نشر مرتب .

ثم اختلف الحديثان المشار إليهما في البيتين الآخرين فحديث أبي أمامة جعل البيت

في ربض الجنة لمن ترك المراء و هو محق , و البيت في وسطها لمن ترك الكذب ,

و عكس ذلك حديث أنس , فأردنا أن نرجح أحدهما على الآخر بشاهد , فلم نجد أصلح من

هذا إسنادا , و قد علمت ما في متنه من الفساد في المعنى .

نعم وجدنا حديثا آخر يصلح شاهدا لحديث أبي أمامة , و هو ما أخرجه الطبراني في

" المعجم الصغير " ( ص 166 ) و في المعجمين الآخرين من طريق محمد بن الحصين

القصاص , حدثنا عيسى بن شعيب عن روح بن القاسم عن زيد بن أسلم عن مالك بن عامر

عن معاذ بن جبل مرفوعا بلفظ :

" أنا زعيم ببيت في ربض الجنة , و بيت في وسط الجنة , و بيت في أعلى الجنة لمن

ترك المراء و إن كان محقا , و ترك الكذب و إن كان مازحا , و حسن خلقه " .

و قال الطبراني :

" لم يروه عن روح إلا عيسى تفرد به ابن الحصين " .

 

قلت : و لم أجد من ترجمه .

و عيسى بن شعيب و هو النحوي قال الحافظ في " التقريب " .

" صدوق له أوهام " .

و قال الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 23 ) :

" رواه الطبراني في الثلاثة و البزار , و في إسناد الطبراني محمد بن الحصين

و لم أعرفه , و الظاهر أنه التميمي و هو ثقة , و بقية رجاله ثقات " .

 

قلت : و ما استظهره بعيد عندي , فإن ابن الحصين هذا في طبقة الإمام أحمد ,

و أما التميمي فمن أتباع التابعين , جعله الحافظ من الطبقة السادسة التي عاصرت

الطبقة الخامسة من صغار التابعين الذين رأوا الواحد و الاثنين من الصحابة ,

بخلاف السادسة فلم يثبت لهم لقاء أحد منهم .

و قوله في التميمي : إنه ثقة . فيه تساهل , لأنه لم يوثقه غير ابن حبان , و هو

معروف بتساهله في التوثيق , أضف إلى ذلك أن الدارقطني خالفه , فقال : " مجهول "

و هو الذي اعتمده الحافظ في " التقريب " .

 

و جملة القول أن هذا الإسناد ضعيف , و لكن ليس شديد الضعف , فيصلح شاهدا لحديث

أبي أمامة , فيرتقي به إلى درجة الحسن . و الله أعلم .

274  " أمرت بقرية تأكل القرى , يقولون : يثرب , و هي المدينة , تنفي الناس , كما

ينفي الكير خبث الحديد " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 495 :

 

أخرجه البخاري ( 4 / 69 - 70 ) و مسلم ( 9 / 154 ) و مالك ( 3 / 84 - 85 )

و الطحاوي في " مشكل الآثار " ( 2 / 232 - 233 ) و أحمد ( رقم 7231 , 7364 )

و الخطيب في " الفقيه و المتفقه " ( 62 / 2 ) . و أبو يعلى في " مسنده "

( 300 / 2 ) عن # أبي هريرة # قال : سمعت رسول الله صلى الله صلى الله عليه

وسلم يقول : فذكره .

 

و في رواية من طريق أخرى عنه مرفوعا بلفظ :

( يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه و قريبه هلم إلى الرخاء , هلم إلى

الرخاء , و المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون , و الذي نفسي بيده لا يخرج منهم

أحد رغبة عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه , ألا إن المدينة كالكير تخرج

الخبيث , لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها , كما ينفي الكير خبث

الحديد ) .

 

أخرجه مسلم ( 9 / 153 ) .

 

الغريب

-------

1 - أمرت بقرية ... قال الخطيب :

" المعنى أمرت بالهجرة إلى قرية ( تأكل القرى ) أي يأكل أهلها القرى كما قال

الله تعالى : ( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ) يعني قرية كان أهلها

مطمئنين , و كان ذكر القرية عن هذا كناية عن أهلها , و أهلها المرادون بها لا

هي , و الدليل على ذلك قوله تعالى " ( فأذاقها الله لباس الجوع و الخوف بما

كانوا يصنعون ) و القرية لا صنع لها , و قوله : ( فكفرت بأنعم الله ) و القرية

لا كفر لها .

 

2 - ( تأكل القرى ) بمعنى تقدر عليها , كقوله تعالى : ( إن الذين يأكلون أموال

اليتامى ظلما ) ليس يعني بذلك أكلتها دون محتجبيها عن اليتامى , لا بأكل لها ,

و كقوله تعالى : ( و لا تأكلوها إسرافا و بدارا أن يكبروا ) يعني تغلبوا عليها

إسرافا على أنفسكم , و بدارا أن يكبروا فيقيموا الحجة عليكم بها فينتزعوها منكم

لأنفسهم , فكان الأكل فيما ذكرنا يراد به الغلبة على الشيء , فكذلك في الحديث "

.

275  " كان يصلي عند المقام , فمر به أبو جهل بن هشام , فقال : يا محمد ألم أنهك عن

هذا ?!و توعده , فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم و انتهره , فقال : يا

محمد بأي شيء تهددني ?! أما والله إني لأكثر هذا الوادي ناديا , فأنزل الله

*( فليدع ناديه . سندع الزبانية )* . قال ابن عباس : لو دعا ناديه أخذته زبانية

العذاب من ساعته " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 496 :

 

رواه الترمذي ( 2 / 238 ) و ابن جرير في تفسيره ( 30 / 164 ) من طرق عن داود

ابن أبي هند عن عكرمة عن # ابن عباس # قال : فذكره .

و السياق لابن جرير .

 

قلت : و إسناده صحيح على شرط مسلم .

و قال الترمذي : " حديث حسن غريب صحيح " .

 

قلت : و قد رواه البخاري و الطبراني في " الكبير " ( 3 / 141 / 1 ) و غيره

من طرق أخرى عن عكرمة به نحوه .

و له في " المعجم " ( 3 / 173 / 1 ) طريق أخرى عن ابن عباس .

276  " تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم , فإن صلة الرحم محبة في الأهل ,

مثراة في المال , منسأة في الأثر " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 497 :

 

أخرجه الترمذي ( 1 / 357 - 358 ) و الحاكم ( 4 / 161 ) و أحمد ( 2 / 374 )

و السمعاني في " الأنساب " ( 1 / 5 ) عن عبد الملك بن عيسى الثقفي عن يزيد مولى

المنبعث عن # أبي هريرة # مرفوعا به .

و قال الترمذي : " حديث غريب من هذا الوجه " .

 

قلت : و إسناده جيد , رجاله ثقات رجال الشيخين غير عبد الملك هذا , قال أبو

حاتم " صالح " . و ذكره ابن حبان في " الثقات " ( 2 / 175 ) و روى عنه جماعة

من الثقات منهم عبد الله بن المبارك و هو الذي روى عنه هذا الحديث , فلا أدري

لماذا لم يحسنه الترمذي على الأقل .

و قال الحاكم : " صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي .

و للشطر الأول منه طريق أخرى , يرويه أبو الأسباط الحارثي اليماني عن يحيى ابن

أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به .

أخرجه ابن عدي ( 33 / 2 ) . و أبو الأسباط هذا هو بشر بن رافع .

قال الحافظ : " فقيه ضعيف الحديث " .

و قد وجدت له شاهدين أحدهما : من حديث العلاء بن خارجة مرفوعا به .

أخرجه الطبراني و رجاله قد وثقوا كما في " المجمع " ( 8 / 152 ) ,

و قال المنذري ( 3 / 223 ) : " لا بأس بإسناده " .

و الآخر من حديث علي رضي الله عنه .

أخرجه الخطيب في " الموضح " ( 2 / 215 ) و رجاله ثقات غير علي بن حمزة العلوي

و لم أجد له ترجمة , و لا أورده الطوسي في " فهرسته " .

و الشطر الثاني من الحديث رواه الطبراني في " الأوسط " من حديث عمرو ابن سهل .

قال الهيثمي :

" و فيه من لم أعرفهم " .

و قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

" من أحب أن يبسط له في رزقه , و ينسأ له في أثره فليصل رحمه " .

متفق عليه من حديث أنس . و أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة , و الحاكم

( 4 / 160 ) من حديث علي و ابن عباس .

و للحديث شاهد ثالث بنحوه و هو :

" اعرفوا أنسابكم , تصلوا أرحامكم , فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت , و إن كانت

قريبة , و لا بعد بها إذا وصلت , و إن كانت بعيدة " .

277  " اعرفوا أنسابكم , تصلوا أرحامكم , فإنه لا قرب بالرحم إذا قطعت , و إن كانت

قريبة , و لا بعد بها إذا وصلت , و إن كانت بعيدة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 498 :

 

أخرجه أبو داود الطيالسي في " مسنده " ( 2757 ) : حدثنا إسحاق بن سعيد قال :

حدثني أبي قال :

" كنت عند # ابن عباس # , فأتاه رجل فسأله : من أنت ? قال : فمت له برحم بعيدة

فألان له القول , فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .

 

و أخرجه الحاكم ( 4 / 161 ) و السمعاني في " الأنساب " ( 1 / 7 ) من طريق

الطيالسي به .

و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين " . و وافقه الذهبي .

و أقول : إنما هو على شرط مسلم وحده , فإن الطيالسي لم يحتج به البخاري و إنما

روى له تعليقا .

و الحديث أخرجه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 73 ) : حدثنا أحمد ابن يعقوب

قال : أخبرنا إسحاق بن سعيد بن عمرو به موقوفا على ابن عباس دون قصة الرجل

و زاد :

" و كل رحم آتية يوم القيامة أمام صاحبها , تشهد له بصلة إن كان وصلها , و عليه

بقطيعة إن كان قطعها " .

و هذا سند على شرط البخاري في " صحيحه " , و لكنه موقوف , بيد أن من رفعه ثقة

حجة و هو الإمام الطيالسي , و زيادة الثقة مقبولة .

278  " خصلتان لا تجتمعان في منافق : حسن سمت , و لا فقه في الدين " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 499 :

 

أخرجه الترمذي ( 2 / 114 ) : حدثنا أبو كريب حدثنا خلف بن أيوب العامري عن عوف

عن ابن سيرين عن # أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره

 

و قال : " هذا حديث غريب , و لا نعرف هذا الحديث من حديث عوف إلا من حديث هذا

الشيخ خلف ابن أيوب العامري , و لم أر أحدا يروي عنه غير أبي كريب محمد بن

العلاء , و لا أدري كيف هو ? " .

 

قلت : و من هذا الوجه أخرجه العقيلي في " الضعفاء " ( ص 153 ) و أبو بكر ابن

لال في " أحاديث أبي عمران الفراء " ( ق 1 / 2 ) و الهروي في " ذم الكلام "

( 1 / 14 / 2 ) و قال :

" قال الجارودي : تفرد به أبو كريب " .

 

قلت : هو ثقة من رجال الشيخين , و إنما العلة في شيخه خلف , فقد جهله الترمذي

كما عرفت , و روى عنه غير أبي كريب جماعة , مثل الإمام أحمد و أبي معمر القطيعي

و محمد بن مقاتل المروزي , فليس بمجهول , و روى العقيلي عن ابن معين أنه قال

فيه :

" بلخي ضعيف " . ثم قال العقيلي عقب حديثه هذا :

" ليس له أصل من حديث عوف , و إنما يروى هذا عن أنس , بإسناد لا يثبت " .

و قال ابن أبي حاتم ( 1 / 2 / 370 - 371 ) :

" و سألت أبي عنه ? فقال : يروى عنه " .

و ذكره ابن حبان في " الثقات " و قال :

" كان مرجئا غاليا , استحب مجانبة حديثه لتعصبه و بغضه من ينتحل السنن " .

و قال الخليلي : " صدوق مشهور , كان يوصف بالستر و الصلاح , و الزهد , و كان

فقيها على رأي الكوفيين " .

و أورده الذهبي في " الميزان " و قال :

" أبو سعيد أحد الفقهاء الأعلام ببلخ " . ثم ذكر بعض ما قيل فيه مما سبق , ثم

قال : قلت : كان ذا علم و عمل و تأله , زاره سلطان بلخ , فأعرض عنه " .

و قال في " الضعفاء " :

" مفتي بلخ , ضعفه ابن معين " .

و نحوه في " التقريب " للحافظ العسقلاني .

 

قلت : و لم تطمئن نفسي لجرح هذا الرجل , لأنه جرح غير مفسر , اللهم إلا في كلام

ابن حبان , و لكنه صريح في أنه لم يجد فيه ما يجرحه إلا كونه مرجئا , و هذا لا

يصح أن يعتبر جرحا عند المحققين من أهل الحديث , و لذلك رأينا البخاري يحتج في

صحيحه ببعض الخوارج و الشيعة و القدرية و غيرهم من أهل الأهواء , لأن العبرة في

رواية الحديث إنما هو الثقة و الضبط , و كأنه لذلك لم يجزم الحافظ بتضعيف الرجل

و إنما اكتفى على حكايته عن ابن معين كما فعل الذهبي , و هذا و إن كان يشعرنا

بأنه ينبىء بضعفه إلا أنه ليس كما لو قال فيه " ضعيف " جازما به .

و الذي أراه أن الرجل وسط أو على الأقل مستور , لأن الجرح فيه لم يثبت , كما

أنه لم يوثق من موثوق بتوثيقه , و في قول الخليلي المتقدم ما يؤيد الذي رأيت .

و هو لم يرو شيئا منكرا , و غاية ما ذكر له العقيلي حديثان .

أحدهما هذا . و الآخر حديثه بسنده الصحيح عن أبي هريرة مرفوعا :

" لا عدوى و لا صفر و لا هامة " .

و قال العقيلي فيه : " إسناده مستقيم " .

و أما هذا الحديث فلم يتفرد به البلخي , فقد جاء من طريقين آخرين :

أحدهما : عن أنس . و قد أشار إليه العقيلي نفسه .

و الآخر يرويه عبد الله بن المبارك في " الزهد " ( ق 175 / 1 - كواكب 575 ) :

أنبأ معمر عن محمد بن حمزة بن عبد الله بن سلام مرفوعا به .

 

قلت : و هذا إسناد مرسل صحيح , محمد بن حمزة , هو ابن يوسف بن عبد الله ابن عبد

الله بن سلام , روى عن أبيه عن جده عبد الله بن سلام .

قال أبو حاتم : لا بأس به . و ذكره ابن حبان في " الثقات " .

و قد رواه القضاعي في " مسند الشهاب " ( ق 24 / 2 ) من طريقين آخرين , عن معمر

عن محمد بن حمزة عن عبد الله بن سلام , فجعله من مسند جده عبد الله , فإن صح

هذا , و لم يكن في الرواية خطأ , أو في النسخة تحريف , فهو مسند , لكنه منقطع

بين محمد بن حمزة و جده عبد الله بن سلام .

 

و بالجملة فالحديث عندي صحيح بمجموع هذه الطرق , و قد أشار إلى صحته عبد الحق

الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " رقم 63 - نسختي بسكوته عنه كما نص عليه في

المقدمة . و الله أعلم .

279  " لا تقوم الساعة حتى يبني الناس بيوتا يوشونها وشي المراحيل " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 502 :

 

رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 777 ) : حدثنا إبراهيم بن المنذر قال :

حدثنا ابن أبي فديك عن عبد الله بن أبي يحيى عن سعيد بن أبي هند عن

# أبي هريرة # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات رجال البخاري في " صحيحه " غير عبد الله

بن أبي يحيى , و هو عبد الله بن محمد بن أبي يحيى الأسلمي و هو ثقة اتفاقا .

( المراحيل ) فسرها إبراهيم شيخ البخاري بأنها الثياب المخططة . و في

" النهاية " : " المرحل الذي قد نقش فيه تصاوير الرحال , و منه الحديث : كان

يصلي و عليه من هذه المرحلات يعني المروط المرحلة و تجمع على المراحل , و منه

هذا الحديث ... يوشونها وشي المراحل , و يقال لذلك العمل الترحيل " .

280  " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوصينا بكم . يعني طلبة الحديث " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 503 :

 

أخرجه تمام في " الفوائد " ( 1 / 4 / 2 - نسخة الحافظ عبد الغني المقدسي ) عن

عبد الله بن الحسين المصيصي , و أبو بكر بن أبي علي في " الأربعين " ( ق 117 /

1 ) عن موسى بن هارون , و الرامهرمزي في " الفاصل بين الراوي و الواعي "

( ق 5 / 2 ) و عنه العلائي في " بغية المتلمس " ( 2 / 2 ) عن ابن إ3

شكاب , و الحاكم ( 1 / 88 ) عن القاسم بن مغيرة الجوهري و صالح بن محمد بن حبيب

الحافظ كلهم عن سعيد بن سليمان ( زاد موسى بن هارون و الجوهري و صالح : الواسطي

) حدثنا عباد بن العوام عن الجريري عن أبي نضرة عن # أبي سعيد الخدري # أنه قال

: مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم , كان رسول الله صلى الله عليه

وسلم ...فذكره .

و قال الحاكم : " هذا حديث صحيح ثابت لاتفاق الشيخين على الاحتجاج بسعيد بن

سليمان و عباد بن العوام , ثم الجريري , ثم احتجاج مسلم بحديث أبي نضرة , فقد

عددت له في " المسند الصحيح " أحد عشر أصلا للجريري , و لم يخرجا هذا الحديث

الذي هو أول حديث في فضل طلاب الحديث , و لا يعلم له علة , و لهذا الحديث طرق

يجمعها أهل الحديث عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد , و أبو هارون ممن سكتوا

عنه " .

و وافقه الذهبي , و قال العلائي عقبه :

" إسناده لا بأس به , لأن سعيد بن سليمان هذا هو النشيطي , فيه لين يحتمل , حدث

عنه أبو زرعة و أبو حاتم الرازي , و غيرهما " .

 

قلت : ليس هو النشيطي و ذلك لأمور :

 

الأول : أنه جاء مصرحا في بعض الطرق كما رأيت أنه ( الواسطي ) , و النشيطي بصري

و ليس بواسطي .

 

الثاني : أن شيخه في هذا السند عباد بن العوام لم يذكر في ترجمة النشيطي ,

و إنما في ترجمة الواسطي .

 

الثالث : أن بعض الرواة لهذا الحديث عنه لم يذكروا في ترجمته أيضا و إنما في

ترجمة الواسطي مثل صالح بن محمد الحافظ الملقب بـ ( جزرة ) .

فثبت مما ذكرنا أن سعيد بن سليمان إنما هو الواسطي و هو ثقة احتج به الشيخان

كما تقدم في كلام الحاكم , و توثيقه موضع اتفاق بين أهل العلم بالرجال , اللهم

إلا قول الإمام أحمد في " كتاب العلل و معرفة الرجال " ( ص 140 ) :

" كان صاحب تصحيف ما شئت " .

و ليس في هذا الحديث ما يمكن أن يصحف من مثل هذا الثقة لقصره ! فينبغي أن تكون

صحته موضع اتفاق أيضا , لكن قد جاء عن أحمد أيضا غير ذلك , ففي " المنتخب "

لابن قدامة ( 10 / 199 / 1 ) :

" قال مهنا : سألت أحمد عن حديث حدثنا سعيد بن سليمان ( قلت : فساقه بسنده )

فقال أحمد : ما خلق الله من ذا شيئا , هذا حديث أبي هارون عن أبي سعيد " .

 

قلت : و جواب أحمد هذا يحتمل أحد أمرين :

إما أن يكون سعيد عنده هو الواسطي , و حينئذ فتوهيمه في إسناده إياه مما لا وجه

له في نظرى لثقته كما سبق .

و إما أن يكون عنى أنه النشيطي الضعيف , و هذا مما لا وجه له بعد ثبوت أنه

الواسطي . على أنه لم يتفرد به , فرواه بشر بن معاذ العقدي , حدثنا أبو عبد

الله - شيخ ينزل وراء منزل حماد بن زيد - : حدثنا الجريري عن أبي نضرة عنه .

أنه كان إذا رأى الشباب قال : مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم ,

أمرنا أن نحفظكم الحديث , و نوسع لكم في المجالس .

أخرجه الرامهرمزي و من طريقه الحافظ العلائي و قال :

" أبو عبد الله هذا لم أعرفه " .

لكن للحديث طريقان آخران عن أبي سعيد :

 

1 - عن أبي خالد مولى ابن الصباح الأسدي عنه أنه كان يقول :

" مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاؤوه في العلم " .

أخرجه الرامهرمزي و أبو خالد هذا لم أعرفه .

 

2 -  عن شهر بن حوشب عنه به و زاد :

" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : سيأتيكم أناس يتفقهون , ففقهوهم

و أحسنوا تعليمهم " .

أخرجه عبد الله بن وهب في " المسند " ( 8 / 167 / 2 ) و عبد الغني المقدسي في

" كتاب العلم " ( 50 / 1 ) عن ابن زحر عن ليث بن أبي سليم عن شهر .

 

قلت : و هذا سند ضعيف مسلسل بالضعفاء : شهر فمن دونه . و لكنه أحسن حالا من

حديث أبي هارون العبدي الذي سبقت الإشارة إليه في كلام الحاكم , كذلك ذكر

ابن معين , ففي " المنتخب " :

" عن إبراهيم بن الجنيد قال : ذكر ليحيى بن معين حديث أبي هارون هذا فقال :

قد رواه ليث بن أبي سليم عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد مثله .

فقيل ليحيى : هذا أيضا ضعيف مثل أبي هارون ? قال : لا , هذا أقوى من ذلك و أحسن

حدثناه ابن أبي مريم عن يحيى بن أيوب عن ليث " .

 

قلت : كذا في الأصل ليس فيه " ابن زحر " و هو في المصدرين السابقين من رواية

يحيى بن أيوب عنه عن ليث . فالله أعلم .

 

و بالجملة فهذه الطرق إن لم تزد الطريق الأولى قوة إلى قوة , فلن توهن منها .

و له شاهد من حديث جابر رضي الله عنه مرفوعا بلفظ :

" إنه سيضرب إليكم في طلب العلم , فرحبوا , و بشروا , و قاربوا " .

أخرجه الرامهرمزي عن زنبور الكوفي حدثنا رواد بن الجراح عن المنهال بن عمرو عن

رجل عنه .

و هذا سند ضعيف , للرجل الذي لم يسم , و زنبور لم أجد له ترجمة . و العمدة على

ما تقدم .

و للحديث طريقان آخران عن أبي سعيد , و شاهد آخر عن أبي هريرة بأسانيد واهية

جدا , و لذلك استغنيت عن ذكرهما , و فيما ذكرنا كفاية . و قد تكلمت على أحد

الطريقين المشار إليهما في تعليقنا على " الأحكام الكبرى " لعبد الحق الإشبيلي

( رقم الحديث 71 ) و صححه .

ثم وجدت للحديث شاهدا آخر , فقال الدارمي ( 1 / 99 ) : أخبرنا إسماعيل ابن أبان

حدثنا يعقوب هو القمي عن عامر بن إبراهيم قال :

" كان أبو الدرداء إذا رأى طلبة العلم قال : مرحبا بطلبة العلم , و كان يقول :

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بكم " .

 

قلت : و هذا إسناد رجاله موثقون غير عامر بن إبراهيم فلم أعرفه و ليس هو عامر

بن واقد الأصبهاني , فإن هذا من شيوخ القمي المتوفى سنة ( 174 ) و ذاك من

الرواة عن القمي , و توفي سنة ( 202 ) , إلا أن يكون من رواية الأكابر عن

الأصاغر . و الله أعلم .

281  " أشد الناس عذابا يوم القيامة : رجل قتله نبي , أو قتل نبيا , و إمام ضلالة ,

و ممثل من الممثلين " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 507 :

 

أخرجه أحمد ( 1 / 407 ) : حدثنا عبد الصمد حدثنا أبان حدثنا عاصم عن أبي وائل

عن # عبد الله # أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .

 

قلت : و هذا إسناد جيد , و عاصم هو ابن بهدلة أبي النجود .

و له طريق أخرى يرويه أبو إسحاق عن الحارث عن ابن مسعود به و لفظه : " ... أو

رجل يضل الناس بغير علم , أو مصور يصور التماثيل " .

 

أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير " ( 3 / 80 / 2 ) و إليه فقط عزاه الهيثمي

في " المجمع " ( 1 / 181 ) و قال :

" و فيه الحارث الأعور و هو ضعيف " .

 

قلت : الطريق الأولى سالمة منه , و لعل البزار قد أخرجه منها فقد عزاه إليه

عبد الحق الإشبيلي في " الأحكام الكبرى " ( رقم 142 ) باللفظ الأول دون قوله

" و ممثل من الممثلين " , و سكت عليه مشيرا إلى صحته عنده كما نص عليه في

المقدمة .

و قال المنذري ( 3 / 136 ) : " و رواه البزار بإسناد جيد " .

و له طريق ثالثة يرويها عباد بن كثير عن ليث بن أبي سليم عن طلحة بن مصرف

عن خيثمة بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود إلا أنه قال :

" و إمام جائر " .

أخرجه الطبراني ( 3 / 81 / 1 ) .

 

قلت : و هذا سند واه جدا , ليث ضعيف , و عباد بن كثير متروك .

و روى عن ابن عباس نحوه بلفظ :

" ... أو قتل أحد والديه , و المصورون , و عالم لم ينتفع بعلمه " .

أخرجه أبو القاسم الهمداني في " الفوائد " ( 1 / 196 / 1 ) عن عبد الرحيم أبي

الهيثم عن الأعمش عن الشعبي عن ابن عباس به .

 

قلت : و هذا سند ضعيف , عبد الرحيم هذا هو ابن حماد الثقفي ,قال العقيلي في

" الضعفاء " ( 278 ) :

" حدث عن الأعمش مناكير , و ما لا أصل له من حديث الأعمش " .

و قال الحافظ في " اللسان " :

" و أشار البيهقي في " الشعب " إلى ضعفه " .

و حديث ابن عباس هذا أورده المناوي في " فيض القدير " شاهدا للحديث المشهور :

" أشد الناس عذابا يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه " فقال متعقبا على السيوطي

بعد أن بين ضعفه :

" لكن للحديث أصل أصيل , فقد روى الحاكم في " المستدرك " من حديث ابن عباس

مرفوعا ... " قلت : فذكره , و لم أقف على سنده عند الحاكم الآن لننظر فيه ,

و غالب الظن أنه من طريق عبد الرحيم المذكور , فإن كان كذلك , فالحديث لا يرتفع

به عن درجة الضعف . و الله أعلم .

 

و الجملة الأخيرة من الحديث أخرجها البخاري في " صحيحه " ( 4 / 104 ) من طريق

مسدود عن عبد الله مرفوعا بلفظ :

" إن أشد الناس عذابا عند الله يوم القيامة المصورون " .

282  " أربع من السعادة : المرأة الصالحة , و المسكن الواسع , و الجار الصالح ,

و المركب الهنيء . و أربع من الشقاء : الجار السوء , و المرأة السوء ,و المسكن

الضيق " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 509 :

 

أخرجه ابن حبان في " صحيحه " ( 1232 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 12 / 99 )

من طريق الفضل بن موسى عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند عن # إسماعيل بن محمد

بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده # قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم . فذكره .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين .

و أخرجه أحمد ( 1 / 168 ) من طريق محمد بن أبي حميد عن إسماعيل بن محمد ابن سعد

به نحوه , دون ذكر " الجار الصالح " و " الجار السوء " .

و محمد بن أبي حميد هذا , أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال :

" ضعفوه " . و قال الحافظ في " التقريب " : " ضعيف " :

و أخرجه الطبراني في " الكبير " ( 1 / 19 / 1 ) و " الأوسط " ( 1 / 163 / 1 )

من طريق إبراهيم بن عثمان عن العباس بن ذريح عن محمد بن سعد به . و قال :

" لم يروه عن العباس إلا إبراهيم , و هو أبو شيبة " .

 

قلت : و هو متروك الحديث كما قال الحافظ .

و قال الحافظ المنذري في " الترغيب " ( 3 / 68 ) بعد أن ذكره بلفظ أحمد المشار

إليه :

" رواه أحمد بإسناد صحيح , و الطبراني و البزار و الحاكم و صححه " .

و قال الهيثمي ( 4 / 272 ) :

" رواه أحمد و البزار و الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " , و رجال أحمد

رجال الصحيح " !

كذا قالا , و محمد بن أبي حميد الذي في " المسند " لأحمد , مع ضعفه ليس من رجال

الصحيح .

283  " من مات على شيء بعثه الله عليه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 510 :

 

أخرجه الحاكم ( 4 / 313 من طريق الأعمش عن أبي سفيان عن # جابر # رضي الله عنه

قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

و قال : " صحيح الإسناد على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : و هو كما قالا , و عزاه السيوطي في " الجامع الكبير " ( 2 / 296 / 2 )

لأحمد أيضا و أبي يعلى و الضياء في " الأحاديث المختارة " .

 

و يفسره حديث فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ :

" من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة يعني الغزو و الحج "

 

أخرجه ابن قتيبة في " غريب الحديث " ( 1 / 129 / 2 ) حدثنيه أبي حدثنيه يزيد

عن المقرىء عن حيوة بن شريح عن أبي هانىء أن أبا علي الجنبي حدثه أنه سمع فضالة

بن عبيد به .

 

قلت : و هذا إسناد جيد لولا أني لم أعرف يزيد الراوي عن المقري - و اسمه عبد

الله بن يزيد المقري - و لا وجدت ترجمة لوالد ابن قتيبة و اسمه مسلم بن قتيبة

سوى ما ذكره الخطيب في ترجمة ابن قتيبة ( 10 / 170 ) :

" و قيل : إن أباه مروزي , و أما هو فمولده بغداد " .

284  " أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا , و خياركم خياركم لنسائهم " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 511 :

 

هو من حديث # أبي هريرة # رضي الله عنه , و له عنه طريقان :

 

الأولى : عن محمد بن عمرو حدثنا أبو سلمة عنه قال : قال رسول الله صلى الله

عليه وسلم : فذكره .

 

أخرجه الترمذي ( 1 / 217 - 218 ) و أحمد ( 2 / 250 , 472 ) .

و أخرج الشطر الأول منه أبو داود ( 4682 ) و ابن أبي شيبة في " المصنف "

( 12 / 185 / 1 ) و أبو نعيم في " الحلية " ( 9 / 248 ) و الحاكم ( 1 / 3 )

و قال : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : و إنما هو حسن فقط , لأن محمد بن عمرو , فيه ضعف يسير , و ليس هو على شرط

مسلم , فإنه إنما أخرج له متابعة .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح " .

 

قلت : و هو صحيح بطريقه الآتية و هي :

الأخرى : عن عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله بن حنطب عن أبي هريرة به .

أخرجه ابن حبان ( 1311 ) .

 

قلت : و رجاله ثقات غير أن المطلب هذا كثير التدليس كما في " التقريب "  و قد

عنعنه .

و لشطره الأول طريق ثالث عن أبي هريرة , يرويه محمد بن عجلان عن القعفاع ابن

حكيم عن أبي صالح عنه .

 

أخرجه الدارمي ( 2 / 323 ) و ابن أبي شيبة ( 12 / 12 / 1 ) و أحمد ( 2 / 527 )

و الطبراني في " مختصر مكارم الأخلاق " ( 1 / 110 / 2 ) و الحاكم ( 1 / 3 )

و قال : " صحيح على شرط مسلم " . و وافقه الذهبي .

 

قلت : هو حسن أيضا . فإن ابن عجلان أخرج له مسلم متابعة , و فيه بعض الكلام .

و له طريق رابع مرسل , فقال ابن أبي شيبة ( 12 / 188 / 2 ) : ابن علية عن يونس

عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

 

قلت : و هذا مرسل صحيح الإسناد .

و للحديث شاهد من رواية عائشة مرفوعا بلفظ :

" إن من أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا , و ألطفهم بأهله " .

 

أخرجه الترمذي ( 2 / 102 ) و الحاكم ( 1 / 53 ) و أحمد ( 6 / 47 , 99 ) من طريق

أبي قلابة عنها .

و قال الترمذي : " حديث حسن , و لا نعرف لأبي قلابة سماعا من عائشة " .

و قال الحاكم : " رواته عن آخرهم ثقات على شرط الشيخين , و لم يخرجاه " .

و تعقبه الذهبي بقوله . " قلت : فيه انقطاع " .

 

قلت : و قد تنبه لهذا الحاكم في أول كتابه , فإنه قال بعد أن ساق الحديث من

رواية أبي هريرة من الطريقين عنه ( 1 / 4 ) :

و قد روي هذا الحديث أيضا عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة , و شعيب ابن الحبحاب

عن أنس , و رواه ابن علية عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن عائشة , و أنا أخشى

أن أبا قلابة لم يسمعه عن عائشة " .

و وافقه الذهبي .

 

قلت : فالحديث بهذا الإسناد و اللفظ ضعيف , و قد روى منه ابن أبي شيبة

( 12 / 185 / 1 ) الشطر الأول منه . و قد صح عنها بلفظ آخر و هو :

" خيركم خيركم لأهله , و أنا خيركم لأهلي , و إذا مات صاحبكم فدعوه " .

285  " خيركم خيركم لأهله و أنا خيركم لأهلي و إذا مات صاحبكم فدعوه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1/ 513 :

 

أخرجه الترمذي ( 2 / 323 ) و الدارمي ( 2 / 159 ) و ابن حبان ( 1312 ) عن محمد

بن يوسف حدثنا سفيان عن هشام بن عروة عن أبيه عن # عائشة # قالت :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .

و قال الترمذي : " حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه " .

 

قلت : و إسناده صحيح على شرط الشيخين . و ليس عند الدارمي و ابن حبان الجملة

الوسطى منه . و أخرج أبو داود ( 4899 ) عن وكيع حدثنا هشام بن عروة به الجملة

الأخيرة منه و زاد : لا تقعوا فيه .

و له شاهد من حديث ابن عباس به دون الجملة الأخيرة .

أخرجه ابن ماجه ( 1977 ) و ابن حبان ( 1315 ) و الضياء في " المختارة " ( 63 /

9 / 2 ) من طريق عمارة بن ثوبان عن عطاء عنه .

و أخرجه الحاكم ( 4 / 173 ) مقتصرا على الشطر الأول منه بلفظ .

" خيركم خيركم للنساء " . و قال :

" صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي !

و هذا غريب منه فإن عمارة هذا أورده الذهبي في " الضعفاء " , و قال :

" تابعي صغير مجهول " .

و قال الحافظ في " التقريب " : " مستور " .

و له شاهد من حديث ابن عمرو بلفظ :

" خياركم خياركم لنسائهم " .

أخرجه ابن ماجه ( 1978 ) عن أبي خالد عن الأعمش عن شقيق عن مسروق عنه .

 

قلت : و هذا إسناد ظاهره الصحة , و لهذا قال البوصيري في " الزوائد "

( ق 125 / 1 ) :

" و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات " .

 

قلت : و هو عندي معلول بالمخالفة و الوهم من قبل أبي خالد و اسمه سليمان

ابن حيان الأحمر , و هو و إن كان ثقة محتجا به في " الصحيحين " فإن في حفظه

ضعفا كما يتبين لمن راجع أقوال الأئمة فيه من " التهذيب " و قد لخصها الحافظ

- كعادته - في كتابه " التقريب " فقال : " صدوق يخطىء " .

و خالفه جماعة من الثقات فرووه عن الأعمش بلفظ :

" خياركم أحاسنكم أخلاقا " .

و وافقهم عليه أبو خالد نفسه في رواية عنه كما يأتي , فالظاهر أنه كان يضطرب

فيه , فتارة يرويه بهذا اللفظ , و تارة على الصواب , فإليك بيان الطرق التي

أشرنا إليها باللفظ الصحيح و هو :

" خياركم أحاسنكم أخلاقا " .

286  " خياركم أحاسنكم أخلاقا " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 515 :

 

أخرجه البخاري ( 4 / 121 ) عن حفص بن غياث , و في " الأدب المفرد " ( 271 )

عن سفيان , و مسلم ( 7 / 78 ) عن أبي معاوية و وكيع و ابن نمير و أبي خالد

الأحمر و الطيالسي ( 2246 ) عن شعبة , و من طريقه الترمذي ( 1 / 357 ) و أحمد

( 2 / 161 ) عن أبي معاوية أيضا كلهم عن الأعمش قال : سمعت أبا وائل يحدث عن

مسروق عن # عبد الله بن عمرو # و قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

فذكره . و زاد :

" و لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشا و لا متفحشا " .

 

و قال الترمذي : " هذا حديث حسن صحيح " .

287  " ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة ? النبي في الجنة , و الصديق في الجنة ,

و الشهيد في الجنة , و المولود في الجنة , و الرجل يزور أخاه في ناحية المصر

لا يزوره إلا لله عز وجل , و نساؤكم من أهل الجنة الودود الولود العؤود على

زوجها التي إذا غضب جاءت حتى تضع يدها في يد زوجها , و تقول : لا أذوق غمضا

حتى ترضى " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 515 :

 

أخرجه تمام الرازي في " الفوائد " ( ق 202 / 1 ) و عنه ابن عساكر ( 2 / 87 / 2

) بتمامه , و أبو بكر الشافعي في " الفوائد " ( ق 115 - 116 ) و أبو نعيم في

" الحلية " ( 4 / 303 ) نصفه الأول , و النسائي في " عشرة النساء " ( 1 / 85 /

1 ) النصف الآخر من طريق خلف بن خليفة عن أبي هاشم يعني الرماني عن سعيد ابن

جبير عن # ابن عباس # مرفوعا .

 

قلت : و هذا إسناد , رجاله ثقات رجال مسلم غير أن خلفا - و هو من شيوخ أحمد -

كان اختلط في الآخر , و لا ندري أحدث به قبل الاختلاط فيكون صحيحا , أو بعده

فيكون ضعيفا , لكن للحديث شواهد يتقوى بها كما يأتي بيانه .

و الحديث له طريق أخرى عن أبي هاشم , أخرجه الطبراني في " المعجم الكبير "

( 3 / 163 / 1 ) و عنه أبو نعيم عن سعيد بن زيد عن عمرو بن خالد أنبأنا

أبو هاشم به .

و عمرو هذا هو الواسطي و هو كذاب كما في " المجمع " ( 4 / 313 ) , فلا يفرح

بمتابعته .

و من شواهده ما رواه إبراهيم بن زياد القرشي عن أبي حازم عن أنس بن مالك مرفوعا

به .

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " ( ص 23 ) و " الأوسط " ( 1 / 170 / 1 )

و قال :

" لا يروى عن أنس إلا بهذا الإسناد , و لم يروه عن أبي حازم سلمة بن دينار إلا

إبراهيم .

 

قلت : و هذا أورده العقيلي في " الضعفاء " ( ص 17 و 18 ) و روى عن البخاري أنه

قال : " لم يصح إسناده " . ثم ذكر ما يشعر أنه سيىء الحفظ فقال :

" هذا شيخ يحدث عن الزهري , و عن هشام بن عورة , فيحمل حديث الزهري على هشام

بن عروة . و حديث هشام بن عروة على الزهري , و يأتي أيضا مع هذا عنهما بما لا

يحفظ " .

و قال الذهبي في " الميزان " : " لا يعرف " .

و نحوه قول المنذري في " الترغيب " ( 3 / 77 ) :

" رواه الطبراني , و رواته محتج بهم في الصحيح إلا إبراهيم بن زياد القرشي فإني

لم أقف فيه على جرح و لا تعديل . و قد روي هذا المتن من حديث ابن عباس و كعب

بن عجرة و غيرهما ".

و قال الهيثمي في " المجمع " ( 4 / 312 ) :

" رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط " و فيه إبراهيم بن زياد القرشي ,

قال البخاري : " لا يصح حديثه " , فإن أراد تضعيفه فلا كلام , و إن أراد حديثا

مخصوصا فلم يذكره , و أما بقية رجاله فهم رجال الصحيح " .

 

قلت : و أنا أرى أنه لا بأس به في الشواهد . و الله أعلم .

و أما حديث كعب بن عجرة الذي أشار إليه المنذري , فلا يصلح شاهدا لشدة ضعفه ,

قال الهيثمي ( 4 / 312 ) :

" رواه الطبراني في " الكبير " و " الأوسط " و فيه السري بن إسماعيل و هو

متروك " .

 

قلت : و من طريقه أخرج أبو بكر الشافعي في " فوائده " النصف الأول منه .

288  " اثنان لا تجاوز صلاتهما رءوسهما : عبد أبق من مواليه حتى يرجع إليهم ,

و امرأة عصت زوجها حتى ترجع " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 517 :

 

أخرجه الطبراني في " المعجم الصغير " ( ص 97 ) و " الأوسط " ( 1 / 169 / 2 )

عن محمد بن أبي صفوان الثقفي حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير , و الحاكم في

" المستدرك " ( 4 / 173 ) من طريق محمد بن منده الأصبهاني حدثنا بكر بن بكار ,

كلاهما قالا :

حدثنا عمر بن عبيد - زاد الأول : الطنافسي - عن إبراهيم بن مهاجر عن نافع عن

# ابن عمر # مرفوعا .

 

و قال الطبراني :

" لم يروه عن إبراهيم إلا عمر , و لا عنه إلا ابن أبي الوزير , تفرد به محمد

بن أبي صفوان " .

كذا قال , و طريق الحاكم ترد عليه , و قد سكت عنه هو و الذهبي , و إسناده حسن

عندي , رجاله ثقات رجال الشيخين , سوى ابن مهاجر فإنه من رجال مسلم وحده ,

و فيه ضعف يسير .

قال الحافظ في " التقريب " : " صدوق , لين الحفظ " .

و أورده الذهبي في " الضعفاء " تمييزا فقال : " ثقة " .

و الحديث قال المنذري ( 3 / 79 ) :

" رواه الطبراني بإسناد جيد , و الحاكم " .

و قال الهيثمي ( 4 / 313 ) :

" رواه الطبراني في " الصغير " و " الأوسط " و رجاله ثقات " .

 

قلت : و له شاهد من حديث جابر بسند ضعيف أوردته في " الأحاديث الضعيفة " رقم

( 1075 ) بلفظ :

" ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ... العبد الآبق حتى يرجع إلى مواليه ... و المرأة

الساخط عليها زوجها حتى يرضى , و السكران حتى يصحو " .

289  " لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر لزوجها , و هي لا تستغني عنه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 518 :

 

أخرجه النسائي في " عشرة النساء " من " السنن الكبرى " ( 1 / 84 / 1 ) أخبرنا

عمرو بن منصور قال : حدثنا محمد بن محبوب قال :

حدثنا سرار بن مجشر ابن قبيصة - ثقة - عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد

بن المسيب عن # عبد الله بن عمرو # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

فذكره .

 

و قال : " سرار بصري ثقة , هو و يزيد بن زريع يقدمان في سعيد بن أبي عروبة

لأن سعيدا كان قد تغير في آخر عمره , فمن سمع منه قديما فحديثه صحيح " .

 

قلت : و تابعه ابن المبارك عن سعيد عن قتادة به .

أخرجه أبو سعيد الشاشي عيسى بن سالم في " حديثه " ( ق 78 / 1 ) : أنبأنا ابن

المبارك به .

 

قلت : و هذا إسناد صحيح كسابقه .

و قد تابعه عمر بن إبراهيم عن قتادة به .

أخرجه الحاكم ( 2 / 190 ) عن شاذ بن فياض حدثنا عمر بن إبراهيم به . و قال :

" صحيح الإسناد " . و وافقه الذهبي !

و خالف شاذا الخليل بن عمر بن إبراهيم فقال : حدثني أبي عن قتادة عن الحسن عن

عبد الله بن عمرو به مرفوعا . فذكر الحسن و هو البصري بدل ابن المسيب .

أخرجه النسائي و العقيلي في " الضعفاء " ( ص 121 ) و قال :

" الخليل يخالف في بعض حديثه " .

 

قلت : ليس هو دون شاذ بن فياض في الثقة و الحفظ , و في ضبطهما كلام يسير ,

و لعل الاختلاف من نفس عمر بن إبراهيم ففي " التقريب " :

" صدوق , في حديثه عن قتادة ضعف " .

و رواية شاذ عنه أولى عندي لموافقتها لرواية ابن أبي عروبة عن قتادة ,

و لمتابعة أخرى و قفت عليها في " الكامل " لابن عدي أخرجها ( ق 289 / 2 ) من

طريق محمد بن بلال حدثنا عمران عن قتادة عن سعيد بن المسيب به . و قال :

" و محمد بن بلال يغرب عن عمران القطان , و له عن غيره غرائب , و أرجو أنه لا

بأس به " .

 

قلت : و هذا إسناد حسن و شاهد قوي لما سبق .

لكن يبدو أن للحديث أصلا من رواية قتادة عن الحسن , فقد قال العقيلي عقب ما

نقلته عنه في الخليل بن عمر :

" و قال سرار بن مجشر : عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن الحسن و سعيد بن

المسيب عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه " .

فإذا كان هذا محفوظا فهو يؤيد صحة رواية شاذ و الخليل عن عمر بن إبراهيم عن

قتادة عن سعيد و الحسن , و لكنه لم يسق إسناده إلى سرار لننظر فيه .

ثم ساق رواية ابن المبارك المتقدمة عن سعيد عن قتادة عن ابن المسيب به .

و قال :  " هذا أولى " . ثم قال :

" قال هشام الدستواني عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عبد الله بن عمرو , موقوف

نحوه . و هذا أولى " .

 

قلت : و كذلك رواه شعبة عن قتادة به موقوفا . أخرجه النسائي .

و رواية سرار عن قتادة مرفوعا أولى عندي لسماعه من سعيد قديما كما سبق عن

النسائي و لمتابعة عمر بن إبراهيم له . و الله أعلم .

و الحديث قال المنذري ( 3 / 78 ) :

" رواه النسائي و البزار بإسنادين رواة أحدهما رواة الصحيح , و قال الحاكم :

صحيح الإسناد " .

و قال الهيثمي ( 4 / 309 ) :

" رواه البزار بإسنادين و الطبراني و أحد إسنادي البزار رجاله رجال الصحيح " .

و قد صححه عبد الحق الإشبيلي بسكوته عليه في " الأحكام الكبرى " ( ق 144 / 1 )

و إيراده إياه في " الأحكام الصغرى " ( ق 153 / 1 ) التي خصها بالحديث الصحيح .

290  " لا , بل يبايع على الإسلام , فإنه لا هجرة بعد الفتح , و يكون من التابعين

بإحسان " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 521 :

 

أخرجه الإمام أحمد ( 3 / 468 , 469 ) عن أبي معاوية شيبان عن يحيى بن أبي كثير

عن يحيى بن إسحاق عن # مجاشع بن مسعود # .

أنه أتى النبي صلى الله عليه و سلم بابن أخ له يبايعه على الهجرة , فقال رسول

الله صلى الله عليه وسلم ... " فذكره .

 

قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير يحيى بن إسحاق و هو

الأنصاري قال ابن معين و ابن حبان : " ثقة " و كذا قال الحافظ في " التقريب " .

ثم أخرجه من طريق أبي عثمان النهدي عن مجاشع بن مسعود قال :

" انطلقت بأخي معبد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الفتح , فقلت : يا

رسول الله بايعه على الهجرة , فقال : مضت الهجرة لأهلها , قال : فقلت فماذا ?

قال : على الإسلام و الجهاد " .

 

زاد في رواية أخرى عن أبي عثمان النهدي :

" قال : فلقيت معبدا بعد , و كان هو أكبرهما , فسألته ? فقال : صدق مجاشع " .

و إسناده صحيح على شرط الشيخين .

 

و يلاحظ القارىء أن المبايع في الرواية الأولى ابن أخي مجاشع , و في هذه أنه هو

أخوه نفسه و اسمه معبد , و هو أصح . و الله أعلم .

 

و أما قوله صلى الله عليه وسلم " لا هجرة بعد الفتح " فقد صح من حديث ابن عباس

و عائشة و أبي سعيد , و قد خرجتها في " إرواء الغليل " ( 1173 ) .

291  " رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار , فقلت : من هؤلاء يا

جبريل ? فقال : الخطباء من أمتك , يأمرون الناس بالبر و ينسون أنفسهم , و هم

يتلون الكتاب , أفلا يعقلون ?! " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 522 :

 

هو من حديث # أنس # رضي الله عنه , و له عنه أربع طرق :

 

الأولى : عن مالك بن دينار عنه .

أخرجه أبو يعلى في "‏مسنده "‏(‏ق 198 / 1 ) :

حدثنا محمد بن المنهال حدثنا يزيد حدثنا هشام الدستوائي عن المغيرة ختن مالك بن

دينار عن مالك بن دينا .

و أخرجه بن حبان في "‏صحيحه "‏( رقم 52 - ترتيبه ) :

أخبرنا الحسن بن سفيان حدثنا محمد بن المنهال الضرير : حدثنا يزيد بن زريع به

 

قلت : و هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات معروفون غير المغيرة و هو بن حبيب أبو

صالح الأزدي . أورده الذهبي في " الميزان " لقول الأزدي فيه : " منكر الحديث "

و ذكره بن حبان في " الثقات "‏و قال : " يروي عن سالم بن عبد الله و شهر بن

حوشب , و عنه هشام الدستوائي و أهل البصرة , يغرب " .

 

قلت :‏و أورده ابن أبي حاتم ( 4 / 1 / 220 / 991 ) , و زاد في الرواة عنه حماد

بن زيد و جعفر بن سليمان و صالح المري و بشر بن المفضل . و لم يذكر فيه جرحا

و لا تعديلا .

 

قلت : فمثله مما تطمئن النفس لحديثه ,‏لرواية هذا الجمع من الثقات عنه , دون أن

يعرف بما يسقط حديثه و أما قول الأزدي : " منكر الحديث " فمما لا يلتفت إليه

لأنه معروف بالتعنت في التجريح , فلعله من أجل ذلك لم يورده الذهبي في كتابه

الآخر الضعفاء و لا في ذيله . و الله أعلم .

و قد تابعه إبراهيم بن أدهم حدثنا مالك بن دينار به .

أخرجه أبو نعيم في " الحلية " ( 8 / 43 - 44 ) و قال : " مشهور من حديث مالك عن

أنس , غريب من حديث إبراهيم عنه " .

 

قلت : و هو ثقة زاهد مشهور , وثقه جماعة من الأئمة كابن معين و غيره , فهي

متابعة قوية للمغيرة فبذلك يصير الحديث صحيحا . و الحمد لله على توفيقه .

 

الثانية عن علي بن زيد بن جدعان عنه نحوه أخرجه عبد الله بن المبارك في " الزهد

" ( ق 192 / 1 من الكواكب )  و أحمد ( 3 / 120 , 180 , 231 , 239 ) و أبو يعلى

( 191 / 1 - 2 و 2 ) و الخطيب في " التاريخ " ( 6 / 199 , 12 / 47 ) عن حماد بن

سلمة عنه .

 

قلت : و هذا إسناد لا بأس به في المتابعات , رجاله ثقات رجال مسلم غير بن جدعان

فإنه ضعيف من قبل حفظه و بعضهم يحسن حديثه .

 

الثالثة عن سليمان التيمي عنه .

أخرجه أبو نعيم ( 8 / 172 - 173 ) :

حدثنا طلحة بن أحمد بن الحسن العوفي حدثنا محمد بن علويه المصيصي حدثنا يوسف بن

سعيد بن مسلم حدثنا عبد الله بن موسى حدثنا بن المبارك عن سليمان التيمي .

و قال :‏" مشهور من حديث أنس , رواه عنه عدة , و حديث سليمان عزيز " .

 

قلت : و رجاله ثقات رجال الشيخين غير يوسف بن سعيد بن مسلم و هو ثقة حافظ من

شيوخ النسائي و لكني لم أعرف اللذين دونه .

 

الرابعة عن خالد بن سلمة عنه . أخرجه الواحدي في " التفسير : الوسيط " ( 1 / 15

/ 1 ) عن صالح بن أحمد الهروي :‏حدثنا أبو بجير محمد بن جابر حدثنا عبد الرحمن

بن محمد المحاربي حدثنا سفيان عنه .

 

قلت : و هذا سند رجاله ثقات معروفون غير الهروي هذا , فقد قال فيه أبو أحمد

الحاكم : " فيه نظر " .

 

قلت :‏و جملة القول : أن الحديث بمجموع هذه الطرق صحيح بلا ريب , و الحمد لله

رب العالمين .

292  " يجاء بالرجل يوم القيامة , فيلقى في النار , فتندلق أقتابه ( و في رواية :

أقتاب بطنه ) في النار , فيدور كما يدور الحمار برحاه , فيجتمع أهل النار عليه

فيقولون : يا فلان ما شأنك ? أليس كنت تأمرنا بالمعروف , و تنهانا عن المنكر ?

قال : كنت آمركم بالمعروف و لا آتيه , و أنهاكم عن المنكر و آتيه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 525 :

 

أخرجه البخاري ( 2 /

293  " أنا أكبر منك سنا , و العيال على الله و رسوله , و أما الغيرة , فأرجو الله

أن يذهبها " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 526 :

 

أخرجه أبو يعلى في" مسنده " ( 198 / 1 ) : حدثنا عبد الرحمن بن صالح الأزدي

حدثني عجلان ابن عبد الله من بني عدي عن مالك بن دينار عن # أنس # قال : لما

حضرت أبا سلمة الوفاة , قالت أم سلمة إلى من تكلني ? فقال اللهم إنك لإم سلمة

خير من أبي سلمة , فلما توفي خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم , فقالت إني

كبيرة السن قال : فذكره فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم  فأرسل إليها

برحايين و جرة للماء " !

 

قلت : و هذا سند جيد رجاله ثقات معروفون غير عجلان هذا فأورده ابن حبان في

الثقات ( 2 / 234 ) و قال ابن أبي حاتم ( 3 / 2 / 19 ) عن أبي زرعة :

" بصري لا بأس به " .

294  " من كان له ثلاثة بنات فصبر عليهن و أطعمهن و سقاهن و كساهن من جدته كن له

حجابا من النار يوم القيامة " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 526 :

 

أخرجه ابن ماجه ( 3669 ) و كذا البخاري في " الأدب المفرد " ( رقم 76 ) و أحمد

( 4 / 154 ) من طريق حرملة بن عمران قال : سمعت أبا عشانة المعافري قال :

سمعت # عقبة بن عامر # يقول :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : فذكره .

 

قلت و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال مسلم غير أبي عشانة بضم المهملة و تشديد

المعجمة , و اسمه حي بن يؤمن بضم التحتانية و سكون الواو المصري و هو ثقة مشهور

بكنيته .

و قال البوصيري في " الزوائد " ( 221 / 1 ) :

" إسناده صحيح , و رواه أحمد و أبو يعلى في " مسنديهما " , و له شاهد من حديث

أبي سعيد الخدري , رواه أبو داود و الترمذي " .

 

قلت : هذا الشاهد ضعيف , لجهالته و اضطرابه , فأخرجه أبو داود ( 5147 ) من طريق

خالد , و البخاري في " الأدب المفرد " ( 79 ) عن عبد العزيز بن محمد , و أحمد

( 3 / 42 ) عن إسماعيل بن زكريا , كلهم عن سهيل بن أبي صالح عن سعيد الأعشى

- و هو سعيد بن عبد الرحمن بن مكمل الزهري - عن أيوب ابن بشير الأنصاري عن أبي

سعيد الخدري مرفوعا بلفظ :

" من عال ثلاث بنات , فأدبهن و زوجهن , و أحسن إليهن , فله الجنة " .

و لفظ أحمد :

" لا يكون لأحد ثلاث بنات , أو ثلاث أخوات , أو ابنتان , أو أختان فيتقي الله

فيهن , و يحسن إليهن , إلا دخل الجنة " .

و هو لفظ البخاري باختصار .

 

و أخرجه الترمذي ( 1 / 349 ) من طريق عبد الله بن المبارك : أخبرنا ابن عيينة

عن سهل بن أبي صالح عن أيوب بن بشير عن سعيد الأعشى عن أبي سعيد الخدري مرفوعا

بلفظ :

" من كان له ثلاث بنات أو .. " الحديث نحو لفظ أحمد .

 

و كذا أخرجه ابن حبان ( 2044 ) من طريق إبراهيم بن بشار الرمادي حدثنا سفيان

به . و وقع فيه بعض الأخطاء المطبعية في سنده .

فهذا اضطراب شديد فيه عجيب , فبينما نرى في الرواية الأولى سعيد الأعشى هو شيخ

سهيل بن أبي صالح , و الراوي عن أيوب بن بشير , إذا بنا نراه في الرواية الأخرى

شيخ أيوب بن بشير و الراوي عن أبي سعيد , ثم هو مجهول لم يوثقه غير ابن حبان ,

و لهذا ضعفه الترمذي بقوله :

" حديث غريب " .

295  " من كن له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات فاتقى الله و أقام عليهن كان معي في الجنة

هكذا , و أومأ بالسباحة و الوسطى " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 528 :

 

أخرجه أبو يعلى في " مسنده " ( 170 / 1 ) : حدثنا شيبان حدثنا محمد بن زياد

البرجمي حدثنا ثابت عن # أنس # قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

فذكره .

 

قلت : و هذا إسناد صحيح رجاله ثقات رجال الشيخين غير محمد بن زياد البرجمي و هو

ثقة , قال ابن عدي في " الكامل " ( 14 / 2 ) :

" قال لنا عبدان الأهوازي : سألت الفضل بن سهل الأعرج و ابن إشكاب عن محمد بن

زياد البرجمي هذا , فقالا : هو من ثقات أصحابنا " .

و أورده ابن حبان في " الثقات " و قال ( 2 / 267 ) :

" يروي عن ثابت البناني , روى عنه البصريون " .

 

قلت : و لم يعرفه أبو حاتم الرازي فقال ابنه ( 3 / 2 / 258 ) : " سألته عنه ?

فقال : هو مجهول " .

و قد تابعه حماد بن زيد بلفظ آخر , و هو :

" من عال ابنتين , أو ثلاث بنات , أو أختين أو ثلاث أخوات , حتى يمتن ( و في

رواية : يبن , و في أخرى يبلغن ) أو يموت عنهن كنت أنا و هو كهاتين , و أشار

بأصبعيه السبابة و الوسطى " .

296  " من عال ابنتين أو ثلاث بنات أو أختين أو ثلاث أخوات حتى يمتن ( و في رواية :

يبن و في أخرى يبلغن ) أو يموت عنهن كنت أنا و هو كهاتين و أشار بأصبعيه

السبابة و الوسطى " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 529 :

 

أخرجه أحمد ( 3 / 147 - 148 ) : حدثنا يونس حدثنا حماد يعني ابن زيد عن ثابت

عن # أنس # أو غيره , قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره .

و أخرجه ابن حبان ( 2045 ) من طريقين آخرين عن حماد بن زيد به , و لم يقل :

" أو غيره " و عنده الرواية الثانية .

 

قلت : و هذا سند صحيح على شرط الشيخين .

و أورده الهيثمي في " المجمع " ( 8 / 157 ) بنحوه من رواية الطبراني في

"الأوسط " بإسنادين قال : " و رجال أحدهما رجال الصحيح " .

 

قلت : و عنده الرواية الثالثة , و مما يرجح هذه الرواية أنها ثبتت من طريق

أخرى عن أنس بنحوه , و هو .

" من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا و هو و ضم أصابعه " .

297  " من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا و هو . و ضم أصابعه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 529 :

 

أخرجه مسلم ( 8 / 38 - 39 ) و اللفظ له , و الترمذي ( 1 / 349 ) من طريق محمد

بن عبد العزيز عن عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن # أنس بن مالك # قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فذكره .

و قال الترمذي : " حديث حسن غريب " .

 

قلت : و إسناده صحيح . و ليس عند الترمذي : " حتى تبلغا " .

و قال :  " أنا دخلت و هو الجنة كهاتين , و أشار بأصبعيه " .

298  " يكفيك الماء و لا يضرك أثره " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 530 :

 

أخرجه أبو داود ( 1 / 141 - 142 - بشرح العون ) و أحمد ( 2 / 380 ) قالا :

حدثنا قتيبة بن سعيد أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة

عن # أبي هريرة # .

" أن خولة بنت يسار أتت النبي صلى الله عليه وسلم , فقالت : يا رسول الله ! إنه

ليس لي إلا ثوب واحد , و أنا أحيض فيه , فكيف أصنع ? قال : إذا طهرت فاغسليه ,

ثم صلي فيه , فقالت : فإن لم يخرج الدم ? قال " . فذكره .

 

و رواه البيهقي في " السنن " ( 2 / 408 ) من طريق عثمان بن صالح حدثنا ابن

لهيعة : حدثني يزيد ابن أبي حبيب به .

و تابعهما عبد الله بن وهب فقال : أخبرنا ابن لهيعة به .

أخرجه البيهقي و كذا أبو الحسن القصار في " حديثه عن ابن أبي حاتم " ( 2 / 2 )

و ابن الحمصي الصوفي في " منتخب من مسموعاته " ( 33 / 1 ) و ابن منده في

" المعرفة " ( 2 / 321 / 2 ) .

و قال البيهقي : إسناده ضعيف . " تفرد به ابن لهيعة " .

 

قلت : و قال ابن الملقن في " خلاصة الإبريز للنبيه , حافظ أدلة التنبيه "

( ق 89 / 2 ) : " و قد ضعفوه , و وثقه بعضهم " .

و قال الحافظ في " فتح الباري " ( 1 / 266 ) :

" رواه أبو داود و غيره , و في إسناده ضعف , و له شاهد مرسل " .

و نقله عنه صاحب " عون المعبود " ( 1 / 141 - 142 ) و أقره !

و قال الحافظ أيضا في " بلوغ المرام " :

" أخرجه الترمذي , و سنده ضعيف " .

قال شارحه الصنعاني ( 1 / 55 ) تبعا لأصله " بدر التمام " ( 1 / 29 / 1 ) :

" و كذلك أخرجه البيهقي , و فيه ابن لهيعة " .

و اغتر بقول الحافظ هذا جماعة فعزوه تبعا له إلى الترمذي , منهم صديق حسن خان

في " الروضة الندية " ( 1 / 17 ) , و من قبله الشوكاني في " نيل الأوطار "

فقال ( 1 / 35 ) :

" أخرجه الترمذي و أحمد و أبو داود , و البيهقي من طريقين عن خولة بنت يسار ,

و فيه ابن لهيعة " .

و كذا قال الحافظ في " التلخيص " ( 13 ) لكنه لم يذكر الترمذي و أحمد .

 

أقول : و في كلمات هؤلاء الأفاضل من الأوهام ما لا يجوز السكوت عليه فأقول :

 

أولا : عزوه الترمذي و هم محض , فإنه لم يخرجه البتة , و إنما أشار إليه عقب

حديث أسماء الآتي بقوله :

" و في الباب عن أبي هريرة , و أم قيس بنت محصن " .

و لذلك لما شرع ابن سيد الناس في تخريج الحديث كعادته في تخريج أحاديث الترمذي

المعلقة لم يزد على قوله :

" رواه أحمد " , فلم يعزه لأي موضع من " سننه " , بل و لا لأي كتاب من كتبه

الأخرى . و كذلك صنع المباركفوري في شرحه عليه . إلا أنه جاء بوهم آخر ! فقال

( 1 / 128 ) .

" أخرجه أبو داود و النسائي و ابن ماجه " !

 

ثانيا : إطلاق الضعف على ابن لهيعة و إسناد حديثه هذا , ليس بصواب فإن المتقرر

من مجموع كلام الأئمة فيه أنه ثقة في نفسه , و لكنه سيىء الحفظ , و قد كان يحدث

من كتبه فلما احترقت حدث من حفظه فأخطأ , و قد نص بعضهم على أن حديثه صحيح إذا

جاء من طريق أحد العبادلة الثلاثة : عبد الله بن وهب , و عبد الله بن المبارك ,

و عبد الله بن يزيد المقرىء , فقال الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي :

إذا روى العبادلة عن ابن لهيعة فهو صحيح , ابن المبارك و ابن وهب و المقرىء .

و ذكر الساجي و غيره مثله . و نحوه قول نعيم بن حماد : سمعت ابن مهدي يقول :

" لا أعتد بشيء سمعته من حديث ابن لهيعة إلا سماع ابن المبارك و نحوه " .

و قد أشار الحافظ ابن حجر إلى هذا بقوله في " التقريب " :

" صدوق , خلط بعد احتراق كتبه , و رواية ابن المبارك و ابن وهب عنه أعدل من

غيرهما " .

فإذا عرفت هذا تبين لك أن الحديث صحيح لأنه قد رواه عنه أحد العبادلة و هو

عبد الله بن وهب عند البيهقي و غيره , كما سبق , فينبغي التفريق بين طريق

أبي داود و غيره عن ابن لهيعة , فيقال : إنها ضعيفة , و بين طريق البيهقي ,

فتصحح لما ذكرنا . و هذا تحقيق دقيق استفدناه من تدقيقات الأئمة في بيان أحوال

الرواة تجريحا و تعديلا . و التوفيق من الله تعالى .

 

ثالثا : قول الشوكاني : " إن الحديث أخرجه أحمد و أبو داود و البيهقي من طريقين

عن خولة بنت يسار , و فيه ابن لهيعة ". و هم أيضا , فإنه ليس للحديث عندهم إلا

الطريق المتقدم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عيسى بن طلحة عن أبي هريرة

أن خولة بنت يسار .

فالطريق ينتهي إلى أبي هريرة لا خولة , و عنه عيسى بن طلحة , ليس إلا .

نعم قد رواه ابن لهيعة مرة على وجه آخر في شيخه فقال في رواية موسى بن داود

الضبي عنه قال : حدثنا ابن لهيعة عن عبيد الله بن أبي جعفر عن عيسى بن طلحة به

.

أخرجه أحمد ( 2 / 344 ) , فهذا إن كان ابن لهيعة قد حفظه من طريق أخرى له عن

عيسى بن طلحة , و إلا فهو من أوهامه لأنها ليست من رواية أحد العبادلة عنه بل

هي مخالفة لها كما سبق , و سواء كان هذا أو ذاك فلا يصح أن يقال في هذه الطريق

أنها طريق أخرى و عن خولة أيضا !!

و لعل الشوكاني أراد بالطريق الأخرى ما أخرجه البيهقي عقب حديث أبي هريرة , من

طريق مهدي بن حفص حدثنا علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة ابن عبد

الرحمن عن خولة بنت يمان قالت :

" قلت : يا رسول الله , إني أحيض , و ليس لي إلا ثوب واحد , فيصيبه الدم .

قال : اغسليه و صلي فيه . قلت : يا رسول الله , يبقى أثره . قال : لا يضر " .

و قال : " قال إبراهيم الحربي : الوازع بن نافع غيره أوثق منه , و لم يسمع خولة

بنت يمان أو يسار إلا في هذين الحديثين " .

 

و أخرجه ابن منده في " المعرفه " ( 2 / 321 / 2 ) و ابن سيد الناس في

" شرح الترمذي " ( 1 / 48 / 2 ) من طريق عثمان بن أبي شيبة , أنبأنا علي

ابن ثابت الجزري به , إلا أن الأول منهما قال " خولة " و لم ينسبها ,

و قال الآخر : " خولة بنت حكيم " و هو عنده من طريق الطبراني عن ابن أبي شيبة ,

و كذلك ذكره الهيثمي في " المجمع " ( 1 / 282 ) من رواية الطبراني في الكبير

و قال : " و فيه الوازع بن نافع و هو ضعيف " .

 

قلت : بل هو متروك شديد الضعف , أورده الذهبي في " الضعفاء " و قال :

" قال أحمد و يحيى : ليس بثقة " . و لذلك تعقب ابن التركماني البيهقي في تركه

مثل هذا التجريح و اختصاره على كلام إبراهيم الحربي الموهم بظاهره أنه ثقة لكن

غيره أوثق منه ! مع أنه ليس بثقة . و لعل قوله في رواية البيهقي " بنت يمان " ,

و قوله " بنت حكيم " في رواية الطبراني و غيره , إنما هو من الوازع هذا , و من

العجائب قول ابن عبد البر في " الاستيعاب " في ترجمة خولة بنت يسار بعد أن ذكر

حديثها المتقدم :

" روى عنها أبو سلمة , و أخشى أن تكون خولة بنت اليمان , لأن إسناد حديثهما

واحد , إنما هو علي بن ثابت عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة بالحديث الذي ذكرنا

في اسم خولة بنت اليمان ( يعني حديث : " لا خير في جماعة النساء ... " )

و بالذي ذكرنا ههنا , إلا أن من دون علي بن ثابت يختلف في الحديثين , و في ذلك

نظر " .

و وجه العجب أن الحديث الذي أشار إليها بقوله " و بالذي ذكرنا هنا " إنما هو

هذا الحديث الذي نحن في صدد الكلام عليه " و لا يضرك أثره " و هو الذي ذكره

ابن عبد البر في ترجمة بنت يسار هذه كما أشرت إليه آنفا , و هو ليس من رواية

أبي سلمة هذا عنها و لا عن غيرها , و إنما هو من رواية عيسى بن طلحة عن أبي

هريرة كما سبق , فهذا طريق آخر للحديث , و فيه وقع اسمها منسوبا إلى يسار ,

و السند بذلك صحيح , فكيف نخشى أن يكون ذلك خطأ و الصواب بنت يمان مع أن راويه

علي بن ثابت ضعيف كما أشار إليه ابن عبد البر بل هو متروك كما سبق . و أعجب من

ذلك أن الحافظ ابن حجر لما نقل كلام ابن عبد البر إلى قوله " لأن إسناد حديثهما

واحد " رد عليه بقوله : " قلت : لا يلزم من كون الإسناد إليهما واحدا مع اختلاف

المتن أن تكون واحدة " فسلم بقوله إن الإسناد واحد , مع أنه ليس كذلك , و هو

الإمام الحافظ , فجل من لا يسهو و لا ينسى تبارك و تعالى .

 

رابعا : قول الحافظ فيما سبق : " و له شاهد مرسل " , و هم أيضا , فإننا لا نعلم

له شاهدا مرسلا , و لا ذكره الحافظ في " التلخيص " و إنما ذكر له شاهدا موقوفا

عن عائشة قالت :

" إذا غسلت المرأة الدم فلم يذهب فلتغيره بصفرة ورس أو زعفران " . أخرجه

الدارمي ( 1 / 238 ) و سكت عليه الحافظ ( 13 ) و سنده صحيح على شرط الشيخين .

و رواه أبو داود بنحوه . انظر " صحيح أبي داود " ( ج 3 رقم 383 ) .

و الحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صلى الله عليه وسلم بغسله , و ظاهره

أنه يكفي فيه الغسل , و لا يجب فيه استعمال شيء من الحواد و المواد القاطعة

لأثر الدم , و يؤيده الحديث الآتي :

" إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ( و في رواية :

ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره ) ثم لتصلي فيه " .

299  " إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم لتنضحه بالماء ( و في رواية :

ثم اقرصيه بماء ثم انضحي في سائره ) ثم لتصلي فيه " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 536 :

 

أخرجه مالك ( 1 / 79 ) و عنه البخاري ( 1 / 325 ) و مسلم ( 1 / 166 )

و أبو داود ( ج 3 رقم 386 - صحيحه ) و البيهقي ( 1 / 13 ) كلهم عن مالك عن هشام

بن عروة عن فاطمة بنت المنذر بن الزبير عن # أسماء بنت أبي بكر الصديق # أنها

قالت :

" سألت امرأة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : أرأيت إحدانا إذا أصاب

ثوبها الدم من الحيضة كيف تصنع فيه ? فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ... "

فذكره .

 

و تابعه يحيى بن سعيد عن هشام به .

أخرجه البخاري ( 1 / 264 ) و مسلم و البيهقي ( 2 / 406 )

و أحمد ( 6 / 346 , 353 ) .

و تابعه حماد بن سلمة عنه به , و زاد : " و انضحي ما حوله " .

أخرجه أبو داود ( رقم 387 ) و النسائي ( 1 / 69 ) و أبو داود الطيالسي ( 1638 )

و الزيادة له , و لأبي داود معناها .

 

قلت : و سنده على شرط مسلم . و تابعه وكيع عنه .

أخرجه مسلم . و يحيى بن عبد الله بن سالم و عمرو بن الحارث .

أخرجه مسلم و البيهقي . و تابعه عيسى بن يونس عنه .

أخرجه أبو داود . و تابعه أبو خالد الأحمر عن هشام به .

أخرجه ابن ماجه ( 1 / 217 ) : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا أبو خالد الأحمر

به . و لفظه : " اقرصيه , و اغسليه و صلي فيه " .

و تابعه أبو معاوية قال : حدثنا هشام به .

أخرجه أحمد ( 6 / 345 و 353 ) .

و تابعه سفيان بن عيينة عن هشام به إلا أنه قال : " اقرصيه بالماء ثم رشيه " .

أخرجه الترمذي ( 1 / 254 - 255 ) و الدارمي ( 1 / 239 ) و الشافعي في " الأم "

( 1 / 58 ) و البيهقي ( 1 / 13 , 2 / 406 ) .

و قال الترمذي : " و في الباب عن أبي هريرة , و أم قيس بنت محصن " . قال :

" حديث أسماء حديث حسن صحيح " .

 

( تنبيه ) اتفق جميع هؤلاء الرواة عن هشام بن عروة على تنكير المرأة السائلة

و عدم تسميتها , إلا سفيان بن عيينة في رواية الشافعي و عمرو بن عون عند

الدارمي فإنهما قالا عنه :

" عن أسماء قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فجعلا الراوية هي السائلة , و خالفهما الحميدي عند البيهقي و ابن أبي عمر عند

الترمذي فقالا عن سفيان بن عيينة مثل رواية الجماعة . و لا شك أنها هي المحفوظة

.

و رواية الشافعي و ابن عون شاذة لمخالفتها لرواية الجماعة عن هشام , و رواية

الحميدي و ابن أبي عمر عن سفيان , و لذلك ضعفها النووي فأصاب , و لكنه لم يفصح

عن العلة , فأوهم ما لا يريد , و لذلك تعقبه الحافظ في " الفتح " فقال

( 1 / 264 ) بعد أن ذكر رواية الشافعي هذه :

" و أغرب النووي فضعف هذه الرواية بلا دليل , و هي صحيحة الإسناد لا علة لها ,

و لا بعد في أن يهم الراوي اسم نفسه كما سيأتي في حديث أبي سعيد في قصة الرقية

بفاتحة الكتاب " .

و قال في " التلخيص " ( 13 ) :

" ( تنبيه ) : زعم النووي في " شرح المهذب " أن الشافعي روى في " الأم أن أسماء

هي السائلة بإسناد ضعيف . و هذا خطأ , بل إسناده في غاية الصحة , و كأن النووي

قلد في ذلك ابن الصلاح , و زعم جماعة ممن تكلم على " المهذب " أنه غلط في قوله

إن أسماء هي السائلة , و هم الغالطون " .

 

قلت : كلا , بل هم المصيبون , و الحافظ هو الغالط , و السبب ثقته البالغة بحفظ

الشافعي و هو حري بذلك , لكن رواية الجماعة أضبط و أحفظ , و يمكن أن يقال : إن

الغلط ليس من الشافعي , بل من ابن عيينة نفسه , بدليل أنه صح عنه الروايتان ,

الموافقة لرواية الجماعة , و المخالفة لها , فروى الشافعي و الذي معه هذه ,

و روى الحميدي و الذي معه رواية الجماعة , فكانت أولى و أصح , و خلافها معلولة

بالشذوذ , و لو أن الحافظ رحمه الله جمع الروايات عن هشام كما فعلنا , لم يعترض

على النووي و من معه , بل لوافقهم على تغليطهم لهذه الرواية .

و العصمة لله وحده .

و أما قوله " و لا بعد في أن يبهم الراوي ... " فمسلم , و لكن ذلك عندما لا

تكون الرواية التي وقع فيها التسمية شاذة كما هنا .

و مما يؤيد ما تقدم أن محمد بن إسحاق قد تابع هشاما على روايته فقال :

حدثتني فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر قالت :

" سمعت امرأة تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثوبها إذا طهرت من محيضها

كيف تصنع به ? قال : إن رأيت فيه دما فحكيه , ثم اقرصيه بماء , ثم انضحي في

سائره فصلي فيه " .

 

أخرجه أبو داود ( 385 ) و الدارمي ( 1 / 239 ) و السياق له و البيهقي

( 2 / 406 ) و سنده حسن .

فقولها " سمعت امرأة " مما يبعد أن تكون هي السامعة كما هو ظاهر .

 

( تنبيه ) في هذه الرواية زيادة " ثم انضحي في سائره " , و هي زيادة هامة لأنها

تبين أن قوله في رواية هشام " ثم لتنضحه " ليس المراد نضح مكان الدم , بل الثوب

كله . و يشهد لها حديث عائشة قالت :

" كانت إحدانا تحيض ثم تقرص الدم من ثوبها عند طهرها فتغسله و تنضح على سائره ,

ثم تصلي فيه " .

 

أخرجه البخاري ( 1 / 326 ) و ابن ماجه ( 1 / 217 ) و البيهقي ( 2 / 406 - 407 )

.

و ظاهر الحديث يدل كالحديث الذي قبله على أن الماء يكفي في غسل دم الحيض و أنه

لا يجب فيه استعمال شيء من الحواد كالسدر و الصابون و نحوه , لكن قد جاء ما يدل

على وجوب ذلك و هو الحديث الآتي .

" حكيه بضلع , و اغسليه بماء و سدر " .

300  " حكيه بضلع و اغسليه بماء و سدر " .

 

قال الألباني في "السلسلة الصحيحة" 1 / 539 :

 

أخرجه أبو داود ( 1 / 141 - بشرح عون المعبود ) و النسائي ( 1 / 69 ) و الدارمي

( 1 / 239 ) و ابن ماجه ( 1 / 217 ) و ابن حبان في " صحيحه " ( 235 ) و البيهقي

( 2 / 407 ) و أحمد ( 6 / 355 , 356 ) من طرق عن سفيان : حدثني ثابت الحداد

حدثني عدي بن دينار قال : سمعت # أم قيس بنت محصن # تقول :

" سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن دم الحيض يكون في الثوب ? قال ... " فذكره

.

قلت : و هذا سند صحيح و رجاله كلهم ثقات , و في ثابت الحداد و هو ابن هرمز

الكوفي مولى بكر بن وائل خلاف يسير , وثقه أحمد و ابن معين و ابن المديني

و غيرهم , و تكلم فيه بعضهم بدون حجة , و في " التقريب " : " صدوق يهم " .

و كأنه لهذا لم يصحح الحافظ في " الفتح " ( 1 / 266 ) إسناده , بل قال :

" إسناده حسن " . و قال في " التهذيب " :

" و أخرج ابن خزيمة و ابن حبان حديثه في الحيض في " صحيحيهما " , و صححه ابن

القطان , و قال عقبه : لا أعلم له علة , و ثابت ثقة و لا أعلم أحدا ضعفه غير

الدارقطني " .

 

و نقل في " التلخيص " ( ص 12 - 13 ) تصحيح ابن القطان هذا و أقره , و هو

الصواب .

 

( تنبيه ) : قوله " بضلع " كذا وقع عند جميع من أخرج الحديث بالضاد المعجمة ,

و هو بالكسر و فتح اللام و يكسر , و هو العود .

 

لكن قال الحافظ في " التلخيص "  ( 13 ) :

" ضبطه ابن دقيق العيد بفتح الصاد المهملة و إسكان اللام ثم عين مهملة و هو

الحجر . قال : و وقع في بعض المواضع بكسر الضاد المعجمة و فتح اللام , و لعله

تصحيف لأنه لا معنى يقضي تخصيص الضلع بذلك . كذا قال .

لكن قال الصغاني في " العباب " في مادة " ضلع " بالمعجمة :

" و في الحديث حتيه بضلع " .

قال ابن الأعرابي : الضلع ههنا العود الذي فيه اعوجاج .

و كذا ذكره الأزهري في المادة المذكورة و زاد عن الليث :

قال : " الأصل فيه ضلع الحيوان فسمي به العود الذي يشبهه " .

 

فقه الحديث

-----------

يستفاد من هذه الأحاديث أحكام كثيرة أذكر أهمها :

 

الأول : أن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات , لأن جميع

النجاسات بمثابة دم الحيض , و لا فرق بينه و بينها اتفاقا . و هو مذهب الجمهور

و ذهب أبو حنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر .

 

قال الشوكاني ( 1 / 35 ) :

" و الحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابا و سنة وصفا مطلقا غير مقيد

لكن القول بتعينه و عدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل و فرك المني , و إماطته

بإذخرة , و أمثال ذلك كثير , فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد

النجاسات المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص , لكنه إن كان ذلك الفرد

المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها و عدم

مساواة غيره له فيها , و إن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى الماء

لذلك , و إن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على

فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو

اللازم لحصول الامتثال به بالقطع , و غيره مشكوك فيه . و هذه طريقة متوسطة بين

القولين لا محيص عن سلوكها " .

 

قلت : و هذا هو التحقيق فشد عليه بالنواجذ . و مما يدل على أن غير الماء لا

يجزىء في دم الحيض قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الثاني : " يكفيك الماء "

فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي . فتأمل .

 

الثاني : أنه يجب غسل دم الحيض و لو قل , لعموم الأمر , و هل يجب استعمال شيء

من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر و الصابون و نحوهما ? فذهب الحنفية و غيرهم

إلى عدم الوجوب مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين , و ذهب الشافعي

و العترة كما في " نيل الأوطار " ( 1 / 35 - 36 ) إلى الوجوب و استدلوا بالأمر

بالسدر في الحديث الثالث و هو من المواد , و جنح إلى هذا الصنعاني فقال في

" سبل السلام " ( 1 / 55 ) ردا على الشارح المغربي في قوله " و القول الأول

أظهر " :

" و قد يقال : قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بالماء و السدر , و السدر من

الحواد و الحديث , الوارد به في غاية الصحة كما عرفت , فيقيد به ما أطلق في

غيره ( كالحديثين السابقين ) و يخص الحاد بدم الحيض , و لا يقاس عليه غيره من

النجاسات , و ذلك لعدم تحقق شروط القياس , و يحمل حديث " و لا يضرك أثره " ,

و قول عائشة : " فلم يذهب " أي بعد الحاد " .

 

قلت : و هذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث , و من الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له

في " المحلى " ( 1 / 102 ) بذكر , فكأنه لم يبلغه .

 

الثالث : أن دم الحيض نجس للأمر بغسله , و عليه الإجماع كما ذكره الشوكاني

( 1 / 35 ) عن النووي , و أما سائر الدماء فلا أعلم نجاستها اللهم إلا ما ذكره

القرطبي في " تفسيره " ( 2 / 221 ) من " اتفقا العلماء على نجاسة الدم " .

هكذا قال " الدم " فأطلقه , و فيه نظر من وجهين :

 

الأول : أن ابن رشد ذكر ذلك مقيدا , فقال في " البداية " ( 1 / 62 ) :

" اتفق العلماء على أن دم الحيوان البري نجس " و اختلفوا في دم السمك .. "  .

 

و الثاني : أنه قد ثبت عن بعض السلف ما ينافي الإطلاق المذكور , بل إن بعض ذلك

في حكم المرفوع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم .

 

1 - قصة ذلك الصحابي الأنصاري الذي رماه المشرك بثلاثة أسهم و هو قائم يصلى

فاستمر في صلاته و الدماء تسيل منه . و ذلك في غزوة ذات الرقاع , كما أخرجه

أبو داود و غيره من حديث جابر بسند حسن كما بينته في " صحيح أبي داود " ( 192 )

و من الظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم علم بها , لأنه يبعد أن لا يطلع النبي

صلى الله عليه وسلم على مثل هذه الواقعة العظيمة . و لم ينقل أنه أخبره بأن

صلاته بطلت كما قال الشوكاني ( 1 / 165 ) .

 

2 -  عن محمد بن سيرين عن يحيى الجزار قال : صلى ابن مسعود و على بطنه فرث و دم

من جزور نحرها , و لم يتوضأ . أخرجه عبد الرزاق في " الأمالي " ( 2 / 51 / 1 )

و ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 151 / 1 ) و الطبراني في " المعجم الكبير "

( 3 / 28 / 2 ) و إسناده صحيح أخرجوه من طرق عن ابن سيرين و يحيى ابن الجزار

قال ابن أبي حاتم ( 4 / 2 / 133 ) : " و قال أبي و أبو زرعة : ثقة " .

 

3 - ذكر ابن رشد اختلاف العلماء في دم السمك , و ذكر أن السبب في اختلافهم هو

إختلافهم في ميتته , فمن جعل ميتتة داخلة تحت عموم التحرير جعل دمه كذلك , و من

أخرج ميتتة أخرج دمه قياسا على الميتة " .

فهذا يشعر بأمرين :

أحدهما : أن إطلاق الاتفاق على نجاسة الدم ليس بصواب لأن هناك بعض الدماء اختلف

في نجاستها كدم السمك مثلا , فما دام أن الاتفاق على إطلاقه لم يثبت , لم يصح

الاستدلال به على موارد النزاع , بل وجب الرجوع فيه إلى النص , و النص إنما دل

على نجاسة دم الحيض , و ما سوى ذلك فهو على الأصل المتفق عليه بين المتنازعين

و هو الطهارة فلا يخرج منه إلا بنص تقوم به الحجة .

الأمر الآخر : أن القائلين بنجاسة الدماء ليس عندهم حجة إلا أنه محرم بنص

القرآن فاستلزموا من التحريم التنجيس كما فعلوا تماما في الخمر و لا يخفى أنه

لا يلزم من التحريم التنجيس بخلاف العكس كما بينه الصنعاني في " سبل السلام "

ثم الشوكاني و غيرهما , و لذلك قال المحقق صديق حسن خان في " الروضة الندية "

( 1 / 18 ) بعد أن ذكر حديث أسماء المتقدم و حديث أم قيس الثالث :

" فالأمر بغسل دم الحيض و حكه بضلع يفيد ثبوت نجاسته , و إن اختلف وجه تطهيره ,

فذلك لا يخرجه عن كونه نجسا , و أما سائر الدماء فالأدلة مختلفة , مضطربة

و البراءة الأصلية مستصحبة , حتى يأتي الدليل الخالص عن المعارضة الراجحة

أو المساوية , و لو قام الدليل على رجوع الضمير في قوله تعالى ( فإنه رجس )

إلى جميع ما تقدم في الآية الكريمة من الميتة و الدم المسفوح و لحم الخنزير ,

لكان ذلك مفيدا لنجاسة الدم المسفوح و الميتة , و لكن لم يرد ما يفيد ذلك ,

بل النزاع كائن في رجوعه إلى الكل أو إلى الأقرب , و الظاهر الرجوع إلى الأقرب

و هو لحم الخنزير , لإفراد الضمير و لهذا جزمنا هنا بنجاسة لحم الخنزير دون

الدم الذي ليس بدم حيض . و من رام تحقيق الكلام في الخلاف الواقع في مثل هذا

الضمير المذكور في الآية , فليرجع إلى ما ذكره أهل الأصول في الكلام على القيد

الواقع بعد جملة مشتملة على أمور متعددة " .

 

و لهذا لم يذكر الشوكانى في النجاسات من " الدرر البهية " الدم على عمومه ,

و إنما دم الحيض فقط , و تبعه على ذلك صديق حسن خان كما رأيت فيما نقلته عنه

آنفا . و أما تعقب العلامة أحمد شاكر في تعليقه على " الروضة " بقوله :

" هذا خطأ من المؤلف و الشارح , فإن نجاسة دم الحيض ليست لأنه دم حيض بل لمطلق

الدم , و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهوما أن الدم نجس , و لو لم يأت لفظ

صريح بذلك , و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .

 

قلت : فهذا تعقب لا طائل تحته , لأنه ليس فيه إلا مجرد الدعوى , و إلا فأين

الدليل على نجاسة دم الحيض ليس لأنه دم حيض بل لمطلق الدم ? و لو كان هناك دليل

على هذا لذكره هو نفسه و لما خفي إن شاء الله تعالى على الشوكاني و صديق خان

و غيرهما . و مما يؤيد ما ذكرته أن ابن حزم على سعة اطلاعه لم يجد دليلا على

نجاسة الدم مطلقا , إلا حديثا واحدا و هو إنما يدل على نجاسة دم الحيض فقط كما

سيأتي بيانه , فلو كان عنده غيره لأورده , كما هي عادته في استقصاء الأدلة لا

سيما ما كان منها مؤيدا لمذهبه .

و أما قول الشيخ أحمد شاكر :

" و المتتبع للأحاديث يجد أنه كان مفهموما أن الدم نجس " .

فهو مجرد دعوى أيضا , و شيء لم أشعر به البتة فيما وقفت عليه من الأحاديث بل

وجدت فيها ما يبطل هذه الدعوى كما سبق في حديث الأنصاري و حديث ابن مسعود .

و مثل ذلك قوله :

" و قد كانوا يعرفون ما هو قذر نجس بالفطرة الطاهرة " .

فما علمنا أن للفطرة مدخلا في معرفة النجاسات في عرف الشارع , ألا ترى أن

الشارع حكم بطهارة المني , و نجاسة المذي , فهل هذا مما يمكن معرفته بالفطرة ,

و كذلك ذهب الجمهور إلى نجاسة الخمر , و إنها تطهر إذا تخللت , فهل هذا مما

يمكن معرفته بالفطرة ? اللهم لا . فلو أنه قال " ما هو قذر " و لم يزد لكان

مسلما . و الله تعالى ولي الهداية و التوفيق .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية

  مناظرة ابن تيمية العلنية لدجاجلة البطائحية الرفاعية ( وهي من أعظم ما تصدى له وقام به شيخ الإسلام تقي الدين أحمد بن تيمية قدس الله روحه م...